تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل قال هرقل فماذا يأمركم يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان قلت يقول اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ... " .
إذًا الصلاة من بين سائر الأعمال إذا تركها الإنسان فهو كافر ، لو ترك الإنسان صيام رمضان وصار يأكل ويشرب بالنهار ولا يبالي لم نقل إنه كافر ، لا نقول إنه كافر ، لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر ، لو ترك الزكاة صار لا يزكي ، يجمع الأموال ولا يزكي لم نقل إنه كافر ، لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر ، لو لم يحج مع قدرته على الحج لم نقل إنه كافر ، لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر ، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين مشهور قال : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ) : إذًا الصلاة التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر بها إذا إذا تركها الإنسان فهو كما لو ترك التوحيد ، يعني يكون كافرا مشركا والعياذ بالله ، ولهذا يشير حديث جابر الذي رواه مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ) ، ( وكان يأمرنا بالصدق ) : وهذا هو الشاهد من الحديث ، كان النبي عليه الصلاة والسلام يامر أمته بالصدق ، وهذا كقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )) والصدق خلق فاضل ، وسبق لنا أنه ينقسم إلى قسمين : صدق مع الله ، وصدق مع عباد الله ، وكلاهما من الأخلاق الفاضلة ضد الصدق الكذب وهو الإخبار بخلاف الواقع ، فالكذب خلق ذميم من أخلاق المنافقين ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ) ، وبعض الناس نعوذ بالله مبتلى بهذا المرض ، لا يستأنس ولا ينشرح صدره إلا بالكذب ، يكذب دائما ، إن حدثك بحديث وإذا هو كاذب ، إن جلس بمجلس جعل يفتعل الأفاعيل ليضحك بها الناس ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له ) مرتين ، ويل له : ثلاث مرات ، ( ويل لمن حدث فكذب ليضحك به الناس ويل له ثم ويل له ) ، هذا ما كان الرسول يأمر به ويأتي إن شاء الله بقية الحديث .
القارئ : قال المؤلف -رحمه الله- فيما نقله : " عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل : ( قال هرقل : فماذا يأمركم ؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو سفيان قلت : يقول اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ) ، متفق عليه " .
1 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل قال هرقل فماذا يأمركم يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان قلت يقول اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ... " . أستمع حفظ
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل ... والعفاف والصلة ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله مِن حديث أبي سفيان صخر بن حرب في قصة اجتماعه بهرقل ملك الروم ، عظيم الروم أنه : ( سأله ماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم به ؟ فقال : إنه يأمرنا بعبادة الله وحده لا شريك له ، وأن نترك ما يقول آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ) : وسبق الكلام على الجمل الثلاث الأولى ، أما العفاف فهي العفة ، والعفة نوعان : عفة عن شهوة الفرج ، وعفة عن شهوة البطن ، أما العفة الأولى فهي : أن يبتعد الإنسان عما حرم الله عليه من الزنا ووسائله وذرائعه ، لأن الله عز وجل يقول : (( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً )) ، وأوجب على الزاني أن يُجلد مئة جلدة ويطرد عن البلد سنة كاملة إن كان لم يتزوج من قبل ، أما إذا كان قد تزوج وجامع زوجته وزنى بعد ذلك ، فإنه يرجم رجما بالحجارة حتى يموت ، كل هذا ردعا للناس عن أن يقعوا في هذه الفاحشة ، لأنها تفسد الأخلاق والأديان والأنساب وتوجب أمراضا عظيمة ظهرت آثارها في هذا الزمن لما كثرت فاحشة الزنا والعياذ بالله .
هذا العفاف عن الزنا منع الله عز وجل كل ما يوصل إليه ويكون ذريعة له ، فمنع المرأة أن تخرج متبرجة فقال : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) : فأفضل مكان للمرأة أن تبقى في بيتها ، وألا تخرج إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك ، فلتخرج كما أمرها النبي عليه الصلاة والسلام : تَفِلَة : أي غير متطيبة ولا متبرجة .
كذلك أمر باحتجاب المرأة ، إذا خرجت أن تحتجب عن كل رجل ليس من محارمها ، والحجاب الشرعي هو أن تغطي المرأة جميع ما يكون النظر إليه ذريعة إلى الفاحشة ، وأهمه الوجه ، فإن الوجه يجب حجبه عن الرجال الأجانب أكثر مما يجب حجب الرأس ، وحجب الذراع ، وحجب القدم ، ولا عبرة بقول من يقول : إنه يجوز كشف الوجه ، لأن قوله هذا فيه شيء من التناقض كيف يجوز أن تكشف المرأة وجهها ويجب عليها عند هذا الرجل أو عند هذا القائل أن تستر قدميها ، أيما أعظم فتنة وأيما أقرب إلى الزنا : أن تكشف المرأة وجهها أو أن تكشف قدميها ؟! كل إنسان عاقل يفهم ما يقول ، يقول : إن أقرب إلى الزنا والفتنة أن تكشف عن وجهها .
ومن ذلك أيضا ألا تخرج المرأة متطيبة ، فإن خرجت متطيبة فقد أتت بوسيلة الفتنة منها وبها ، يفتتن الناس بها وهي أيضا تفتتن حيث تمشي في الأسواق وهي متطيبة نسأل الله العافية ، ولا يجوز لأحد أن يمكن أهله من ذلك أبدا ، وعليه أن يتفقدهم سواء كانت زوجة أو البنت أو الأخت أو الأم أو غير ذلك ، لا يجوز لأحد أن يمكن أهله من الخروج على غير الوجه الشرعي .
أما النوع الثاني من العفاف : فهو العفاف عن شهوة البطن أي : عما في أيدي الناس ، كما قال الله تعالى : (( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ )) : يعني من التعفف عن سؤال الناس ، بحيث لا يسألُ الإنسان أحدا شيئا ، لأن السؤال مذلة ، والسائل يده دنيا سفلى ، والمعطي يده عليا ، فلا يجوز أن تسأل أحدا إلا ما لابد منه ، كما لو كان الإنسان مضطرا أو محتاجا حاجة شبه ضرورة فحينئذ لا بأس أن يسأل ، أما بدون حاجة ملحة أو ضرورة فإن السؤال محرم ، وقد وردت أحاديث في التحذير منه حتى أخبر النبي عليه الصلاة والسلام : ( أن الرجل يأتي يوم القيامة وما في وجهه مُزعة لحم ) ، والعياذ بالله قد ظهر منه العظم أمام الناس في هذا المقام العظيم المشهود .
ثم : ( إن الصحابة رضي الله عنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يسألوا الناس شيئا ) : حتى كان سوط أحدهم من على راحلته ولا يقول لأحد : ناولني السوط بل ينزل ويأخذه السوط ، والإنسان الذي أكرمه الله تعالى بالغنى والتعفف لا يعرف قدر السؤال إلا إذا ذلَّ أمام المخلوق ، كيف تمد يدك على مخلوق أعطني وأنت مثله : ( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ) .
أما الرابع : فقال : ( والصلة ) بل هو الخامس : الصلة ، الصلة أن تصل ما أمر الله به أن يوصل من الأقارب الأدنى فالأدنى ، وأعلاهم الوالدان ، فإن صلة الوالدين بر ، بر وصلة ، والأقارب لهم من الصلة بقدر ما عندهم من القرب ، الأقارب لهم من الصلة بقدر ما عندهم من القرب ، فأخوك أوكد صلة من عمك ، وعمك أشد صلة من عم أبيك ، وعلى هذا فقس ، الأدنى فالأدنى ، والصلة جاءت في القرآن والسنة غير مقيدة ، وكل ما جاء في القرآن والسنة غير مقيد فإنه يحمل على العرف ، فما جرى العُرف بأنه صلة فهو صلة ، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والأماكن ، مثلا : إذا كان قريبك مستغنيا عنك ، وصحيح البدن ، وتسمع عنه أنه لا يحتاج لشيء ، فهذا صلته لو تمددت يعني لو مثلا : وصلته بعد الشهر أو الشهر والنصف أو ما أشبه ذلك فإن هذه صلة في عرفنا ، وذلك لأن الناس والحمد لله قد استغنى بعضهم عن بعض وكل واحد منهم لا يشرح على الآخر ، لكن لو كان هذا الرجل قريبا جدا كأب وأم وأخ وعم فإنه يحتاج إلى صلة أكثر ، وكذلك لو كان فقيرا فإنه يحتاج إلى صلة أكثر ، وكذلك لو مرض فإنه يحتاج إلى صلة أكثر ، وهكذا .
المهم أن الصلة لما جاءت في القرآن والسنة غير مقيدة فإنه يتبع في ذلك العُرف ، ويختلف هذا باختلاف الأمور التي ذكرنا : القرب ، وحال الشخص ، والزمان ، والمكان ، فما جرت العادة بأنه صلة فهو صلة ، وما جرت العادة بأنه قطيعة فهو قطعية ، وقد وردت النصوص الكثيرة في فضل صلة الرحم والتحذير من قطيعتها ، والله الموفق .
2 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل ... والعفاف والصلة ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي ثابت وقيل أبي سعيد وقيل أبي الوليد سهل بن حنيف وهو بدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) . رواه مسلم
3 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي ثابت وقيل أبي سعيد وقيل أبي الوليد سهل بن حنيف وهو بدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) . رواه مسلم أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي ثابت وقيل أبي سعيد وقيل أبي الوليد سهل بن حنيف وهو بدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم .
قال المؤلف -رحمه الله- فيما نقله عن سهل بن حُريث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من سألَ اللهَ الشهادة بصدق أنزل الله تعالى منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) : هذا الحديث ذكره المؤلف -رحمه الله- في باب الصدق ، والشاهد منه قوله : ( من سأل الله الشهادة بصدق ) : والشهادة مرتبة عالية بعد الصديقية ، كما قال الله تعالى : (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ )) ، وهي أنواع كثيرة منها : الشهادة بأحكام الله عز وجل على عباد الله ، وهذه شهادة العلماء ، التي قال الله فيها : (( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ )) .
وقد ذهب كثير من العلماء في تفسير قوله تعالى : (( والشهداء )) : إلى أنهم العلماء ، ولا شك أن العلماء شهداء ، شهداء على أي شيء ؟ يشهدون بأن الله تعالى أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، ويشهدون على الأمة بأنها بُلغت شريعةَ الله ، ويشهدون أيضا في أحكام الله هذا حلال وهذا حرام ، هذا واجب وهذا مستحب ، هذا مكروه ، ولا يعرف هذا إلا أهل العلم ، لذلك كانوا شهداء .
ومن الشهداء أيضا من يصاب بالطعن ، والبطن ، المطعون والمبطون والحريق والغريق وما أشبههم .
ومن الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله .
ومن الشهداء الذين يقتلون دون أموالهم ودون أنفسهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سُئل ، سأله رجل قال : ( أرأيت يا رسول الله إن جاءني رجل يطلب مالي ) يعني : عَنوة قال : ( لا تعطه . قال : أرأيت إن قاتلني . قال : قاتله . قال : أرأيت إن قتلته . قال : هو في النار ) : لأنه معتد ظالم قال : ( أرأيت إن قتلني ؟ قال : إن قتلك فأنت شهيد ) . وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من قتل دون ماله من قتل دون أهله فهو شهيد ) .
ومن الشهداء أيضا من قتلوا ظلما يعتدي عليه الإنسان فيقتله غِيلة ظلما ، فهذا أيضا شهيد ، ولكن أعلى الشهداء هم الذين يقتلون في سبيل الله كما قال الله تعالى : (( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ )) ، ولكن مَن هؤلاء ؟ هم الذين قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ، ما قاتلوا لحظوظ أنفسهم ، ما قاتلوا لأموالهم ، وإنما قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا كما قال ذلك النبي عليه الصلاة والسلام : ( حين سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) : هذا الميزان ، ميزان عدل لا يخيس ، ميزان وضعه النبي صلي الله عليه وسلم يزن به الإنسان عمله ، إذا كان قتالك لتكون كلمة الله هي العليا فأنت في سبيل الله ، إن قتلت فأنت شهيد ، وإن غنمت فأنت سعيد ، كما قال الله تعالى : (( قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ )) : إما الشهادة وإما الظفر والنصر ، (( وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا )) يعني : إما أن الله يعذبكم ويقينا شركم ، كما فعل الله تعالى في الأحزاب الذين تجمعوا على المدينة يريدون قتال الرسول عليه الصلاة والسلام فأرسل الله عليهم ريحا وجنودا وألقى في قلوبهم الرعب ، أو بأيدينا : كما حصل في بدر ، فإن الله تعالى عذب المشركين بأيدي الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه ، هذا الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا هو الشهيد ، فإذا سأل الإنسان ربه قال : اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك ، ولا تكون الشهادة إلا بالقتال لتكون كلمة الله هي العليا ، فإن الله تعالى إذا علم منه صدق القول والنية أنزله منازل الشهداء وإن مات على فراشه .
بقي علينا الذي يقاتل دفاعا عن بلده هل هو في سبيل الله أو لا ؟ نقول : إذا كنت تقاتل عن بلدك لأنها بلد إسلامي فتريد أن تحميها من أجل أنها بلد إسلامي فهذا في سبيل الله ، لأنك قاتلت لتكون كلمة الله هي العليا ، أما إذا قاتلت من أجل أنها وطن فقط فهذا ليس في سبيل الله ، لأن الميزان الذي وضعه النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطبق عليه : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ) وما سوى ذلك فليس في سبيل الله ، ولهذا يجب أن يصحح الإنسان نيته في القتال للدفاع عن بلده ، بأن ينوي بذلك أنه يقاتل عن هذا البلد لأنه بلد إسلامي فيريد أن يحفظ الإسلام الذي فيه ، وبهذا يكون إذا قتل شهيدا له أجر الشهداء ، وإذا غَنِم صار سعيدا ربح إما الدنيا وإما الآخرة ، والله الموفق .
4 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي ثابت وقيل أبي سعيد وقيل أبي الوليد سهل بن حنيف وهو بدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( غزا نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما بين بها ولا أحد بنى بيوتاً لم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها فلم تطعمها فقال إن فيكم غلولاً فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك فلزمت يد رجلين أو ثلاثة يده فقال فيكم الغلول فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعها فجاءت النار فأكلتها فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم لما رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا ) . متفق عليه ... " .
5 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( غزا نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما بين بها ولا أحد بنى بيوتاً لم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها فلم تطعمها فقال إن فيكم غلولاً فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك فلزمت يد رجلين أو ثلاثة يده فقال فيكم الغلول فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعها فجاءت النار فأكلتها فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم لما رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا ) . متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( غزا نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما بين بها ولا أحد بنى بيوتاً لم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها فلم تطعمها فقال إن فيكم غلولاً فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك فلزمت يد رجلين أو ثلاثة يده فقال فيكم الغلول فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعها فجاءت النار فأكلتها فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم لما رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا ) . متفق عليه ... " .
هذا الحديث الذي نقله المؤلف -رحمه الله- فيه آيات عظيمة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حدث عن نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه غزا ، غزا قوما أُمر بجهادهم ، لكنه عليه الصلاة والسلام منع كل إنسان عقد امرأة ولم يدخل بها ، وكل إنسان بنى بيتا ولم يرفع سقفه ، وكل إنسان اشترى خَلفا أو غنما وهو ينتظر أولادها ، وذلك لأن هؤلاء يكونون مشغولين بما أهمهم ، فالرجل المتزوج مشغول بزوجته التي لم يدخل بها ، فهو في شوق إليها ، وكذلك الرجل الذي رفع بيتا ولم يرفع سقفه هو أيضا مشتغل بهذا البيت الذي يريد أن يسكنه هو وأهله ، وكذلك صاحب الخلِفَات والغنم مشغول بها ينتظر أولادها ، والجهاد ينبغي أن يكون فيه الإنسان متفرغا ليس له هم إلا الجهاد ، ولهذا قال الله تعالى : (( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ )) : يعني إذا فرغت من شؤون الدنيا بحيث لا تنشغل بها فانصب للعبادة ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان ) : فدل هذا على أنه ينبغي للإنسان إذا أراد الطاعة أن يفرغ قلبه وبدنه لها ، حتى يأتيها وهو مشتاق إليها ، وحتى يؤديها على مهل وطمأنينة وانشراح صدر .
ثم إنه غزا فنزل بالقوم بعد صلاة العصر ، قد أقبل الليل ، وخاف إن أظلم الليل ألا يكون هناك انتصار ، فجعل يخاطب الشمس يقول : ( أنت مأمورة وأنا مأمور ) : لكن أمر الشمس أمر كوني ، وأما أمره فأمر شرعي ، هو أُمر بالجهاد والشمس أمرت أن تسير حيث أمرها الله عز وجل ، قال الله تعالى : (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )) : منذ خلقها الله وهي سائرةٌ حيث أُمرت لا تتقدم ولا تتأخر ولا تنزل ولا ترتفع ، قال : ( أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم فاحبسها عنا ) : فحبس الله الشمس ، ولم تغب في وقتها ، حتى غزا هذا النبي وغنم غنائم كثيرة ، ولما غنم الغنائم وكانت الغنائم في الأمم السابقة لا تحل للغزاة ، حِل الغنائم من خصائص هذه الأمة ولله الحمد ، أما الأمم السابقة فكانوا يجمعون الغنائم فتنزل عليها نار من السماء فتحرقها ، فجمعت الغنائم فلم تنزل النار ، لم تأكلها ، فقال : ( فيكم الغُلول ) يقوله النبي ، ( ثم أمر من كل قبيلة أن يتقدم واحد يبايعه على أنه لا غلول ، فلما بايعوه على أنه لا غلول لزقت يد أحد منهم بيد النبي ، لزقت فلما لزقت قال : فيكم الغلول ) يعني القبيلة هذه .
( ثم أمر بأن يبايعه كل واحد على حدة من هذه القبيلة ، فلزقت أيدي واحد أو ثلاثة منهم بيد النبي فقال : فيكم الغلول فجاؤوا به ) ، والغُلول : هو السرقة من الغنيمة إخفاء شيء من الغنيمة هذا الغلول ، فإذا هم قد أخفوا مثل رأس الثور من الذهب ، فلما جيء به ووضع مع الغنائم أكلتها النار ، سبحان الله هذا من آيات الله عز وجل.
ففي هذا الحديث دليل على فوائد عديدة منها :
أولا : أن الجهاد مشروع في الأمم السابقة كما هو مشروع في هذه الأمة ، وقد دل على هذا كتاب الله في قوله تعالى : (( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا )) ، وكذلك قصة طالوت وجالوت وداود عليه الصلاة والسلام في سورة البقرة .
وفيها أيضا : في هذا الحديث من الفوائد : دليل على عظمة الله عز وجل وأنه مدبر الكون ، وأنه سبحانه وتعالى يُجري الأمور على غير طبائعها ، على غير طبائعها إما لتأييد الرسول ، وإما لدفع شر عنه ، وإلا لمصلحة في الإسلام .المهم أن آيات الأنبياء فيها تأييد لهم بأي وجه كان ، وذلك أن الشمس حسب طبيعتها التي خلقها الله عليها تجري دائما ولا تقف ولا تتقدم ولا تتأخر إلا بأمر الله ، لكن الله هنا أمرها أن تنحبس فطال وقت ما بين صلاة العصر إلى الغروب حتى فتح الله على يد النبي ، وفي هذا رد على أهل الطبيعة الذين يقولون : إن الأفلاك لا تتغير ، سبحان الله كيف الأفلاك لا تتغير ؟ من الذي خلق الأفلاك ؟! الله عز وجل ، فالذي خلقها قادر على تغييرها ، ولكن هم يرون أن هذه الأفلاك تجري بمقتضى الطبيعة ولا أحد يتصرف فيها والعياذ بالله لأنهم ينكرون الخالق ، ما في خالق عندهم ، وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الأفلاك تتغير بأمر الله ، فهذا النبي دعا الله ووقفت الشمس .
6 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( غزا نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما بين بها ولا أحد بنى بيوتاً لم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها فلم تطعمها فقال إن فيكم غلولاً فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك فلزمت يد رجلين أو ثلاثة يده فقال فيكم الغلول فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعها فجاءت النار فأكلتها فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم لما رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا ) . متفق عليه ... " . أستمع حفظ
ذكر معجزة انشقاق القمر .
متابعة شرح حديث : ( ... غزا نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ... )
وفيه أيضا من آيات الله ، في هذا الحديث : أن الذين غلوا لزقت أيديهم بأيدي النبي وهذا خلاف العادة ، لكن الله على كل شيء قدير ، لأن العادة أن اليد إذا صافحت اليد عند المعاهدة تنطلق ، لكن الذي غلوا لم تنطلق أيديهم أمسكت بيد النبي لأن هذه علامة النبي لا يعلم الغيب .
وفيه أيضا دليل على أن الأنبياء لا يعلمون الغيب ، وهو واضح ، الأنبياء لا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه ، أما هم لا يعلمون الغيب ، وشواهد هذا كثيرة فيما جرى لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، حيث يخفى عليه أشياء كثيرة : (( قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ )) ، أما هو ما يعلم الغيب ، أصحابه يكونون معه يخفون عليه : ( كان معه ذات يوم أبو هريرة فانخنس وكان عليه جنابة على أبي هريرة ، خنس ليغتسل فقال له حينما رجع : أين كنت يا أبا هريرة ؟ ) ، إذًا الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب ولا أحد من الخلق يعلم الغيب : (( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً )) .
ثم في هذا الحديث أيضا دليل على قدرة الله عز وجل من جهة أن هذه النار لا يُدرى من أين جاءت ، تنزل من السماء ، لا هي من أشجار الأرض ولا من حطب الأرض ، من السماء يأمرها الله عز وجل فتنزل فتأكل هذه الغنيمة التي جمعت ، والله الموفق .
8 - متابعة شرح حديث : ( ... غزا نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ... ) أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي خالد حكيم بن حزام رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذباً وكتما محقت بركة بيعهما ) . متفق عليه .
9 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي خالد حكيم بن حزام رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذباً وكتما محقت بركة بيعهما ) . متفق عليه . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي خالد حكيم بن حزام رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذباً وكتما محقت بركة بيعهما ) . متفق عليه.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقل عن حكيم بن حزام رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعها وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما ) البيعان : يعني البائع والمشتري ، ولكنه أطلق عليهما اسم البيع من باب التغليب ، كما يقال : القمران للشمس والقمر ، ويقال : العمران لأبي بكر وعمر ، فالبيعان يعني البائع والمشتري ، ( بالخيار ) : يعني كل منهما يختار ما يريد ، ( ما لم يتفرقا ) يعني ما داما في مكان العقد لم يتفرقا ، فإنهما بالخيار ، مثاله : رجل باع على آخر سيارة بعشرة آلاف فما داما في مكان العقد لم يتفرقا فهما بالخيار إن شاء البائع فسخ البيع وإن شاء المشتري فسخ البيع .
وذلك من نعمة الله سبحانه وتعالى وتوسيعه على العباد ، لأن الإنسان إذا كانت السلعة عند غيره صارت غالية في نفسه ، يحب أن يحصل عليها بكل وسيلة ، فإذا حصلت له ربما تزل رغبته عنها ، لأنه أدركها ، فجعل الشارع له الخيار لأجل أن يتروى ويتزود بالتأني والنظر ، فما دام الرجلان البائع المشتري لم يتفرقا فهما بالخيار لو بقيا عشر ساعات ، لو باع عليه السلعة في أول النهار ، وبقيا مصطحبين إلى الظهر فهما بالخيار ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما لم يتفرقا ) ، في حديث ابن عمر : ( أو يخير أحدهما الآخر ) يعني : أو يقول أحدهما للثاني : الخيار لك وحدك ، فحينئذ يكون الخيار له وحده والثاني لا خيار له .
أو يقولا جميعا يتبايعا على ألا خيار ، فيقولان : ليس بيننا خيار ، فالصور الآن أربعة :
إما أن يثبت الخيار لهما وذلك عند البيع المطلق الذي ليس فيه شرط ، يكون الخيار لهما للبائع والمشتري ، كل منهما له الحق أن يفسخ العقد .
وإما أن يتبايعا على ألا خيار لواحد منهما ، وحينئذ يلزم البيع بمجرد العقد ، ولا خيار لأحد .
وإما أن يتبايعا على أن الخيار للبائع وحده دون المشتري ، فهنا يكون الخيار للبائع والمشتري لا خيار له .
وإما أن يتبايعا على أن الخيار للمشتري والبائع لا خيار له ، وحينئذ يكون الخيار للمشتري وليس للبائع خيار ، وذلك أن هذا الحق وهو الخيار للبائع والمشتري حق لهما ، فإذا رضي بإسقاطه أو رضي أحدهما دون الآخر فالحق لهما لا يعدوهما ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ) ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( ما لم يتفرقا ) : لم يبين التفرق ، ولكن المراد التفرق بالبدن ، يعني ما لم يفترقا أحدهما عن الآخر ، فإن تفرقا بطل الخيار ولزم البيع ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ) وهذا هو الشاهد للحديث للباب ، لأن الباب باب الصدق : ( إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ) إن صدقا في أي شيء وبينا أي شيء ، إن صدقا في ما يصفان السلعة به من الصفات المرغوبة ، وبينا فيما يصفان به السلعة من الصفات المرهوبة المكروهة ، فمثلا : لو باع عليه هذه السيارة وقال هذه السيارة جديدة ، موديل كذا ونظيفة وفيها كذا وكذا وكذا يمدحها بما ليس فيها ، نقول : هذا كذب ، كَذَب فيما قال ، وإذا باعه السيارة وفيها عيب ولم يخبره بالعيب نقول هذا كتم ، ولم يبين ، والبركة في الصدق والبيان ، والفرق بين الصدق والبيان أن الصدق فيما يكون مرغوبا من الصفات ، والبيان فيما يكون مكروها من الصفات .
فكتمان العيب هذا ضد البيان ، وصف السلعة بما ليس فيها هذا ضد إيش ؟ ضد الصدق ، كذلك مثلا يبيع عليه شاة ، يقول : هذه الشاة لبنها كثير ، فيها كذا وكذا من اللبن وهو يكذب ، هذا ضد الصدق لأنه وصف السلعة بصفات مطلوبة مرغوبة . باع عليه شاة وفيها مرض ، مرضا غير بيّن ، لكنه كتمه ، نقول : هذا لم يبين فالبيان إذًا للصفات المكروهة والصدق في الصفات المطلوبة ، إذا وصفها بما ليس فيها من الصفات المطلوبة فهذا قد كذب ولم يصدق . إذا كتم ما فيها من الصفات المكروهة فهذا كتم ولم يبين.
ومن ذلك ما يفعله بعض الناس الآن نسأل الله العافية يجعل الطَّيب من المال فوق والردي أسفل ، هذا لم يبين ، بل نقول : لم يبين ولم يصدق أيضا ، لم يبين لأنه ما بين التمر المعيب ، ولم يصدق لأنه أظهر التمر بمظهر طيب وليس كذلك .
ومن هذا ما يفعله بعض الذين يبيعون السيارات ، يبيعونها في المعارض والبائع ، يبيعونها في المعارض والبائع يعلم علم اليقين أن فيها عيبا لكن يكتمه ، ويقول للمشتري : اصبر بكل عيب فيها ، فيصبر المشتري ، لكن لو يعين له العيب يقول : ترى فيها العيب الفلاني ما اشتراها ، إنما يلبسون على الناس ويقول : أنا بعتها عليك ترى فيها كل عيب ترى ما بعت عليك إلا الكفرات ولا لمبات الإضاءة ، وهو يكذب ، يدري أن فيها عيب لكن لا يعلمه ، هذا حرام لا على الدلال الذي هو صاحب المعرض ، ولا على مالك السيارة ، يجب أن يبين يقول : فيها العيب الفلاني ترضى ولا ما ترضى ، أما إذا كان الإنسان لا يدري عنها مثل أن تكون سيارة اشتراها من قريب ولا يدري عن عيوبها ، فهذا لا بأس أن يبيعها ويشترط أنه بريء من كل عيب ، والله الموفق .