الشيخ : ومِن المؤسف أن مِنَّا مَن يدخل عليهم السرور والفرح ، وربما يشاركهم في أعيادهم والعياذ بالله ، أعيادهم الكفرية التي لا يرضاها الله ، بل يسخط عليها ، والتي يُخشى أن ينزل العذاب عليهم وهم يلعبون بهذه الأعياد ، يوجد من الناس والعياذ بالله من لا قدر للدين عنده كما قال ابن القيم في كتابه * أحكام أهل الذمة * ، ليس عنده قدر للدين يشاركهم في الدين ويهنئهم ، كيف تدخل السرور على أعداء الله وأعدائك ؟! أدخل عليهم ما يحزنهم ويغيظهم ويدخل عليهم أضيق ما يكون وأحلك ما يكون من الضيق هكذا أمرنا لأنهم أعداء لنا وأعداء له وأعداء لديننا وأعداء للملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، المهم أنَّ المغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده السيف تعظيما له ، حتى إنه في أثناء هذه المراسلة فعل الصحابة رضي الله عنهم شيئا ما يفعلونه في العادة ، ( كان عليه الصلاة والسلام إذا تنخَّم تلقَّوا نخامته بأيديهم بالراحة ، ثم بمسحون بها وجوههم وصدورهم ) : مع إنهم ما كانوا يفعلون هذا ، لكن لأجل إذا ذهب رسول الكفار إلى الكفار بين لهم حال الصحابة مع نبيهم عليه الصلاة والسلام ، ولذلك لما رجع الرسول رسول قريش قال : ( والله لقد دخلت على الملوك وكسرى وقيصر والنجاشي فلم أرَ أحدا يعظمُه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمدا ) : رضي الله عنهم وأرضاهم وجزاهم عنا خيرا ، المهم أن القيام على الرجل إذا كان المقصود به حفظ الرجل أو كان المقصود به إغاظة العدو ، فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه ، وإلا فهو منهي عنه .
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ) . فقلت : إني أمسك سهمي الذي بخيبر . وقلت : يا رسول الله ، إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت ، فوالله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي ، ... " .
الشيخ : في حديث كعب بن مالك ، نعود إلى حديث كعب بن مالك رضي الله عنه ، قال له النبي عليه الصلاة والسلام لما قال : ( إنَّ مِن توبتي أن أنخلع من مالي توبة إلى الله ورسوله ، قال : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ، فأمسك عليه بعض المال ) : وفي هذا دليل ، يعني ويؤخذ من هذا الحديث ، أو من هذه القطعة من الحديث : أن من أنعم الله عليه نعمة فإن من السنة أن يتصدق بشيء من ماله ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام أقرَّ كعب بن مالك على أن يتصدق بشيء من ماله توبة إلى الله عز وجل لما حصل له من هذا الأمر العظيم الذي كان فخرا له إلى يوم القيامة ، والله الموفق .
قراءة متن حديث : " ... فوالله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي ، قال : فأنزل الله تعالى : (( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة )) حتى بلغ : (( إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت )) حتى بلغ : (( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) قال كعب : والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ؛ إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال الله تعالى : (( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين )) ... " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " ( فوالله ما علمت أحدًا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمَّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي ، قال : فأنزل الله تعالى : (( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة )) حتى بلغ : (( إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت )) حتى بلغ : (( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) ، قال كعب : والله ما أنعمَ الله عليَّ من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبتُه ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، إن الله تعالى قال للذين كَذبوا حين أنزل الوحي شرَّ ما قال لأحد ، فقال الله تعالى : (( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )) ، قال كعب : كنا خُلفنا أيها الثلاثة ) " .
تتمة شرح حديث : " ... فوالله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي ، قال : فأنزل الله تعالى : (( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة )) حتى بلغ : (( إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت )) حتى بلغ : (( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) قال كعب : والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ؛ إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال الله تعالى : (( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين )) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : مازلنا في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه وهم : هلال بن أمية ، ومِرارة بن الربيع ، الذين تَخلفوا في غزوة تبوك وخُلفوا عن البت في أمرهم حتى يقضي الله فيهم ما شاء ، وسبق لنا أكثر القصة وهنا ننبه على كلمة ذهلت مني ومن القارئ سهوا وهي قول كعب رضي الله عنه : ( ما قام أحد من المهاجرين ) يعني : حين جاء إلى المسجد غيرُ طلحة بن عبيد الله ، هذا هو الصواب ، ونحن ذكرناها رجل من الأنصار وهذا غلط ، والصواب مِن المهاجرين ، لأن طلحة رضي الله عنه من المهاجرين وليس من الأنصار ، فلينتبه لذلك . ذكر كعب بن مالك رضي الله عنه أنَّ من توبته ألا يحدث بحديث كذب بعد إذ نجاه الله تعالى بالصدق ، وما زال كذلك ، ما حدث بحديث كذب أبدا بعد أن تاب الله عليه ، فكان رضي الله عنه مضرب المثل في الصدق ، حتى إن الله أنزل فيه وفي صاحبيه : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )) ، أنزل الله تعالى الآيات في بيان منته عليهم بالتوبة ، من قوله تعالى : (( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ )) : ففي هذه الآية أكد الله سبحانه وتعالى توبته على النبي والمهاجرين والأنصار ، أكدها بقوله : (( لَقَدْ تَابَ اللَّه )) ، فأما النبي فهو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأما المهاجرون فهم الذين هاجروا من بلادهم من مكة إلى المدينة ، هاجروا إلى الله ورسوله ، فجمعوا في ذلك بين الهجرة ومفارقة الوطن ومفارقة الديار ، وبين نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم إنما هاجروا إلى الله ورسوله ، فالمهاجرون جمعوا بين الهجرة والنصرة ، أما الأنصار فهم الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم ، أهل المدينة رضي الله عنهم الذين آووا النبي صلى الله عليه وسلم ونصروه ومنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم ، وقدم الله المهاجرين لأنهم أفضل من الأنصار ، لجمعهم بين الهجرة والنصرة : (( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ )) : اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة العسرة ، وذلك في الخروج معه إلى غزوة تبوك إلى بلاد بعيدة ، والناس في أشد ما يكون من الحر ، والناس في أطيب ما يكون لو بقوا في ديارهم ، لأن الوقت وقت قيظ والوقت وقت طيب الثمار وحسن الظلال ، ولكنهم رضي الله عنهم خرجوا في هذه الساعة الحرجة في ساعة العسرة ، (( مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ )) : فإن بعضهم كاد أن يتخلف بدون عذر فيزيغ قلبه ، ولكن الله عز وجل من عليهم بالاستقامة حتى خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، (( مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ )) : أكد ذلك مرة أخرى ، (( إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )) : شملهم بالرأفة والرحمة ، والرأفة أرق من الرحمة ، لأنها رحمة ألطف وأعظم من الرحمة العامة ، ثم قال : (( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا )) مَن هؤلاء الثلاثة ؟ هم : كعب بن مالك ، هلال بن أمية ، مِرارة بن الربيع الثلاث ، هؤلاء هم الثلاثة ، الذين خُلفوا أي : خلف البت في أمرهم وليس المراد تخلفوا عن الغزوة ، بل خلفهم الرسول عليه الصلاة والسلام لينظر في أمرهم ماذا يكون حكم الله تعالى فيهم . (( حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ )) : ضاقت عليهم الأرض مع سعتها ، والرَحب : السعة ، المعنى أن الأرض على سعتها ضاقت بهم ، حتى قال كعب بن مالك : ( لقد تنكرت لي الأرض حتى كنت لا أدري هل أنا في المدينة أو غيرها ) : من شدة الضيق عليهم رضي الله عنهم ، (( وضاقت عليهم أنفسهم )) : نفس الإنسان ضاقت عليه لا تتحمل أن تبقى ولكنهم صبروا رضي الله عنهم حتى فرج الله عنهم ، (( وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه )) أيقنوا ، الظن هنا بمعنى اليقين ، (( ظنوا أن لا ملجأ من الله )) أي أيقنوا أنه لا أحد ينفعهم ، ولا ملجأ من الله إلا إلى الله لأنه هو الذي بيده كل شيء عز وجل ، (( ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم )) : تاب عليهم لينالوا مراتب التوبة التي لا ينالها إلا من وفق لا ينالها إلا أحباب الله ، كما قال الله تعالى : (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )) . أما أولئك الذين اعتذروا من المنافقين ، اعتذروا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله فإن الله أنزل فيهم شر ما أنزل في بشر ، ماذا قال ؟ (( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ )) : فلا تلومونهم ، (( فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْس )) أعوذ بالله رجس ، الخمر رجس ، القذر الذي يخرج من الإنسان من دبره رجس ، روث الحمير رجس هؤلاء مثله مثل هذا الخبث ، (( إنهم رجس وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) : بئس المأوى والعياذ بالله أنهم ينتقلون من الدنيا إلى جهنم نسأل الله العافية ، نار حامية تطلع على الأفئدة مؤصدة عليهم في عمد ممددة ، نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها . (( يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ )) : لأنكم لا تعلمون سرائرهم ولا يبدو لكم إلا الظواهر . (( فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )) : لو رضي عند الناس كلهم والله لم يرض عنك فإنه لا ينفعك ، لا ينفعك إلا رضا الله عز وجل ، إذا رضي الله عنك أرضى عنك الناس ، أمال قلوبهم إليك كما جاء في الحديث : ( إن الله إذا أحب شخصا نادى جبريل ، يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه ) : يعين الله الرجل لجبريل ، ( أحب فلانا ) : اللهم اجعلنا من أحبابك ( إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ) : يكون مقبولا لدى أهل الأرض ، كما قال الله عز وجل : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً )) ، لكن إذا التمس الإنسان رضا الناس بسخط الله فالأمر بالعكس ، يسخط الله عليه ويسخط عليه الناس ، ولهذا لما تولى معاوية رضي الله عنه الخلافة ، كتبت له عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَن التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ) . وما أكثر الذين يطلبون رضا الناس بسخط الخالق والعياذ بالله ، هؤلاء هم في سخط الله ولو رضي عنهم الناس ، لا ينفعهم رضا الناس ، قال الله تعالى هنا : (( فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )) : حتى لو رضي عنهم النبي عليه الصلاة والسلام أشرفُ الخلق لا ينفعهم ، لأن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ، وفي هذه الآية تحذير من الفسق وهو ارتكاب المعاصي التي أعظمها الكفر ، وكل فسق فإنه ينقص من رضا الله عن الإنسان بحسبه ، لأن الحكم المعلق بالوصف يزداد بزيادته وينقص بنقصانه ويقوى بقوته ويضعف بضعفه ، الفسق من أسباب عدم رضا الله ، (( فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )) . الفسق أنواع كثيرة ومراتب عظيمة كثيرة مثلا : عقوق الوالدين من الفسوق ، قطيعة الرحم من الفسوق ، غش الناس من الفسوق ، الغدر بالعهد من الفسوق ، الكذب من الفسوق ، كل معصية فهي من الفسوق ، لكن الصغائر صغائر الذنوب تكفرها حسنات الأعمال إذا أصلح الإنسان الحسنات ، كما قال الله تعالى : (( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً )) . وقال عز وجل : (( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )) : فإذا فعل الإنسان حسنة أذهبت السيئة إذا كانت صغيرة ، أما الكبائر فلا ينفع فيها إلا التوبة ، على كل حال الفسق من أسباب انتفاء رضا الله عن العبد ، والطاعة من أسباب الرضا ، فعليك يا أخي بطاعة الله ، التزم طاعة الله إن كنت تريد رضا الله ، وإن كنت تريد رضا الله ، وإن كنت تريد رضا الناس فأرض الله ، إذا رضي الله عنك كفاك مؤونة الناس وأرضى الناس عنك ، وإن أسخطت الله برضا الناس فأبشر بسخط الناس مع سخط الله والعياذ بالله ، والله الموفق .
قراءة متن حديث : " ... إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال الله تعالى : (( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين )) قال كعب : كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك . قال الله تعالى : (( وعلى الثلاثة الذين خلفوا )) وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه متفق عليه . وفي رواية : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة تبوك يوم الخميس وكان يحب أن يخرج يوم الخميس .
وفي رواية : وكان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى ، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث كعب : " ( إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال الله تعالى : (( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )) ، قال كعب : كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمرِ أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين حلفوا له ، فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك . قال الله تعالى : (( وعلى الثلاثة الذين خلفوا )) وليس الذي ذكر مما خُلفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه ) متفق عليه . وفي رواية : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس وكان يحب أن يخرج يوم الخميس ) . وفي رواية : ( وكان لا يقدم مِن سفر إلا نهارا في الضحى ، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه ) " .
تتمة شرح حديث حديث : " ... إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال الله تعالى : (( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين )) قال كعب : كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك . قال الله تعالى : (( وعلى الثلاثة الذين خلفوا )) وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه متفق عليه . وفي رواية : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة تبوك يوم الخميس وكان يحب أن يخرج يوم الخميس .
وفي رواية : وكان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى ، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- في بقية حديث كعب بن مالك وصاحبيه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع : أن الله سبحانه وتعالى أنزل في الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ، ويحلفون له بأنهم معذورون أنزل فيهم شر ما أنزل في أي أحد من الناس : (( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ )) ، وقد سبق الكلام على هذا . ثم بين رضي الله عنه أن معنى قوله : (( وعلى الثلاثة الذين خلفوا )) أي : الذين خَلَّف النبيُ صلى الله عليه وسلم أمرهم فلم يبت فيهم بشيء ، وليس المعنى الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، لأن فرق بين خُلفوا وتَخلفوا ، ثم ذكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في يوم الخميس وكان يحب عليه الصلاة والسلام أن يخرج يوم الخميس ، ولكن ذلك ليس بدائم أحيانا يخرج يوم السبت ، كما خرج في آخر سفرة سافرها في حجة الوداع ، وربما يخرج في أيام أُخر ، لكن غالب ما يخرج فيه هو يوم الخميس ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد إلى المدينة ضحى ، وأنه دخل المسجد فصلى فيه ركعتين ، وكان هذا مِن سنته صلى الله عليه وسلم : أنه إذا قدم بلده لم يبدأ بشيء قبل المسجد ، بل يذهب إلى المسجد ويُنيخ بعيره عنده ، ثم يدخل فيصلي ركعتين ، وهذا من السنة أنك إذا قدمت إلى بلدك توقف السيارة عند المسجد وتدخل وتصلي ركعتين ، سواء كان في أول النهار أو في آخره حتى بعد العصر ، أو بعد صلاة الفجر ، لأن هذه صلاة لها سبب والصلاة التي لها سبب ليس عنها نهي ، في أي وقت وجد سببها حلَّ فعلها ، فينبغي إذا قدم الإنسان إلى بلده أن يبدأ قبل كل شيء بالمسجد ، والظاهر أنه لو صلى في أول مسجد يمر به من البلد كفى ، يعني ليس بلازم أن يصلي في مسجد حيه الذي يسكن فيه ، بل إذا صلى في أي مسجد من مساجد البلد حصلت به السنة ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الصدق يهدي إلى البِر ، وإن البِرَّ يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدُق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا الباب عقده المؤلف -رحمه الله- للصدق فقال : " باب الصدق " ، وذكر آيات سبق الكلام عليها أما الأحاديث فقال : " عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ) " : عليكم بالصدق أي : الزموا الصدق ، والصدق مطابقة الخبر للواقع ، يعني أن تخبر بشيء فيكون الخبر مطابقا للواقع ، مثال ذلك إذا قلت : لمن سألك أي يوم هذا ؟ فقلت : اليوم يوم الأربعاء ، هذا صدق ، ولو قلت : اليوم يوم الثلاثاء لكان كذبا ، فالصدق مطابقة الخبر للواقع ، وقد سبق في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه ما يدل على فضيلة الصدق ، وحسن عاقبته ، وأن الصادق هو الذي له العاقبة ، والكاذب هو الذي يكون عمله هباء ، ولهذا يذكر أن بعض العامة قال : " إن الكذب ينجي فقال له أخوه : الصدق أنجى وأنجى " ، وهذا صحيح ، واعلم أن الخبر يكون باللسان ويكون بالأركان ، أما باللسان : فهو القول ، وأما بالأركان فهو الفعل ، ولكن كيف يكون الكذب بالفعل ؟! إذا فعل الإنسان خلاف ما يبطن فهذا قد كذب بفعله ، فالمنافق مثلا كاذب ، لأنه يظهر للناس أنه مؤمن يصلي مع الناس ويصوم مع الناس ويتصدق ولكنه بخيل وربما يحج ، فمن رأى أفعاله حكم عليه بالصلاح ، ولكن هذه الأفعال لا تنبئ عما في الباطن ، فهي كذب ولهذا نقول : الصدق يكون باللسان ويكون بالأركان ، فمتى طابق الخبر الواقع فهو صدق ويكون باللسان ، ومتى طابقت أعمال الجوارح ما في القلب فهي صدق وهذا صدق بالأفعال ، ثم بين النبي عليه الصلاة والسلام لما أمر بالصدق ، بين عاقبته قال : ( فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ) : البر كثرة الخير ، ومنه مِن أسماء الله البَرّ : أي كثير الخير والإحسان عز وجل ، فالبر يعني كثرة الخير وهو من نتائج الصدق ، ( وإن البر يهدي إلى الجنة ) : فصاحب البر نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم ، هذا يهديه بره إلى الجنة ، والجنة هي غاية كل مطلب ، لو سألت أي إنسان لماذا تعمل صالحا ؟ قال : للجنة ، نعم ، ولهذا يُؤمر الإنسان أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار : (( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )) . ثم قال : ( وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ) ، وفي رواية : ( ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ) : أتدرون ما الصديق ؟ الصديق في المرتبة الثانية من مراتب الخلق الذين أنعم الله عليهم كما قال الله تعالى : (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ )) ، فالرجل الذي يتحرى الصدق يكتب عند الله صديقا ، ومعلوم أن الصديقية درجة عظيمة لا ينالها إلا أفذاذ من الناس ، وتكون في الرجال وتكون في النساء ، قال الله تعالى : (( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ )) ، وأفضل الصديقين على الإطلاق أصدقهم وهو أبو بكر رضي الله عنه ، عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة ، الذي استجاب للنبي صلى الله عليه وسلم حين دعاه إلى الإسلام ، ولم يحصل عنده أي تردد وأي توقف ، بمجرد ما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام أسلم ، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين كذبه قومه ، صدقه حين تحدث عن الإسراء والمعراج وكذبه الناس وقالوا : كيف تذهب يا محمد من مكة إلى بيت المقدس وترجع في ليلة واحدة ثم تقول إنك صعدت إلى السماء ، هذا لا يمكن !! ثم ذهبوا إلى أبي بكر وقالوا له : أما تسمع ما قال صاحبك ؟ قال : ماذا قال ؟ قالوا : إنه قال كذا وكذا وكذا ، قال : إن كان قد قال ذلك فقد صدق ، فمن ذلك اليوم سمي الصديق رضي الله عنه ، أما الكذب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإياكم والكذب ) : إياكم هذه للتحذير ، يعني : احذروا الكذب ، والكذب هو الإخبار بما يخالف الواقع سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل ، فإذا قال لك قائل : ما اليوم ؟ فقلت : اليوم يوم الخميس ، أو يوم الثلاثاء فهذا كذب ، لأنه لا يطابق الواقع . والمنافق كاذب لأن ظاهره يدل على أنه مسلم وهو كافر فهو كاذب بفعله ، ( إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ) الفجور : الخروج عن طاعة الله ، لأن الإنسان ينشق ويتعدى طَوره ويخرج عن طاعة الله إلى معصيته ، وأعظم الفجور الكفر والعياذ بالله ، فإن الكفرة فجرة كما قال تعالى : (( أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ )) ، وقال تعالى : (( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ )) ، وقال تعالى : (( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ )) ، (( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ )) ، ( فالكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ) نعوذ بالله منها ، ( وإن الرجل ليكذب ) وفي لفظ : ( ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) : وهذا والعياذ بالله الكذب من الأمور المحرمة ، بل قال بعض العلماء : " إنه من كبائر الذنوب ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توعده بأنه يكتب عند الله كذابا " ، ومن أعظم الكذب ما يفعله بعض الناس اليوم : يأتي بالمقالة كاذبا ، يعلم أنها كذب لكن من أجل أن يضحك الناس ، وقد جاء في الحديث الوعيد على هذا : ( ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم ، ويل له ، ثم ويل له ) : وهذا وعيد على أمر سَهُل عند كثير من الناس ، فالكذب كله حرام كله يهدي إلى الفجور ولا يستثنى منه شيء . ورد في الحديث أنه يستثنى من ذلك ثلاثة أشياء : في الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث المرأة زوجها وحديثه إياها ، ولكن بعض أهل العلم قال : إن المراد بالكذب في هذا الحديث التورية وليس الكذب الصريح ، قال : والتورية قد تسمى كذبا كما في حديث إبراهيم أن النبي عليه الصلاة والسلام : ( أنه كذب ثلاث كذبات ) وهو لم يكذب ، وإنما ورى تورية هو فيها صادق ، وسواء كان هذا أو هذا فإن الكذب لا يجوز إلا في هذه الثلاث على رأي كثير من أهل العلم ، وبعض العلماء يقول : الكذب لا يجوز مطلقا لا مزحا ولا جدا ، ولا إذا تضمن أكل مال أو لا ، وأشد شيء من الكذب أن يكذب ويحلف ليأكل أموال الناس بالباطل ، مثل أن يُدعى عليه بحق عليه ثابت فينكر ، ويقول : والله ما لك علي حق ، أو يدعي ما ليس له فيقول : لي عندك كذا وكذا وهو كاذب ، فهذا إذا حلف على دعواه وكذب فإن ذلك هو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ، ثم تغمسه في النار ، والعياذ بالله ، وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( مَن حلف على يمين هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ) . فالحاصل أن الكذب حرام ولا يجوز للإنسان أن يكذب لا هازلا ولا جادا ، إلا في المسائل الثلاثة على خلاف بين العلماء في المعنى الوارد فيها ، والله أعلم .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ) رواه الترمذي وقال حديث صحيح .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك ، فإن الصدق طُمأنينة والكذب ريبة ) ، رواه الترمذي وقال : حديث صحيح " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ) رواه الترمذي وقال حديث صحيح .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في باب الصدق ، قال : ( حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم : دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك ) دع : بمعنى اترك ، ويريبك : بفتح الياء أي تشك فيه ولا تطمئن إليه ، ( إلى ما لا يريبك ) يعني إلى الشيء الذي لا ريب فيه . وهذا الحديث من أحاديث الأربعين النووية ، حديث جامع مهم ، وهو باب عظيم من أبواب الورع والاحتياط ، وقد سلك أهل العلم -رحمهم الله- في أبواب الفقه سلكوا هذا المسلك : وهو الأخذ بجانب الاحتياط ، وذكروا لذلك أشياء كثيرة منها مثلا : إنسان أصاب ثوبه نجاسة ، ولا يدري هل هي في مقدم الثوب أو في مؤخره ، إن غسل المقدم صار عنده ريبة لاحتمال أن تكون في مؤخر الثوب ، وإن غسل المؤخر صار عنده ريبة لاحتمال أن تكون في مقدم الثوب ، فما هو الاحتياط ؟ الاحتياط أن يغسل مقدمه ومؤخره حتى تزول ريبته ويطمئن ، كذلك أيضا : لو شك الإنسان في صلاته هل صلى ركعتين أو ثلاث ركعات ، ولم يترجح عنده شيء ، فهنا إن أخذ بركعتين صار عنده ريبة ، فلعله نقص ، وإن أخذ بالثلاث صار عنده ريبة فلعله لم ينقص لكن يبقى قَلقا فماذا يعمل ؟ يعمل بما لا ريبة فيه ، فيعمل بالأقل فإذا شك هل هي ثلاثة أو أربعة ؟ فليجعلها ثلاثة ، هل هي ثلاث أو اثنتان ؟ فليجعلها اثنتين وهكذا . المهم أن الحديث أصل من أصول الفقه : أن الشيء الذي تشك فيه اتركه إلى شيء لا شك فيه ، ثم إن فيه تربيةً نفسية وهي : أن الإنسان يكون في طمأنينة ليس في قلق ، لأن كثيرا من الناس إذا أخذ ما يشك فيه يكون عنده قلق إذا كان حي القلب ، يكون دائما يفكر يهوجس لعلي فعلت لعلي تركت ، فإذا قطع الشك باليقين زال عنه ذلك ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( فإن الصدق طمأنينة ) : وهذا وجه الشاهد من هذا الحديث لهذا الباب ، باب الصدق ، ( الصدق طمأنينة ) : لا يندم صاحبه أبدا ، إذا أخبر الإنسان بالصدق لا يندم ، ولا يقول : ليتني وليتني ، لأن الصدق منجاة ، والصادقون ينجيهم الله تعالى بصدقهم ، وتجد الصادق دائما مطمئنا ، لأنه لا يتأسف على شيء حصل أو شيء يحصل بالمستقبل ، لأنه قد صدق ، ومن صدق نجا أما الكذب فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه ريبة ، ولهذا تجد أول من يرتاب في الكاذب نفسُه ، نفس الكاذب يرتاب هل يصدقه الناس أو لا يصدقونه ، ولهذا تجد الكاذب إذا أخبرك بالخبر قام يحلف ، حلف بالله إنه لصدق لئلا ترتاب في خبره مع أنه محل ريبة ، فتجد المنافقون مثلا يحلفون بالله ما قالوا ولكن هم في ريبة ، قال الله تعالى : (( وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا )) فالكذب لا شك أنه ريبة ، قلق للإنسان ، يرتاب الإنسان هل علم الناس بكذبه أم لم يعلموا فلا يزال في شك واضطراب ، إذًا نأخذ من هذا الحديث : أنه يجب على الإنسان أن يدع الكذب إلى الصدق ، لأن الكذب ريبة ، والصدق طمأنينة ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك ) ، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل قال هرقل فماذا يأمركم يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان قلت يقول اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- فيما نقله : " عن أبي سفيان ، صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هِرَقْل ، قال هرقل : ( فماذا يأمركم ؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو سفيان : قلت يقول : اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل قال هرقل فماذا يأمركم يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان قلت يقول اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه ، وكان أبو سفيان مشركا لم يسلم إلا متأخرا ، وفيما بين صلح الحديبية وفتح مكة ، وصلح الحديبية كان في السنة السادسة من الهجرة ، وفتح مكة كان في السنة الثامنة من الهجرة ، قدم أبو سفيان ومعه جماعة من قريش إلى هِرَقْل في الشام ، وهرقل كان ملك النصارى في ذلك الوقت ، وكان قد قرأ في التوراة والإنجيل وعرف الكتب السابقة ، وكان ملكا ذكيا ، فلما سمع بهم أي بأبي سفيان ومن معه وهم قادمون من الحجاز ، دعا بهم وجعل يسألهم عن حال النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن نسبه ، وعن أصحابه ، وعن توقيرهم له وعن وفائه صلى الله عليه وسلم ، وكلما ذكر شيئا أخبروه ، عَرَف أنه النبي الذي أخبرت به الكتب السابقة ، ولكنه والعياذ بالله شحَّ في ملكه فلم يسلم للحكمة التي أرادها الله عز وجل ، لكنه سأل أبا سفيان عما كان يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بأنه : ( يأمرهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ) : يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، فلا يعبدوا غير الله لا ملكا ولا رسولا ولا شجرا ولا حجرا ولا شمسا ولا قمرا ولا غير ذلك ، العبادة لله وحده ، وهذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءت به الرسل كلهم ، كل الرسل جاؤوا بهذا التوحيد ، قال الله تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )) ، وقال تعالى : (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) : اعبدوا الله واجتنبوا الشرك ، هذه دعوة الرسل . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بما جاءت به الأنبياء من قبله بعبادة الله وحده لا شريك له ، ( ويقول : اتركوا ما كان عليه آبائكم ) : انظر كيف الصدع بالحق ، اتركوا ما كان عليه آباؤكم ، كلما كان عليه آباؤهم من عبادة الأصنام أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه ، وأما ما كان عليه آباؤهم من الأخلاق الفاضلة فإنه لم يأمرهم بتركه كما قال الله تعالى : (( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا )) فقال الله تعالى مكذبا لهم : (( قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ )) . فالحاصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ أُمته الذين باشر دعوتهم أن يدعوا ما كان عليه آباؤهم يعني : من الإشراك بالله ، وكان يأمرنا بالصلاة ، الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين ربه ، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وبها يتميز المؤمن من الكافر ، فهي العهد بيننا وبين المشركين والكافرين ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) يعني : كفر كفرا مخرجا عن الملة ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ) : فهذا حد فاصل بين المؤمنين وبين الكافرين .