الشيخ : ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين ، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ، لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام ، لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مئة أو مئتين لم ينتفع الإسلام بذلك ، لم يُسلم الناس ، بخلاف قصة الغلام ، فإن فيها إسلام كثير ، كل الذين حضروا في هذا الصعيد أسلموا . أما أن يموت عشرة أو عشرون أو مئة أو مئتان من العدو فهذا لا يقتضي أن يسلم الناس ، بل ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل حتى يفتك بالمسلمين أشد فتكا ، كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين ، فإن أهل فلسطين إذا كان الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفرا أو أكثر ، فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ، ولا انتفاع للذين فُجرت هذه المتفجرات في صفوفهم ، ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس مِن هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق ، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله ، وأن صاحبه ليس بشهيد ، لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولاً ظانًا أنه جائز فإننا نرجو أن يسلم من الإثم ، وأما أن تكتب له الشهادة فلا ، لأنه لم يسلك طريق الشهادة ، لكنه يسلم من الإثم لأنه متأول ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر ، وسيأتي إن شاء الله بقية الكلام على الحديث . القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " ( فأتي الملك فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ، قد والله نزل بك حذرك ، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت ، وأُضرم فيها النيران وقال : من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها ، أو قيل له : اقتحم ، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام : يا أمه اصبري ، فإنك على الحق ) ، رواه مسلم " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم فيها النيران وقال من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أمه اصبري فإنك على الحق رواه مسلم . ذروة الجبل أعلاه وهي بكسر الذال المعجمة وضمها والقرقور بضم القافين نوع من السفن والصعيد هنا الأرض البارزة والأخدود الشقوق في الأرض كالنهر الصغير وأضرم أوقد وانكفأت أي انقلبت وتقاعست توقفت وجبنت . ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : في خاتمة هذا الحديث العظيم الذي فيه العبرة لمن اعتبر ، فيه أنَّ الملك الكافر الذي يدعو الناس إلى عبادته لما آمن الناس ، وقالوا : آمنا بالله رب الغلام ، جاءه أهل الشر وأهل الحقد على الإيمان وأهله ، وقالوا له : أيها الملك إنه وقع ما كنت تحذر منه ، وهو الإيمان بالله ، وكان يحذر من ذلك لأنه والعياذ بالله قد جعل نفسه إلها ، كما فعل فرعون ، وكان ملكا طاغيا ظالما ، فأمر بالأخدود على أفواه السكك فخُدت ، الأخدود يعني : حفر عميقة مثل السواقي ، على أفواه السكك يعني : على أطراف الأزقة والشوارع ، وقال لجنوده : ( مَن جاء ولم يرجع عن دينه فأقمحوه فيها ) : لأنه أضرم فيها النيران والعياذ بالله ، فكان الناس يأتون ولكنهم لا يرتدون عن دينهم وإيمانهم ، فيقحمونه في النار ، كل من لم يرجع عن دينه الحقيقي وهو الإيمان بالله قذفوه في النار ، ولكنهم إذا قذفوه في النار واحترقوا بها فإنهم ينتقلون من دار الغرور والبوار إلى دار النعيم والاستقرار ، لأن الملائكة تتوفاهم طيبين ، يقولون : سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعلمون ، ولا أعظم من هذا الصبر أن يرى الإنسان النار تتأجج فيقتحم فيها خوفا على إيمانه وصبرا عليه . ( فجاءت امرأة ومعها صبي ، صبي رضيع ، فلما رأت النيران كأنها تقاعست أن تقتحم النار هي وطفلها ، فقال لها الطفل : يا أماه اصبري فإنك على الحق ) ، يقول وهو صغير ما يتكلم ، لكن أنطقه الله الذي أنطق كل شيء ، وهو كرامة لهذه الأم ، أن الله أنطق ابنها من أجل أن تقوى على أن تقتحم النار ، وتبقى على إيمانها ، لأن تكلم هذا الصبي في المهد آية عظيمة ، وقد شهد هذا الصبي بأن أمه على الحق فصبرت واقتحمت النار ، وهذا مِن آيات الله ، وهو دليل على أن الله تعالى يُنَّجي الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء .
الشيخ : مريم بنت عمران رضي الله عنها خرجت من أهلها ، وذهبت مكانا قصيا وهي حامل بابنها عيسى الذي خلقه الله تعالى بكلمة كن ، فكان ، فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة يعني : الطَّلق ، فوضعت تحت جذع النخلة وجعل الله تحتها نهراً يمشي ، فقيل لها : (( هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً )) ، رطب يقع من فرع النخلة ، جنيا لم يتأثر بسقوطه على الأرض ، وهذا مِن آيات الله ، لأن المعروف أن الرطبة إذا سقطت ولو من الإنسان ولو كان واقفا فقط تمزقت ، لكن هذه الرطب لم تتمزق مع أنها تسقط من فرع النخلة ، ثم إن هذه المرأة امرأة ضعيفة ماخض لم تلد إلا الآن ومع ذلك تهز النخلة مِن جذعها فتهتز النخلة ، هذا أيضا من آيات الله ، لأن العادة أن النخلة لا تهتز من الجذع ، ما تهتز إلا إذا هزها أحد من فرعها ، أحد نشيط ، فقيل لها : (( كلي واشربي وقري عينا )) ، ثم أتت به قومها تحمله هذا الطفل ، فصاحوا بها : (( يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً )) يعني شيئا عظيما ، لأنهم أيقنوا بأنها زنت والعياذ بالله ، كيف يأتيه ولد بدون زوج ؟ (( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً )) يعني : أن أباك ليس امرئ سوء ، وكذلك أمك ليست بغيا : ليست زانية ، فمن أين جاءك هذا ، وهذا تعريض لها بالقذف ، فأشارت إليه يعني قالت : اسألوه ، قالوا : (( كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً )) فظنوا أنها تسخر بهم ، فأنطق الله هذا الصبي : (( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ )) كلام فصيح ، (( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً )) عشر جمل ، عشر جمل تكلم بها هذا الصبي الذي في المهد بأبلغ ما يكون من الفصاحة ، فانظر إلى قدرة الله عز وجل حيث ينطق هؤلاء الصبيان بكلام مِن أفصح الكلام ، بكلام يصدر من ذي عقل ، كل ذلك دلالة أو دليل على كمال قدرة الله ، وفيه أيضا : إنقاذ لمريم رضي الله عنها من التهمة التي قد تلحقها بسبب هذا الحمل بدون زوج ، هكذا أيضا هذا الطفل مع المرأة التي تقاعست أن تقتحم النار ، أكرمها الله عز وجل بإنطاق هذا الطفل مِن أجل أن تقتحم النار وتبقى على إيمانها ، وفي هذه القصص وأمثالها دليل على أن الله سبحانه وتعالى برحمته ينجي كل مؤمن في مفازته ، كل متق في مفازته ، في مفازته يعني في موطن يكون فيه هلاكه ولكن الله تعالى ينقذه لما سبق له من التقوى ، وشاهد هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكي عند قبر فقال ( اتقي الله واصبري ) فقالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال ( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) متفق عليه . وفي رواية لمسلم تبكي على صبي لها ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " وعن أنس رضي الله عنه قال : ( مَرَّ النبيُ صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكي عند قبر فقال : اتقي الله واصبري ، فقالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ، ولم تعرفه ، فقيل لها : إنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) ، متفق عليه ، وفي رواية لمسلم ( تبكي على صبي لها ) " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكي عند قبر فقال ( اتقي الله واصبري ) فقالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال ( إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) متفق عليه وفي رواية لمسلم تبكي على صبي لها ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بامرأة وهي عند قبر صبي لها قد مات ) ، وكانت تحبه حبا شديدا ، فلم تملك نفسها أن تخرج إلى قبره لتبكي عنده ، فلما رأها النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بتقوى الله والصبر ، قال لها : ( اتقي الله واصبري ، فقالت له : إليك عني ، فإنك لم تصب بمثل مصيبتي ) : يعني إليك عني أبعد عني ، ( فإنك لم تصب بمثل مصيبتي ) : وهذا يدل على أن المصيبة قد بلغت منها مبلغا كبيرا ، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، ثم قيل لها : إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فندمت وجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بابه وليس على الباب بوابون ، يعني ليس عنده أحد يمنع الناس من الدخول عليه صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته : ( وقالت : إنني لم أعرفك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) : الصبر الذي يثاب عليه الإنسان هو أن يصبر عند الصدمة الأولى ، أول ما تصيبه المصيبة ، هذا هو الصبر ، أما الصبر فيما بعد ذلك فإن هذا قد يكون تسليا كما تتسلى البهائم ، فالصبر حقيقة أن الإنسان إذا صُدم أول ما يصدم يصبر ويحتسب ، ويحسن أن يقول : " إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها " . ففي هذا الحديث عدة فوائد ، أولا : حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الحق وإلى الخير ، فإنه لما رأى هذه المرأة تبكي عند القبر أمرها بتقوى الله والصبر ، ولما قالت : ( إليك عني ) : لم ينتقم لنفسه ولم يضربها ولم يُقمها بالقوة ، لأنه عرف أنه أصابها مِن الحزن ما لا تستطيع أن تملك نفسها ، ولهذا خرجت مِن بيتها لتبكي عند هذا القبر ، فإن قال قائل : أليست زيارة القبور حرامًا على النساء ؟ قلنا : بلى هي حرام على النساء ، بل هي من كبائر الذنوب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) ، لكن هذه لم تخرج للزيارة ، وإنما خرجت لما في قلبها من لوعة فراق هذا الصبي والحزن الشديد ، لم تملك نفسها أن تأتي ولهذا عَذَرها النبي عليه الصلاة والسلام ولم يقمها بالقوة ولم يجبرها على أن ترجع إلى بيتها . ومنها : من فوائد هذا الحديث أن الإنسان يعذر بالجهل سواء كان جهلا بالحكم الشرعي ، أم بالحال ، فإن هذه المرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إليك عني ) أبعد عني ، مع أنه يأمرها بالخير وبالتقوى والصبر ، لكنها لم تعرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهذا عذرها النبي عليه الصلاة والسلام . ومنها : أنه لا ينبغي للإنسان المسؤول عن حوائج المسلمين أن يجعل على بيته بوابا يمنع الناس إذا كان الناس يحتاجون إليه ، إلا إذا كان الإنسان يخشى من كثرة الناس وإرهاق الناس وإشغال الناس عن شيء يمكنهم أن يتداركوا شغلهم في وقت آخر فهذا لا بأس به ، وما جعل الاستئذان إلا مِن أجل النظر ومن أجل أن الإنسان يتصرف في بيته في إدخال من شاء ، ومنع من شاء . ومن فوائد هذا الحديث : أن الصبر الذي يحمد فاعله هو الصبر الذي يكون عند الصدمة الأولى ، يصبر الإنسان ويحتسب ويعلم أنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى ، وأن كل شيء عنده بأجل مسمى . ومنها ، من فوائد هذا الحديث : أن البكاء عند القبر ينافي الصبر ، ولهذا قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اتقي الله واصبري ) ، ويوجد من الناس من يبتلى فإذا مات له ميت صار يتردد على قبره ويبكي عنده ، وهذا ينافي الصبر ، بل نقول : إذا شئت أن تنفعَ هذا الميت فادع الله له وأنت في بيتك ، ولا حاجة أن تتردد على القبر ، لأن التردد على القبر يجعل الإنسان يتخيل هذا الميت دائما في ذهنه ولا يغيب عنه ، وحينئذ لا ينسى المصيبة أبداً مع أن الأفضل للإنسان أن يتلهى ، وأن ينسى المصيبة بقدر ما يستطيع ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ) رواه البخاري ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يقولُ الله تعالى : ما لعبديَ المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه مِن أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ) ، رواه البخاري " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ) رواه البخاري ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه عز وجل : ( ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه من الدنيا ثم احتسبه جزاء إلا الجنة ) : هذا الحديث يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله ، ويسمي العلماء رحمهم الله هذا القسم من الحديث : الحديث القدسي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عن الله . قال الله تعالى : ( ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من الدنيا ثم احتسبه جزاء إلا الجنة ) الصفي : من يصطفيه الإنسان ويختاره من ولد أو أخ أو عم أو أب أو أم أو صديق ، المهم الذي يصطفيه الإنسان ويختاره ويرى أنه ذو صلة فيه قوية إذا أخذه الله عز وجل ثم احتسبه الإنسان فليس له جزاء إلا الجنة ، ففي هذا دليل على فضيلة الصبر على قبض الصفي من الدنيا ، وأن الله عز وجل يجازي الإنسان إذا احتسب يجازيه الجنة ، وفيه دليل على فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه على عباده ، فإن الملك ملكه والأمر أمره وأنت وصفيك كلاكما لله عز وجل ومع ذلك فإذا قبض الله صفي الإنسان واحتسب فإنه له هذا الجزاء العظيم . وفي هذا الحديث أيضا من الفوائد : الإشارة إلى أفعال الله ( إذا قبضت صفيه ) ولا شك أن الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد ، ولكن يجب علينا أن نعلم أن فعل الله تعالى كله خير ، لا ينسب الشر إلى الله أبدا ، والشر إذا وقع فإنما يقع في المفعولات ولا يقع في الفعل ، فمثلا : إذا قدر الله على الإنسان ما يكره فلا شك أن ما يكرهه بالنسبة إليه شر ، لكن الشر في هذا المقدر لا في تقدير الله ، لأن الله تعالى لا يقدره إلا لحكمة عظيمة ، إما للمقدر عليه ، وإلا لعامة الخلق ، أحيانا تكون الحكمة خاصة في المقدر عليه ، وأحيانا في الخلق على سبيل العموم ، المقدر عليه إذا قدر الله عليه شرا وصبر واحتسب نال بذلك خيرا ، إذا قدر الله عليه شرا ورجع إلى ربه بسبب هذا الأمر ، لأن الإنسان إذا كان في نعمة دائما قد ينسى شكر المنعم عز وجل ولا يلتفت إلى الله ، فإذا أصيب بالضراء تذكر ورجع إلى ربه سبحانه وتعالى ، ويكون في ذلك فائدة عظيمة له ، أما بالنسبة للآخرين فإن هذا المقدر على الشخص إذا ضره قد ينتفع به الآخرون ، ولنضرب لذلك مثلا برجل عنده بيت من الطين ، أرسل الله مطرا غزيرا دائما ، فإن صاحب هذا البيت يتضرر ، لكن المصلحة العامة للناس مصلحة ينتفعون بها ، فصار هذا شرا على شخص وخيرا لآخرين ، ومع ذلك فكونه شرا لهذا الشخص أمر نسبي إذ أنه شر من وجه لكنه خير له من وجه آخر ، يتعظ ويعلم أن الملجأ هو الله عز وجل لا ملجأ إلا إليه ، فيستفيد مِن هذا فائدة أكبر مما حصل له من المضرة . المهم أن هذا الحديث ذكره المؤلف -رحمه الله- في باب الصبر لأن فيه فائدة عظيمة فيما إذا صبر الإنسان على قبض الله سبحانه وتعالى لصفيه أنه ليس له جزاء إلا الجنة ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرها ( أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد ) . رواه البخاري . وعن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله عز وجل قال إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ) يريد عينيه رواه البخاري . ... " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " وعن عائشة رضي الله عنها : ( أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون ، فأخبرها أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء ، فجعله الله رحمة للمؤمنين ، فليس مِن عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له ، إلا كان له مثل أجر الشهيد ) . رواه البخاري . وعن أنس رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله عز وجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ) : يريد عينيه ، رواه البخاري " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرها ( أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد ) . رواه البخاري ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله من الأحاديث الواردة في الصبر حديث عائشة ، وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه . أما حديث عائشة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر : ( أن الطاعون رجز ) : يعني عذاب أرسله الله سبحانه وتعالى على من شاء من عباده ، والطاعون قيل : إنه وباء معين ، وقيل : إنه كل وباء عام يحل بالأرض فيصيب أهلها ويموت الناس منه ، وسواء كان معينا أم كل وباء عام مثل : الكوليرا وغيرها فإن هذا الطاعون رجز ، عذاب أرسله الله عز وجل ، ولكنه رحمة للمؤمن إذا نزل بأرضه وبقي فيها صابرا محتسبا ، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له ، فإن الله تعالى يكتب له مثل أجر الشهيد ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أننا إذا سمعنا بالطاعون في أرض فإننا لا نقدم عليها ) : لأن الإقدام عليها إلقاء بالنفس إلى التهلكة ، ( ولكنه إذا وقع في أرض فإننا لا نخرج منها فراراً منه ) : لأنك مهما فررت مِن قدر الله إذا نزل بالأرض ، فإن هذا الفرار لن يغني عنك من الله شيئا ، واذكر القصة التي قصها الله علينا : (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ )) : ليبين لهم أنه لا مفر مِن قضاء الله إلا إلى الله ، خرجوا من ديارهم وهم ألوف ، قال بعض العلماء في تفسير الآية : " إنه نزل في الأرض وباء ، فخرجوا منها ، فقال الله لهم موتوا فماتوا ، ثم أحياهم حتى يتبين لهم أنه لا مفر من الله إلا إليه " . ففي هذا الحديث حديث عائشة رضي الله عنه دليل على فضل الصبر والاحتساب ، وأن الإنسان إذا صبر نفسه في الأرض التي نزل فيها الطاعون ، ثم مات به ، كتب الله له مثل أجر الشهيد ، وذلك أن الإنسان إذا نزل الطاعون في أرضه فإن الحياة غالية عند الإنسان ، سوف يهرب يخاف من الطاعون ، فإذا صبر وبقي واحتسب الأجر وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له ، ثم مات به فإنه يكتب له مثل أجر الشهيد ، وهذا من نعمة الله عز وجل .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله عز وجل قال إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ) يريد عينيه رواه البخاري . ... " .
الشيخ : أما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن ربه تبارك وتعالى : ( أنه ما من إنسان يقبض الله حبيبتيه يعني : عينيه ، فيعمى ثم يصبر إلا عوضه الله بهما الجنة ) : لأن العين محبوبة للإنسان ، فإذا أخذهما الله سبحانه وتعالى وصبر الإنسان واحتسب ، فإن الله يعوضه بهما الجنة ، والجنة تساوي كل الدنيا ، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ) : موضع السوط يعني : مقدار متر في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، لأن ما في الآخرة باق لا يفنى ولا يزول ، والدنيا كلها فانية زائلة ، فلهذا كانت هذه المسافة أو هذه المساحة القليلة من الجنة خير من الدنيا وما فيها . واعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا قبض من الإنسان حاسة من حواسه فإن الغالب أن الله يعوضه في الحواس الأخرى ما يخفف عليه ألم فقد هذه الحاسة التي فقدها ، فالأعمى يمن الله عليه بقوة الإحساس والإدراك حتى إن بعض الناس إذا كان أعمى تجده في السوق يمشي وكأنه مبصر ، يحس بالمنعطفات في الأسواق ، ويحس بالمنحدرات وبالمرتفعات حتى إن بعضهم يتفق مع صاحب السيارة التي يسمونها تاكسي ، يركب معه مِن أقصى البلد إلى بيته وهو يقول لصاحب السيارة تيامن تياسر ، حتى يوقفه عند بابه ، وصاحب السيارة ما يدل البيت ، لكن هذا يدل البيت وهو راكب سبحان الله !! فالله عز وجل إذا اقتضت حكمته أن يفقد أحدا من عباده حاسة من الحواس ، فالغالب أن الله تعالى يخلف عليه حاسة قوية وإدراكا قويا يعوض بعض ما فاته مما أخذه الله منه ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما ألا أريك امرأة من أهل الجنة فقلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله تعالى لي قال ( إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك ) فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها متفق عليه ... " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " وعن عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس رضي الله عنهما : ( أَلا أريك امرأة من أهل الجنة ، فقلت : بلى . قال : هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله تعالى لي ، قال : إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك . فقالت : أصبر ، فقالت : إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما ألا أريك امرأة من أهل الجنة فقلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله تعالى لي قال ( إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك ) فقالت أصبر فقالت إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : نحن مازلنا مع المؤلف -رحمه الله- في باب الصبر ، الصبر على أقدار الله سبحانه وتعالى وقد سبق أنه ثلاثة أقسام : من ذلك ، أي من الصبر على أقدار الله ما نقله المؤلف -رحمه الله- عن عطاء بن أبي رباح -رحمه الله- أن ابن عباس رضي الله عنهما قال له : ( ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ ) : يعرض عليه أن يريه امرأة من أهل الجنة ، وذلك لأن أهل الجنة ينقسمون إلى قسمين : قسم نشهد لهم بالجنة بأوصافهم ، وقسم نشهد لهم بالجنة بأعيانهم ، أما الذين نشهد لهم بالجنة بأوصافهم فكل مؤمن كل متقي فإنا نشهد له بأنه من أهل الجنة ، كما قال الله سبحانه وتعالى في الجنة : (( أعدت للمتقين )) ، وقال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً )) : فكل مؤمن متقٍ يعمل الصالحات فإننا نشهد بأنه من أهل الجنة ، لكن ما نقول هو فلان وفلان ، لأننا لا ندري ماذا يختم له ، ولا ندري هل باطنه كظاهره ، فلذلك لا نشهد له بعينه ، نقول مثلا : إذا مات رجل مشهود له بالخير قلنا : نرجو أن يكون من أهل الجنة لكن ما نشهد أنه من أهل الجنة ، قسم آخر نشهد له بعينه وهم الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم في الجنة ، مثل : العشرة المبشرين بالجنة : أبي بكر عمر عثمان وعلي سعيد بن زيد سعد بن أبي وقاص عبد الرحمن بن عوف طلحة بن عبيد الله أبو عبيدة عامر بن الجراح الزبير بن العوام ، ومثل ثابت بن قيس بن شماس ، ومثل سعد بن معاذ رضي الله عنه ، عبد الله بن سلام ، بلال بن أبي رباح وغيرهم ممن عَيَّنهم الرسول عليه الصلاة والسلام ، هؤلاء نشهد لهم بأعيانهم ، نقول : نشهد بأن أبا بكر في الجنة ، نشهد بأن عمر في الجنة ، نشهد بأن عثمان في الجنة ، نشهد بأن علي بن أبي طالب في الجنة ، وهكذا ، من ذلك هذه المرأة التي قال ابن عباس لتلميذه عطاء بن أبي رباح : ( ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت : بلى قال : هذه المرأة السوداء ) : امرأة سوداء لا قيمة لها في المجتمع ، كانت تصرع وتنكشف ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم وسألته أن يدعو الله لها ، فقال لها : ( إن شئتِ دعوت الله لك ، وإن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت صبرت ولك الجنة ، قالت : أصبر ) ، وإن كانت تتألم وتتأذى من الصرع لكنها صبرت من أجل أن تكون من أهل الجنة ، ولكنها قالت : ( يا رسول الله ! إني أتكشف ، فادع الله ألا أتكشف ، فدعا الله ألا تتكشف فصارت تصرع ولا تتكشف ) : والصرع نعوذ بالله منه ، الصرع نوعان : صرع بسبب تشنج الأعصاب وهذا مرض عضوي يمكن أن يعالج من قبل الأطباء الماديين ، بإعطاء العقاقير التي تسكنه أو تزيله بالمرة ، وقسم آخر : بسبب الشياطين والجن ، يتسلط الجني على الإنسي فيصرعه يدخل فيه يضرب به على الأرض ، ويُغمى عليه من شدة الصرع ولا يحس ، ويتلبس الشيطان أو الجني بنفس الإنسان ، ويبدأ يتكلم على لسانه ، يتكلم على لسان الإنسي ، الذي يسمع الكلام يقول الإنسي هو الذي يتكلم ، لكنه الجني ، ولهذا تجد في كلامه بعض الاختلاف ، لا يكون ككلامه وهو صاحي لأنه يتغير بسبب نطق الجني ، هذا النوع مِن الصرع نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه ومن غيره من الآفات ، هذا النوع علاجه بالقراءة ، بالقراءة من أهل العلم والخير ، يقرؤون على هذا المصروع ، أحيانا يخاطبهم الجني ويتكلم معهم ويبين السبب الذي جعله يصرع هذا الإنسي ، وأحيانا ما يتكلم ، وقد ثبت هذا : أعني صرعَ الجني للإنسي بالقرآن والسنة والواقع ، ففي القرآن قال الله تعالى : (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )) : وهذا دليل على أن الشيطان يتخبط الإنسان من المس والصرع ، وفي السنة روى الإمام أحمد في * مسنده * : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر من أسفاره فمر بامرأة معها صبي يصرع ، فأتت به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وخاطب الجني ، وتكلم معه وخرج الجني ، فأعطته أمُ الصبي أعطت النبي صلى الله عليه وسلم هدية على ذلك ) ، وكذلك أيضا كان أهل العلم يخاطبون الجني في المصروع ويتكلمون معه ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ذكر ابن القيم وهو تلميذه ، تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية : " أنه جيء إليه برجل مصروع ، إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ، فجعل يقرأ عليه ويخاطبه ويقول له : اتق الله ، وهي امرأة : اتقي الله اخرجي ، فتقول له : أنا أريد هذا الرجل ، أحبه ، فقال لها شيخ الإسلام : لكنه لا يحبك اخرجي ، قالت : إني أريد أن أحج به ، قال : هو لا يريد أن تحجي به اخرجي ، فأبت فجعل يقرأ عليها ويضرب الرجل ، يضربه ضربا عظيما حتى إن يد شيخ الإسلام يقول : أوجعته من شدة الضرب ، فقالت الجنية : أنا أخرج كرامة للشيخ . قال : لا تخرجي كرامة لي ، اخرجي طاعة لله ورسوله ، فما زال بها حتى خرجت ، لما خرجت استيقظ الرجل ، فقال : ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ ؟ شو الذي جابني لك ؟ مكان شيخ الإسلام ابن تيمية ، قالوا : سبحان الله أما أحسست بالضرب الذي كان يضربك أشد ما يكون ؟ قال : ما أحسست بالضرب ولا أحسست بشيء " ، والأمثلة على هذا كثيرة ، هذا النوع من الصرع له علاج يدافعه ، وله علاج يرفعه علاجه نوعان : دفع ، ورفع ، أما دفعه فأن يحرص الإنسان على الأوراد الشرعية الصباحية والمسائية ، وهي معروفة في كتب أهل العلم منها : آية الكرسي ، فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ، ومنها : (( قل هو الله أحد )) ، (( قل أعوذ برب الفلق )) ، (( قل أعوذ برب الناس )) ، ومنها أحاديث وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام ، فليحرص الإنسان عليها صباحا ومساء فإن ذلك من أسباب دفع أذية الجن ، وأما الرفع فهو إذا وقع في الإنسان فإنه يقرأ عليه آيات من القرآن تخويف وتحذير واستعاذة بالله عز وجل حتى يخرج ، الشاهد من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المرأة : ( إن شئت صبرت ولك الجنة فقالت : أصبر ) : ففي هذا دليل على فضيلة الصبر ، وأنه سبب لدخول الجنة ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه يقول ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) متفق عليه ... " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : ( كأني أنظر إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً مِن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ، وهو يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه يقول ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) متفق عليه .... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : ( كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي نبياً من الأنبياء ، ضربه قومه فأدموه ، فجعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) .