قراءة الآيات القرآنية .
تفسير قوله تعالى : (( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب )) .
2 - تفسير قوله تعالى : (( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( من كان يريد )) بعمله (( حرث الأخرة )) أي : كسبها وهو الثواب (( نزد له في حرثه )) بالتضعيف فيه الحسنة إلى العشر وأكثر [ 261 : 2 ] (( ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها )) بلا تضعيف ما قسم له (( وما له في الأخرة من نصيب )).
الوجه الأول : أن الله تعالى يعطيه ثواب الدنيا والآخرة .
والثانية : أنه يضاعف الثواب الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. قال : (( ومن كان يريد حرث الدنيا )) يعني كسبها والتنعم فيها، هذا في الغالب يعرض عن الآخرة لأنه لا يريد إلا الدنيا، ولهذا تجده مهتما بأمور الدنيا غاية الاهتمام حتى السيارة إذا أصابتها بقعة من الطين بالمشي على الطين ذهب ينظفها ويمسحها، لكن قلبه مملوء من البلاء، ولكنه لا يحرص على تنظيفه وتنقيته لأنه لا يريد إلا الدنيا، تجده مثلا في قصوره لا يهتم إلا بإصلاح الجدر وتنظفيها لكن بناء الدين لا يهتم به، هذا يقول الله عز وجل فيه : (( ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها )) ولا نؤتيه كل ما أراد، نؤته منها، وكلمة نؤته منها هذه مطلقة لكنها مقيدة بما في سورة الإسراء: (( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء )) لا ما يشاءه هو (( لمن نريد )) يعني حتى أن الله عز وجل بين أن المعجل تابع لمشيئته وأن المعجل له وهو الإنسان تابع لإرادته فقال : (( عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد )) انتبه، لا تظن أن الآية فيها تكرار، لا، (( ما نشاء )) هذا باعتبار المعجل (( لمن نريد )) باعتبار المعجل له، فلا كل أحد أراد يعجل له، ولا كل أحد أراد شيئا يحصل له ما أراد، لأن الأمر بيد الله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول هنا: (( نؤته منها )) فإذا قال قائل : كلمة (( نؤته منها )) جواب الشرط وهي تقتضي أن الله سيؤتيه منها نقول : هذا المطلق إيش ؟ مقيد بآية سورة الإسراء: (( من كان يريد العاجلة )) وهي الدنيا (( عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا )).
" (( نؤته منها )) بلا تضعيف لما قسم له (( وما له في الآخرة من نصيب )) " نسأل الله العافية.
3 - التعليق على تفسير الجلالين : (( من كان يريد )) بعمله (( حرث الأخرة )) أي : كسبها وهو الثواب (( نزد له في حرثه )) بالتضعيف فيه الحسنة إلى العشر وأكثر [ 261 : 2 ] (( ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها )) بلا تضعيف ما قسم له (( وما له في الأخرة من نصيب )). أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب )) .
ويريد ثانيا: حفظ قوته وصحته وهذا أمر مطلوب لأن الله يقول : (( لا تقتلوا أنفسكم )) وأمرنا أن نأكل من الطيبات ونشكره، يريد بذلك التقوى على طاعة الله لأنه كلما كان الجسم قويا كانت العبادة أكمل، فيريد بأكله وشربه التقوي على طاعة الله،
رابعا : يريد بذلك التنعم بكرم الله، كيف ذلك ؟ لأن الكريم يحب أن يقبل كرمه، أليس كذلك ؟ يعني لو أن رجلا جوادا كريما أهدى عليك هدية، فهل يفرح إذا قبلتها ويغم إذا رددتها أو بالعكس ؟ الأول، يسر إذا قبلتها ويغم إذا رددتها، إن ربنا عز وجل أكرم الأكرمين، فهو يحب من عباده أن يتبسطوا بنعمه ويتنعموا بها، إذن هذا إرادة حرث الآخرة بعمل الدنيا، أما عمل الآخرة المحض كالصلاة والصيام والحج وما أشبه ذلك فهذا أمره واضح،
إذا السؤال الآن أعيده مرة أخرى: كيف يريد الإنسان حرث الآخرة بما هو من أمر الدنيا ؟ الجواب: أن ذلك ممكن ونضرب مثلا لهذا بالأكل والشرب، ويتبين لنا أربع إرادات كلها يثاب عليها الإنسان، مع أنه لو تأمل المتأمل لوجد أكثر من هذا، طيب.
ومن فوائد الآية الكريمة : التحذير من إرادة الدنيا فقط لقوله : (( ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب )) .
ومن الفوائد : أن من أراد حرث الدنيا فإنه لا يعطى كل ما أراد لقوله : (( نؤته منها )) ومن أراد حرث الآخرة يعطى كل مراده وزيادة.
ومنها الإشارة إلى أن الأعمال بالنيات لقوله : (( يريد )) ففيه إشارة إلى حسن النية وأن الإنسان ينبغي له إحسان النية بل يجب عليه إحسانها.
ومنها الرد على الجبرية من قوله : (( يريد )) لأن الجبرية يقولون : إن الإنسان ما له إرادة، سبحان الله ما له إرادة ؟ لا، ما له إرادة، طبخ الطعام ليأكله قال: هذا بغير إرادة، حضر أدوات المنزل ليستعملها قال : هذا ليس بإرادته.
ماذا تقولون في هذا الرأي ؟ هذا رأي مخالف للفطر، مخالف لأدنى فطرة حتى الصبي يعرف إذا أجبر وإذا فعل بالاختيار، قدم لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سارق فأمر بقطع يده، اقطعوا يده تمت شروط القطع، فقال : مهلا يا أمير المؤمنين والله ما سرقت هذا إلا بقدر الله، إيش يريد ؟ أن يرتفع عنه الحد، إذا كان بإرادة الله يعني ليس لي فيه اختيار فقال له أمير المؤمنين : ( ونحن لا نقطع يدك إلا بإرادة الله ) فبهت، لأنه ما يستطيع أن يقول شيئا، مع أن قطع أمير المؤمنين يده كان بإرادة الله الكونية والشرعية، والسارق بإرادة الله الكونية فقط لأنه لم يؤذن له بالسرقة، إذن في الآية رد على الجبرية طيب.
وهل في الآية دليل للقدرية الذين ينكرون إرادة الله فيما فعل العبد ؟ الجواب: لا، ليس فيها رد لقولهم، لكن ليس فيها إثبات لقولهم، لأن إرادة الإنسان من صفاته أو من غير صفاته ؟ من صفاته، هو الذي يريد، العبد مخلوق أو غير مخلوق ؟ مخلوق، إذن إذا كان مخلوقا كانت صفاته أيضا مخلوقة ولابد، فإرادتك مخلوقة لله باعتبار أنك أنت مخلوق وصفة المخلوق مخلوقة.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة كمال سلطان الله عز وجل لقوله : (( نؤته منها )) (( نزد له في حرثه )).
ومن فوائدها : إثبات كرم الله وأنه عز وجل أكرم من عبده، يعمل العبد قليلا ويثاب كثيرا .
ومن فوائد الآية الكريمة : إثبات الآخرة، وإثباتها ثابت بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين والنظر الصحيح يعني العقل، أما الكتاب والسنة فمملوءان من إثبات اليوم الآخر، وأما الإجماع فهو ثابت لا أحد من المسلمين ينكر الآخرة ومن أنكرها كفر، وأما النظر الصحيح فلقوله تعالى : (( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد )) وقوله : (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )) أرأيتم يا أيها الإخوة، أرأيتم لو أن الله عز وجل خلق هذه الخليقة وأرسل الرسل وأنزل الكتب وفرض الجهاد وكان هذا يقتل هذا على دين الله ويسبي ماله ويسبي نسائه ويأخذ ماله يغنم ماله ثم تكون المسألة عائدة إلى أن تكون رمما لا نبعث، ماذا يكون هذا العمل ؟ عبث ينزه الله عنه، ولولا إيماننا باليوم الآخر لكان القوي منا يأكل الضعيف لأنه لا يرجوا حسابا، ولكن العقل يقتضي ويوجب الإيمان باليوم الآخر .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن من أراد بعمله الدنيا فإنه لا نصيب له في الآخرة، ولكن هل نفي النصيب هنا نفي كامل أو ليس له نصيب في الآخرة بهذا العمل الذي أراد به الدنيا ؟ الثاني أو الأول ؟ الثاني لا شك، اللهم إلا أن يكون هذا العمل والإرادة مما يخرج عن الدين فإنه لا نصيب له مطلقا.
طيب هل مثلا لو أراد الإنسان بدراسته أن ينال الإجازة يعني الشهادة هل يكون ممن أراد حرث الدنيا أو الآخرة ؟ حسب ما في قلبه، إن كان أراد بالشهادة أن يرتقي إلى منصب دنيوي فقد أراد الدنيا، وإن أراد بذلك أن يرتقي إلى منصب يتمكن به من نفع المسلمين بالتدريس أو بالتدبير، فهذا أراد الآخرة لا شك، ولذلك ما بين الدنيا والآخرة في هذه المسألة إلا شعرة أو أقل، هل أنت تريد بالشهادة أن تقول: أنت في المرتبة الخامسة أو العاشرة أو المائة أو المائتين أو الألف أو الألفين أو تريد بذلك أن تتبوأ مكانا تنفع به الناس ؟ الأول خاسر، والثاني رابح، لأننا مع الأسف الآن أصبحنا لا يقدر الإنسان إلا بما معه من البطاقة، العلم هو ورقة تطلعها من مخبئتك، شهادة دكتوراه رقم ألف، إذا أعطيتها إياه قال: أين تريد أن نوظفك أي مكان تريد، لكن يجيء رجل في العلم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : وظفني في مدرسة ابتدائية يقول له: ما معك شهادة ما نوظفك، يا رجل وظفه جرب قال : ما فيه، فصار الآن ميزان علم الناس بهذه البطاقة، إذا كان الناس نزلوا إلى هذه المستوى أنا أجاريهم ونيتي عند الله معلومة، أنا قصدي أريد أن أتبوء مكانا في الأمة أكون مدرسا قاضيا رئيسا لشيء أوجه الناس، والله الموفق.
4 - فوائد قوله تعالى : (( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب )) . أستمع حفظ
قراءة الآيات القرآنية .
القارئ : (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))[الشورى:21] .
التعليق على تفسير الجلالين : (( أم )) بل (( لهم )) لكفار مكة (( شركاؤا )) هم شياطينهم (( شرعوا )) أي الشركاء (( لهم )) للكفار (( من الدين )) الفاسد (( ما لم يأذن به الله )) كالشرك وإنكار البعث (( ولولا كلمة الفصل )) أي القضاء السابق بأن الجزاء في يوم القيامة (( لقضي بينهم )) وبين المؤمنين بالتعذيب لهم في الدنيا (( وإن الظالمين )) الكافرين (( لهم عذاب أليم )) مؤلم .
(( أم لهم شركاء شرعوا لهم )) قال المؤلف : " (( لهم )) لكفار مكة " والصواب أنها أعم من ذلك، يعني أن جميع المشركين لهم شركاء جعلوهم مع الله عز وجل يشرعون لهم من الدين ما لم يأذن به الله، قال: " هم شياطينهم (( شرعوا )) أي الشركاء (( لهم )) أي للكفار " وهنا قال: للكفار وفيما سبق قال: كفار مكة، فتكون أل في كلامه للعهد الذكري. " (( من الدين )) الفاسد ما لم يأذن به الله كالشرك وإنكار البعث " وهذا الاستفهام هنا بمعنى الإنكار عليهم أن يتخذوا هؤلاء شركاء يشرعون لهم من الدين ما لم يأذن به الله وقوله : (( ما لم يأذن به )) المراد بالإذن هنا الإذن الشرعي، لأن الإذن يكون قدريا ويكون شرعيا، فما يتعلق بالأمر والنهي شرعي، وما يتعلق بالخلق والتكوين قدري فقوله تعالى: (( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )) يراد به الإذن الشرعي أو القدري ؟ يحتمل هذا وهذا، (( إلا بإذنه )) أي بأن يأذن قدرا بأن يشفع أو يأذن شرعا، وقوله تعالى: (( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )) الإذن القدري لأن الله تعالى لا يأذن شرعا بأن يضر السحرة أحدا، وهنا: (( شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) أي ما لم يأذن به شرعا، أما قدرا فقد أذن به لأنه وقع، وكل شيء وقع فإنه مأذون فيه قدرا، لأنه لا يمكن أن يقع في ملك الله عز وجل ما لم يأذن به قدرا، ومن ذلك أي من شرعهم ما لم يأذن به الله تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين يحرمون ما أحل ويحلون ما حرم جعلهم أربابا كما في قوله تعالى : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )) قال عدي بن حاتم للرسول صلى الله عليه وسلم : إنا لسنا نعبدهم قال: ( أليسوا يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ ) قال : بلى ، قال: ( فتلك عبادتهم ) يعني طاعتهم.
" (( ولولا كلمة الفصل )) أي القضاء السابق بأن الجزاء في يوم القيامة (( لقضي بينهم )) وبين المؤمنين بالتعذيب لهم في الدنيا (( وإن الظالمين )) الكافرين (( لهم عذاب أليم )) مؤلم "، (( لولا كلمة الفصل لقضي بينهم )) لولا هذه يقول النحويون: إنها حرف امتناع لوجود، ما الذي امتنع في هذه الآية ؟ القضاء بينهم، والموجود ؟ كلمة الفصل، واعلم أن لولا: حرف امتناع لوجود، ولما: حرف وجود لوجود، ولو: حرف امتناع لامتناع، فاقتسمت هذه الأدوات الثلاث، اقتسمت المعاني الثلاثة: لو حرف امتناع لامتناع، تقول : لو زرتني لأكرمتك، هنا امتنع الإكرام لامتناع الزيارة، وتقول : لما رأيتك أكرمتك هنا وجد الإكرام لوجود الرؤية، وتقول: لولا زيد لفعلت كذا وكذا هذا حرف امتناع لوجود، (( لولا كلمة الفصل )) وهي كلمة الله عز وجل السابقة التي قضى عز وجل بها أن لكل شيء أجلا مقدرا، هذه الكلمة التي جعلها الله عز وجل لكل شيء أجلا مقدرا، لولا هذه لقضى الله بينهم وبين المؤمنين بتعجيل العذاب لهم.
6 - التعليق على تفسير الجلالين : (( أم )) بل (( لهم )) لكفار مكة (( شركاؤا )) هم شياطينهم (( شرعوا )) أي الشركاء (( لهم )) للكفار (( من الدين )) الفاسد (( ما لم يأذن به الله )) كالشرك وإنكار البعث (( ولولا كلمة الفصل )) أي القضاء السابق بأن الجزاء في يوم القيامة (( لقضي بينهم )) وبين المؤمنين بالتعذيب لهم في الدنيا (( وإن الظالمين )) الكافرين (( لهم عذاب أليم )) مؤلم . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن الأمور المشروعة لابد أن يكون فيها إذن من الله، يعني التي يفعلها الإنسان تدينا لابد أن يكون فيها إذن من الله عز وجل، لأن الله تعالى أنكر على هؤلاء الذين اتخذوا شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، وهذا بمعنى قولنا : " الأصل في العبادات الحضر والمنع إلا إذا قام دليل على مشروعيته " وعليه فلو رأينا شخصا يتعبد بعبادة لم نكن نعرفها فلنا أن ننكر عليه حتى يأتي بدليل لأن الدين متلقى من عند الله عز وجل .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن ما سوى الأمور الدينية فإنه خاضع للأمور أو للأحوال العادية لقوله : (( شرعوا لهم من الدين )) وعلى هذا لو شرعوا قوانين ونظما لا علاقة لها في الدين فإن ذلك جائز ولا تعد موافقة هذه النظم شركا، فكيف إذا كانت هذه النظم تؤيد بالقواعد العامة وهي جلب المصالح ودفع المفاسد ؟
ومن فوائد هذه الآية : الرد على أولئك القوم الجهلة الذين ينكرون كل نظام تسنه الحكومات بقطع النظر عن كونه أمرا دينيا أو أمرا دنيويا، وبقطع النظر عن كونه موافقا للشرع أم غير موافقا للشرع، لأن بعض الناس مثلا يقول : أنا لا أتقيد بأنظمة المرور لأنه ما فيه دليل، وربما يقول هذه بدعة فيقال له :
أولا : الأمور الدنيوية الأصل فيها الحل، ولا يبدع من أتى بها خارجا عن العادة لكن ينظر هل هي حلال أو حرام .
ثانيا : أن النصوص تدل على وجوب طاعة ولاة الأمر كقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأمير : ( اسمع وأطع ولو أخذ مالك وضرب ظهرك ) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: حكمة الله عز وجل بتعجيل أو تأخير العذاب بقوله : (( ولولا كلمة سبقت من ربك )) .
ومن فوائدها : أن ما قضاه الله أزلا ـ يعني في الماضي ـ لا يتغير لقوله: (( لولا كلمة الفصل لقضي بينهم )).
فإن قال قائل ما تقولون في قوله تعالى : (( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب )) ؟ هل يعارض ما قررناه من فوائد هذه الآية ؟ فالجواب: لا، لا يعارض، لأن الله قال: (( يمحوا الله ما يشاء ويثبت )) ثم قال : (( وعنده أم الكتاب )) يعني أصله، فما في أم الكتاب لا يتغير، وما لم يكن كذلك فإنه يتغير، أليس الله تعالى يقول : (( إن الحسنات يذهبن السيئات )) فالسيئات بعد أن كتبت أتت الحسنات فمحتها، الإنسان يذنب فيكتب الذنب ثم يستغفر، نعم ؟ فيمحى الذنب، وأما ما في أصل الكتاب فإنه لا يتغير، وعلى هذا فلا يعارض هذه الآية وهي قوله : (( ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم )).
فإن قال قائل : ما تقولون في الحديث الصحيح: ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) ؟ فإن هذا يدل على أن صلة الرحم سبب لكثرة الرزق وسبب لطول العمر، وأنتم تقولون : إن العمر مكتوب والرزق مكتوب، فالجواب: الرزق مكتوب على هذا السبب، والأجل مكتوب على هذا السبب، فيكون الله تعالى قد كتب أجل هذا مؤخرا لصلة الرحم، ووسع في رزق هذا لصلة الرحم، ويكون هذا معلوما عند الله، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا ترغيبا في صلة الرحم لأن الإنسان لا يعلم ما كتب له في المستقبل، وحينئذ لا منافاة.
وأما من قال من العلماء : أن المراد في قوله ( ينسأ له في أثره ) أن الله يبارك له في العمر فهذا غير صحيح لأنه خلاف ظاهر الحديث، فظاهر الحديث أنه يؤخر لكن يكون مكتوبا عند الله أنه واصل وأن عمره إلى كذا، لكن هل الإنسان يعلم بأنه مكتوب عند الله هكذا ؟ لا يعلم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحث الإنسان على صلة الرحم بمثل هذا الوعد .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : إثبات الأسباب لقوله : (( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم )) فالكلمة سبب لتأخير العذاب، وإثبات الأسباب أمر لا ينكره إلا الجاحد.
واعلم أن الناس انقسموا في الأسباب إلى ثلاثة أقسام : قسم أنكروا الأسباب نهائيا وقالوا : لا تأثير للسبب في المسبب، وقسم : أثبتوا الأسباب على وجه الغلو وزعموا أنها ـ أي الأسباب ـ موجبة ولابد، والقسم الثالث : أثبتوا الأسباب ولكنهم جعلوا ذلك تابعا لمشيئة الله عز وجل.
فالأقسام ثلاثة: قوم أنكروا تأثير الأسباب، وقوم غلا في إثباتها وجعلها موجبة لذاتها ولابد، والثالث: قوم توسطوا قالوا: لكنها تحت مشيئة الله، هذا القول هو المتعين أننا لا ننكر الأسباب وكيف ننكرها ونحن نشاهد هذا بأعيننا، هم يقولون : إن ما يحصل بالسبب ليس حاصلا به لكنه حاصل عنده، فمثلا إذا رميت بحجر على زجاجة ثم انكسرت يقولون : إن الذي كسرها ليس الحجر لكن كسرتها إرادة الله عند ملامسة الحجر. إذن حصلت عند السبب لا بالسبب، عندما تدخل ورقة في النار تحترق يقولون: النار ما أحرقتها، أحقتها إرادة الله عند ملامسة النار، هذا كلام غير معقول يضحك منه السفهاء قبل الحلماء، كيف نقول ونحن نشاهد أن الحجر يقع على الزجاجة يكسرها، كيف نقول لم يكسرها ؟ الإنسان لو اتكأ على الزجاجة لقال له من عنده: لا تتكئ فتنكسر.
وأما القول الثاني: الغالي في إثبات الأسباب والذين يقولون : إن الأسباب فاعلة ولا بد أو موجبة ولا بد، هؤلاء أيضا ضالون، فها هي النار العظيمة كانت على إبراهيم بردا وسلاما، ولو كان السبب موجب بذاته ولابد لأحرقت إبراهيم على كل حال، لكن الله قال: (( كوني بردا وسلاما على إبراهيم )) فكانت بردا وكانت سلاما، قال العلماء: " لو قال الله تعالى كوني بردا ولم يقل وسلاما لأهلكت إبراهيم من البرد " لكن الله قرن البرد بالسلام، طيب إذا الآية التي معنا فيها إثبات الأسباب لقوله : (( ولولا كلمة سبقت لقضي )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : الوعيد الشديد للظالمين لقوله : (( لهم عذاب أليم )).
ومن فوائدها اللغوية: أن أليم تأتي بمعنى مؤلم، يعني فعيل بمعنى مفعل، وهذا قليل في اللغة العربية، أكثر ما يأتي أليم في اللغة العربية بمعنى آلم، أي بمعنى فاعل هذا هو الأكثر، لكن قد يأتي فعيل بمعنى مفعل كما في هذه الآية، وكما في قول الشاعر :
" أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع "
أمن ريحانة الداعي السميع، السميع: بمعنى المسمع، يقولها في معشوقته، الداعي المسمع يؤرقني وأصحابي هجوع.
7 - فوائد قوله تعالى : (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم )) . أستمع حفظ
قراءة الآيات القرآنية .
القارئ : (( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ))[الشورى:24]
التعليق على تفسير الجلالين : (( أم )) بل (( يقولون افترى على الله كذبا )) بنسبة القرآن إلى الله تعالى (( فإن يشإ الله يختم )) يربط (( على قلبك )) بالصبر على آذاهم بهذا القول وغيره ، وقد فعل (( ويمح الله الباطل )) الذي قالوه (( ويحق الحق )) يثبته (( بكلماته )) المنزلة على نبيه (( إنه عليم بذات الصدور )) بما في القلوب .
(( يختم على قلبك )) قال المؤلف: " يربط " والصواب أن الختم هنا بمعنى الطبع، يعني: إن افتريت على الله كذبا طبع الله على قلبك، (( ويمحوا الله الباطل )) الذي افتريته لو قدر أنك افتريته (( ويحق الحق بكلماته )) يحقه: أي يثبته بكلماته المنزلة على نبيه صلى الله وعلى آله وسلم (( إنه عليم بذات الصدور )) معنى الآية إجمالا أنه لو قدر أنك افتريت على الله كذبا فلن يتركك الله، لابد أن يبين الحق، فيختم على قلبك يطبع عليه، ثم يمحوا الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور.
ويشبه هذا قول الله تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)) يعني إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته: (( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )). [الحج:52]
وقوله : (( فإن يشأ )) هل يلزم من هذا الشرط الوقوع ؟ لا، يأتي الشرط أحيانا في أعظم المستحيلات أرأيت قول الله تعالى: (( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ))، وهل يمكن أن يكون لله ولد ؟ لا يمكن، ومع هذا جاءت الشرطية، وقال الله تعالى: (( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )) [الزمر:65] وهل هذا يستلزم جواز إشراك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لا يستلزم، وقال الله تعالى : (( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ )) [يونس:94] هل يمكن أن يكون في شك ؟ لا، إذن: (( فإن يشأ الله )) يعني: إن يشأ الله أن تفتري عليه كذبا لا يلزم من هذا الشرط جواز افتراء النبي صلى الله عليه وسلم على الله كذبا، ومن المعلوم أن الله قد شهد لنبيه صلى الله وسلم بالرسالة فقال: (( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ))، قال: (( ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور )) أي: بصاحبة الصدور، وما هي صاحبة الصدور ؟ هي القلوب، كما قال الله تعالى: (( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )).
9 - التعليق على تفسير الجلالين : (( أم )) بل (( يقولون افترى على الله كذبا )) بنسبة القرآن إلى الله تعالى (( فإن يشإ الله يختم )) يربط (( على قلبك )) بالصبر على آذاهم بهذا القول وغيره ، وقد فعل (( ويمح الله الباطل )) الذي قالوه (( ويحق الحق )) يثبته (( بكلماته )) المنزلة على نبيه (( إنه عليم بذات الصدور )) بما في القلوب . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور )) .
ومن فوائد الآية الكريمة : بيان شدة منابذة الكفار لما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقولهم : (( افترى على الله كذبا )) .
ومن فوائدها : أن مثل هذا الكلام قدح في الله عز وجل قدح في القرآن قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، أما كونه قدحا في الله فلأنه ليس من الحكمة أن يؤيد الله تعالى هذا الذي افترى عليه كذبا، بل الحكمة أن يؤاخذه ويعاقبه ولا يؤيده، والله سبحانه وتعالى قد أيد نبيه صلى الله عليه وسلم بالآيات الدالة على صدقه، هو قدح في القرآن لأنه على زعمهم كلام مفترى من عند الرسول صلى الله عليه وسلم.