تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) ، وقال تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين )) ، والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة ... " .
1 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) ، وقال تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين )) ، والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحانه الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم ... " .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( الطُّهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحانه الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) ، رواه مسلم " .
2 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحانه الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحانه الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم ... " .
سبق لنا الكلام على الآيات التي ساقها المؤلف -رحمه الله- في الصبر وثوابه والحث عليه ، ثم شرع -رحمه الله- في بيان الأحاديث الواردة في ذلك ، فذكر حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض ) إلى قوله : ( والصبر ضياء ) : فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الصبر ضياء يعني : أنه يضيء للإنسان يضيء له عندما تحتلك الظلمات وتشتد الكربات ، فإذا صبر فإن هذا الصبر يكون له ضياء يهديه إلى الحق ، ولهذا ذكر الله تعالى أنه من جملة الأشياء التي يستعان بها ، فهو ضياء للإنسان في قلبه ، وضياء له في طريقه ومنهاجه وعمله ، لأنه كلما سار إلى الله عز وجل على طريق الصبر فإن الله تعالى يزيده هدى وضياء في قلبه ويبصره ، فلهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( الصبر ضياء ) ، أما بقية الحديث فقال عليه الصلاة والسلام : ( الطُّهور شطر الإيمان ) الطهور يعني بذلك : طهارة الإنسان ، ( شطر الإيمان ) يعني : نصف الإيمان ، وذلك لأن الإيمان تخلية وتحلية يعني تبرؤ من الشرك والفسوق تبرؤ من المشركين والفساق بحسب ما معهم من الفسق ، فهو تخلي وهذا هو الطُّهور : أن يتطهر الإنسان طهارة حسية ومعنوية من كل ما فيه أذى ، فلهذا جعله النبي عليه الصلاة والسلام شطر الإيمان .
قال : ( وسبحان الله تملأ الميزان ) يعني إذا قال الإنسان : سبحان الله فقد ملأ ميزانه ، لأن سبحان الله معناها تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به من العيوب ومماثلة المخلوقات ، فالله عز وجل منزه عن كل عيب في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ، لا تجد في أسمائه اسما يشتمل على نقص أو على عيب ولهذا قال الله تعالى : (( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )) ، ولا تجد في صفاته صفة تشتمل على عيب أو نقص ، ولهذا قال الله تعالى : (( وللهِ المثلُ الأعلى )) بعد قوله : (( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ولله المثل الأعلى )) ، فالله عز وجل له الوصف الأكمل الأعلى من جميع الوجوه ، وله أيضا الكمال المنزه عن كل عيب في أفعاله ، كما قال تعالى : (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ )) ، فليس في خلق الله لعب ولهو ، وإنما هو خلق مبني على الحكمة ، كذلك أحكامه لا تجد فيها عيباً ولا نقصا كما قال الله تعالى : (( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ )) ، وقال عز وجل : (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) ، فالمهم أن التسبيح معناه تنزيه الله عما لا يليق به في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ، ولهذا قال : ( سبحان الله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد تملآن أو قال : تملأ ما بين السماء والأرض ) : شك من الراوي هل قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( تملآن ما بين السماوات والأرض ) أو قال : ( تملأ ما بين السماوات والأرض ) والمعنى لا يختلف ، يعني أن سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماوات والأرض ، وذلك لأن هاتين الكلمتين مشتملتان على تنزيه الله عن كل نقص في قوله : ( سبحان الله ) ، وعلى وصف الله بكل كمال في قوله : ( والحمد لله ) فقد جمعت هاتان الكلمتان بين التخلية والتحلية كما يقولون ، أي : بين نفي كل عيب ونقص ، وإثبات كل كمال ، فسبحان الله فيها نفي النقائص ، والحمد لله فيها إثبات الكمالات ، والله عز وجل يحمد على كل حال ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أصابه ما يسر به قال : ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) ، وإذا أصابه سوى ذلك قال : ( الحمد لله على كل حال ) .
ثم إن ها هنا كلمة شاعت أخيرا عند كثير من الناس وهي قولهم : " الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه " : هذا ناقص ، هذا الحمد ناقص ، لأن قولك على مكروه سواه تعبير يدل على قلة الصبر أو على الأقل على عدم كمال الصبر ، وأنك كاره لهذا الشيء ، ولا ينبغي للإنسان أن يعبر هذا التعبير ، بل ينبغي له أن يعبر بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعبر به فيقول : ( الحمد لله على كل حال ) ، أو يقول : الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه ، أما أن يقول : على مكروه سواه ، فهذا تعبير واضح على مضادة ما أصابه من الله عز وجل ، وأنه كاره له ، وأنا لا أقول إن الإنسان لا يكره ما أصابه من البلاء ، بطبيعة الإنسان أن يكره ذلك ، لكن لا تعلن هذا بلسانك في مقام الثناء على الله ، بل عبر كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه ، والله الموفق .
بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق لنا الكلام على أول هذا الحديث الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الصلاة نور والصبر ضياء ) : فالصلاة نور : نور للعبد في قلبه ، وفي وجهه وفي قبره وفي حشره ، ولهذا تجد أكثر الناس نورا في الوجوه أكثرهم صلاة وأخشعهم فيها لله عز وجل ، وكذلك تكون نورا للإنسان في قلبه : تفتح عليه باب المعرفة بالله عز وجل ، وبابَ المعرفة في أحكام الله وأفعاله وأسمائه وصفاته ، وهي نور في قبر الإنسان ، لأن الصلاة هي عمود الإسلام ، إذا قام العمود قام البناء ، وإذا لم يقم العمود فلا بناء ، فهي نور في قبر الإنسان ، كذلك نور في حشره يوم القيامة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن مَن حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لكم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة ، وحُشر مع فرعون وهامان وقارون وأُبي بن خلف ) ، فهي نور للإنسان في جميع أحواله ، وهذا يقتضي أن يحافظ الإنسان عليها وأن يحرص عليها وأن يكثر منها ، حتى يكثر نوره وعِلمه وإيمانه .
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحانه الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم ... " .
سبق الكلام على هذا الحديث إلا الجملة الأخيرة منه وهي قوله صلى الله عليه وسلم : ( كلُ الناس يغدو فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها ) : قوله عليه الصلاة والسلام : ( كل الناس يغدو ) يعني : كلُ الناس يبدأ يومه من الغدوة بالعمل ، وهذا شيء مشاهد فإن الله سبحانه وتعالى جعل الليل سكنا ، وقال : (( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ )) ، فهذا النوم الذي يكون في الليل هو وفاة صغرى ، تهدأ فيه الأعصاب ويستريح فيه البدن ويستجد نشاطه للعمل المقبل ، ويستريح مِن العمل الماضي فإذا كان الصباح وهو الغُدوة سار الناس واتجهوا كل لعمله ، فمنهم من يتجه إلى الخير وهم المسلمون ، ومنهم من يتجه إلى الشر وهم الكفار والعياذ بالله ، المسلم أول ما يغدو يتوضأ ويتطهر ، ( والطهور شطر الإيمان ) كما في هذا الحديث ، ثم يذهب فيصلي فيبدأ يومه بعبادة الله عز وجل ، بالطهارة والنقاء والصلاة التي هي صلة بين العبد وبين ربه ، فيفتتح يومه بهذا العمل الصالح ، بل يفتتحه بالتوحيد ، لأنه يُشرع للإنسان إذا استيقظ من نومه أن يذكر الله عز وجل ، وأن يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران : (( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )) إلى آخر السورة ، هذا المسلم ، هذا الذي يغدو في الحقيقة هو بائع نفسه ، لكن هل باعها بيعا يعتقها فيه ؟ نقول : نعم ، المسلم باعها بيعا يعتقها فيه ، ولهذا قال : ( فبائع نفسه فمعتقها ) هذا قسم ، ( أو موبقها ) يعني : معناه بائع نفسه فموبقها ، الكافر يغدو إلى العمل الذي فيه الهلاك ، لأن معنى أوبقها : أهلكها ، وذلك أن الكافر يبدأ يومه بمعصية الله ، حتى لو بدأ بالأكل والشرب فإن أكله وشربه يعاقبُ عليه يوم القيامة ، يحاسب عليه ، كل لقمة يرفعها الكافر إلى فمه فإنه يعاقب عليها ، وكل جغمة يبتلعها من الماء فإنه يعاقب عليها ، وكل لباس يلبسه فإنه يعاقَبُ عليه ، والدليل على هذا قوله تعالى : (( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) للذين آمنوا لا لغيرهم (( خالصة يوم القيامة )) يعني ليس عليهم مِن شوائبها شيء يوم القيامة ، فمفهوم الآية الكريمة : (( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) : أنها لغير المؤمنين حرام ، وأنها ليست خالصة لهم يوم القيامة ، وأنهم سيعاقبون عليها ، وقال الله تعالى في سورة المائدة ، وهي من آخر ما نزل ، والآية التي سقتها الآن في سورة الأنعام وهي مكية ، المائدة مدنية وهي مِن آخر ما نزل قال : (( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا )) فمفهوم الآية الكريمة أن على غير المؤمنين جناح فيما طعموه ، فالكافر من حين يصبح والعياذ بالله وهو بائع نفسه فيما يهلكها ، أما المؤمن فبائع نفسه فيما يعتقها وينجيها من النار ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم .
في آخر هذا الحديث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس ينقسمون إلى قسمين : قسم يكون القرآن حجة له كما قال : ( والقرآن حجة لك ) ، وقسم يكون القرآن حجة عليه كما قال : ( أو عليك ) وقسم يعتقون أنفسهم باعمالهم الصالحة ، وقسم يهلكونها بأعمالهم السيئة ، والله الموفق .
4 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما ( أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر ) متفق عليه ... " .
5 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما ( أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما ( أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر ) متفق عليه ... " .
فلما نفد ما في يده أخبرهم : ( أنه ما من شيء ، أو ما من خير يكون عنده يدخره عنهم ) : يعني لا يمكن أن يدخر شيئا عنهم فيمنعهم ، ولكن ليس عنده شيء ، ثم حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الاستعفاف والاستغناء والصبر ، فقال : ( ومن يستغن يغنه الله ، ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يتصبر يصبره الله عز وجل ) ، هذه ثلاثة أمور : أولا : من يستغن يغنه الله : يعني من يستغن بما عند الله عما في أيدي الناس يغنه الله عز وجل ، وأما من يسأل الناس ويحتاج إلى ما عندهم فإنه سيبقى قلبُه فقيرا والعياذ بالله ، ولا يستغني ، والغنى غنى القلب ، فإذا استغنى الإنسان بما عند الله عما في أيدي الناس أغناه الله عن الناس وجعله عزيز النفس بعيدا عن السؤال ، كذلك : ( من يستعفف يعفه الله ) يعني : من يستعفف عما حرم الله عليه من النساء يعفه الله عز وجل ، والإنسان الذي يُتبع نفسه هواها فيما يتعلق بالعفة فإنه يهلك والعياذ بالله ، يهلك لأنه إذا أتبع نفسه هواها وصار يتتبع النساء فإنه يهلك ، تزني العين تزني الأذن تزني اليد تزني الرجل ثم يزني الفرج وهو الفاحشة والعياذ بالله ، فإذا استعف الإنسان عن هذا المحرم أعفه الله عز وجل ، وحماه وحمى أهله أيضا ، ومن يتصبر يصبره الله ، يعني يعطيه الله الصبر ، إذا تصبرت وحبست نفسك عما حرم اللهُ عليك وصبرت على ما عندك من الحاجة والفقر ولم تلح على الناس بالسؤال ، فإن الله تعالى يصبرك ، ويعينك على الصبر ، وهذا هو الشاهد من الحديث ، لأن الحديث هذا في باب الصبر ، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( وما أُعطي أحدٌ عطاء خيراً وأوسع من الصبر ) : يعني ما مَنَّ الله على أحد بعطاء مِن رزق أو غيره خيرا وأوسع من الصبر ، لأن الإنسان إذا كان صبورا تحمل كل شيء ، إن أصابته ضراء صبر ، وإن عرض له الشيطان بفعل المحرم صبر ، وإن خذَّله الشيطان عما أمر الله صبر ، فإذا كان الإنسان قد منَّ الله عليه بالصبر فهذا خير ما يعطاه الإنسان وأوسع ما يعطاه ، ولذلك تجد الإنسان الصبور لو أوذي لو آذاه الناس لو سمع منهم ما يكره لو حصل منهم اعتداء عليه ، تجده هادئ البال ، لا يتصلَّب ولا يغضب ، لأنه صابر على ما ابتلاه الله به ، فلذلك تجد قلبه دائما مطمئنا ، ونفسه مستريحة ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( وما أعطي أحدٌ عطاء خيراً وأوسع من الصبر ) ، والله الموفق .
6 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما ( أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم ... " .
7 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم ... " .
ثم فصَّل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الخير فقال : ( إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ) : هذه حال المؤمن ، وكل إنسان فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين : إما سراء ، وإما ضراء ، والناس في هذه الإصابة : السراء والضراء ، ينقسمون إلى قسمين : مؤمن وغير مؤمن ، فالمؤمن على كل حال ما قَدَّر الله له فهو خير له ، إن أصابته الضراء صبر ، صبر على أقدار الله ، وانتظر الفرج من الله ، واحتسب الأجر على الله فكان ذلك خيرا له ، فنال بهذا أجر الصابرين .
وإن أصابته سراء من نعمة ، نعمة دينية كالعلم والعمل الصالح ، أو دنيوية : كالمال والبنين والأهل شكر ، شكر الله ، وذلك بالقيام بطاعة الله ، لأن الشكر ليس مجرد قول الإنسان : أشكر الله ، بل هو القيام بطاعة الله عز وجل فيشكر الله فيكون خيرا له ، يكون عليه نعمتان : نعمة الدين ، ونعمة الدنيا ، نعمة الدنيا بالسراء ، ونعمة الدين بالشكر ، هذه حال المؤمن فهو على خير سواء أصيب بسراء أو أصيب بضراء ، أما الكافر فهو على شر والعياذ بالله ، على شر إن أصابته الضراء لم يصبر ، تضجر ودعا بالويل والثبور وسب الدهر ، وسب الزمن ، بل وسب الله عز وجل نعوذ بالله ، وإن أصابته سراء لم يشكر الله ، فكانت هذه السراء عقابًا عليه في الآخرة ، لأن الكافر لا يأكل أكلة ولا يشرب شَربة إلا كان عليه فيها إثم ، وإن كان ليس فيها إثم بالنسبة للمؤمن لكن على الكافر إثم ، كما قال الله تعالى : (( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) هي للذين آمنوا خاصة ، وهي خالصة لهم يوم القيامة ، أما الذين لا يؤمنون فليست لهم ، ويأكلونها حراماً عليهم ، ويعاقبون عليها يوم القيامة ، فالكافر في شر ، سواء أصابته الضراء أم السراء ، بخلاف المؤمن فإنه على خير .
وفي هذا الحديث الحث على الإيمان ، وأن المؤمن دائما في خير ونعمة .
وفيه أيضا حث على الصبر على الضراء وأن ذلك من خصال المؤمنين ، فإذا رأيت نفسك عند إصابة الضراء صابرا محتسبا تنتظر الفرج مِن الله سبحانه وتعالى ، وتحتسب الأجر على الله ، فذلك عنوان الإيمان ، وإن رأيت بالعكس فاخش نفسك ، وعدل مسيرك ، وتب إلى الله .
وفي هذا أيضا الحث ، في هذا الحديث الحث على الشكر عند السراء ، لأن الشكر إذا شكر الإنسان ربه على نعمته فهذا من توفيق الله له ، وهو من أسباب زيادة النعم كما قال الله تعالى : (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) ، وإذا وَفق الله الإنسان للشكر فهذه نعمة تحتاج إلى شكرها مرة ثانية ، فإذا وُفق فهي نعمة تحتاج إلى شكرها نعمة ثالثة ، لأن الشكر قلَّ من يقوم به ، فإذا منَّ الله عليك وأعانك عليه فهذه نعمة ولهذا قال بعضهم :
" إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةً *** عليَّ لهُ في مثلها يجب الشُكرُ
فكيف بلوغ الشُكرِ إلا بفضلهِ *** وإن طالت الأيام واتصلَ العُمر "
وصدق رحمه الله ، فإن الله إذا وفقك للشكر فهذه نعمة تحتاج إلى شكر جديد ، فإن شكرت فهي نعمة تحتاج إلى شكر ثاني ، فإن شكرت فهي نعمة تحتاج إلى شكر ثالث ، وهلم جرا ، ولكننا في الحقيقة في غفلة ، في غفلة عن هذا ، نسأل الله أن يوقظ قلوبنا وقلوبكم ، ويصلح أعمالنا وأعمالكم إنه جواد كريم .
8 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : ( لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه الكرب ، فقالت فاطمة رضي الله عنها : واكرب أبتاه . فقال : ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) فلما مات ، قالت : يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه ! يا أبتاه ، جنة الفردوس مأواه ! يا أبتاه ، إلى جبريل ننعاه ! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها : أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب ؟! ) رواه البخاري .
9 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : ( لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه الكرب ، فقالت فاطمة رضي الله عنها : واكرب أبتاه . فقال : ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) فلما مات ، قالت : يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه ! يا أبتاه ، جنة الفردوس مأواه ! يا أبتاه ، إلى جبريل ننعاه ! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها : أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب ؟! ) رواه البخاري . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : ( لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه الكرب ، فقالت فاطمة رضي الله عنها : واكرب أبتاه . فقال : ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) فلما مات ، قالت : يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه ! يا أبتاه ، جنة الفردوس مأواه ! يا أبتاه ، إلى جبريل ننعاه ! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها : أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب ؟! ) رواه البخاري ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أنَّ فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، لما ثقل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه ، وجعل يتغشاه الكرب ) : يعني من شدة ما يصيبه ، ( جعل يغشى عليه من الكرب عليه الصلاة والسلام ) : لأنه عليه الصلاة والسلام يشدد عليه الوعك والمرض : ( كان يوعك كما يوعك الرجلان مِن الناس ) ، والحكمة في هذا ، لأجل أن ينال صلى الله عليه وسلم أعلى درجات الصبر ، فإن الصبر منزلة عالية لا يُنال إلا بامتحان واختبار من الله عز وجل ، لأنه لا صبر إلا على مكروه ، فإذا لم يصب الإنسان بشيء يكرهه فكيف يُعرف صبره ، ولهذا قال الله تعالى : (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين )) ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك الرجلان من الناس ، فجعل يتغشاه الكرب فتقول فاطمة رضي الله عنها : ( واكرب أبتاه ) تتوجع له من كربه لأنها امرأة ، والمرأة لا تطيق الصبر ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا كرب على أبيك بعد اليوم ) ، لأنه صلى الله عليه وسلم لما انتقل من الدنيا انتقل إلى الرفيق الأعلى ، كما كان صلى الله عليه وسلم وهو يغشاه الموت يقول : ( اللهم في الرفيق الأعلى ، اللهم في الرفيق الأعلى ، وينظر إلى سقف البيت ) صلى الله عليه وسلم ، توفي النبي عليه الصلاة والسلام فجعلت رضي الله عنها تندبه ، لكنه ندب خفيف لا يدل على التسخط مِن قضاء الله وقدره ، فجعلت تقول : ( واأبتاه إلى جبريل ننعاه ) : ننعاه : النعي هو الإخبار بموت الميت ، وقالت : إننا ننعاه إلى جبريل ، لأن جبريل هو الذي كان يأتيه بالوحي صباحا ومساء ، فإذا فُقد النبي صلى الله عليه وسلم فُقد نزول جبريل إلى الأرض بالوحي لأن الوحي انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ( إلى جبريل ننعاه ، واأبتاه أجابَ ربا دعاه ) عز وجل ، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده ملكوت كل شيء ، آجال الخلق بيده ، تصريف الخلق بيده ، كل شيء إلى الله ، إلى الله المنتهى وإليه الرجعى ، فأجاب داعي الله : وهو أنه صلى الله عليه وسلم إذا توفي كغيره من المؤمنين يُصعد بروحه حتى توقف بين يدي الله عز وجل ، فوق السماء السابعة ، فقالت : ( واأبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه ) صلى الله عليه وسلم ، لأنه عليه الصلاة والسلام أعلى الخلق منزلة في الجنة ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( اسألوا الله لي الوسيلة ، فهي أعلى درجة في الجنة ، ولا تكون إلا عبد من عباد الله فأرجو أن أكون أنا هو ) ، ولا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام مأواه جنة الفردوس ، وجنة الفردوس هي أعلى درجات الجنة ، وسقفها الذي فوقها عرش الرب جل جلاله ، فوقها عرش الرحمن سبحانه وتعالى ، والنبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجة منها ، ثم لما حمل ودفن قالت رضي الله عنها : ( أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب ) : يعني مِن شدة وجدها عليه وحَزَنها ومعرفتها بأن الصحابة رضي الله عنهم قد ملأ قلوبهم محبة الرسول عليه الصلاة والسلام ، فهل طابت ؟ والجواب : نعم طابت ، لأن هذا هو ما أراده الله عز وجل وهو شرع الله ، ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام يفدى بكل الأرض لفداه الصحابة رضي الله عنهم ، لكن الله تعالى هو الذي له الحكم وإليه المرجع ، وكما قال الله تعالى في كتابه : (( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )) .
10 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : ( لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه الكرب ، فقالت فاطمة رضي الله عنها : واكرب أبتاه . فقال : ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) فلما مات ، قالت : يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه ! يا أبتاه ، جنة الفردوس مأواه ! يا أبتاه ، إلى جبريل ننعاه ! فلما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها : أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب ؟! ) رواه البخاري ... " . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ... ) .
وفيه رد على هؤلاء القوم الذين يشركون بالرسول صلى الله عليه وسلم ، يدعون الرسول عليه الصلاة والسلام ، يستغيثون به وهو في قبره ، بل إن بعضهم والعياذ بالله لا يسأل الله ويسأل الرسول ، كأن الذي يجيب هو الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولقد ضلوا في دينهم ، وسفِهوا في عقولهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فكيف يملك لغيره ؟ قال الله تعالى آمرا نبيه : (( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ )) ، بل هو عبد من عباد الله ولهذا قال : (( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )) ، وقال الله تعالى له أيضًا : (( قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلاغاً )) يعني هذه وظيفتي : (( إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ )) ولما أنزل الله تعالى قوله : (( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )) : دعا قرابته عليه الصلاة والسلام ، وجعل ينادي إلى أن قال : ( يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت ، لا أغني عنك من الله شيئا ) ، إلى هذا الحد ابنته التي هي بضعة منه ، والتي يريبه ما رابها ، يقول لها : ( لا أغني عنك من الله شيئا ) : فهو دليل على أن مَن سواها مِن باب أولى ، ففيه ضلال هؤلاء القوم الذين يدعون الرسول عليه الصلاة والسلام ، تجدهم في المسجد النبوي عند الدعاء يتجهون إلى القبر ويصمدون أمام القبر كما يصمدون أمام الله في الصلاة أو أشد .
وفي هذا الحديث دليل على أنه لا بأس بالندب اليسير إذا لم يكن مؤذنا بالتسخط على الله عز وجل ، لأن فاطمة نَدبت النبيَ عليه الصلاة والسلام لكنه ندب يسير ، وليس ينِم عن اعتراض على قدر الله عز وجل ، وفيه دليل على أن فاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنها بقيت بعد موته ، ولم يبق من أولاده بعده إلا فاطمة ، كل أولاده مِن بنين وبنات ماتوا في حياته صلى الله عليه وسلم ، بقيت فاطمة ولكن ليس لها ميراث ، لا هي ولا زوجاته ، ولا عمه العباس ، ولا أحد من عصبته ، لأن الأنبياء لا يورثون كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنَّا معشر الأنبياء ما نورث ، ما تركنا صدقة ) ، وهذا من حكمة الله عز وجل لأنهم لو وُرِثوا لقال من يقول : إن هؤلاء جاؤوا بالرسالة يطلبوا مُلكا يورث من بعدهم ، ولكن الله عز وجل منع ذلك ، فالأنبياء لا يورثون ، بل ما يتركونه يكون صدقة يُصرف للمستحقين له ، والله الموفق .