تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه وكان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه فاستأذن فأذن له عمر فلما دخل قال هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به فقال له الحر يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى رواه البخاري . ... " .
" ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا *** فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا " :
يعني لا يسفه أحد ويتطاول علينا فنكون أشد منه ، لكن هذا شعر جاهلي ، أما الأدب الإسلامي فإن الله تعالى يقول : (( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) ، سبحان الله ! إنسان بينك وبينه عداوة أساء إليك ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا دفعت بالتي هي أحسن ففورا يأتيك الثواب والجزاء : (( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) أي : قريب صديق في غاية ما يكون من الصداقة والقرب ، الذي يقوله مَن ؟ هو الله عز وجل مقلب القلوب ، ما مِن قلب مِن قلوب بني آدم إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، يصرفه كيف يشاء ، فهذا الذي كان عدوا لك إذا دافعته بالتي هي أحسن فإنه ينقلب بدل العداوة صداقة ، صداقة كأنه ولي حميم ، فالحاصل أن هذه الآية الكريمة : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) : لما تليت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقف ، ولم يبطش بالرجل ، ولم يأخذه على جهله ، فينبغي لنا أيها الإخوة أنه إذا حصلت لنا مثل هذه الأمور الغضب والغيظ أن نتذكر كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مِن أجل أن نسير على هديه حتى لا نضل ، فإن من تمسك بهدى الله فإن الله يقول : (( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى )) ، والله الموفق .
1 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه وكان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه فاستأذن فأذن له عمر فلما دخل قال هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به فقال له الحر يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى رواه البخاري . ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إنها ستكون بعدي إثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ) متفق عليه والأثرة الانفراد بالشيء عمن له فيه حق . وعن أبي يحيى أسيد بن حضير رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار قال يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانا فقال ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) متفق عليه ... " .
وعن أبي يحيى أُسيد بن حُضير رضي الله عنه : ( أن رجلاً من الأنصار قال : يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانا ، فقال : إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) ، متفق عليه " .
2 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إنها ستكون بعدي إثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ) متفق عليه والأثرة الانفراد بالشيء عمن له فيه حق . وعن أبي يحيى أسيد بن حضير رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار قال يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانا فقال ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ) متفق عليه والأثرة الانفراد بالشيء عمن له فيه حق . وعن أبي يحيى أسيد بن حضير رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار قال يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانا فقال ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) متفق عليه ... " .
هذان الحديثان : حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وحديث أُسيد بن حُضير ذكرهما المؤلف في باب الصبر ، لأنهما يدلان على ذلك ، أما حديث عبد الله بن مسعود : فأخبر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنها ستكون بعدي أثرة ) : الأثرة : يعني الاستئثار بالشيء عمن له فيه حق ، يريد بذلك صلى الله عليه وسلم أنه سيتولى على المسلمين ولاةً يستأثرون بأموال المسلمين ، يصرفونها كما شاؤوا ويمنعون المسلمين حقهم فيها ، وهذه أثرة وظلم مِن الولاة أن يستأثروا بالأموال التي للمسلمين فيها الحق ، ويستأثروا بها لأنفسهم عن المسلمين ، ولكن : ( قالوا : ما تأمرنا ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم ) : يعني لا يمنعكم استئثارهم بالمال عليكم أن تمنعوا ما يجب عليكم نحوَهم من السمع والطاعة ، وعدم الإثارة ، وعدم التشويش عليهم ، لا ، اصبروا ، اسمعوا وأطيعوا ولا تنازعوهم الأمر الذي أعطاهم الله .
( واسألوا الذي لكم ) : يعني اسألوا الحق الذي لكم ، اسألوا الله الذي لكم يعني : اسألوا الله الحق الذي لكم ، أي : اسألوا الله أن يهديهم حتى يؤدوكم الحق الذي عليهم لكم ، وهذا من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه عليه الصلاة والسلام علم أن النفوس شحيحة وأنها لن تصبر على من يستأثر عليهم بحقوقهم ، ولكنه عليه الصلاة والسلام أرشد إلى أمر قد يكون فيه الخير ، وذلك بأن يؤدي ما علينا نحوهم من السمع والطاعة ، وعدم منازعة الأمر ، وغير ذلك ، ونسأل الله الذي لنا ، وذلك إذا قلنا : اللهم اهدهم حتى يعطونا حقنا ، كان في هذا خير من جهتين .
وفيه دليل على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنه أخبر في أمر وقع ، أخبر بأمر وقع ، فإن الخلفاء والأمراء منذ عهد بعيد كانوا يستأثرون بالمال ، فتجدهم يأكلون إسرافًا ويشربون إسرافًا ويلبسون إسرافًا ويسكنون إسرافًا ويركبون إسرافًا ، وقد استأثروا بمال الناس لمصالح أنفسهم الخاصة ، ولكن هذا لا يعني أن ننزع يداً مِن طاعة ، أو أن ننابذهم ، بل نسأل الله الذي لنا ونقوم بالحق الذي علينا .
وفيه أيضا : استعمال الحكمة في الأمور التي قد تقتضي الإثارة ، فإنه لا شك أن استئثار الولاة بالمال دون الرعية يوجب أن تثور الرعية ، وتطالب بحقها ، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالصبر على هذا ، وأن نقوم بما يجب علينا ونسأل الله الذي لنا .
أما حديث أُسيد بن حضير رضي الله عنه فهو كحديث ابن مسعود ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنها ستكون أثرة ) ، ولكنه قال : ( اصبروا حتى تلقوني على الحوض ) : يعني اصبروا : لا تنابذوا الولاة أمرهم ، حتى تلقوني على الحوض يعني : أنكم إذا صبرتم ، فإن من جزاء الله لكم على صبركم أن يسقيكم من حوضه ، من حوض النبي صلى الله عليه وسلم ، اللهم اجعلنا جميعا ممن يرده ويشرب منه .
الطالب : آمين .
الشيخ : هذا الحوض الذي يكون في يوم القيامة ، في مكان وزمان أحوجَ ما يكون الناسُ إليه ، لأنه في ذلك المكان وفي ذلك الزمان في يوم الآخرة يحصل على الناس من الهم والغم والكَرب والعرق والحر ما يجعلهم في أشد الضرورة إلى الماء ، فيردون حوض النبي صلى الله عليه وسلم ، حوضٌ عظيم طوله شهر وعرضه شهر ، يصبُّ عليه ميزابان من الكوثر وهو نهر في الجنة ، أُعطيَه النبي صلى الله عليه وسلم ميزابان يعني : مثعبان ، يصبان عليه ماءً أشدَّ بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأطيب من رائحة المسك ، وفيه أواني كنجوم السماء ، آنيته كنجوم السماء في اللمعان والحسن والكثرة ، مَن شرب منه شَربة واحدة لم يظمأ بعدها أبدا ، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه .
فأرشدهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يصبروا ولو وجدوا الأثرة ، فإن صبرهم على ظلم الولاة مِن أسباب الورود على الحوض والشرب منه .
إذًا في هذين الحديثين حث على الصبر على أي شيء ؟ على استئثار ولاة الأمر بحقوق الرعية ، ولكن يجب أن نعلم : " أن الناس كما يكونون يولى عليهم " ، كما يكونون يولى عليهم ، إذا أساؤوا ما بينهم وبين الله فإن الله يسلط عليهم ولاتهم كما قال تعالى : (( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) فإذا صلحت الرعية يسر الله لهم ولاة صالحين ، وإذا كان بالعكس كان الأمر بالعكس ، ويُذكر أن رجلا من الخوارج جاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال له : " يا علي ! ما بال الناس انتقضوا عليك ، ولم ينتقضوا على أبي بكر وعمر ؟ فقال له : إن الرجال إن رجال أبي بكر وعمر كنت أنا وأمثالي ، رجال أبي بكر وعمر ، أما أنا فكان رجالي أنت وأمثالَك " : يعني أنت ما فيك خير فصار سببا لتسلط الناس وتفرقهم على علي بن أبي طالب وخروجهم عليه ، حتى قتلوه رضي الله عنه ، ويُذكر أن أحد ملوك بني أمية سمع مقالة الناس فيه ، فجمع أشراف الناس ووجهاءَهم ، وكلمهم ، وأظنه عبد الملك بن مروان كلمهم وقال لهم : " أيها الناس أتريدون أن نكون لكم مثل أبي بكر وعمر ؟ قالوا : نعم ، قال : إذا كنتم تريدون ذلك فكونوا لنا مثل رجال أبي بكر وعمر " ، الله سبحانه وتعالى حكيم ، يولي على الناس مَن يكون بحسب أعمالهم ، إن أساؤوا فإنه يساء إليهم ، وإن أحسنوا أحسن إليهم ، ولكن مع ذلك لا شك أن صلاح الراعي هو الأصل ، وأنه إذا صلح الراعي صلحت الرعية ، لأن الراعي له سلطة يستطيع أن يعدل مَن مال ، وأن يؤدب من عال وجار ، والله الموفق .
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ) متفق عليه والأثرة الانفراد بالشيء عمن له فيه حق . وعن أبي يحيى أسيد بن حضير رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار قال يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانا فقال ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس ثم قام فيهم فقال ( يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم ) متفق عليه .
4 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس ثم قام فيهم فقال ( يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم ) متفق عليه . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس ثم قام فيهم فقال ( يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم ) متفق عليه .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض غزواته ، فانتظر حتى زالت الشمس ، مالت الشمس يعني : زالت ، وذلك مِن أجل ن تقبل البرودة ويكثر الظل وينشط الناس ، فانتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم خطيباً ، وكان صلى الله عليه وسلم يخطب الناس خطباً دائمة ثابتة ، كخطبه يوم الجمعة ، وخطبًا عارضة إذا دعت الحاجة إليها قام فخطب عليه الصلاة والسلام ، وهذه كثيرة جدا ، فقال في جملة ما قال : ( لا تتمنوا لقاء العدو ) : يعني لا ينبغي للإنسان أن يتمنى لقاء العدو ويقول : اللهم ألقني عدوي ، ( واسألوا الله العافية ) : قل اللهم عافنا ، ( فإذا لقيتموه وابتليتم بذلك فاصبروا ) : هذا هو الشاهد من الحديث يعني اصبروا على مقاتلتهم واستعينوا بالله عز وجل وقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ، ( واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) : نسأل الله من فضله ، الجنة تحت ظلال السيوف التي يحملها المجاهد في سبيل الله ، لأن المجاهد في سبيل الله إذا قُتل صار من أهل الجنة ، كما جاء في قوله تعالى : (( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ )) ، والشهيدُ إذا قتل في سبيل الله فإنه لا يُحس بالطعنة أو بالضربة ، كأنها ليست بشيء ، ما يحس إلا أن روحه تخرج من الدنيا إلى نعيم دائم أبدا ، نسأل الله من فضله ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) ، وكان من الصحابة رضي الله عنهم أنس بن النضر قال : ( إني لأجد ريح الجنة دون أحد ) : شوف فتح الله مشامَّه حتى شم ريح الجنة حقيقة دون أحد ، ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه ، فوجد فيه بضع وثمانون ضربة ، ما بين رمح وسهم وغير ذلك ، فقُتل شهيدا رضي الله عنه ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) .
ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( اللهم ُمنزّل الكتاب ومُجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم ) : وهذا دعاء ينبغي للمجاهد أن يدعو به إذا لقي العدو : ( اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم ) : فتوسل النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات الشرعية ، والآيات الكونية ، توسل بإنزال الكتاب وهو القرآن الكريم ، أو يشمل كل كتاب ، ويكون المراد به الجنس يعني : منزل الكتب على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى غيره .
( ومجري السحاب ) : هذه آية كونية ، فالسحاب المسخر بين السماء والأرض لا يجريه إلا الله عز وجل ، لو اجتمعت الأمم بجميع آلاتها ومعداتها على أن تُجري هذا السحاب أو أن تصرف وجهه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا ، وإنما يجريه من إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون .
( وهازم الأحزاب ) : فإن الله عز وجل وحده هو الذي يهزم الأحزاب ، ومن ذلك أن الله هزم الأحزاب في غزوة الأحزاب ، تجمعوا أكثر من عشرة آلاف مقاتل حول المدينة ليقاتلوا الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولكن الله تعالى هزمهم ، هزمهم : (( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً )) ، أرسل عليهم ريحا وجنودا زلزلت بهم ، كَفَّأت قدورهم وأسقطت خيامهم وصار لا يستقر لهم قرار ، ريح شديدة باردة شرقية حتى ما بقوا انصرفوا ، (( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ )) ، فالله عز وجل هو هازم الأحزاب ، ليس قوة الإنسان هي التي تهزم ، القوة سبب قد تنفع وقد لا تنفع لكننا مأمورون بفعل السبب المباح ، لكن الهازم حقيقة هو الله عز وجل : ( اهزمهم ونصرنا عليهم ) ، ففي هذا الحديث عدة فوائد :
أولا : ألا يتمنى الإنسان لقاء العدو ، وهذا غير تمني الشهادة ، تمني الشهادة جائز وليس منهيا عنه بل قد يكون مأمورا به ، أما تمني لقاء العدو فلا تتمنى لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك : ( لا تتمنوا لقاء العدو ) .
ومِن فوائده أيضا : أن يسألَ اللهَ الإنسانُ العافية ، لأن العافية والسلامة لا يعدلها شيء ، فلا تتمنوا الحروب ، ولا المقاتلة واسأل الله العافية والنصر لدينه ، ولكن إذا لقيت العدو ، مِن فوائد الحديث أيضا : أن الإنسان يجب عليه إذا لقي العدو أن يصبر ، قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) ، (( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )) .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي لأمير الجيش أو السرية أن يَرفق بهم وألا يبدأ القتال إلا في الوقت المناسب ، سواء كان مناسبا من الناحية اليومية أو من الناحية الفصلية ، فمثلا في أيام الصيف لا ينبغي أن يتحرى القتال فيه ، لأن فيه مشقة ، في أيام البرد الشديد لا يتحرى ذلك أيضا لأن في ذلك مشقة ، لكن إذا أمكن أن يكون بين بين ، يعني : في الربيع أو في الخريف فهذا أحسن ما يكون .
ومنها : أنه ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء : ( اللهم مُنزِّل الكتاب ومُجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم ) .
ومن فوائد هذا الحديث : الدعاء على الأعداء بالهزيمة ، لأنهم أعداؤك وأعداء الله ، فإن الكافر ليس عدوا لك وحدك ، بل هو عدو لك ولربك ولأنبيائه ولملائكته ولرسله ولكل مؤمن ، الكافر عدو لكل مؤمن ، عدو لكل رسول ، عدو لكل نبي ، عدو لكل مَلَك ، فهو عدو ، فينبغي لك أن تسأل الله دائما أن يخذل الأعداء من الكفار ، وأن يهزمهم وأن ينصرنا عليهم ، والله الموفق .
5 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس ثم قام فيهم فقال ( يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم ) متفق عليه . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الصدق قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) وقال تعالى (( الصادقين والصادقات )) وقال تعالى (( فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم )) . وعن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان قائد كعب - رضي الله عنه - من بنيه حين عمي ، قال : سمعت كعب بن مالك - رضي الله عنه - يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك . قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، ... " الحديث .
قال -رحمه الله تعالى- : " باب الصدق : قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) ، وقال تعالى : (( والصادقين والصادقات )) وقال تعالى : (( فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم )) . وعن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان قائدَ كعب رضي الله عنه من بنيه حين عَمي ، قال : سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث بحديثه حين تخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك .
قال كعب : ( لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني قد تخلَّفت في غزوة بدر ، ولم يعاتب أحد تخلف عنه ، إنما خرجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عِيرَ قريش ، حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد .
ولقد شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحبُّ أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها ، وكان من خبري حين تخلَّفت عن ) " .
6 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الصدق قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) وقال تعالى (( الصادقين والصادقات )) وقال تعالى (( فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم )) . وعن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان قائد كعب - رضي الله عنه - من بنيه حين عمي ، قال : سمعت كعب بن مالك - رضي الله عنه - يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك . قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، ... " الحديث . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الصدق قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) وقال تعالى (( الصادقين والصادقات )) وقال تعالى (( فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم )) .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الصدق " : الصدق معناه : مطابقة الخبر للواقع ، هذا الصدق في الأصل ، ويكون في الأخبار ، فإذا أخبرت بشيء وكان خبرك مطابقا للواقع قيل : إنه صدق ، مثل أن تقول : اليومُ يوم الأحد فهذا خبر صدق لأن اليوم يوم الأحد ، وإذا قلت : اليوم يوم الاثنين فهذا خبر كذب ، فالخبر إن طابق الواقع فهو صدق ، وإن خالف الواقع فهو كذب ، وكما يكون الصدق في الأقوال يكون أيضا في الأفعال ، فالصدق في الأفعال أن يكون الإنسان باطنه موافقا لظاهره ، بحيث إذا عمل عملا يكون موافقا لما في قلبه ، فالمرائي مثلا ليس بصادق ، لأنه يظهر للناس أنه من العابدين وليس كذلك ، والمشرك مع الله ليس بصادق ، لأنه يظهر أنه موحد وليس كذلك ، والمنافق ليس بصادق ، لأنه يظهر الإيمان وليس بمؤمن ، والمبتدع ليس بصادق لأنه يظهر الاتباع للرسول عليه الصلاة والسلام وليس بمتبع .
المهم أن الصدق متابعة الخبر للواقع ، وهو من سمات المؤمنين ، وعكسه الكذب وهو من سمات المنافقين نعوذ بالله .
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- آيات في ذلك فقال : " وقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) " : هذه الآية نزلت بعد ذكر قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا وقد تخلفوا عن غزوة تبوك ، ومنهم كعب بن مالك الذي سنذكر حديثه إن شاء الله ، وكان هؤلاء الثلاثة حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم مِن غزوة تبوك ، كانوا تخلفوا عنها بلا عذر ، وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا عذر لهم ، فخَلَّفهم يعني تركهم ، فمعنى (( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا )) أي : تركوا فلم يبت في شأنهم ، لأن المنافقين لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك جاؤوا إليه يعتذرون إليه ، ويحلفون بالله أنهم معذورون ، وفيهم أنزل الله هذه الآية : (( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )) .
أما هؤلاء الثلاثة فصدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، أخبروه بالصدق بأنه ليس لهم عذر ، تخلَّفوا بلا عذر فأرجأهم النبي عليه الصلاة والسلام خمسين ليلة ، (( حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ )) ثم أنزل الله توبته عليهم ، ثم قال بعد ذلك : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )) : فأمر الله تعالى المؤمنين بأن يتقوا الله وأن يكونوا مع الصادقين لا مع الكاذبين .
وقال الله تعالى : (( وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات )) : هذه في جملة الآية الطويلة التي ذكرها الله تعالى في سورة الأحزاب : (( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات )) إلى أن قال : (( وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات )) إلى أن قال : (( أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )) : فذكر الله الصادقين والصادقات في مقام الثناء وفي بيان ما لهم من الأجر العظيم وقال تعالى : (( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ )) : لو صدقوا الله يعني : لو عاملوا الله بالصدق لكان خيرا لهم ، ولكن عاملوا الله بالكذب ، فنافقوا وأظهروا خلاف ما في قلوبهم ، وعاملوا النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب ، فأظهروا أنهم متبعون له وهم مخالفون له ، فلو صدقوا الله بقلوبهم وأعمالهم وأقوالهم لكان خيرا لهم ، ولكنهم كذبوا الله فكان شرا لهم ، وقال تعالى : (( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ )) فقال : (( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ )) : فدل ذلك على أن الصدق أمره عظيم ، وأنه محل للجزاء من الله سبحانه وتعالى .
إذًا أيها الإخوة علينا أن نصبر ، علينا أن نكون صادقين ، علينا أن نكون صرحاء علينا ألا نخفي الأمر على غيرنا مداهنة أو مراءاة ، كثير من الناس إذا حُدث عن شيء فعله وكان لا يرضيه كذب وقال : ما فعلت ، لماذا ؟ لا تستحي من الخلق وتبارز الخالق بالكذب ، قل الصدق ولا يهمنك أحد ، وأنت إذا عودت نفسك الصدق وأخبرت بالصدق فإنك في المستقبل سوف تصلح حالُك ، أما إذا أخبرت بالكذب وصرت تكتم على الناس وتكذب عليهم فإنك سوف تستمر في غيِّك ولكن إذا صدقت فإنك سوف تعدل مسيرك ومنهاجك ، عليك بالصدق فيما لك وفيما عليك حتى تكون مع الصادقين الذين أمرك الله أن تكون معهم : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) .
7 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الصدق قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) وقال تعالى (( الصادقين والصادقات )) وقال تعالى (( فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم )) . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان قائد كعب - رضي الله عنه - من بنيه حين عمي ، قال : سمعت كعب بن مالك - رضي الله عنه - يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك . قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ، ولم يعاتب أحد تخلف عنه ؛ إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد . ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها ... " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " وعن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان قائد كعب رضي الله عنه من بنيه حين عَمي ، قال : سمعتُ كعبَ بن مالك رضي الله عنه يحدث بحديثه حين تخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، قال كعب : ( لم أتخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني قد تخلَّفت في غزوة بدر ، ولم يُعاتَب أحدٌ تخلف عنه ، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد . ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحبُ أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها ، وكان من خبري ) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الحديث حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تَخلُّفه عن غزوة تبوك ، وكانت غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة ، غزا النبي صلى الله عليه وسلم الروم وهم على دين النصارى ، حين بلغه أنهم يجمعون له ، فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقام بتبوك عشرين ليلة ، ولكنه لم ير كيدا ولم ير عدوا فرجع ، وكانت هذه الغزوة ، كانت في أيام الحر حين طاب الثمار والرطب ، وصار المنافقون يحبون الدنيا على الآخرة ، فتخلف المنافقون عن هذه الغزوة ، ولجؤوا إلى الظل والرطب والتمر وبعُدت عليهم الشُّقة والعياذ بالله ، أما المؤمنون الخُلَّص فإنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثن عزمهم بعد المشَّقة بل بعد الشقة ولا طيب الثمار ، إلا أن كعب بن مالك رضي الله عنه تخلف عن غزوة تبوك بلا عذر وهو من المؤمنين الخلص ولهذا قال : ( إنه ما تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط ) كل غزوات الرسول عليه الصلاة والسلام قد شارك فيها كعب رضي الله عنه ، فهو من المجاهدين في سبيل الله ، إلا في غزوة بدر ، غزوة بدر تخلف كعب وغيره ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة لا يريد القتال ولذلك لم يخرج معه إلا ثلاثمئة وبضعة عشر رجلا فقط ، لأنهم كانوا يريدون أن يأخذوا عيرا لقريش يعني حملا ، إبل محملة قدمت من الشام وتريد مكة وتمر بالمدينة ، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يستقبل هذه العير ويأخذها ، وذلك لأن أهل مكة أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم وأموالهم ، فأموالهم غنيمة للرسول عليه الصلاة والسلام ، ويحل له أن يخرج ليأخذها ، وليس في ذلك عدوان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، بل هذا أخذ لبعض حقهم .
المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج في ثلاثمئة وبضعة عشر رجلا ليس معهم إلا سبعون بعيرا وفرسان فقط ، يعني ليس معهم عُدة والعدد قليل ولكن الله سبحانه وتعالى جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ، لينفذ الله ما أراد عز وجل .
فسمع أبو سفيان وهو قائد العير أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليه ليأخذ العير ، فعدل عن سيره إلى الساحل ، وأرسل إلى قريش صارخا يستنجدهم ، يستغيثهم يقول : يلا هلموا أنقذوا العير ، فاجتمعت قريش وخرج كبراؤها وزعماؤها وشرفاؤها فيما بين تسعمئة إلى ألف رجل ، خرجوا كما قال تعالى : (( خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدُّون عن سبيل الله )) ، ولما كانوا في أثناء الطريق وعلموا أن العير نجت تراجعوا فيما بينهم ، وقالوا : العير نجت فما لنا وللقتال ؟
فقال أبو جهل : قال : " والله لا نرجع حتى نقدم بدرا ، فنقيم فيها ثلاثا ، ننحر الجزور ونسقي الخمور ونطعم الطعام وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدا " ، هكذا قال ، بطَر استكبار فخر ، ولكن الحمد لله صارت العرب تتحدث بهم بالهزيمة النكراء التي لم يذق العرب مثلها ، لما التقوا بالنبي عليه الصلاة والسلام وكان ذلك في رمضان في السنة الثانية من الهجرة ، في اليوم السابع عشر منه ، التقوا فأوحى الله عز وجل إلى الملائكة : (( أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سأُلقي في قلوب الذين كفروا الرعب )) : شوف تثبيت للمؤمنين وإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا ، ما أقرب النصر في هذه الحال ، رعب في قلوب الأعداء ، وثبات في قلوب المؤمنين ، فثبت الله المؤمنين ثباتا عظيما ، وأنزل في قلوب الذين كفروا الرعب ، قال الله تعالى : (( فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ )) : كل مفصل ، اضربوا ، الأمر ميسر لكم فجعل المسلمون ولله الحمد يجلدون فيهم ، قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين رجلا ، والذين قتلوا ليسوا من أطرافهم ، الذين قتلوا كلهم من صناديدهم وكبرائهم ، وأخذ منهم أربعة وعشرون رجلا يسحبون سحبا أُلقوا في قليب من قُلب بدر ، سُحبوا حتى ألقوا في القليب جثث هامدة ، فوقف عليهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال لهم : ( يا فلان بن فلان ) : يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، ( هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟! فإني وجدت ما وعدني ربي حقا ، فقالوا : يا رسول الله كيف تكلم أناسا قد جيفوا ؟ قال : والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبون ) : يسمعون لكن لا يجيبون موتى ، وهذه لله الحمد نعمة علينا أن نشكر الله عز وجل عليها كلما ذكرناها ، نصر الله نبيه وسمى هذا اليوم يوم الفرقان : (( يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ )) ، هذا اليوم فرَّق الله فيه بين الحق والباطل تفريقا عظيما ، وانظر إلى قدرة الله عز وجل في هذا اليوم انتصر ثلاثمئة رجل وبضعة عشر رجلا على نحو ألف رجل ، أكمل منهم عُدة وأقوى ، وهؤلاء ليس معهم إلا عدد قليل من الإبل والخيل ، لكن نَصرُ الله عز وجل إذا نزل لقوم لم يكن أمامهم أحد ، وإلى هذا أشار الله بقوله : (( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ )) : أذلة ليس عندكم شيء ، (( فاتقوا الله لعلكم تشكرون )) .
ولما كان المسلمون حين فتحوا مكة وخرجوا باثني عشر ألفا وأمامهم هوازن وثقيف ، فأعجب المسلمون بكثرتهم وقالوا : لن نغلب اليوم عن قلة ، فغلبهم ثلاث آلاف وخمسمئة رجل ، غلبوا اثني عشر ألف رجل ، بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم ، لماذا ؟ لأنهم أعجبوا بكثرتهم ، قالوا : " لن نغلب اليوم عن قلة " ، فأراهم الله عز وجل أن كثرتهم لم تنفعهم ، قال الله تعالى : (( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ )) .
المهم أن كعب بن مالك رضي الله عنه لم يشهد بدرا لكن تخلف عنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج لقتال ، إنما خرج للعير ولكن الله جمع بينه وبين عدوه على غير ميعاد ، أتدرون ماذا حصل لأهل بدر ؟ ( اطلع الله عليهم ، وقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) : كل معصية تقع منهم فهي مغفورة ، لأن الثمن مقدم في هذه الغزوة ، صارت سببا لكل خير .
8 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان قائد كعب - رضي الله عنه - من بنيه حين عمي ، قال : سمعت كعب بن مالك - رضي الله عنه - يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك . قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ، ولم يعاتب أحد تخلف عنه ؛ إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد . ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها ... " . أستمع حفظ