تتمة فوائد قوله تعالى : ((أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير )) .
ومن فوائد الآية الكريمة: عموم قدرة الله تبارك وتعالى لقوله: (( وهو على كل شيء قدير )) .
ومن فوائدها : الحث ـ أعني حث الإنسان ـ على أن يدعوا الله بكل ما أراد ما لم يتعدي في الدعاء، انتبه هذه فائدة تربوية أن تدعوا الله بكل شيء إلا ما حرم الله عليك الدعاء به، لقوله : (( وهو على كل شيء قدير )) فإنك إذا دعوت الله عز وجل بأي شيء لا تيأس، لا تقول : هذا لا يمكن إلا ما كان عدوانا واعتداء فلا يجوز، وهذا يفتح للإنسان باب الرجاء وباب دعاء الله واللجوء إليه، لو كان عندك مريض مدنف أيست منه، فقلت: والله ما أقدر أدعوا الله عز وجل لأن الرجل وصل إلى حالة خطيرة، فهذا لا شك غلط، لأن الله على كل شيء قدير، فادعوا الله، إنسان تقطعت به الأسباب، طلب الرزق في البيع والشراء فخسر، طلب الرزق في التقديم للوظيفة فلم ينجح، وهكذا، قال : إذا خلاص ما حاجة أدعوا، ماذا نقول له ؟ نقول : هذا خطأ وغلط، ادعوا الله فالله على كل شيء قدير، كم من إنسان دعوا له الغاسل، واشتروا له الكفن، وقربوا له النعش، وتهيأ أصحابه لتشييعه، ثم يعافيه الله عز وجل، لأن الله على كل شيء قدير، إذا متى آمنت بأن الله على كل شيء قدير فلا تستصعب شيئا على قدرة الله، اسأل كل شيء ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم ولا تيأس ولهذا قال : (( وهو على كل شيء قدير )) وهذه الجملة كما قلت لكم : تفيد أن الإنسان لا ييأس من رحمة الله عز وجل، وأن يدعوا الله تعالى بكل ما أراد ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم.
1 - تتمة فوائد قوله تعالى : ((أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير )) . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) .
أولا : أنه لابد أن يكون اختلاف بين الناس، وهذا هو الواقع، يعني لا يمكن أن ترفع الاختلاف بين الناس لابد أن يختلفوا، وسبب الاختلاف كثيرة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " وهو كتاب مختصر نافع، لخصناه وزدنا عليه بعض الشيء، وذكرنا بعض الأمثلة التطبيقية على القواعد التي ذكرها رحمه الله في كتابنا الرسالة صغير اسمها " اختلاف العلماء وموقفنا منه " وهو مفيد .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الواجب عند الاختلاف الرجوع إلى حكم الله، لقول الله تعالى: (( فحكمه إلى الله )).
ومن فوائد الآية الكريمة : أن حكمه إلى الله في الدنيا والآخرة لعموم قوله : (( فحكمه إلى الله )) وأما من خص ذلك في الآخرة فغلط، حتى في أمور الدنيا نرجع إلى حكم الله كما قال تعالى : (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر )) [النساء:59].
ومن فوائدها : تحريم الرجوع إلى القوانين البشرية عند الاختلاف لقوله : (( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله )) لا إلى غيره، فإن قال قائل: ألستم تقولون أن قول الصحابي حجة ؟ فالجواب: بلى، على خلاف في هذا، المسألة ما هي إجماعية، لكن على القول بأن فقهاء الصحابة أقوالهم حجة قلنا : بلى، نقول : بذلك لكننا مستندون إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )) لأن الصحيح أن الخلفاء الراشدين معلقة بأوصاف لا بأعيان، يعني ليس الخلفاء الراشدون هم الأربعة بل كل من خلف النبي صلى الله عليه وسلم في أمته علما ودعوة وتعليما هذا خليفة راشد، أرشد من خلف النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رجوعا إلى حكم الله عز وجل .
ومن فوائد الآية الكريمة : إعلان النبي صلى الله عليه وسلم بالإخلاص والتوحيد لقوله : (( ذلكم الله ربي )) أي ذالكم الذي يرجع إلى حكمه هو الله ربي .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم التوكل على الله وحده لقوله : (( عليه توكلت )) لكن كلمة وحده من أين أخذناها ؟ من الحصر الذي طريقه تقديم ما حقه التأخير .
ومن فوائد الآية الكريمة : أيضا أن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الإنابة إلى الله تعالى وحده لقوله : (( وإليه أنيب )) وإذا كان هذا من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وجب علينا أن نأخذ به لقوله تعالى : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً )) .
2 - فوائد قوله تعالى : (( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) . أستمع حفظ
هل من الاعتداء في الدعاء طلب الهداية للناس جميعا مؤمنهم وكافرهم .؟
الشيخ : لا، ليس من الاعتداء، لأن الناس في عصرك ماذا يمثلون بالنسبة للبشر كلهم ؟ قليل، فليس من الاعتداء في الدعاء .
قلنا إن الذي يحي ويميت هو الله تعالى فيكف ما يحصل من بعض السحرة من إحياء الموتى .؟
الشيخ : هل الساحر يحيي ويميت ؟
الطالب: كيف يرد عليه ؟
الشيخ : نقول : ليس يحيي ولا يميت، يعني إن خيل للناس أن الميت تحرك فهو لم يتحرك حقيقة، ولهذا لو جاء أحد لم يدرك الساحر الذي غشى به على الناس لأدركه ميتا لا يتحرك.
نحن قلنا صفة حقيقية هنا ؟ إثبات الرحمة لله ثم قسمناها نحن، ما قسمناها باعتبار الآية هذه، قسمنا الرحمة عموما .
مناقشة تفسير قوله تعالى : (( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) .
هل يؤخذ من هذا تحريم الحكم بالقوانين ؟ إذا كانت هذه القوانين تخالف الشريعة فإنه يحرم الرجوع إليها. طيب لو اضطر الإنسان إلى التحاكم إلى القوانين الوضعية ؟ ... أصل التحاكم، يعني إذا كان قصده الوصول إلى حقه فهذا جائز، أما إذا كان قصده التحاكم إليهم بمعنى أن حكمهم هو النافذ فهذا لا يجوز طيب.
على الوجه الأول ما وجه الجواز ؟ ... يعني كأنهم جعلهم بمنزلة الشُرط الذين يستنقذون حقه، لا على أنهم حكام على أنه يتوصل إلى حقه بهم طيب.
قوله تعالى (( عليه توكلت )) فيها حصر أو لا ؟ ما طريقه ؟ ... تقديم ما حقه التأخير هذا التعليل بالأعم أحسن، لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر طيب.
ما معنى التوكل ؟ ... تفويض الأمر إلى الله تعالى تفويضا كاملا على أنك أنت مفتقر إلى الله عز وجل طيب. ما الفرق بين التوكل على الله وعلى الإنسان ؟ ... التوكل على الإنسان يعني استخدامه في حاجة توكله عليها، وفي هذه الحال تعتقد أنك أنت فوقه، ولهذا لو شئت لفسخت الوكالة، لكن التوكل على الله تعتمد على الله عز وجل مفوضا الأمر إليه على أنه هو الفاعل كما يشاء، واضح ؟ طيب.
5 - مناقشة تفسير قوله تعالى : (( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) . أستمع حفظ
قراءة الآيات القرآنية .
القارئ : (( فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))[الشورى:11-12] .
تفسير قوله تعالى : (( فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .
7 - تفسير قوله تعالى : (( فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( فاطر السموات والأرض )) مبدعهما (( جعل لكم من أنفسكم أزواجا )) حيث خلق حواء من ضلع آدم (( ومن الأنعام أزواجا )) ذكورا وإناثا (( يذرؤكم )) بالمعجمة يخلقكم (( فيه )) في الجعل المذكور ، أي يكثركم بسببه بالتوالد والضمير للأناسي والأنعام بالتغليب .
(( جعل لكم من أنفسكم أزواجا )) أي صير لكم من أنفسكم أزواجا قال الشارح : " حيث خلق حواء من ضلع آدم " كأنه يميل رحمه الله إلى أن المراد بالأزواج هنا حواء، ولكن هذا غير صحيح، بل جعل من أنفسنا أزواجا يعني نساء مشاكلات لنا، لم تكن الأنثى بعيدة عن شكل الرجل، لأنها لو كانت بعيدة عن شكل الرجل ما ألفها ولا جعل الله بينهم مودة ورحمة، وقوله إذا : (( من أنفسكم )) أي من جنسكم، وليس المراد من نفس الإنسان جعل له زوجة لا، لو كانت من نفسه لم تكن زوجة لأنه تكون بنته، لأنها تكون بنته، لكن المراد من أنفسكم أي من جنسكم، كما قال الله تعالى (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها )).
(( و )) جعل لكم أيضا (( من الأنعام أزواجا )) الأنعام جمع نعم كبهيمة الأنعام، أزواجا أي ذكورا وإناثا من أجل الإنتاج والتنمية وغير ذلك من المصالح، قال : " (( يذرؤكم فيه )) بالمعجمة يخلقكم " ما معنى المعجمة ؟ هل في القرآن شيء عجمي ؟ لا، لكن يعبرون عن المنقوط بأنه معجم من باب تسمية الشيء بضده، وإلا فهو معرب في الواقع، لأنه لولا هذه النقط مثلا لأشكل ولم يفهم المعنى، إذا المعجم المنقط، وسمي بذلك من باب تسمية الشيء بضده، كما يسمون التعبد بالتحنث كما في حديث بدء الوحي: يتحنث فيه أي يتعبد، طيب المعجمة ضدها المهملة، الشين ضد السين، الذال معجمة ضد الدال، أما الحركات فيسمونها مثلثة أو بالوجهين أو ما أشبه ذلك، وأحيانا يقولون : إذا كانت الكلمتان المشتبهتان كلتاهما معجمة قالوا : بالمثلثة مثل التاء والثاء لو قالوا : معجمة ما زال الإشكال ولكن يقولون : بالمثلثة، الطاء والظاء يقولون بالظاء المشالة التي فيها ألف احترازا من الضاد لأنها غير مشالة، المهم اصطلاحات معروفة عند العلماء وقوله : " يخلقكم " فسر يذرأ بيخلق وهو تفسير ناقص، لأن يذرأ لها معنى زائد على الخلق وهو البث والانتشار، كما قال تعالى في آية أخرى : (( وبث فيها من كل دابة )) فالذرء أخص من الخلق، فمعنى يذرؤكم إذا: يبثكم وينشركم، ثم قال: " (( فيه )) أي الجعل المذكور أي يكثركم بسببه " فسر أولا يذرؤكم بيخلقكم ثم قال : أي يكثركم، والتفسير الثاني هو الأصح، التكثير والبث والنشر بالتوالد قال : " والضمير للأناسي والأنعام بالتغليب " يذرؤكم يقول : إن الضمير وهو الكاف والميم للأناسي والأنعام، الأناسي البشر والأنعام البهائم، للتغليب، كيف للتغليب ؟ لأن الضمير هنا جاء ضمير العاقل، والأنعام لا يأتي لها ضمير العاقل لأنها غير عاقلة، لكن جاء ذلك للتغليب لما كان الذرء للإنسان والبهائم قال : (( يذرؤكم فيه )) ولم يقل : يذرؤكن يذرؤكم فيه، انتبهوا أن التغليب قد يكون بتغيير الاسم قد يكون بالضمير وما أشبه ذلك، القمران للشمس والقمر تغليب بتغيير الاسم لأنه القمران لو فكيته على التثنية لكان قمر وقمر وليس كذلك، المراد قمر وشمس فهنا بتغيير الاسم، الضمير في قوله : (( يذرؤكم )) يعود على ما سبق ذكره من بهائم وأناسي على سبيل التغليب، لولا التغليب لوجب أن يكون الضمير ضمير المؤنث للبهائم وضمير مذكر للأناسي.
8 - التعليق على تفسير الجلالين : (( فاطر السموات والأرض )) مبدعهما (( جعل لكم من أنفسكم أزواجا )) حيث خلق حواء من ضلع آدم (( ومن الأنعام أزواجا )) ذكورا وإناثا (( يذرؤكم )) بالمعجمة يخلقكم (( فيه )) في الجعل المذكور ، أي يكثركم بسببه بالتوالد والضمير للأناسي والأنعام بالتغليب . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( ليس كمثله شيء )) الكاف زائدة لأنه تعالى لا مثل له (( وهو السميع )) لما يقال (( البصير )) لما يفعل .
الأول أن الكاف زائدة وهذا سهل وجرى في اللغة العربية مثله، وتكون الزيادة هنا للتوكيد، وبعضهم قال: الزاد مثل وهو قول ضعيف، بعضهم يقول : إن المثل هنا بمعنى الصفة، يعني: ليس كصفته شيء، والمثل تأتي بمعنى الصفة مثل قوله تعالى : (( مثل الجنة التي وعد المتقون )) أي صفتها وهذا أيضا ضعيف، لأننا نقول : إن الله ليس مثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، بعضهم يقول : إن هذا على سبيل المبالغة، يعني إذا لم يكن لمثله مثل لو فرض أن له مثلا فمن باب أولى ألا يكون له هو مثل، وأن هذا مما جرى على لسان العرب للمبالغة في المبالغة في الوصف، وأنشدوا على ذلك: " ليس كمثل الفتى زهير " من المبالغة، يعني هذا لا نظير له إطلاقا، وهذا الأخير والأول هما أقرب الأقوال في إعراب هذه الجملة، لكن من حيث المعنى والاعتقاد نؤمن بأن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ليس كمثله شيء في كل شيء، يجب علينا أن نؤمن بهذا، فذاته مخالفة لجميع الذوات، نحن نرى الذوات مختلفة، الإنسان مركب من عظم ولحم وعصب ودم هناك أشياء مركبة من جواهر أخرى، الرب عز وجل مباين لكل شيء موجود في الكون في ذاته لا تقل مثلا : إنه مثل الذهب مثل الفضة وما أشبه ذلك لا، ولهذا لما قال المشركون للرسول: يا محمد هل ربك من ذهب أو من فضة أو من كذا أو من كذا أنزل الله تعالى قوله تعالى : (( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد )) فلا تتصور ذات الرب عز وجل أبدا، لأنك مهما تصورت على أي شيء تتصورها ؟ لا مثيل له ولا نظير له، كذلك في صفاته ليس له مثيل ليس له نظير في أي صفة من صفاته.
ولنأخذ العلم، العلم من صفات الله عز وجل، هل له نظير في هذه الصفة ؟ لا نظير له في هذه الصفة أبدا، علم كل ذي علم محدود، أعلم الناس علمه محدود، أليس كذلك ؟ قال الله عز وجل : (( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا )) أنت بنفسك لا تدري ما تكسب غدا، قد تقدر أنك ستعمل كذا وكذا ولكن لا تعمل، إما لصرف الهمة أو لمانع خارجي، كلنا نقدر أن غدا سنفعل كذا وكذا لكن ما نفعله، ولا ندري ما يكون، قد يصرف الله همتنا عن هذا الفعل أو توجد موانع خارجية من مرض أو سفر أو حيلولة بيننا وبين مرادنا ما ندري عنه، أيضا علمك محدود بالمشاهدة، الغائب لا تفكر أن عندك علما منه حتى في المشاهد علمك ناقص، الإنسان لا يعلم ماذا يفعل ولده في بيته ولا أهله في بيته، بل أشد من هذا وأضعف في العلم أنك لا تعلم عن نفسك ـ سبحان الله ـ روحك التي بها حياتك وهي في جسمك لا تدري عنها، لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح أنزل الله تعالى: (( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي )) ثم وبخهم على هذا السؤال فقال : (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ))[الإسراء:85] كأنه يقول سبحانه وتعالى : تسألون عن الروح وأنتم ما أحطتم بالأشياء، ما علمتم عن الأشياء إلا قليلا، ما بقي عليكم إلا علم الروح حتى تسألوا عنها ، فإذا كان الإنسان لا يعلم روحه التي بين جنبيه وبها حياته فهو دليل على نقصان العلم، علم الله عز وجل اسمع ماذا يقول : (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه )) كل إنسان كل حيوان فالله عز وجل يعلم ما في نفسه، واضح هل علم المخلوق مثل هذا ؟.
في القدرة، القدرة ليس أحد، بل لو اجتمع الخلق كلهم بقدرهم ما ساووا شيئا من قدرة الله، فإن الله عز وجل على كل شيء قدير، اسمع قال الله عز وجل : (( إن كانت إلا صيحة واحدة )) يعني البعث صيحة واحدة يصيح الله بهم: (( فإذا هم جميعا لدينا محضرون )) كلهم في أقطار الدنيا ولو في الغابات والكهوف وأعماق البحار كلهم يأتون في آن واحد (( فإذا هم جميعا لدينا محضرون )) هذه القدرة هل يمكن أن يشابهها أو يماثلها قدرة ؟ لا يمكن أبدا، لذلك نقول : إن الله ليس كمثله شيء.
9 - التعليق على تفسير الجلالين : (( ليس كمثله شيء )) الكاف زائدة لأنه تعالى لا مثل له (( وهو السميع )) لما يقال (( البصير )) لما يفعل . أستمع حفظ
بيان اختلاف الفرق الإسلامية في فهم هذه الآية : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .
المعطلة استدلوا بقوله : (( ليس كمثله شيء )) وقالوا : كل صفة أثبتها الله لنفسه فإنها تدل على التمثيل فيجب أن تكون منفية، والذي فتح لهم الباب هم الممثلة يقولون : كل صفة أثبتها الله لنفسه فإنها تستلزم التمثل، والتمثيل ممتنع، إذا يجب أن تمتنع كل صفة، مثال ذلك يقولون : إن الله عز وجل لم يستوي على العرش الاستواء الحقيقي، لأنه لو استوى على العرش لكان جسما فيكون مماثلا للمخلوق، فتصوروا الآن هم تصوروا أن استواء الله على عرشه كاستواء الإنسان على الأنعام، فلما فهموا هذا الفهم أنكروا الاستواء، الإنسان يستوي على البعير كما قال تعالى : (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره )) هم فهموا أن استواء الله على العرش كاستواء الإنسان على البعير على الأنعام، وقالوا : هذا تمثيل والتمثيل مستحيل على الله فيجب إنكاره.
وهذا قول المعتزلة والجهمية ومن ضاهاهم، نفوا كل صفة لله، وقالوا : لا يمكن أن نصف الله بشيء، الحجة ؟ أن الإثبات يستلزم التمثيل والله عز وجل قد نفى أن يكون له مثل، وأيضا المماثلة مستحيلة عقلا فيكون دل العقل ـ على زعمهم ـ دل العقل والشرع على أن الله ليس له مثيل، فيجب أن ننفي جميع الصفات، فهؤلاء حقيقة أمرهم أنهم مثلوا أولا ثم عطلوا ثانيا، مثلوا أولا حيث اعتقدوا أن الأدلة تدل على التمثيل وهذا اعتقاد فاسد، ثم بعد ذلك عطلوا وأنكروا، ولكن هذه الشبهة دفعها يسير، نقول لهم: هل تثبتون لله وجودا ؟ إما أن يقولوا : لا وإما أن يقولوا: نعم، أليس كذلك ؟ ما يمكن يحيصون، إما أن يقولوا : نعم أو يقولوا : لا، فإذا أثبتوا لله وجودا، نقول: هل هو وجود حقيقي أو وهمي ؟ إن قالوا : وهمي كفروا ما فيه إشكال، وإن قالوا : حقيقي قلنا : طيب هل تثبتون لأنفسكم وجودا ؟ إما أن يقولوا : نعم أو يقولوا : لا، إن قالوا : لا، قلنا : لا نخاطب أشباحا بلا شيء، لكن لن يقولون : لا، يقولون :نعم نثبت لأنفسنا وجودا، نقول : إذا يلزمكم التمثيل لأنكم أثبتم لله تعالى صفة هي ثابتة للمخلوق فيلزمكم التمثيل، شف الباطل لابد أن يندحر، لكن انفك قوم عن هذا الإلزام من الغلاة قالوا : لا نقول : إن الله موجود، أعوذ بالله تعبدون من ؟ قالوا : لا نقول: إن الله موجود، قلنا: معدوم، إذا قلتم : غير موجود لزم أن تقولوا: إنه معدوم، إن قلتم: إنه معدوم مثلتم، لأن الموجود من الخلق يكون معدوما قبل وجوده وبعد وجوده، قال الله تعالى : (( هل أتى على الإنسان حينا من الدهر لم يكن شيئا مذكورا )) وهذا حقيقية، الواحد منا قبل ولادته بسنتين ليس بشيء معدوم، فإن قلتم أن الله معدوم شبهتم ومثلتم على قاعدتكم، قالوا : إذا نقول : لا موجود ولا معدوم، أعوذ بالله : لا موجود ولا معدوم، نقول : الله أكبر هل يمكن أن يكون الشيء لا موجودا ولا معدوما ؟ كل شيء فهو إما موجود وإما معدوم، لأن تقابل الوجود والعدم تقابل تناقض، والمتناقضان لابد من وجود أحدهما، لا يمكن أن يجتمعا ولا أن يمتنعا، فإذا قالوا: لا موجود ولا معدوم نقول: شبهتموه الآن بالمستحيلات والممتنعات، فأهل الباطل لا مفر لهم من لوازمه الباطلة.
تكايس قوم وقالوا: نحن لا نقول أنه لا يتصف بصفة لكننا نصفه بما نحكم به عليه ولا يحكم به على نفسه، انتبه قالوا: لا ننكر الصفات، لكن نصفه بما نحكم به عليه لا بما يحكم به على نفسه، وهؤلاء المتكايسون هم الأشعرية أثبتوا بعض الصفات وأنكروا أكثر الصفات، أثبتوا من الصفات سبعا وأنكروا الباقي، فأثبتوا الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والإرادة، والكلام، وأنكروا الباقي قالوا : لا نثبت من الصفات على وجه الحقيقة إلا هذه الصفات السبع، فهذه ثابتة حقيقة على اختلاف بينهم وبين أهل السنة في بعضها، الكلام عندهم غير الكلام عند أهل السنة، والباقي لا نثبته، ايش تعملون به ؟ قالوا لنا : فيه طريقان : إما التفويض بأن نقول : لا ندري ما معناه، وإما التأويل الذي يسمونه تأويلا وهو في الحقيقة تحريفا، والأشاعرة هم أكثر الناس انتشارا في البلاد الإسلامية، ولهذا يجب أن نعرف مذهبهم تماما، ونعرف الرد عليهم حتى يتقلص هذا المذهب أو يزول بالكلية، ونسأل الله تعالى أن يزيله إلى الحق، نسأل الله تعالى أن يشملنا وإياكم برحمته، وأن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى.