تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ) رواه الترمذي وقال حديث حسن ... " .
الشيخ : وهذه أيضاً بشرى للمؤمن ، إذا ابتليَ بالمصيبة فلا يظن أن الله سبحانه وتعالى يبغضه ، بل قد يكون هذا مِن علامة محبة الله للعبد ، يبتليه سبحانه وتعالى بالمصائب فإذا رضي الله الإنسان وصبر واحتسب فله الرضا ، وإن سَخط فله السَّخَط ، وفي هذا حثٌ على أن الإنسان يصبر على المصائب حتى يكتب له الرضا من الله سبحانه وتعالى ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كان ابن لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم وهي أم الصبي: هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال أعرستم الليلة قال نعم قال اللهم بارك لهما فولدت غلاماً فقال لي أبو طلحة احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وبعث معه بتمرات فقال أمعه شيء قال نعم تمرات فأخذها النبي رضي الله عنهم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في فى الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أنس رضي الله عنه قال : ( كان ابنٌ لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي ، فخرج أبو طلحة فقُبض الصبي ، فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل ابني ؟ قالت أم سُليم وهي أم الصبي : هو أسكن ما كان ، فقربت إليه العشاء فتعشى ، ثم أصاب منها ، فلما فرغ قالت : واروا الصبي ، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : أعرستم الليلة ؟ قال : نعم ، قال : اللهم بارك لهما ، فولدت غلاماً فقال لي أبو طلحة : احمله حتى تأتيَ به النبيَ صلى الله عليه وسلم وبعَثَ معه بتمرات ، فقال : أمعه شيء ؟ قال : نعم ، تمرات ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في فى الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كان ابن لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم وهي أم الصبي: هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال أعرستم الليلة قال نعم قال اللهم بارك لهما فولدت غلاماً فقال لي أبو طلحة احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وبعث معه بتمرات فقال أمعه شيء قال نعم تمرات فأخذها النبي رضي الله عنهم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في فى الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا الحديث الذي نقله المؤلف عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن أبي طلحة أنه كان له ابن يشتكي يعني : مريضاً ، وأبو طلحة كان زوج أم أنس بن مالك رضي الله عنه ، وكان هذا الصبي يشتكي فخرج أبو طلحة لبعض حاجاته فقُبض الصبي يعني مات ، فلما رجع سأل أمَّه عنه ، فقال : كيف ابني ؟ قالت : هو أسكن ما يكون ، وصدقت في قولها : ( هو أسكن ما يكون ) لأنه مات ، ولا سكون أعظم من سكون الموت ، وأبو طلحة رضي الله عنه فهم أنه أسكن ما يكون من المرض وأنه في عافية ، فقدمت له العشاء فتعشى على أن ابنه بريء وطيب ، ثم أصاب منها يعني : جامعها ، فلما انتهى قالت له : واروا الصبي يعني : ادفنوا الصبي فإنه قد مات ، فلما أصبح أبو طلحة رضي الله عنه ووارى الصبي وعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم سأل : ( هل أعرستم الليلة ؟ قال : نعم . فدعا لهما بالبركة ) : اللهم بارك لهم في ليلتهما ، ( فولدت غلاما سماه عبد الله ) : وكان لهذا الولد عشرة من الولد كلهم يقرؤون القرآن ، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي هذا الحديث دليل على قوة صبر أم سليم رضي الله عنها ، وأن ابنها الذي مات بلغ بها الحال إلى أن تقول لزوجها هذا القول ، وتورِّي هذه التورية ، وقدمت له العشاء ونال منها ، ثم قالت : ادفنوا الولد . وفي هذا دليل على جواز التورية ، التورية : يعني أن يتكلم الإنسان بكلام تخالف نيته ما في ظاهر هذا الكلام ، يعني له ظاهر هو المتبادر إلى ذهن المخاطب ، وله معنى آخر مرجوح ، لكن هو المراد في نية المتكلم ، فيُظهر خلاف ما يريد وهذا جائز ، ولكنه لا ينبغي إلا للحاجة ، إذا احتاج الإنسان إليه لمصلحة أو دفع مضرة فليورِّ ، وأما مع عدم الحاجة فلا ينبغي أن يوري ، لأنه إذا ورى وظهر الأمر على خلاف ما يظنه المخاطب نسب هذا المورِّي إلى الكذب وأساء الظن به ، لكن إذا دعت الحاجة فلا بأس ، ومن ذلك : من التورية المفيدة التي يحتاج إليها الإنسان : لو أن شخصا ظالما يأخذ أموال الناس بغير حق ، وأودع إنسان عندك مالا ، قال : هذا مالي عندك وديعة أخشى أن يطلع عليه هذا الظالم فيأخذه ، فجاء الظالم إليك وسألك هل عندك مال لفلان ؟ فقلت : والله ما له عندي شيء ، ما له عندي شيء ، المخاطَب يظن أن هذا نفي ، وأن المعنى ما عندي له شيء ، لكن أنت تنوي : ما : يعني الذي ، يعني ما له عندي شيء : يعني الذي له عندي شيء ، فيكون هذا الكلام مثبتا لا منفيا ، هذا من التورية المباحة ، بل قد تكون مطلوبة إذا دعت الحاجة والضرورة إليها ، وإلا مع عدم من ذلك فلا . وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء أنس بن مالك بأخيه من أمه ابن أبي طلحة ، جاء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام ومعه تمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومضغ التمرات ثم جعلها في في الصبي ، يعني أدخل التمرات هذه ، والمراد ما حصل منها : أدخله في فمه وحنكه يعني أدخل أصبعه وداره في حنكه ، وذلك تبركا بريق النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول ما يصل إلى بطن هذا الصبي ريقُ النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الصحابة يفعلون هذا ، إذا ولد لهم أولاد بنين أو بنات جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاؤوا بالتمرات معهم مِن أجل أن يحنكهم ، وهذا التحنيك هل هو لبركة ريق النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من أجل أن يصل طعم التمر إلى معدة الصبي قبل كل شيء ؟ إن قلنا بالأول صار التحنيك من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلا يحنكُ أحدٌ صبيه ، لأنه لا أحد يُتبرك بريقه وعرقه إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وإن قلنا بالثاني : من أجل التمر أن يكون أول ما يصل إلى معدة الصبي لأنه يكون لها بمنزلة الدباغ ، فإنا نقول كل مولود يحنك ، وفي هذا الحديث آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث دعا لهذا الصبي فبارك الله فيه وفي عقبه ، وكان له كما ذكرنا قبل قليل عشرة من الولد كلهم يحفظون القرآن ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم . وفيه أنه يُستحب التسمية بعبد الله ، فإن التسمية بعبد الله وعبد الرحمن أفضل ما يكون ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ) ، وأما ما يروى : ( خير الأسماء ما حُمد وعُبد ) فهذا ليس له أصل ، وليس حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحديث الصحيح : ( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ) ، الحارث اسم رجل ، همام اسم رجل ، هذا أصدق الأسماء ليش ؟ لأنه يطابق الواقع ، كل واحد من بني آدم فهو حارث يعمل ، كل واحد من بني آدم هو همام يهم وينوي ويقصد وله إرادة ، قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ )) : كل إنسان يعمل ، فأصدق الأسماء حارث وهمام لأنه مطابق للواقع ، وأحبها إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ، ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار لأبنائه وبناته أحسن الأسماء ، لينال بذلك الأجر وليكون محسنا لأبنائه وبناته ، أما أن يأتي بأسماء غريبة على المجتمع فإن هذا قد يوجب مضايقات نفسية للأبناء والبنات في المستقبل ، ويكون كل همٍ ينال الولد أو الابن أو البنت مِن هذا الاسم فعليك إثمه ووباله ، لأنك أنت المتسبب لمضايقته بهذا الاسم الغريب الذي يشار إليه ، ويقال : شوف هذا الاسم شوف هذا الاسم ، ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار أفضل الأسماء ، ويحرم أن يسميَ الإنسان بأسماء من خصائص الكفار مثل : جورج وما أشبه ذلك من الأسماء التي يتلقب بها الكفار ، لأن هذا مِن باب التشبه بهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَن تشبه بقوم فهو منهم ) . ويجب علينا نحن المسلمين أن نكره الكفار كُرها عظيما وأن نعاديهم ، وأن نعلم أنهم أعداء لنا مهما تلبَّقوا لنا ومهما تزينوا لنا وتقربوا إلينا فهم أعداءنا حقا ، وأعداء الله عز وجل ، وأعداء الملائكة وأعداء الأنبياء ، وأعداء الصالحين ، هم أعداء لو تلبسوا بالصداقة أو زعموا أنهم أصدقاء ، فإنهم والله هم الأعداء ، أعداء يجب أن نعاديهم ، ولا فرق بين الكفار الذين لهم شأن وقيمة في العالم ، أو الكفار الذين ليس لهم شأن ، حتى الخدم والخادمات يجب أن نكره أن يكون في بلدنا خادم أو خادمة من غير المسلمين ، لاسيما وأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم يقول : ( أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ) ، ويقول عليه الصلاة والسلام : ( لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما ) ، ويقول : ( أخرجوا المشركين ) في مرض موته ، في آخر حياته وهو يودع الأمة يقول : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) ، وبعض الناس الآن نسأل الله العافية يخير بين عامل مسلم وعامل كافر فيختار الكافر ، نسأل الله العافية ، قلوب زائغة ضالة ليست إلى الحق مائلة ، يختارون الكفار ، يزين لهم الشيطان أعمالهم ، يقولون كذبا وزورا وبهتانا : إن الكافر أخلص في عمله من المسلم ، أعوذ بالله ، يقول : الكافر ما يصلي نستغل وقته بالعمل في وقت الصلاة ، ما يطلب يروح العمرة ، ويروح الحج ما يصوم دائما في عمل ، ولا يهمهم هذا الشيء مع أن خالق الأرض والسماوات يقول : (( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ )) ، فيجب عليكم أيها الإخوة يا من استمعتم قولنا هذا أن تناصحوا إخوانكم الذين اغتروا وزين لهم الشيطان جلب الكفار إلى بلادنا خدما وعمالا وما أشبه ذلك ، يجب أن يعلموا أن في ذلك إعانة للكفار على المسلمين ، لأن هؤلاء الكفار يؤدون ضرائب لحكوماتهم ، ضرائب لحكوماتهم يقوون الحكومات على المسلمين ، والشواهد على هذا كثيرة ، فالواجب علينا أن نتجنب الكفار بقدر ما نستطيع ، لا نتسمى بأسمائهم ، ولا نوادهم ، ولا نحترمهم ، ولا نبدأهم بالسلام ولا نفسح لهم الطريق ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه ) : أين نحن من هذه التعليمات ؟! أين نحن من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى ؟! لماذا لا نحذر إذا كثر فينا الخبث من الهلاك ؟! استيقظ النبي عليه الصلاة والسلام ذات ليلة محمرًا وجهه قام من النوم محمرًا وجهه يقول : ( لا إله إلا الله ويلٌ للعرب من شر قد اقترب ) ، إنذار تحذير : ( ويل للعرب ) حملة لواء الإسلام ، ( من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وقال بأصبعه الإبهام والسبابة ، قالت زينب : يا رسول ! الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث ) ، نهلك وفينا الصالحون إذا كثر الخبث ، الخبث العملي والخبث البشري ، إذا كثر الخبث في أعمالنا فنحن عرضة للهلاك ، إذا كثر البشر النجس في بلادنا فنحن عرضة للهلاك ، والواقع شاهد بهذا ، نسأل الله أن يحمي بلادنا من أعدائنا الظاهرين والباطنين ، وأن يكبت المنافقين والكفار ويجعل كيدهم في نحورهم إنه جواد كريم .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وفي رواية للبخاري قال ابن عيينة فقال رجل من الأنصار فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن يعني من أولاد عبد الله المولود . وفي رواية لمسلم مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها، فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال لا فقالت فاحتسب ابنك قال فغضب ثم قال تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني بابني فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بارك الله في ليلتكما ) قال فحملت قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً فدنوا من المدينة فضربها المخاض، فاحتبس عليها أبو طلحة وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول أبو طلحة إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى تقول أم سليم يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد انطلق، فانطلقنا، وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاماً فقالت لي أمي يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر تمام الحديث ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث أنس : " وفي رواية للبخاري قال ابن عيينة : فقال رجل من الأنصار : فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن ، يعني من أولاد عبد الله المولود . وفي رواية لمسلم : ( مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ، فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها ، فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت : يا أبا طلحة، أرأيتَ لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال : لا ، فقالت : فاحتسب ابنك ، قال : فغضب ثم قال : تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني بابني ، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله في ليلتكما . قال : فحملت ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً ، فدنوا من المدينة فضربها المخاض ، فاحتبس عليها أبو طلحة ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يقول أبو طلحة : إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ، وأدخل معه إذا دخل ، وقد احتبستُ بما ترى تقول أم سليم : يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد انطلق ، فانطلقنا، وضربها المخاض حين قدمنا فولدت غلاماً ، فقالت لي أمي : يا أنس ، لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وذكر تمام الحديث " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وفي رواية للبخاري قال ابن عيينة فقال رجل من الأنصار فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن يعني من أولاد عبد الله المولود . وفي رواية لمسلم مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها، فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال لا فقالت فاحتسب ابنك قال فغضب ثم قال تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني بابني فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بارك الله في ليلتكما ) قال فحملت قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً فدنوا من المدينة فضربها المخاض، فاحتبس عليها أبو طلحة وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول أبو طلحة إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى تقول أم سليم يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد انطلق، فانطلقنا، وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاماً فقالت لي أمي يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر تمام الحديث ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا بقية الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه ، في قصة أبي طلحة حين مات له ابن صغير يقول في إحدى الروايات : ( أن أم سليم رضي الله عنها لما جاء أبو طلحة بعد أن توفي الابن الطفل الصغير ، قالت له : أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريَّة لأناس ، ثم جاؤوا يطلبونها ، هل لهم أن يمنعوهم منها ؟ قال : لا ) : إذا جاء صاحب العارية يقول : أعطني ما أعرتك فإنه لا يمنعه قالت : ( فاحتسب ابنك ) : يعني أن الأولاد عندنا عاريَّة ، وهم ملك لله عز وجل ، متى شاء أخذهم ، فضربت له هذا المثل من أجل أن يقتنع ويحتسب الأجر على الله سبحانه وتعالى ، وهذا يدل على ذكائها رضي الله عنها ، وعلى أنها امرأة عاقلة صابرة محتسبة ، وإلا فإن الأم كالأب ينالها من الحزن على ولدها مثلما ينال الأب ، وربما تكون أشد حزنا ، لضعفها وعدم صبرها . وفي هذا الحديث : بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث كان له تسعة من الولد أو عشرة من الولد كلهم يقرؤون القرآن ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم . وفيه أيضا : كرامة لأبي طلحة رضي الله عنه ، لأن أبا طلحة كان خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكانت معه أم سُليم بعد أن حملت ، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من السفر أتاها المخاض يعني : جاءها الطلق قبل أن يصلوا إلى المدينة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يطرق أهله طُروقا ، يعني لا يحب أن يدخل عليهم ليلا دون أن يخبرهم بالقدوم ، فدعا أبو طلحة رضي الله عنه ربه وقال : ( اللهم إنك تعلم أنني أحب ألا يخرج النبي صلى الله عليه وسلم مخرجا إلا وأنا معه ، ولا يرجع مرجعا إلا وأنا معه ، وقد أصابني ما ترى ) : يقوله لله عز وجل ، يناجي ربه سبحانه وتعالى تقول أم سليم : ( فما وجدت الذي كنت أجده من قبل ) : يعني هان عليها الطلق ، ولا كأنها تطلق ، قالت أم سليم لزوجها أبو طلحة : ( فانطلق فانطلق ودخل المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما وصلوا إلى المدينة وضعت ) : ففي هذا كرامة لأبي طلحة رضي الله عنه ، حيث خفف الله الطلق على امرأته بدعائه ، ثم لما وضعت قالت أم سليم لابنها أنس بن مالك وهو أخو هذا الحمل الذي وُلد، أخوه من أمه قالت : ( احتمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : إذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هي عادة أهل المدينة ، إذا ولد لهم ولد يأتون به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم تمر ، فيأخذ النبي صلى الله عليه وسلم التمرة فيمضغها بفمه ، ثم يُحنك بها الصبي ، لأن في ذلك فائدتين : الفائدة الأولى : بركة ريق النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتبركون بريق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعرقه ، حتى كان من عادتهم أنه إذا كان في الصباح وصلى الفجر أتوا بآنية فيها ماء ، فغمس النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الماء وعرك يديه في الماء ، فيأتي به الصبيان ، يأتون بهذا الماء ثم ينطلقون به إلى أهليهم يتبركون بأثر النبي صلى الله عليه وسلم . وكانوا أي الصحابة إذا توضأ النبي عليه الصلاة والسلام كادوا يقتتلون على وَضوئه ، على فضل الماء يتبركون به ، ويأخذون من عرقه ، ويأخذون من شعره ، حتى كان عند أم سلمة إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإحدى أمهات المؤمنين عندها جُلجل من فضة يعني مثل الطابوب ، فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفى بها المرضى ، أو يستشفون بها ، يعني يأتون بشعرتين أو ثلاثة من شعرات الرسول عليه الصلاة والسلام يضعونها في ماء ثم يحركونها من أجل أن يتبركوا بهذا الماء ، لكن هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام . الفائدة الثانية مِن التمر الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحنك الصبيان : أن التمر فيه خير وبركة ، وفيه فائدة للمعدة ، فإذا كان أول ما يصيب الطفل أو أول ما يصل إلى معدته من التمر كان ذلك خيرًا للمعدة ، فحنكه الرسول عليه الصلاة والسلام ودعا له بالبركة ، والشاهد من هذا الحديث أن أم سُليم قالت لأبي طلحة : ( احتسب ابنك ) يعني : اصبر على ما أصابك من فقده ، واحتسب الأجر على الله ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) متفق عليه . و الصرعة بضم الصاد وفتح الراء وأصله عند العرب من يصرع الناس كثيراً . وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد ) فقالوا له إن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله من الشيطان الرجيم متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليسَ الشديد بالصُّرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) ، متفق عليه . والصُّرَعة : بضم الصاد وفتح الراء ، وأصله عند العرب من يصرع الناس كثيراً . وعن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال : ( كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجلان يستبان ، وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد . فقالوا له : إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) متفق عليه . و الصرعة بضم الصاد وفتح الراء وأصله عند العرب من يصرع الناس كثيراً . وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد ) فقالوا له إن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله من الشيطان الرجيم متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذان الحديثان اللذان ذكرهما المؤلف في الغضب ، والغضب : جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم ، فيستشيط غضبا ، ويحتمي جسده ، وتنتفخ أوداجه ، ويحمر وجهه ، ويتكلم بكلام لا يعقله أحيانا ، ويتصرف تصرفا لا يعقله أيضا ، ولهذا : ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أوصني ، قال : لا تغضب ، قال : أوصني ، قال : لا تغضب ، قال : أوصني قال : لا تغضب ) . وبين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة هذا الذي ذكره المؤلف -رحمه الله- أن الشديد ليس بالصُّرَعة ، فقال : ( ليس الشديد بالصُّرعة ) : يعني ليس القوي بالصرعة الذي يكثر صرع الناس ، يعني يطرحهم في المصارعة يغلبهم ويطرحهم هذا يقال عند الناس إنه شديد وقوي ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ليس هذا الشديد حقيقة : ( إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) ، يعني القوي حقيقة هو الذي يصرع نفسه إذا صارعته وغصب مَلَكَها وتحكم فيها ، لأن هذه هي القوة الحقيقية : قوة داخلية معنوية يتغلب بها الإنسان على الشيطان ، لأن الشيطان هو الذي يلقي الجمرة في قلبك من أجل أن تغضب ، ففي هذا الحديث الحثُ على أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب ، وألا يسترسل فيه ، لأنه يندم ، كثيرا ما يغضب الإنسان فيطلق امرأته ، وربما تكون هذه الطلقة آخر تطليقة ، كثيرا ما يغضب الإنسان فيتلف ماله يحرقه يكسر شيئا ، كثيرا ما يغضب على ابنه حتى يضربه وربما مات بضربه ، وكذلك يغضب على زوجته مثلا فيضربها ضربا مبرحا ، وما أشبه ذلك من الأشياء الكثيرة التي تحدث للإنسان عند الغضب ، ولهذا : ( نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يقضي القاضي وهو غضبان ) ، لأن الغضب يمنع القاضي من تصور المسألة ، ثم من تطبيق الحكم الشرعي عليها فيهلك ويحكم بين الناس بغير الحق ، وكذلك ذكر المؤلف حديث سليمان بن صُرَد رضي الله عنه : ( في رجلين استبا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، استبا فغضب أحدهما ، حتى انتفخت أوداجه واحمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) : أعوذ بالله يعني أعتصم به من الشيطان الرجيم ، لأن هذا الذي أصابه من الشيطان قال : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد ) : وعلى هذا فنقول : المشروع للإنسان إذا غضب أن يحبس نفسه ، وأن يصبر ، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأن يتوضأ ، فإن الوضوء يطفئ الغضب ، وإن كان قائما فليقعد ، وإن كان قاعدا فليضطجع ، وإن خاف خرج من المكان الذي هو فيه حتى لا ينفذ غضبه ، فيندم بعد ذلك ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال ( لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب ) رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ) . رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره مِن الحور العين ما شاء ) ، رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن . وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني ، قال : لا تغضب ، فردد مراراً قال : لا تغضب ) ، رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ) ، رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال ( لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب ) رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ) . رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث في باب الصبر تدل على فضيلة الصبر ، أما الحديث الأول : حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ، على رؤوس الخلائق يوم القيامة فخيره من أي الحور شاء ) : فالغيظ هو الغضب ، الغضب الشديد يسمى غيظا ، والإنسان الغاضب هو الذي يتصور نفسه قادرا على أن ينفذ ، لأن من لا يستطيع لا يغضب ، ولكنه يحزن ، ولهذا يوصف الله عز وجل بالغضب ولا يوصف بالحزن ، لأن الحزن نقص والغضب في محله كمال ، فإذا اغتاظ الإنسان من شخص وهو قادر على أن يفتك به ، ولكنه ترك ذلك ابتغاء وجه الله ، وصبرا على ما حصل له من أسباب الغيظ ، فله هذا الثواب العظيم : أنه يُدعى على رؤوس الخلائق يوم القيامة يخير من أي الحور شاء . وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( أنَّ رجلا قال يا رسول الله : أوصني قال : لا تغضب ، فردد مرارا قال : لا تغضب ) فقد سبق الكلام عليه . وأما حديثه الثاني فهو أيضا دليل على أن الإنسان إذا صبر واحتسب الأجر عند الله كفَّر الله عنه سيئاته ، إذا أصيب الإنسان ببلاء في نفسه أو ولده أو ماله ثم صبر على ذلك فإن الله سبحانه وتعالى لا يزال يبتليه بهذا حتى لا يكون عليه خطيئة ، ففيه دليل على أن المصائب في النفس والولد والمال تكون كفارة للإنسان ، حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة ، ولكن هذا إذا صبر ، أما إذا تسخط فإن من تسخط فله السخط ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه وكان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه فاستأذن فأذن له عمر فلما دخل قال هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به فقال له الحر يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى رواه البخاري . ... " .
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال -رحمه الله تعالى- : " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم عيينة بن حصين فنزل على " . " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه ، وكان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً ، فقال عُيينة لابن أخيه : يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير ، فاستأذن لي عليه ، فاستأذن فأذن له عمر ، فلما دخل قال : هي يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل ، فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به ، فقال له الحر : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ، وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها ، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى ) ، رواه البخاري " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه وكان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه فاستأذن فأذن له عمر فلما دخل قال هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به فقال له الحر يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى رواه البخاري . ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : ما زال المؤلف -رحمه الله- يأتي بالأحاديث الدالة على الصبر وكظم الغيظ ، فذكر هذا الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أمير المؤمنين ، وثاني رجل في هذه الأمة الإسلامية بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر هو الخليفة الأول ، وعمر هو الخليفة الثاني رضي الله عنه ، وكان قد اشتهر بالعدل بين الرعية ، وبالتواضع للحق ، حتى إن المرأة ربما تذكره بالآية من كتاب الله فيقف عندها ، ولا يتجاوزها ، ( فقدم عليه عُيينة بن حِصن وكان من كبار قومه ، فقال له : إيه يا ابن الخطاب ) : هذه كلمة استنكار وتلوم ، ( إنك لا تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل ) : شوف كيف رجل يتكلم على هذا الخليفة المشهور بالعدل بهذا الكلام مع أن عمر كما قال ابن عباس رضي الله عنه : ( كان جلساؤه القراء ) : القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، هم جلساؤه ، سواء كانوا شيوخا أو كهولا أو شبابا ، يشاورهم ويدنيهم وهكذا ينبغي لكل أمير أو خليفة أن يكون جلساؤه الصالحين ، لأنه إن قيض له جلساء غير صالحين هلك وأهلك الأمة ، وإن يسر الله له جلساء صالحين نفع الله به الأمة ، فالواجب على ولي الأمر أن يختار مِن الجلساء أهل العلم والإيمان . وكان الصحابة رضي الله عنهم القراء منهم هم أهل العلم ، لأنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل ، لما قال الرجل هذا الكلام لعمر : ( إنك لا تعطينا الجزل ، ولا تحكم فينا بالعدل ) : غضب رضي الله عنه غضباً حتى كاد أن يهم به ، يعني يضربه أو يبطش به ، ولكن ابنُ أخي عيينة بن حصن الحرُ بن قيس قال له : ( يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ، وإن هذا من الجاهلين ، فوقف عندها عمر ولم يتجاوزها ، لأنه كان وقافا عند كتاب الله ) : رضي الله عنه وأرضاه ، وقف ، ما بطش بالرجل ولا ضربه لما تليت عليه هذه الآية ، وانظر إلى أدب الصحابة رضي الله عنهم عند كتاب الله ، لا يتجاوزونه ، قيل لهم هذا قول الله وقفوا مهما كان ، فقوله تعالى : (( خُذ العفو )) يعني : خذ ما عفا من الناس وما تيسر ، ولا تطلب حقك كله لأنه لا يحصل لك ، فخذ منهم ما عفا وسَهُل ، (( وأمر بالعُرف )) أي : اؤمر بما عرفه الشرع ، وعرفه الناس ، ولا تأمر بمنكر ولا بغير العرف ، لأن الأمور ثلاثة أقسام : منكر يجب النهي عنه ، وعرف يؤمر به ، وما ليس بهذا ولا بهذا يسكت عنه ، لكن على سبيل النصيحة ينبغي للإنسان ألا يقول إلا قولا فيه الخير ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) ، وأما قوله : (( أعرض عن الجاهلين )) : فالمعنى أن مَن جهل عليك وتطاول عليك فأعرض عنه ، أعرض عنه لا سيما إذا كان إعراضك ليس ذلا وخنوعاً ، مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إعراضه ليس ذلا وخنوعا ، قادر أن يبطش بهذا الرجل الذي تكلم على الخليفة ، لكن امتثل هذا الأمر ، أعرض عن الجاهلين ، والجهل له معنيان : أحدهما عدم العلم بالشيء ، والثاني : السفه والتطاول ، ومنه قول الشاعر الجاهلي : " ألا لا يجهلَنْ أحدٌ علينا *** فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا " : يعني لا يسفه أحد ويتطاول علينا فنكون أشد منه ، لكن هذا شعر جاهلي ، أما الأدب الإسلامي فإن الله تعالى يقول : (( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) ، سبحان الله ! إنسان بينك وبينه عداوة أساء إليك ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا دفعت بالتي هي أحسن ففورا يأتيك الثواب والجزاء : (( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) أي : قريب صديق في غاية ما يكون من الصداقة والقرب ، الذي يقوله مَن ؟ هو الله عز وجل مقلب القلوب ، ما من قلب مِن قلوب بني آدم إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل .