شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - ، قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، فهو في سبيل الله ) متفق عليه ... " .
الشيخ : في هذا الدرس : أنه يجب علينا أن نصحح النية ، نقاتل دفاعا عن الإسلام الذي في بلادنا ، أو عن أوطاننا التي فيها الإسلام لأجل الإسلام الذي فيها ، أما أن نقاتل من أجل الوطن فقط لأنه ترابنا وأنه مسقط رؤوسنا وما أشبه ذلك ، فهذا قتال جاهلي لا خير فيه ، ومن قُتل فيه فليس من الشهداء ، لذلك نرجو منكم أن تنبهوا على هذه المسألة ، لأننا نرى في الجرائد في الصحف : الوطن الوطن الوطن الوطن الوطن ولا فيه ذكر للإسلام ، وهذا نقص عظيم ، نقص عظيم يجب أن نوجه الأمة إلى المسلك والمنهج الصحيح ، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار )) قلت : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : ( إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) متفق عليه ... " .
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي بَكرة نُفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، قلت : يا رسول الله ! هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار )) قلت : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : ( إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي قتادة نُفيع بن الحارث رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ) : إذا التقى المسلمان : يعني يريد كل واحد منهما أن يقتل الآخر ، فَسَلَّ عليه السيف ، وكذلك لو أشهر عليه السلاح البندقية أو غير ذلك مما يقتل كحجر ونحوه ، فَذِكر السيف هنا على سبيل التمثيل وليس على سبيل التعيين ، بل إذا التقى المسلمان بأي وسيلة يكون بها القتل فقتل أحدهما الآخر فالقاتل والمقتول في النار والعياذ بالله ، القاتل في النار والمقتول في النار ، فقال أبو قتادة للنبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا القاتل ) يعني أن كونه في النار واضح ، لأنه قتل نفسا مؤمنة متعمدا ، والذي يقتل نفسا مؤمنة متعمدا بغير حق فإنه في نار جهنم ، قال الله تعالى : (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) ، فأبو قتادة رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا القاتل ) : وهذه الجملة هي ما يُعرف في باب المناظرة بالتسليم ، يعني سلمنا أن القاتل في النار ، فما بال المقتول كيف يكون في النار وهو مقتول ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه ) : فهو حريص على أن يقتل صاحبه ، ولهذا جاء بآلة القتل ليقتله ، ولكن تفوق عليه الآخر فقتله ، فيكون هذا والعياذ بالله بنية القتل ، وعمله السبب الموصل للقتل ، يكون كأنه قاتل ، ولهذا قال : ( لأنه كان حريصا على قتل صاحبه ) ، ففي هذا الحديث دليل على أن الأعمال بالنيات ، وأن هذا لما نوى قتل صاحبه صار كأنه فاعل ذلك ، أي : كأنه قاتل ، وبهذا نعرف الفرق بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَن قُتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد ) ، وقوله فيمن أتى ليأخذ مالك : ( إن قتلته فهو في النار ، وإن قتلك فأنت شهيد ) ، وذلك أن الإنسان الذي يدافع عن ماله وأهله ونفسه وعرضه إنما دافع رجلا معتديا صائلا ، لا يندفع إلا بالقتل ، فهنا إذا قتل الصائل كان في النار ، وإن قتل المدافع كان شهيدا في الجنة ، فهذا هو الفرق بينهما ، فبهذا عُلِم أن من قتل أخاه مريدا لقتله فإنه في النار ، ومن قتلهُ أخوه وهو يريد قتل أخيه لكن عجز فالمقتول أيضا في النار ، ( القاتل والمقتول في النار ) ، وفي هذا الحديث دليل على عظم القتل ، وأنه من أسباب دخول النار والعياذ بالله ، وفيه دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يوردون على النبي صلى الله عليه وسلم الشبه ، فيجيب عنها ، ولهذا لا نجد شيئا من الكتاب والسنة فيه شبهة حقيقية إلا وقد وُجد حلها ، إما أن يكون حلها بنفس الكتاب والسنة من غير إيراد سؤال ، وإما أن يكون بإيراد سؤال يُجاب عنه ، ومن ذلك أيضا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر : ( بأن الدجال يمكث في الأرض أربعين يوما ، اليوم الأول كسنة ، والثاني كشهر ، والثالث كأسبوع ، وبقية الأيام كأيامنا ، سأله الصحابة : قالوا : يا رسول الله هذا اليوم الذي كسنة هل تكفينا فيه صلاة يوم واحد ؟ قال : لا ، ولكن اقدروا لها قدرها ) ، ففي هذا أبينُ دليل على أنه لا يوجد ولله الحمد في الكتاب والسنة شيء مشتبه ليس له حل ، ولكن الذي يوجد قصورٌ في الأفهام ، تعجز عن معرفة الحل ، أو تقصير في الطلب يقصر الإنسان فلا يطلب ولا يتأمل ولا يفتش فيشتبه عليه الأمر ، أما الواقع فإنه ليس في القرآن والسنة -ولله الحمد- شيء مشتبه إلا وجد حله في الكتاب والسنة ، إما ابتداء وإما جوابا عن سؤال يقع من الصحابة والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعا وعشرين درجة ، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ، لا ينهزه إلا الصلاة : لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه ، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ، يقولون : اللهم ارحمه ، اللهم اغفر له ، اللهم تب عليه ، ما لم يؤذ فيه ، ما لم يحدث فيه ) . متفق عليه ، وهذا لفظ مسلم ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعا وعشرين درجة ، وذلك أنَّ أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ، لا ينهزه إلا الصلاة : لم يخطُ خُطوة إلا رفع له بها درجة ، وحُط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسُه ، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ، يقولون : اللهم ارحمه ، اللهم اغفر له ، اللهم تب عليه ، ما لم يؤذِ فيه ، ما لم يحدث فيه ) ، متفق عليه ، وهذا لفظ مسلم " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعا وعشرين درجة ، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ، لا ينهزه إلا الصلاة : لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه ، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ، يقولون : اللهم ارحمه ، اللهم اغفر له ، اللهم تب عليه ، ما لم يؤذ فيه ، ما لم يحدث فيه ) . متفق عليه ، وهذا لفظ مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنَّ صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاته في بيته أو في سوقه سبعا وعشرين ضعفا ) : يعني أنه إذا صلى الإنسان في المسجد مع الجماعة كانت هذه الصلاة أفضل من الصلاة في بيته أو في سوقه سبعا وعشرين مرة ، لأن الصلاة مع الجماعة قيام بما أوجب الله من صلاة الجماعة ، فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة فرض عين ، وأنه يجب على الإنسان أن يصلي مع الجماعة في المسجد ، لأحاديث وردت في ذلك ، ولما أشار الله إليه سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال : (( وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ )) إلى آخر الآية ، فأوجب الله الجماعة في حال الخوف ، فإذا أوجبها في حال الخوف ، ففي حال الأمن من باب أولى وأحرى ، ثم ذكر السبب في ذلك : ( بأن الرجل إذا توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ثم خرج من بيته إلى المسجد لا يُنهزه أو لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ) : قَرُب مكانه من المسجد أم بَعُد ، كل خطوة يحصل بها فائدتان : الفائدة الأولى : أن الله يرفعه بها درجة والفائدة ، والفائدة الثانية : أن الله يحط بها عنه خطيئة ، وهذا فضل عظيم ، ( حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد ) : فصلى ما كتب له ، ثم جلس ينتظر الصلاة ، فإنه لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ، وهذا أيضا نعمة عظيمة ، لو بقي منتظرا للصلاة مدة طويلة ، وأنت جالس لا تصلي بعد أن صليت تحية المسجد وما شاء الله ، فإنه يحسب لك أجر الصلاة ، لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ، هناك أيضا شيء رابع : ( أن الملائكة تصلي عليه ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ، تقول : اللهم صل عليه ، اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، اللهم تب عليه ) وهذا أيضا فضل عظيم لمن حضر بهذه النية وبهذه الأفعال ، والشاهد من هذا الحديث قوله : ( ثم خرج من بيته إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ) : فإنه يدل على اعتبار النية لحصول هذا الأجر العظيم ، أما لو خرج من بيته لا يريد الصلاة فإنه لا يُكتب له هذا الأجر ، مثل أن يخرج من بيته إلى دكانه فلما أذن ذهب يصلي فإنه لا يحصل على هذا الأجر ، لأن الأجر إنما يحصل لمن خرج من البيت لا يُخرجه إلا الصلاة ، لكن ربما يكتب له الأجر من حين أن ينطلق مِن دكانه أو من مكان بيعه وشرائه إلى أن يصل المسجد ، ما دام انطلق من هذا المكان وهو على طهارة ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيما يروي عن ربه ، تبارك وتعالى ، قال : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) متفق عليه ... " .
القارئ : بسم لله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي الله صلى الله عليه وسلم ، فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة ، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة ، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيما يروي عن ربه ، تبارك وتعالى ، قال : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة ،وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ) : كتابته للسيئات والحسنات تشمل معنيين : المعنى الأول : كتابة ذلك في اللوح المحفوظ ، فإن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء كما قال تعالى : (( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )) ، وقال تعالى : (( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ )) فالله تعالى كتب الحسنات والسيات في اللوح المحفوظ ، ثم يكتبها بعد ذلك إذا عملها العبد ، إذا عملها العبد فإن الله تعالى يكتبها حسب ما تقتضيه حكمته ، وحسب ما يقتضيه عدله وفضله ، فهاتان كتابتان : كتابة سابقة لا يعلمها إلا الله عز وجل ، فكل واحد منا لا يعلم ماذا كتب الله له من خير أو شر حتى يقع ذلك الشيء ، وكتابة لاحقة إذا عمل الإنسان العمل كُتب له حسبما تقتضيه الحكمة والعدل والفضل . ( ثم بين ذلك ) : يعني بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، كيف يكتب ؟ فبين أن الإنسان إذا هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تعالى حسنة كاملة ، مثال ذلك : رجل همَّ أن يتوضأ ليقرأ القرآن ، ثم لم يفعل ذلك ، عَدَل عن هذا فإنه يكتب له بذلك حسنة كاملة ، هم أن يتصدق وعيَّن المال الذي يريد أن يتصدق به ثم أمسك ولم يتصدق ، فيكتب له بذلك حسنة كاملة ، هَمَّ أن يصلي ركعتين ثم أمسك ولم يصل ، فإنه يكتب له بذلك حسنة كاملة ، فإن قال قائل : كيف يكتب له حسنة وهو لم يفعلها ؟ فالجواب على ذلك أن يقال : إن فضل الله واسع ، إن فضل الله واسع هذا الهمُّ الذي حدث منه ، هذا الهم الذي حدث منه يعتبر حسنة ، لأن القلب همام إما بخير أو بشر ، فإذا هم بالخير فهذه حسنة تكتب له ، فإن عملها كتبها الله تعالى عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، إذا عمل الحسنة التي هم بها فإنه يكتب له ما ذكر ، عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وهذا التفاوت مبني على شيء ، مبني على الإخلاص والمتابعة ، فكلما كان الإنسان في عبادته أخلص لله كان أجره أكثر ، وكلما كان الإنسان في عبادته أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عبادته أكمل ، وثوابه أكثر ، فالتفاوت هذا يكون بحسب الإخلاص والمتابعة ، بحسب الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . أما السيئة فقال : ( وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله حسنة كاملة ) : كرجل هم أن يسرق ولكن ذكر الله عز وجل ، فأدركه خوف الله ، فترك السرقة فإنه يكتب له بذلك حسنة كاملة ، حسنة كاملة لأنه ترك فعل المعصية لله فأثيب على ذلك ، كما جاء هذا مفسرا في لفظ آخر قال : ( لأنه تركها من جرائي ) أي : مِن أجلي ، همَّ أن يفعل منكرا كالغيبة مثلا ، هم أن يغتاب أحدا ويتكلم في عرضه ولكنه ذكر أن هذا محرم فتركه ، تركه لله ، فإنه يعطى على ذلك حسنة كاملة ، فإن عمل السيئة كتبت سيئة واحدة فقط ، لا تزيد لقول الله تعالى : (( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )) . هذا الحديث كما سمعتم فيه دليل على اعتبار النية وأن النية قد توصل صاحبها إلى الخير ، وسبق لنا أن الإنسان إذا نوى الشر وعمل العمل الذي يوصل إلى الشر ولكنه عجز عنه فإنه يكتب عليه إثم الفاعل ، كما سبق فيمن التقيا بسيفيهما مِن المسلمين : ( إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار . قالوا : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه ) ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : ( انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم . قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ، فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما ، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين ، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلا أو مالا ، فلبثت - والقدح على يدي - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي ، فاستيقظا فشربا غبوقهما . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه . قال الآخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم ، كانت أحب الناس إلي - وفي رواية : كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء - فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها - وفي رواية : فلما قعدت بين رجليها ، قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة ، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها . وقال الثالث : اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين ، فقال : يا عبد الله ، أد إلي أجري ، فقلت : كل ما ترى من أجرك : من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبد الله ، لا تستهزىء بي ! فقلت : لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ) متفق عليه ... " .
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فَسَدَّت عليهم الغار ، فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم ) " . الشيخ :( أن تدعوا الله تعالى ) ، ( أن تدعوا الله تعالى ) ما بها فتحة . القارئ : " ( إلا أنْ تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم . قال رجل منهم : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ، فنأى بي طلب الشجر يوما ، فلم أُرح عليهما حتى ناما ، فحلبت لهما غبوقُهما ) " . الشيخ : غبوقَهما . القارئ : " ( فوجدتهما نائمين ، فكرهت أن أوقظهما ، وأن أغبق قبلهما أهلا أو مالا ، فلبثت - والقدحُ على يدي - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي ، فاستيقظا فشربا غَبوقهما . اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه . قال الآخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم ، كانت أحبُّ الناس إلي ) " . الشيخ : أحبَّ أحبَّ . القارئ : " ( كانت أحبَ الناس إلي - وفي رواية : كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء - فأردتها على نفسها فامتنعت مني ، حتى ألمـَّت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار ، على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدِرت عليها - وفي رواية : فلما قعدت بين رجليها - قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركَتْ الذهب الذي أعطيتها ) " . الشيخ : تركتُ . القارئ : " ( وتركتُ الذهب الذي أعطيتها . اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة ، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها . وقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ، ترك الذي له وذهب ، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين ، فقال : يا عبد الله ، أدِّ إلي أجري ، فقلت : كل ما ترى مِن أجرك : من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبد الله ، لا تستهزىءُ بي ! ) " . الشيخ : لا تستهزئْ بي . القارئ : " ( فقال : يا عبد الله ، لا تستهزئْ بي ، فقلت : لا أستهزئ بك ، فأخذه كلَّه ، فاستاقه فلم يترك منه شيئا . اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : ( انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم . قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ، فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما ، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين ، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلا أو مالا ، فلبثت - والقدح على يدي - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي ، فاستيقظا فشربا غبوقهما . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( انطلق ثلاثة نفر ) : يعني ثلاثة رجال ، فآواهم المبيت فدخلوا في غار : يعني ليبيتوا فيه ، والغار هو ما يكون في الجبل مما يدخله الناس يبيتون فيه أو يتظللون فيه عن الشمس أو ما أشبه ذلك ، فهم دخلوا حين آواهم المبيت إلى هذا الغار ، فتدحرجت عليهم صخرة من الجبل حتى سدت عليهم باب الغار ، ولم يستطيعوا أن يزحزحوها ، لأنها صخرة كبيرة ، فرأوا أن يتوسلوا إلى الله سبحانه وتعالى بصالح أعمالهم ، فذكر أحدهم بِره التام بوالديه ، وذكر الثاني عِفته التامة ، وذكر الثالث ورعه ونصحه ، أما الأول يقول : ( إنه كان له أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ) : الأهل يعني مثل الزوجة والأولاد ، والمال مثل الأرقاء وشبهه ، وكان له غنم فكان يسرح فيها ، ثم يرجع في آخر النهار ويحلب الغنم ، ويعطي أبويه الشيخين الكبيرين ، ثم يعطي بقية أهله وماله يقول : ( فنأى بي طلب الشجر ذات يوم ) : يعني أبعد بي طلب الشجر : يعني الشجر الذي يرعاه ، فرجع فوجد أبويه قد ناما ، فنظر هل يُسقي أهله وماله قبل أبويه ؟ أو ينتظر حتى يستيقظ الأبوان ؟ فرجح هذا ، يعني أنه بقي فأمسك الإناء بيده حتى برق الفجر : يعني حتى طلع الفجر وهو ينتظر استيقاظ أبويه ، فلما استيقظا وشربا اللبن أسقى أهله وماله ، قال : ( اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك ، فافرج ) ، ( اللهم إن كنت فعلتُ ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه ) : يعني معناه : اللهم إن كنت مخلصا في عملي هذا ، فعلته من أجلك ، فافرج عنا ما نحن فيه ، وفي هذا دليل على الإخلاص لله عز وجل في العمل ، وأن الإخلاص عليه مدار كبير في قبول العمل ، فتقبل الله منه هذه الوسيلة ، وانفرجت الصخرة لكن انفراجا لا يستطيعون الخروج منه ، وذكر بقية الحديث في الرجل العفيف كامل العفة ، والرجل الأمين كامل الأمانة ، والله أعلم . القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، قال -رحمه الله تعالى- في سياق حديث ابن عمر : " ( قال الآخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم ، كانت أحبَّ الناس إلي - وفي رواية : كنت أُحبها كأشد ما يحب الرجال النساء - فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمـَّت بها سنة من السنين ، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخليَ بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قَدِرت عليها - وفي رواية : فلما قعدت بين رجليها - قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ ، وتركت الذهب الذي أعطيتها . اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة ، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها . وقال الثالث : اللهم استأجرت أُجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ، ترك الذي له وذهب ، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين ، فقال : يا عبد الله ، أدِّ إلي أجري ، فقلت : كل ما ترى من أجرك : من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبد الله ، لا تستهزىء بي ! فقلت : لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا . اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... قال الآخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم ، كانت أحب الناس إلي - وفي رواية : كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء - فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها - وفي رواية : فلما قعدت بين رجليها ، قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة ، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها . وقال الثالث : اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين ، فقال : يا عبد الله ، أد إلي أجري ، فقلت : كل ما ترى من أجرك : من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبد الله ، لا تستهزىء بي ! فقلت : لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : سبق لنا الكلام على أول هذا الحديث ، حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قصة ثلاثة نفر آواهم المبيت إلى غار ، فدخلوا في الغار ينامون فيه ليقوموا في الصباح ، فتدحرجت عليهم صخرة سدت باب الغار ، وعجزوا عنها ، فتوسل كل واحد منهم بصالحٍ من صالح أعمالهم : أما أحدهم فتوسل فتوسل بشدة بره بوالديه وسبق الكلام على ذلك ، أما الثاني فتوسل إلى الله عز وجل بالعفة التامة ، وذلك أنه كان له ابنة عم ، وكان يحبها حبا شديدا ، كأشدِّ ما يحب الرجال النساء ، فأرادها على نفسها : يعني أرادها والعياذ بالله بالزنا ليزني بها ، ولكنها لم توافق وأبت ، فألمـَّت بها سنة من السنين : يعني أصابها فقر وحاجة ، فاضطرت إلى أن تجود بنفسها في الزنا من أجل الضرورة ، وهذا لا يجوز ، لكن على كل حال هذا الذي حصل ، فجاءت إليه فأعطاها مئة وعشرين دينارا : يعني مئة وعشرين جنيه من أجل أن تمكنه من نفسها ، ففعلت من أجل الحاجة والضرورة ، فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته ، على أنه يريد أن يفعل بها ، قالت له هذه الكلمة العجيبة العظيمة : ( اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ) : فخوفته بالله عز وجل ، وأشارت إليه إلى أنه إن أراد هذا الشيء بالحق فليس عندها مانع ، لكن كونه يفض الخاتم بغير الحق هي لا تريد ، ترى أن هذا من المعاصي ، ولهذا قالت له : ( اتق الله ) : فلما قالت له هذه الكلمة التي خرجت من أعماق قلبها دخلت في أعماق قلبه ، وقام عنها وهي أحب الناس إليه ، يعني ما زلت رغبته عنها ولا كرهها بل حبها باق في قلبه لكن أدركه خوف الله عز وجل ، فقام عنها وهي أحب الناس إليه ، وترك لها الذهب الذي أعطاها ، مئة وعشرين دينارا ثم قال : ( اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك لأجلك فافرج عنا ما نحن فيه ) : فانفرجت الصخرة إلا أنهم لا يستطيعون الخروج ، وهذا من آيات الله ، لأن الله على كل شيء قدير ، لو شاء الله تعالى لانفرجت عنهم بأول مرة ، ولكنه سبحانه وتعالى أراد أن يبقي هذه الصخرة حتى يَتم لكل واحد منهم ما أراد أن يتوسل به من صالح العمل ، والله الموفق . بسم الله الرحمن الرحيم : سبق الكلام على أول هذا الحديث ، وذلك في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت فلجؤوا إلى غار فدخلوه ، فانطبقت عليهم صخرة فسدت عليهم باب الغار ، وعجزوا عن زحزحتها ، فتوسلوا إلى الله سبحانه وتعالى بصالح أعمالهم ، أما أحدهم فتوسل إلى الله بالبر التام بوالديه ، وأما الثاني فتوسل إلى الله تعالى بالعفة التامة عن الزنا ، وأما الثالث : فتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالأمانة والإصلاح والإخلاص في العمل ، فإنه ذكر أنه استأجر أجراء على عمل من الأعمال ، فأعطاهم أجورهم إلا رجلا واحدا ترك أجره فلم يأخذه ، فقام هذا المستأجِر فثمَّر المال ، ثمر أجره ، يعني صار يتكسب به بالبيع والشراء وغير ذلك حتى نما ، وصار منه إبل وبقر وغنم ورقيق : عبيد ، أموال عظيمة ، فجاءه بعد حين فقال له : ( يا عبد الله أعطني أجري ، فقال له : كل ما ترى فهو لك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال : لا تستهزئ بي ) : الأُجرة التي لي عندك قليلة ، كيف هي كل ما أرى من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، لا تستهزئ بي ، ( فقلت : هو لك ، فأخذه واستقاه كله ، ولم يترك له شيئا . اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك من أجلك فافرُج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة ، وانفتح الباب وخرجوا يمشون ) ، لأنهم توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم التي فعلوها إخلاصا لله عز وجل .
فوائد حديث : ( ... انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ... " .
الشيخ : ففي هذا الحديث من الفوائد والعبر : فضيلة بر الوالدين وأنه من الأعمال الصالحة التي يفرج بها الكربات ، ويزيل بها الظلمات . وفيه : فضيلة العفة عن الزنا ، وأن الإنسان إذا عفَّ عن الزنا مع قدرته عليه فإن ذلك من أفضل الأعمال ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ( رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله ) : فهذا الرجل مكنته هذه المرأة التي يحبها من نفسها ، فقام خوفا من الله عز وجل ، ففيه حصل عنده كمال العفة ، فيُرجى أن يكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . وفي هذا الحديث أيضا دليل على فضل الأمانة ، وإصلاح العمل للغير ، فإن هذا الرجل بإمكانه لما جاءه الأجير أن يعطيه أجرته ، ويبقي هذا المال له ، يعني يبقي الغنم ، الإبل والبقر والغنم والرقيق له ، ويقول : أجرتك هذه ويعطيه شيئا آخر ، لكن لأمانته وثقته وإخلاصه لأخيه ونصحه له أعطاه كل ما أثمر أجره . ومن فوائد هذا الحديث : بيان قدرة الله عز وجل ، حيث إنه تعالى أزاح عنهم الصخرة بإذنه ، لم يأت ونش يزيلها ، ولم يأت رجال يزحزحوها ، وإنما هو أمر الله عز وجل ، أَمَرَ الله أن تنحدر هذه الصخرة فتنطبق عليهم ، ثم أمرها أن تنفرج عنهم ، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير . وفيه من العِبر : أن الله تعالى سميع الدعاء فإنه سمع دعاء هؤلاء واستجاب لهم . وفيه أيضا من العِبر : أن الإخلاص من أسباب تفريج الكربات ، لأن كل واحد منهم يقول : اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه ، أما الرياء والعياذ بالله والذي لا يفعل الأعمال إلا رياء وسمعة حتى يمدح عند الناس ، فإن هذا كالزَبَد يذهب جفاء لا ينتفع منه صاحبه ، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص له ، الإخلاص هو كل شيء ، لا تجعل عبادتك ، لا تجعل لأحد فيها نصيبا ، اجعلها كلها لله وحده حتى تكون مقبولة عند الله ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب التوبة .
قال العلماء : التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط :
أحدها : أن يقلع عن المعصية .
والثاني : أن يندم على فعلها .
والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها . ويجب أن يتوب من جميع الذنوب ، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي . وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة ، وإجماع الأمة على وجوب التوبة قال الله تعالى : (( وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون )) ، وقال تعالى : (( استغفروا ربكم ثم توبوا إليه )) ، وقال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا )) .... " .
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال -رحمه الله تعالى- : " باب التوبة : قال العلماء : التوبة واجبة مِن كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط : أحدها : أن يقلع عن المعصية . والثاني : أن يندم على فعلها . والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا . فإن فقد أحدُ الثلاثة لم تصح توبته " . الشيخ : أحدَ ، فإن فقد . القارئ : " فإن فقد أحدَ الثلاثة لم تصح توبته ، وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأنْ يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كان حدَّ قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه ، وإن كان غيبة استحلَّه منها . ويجب أن يتوب من جميع الذنوب ، فإن تاب مِن بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب ، وبقي عليه الباقي . وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة ، وإجماع الأمة على وجوب التوبة ، قال الله تعالى : (( وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ )) ، وقال تعالى : (( استغفروا ربكم ثم توبوا إليه )) ، وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا )) " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب التوبة .
قال العلماء : التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط :
أحدها : أن يقلع عن المعصية .
والثاني : أن يندم على فعلها .
والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب التوبة " : التوبة : مِن تاب يتوب إذا رجع ، وهي الرجوع من معصية الله إلى طاعته ، وأعظمها وأوجبها التوبة من الكفر إلى الإيمان ، قال الله تعالى : (( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ )) . ثم يليها التوبة من الكبائر من كبائر الذنوب . ثم المرتبة الثالثة : التوبة من صغائر الذنوب . والواجب على المرء أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من كل ذنب ، وللتوبة شروط ثلاثة كما قال المؤلف -رحمه الله- ولكنها بالتتبع تبلغ إلى خمسة : الشرط الأول : الإخلاص لله ، بأن يكون قَصدُ الإنسان بتوبته وجهَ الله عز وجل ، وأن يتوب الله عليه ويتجاوز عما فعل من المعصية ، لا يقصد بذلك مراءاة الناس والتقربَّ إليهم ، ولا يقصد بذلك دفع الأذية من السلطات وولي الأمر ، وإنما يقصد بذلك وجه الله ، والدار الآخرة ، وأن يعفو الله عن ذنوبه .