قراءة الآيات القرآنية .
القارئ : (( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَآءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ )) [الشورى:13] .
التعليق على تفسير الجلالين : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا )) هو أول أنبياء الشريعة (( والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) هذا هو المشروع الموصى به ، والموحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوحيد .
(( والذي أوحينا إلينا )) يعني: وشرع لكم الذي أوحينا إليك، (( والذي أوحينا إليك )) معطوفة على (( ما )) في قوله : (( ما وصى به نوحا )) والوصية: هي العهد بالشيء الذي يهتم به، يسمى وصية (( والذي أوحينا إليك )) وهو القرآن (( وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى )) الله أكبر، ذكر الله تعالى أول الأنبياء الذين هم الرسل وآخرهم، ثم ذكر ما بين ذلك ليجمع سبحانه وتعالى بين الطرفين والوسط، من أول هؤلاء الرسل الكرام ؟ نوح، وآخرهم ؟ محمد صلى الله عليهم وسلم، هؤلاء الخمسة هم أولوا العزم من الرسل قال الله تعالى : (( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل )) وذكروا في القرآن في موضعين : هذا واحد.
والثاني قوله تعالى : (( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى )) [الأحزاب:7] نعم.
(( وما وصينا به إبراهيم وموسى عيسى أن أقيموا الدين )) أن هذه تفسيرية بمعنى أي، ولذلك لا تعمل شيئا لأنها لمجرد التفسير والتبيين: (( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) أقيموا الدين يعني: ائتوا به مستقيما غير منحرف، وما هو الدين القيم ؟ هو الدين الذي شرعه الله عز وجل، فيجب علينا أن نقيم الدين كما أقامه الله عز وجل، لا نغلو فيه ولا نقصر عنه، ولذلك كان الناس في دين الله على ثلاثة أقسام:
قسم غلوا وقسم قصروا وقسم اعتدلوا، فما الذي أمرنا به ؟ الاعتدال (( أن أقيموا الدين )) غير متجاوزين ولا قاصرين عنه، ولذلك هلك أقوام ممن قصروا أو تجاوزا، وأيهما أخطر ؟ الأخطر التجاوز وهو الغلو، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أهلك من كان قبلكم الغلو ) ولأن الغالي يعتقد أن هذا دين فلا يكاد يقلع عنه، والمقصر يعترف أنه مقصر فربما حاسب نفسه يوما من الأيام وأتم، فالغلو أخطر، ولذلك تجد بدع المبتدعة أشدها الغلو، فالرافضة مثلا غلو في آل البيت وتجاوزوا الحد، والمؤلهة للرسول عليه الصلاة والسلام الذي يعتقدون أنه أشد من الإله عز وجل غلو في الرسول وهلكوا، والغالية في الدين الذين يريدون من الناس أن يستقيموا على الدين وألا يفعلوا كبيرة أيضا غلو كالخوارج، المهم أنك إذا تأملت البدع وجدت أن الغلو فيها أشد خطرا على الإنسان، لأن الغالي يعتقد أن ما هو عليه دين، والمقصر يعرف أنه مقصر وربما استقام بعد ذلك.
قال الله تبارك وتعالى : (( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) الدين يطلق على معنيين:
المعنى الأول : الجزاء .
والمعنى الثاني : العمل، يعني يطلق على العمل وعلى الجزاء، فمن إطلاقه على العمل قول الله تبارك وتعالى: (( لكم دينكم ولي دين )) يعني لكم عملكم ولي عملي، كقوله تعالى: (( فإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم ))، ومن إطلاقه على ا لجزاء قوله تعالى : (( وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين )) وما نقرأه نحن في كل صلاة: (( مالك يوم الدين )) أي المعنيين يراد ؟ الجزاء (( أن أقيموا الدين )) هنا ما المراد به ؟ العمل (( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) يعني: لا تتفرقوا في دينكم فتكونوا أحزابا، فنهى الله عز وجل عن التفرق في الدين وهذا يستلزم وجوب الاجتماع عليه، لأن النهي عن الشيء أمر بضده إذا لم يكن له إلا هذا الضد، وحينئذ يجب على المسلمين أن يجتمعوا في دين الله وألا يتفرقوا فيه، وما اختلف العلماء فيه من الآراء فإن الهدف منه واحد لمن صلحت نيته، لأن كل واحد من المختلفين إنما يريد الوصول إلى الحق لكن اختلفوا في الطريق، وإذا كان الهدف واحد وهو الوصول إلى الحق فإنه لا يجوز أن يجعل هذا الاختلاف سببا للتفرق في الاتجاه، لا يجوز هذا إطلاقا، بل تجب الوحدة والاجتماع حتى مع اختلاف الآراء، ولهذا كان السادة الغرر الصحابة رضي الله عنهم يختلفون في أشياء كثيرة مهمة ومع ذلك فالقلوب واحدة، ولما وصل الاختلاف بهم إلى تفرق القلوب حصل ما حصل من الفتن بين علي ومعاوية وعائشة والزبير وما أشبه ذلك، في وقتنا الحاضر لا شك أن الناس مختلفون فمنهم من يتجه اتجاها سياسي ومنهم من يتجه اتجاها صوفي ومنهم من هو معتدل، اختلافات كثيرة، فالواجب علينا أن ننزع فتيل هذا الاختلاف، وأن نكون أمة واحدة حتى لا نتفرق فنفشل لأن الله يقول : (( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )) يعني: ولا يكن لكم قيمة (( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )) [الأنفال:46] ولهذا نجد الآن مع الأسف الشديد أن ما يسمى بالصحوة الإسلامية أصيب بهذا البلاء، وصار نفس المتدينين يلمز بعضهم بعضا، ويضلل بعضهم بعضا ويبدع بعضهم بعضا، وربما يكفر بعضهم بعضا، فضاعت تلك الصحوة، وصار الذين يراد منهم أن يكونوا حزبا على أعداء الله وحربا على أعداء الله صاروا حربا على أنفسهم وأحزابا بأنفسهم، وهذا ما يبذل فيه العدو أغلى ما يكون ليحصل وقد حصل له مجانا، فالواجب علينا أن نزيل هذه الاختلافات وأن ندعها، وأن نترك ما يعمر به كثير من الناس مجالسهم في سب فلان وفلان أو ذم فلان وفلان أو الغلو في فلان وفلان لأن هذا يضيع الأوقات ويولد الأحقاد ولا يفيد شيئا بل يضر، ما لنا ولفلان، إن كان ميتا فقد واجه الحساب، وإن كان حيا فنرجوا له الاستقامة، وأما أن نجعل أكبر همنا هو هذا الكلام الذي لا يعود إلى الأمة إلا بالشر، ولهذا ينهى الله عز وجل عن التفرق في عدة آيات كما في هذه الآية: (( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) فإذا اختلفت أنت وصاحبك في رأي من الآراء وهو محل للاجتهاد فالواجب أن تعتقد أن صاحبك لن يخالفك، لماذا ؟ لأنه سلك السبيل الذي تسلكه أنت، هو اجتهد فقال : هذا هو الصواب، وأنت اجتهدت فقلت: هذا هو الصواب، إذا ما مراد كل واحد منكم ؟ الوصول إلى الحق، ولا يمكن أن يكون اجتهادك حجة عليه ولا اجتهاده حجة عليك، وحينئذ نكون في الواقع متفقين حتى لو خالفني فأنا أعتقد أنه موافقني، لأننا كلنا نقصد الحق ولا نريد مخالفة الحق، لكن مع الأسف الآن أن بعض الناس يتخذ من هذا الخلاف الذي هو محل الاجتهاد يتخذ منه سلما للتفرق والطعن.
قبل سنوات في منى حضرت طائفتان أفريقيتان كل واحدة تلعن الأخرى وتكفرها، فأتوا إلى أمير الدعوة التي أنا من ضمن أعضائها أتوا إليه متشاكسين جدا جدا في منى في أيام الحج في شهر حرام في بلد حرام، فهو جزاه الله خير حضر إلي معهم، وش الأمر؟ قال: هؤلاء كفار، هؤلاء رغبوا عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) ونحن نبرأ منهم، كلام طويل عجيب، وما الخلاف ؟ الخلاف إحدى الطائفتين تقول : إذا قام يصلي فإنه يضع اليد اليمنى على اليسرى، والطائفة الأخرى تقول : إذا قام يصلي يرسل يديه، المسألة ما هي خلاف في العقيدة، المسألة خلاف في سنة من سنن الصلاة هي محل اجتهاد، كل واحد يقول للآخر : إنه كافر لأنه رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) شوف البلاء، الآن الشباب صار اختلافهم في أمر آخر في الأشخاص، يجعلون الشخص هدفا، ما تقول في فلان ؟ إذا قال: والله فلان طيب حبيب ومن خير عباد الله، انشرح صدره وكأنما أعطي الجنة، وإذا قيل : والله هذا الرجل عنده انحراف في المسلك، إنسان فيه كذا وفيه كذا انقبض وضاق صدره وترك صاحبه، هذا غلط يا إخوان، الناس والرجال إن أخطئوا فسأل الله أن يعفوا عنهم خطئهم لأنهم مسلمون مهما كانوا لا يخرجون من الإسلام، وإن أصابوا فخذ بصوابهم واحمده، وخطئهم لا تأخذ به، أما أن تجعلهم محكا للولاء والبراء فهذا غلط عظيم، لذلك أنا أدعوا إخواننا من السعوديين وغيرهم إلى نبذ هذه الطريقة والبعد عنها، وأن نعتقد أننا إخوان، وأن كل واحد منا مجزي بعمله، وألا نجعل هذا سببا للتفرق لأن الله نهانا، ونحن نعلم علم اليقين أن الله لا ينهانا إلا عن شيء فيه ضررنا، فهنا يقول : (( أن أقيموا الدين )) يعني غير مغالين فيه ولا مقصرين (( ولا تتفرقوا فيه )) اجتمعوا عليه.
2 - التعليق على تفسير الجلالين : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا )) هو أول أنبياء الشريعة (( والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) هذا هو المشروع الموصى به ، والموحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوحيد . أستمع حفظ
تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( كبر )) عظم (( على المشركين ما تدعوهم إليه )) من التوحيد (( الله يجتبي إليه )) إلى التوحيد (( من يشاء ويهدي إليه من ينيب )) يقبل إلى طاعته .
يقول : (( الله يجتبي إليه )) يجتبي بمعنى يختار ويصطفي وقوله : (( إليه )) أعاد الضمير رحمه الله إلى التوحيد، ولكن فيه احتمالا أقوى مما قال وهو أن الضمير يعود إلى الله عز وجل، أي الله يجتبي إلى نفسه عز وجل من يشاء، ويهدي إلى نفسه من ينيب، وهذا أحسن مما سلك المؤلف، فالله تعالى يختار إليه من يشاء، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم مما اختارهم إليه، ويكره آخرين، فالأولون يهديهم صراطه المستقين، والآخرون يضلهم، لأنهم هم الذين فعلوا السبب، (( الله يجتبي إليه من يشآء )) ولكنه مر علينا قريبا جدا أن كل شيء علقه الله بالمشيئة فإنه مقرون بحكمة، لا يشاء شيئا إيجادا أو إعداما أو تغييرا إلا لحكمة، (( ويهدي إليه من ينيب )) أي من يقبل على طاعته، يقول الشارح: " يقبل إلى طاعته " فهو يهديه الله إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه أن الله تعالى يقول: ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ) يعني الفرائض أحب إلى الله من النوافل: ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها )، وكذلك قال تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ( من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ) فمن أناب إلى الله فإن الله يهديه إليه ويعينه ويسدده، واضح طيب
3 - تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( كبر )) عظم (( على المشركين ما تدعوهم إليه )) من التوحيد (( الله يجتبي إليه )) إلى التوحيد (( من يشاء ويهدي إليه من ينيب )) يقبل إلى طاعته . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب )) .
ومن فوائدها : أن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل، ولهذا إذا رأيت شخصا يعمل عملا يتقرب به إلى الله فأنكر عليه إلا إذا أقام دليلا، بخلاف غير العبادات فالأصل فيها الحل، ولهذا إذا رأيت شخصا يفعل شيئا ليس عبادة فأنكرت عليه فعليك الدليل .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن أديان الأنبياء واحدة من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم لقوله: (( ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك )) فما هذا التوحيد في الأديان؟ التوحيد في الأديان هو ما أفاده قوله تعالى: (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) فهذه هي القاعدة العامة في جميع الرسالات، (( أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) أما الشرائع والمنهج فكل أمة ما يناسبها لقوله تعالى : (( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )) ولهذا نجد أن بني إسرائيل يشدد الله على أقوام منهم في الشريعة ويخفف في الشريعة الأخرى، قال عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام : (( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم )) إذا الأصل هو توحيد الرسالات، وهذا الأصل هو المشار إليه: (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) أما الشرائع والمنهاج فهذا يشرع الله عز وجل لكل أمة ما يناسبها، حتى الأمة الواحدة يشرع لها ما يناسبها في أول أمرها وفي آخر أمرها كالمنسوخ في هذه الشريعة الإسلامية .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات نبوة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى لقوله : (( ما وصى به نوحا وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : عناية الله تبارك وتعالى بالشرائع حيث جعل ذلك وصية، والوصية هي العهد بالشيء المهتم به .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا القرآن الكريم وحي أوحاه الله تعالى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله : (( والذي أوحينا إليك )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن القرآن شامل لجميع الشريعة لقوله: (( والذي أوحينا إليك )) فإن قال قائل: في الشريعة ما لا يوجد في القرآن تفصيلا ؟ فالجواب: تكفي الإشارة إليه، يعني لو أننا بحثنا هل في القرآن ما يدل على عدد الصلوات وعلى عدد ركعاتها وعلى كيفياتها ؟ لكان الجواب: لا، ما هو موجود، لكن كون الله عز وجل يأمرنا أن نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تبعه يكفي، لأن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بها وبكل ما تتضمنه، وعلى هذا تكون الشريعة كلها موجودة في القرآن إما بالإشارة والإيماء وإما بالتصريح.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : (( والذي أوحينا إليك )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأمم جميعهم مأمورون بإقامة الدين وعدم التفرق فيه لقوله : (( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) .
ومن فوائدها: أن التفرق في دين الله مناف للذي أوحى الله إلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم ووصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن ما يدعوا إليه النبي صلى الله عليه وسلم من توحيد كان عظيما وشاقا على المشركين لقوله: (( كبر على المشركين ما تدعوهم إليه )) ويتفرع على هذه الفائدة أنه متى كان التوحيد كبيرا على المشركين فلابد أن يسعوا بكل جهودهم على إحباط هذا التوحيد، لأن كل إنسان بمقتضى فطرته لابد أن يسعى في إزالة ما يكون شاقا عليه، ويتفرع على ذلك فائدة: وهو الحذر من كيد المشركين . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا المسلمين وغير المسلمين لدين الله لقوله: (( كبر على المشركين ما تدعوهم إليه )) وهذا قد وقع تطبيقه وشاهده في حال النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخرج إلى البلاد الأخرى ليدعوا الناس إلى التوحيد كما خرج إلى الطائف، وكان في موسم الحج يعرض نفسه على القبائل عليه الصلاة والسلام يأتي لكل قبيلة ويدعوهم ويقول : ( ألا أحد يؤويني ـ أو كلمة نحوها ـ حتى أبلغ رسالة ربي فإن قريشا منعوني أن أبلغ رسالة كلام ربي ).
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أن الله قد يمن على بعض العباد بالاجتباء والهداية لقوله : (( الله يجتبي إليه من يشاء )) .
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات مشيئة الله عز وجل لفعل العبد لقوله: (( يجتبي إليه من يشاء )) فيكون فيها رد على من ؟ على القدرية الذين يقولون : إن الإنسان مستقل بعمله ولا مشيئة لله تعالى في فعله .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الهداية لكل منيب وهذه الهداية غير الإنابة، الإنابة هداية سابقة، لكن كل ما أناب الإنسان إلى ربه ازداد هداية .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: عصمة الله تبارك وتعالى من ينيب من البدع والمخالفات لقوله: (( يهدي إليه )) وهذا بلا شك ضد البدع، لأن البدع ليس فيها هداية إلى الله بل هي ضلالة .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الحث على الإنابة إلى الله عز وجل لأنه سبب للهداية .
ومن فوائدها: الرد على الجبرية لقوله: (( من ينيب )) فأضاف الفعل إلى العبد، والجبرية لا يضيفون الأفعال إلى العبد يقولون : إن العبد يفعل بغير إرادة ولا اختيار، ففي الآية إذا رد على القدرية ورد على الجبرية، وهما طائفتان مبتدعتان متطرفتان، فما هو المذهب الوسط ؟ المذهب الوسط هو الذي يقول : إن الإنسان لا يجبر على عمله وأنه يفعل الفعل باختياره، ولا يشعر أن أحدا أجبره، لكننا نعلم أن هذا الفعل الذي وقع منه واقع بمشيئة الله وإرادة الله، ولا يمكن أن يستقل الإنسان بشيء في الكون من دون الله عز وجل، نعم .
4 - فوائد قوله تعالى : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب )) . أستمع حفظ
إذا مر الإنسان بآية فيها ذكر الأنبياء سواء خارج الصلاة أو داخل الصلاة فهل يشرع له أن يصلي عليهم .؟
الشيخ : لا، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
السائل : ولو خارج الصلاة ؟
الشيخ : ولو خارج الصلاة، لأنه ما نعلم أن الرسول إذا مر بالرسل سلم عليهم،
السائل : أنا أقصد نبينا صلى الله عليه وسلم إذا مر علينا في قراءة في الصلاة ؟
الشيخ : إذا مر عليك فصلي عليه في أي حال أنت، إلا إذا كنت على الخلاء فلا .
5 - إذا مر الإنسان بآية فيها ذكر الأنبياء سواء خارج الصلاة أو داخل الصلاة فهل يشرع له أن يصلي عليهم .؟ أستمع حفظ
مناقشة قوله تعالى : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب )) .
الطالب: أولوا العزم من الرسل
الشيخ : هم أولوا العزم من الرسل ذكروا في القرآن في أكثر من موضع، في كم موضع؟ الطالب: موضعين.
الشيخ : في موضعين، الأول ؟ في سورة الأحزاب: (( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم )). والموضع الثاني ؟
الشيخ : قول الله تبارك وتعالى : (( أن أقيموا الدين )) معناها ؟ تفسيرية، لكن ما معنى (( أن أقيموا الدين )) ؟ افعلوه مستقيما لا عوج فيه، العوج في الدين يكون بأمرين متطرفين ؟
الطالب: أولا الابتداع والبدع.
الشيخ : لا، نعم ؟
الطالب: الغلو في الدين، والثاني التقصير فيه والنقص.
الشيخ : الغلو والتقصير أيهما أخطر على الإنسان ؟
الطالب: الغلو.
الشيخ : الغلو، لماذا ؟
الطالب: لأن الغلو زيادة.
الشيخ : هذا أيضا يعتبر نقصا في الدين.
الطالب: أنه يعتقد ويؤمن بما هو عليه.
الشيخ : يعتقد أنه على حق، وأن هذا هو الدين فلا يكاد يتركه، أما المقصر فيعرف أنه مقصر ويحاول أن يصلح ما قصر فيه .طيب،
6 - مناقشة قوله تعالى : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب )) . أستمع حفظ
قراءة الآيات القرآنية .
التعليق على تفسير الجلالين : (( وما تفرقوا )) أي أهل الأديان في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض (( إلا من بعد ما جاءهم العلم )) بالتوحيد (( بغيا )) من الكافرين (( بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك )) بتأخير الجزاء (( إلى أجل مسمى )) يوم القيامة (( لقضي بينهم )) بتعذيب الكافرين في الدنيا (( وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم )) وهم اليهود والنصارى (( لفي شك منه )) من محمد صلى الله عليه وسلم (( مريب )) موقع في الريبة .
(( وما تفرقوا )) يقول المؤلف : " أي أهل الأديان " وهذا تفسير جيد، وقد ذكر الله تبارك وتعالى في سورة البينة قوله : (( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة )) فهل نقول : إن هذه الآية العامة (( وما تفرقوا )) تخصص بآية البينة ويكون المراد وما تفرق الذين أوتوا الكتاب أو نقول : هي عامة (( وما تفرقوا الذين أوتوا الكتاب )) بعض من الأفراد وإذا ذكر بعض الأفراد بحكم يطابق حكم العام فإنه لا يعد مخصصا ؟.
الجواب الثاني : وهذه قاعدة أصولية: أنه إذا ذكر بعض أفراد العام بحكم يطابق العام هذا ليس بتخصيص، مثاله قلت: أكرم الطلبة ثم قلت : أكرم محمدا وهو منهم، هل هذا يقتضي ألا تكرم سواه ؟ لا، إذن ذكره بحكم يوافق حكم العام لا يقتضي تخصيصه به، أما لو كان يخالف فهذا تخصيص إذا قلت : أكرم الطلبة ثم قلت : لا تكرم محمدا، فحينئذ يخرج حكمه عن حكم العام.
(( وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )) وقول المؤلف : " بأن وحد بعضهم وكفر بعض " هذا مناسب لقوله : (( كبر على المشركين ما تدعوهم إليه )) وإلا فالاختلاف أوسع من أن يكون اختلاف في التوحيد والكفر، (( إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )) فيكون تفرقهم عن علم، قد قامت عليهم الحجة وقوله : (( بغيا بينهم )) مفعول لأجله أي أن تفرقهم للبغي والعدوان.
" (( ولولا كلمة سبقت من ربك )) بتأخير الجزاء (( إلى أجل مسمى لقضي بينهم )) " إلى آخره (( إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم * ولولا كلمة سبقت من ربك )) والكلمة التي سبقت من الله هو تأخير الجزاء حتى يوافوا الله عز وجل " (( إلى أجل مسمى )) " أي معين " وهو يوم القيامة (( لقضي بينهم )) بتعذيب الكافرين في الدنيا " (( لقضي بينهم )) أي فصل وحكم بينهم، وأهلك الكفار وأبقي الموحدون. يقول الشارح: " (( وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم )) وهم اليهود والنصارى (( لفي شك منه )) من محمد صلى الله عليه وسلم (( مريب )) موقع في الريبة " قوله عز وجل : (( ولولا كلمة سبقت من ربك )) الكلمة هي أنه قضى عز وجل بتأخير العذاب عنهم فتنة واختبارا، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الفتنة والاختبار بقوله تعالى : (( ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض )) لو انتصر الله منهم وأهلكهم ما بقي للجهاد محل، ولا بقي للمؤمنين محنة واختبار، ولهذا قال: (( ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم )).
وقوله : (( إلى أجل مسمى )) أي معين محدد وذلك يوم القيام، يوم القيام محدد في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، كما أن موت الإنسان محدد من قبل الله لا يتقدم ولا يتأخر.
(( وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب )) وإن الذين أورثوا الكتاب أي: أعطوه، مجانا أو بعوض ؟ مجانا، يعني بدون تعب، كما أن الوارث يرث مال مورثه بدون تعب مجانا، (( أورثوا الكتاب من بعدهم )) هل المراد بالكتاب هنا التوراة والإنجيل أو المراد بالكتاب القرآن ويكون المعنى (( وإن الذين أورثوا الكتاب )) وهو القرآن (( من بعدهم )) أي من بعد الذين تفرقوا من أهل الكتاب وغيرهم (( لفي شك منه )) أي من هذا الكتاب (( مريب )) ؟ هذا الذي أقوله أحسن مما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، المؤلف يفيد قوله : أن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل لأنه قال: " هم اليهود والنصارى " فاليهود لهم التوراة والنصارى لهم الإنجيل، ولكن الظاهر أن المراد بالكتاب هو هذا القرآن (( لفي شك منه )) أي من هذا الكتاب (( مريب )) موقع في الريبة، والريبة أشد من الشك لأنها ارتياب وقلق، الشاك قد يكون بارد الضمير ليس عنده قلق، لكن المرتاب أشد، والغالب أن الارتياب يكون مع تعارض الأدلة التي كل واحد منها يقتضي أن يكون مصيره إليه فيرتاب الإنسان ويتردد ويقلق، لكن الشك المجرد هو شك لا شك في هذا لكن لا يؤدي إلى الريبة إلا إذا عظم وقوي وتعارضت الأدلة، حينئذ يبقى الإنسان في ارتياب شديد.
8 - التعليق على تفسير الجلالين : (( وما تفرقوا )) أي أهل الأديان في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض (( إلا من بعد ما جاءهم العلم )) بالتوحيد (( بغيا )) من الكافرين (( بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك )) بتأخير الجزاء (( إلى أجل مسمى )) يوم القيامة (( لقضي بينهم )) بتعذيب الكافرين في الدنيا (( وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم )) وهم اليهود والنصارى (( لفي شك منه )) من محمد صلى الله عليه وسلم (( مريب )) موقع في الريبة . أستمع حفظ