شرح رياض الصالحين-10b
فائدة : الوقت الحقيقي لدخول وقت الفجر يختلف عن الموجود في تقويم أم القرى .
الشيخ : وهنا أنبه فأقول : إن التقويمَ تقويم أم القرى فيه تقديم خمس دقائق في أذان الفجر على مدار السنة ، تقديم خمس دقائق ، يعني الذي يصلي من يوم يؤذن يعتبر صلى قبل الوقت ، وهذا شيء اختبرناه ، اختبرناه في الحساب الفلكي ، واختبرناه أيضا في الرؤية ، فلذلك لا يعتمد هذا بالنسبة لأذان الفجر ، لأنه مقدم ، ومسألته خطرة جدا ، لو تكبر للإحرام فقط قبل أن يدخل الوقت ما صحت صلاتك ، ما صارت فريضة ، فهو من طلوع الفجر وهو البياض المعترض ، وقد حدثني أناس كثيرون ممن يعيشون في البر وليس حولهم أنوار أنهم لا يشاهدون الفجر إلا بعد هذا التقويم بنحو ثلث ساعة ، ثلث ساعة عشرين دقيقة ، أو ربع ساعة أحيانا ، لكن التقاويم الأخرى الفلكية التي بالحساب بينها وبين هذا التقويم خمس دقائق .
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتقيم الصلاة ... " . وفيه ذكر أوقات الصلاة الشرعية .
الشيخ : على كل حال ، الفجر من طلوع الفجر الثاني وهو البياض المعترض إلى طلوع الشمس .
الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ، لكن بعد أن تخصم ظل الزوال ، لأن الشمس خصوصا في أيام الشتاء يكون لها ظل نحو الشمال ، هذا ليس بعبرة ، العبرة أنك تنظر إلى الظل ما دام ينقص فالشمس لم تَزُل ، فإذا بدأ يزيد أدنى زيادة فإن الشمس قد زالت ، اجعل علامة على ابتداء زيادة الظل ، فإذا صار ظل الشيء كطوله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر .
وقت العصر إلى أن تصفر الشمس والضرورة إلى غروبها .
وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ، وهو يختلف أحيانا يكون بين الغروب وبين مغيب الشفق ساعة وربع ، وأحيانا يكون ساعة واثنين وثلاثين دقيقة ، يعني ساعة وربع يعني ساعة وخمسة عشر دقيقة ، أحيانا ساعة واثنين وثلاثين دقيقة ، ولذلك وقت العشاء عند الناس الآن لا بأس به وحدة ونص ما يضر ، لو تأخر عن دخول الوقت ما يهم .
وقت العشاء من خروج وقت المغرب إلى منتصف الليل ، إلى منتصف الليل بمعنى أنك تقدر ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ثم تنصفه ، فالنصف هو منتهى صلاة العشاء .
ويترتب على هذا فائدة عظيمة : لو طَهرت المرأة في الثلث الأخير من الليل ، لو طهرت من الحيض في الثلث الأخير من الليل فليس عليها صلاة عشاء ولا مغرب ، لماذا ؟ لأنها طهرت بعد الوقت ، وقد ثبت في * صحيح مسلم * من حديث عبد لله بن عمرو بن العاص أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( وقت العشاء إلى نصف الليل ) ، وليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يدل على أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر أبدا ، ما في حديث ، ولهذا كان القول الراجح : أنه إلى نصف الليل ، والآية الكريمة تدل على هذا لأنه فصل الفجر عن الأوقات الأربعة : (( أقم الصلاة لدلوك الشمس )) دلوكها يعني : زوالها ، (( إلى غسق الليل )) : جمع الله الأوقات الأربعة جمعا واحدا لماذا ؟ لأنه ليس بينها فاصل ، من يوم يخرج وقت الظهر يدخل العصر من يوم يخرج وقت العصر يدخل المغرب ، من يوم يخرج المغرب يدخل العشاء ، أما الفجر فقال : (( وقرآن الفجر )) : فالفجر لا تتصل بصلاة قبلها ولا بصلاة بعدها ، لأن بينها وبين الظهر نصف النهار الأول ، وبينها وبين صلاة العشاء نصف الليل الآخر ، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا .
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث عمر : " ( قال جبريل : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) " .
الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ، لكن بعد أن تخصم ظل الزوال ، لأن الشمس خصوصا في أيام الشتاء يكون لها ظل نحو الشمال ، هذا ليس بعبرة ، العبرة أنك تنظر إلى الظل ما دام ينقص فالشمس لم تَزُل ، فإذا بدأ يزيد أدنى زيادة فإن الشمس قد زالت ، اجعل علامة على ابتداء زيادة الظل ، فإذا صار ظل الشيء كطوله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر .
وقت العصر إلى أن تصفر الشمس والضرورة إلى غروبها .
وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ، وهو يختلف أحيانا يكون بين الغروب وبين مغيب الشفق ساعة وربع ، وأحيانا يكون ساعة واثنين وثلاثين دقيقة ، يعني ساعة وربع يعني ساعة وخمسة عشر دقيقة ، أحيانا ساعة واثنين وثلاثين دقيقة ، ولذلك وقت العشاء عند الناس الآن لا بأس به وحدة ونص ما يضر ، لو تأخر عن دخول الوقت ما يهم .
وقت العشاء من خروج وقت المغرب إلى منتصف الليل ، إلى منتصف الليل بمعنى أنك تقدر ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ثم تنصفه ، فالنصف هو منتهى صلاة العشاء .
ويترتب على هذا فائدة عظيمة : لو طَهرت المرأة في الثلث الأخير من الليل ، لو طهرت من الحيض في الثلث الأخير من الليل فليس عليها صلاة عشاء ولا مغرب ، لماذا ؟ لأنها طهرت بعد الوقت ، وقد ثبت في * صحيح مسلم * من حديث عبد لله بن عمرو بن العاص أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( وقت العشاء إلى نصف الليل ) ، وليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يدل على أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر أبدا ، ما في حديث ، ولهذا كان القول الراجح : أنه إلى نصف الليل ، والآية الكريمة تدل على هذا لأنه فصل الفجر عن الأوقات الأربعة : (( أقم الصلاة لدلوك الشمس )) دلوكها يعني : زوالها ، (( إلى غسق الليل )) : جمع الله الأوقات الأربعة جمعا واحدا لماذا ؟ لأنه ليس بينها فاصل ، من يوم يخرج وقت الظهر يدخل العصر من يوم يخرج وقت العصر يدخل المغرب ، من يوم يخرج المغرب يدخل العشاء ، أما الفجر فقال : (( وقرآن الفجر )) : فالفجر لا تتصل بصلاة قبلها ولا بصلاة بعدها ، لأن بينها وبين الظهر نصف النهار الأول ، وبينها وبين صلاة العشاء نصف الليل الآخر ، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا .
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث عمر : " ( قال جبريل : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) " .
2 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتقيم الصلاة ... " . وفيه ذكر أوقات الصلاة الشرعية . أستمع حفظ
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتقيم الصلاة ... " . وفيه ذكر شروط الصلاة من الوقت والطهارة و قضاء الحاجة .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما ساقه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان ، فذكر أن الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وسبق لنا الكلام على الجملة الأولى الركن الأول : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وعلى شيء من أحكام الركن الثاني : إقام الصلاة ، وذكرنا أن أهم شروط الصلاة الوقت وبينا ذلك فيما سبق ، وليعلم أن الصلاة قبل دخول الوقت لا تُقبل ، حتى لو كبر تكبيرة الإحرام ثم دخل الوقت بعد التكبيرة مباشرة ، فإنها لا تقبل على أنها فريضة ، لأن الشيء الموقت بوقت لا يصح قبل وقته ، كما لو أراد الإنسان أن يصوم قبل رمضان ولو بيوم واحد ، فإنه لا يجزئه عن رمضان ، كذلك لو صلى ، لو كبر تكبيرة الإحرام قبل دخول الوقت فإن الصلاة لا تقبل منه على أنها فريضة ، لكن إن كان جاهلا لا يدري صارت نافلة ، ووجب عليه إعادتها فريضة ، أما إذا صلاها بعد الوقت ، إذا صلاها بعد الوقت فلا يخلو من حالين : إما أن يكون معذورا بجهل أو نسيان أو نوم ، فهذا تقبل منه ، الجهل مثل ألا يعرف أن الوقت قد دخل وقد خرج ، فهذا لا شيء عليه ، متى علم فإنه يصلي الصلاة وتقبل منه ، لأنه معذور ، والنسيان مثل أن يكون الإنسان اشتغل بشغل عظيم أشغله وألهاه حتى خرج الوقت ، فإن هذا يصليها ولو بعد خروج الوقت ، والنوم كذلك ، لو أن شخصا نام على أنه سيقوم عند الأذان ولكن صار نومه ثقيلا فلم يسمع الأذان ولم يسمع المنبه الذي وضعه عند رأسه حتى خرج الوقت ، فإنه يصلي إذا استيقظ ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( مَن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) .
أما الحال الثانية : فهي أن يؤخر الصلاة عن وقتها عمدا بدون عذر ، فاتفق العلماء على أنه آثم وعاص لله ورسوله ، وقال بعض العلماء : إنه يكفر بذلك كفرا مخرجا عن الملة ، نسأل الله العافية ، فالعلماء متفقون على أنه إذا أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر فإنه آثم عاص ، لكن منهم من قال : إنه يكفر ، ولكن الجمهور وهو الصحيح أنه لا يكفر ، ولكن اختلفوا فيما لو صلاها في هذه الحال ، يعني بعد أن أخرجها عن وقتها عمدا بلا عذر ثم صلى ، فمنهم من قال : إنها تقبل صلاته ، لأنه عاد إلى رشده وصوابه ، ولأنه إذا كان الناسي تقبل منه الصلاة بعد الوقت فالمتعمد كذلك ، ولكن القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة أنها لا تقبل منه إذا أخرها عن وقتها عمدا ، فإنها لا تقبل منه ولو صلى ألف مرة ، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) : يعني مردود غير مقبول عند الله ، وإذا كان مردودا فلن يُقبل ، وهذا الذي أخر الصلاة عمدا عن وقتها إذا صلاها فقد صلاها على غير أمر الله ورسوله فلا تقبل منه .
وأما المعذور فهو معذور ولهذا رخص بل أمره الشارع أن يصليها إذا زال عذره ، أما ما ليس بمعذور فإنه لو بقي يصلي كل دهره فإنها لا تقبل منه هذه الصلاة التي أخرجها عن وقتها بلا عذر ، ولكن عليه أن يتوب إلى الله ، ويستقيم ويكثر من العمل الصالح والاستغفار ، ومن تاب تاب الله عليه .
ومن إقام الصلاة : الطهارة ، فإنها لا تقبل صلاة بغير طهور ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) ، فلابد أن يقوم الإنسان بالطهارة على الوجه الذي أُمر به ، فإن أحدث حدثا أصغر مثل البول والغائط والريح والنوم وأكل لحم الإبل فإنه يتوضأ ، وفروض الوضوء : غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس ، وغسل الرجلين إلى الكعبين كما أمر الله بذلك في قوله : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) .
ومِن الرأس الأذنان ، ومن الوجه المضمضمة والاستنشاق في الفم والأنف ، فلابد في الوضوء من غسل هذه الأعضاء ، من تطهير هذه الأعضاء الأربعة غسل في ثلاثة ، ومسح في واحد .
وأما الاستنجاء أو الاستجمار فهو إزالة نجاسة ، لا علاقة له بالوضوء ، فلو أن الإنسان بال أو تغوط واستنجى ، ثم ذهب لشغله ثم دخل الوقت فإنه يتوضأ ، يعني يغسل الأعضاء الأربعة ، يطهر الأعضاء الأربعة ، ولا حاجة إلى أن يستنجي ، لأن الاستنجاء كما قلت لكم إزالة نجاسة ، متى أُزيلت فإنه لا يعاد الغسل مرة ثانية إلا إذا رجعت مرة ثانية ، والصحيح أنه لو نسي أن يستجمر استجمارا شرعيا ، ثم توضأ فإن وضوءه صحيح ، لأنه كما قلت ليس هناك علاقة بين الاستنجاء وبين الوضوء ، أما إذا كان محدثا حدثا أكبر يعني جنابة فعليه أن يغتسل يعم يعم جميع بدنه بالماء لقوله تعالى : (( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )) ، ومن ذلك : المضمضمة والاستنشاق ، لأن المضمضمة والاستنشاق داخلان في الوجه فيجب تطهير الأنف والفم كما يجب تطهير الجبهة والخد واللحية .
والغُسل الواجب الذي يكفي أن تعم جميع بدنك بالماء ، سواء بدأت بالرأس أو بالصدر أو بالظهر أو بأسفل البدن أو انغمست في بركة وخرجت منها بنية الغسل .
والوضوء في الغسل سنة وليس بواجب ، ويُسن قبل أن يغتسل ، يُسن أن يتوضأ قبل أن يغتسل وإذا اغتسل فلا حاجة للوضوء مرة ثانية ، لأنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه توضأ بعد اغتساله ، فإذا لم يجد الماء أو كان مريضا يخشى مِن استعمال الماء ، أو كان برد شديد وليس عنده ما يسخن به الماء فإنه يتيمم لقوله تعالى : (( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )) ، فبين الله حال السفر والمرض أنه يتيمم فيهما ، إذا لم يجد الماء في السفر ، أما البرد خوف البرد فدليله قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية ، فأجنب فتيمم وصلى بأصحابه إماما ، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : أصليت بأصحابك وأنت جنب ؟ قال : نعم يا رسول الله ، ذكرت قول الله تعالى : (( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً )) يعني : وخفت البرد ، فتيممت صعيدا طيبا فصليت ، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ) ، ولم يأمره بالإعادة ، لأن من خاف الضرر كمن فيه الضرر ، لكن بشرط أن يكون الخوف يعني غالبا أو قاطعا ، أما مجرد الوَهَم فهذا ليس بشيء ، والله الموفق .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث عمر : " ( قال جبريل : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما ساقه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان ، فذكر أن الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وسبق لنا الكلام على الجملة الأولى الركن الأول : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وعلى شيء من أحكام الركن الثاني : إقام الصلاة ، وذكرنا أن أهم شروط الصلاة الوقت وبينا ذلك فيما سبق ، وليعلم أن الصلاة قبل دخول الوقت لا تُقبل ، حتى لو كبر تكبيرة الإحرام ثم دخل الوقت بعد التكبيرة مباشرة ، فإنها لا تقبل على أنها فريضة ، لأن الشيء الموقت بوقت لا يصح قبل وقته ، كما لو أراد الإنسان أن يصوم قبل رمضان ولو بيوم واحد ، فإنه لا يجزئه عن رمضان ، كذلك لو صلى ، لو كبر تكبيرة الإحرام قبل دخول الوقت فإن الصلاة لا تقبل منه على أنها فريضة ، لكن إن كان جاهلا لا يدري صارت نافلة ، ووجب عليه إعادتها فريضة ، أما إذا صلاها بعد الوقت ، إذا صلاها بعد الوقت فلا يخلو من حالين : إما أن يكون معذورا بجهل أو نسيان أو نوم ، فهذا تقبل منه ، الجهل مثل ألا يعرف أن الوقت قد دخل وقد خرج ، فهذا لا شيء عليه ، متى علم فإنه يصلي الصلاة وتقبل منه ، لأنه معذور ، والنسيان مثل أن يكون الإنسان اشتغل بشغل عظيم أشغله وألهاه حتى خرج الوقت ، فإن هذا يصليها ولو بعد خروج الوقت ، والنوم كذلك ، لو أن شخصا نام على أنه سيقوم عند الأذان ولكن صار نومه ثقيلا فلم يسمع الأذان ولم يسمع المنبه الذي وضعه عند رأسه حتى خرج الوقت ، فإنه يصلي إذا استيقظ ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( مَن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) .
أما الحال الثانية : فهي أن يؤخر الصلاة عن وقتها عمدا بدون عذر ، فاتفق العلماء على أنه آثم وعاص لله ورسوله ، وقال بعض العلماء : إنه يكفر بذلك كفرا مخرجا عن الملة ، نسأل الله العافية ، فالعلماء متفقون على أنه إذا أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر فإنه آثم عاص ، لكن منهم من قال : إنه يكفر ، ولكن الجمهور وهو الصحيح أنه لا يكفر ، ولكن اختلفوا فيما لو صلاها في هذه الحال ، يعني بعد أن أخرجها عن وقتها عمدا بلا عذر ثم صلى ، فمنهم من قال : إنها تقبل صلاته ، لأنه عاد إلى رشده وصوابه ، ولأنه إذا كان الناسي تقبل منه الصلاة بعد الوقت فالمتعمد كذلك ، ولكن القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة أنها لا تقبل منه إذا أخرها عن وقتها عمدا ، فإنها لا تقبل منه ولو صلى ألف مرة ، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) : يعني مردود غير مقبول عند الله ، وإذا كان مردودا فلن يُقبل ، وهذا الذي أخر الصلاة عمدا عن وقتها إذا صلاها فقد صلاها على غير أمر الله ورسوله فلا تقبل منه .
وأما المعذور فهو معذور ولهذا رخص بل أمره الشارع أن يصليها إذا زال عذره ، أما ما ليس بمعذور فإنه لو بقي يصلي كل دهره فإنها لا تقبل منه هذه الصلاة التي أخرجها عن وقتها بلا عذر ، ولكن عليه أن يتوب إلى الله ، ويستقيم ويكثر من العمل الصالح والاستغفار ، ومن تاب تاب الله عليه .
ومن إقام الصلاة : الطهارة ، فإنها لا تقبل صلاة بغير طهور ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) ، فلابد أن يقوم الإنسان بالطهارة على الوجه الذي أُمر به ، فإن أحدث حدثا أصغر مثل البول والغائط والريح والنوم وأكل لحم الإبل فإنه يتوضأ ، وفروض الوضوء : غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس ، وغسل الرجلين إلى الكعبين كما أمر الله بذلك في قوله : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) .
ومِن الرأس الأذنان ، ومن الوجه المضمضمة والاستنشاق في الفم والأنف ، فلابد في الوضوء من غسل هذه الأعضاء ، من تطهير هذه الأعضاء الأربعة غسل في ثلاثة ، ومسح في واحد .
وأما الاستنجاء أو الاستجمار فهو إزالة نجاسة ، لا علاقة له بالوضوء ، فلو أن الإنسان بال أو تغوط واستنجى ، ثم ذهب لشغله ثم دخل الوقت فإنه يتوضأ ، يعني يغسل الأعضاء الأربعة ، يطهر الأعضاء الأربعة ، ولا حاجة إلى أن يستنجي ، لأن الاستنجاء كما قلت لكم إزالة نجاسة ، متى أُزيلت فإنه لا يعاد الغسل مرة ثانية إلا إذا رجعت مرة ثانية ، والصحيح أنه لو نسي أن يستجمر استجمارا شرعيا ، ثم توضأ فإن وضوءه صحيح ، لأنه كما قلت ليس هناك علاقة بين الاستنجاء وبين الوضوء ، أما إذا كان محدثا حدثا أكبر يعني جنابة فعليه أن يغتسل يعم يعم جميع بدنه بالماء لقوله تعالى : (( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )) ، ومن ذلك : المضمضمة والاستنشاق ، لأن المضمضمة والاستنشاق داخلان في الوجه فيجب تطهير الأنف والفم كما يجب تطهير الجبهة والخد واللحية .
والغُسل الواجب الذي يكفي أن تعم جميع بدنك بالماء ، سواء بدأت بالرأس أو بالصدر أو بالظهر أو بأسفل البدن أو انغمست في بركة وخرجت منها بنية الغسل .
والوضوء في الغسل سنة وليس بواجب ، ويُسن قبل أن يغتسل ، يُسن أن يتوضأ قبل أن يغتسل وإذا اغتسل فلا حاجة للوضوء مرة ثانية ، لأنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه توضأ بعد اغتساله ، فإذا لم يجد الماء أو كان مريضا يخشى مِن استعمال الماء ، أو كان برد شديد وليس عنده ما يسخن به الماء فإنه يتيمم لقوله تعالى : (( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ )) ، فبين الله حال السفر والمرض أنه يتيمم فيهما ، إذا لم يجد الماء في السفر ، أما البرد خوف البرد فدليله قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية ، فأجنب فتيمم وصلى بأصحابه إماما ، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : أصليت بأصحابك وأنت جنب ؟ قال : نعم يا رسول الله ، ذكرت قول الله تعالى : (( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً )) يعني : وخفت البرد ، فتيممت صعيدا طيبا فصليت ، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ) ، ولم يأمره بالإعادة ، لأن من خاف الضرر كمن فيه الضرر ، لكن بشرط أن يكون الخوف يعني غالبا أو قاطعا ، أما مجرد الوَهَم فهذا ليس بشيء ، والله الموفق .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث عمر : " ( قال جبريل : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) " .
3 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتقيم الصلاة ... " . وفيه ذكر شروط الصلاة من الوقت والطهارة و قضاء الحاجة . أستمع حفظ
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتقيم الصلاة ... " . وفيه ذكر شروط الصلاة من الطهارة و قضاء الحاجة .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق لنا أن من أركان الإسلام إقامة الصلاة ، وسبق لنا الكلام على أن من أهم إقامتها المحافظة عليها في الوقت ، وكذلك الطهارة ، وبينا أن الطهارة تكون من الحدث الأصغر ومن الحدث الأكبر ، وتكون بالماء وهو الأصل ، وتكون بالتراب وهو بدل ، فيتطهر الإنسان بالتيمم إذا عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله ، وطهارة التيمم تقوم مقام طهارة الماء ، ولا تنتقض إلا بما تنتقض به طهارة الماء ، أو بزوال العذر المبيح للتيمم ، فمن تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده فإنه لابد أن يتطهر بالماء ، لأن الله تعالى إنما جعل التراب طهارة إذا عُدِم الماء .
وفي الحديث الذي أخرجه أهل السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الصعيد الطيب وَضوء المسلم أو قال : طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته ) ، وفي * صحيح البخاري * في حديث عمران بن حصين الطويل في قصة : ( الرجل الذي اعتزل فلم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله قال : ما منعك أن تصلي معنا ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، فقال : عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل ماء ، وقال : أفرغه على نفسك ) : يعني اغتسل به ، فدل هذا على أنه إذا وجد الماء بطل التيمم وهذا ولله الحمد قاعدة حتى عند العامة ، يقولون : " إذا حضر الماء بطل التيمم " ، أما إذا لم يحضر الماء ولم يزل العذر فإنه يقوم مقام طهارة الماء ، ولا يبطل بخروج الوقت ، فلو تيمم الإنسان وهو مسافر وليس عنده ماء ، لو تيمم لصلاة الظهر وبقي لم يحدث إلى العشاء فإنه لا يلزمه إعادة التيمم ، لأن التيمم لا يبطل بخروج الوقت ، فإنه طهارة شرعية كما قال الله تعالى في القرآن الكريم : (( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ْ)) : فبين الله أن طهارة التيمم طهارة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( جُعلت لي الأرض مسجدا وطَهورا ) : طَهورا بفتح الطاء أي : أنها تطهر ، ( فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ) ، وفي حديث آخر : ( فعنده مسجده وطَهوره ) يعني : فليتطهر وليصلي ، هذا من الأشياء المهمة في إقامة الصلاة ، المحافظة على الطهارة .
واعلم أن من المحافظة على الطهارة إزالة النجاسة من ثوبك وبدنك ومصلاك الذي تصلي عليه ، فلابد مِن الطهارة في هذه المواضع الثلاث : البدن والثوب والمصلى ، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء اللاتي يصلين في ثيابهن وهن حِضن بهذه الثياب : أن تُزيل المرأة الدم الذي أصابها من الحيض من ثوبها ، تحكه بظفرها ، ثم تقرصه بأنملتيها الإبهام والسبابة ، ثم تغسله .
( ولما صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعاله خلع نعليه ، فخلع الناس نعالهم ، فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم ؟ قالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قَذَرًا ) : فدل هذا على أنه لابد من اجتناب النجاسة في الملبوس .
أما المكان فإن دليل ذلك : ( أن أعرابيا جاء فبال في طائفة المسجد ) : أي في طرف منه ، مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه أعرابي بدوي والأعراب في الغالب عليهم الجهل ، فصاح به الناس ، زجروه ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته نهاهم : ( اتركوه فلما قضى ، بوله دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة والتسبيح وقراءة القرآن ) ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فقال الأعرابي : ( اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ) لأن الصحابة زجروه ، وأما النبي عليه الصلاة والسلام كلمه بلطف ، فظن أن الرحمة ضيقة لا تتسع للجميع ، قال : ( اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ) ، ويُذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له : ( لقد تحجَّرت واسعا يا أخا العرب ) ، ( لقد تحجَّرت واسعا يا أخا العرب ) ، ( وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على البول ذَنوبٌ من الماء ) يعني مثل الدلو لتطهر الأرض .
وأما طهارة البدن فقد ثبت في * الصحيحين * من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول ، أو لا يستنزه من البول ، أو لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) : بين الناس والعياذ بالله ، فدل هذا على أنه لا بد من التنزه من البول ، وهكذا بقية النجاسات ، ولكن لو فرض أن الإنسان في البر وتنجس ثوبه وليس معه ما يغسله به ، فهل يتيمم من أجل صلاته في هذا الثوب ؟ لا ، لا يتيمم ، وكذلك لو أصابت بدنه نجاسة رجله أو يده أو ساقه أو ذراعه ، أصابه نجاسة وهو في البر وليس عنده ماء يغسله وأراد أن يصلي فهل يتيمم ؟ لا ، لا يتيمم ، لأن التيمم إنما هو في طهارة الحدث فقط ، أما النجاسة فلا يتيمم لها لأن النجاسة عين قذرة ، تطهيرها بإزالتها إن أمكن فذاك ، وإن لم يمكن تبقى حتى يمكن إزالتها ، والله أعلم .
سبق لنا أن من أركان الإسلام إقامة الصلاة ، وسبق لنا الكلام على أن من أهم إقامتها المحافظة عليها في الوقت ، وكذلك الطهارة ، وبينا أن الطهارة تكون من الحدث الأصغر ومن الحدث الأكبر ، وتكون بالماء وهو الأصل ، وتكون بالتراب وهو بدل ، فيتطهر الإنسان بالتيمم إذا عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله ، وطهارة التيمم تقوم مقام طهارة الماء ، ولا تنتقض إلا بما تنتقض به طهارة الماء ، أو بزوال العذر المبيح للتيمم ، فمن تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده فإنه لابد أن يتطهر بالماء ، لأن الله تعالى إنما جعل التراب طهارة إذا عُدِم الماء .
وفي الحديث الذي أخرجه أهل السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الصعيد الطيب وَضوء المسلم أو قال : طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته ) ، وفي * صحيح البخاري * في حديث عمران بن حصين الطويل في قصة : ( الرجل الذي اعتزل فلم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله قال : ما منعك أن تصلي معنا ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، فقال : عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل ماء ، وقال : أفرغه على نفسك ) : يعني اغتسل به ، فدل هذا على أنه إذا وجد الماء بطل التيمم وهذا ولله الحمد قاعدة حتى عند العامة ، يقولون : " إذا حضر الماء بطل التيمم " ، أما إذا لم يحضر الماء ولم يزل العذر فإنه يقوم مقام طهارة الماء ، ولا يبطل بخروج الوقت ، فلو تيمم الإنسان وهو مسافر وليس عنده ماء ، لو تيمم لصلاة الظهر وبقي لم يحدث إلى العشاء فإنه لا يلزمه إعادة التيمم ، لأن التيمم لا يبطل بخروج الوقت ، فإنه طهارة شرعية كما قال الله تعالى في القرآن الكريم : (( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ْ)) : فبين الله أن طهارة التيمم طهارة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( جُعلت لي الأرض مسجدا وطَهورا ) : طَهورا بفتح الطاء أي : أنها تطهر ، ( فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ) ، وفي حديث آخر : ( فعنده مسجده وطَهوره ) يعني : فليتطهر وليصلي ، هذا من الأشياء المهمة في إقامة الصلاة ، المحافظة على الطهارة .
واعلم أن من المحافظة على الطهارة إزالة النجاسة من ثوبك وبدنك ومصلاك الذي تصلي عليه ، فلابد مِن الطهارة في هذه المواضع الثلاث : البدن والثوب والمصلى ، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء اللاتي يصلين في ثيابهن وهن حِضن بهذه الثياب : أن تُزيل المرأة الدم الذي أصابها من الحيض من ثوبها ، تحكه بظفرها ، ثم تقرصه بأنملتيها الإبهام والسبابة ، ثم تغسله .
( ولما صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعاله خلع نعليه ، فخلع الناس نعالهم ، فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم ؟ قالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قَذَرًا ) : فدل هذا على أنه لابد من اجتناب النجاسة في الملبوس .
أما المكان فإن دليل ذلك : ( أن أعرابيا جاء فبال في طائفة المسجد ) : أي في طرف منه ، مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه أعرابي بدوي والأعراب في الغالب عليهم الجهل ، فصاح به الناس ، زجروه ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته نهاهم : ( اتركوه فلما قضى ، بوله دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة والتسبيح وقراءة القرآن ) ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فقال الأعرابي : ( اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ) لأن الصحابة زجروه ، وأما النبي عليه الصلاة والسلام كلمه بلطف ، فظن أن الرحمة ضيقة لا تتسع للجميع ، قال : ( اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ) ، ويُذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له : ( لقد تحجَّرت واسعا يا أخا العرب ) ، ( لقد تحجَّرت واسعا يا أخا العرب ) ، ( وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على البول ذَنوبٌ من الماء ) يعني مثل الدلو لتطهر الأرض .
وأما طهارة البدن فقد ثبت في * الصحيحين * من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول ، أو لا يستنزه من البول ، أو لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ) : بين الناس والعياذ بالله ، فدل هذا على أنه لا بد من التنزه من البول ، وهكذا بقية النجاسات ، ولكن لو فرض أن الإنسان في البر وتنجس ثوبه وليس معه ما يغسله به ، فهل يتيمم من أجل صلاته في هذا الثوب ؟ لا ، لا يتيمم ، وكذلك لو أصابت بدنه نجاسة رجله أو يده أو ساقه أو ذراعه ، أصابه نجاسة وهو في البر وليس عنده ماء يغسله وأراد أن يصلي فهل يتيمم ؟ لا ، لا يتيمم ، لأن التيمم إنما هو في طهارة الحدث فقط ، أما النجاسة فلا يتيمم لها لأن النجاسة عين قذرة ، تطهيرها بإزالتها إن أمكن فذاك ، وإن لم يمكن تبقى حتى يمكن إزالتها ، والله أعلم .
4 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتقيم الصلاة ... " . وفيه ذكر شروط الصلاة من الطهارة و قضاء الحاجة . أستمع حفظ
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتقيم الصلاة ... " . وفيه ذكر صفة الوضوء وبعض أحكام المسح على الخفين .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
كنا نتكلم فيما رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، من قصة مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان ، وما زلنا نتكلم على قوله صلى الله عليه وسلم : ( وتقيم الصلاة ) ، وذكرنا في الدروس السابقة ما يتعلق بالوقت ، وما يتعلق بالطهارة ، ونكمِّل اليوم ما يتعلق بالطهارة أيضا ، فالطهارة طهارة الوضوء سبق لنا أنها تتعلق بأربعة أعضاء من البدن ، وهي : الوجه واليدان والرأس والرجلان ، فأما الوجه فيغسل ، وأما اليدان فتغسلان ، وأما الرأس فيمسح ، وأما الرجلان فتغسلان أو تمسحان ، أما الوجه فلا يمكن أن يُمسح إلا إذا كان هناك جبيرة ، يعني لزقة على جرح أو ما أشبه ذلك ، فلو أن الإنسان غطى وجهه بشيء من سموم شمس أو غيره ، فإنه لا يمسح عليه يزيل الغطاء ويغسل الوجه إلا إذا كان هناك ضرورة ، فإنه يمسح ما غطى به وجهه على سبيل البدل ، بدلا عن الغسل .
وأما اليدان فكذلك ، لا تمسحان ، لابد من غسلهما إلا إذا كان هناك ضرورة مثل أن يكون فيهما حساسية يضرها الماء ، وجعل عليهما لِفافة أو لبس قفازين مِن أجل ألا يأتيهما الماء فلا بأس أن يمسح مسحَ جبيرة للضرورة ، وأما الرأس فيمسح ، وطهارته أخف من غيره ، ولهذا لو كان المرأة على رأسها حناء ملبد عليه ، أو لبد المحرم رأسه في حال إحرامه كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام : فإنه يمسح على هذا الملبَّد ولا حاجة إلى أن يقشعه ، أما الرجلان فتغسلان وتمسحان ، ولهذا جاء القرآن الكريم على وجهين في قراءة قوله تعالى : (( وأرجلَكم )) ففي قراءة (( وأرجلِكم )) ، وفي قراءة (( وأرجلَكم )) ، أما قراءة (( وأرجلِكم )) فهي عطفا على قوله تعالى : (( وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم )) أي : وامسحوا بأرجلِكم ، وأما النصب (( وأرجلَكم )) فهي عطفا على قوله تعالى : (( اغسلوا وجوهكم )) ، يعني واغسلوا أرجلَكم ، ولكن متى تُمسح الرجل ؟ تمسح الرجل إذا لبس الإنسان عليها جوارب أو خفين ، الجوارب ما كان من القطن أو الصوف أو نحوه ، والخفان ما كان من الجلد أو شبهه ، يمسح عليهما لكن بشروط أربعة :
الأول : الطهارة ، أي طهارة الخفين أو الجوربين ، فلو كانا من جلد نجس فإنه لا يصح المسح عليهما ، لأن النجس خبيث لا يتطهر مهما مسحته مهما غسلته ، أما إذا كانتا متنجستين فمعلوم أن الإنسان لا يصلي فيهما ، فلا يمسح عليهما .
الشرط الثاني : أن يلبسهما على طهارة ، على طهارة بالماء ، فإن لبسهما على تيمم فإنه لا يمسح عليهما ، يعني مثلا لو أن شخصا مسافرا لبس الجوارب على طهارة تيمم ، ثم قدم البلد فإنه لا يمسح عليهما ، لأنه لبسهما على طهارة تيمم ، وطهارة التيمم إنما تتعلق بالوجه والكفين لا علاقة لها بالرجلين ، وعلى هذا فيكون هذا الشرط مأخوذًا من قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة : ( إني أدخلتهما طاهرتين ) .
الشرط الثالث : أن يكون في الحدث الأصغر ، يعني في الوضوء ، أما الغسل فلا تمسح فيه الخفان ولا الجوارب ، بل لابد من خلعهما وغسل الرجل ، لو كان على إنسان جنابة لا يمكن أن يمسح على الخفين .
والشرط الرابع : أن يكون في المدة المحددة شرعا ، وهي : يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر ، ولكن متى تبتدئ ؟ تبتدئ مِن أول مرة مسح بعد الحدث ، فأما ما قبل المسح الأول فلا يحسب من المدة ، لا يحسب من المدة فلو فرض أن شخصا لبس على طهارة في صباح اليوم ، الثلاثاء ، وبقي إلى أن صلى العشاء في طهارته ، ثم نام في ليلة الأربعاء ، ولما قام لصلاة الفجر مسح فيوم الثلاثاء لا يحسب عليه ، لأنه قبل المسح ، يحسب عليه من فجر يوم الأربعاء ، من فجر يوم الأربعاء ، لأن حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( يمسح المقيم يوما وليلة ) ، وقال صفوان بن عسَّال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إذا كنا سفرا ) : أن نمسح ، فالعبرة بالمسح لا باللبس ولا بالحدث بعد اللبس ، العبرة بالمسح ، يتم المقيم يوما وليلة أربعا وعشرين ساعة ، والمسافر يتم ثلاثة أيام أي اثنتين وسبعين ساعة ، فإن مسح الإنسان وهو مقيم وسافر قبل أن تتم المدة ، فإنه يتيمم مسح مسافر ثلاثة أيام ، مثلا لو لبس اليوم لصلاة الفجر ، ومسح لصلاة الظهر ، ثم سافر بعد الظهر ، فإنه يتيمم ثلاثة أيام ، يمسح ثلاثة أيام ، ولو كان بالعكس مسح وهو مسافر ثم أقام فإنه يتيمم مسح مقيم ، يتيمم مسح مقيم لأن العبرة بالنهاية لا بالبداية ، العبرة في السفر أو الإقامة بالبداية لا بالنهاية ، العبرة بالنهاية لا بالبداية ، العبرة بالنهاية لا بالبداية ، وهذا هو الذي رجع إليه الإمام أحمد رحمه الله كان بالأول يقول إن الإنسان إذا مسح مقيما ثم سافر أتم مسح مقيم ، ولكنه رجع عن هذه الرواية ، عن هذا القول رجع عن هذا القول وقال إنه يتم مسح مسافر ، ولا تستغرب أن العالم يرجع عن قوله ، لأن الحق يجب أن يتبع ، متى تبين للإنسان الحق وجب عليه اتباعه ، فالإمام أحمد رحمه الله أحيانا يروى عنه في المسألة الواحدة أكثر من أربعة أقوال أو خمسة إلى سبعة أقوال في مسألة واحدة ، وهو رجل واحد ، أحيانا يصرح بأنه رجع وأحيانا لا يصرح ، إن صرح بأنه رجع عن قوله الأول فإنه لا يجوز أن ينسب إليه القول الأول الذي رجع عنه ، لأنه رجع عنه ، ولا يجوز أن ينسب قولا له إلا مقيدا بأن يقال : قال به أولا ثم رجع ، أما إذا لم يصرح بالرجوع فإنه يجب أن تحسب القولين كلاهما له ، فيقال : لأحمد في هذا قولان ، لأحمد في هذا ثلاثة أقوال ، لأحمد في هذا أربعة أقوال حسب ما يقال عنه ، والإمام أحمد رحمه الله تكثر الروايات عنه لأنه رجل أثري يأخذ بالآثار ، والذي يأخذ بالآثار ليس تأتيه الآثار دفعة واحدة حتى يحيط بها مرة واحدة ويستقر على قول منها ، لكن الآثار تتجدد ، يُنقل له حديث اليوم وينقل له حديث آخر في اليوم الثاني وهكذا ، ولذلك أقول : إن الإمام أحمد في مسألة ما إذا ابتدأ المسح ثم سافر كان يقول : إنه يتم مسح مقيم ثم رجع وقال : إنه يتم مسح مسافر .
واعلم أن الإنسان إذا تمت المدة وهو على طهارة فإنه لا تنتقض طهارته ، لكن لو انتقضت فلابد من خلع الخفين إذا أراد الوضوء وغسل القدمين ، لكن مجرد تمام المدة لا ينقض الوضوء ، كذلك أيضا إذا خلعهما بعد المسح وهو على طهارة فإنها لا تنتقض طهارته ، بل يبقى على طهارته ، فإذا أراد أن يتوضأ فلابد من أن يغسل قدميه بعد أن نزع ، والقاعدة في هذا من أجل ألا تشتبه أنه متى نُزع الممسوح فإنه لا يعاد ليمسح ، بل لابد من غسل الرجل ثم إعادته إذا أراد الوضوء ، والله الموفق .
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
بسم الله الرحمن الرحيم :
لا نزال معكم في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان ، وكنا في موضوع إقامة الصلاة الذي هو الثاني من أركان الإسلام ، وتكلمنا فيما سبق عن الوقت وعن الطهارة .
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
كنا نتكلم فيما رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، من قصة مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان ، وما زلنا نتكلم على قوله صلى الله عليه وسلم : ( وتقيم الصلاة ) ، وذكرنا في الدروس السابقة ما يتعلق بالوقت ، وما يتعلق بالطهارة ، ونكمِّل اليوم ما يتعلق بالطهارة أيضا ، فالطهارة طهارة الوضوء سبق لنا أنها تتعلق بأربعة أعضاء من البدن ، وهي : الوجه واليدان والرأس والرجلان ، فأما الوجه فيغسل ، وأما اليدان فتغسلان ، وأما الرأس فيمسح ، وأما الرجلان فتغسلان أو تمسحان ، أما الوجه فلا يمكن أن يُمسح إلا إذا كان هناك جبيرة ، يعني لزقة على جرح أو ما أشبه ذلك ، فلو أن الإنسان غطى وجهه بشيء من سموم شمس أو غيره ، فإنه لا يمسح عليه يزيل الغطاء ويغسل الوجه إلا إذا كان هناك ضرورة ، فإنه يمسح ما غطى به وجهه على سبيل البدل ، بدلا عن الغسل .
وأما اليدان فكذلك ، لا تمسحان ، لابد من غسلهما إلا إذا كان هناك ضرورة مثل أن يكون فيهما حساسية يضرها الماء ، وجعل عليهما لِفافة أو لبس قفازين مِن أجل ألا يأتيهما الماء فلا بأس أن يمسح مسحَ جبيرة للضرورة ، وأما الرأس فيمسح ، وطهارته أخف من غيره ، ولهذا لو كان المرأة على رأسها حناء ملبد عليه ، أو لبد المحرم رأسه في حال إحرامه كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام : فإنه يمسح على هذا الملبَّد ولا حاجة إلى أن يقشعه ، أما الرجلان فتغسلان وتمسحان ، ولهذا جاء القرآن الكريم على وجهين في قراءة قوله تعالى : (( وأرجلَكم )) ففي قراءة (( وأرجلِكم )) ، وفي قراءة (( وأرجلَكم )) ، أما قراءة (( وأرجلِكم )) فهي عطفا على قوله تعالى : (( وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم )) أي : وامسحوا بأرجلِكم ، وأما النصب (( وأرجلَكم )) فهي عطفا على قوله تعالى : (( اغسلوا وجوهكم )) ، يعني واغسلوا أرجلَكم ، ولكن متى تُمسح الرجل ؟ تمسح الرجل إذا لبس الإنسان عليها جوارب أو خفين ، الجوارب ما كان من القطن أو الصوف أو نحوه ، والخفان ما كان من الجلد أو شبهه ، يمسح عليهما لكن بشروط أربعة :
الأول : الطهارة ، أي طهارة الخفين أو الجوربين ، فلو كانا من جلد نجس فإنه لا يصح المسح عليهما ، لأن النجس خبيث لا يتطهر مهما مسحته مهما غسلته ، أما إذا كانتا متنجستين فمعلوم أن الإنسان لا يصلي فيهما ، فلا يمسح عليهما .
الشرط الثاني : أن يلبسهما على طهارة ، على طهارة بالماء ، فإن لبسهما على تيمم فإنه لا يمسح عليهما ، يعني مثلا لو أن شخصا مسافرا لبس الجوارب على طهارة تيمم ، ثم قدم البلد فإنه لا يمسح عليهما ، لأنه لبسهما على طهارة تيمم ، وطهارة التيمم إنما تتعلق بالوجه والكفين لا علاقة لها بالرجلين ، وعلى هذا فيكون هذا الشرط مأخوذًا من قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة : ( إني أدخلتهما طاهرتين ) .
الشرط الثالث : أن يكون في الحدث الأصغر ، يعني في الوضوء ، أما الغسل فلا تمسح فيه الخفان ولا الجوارب ، بل لابد من خلعهما وغسل الرجل ، لو كان على إنسان جنابة لا يمكن أن يمسح على الخفين .
والشرط الرابع : أن يكون في المدة المحددة شرعا ، وهي : يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر ، ولكن متى تبتدئ ؟ تبتدئ مِن أول مرة مسح بعد الحدث ، فأما ما قبل المسح الأول فلا يحسب من المدة ، لا يحسب من المدة فلو فرض أن شخصا لبس على طهارة في صباح اليوم ، الثلاثاء ، وبقي إلى أن صلى العشاء في طهارته ، ثم نام في ليلة الأربعاء ، ولما قام لصلاة الفجر مسح فيوم الثلاثاء لا يحسب عليه ، لأنه قبل المسح ، يحسب عليه من فجر يوم الأربعاء ، من فجر يوم الأربعاء ، لأن حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( يمسح المقيم يوما وليلة ) ، وقال صفوان بن عسَّال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إذا كنا سفرا ) : أن نمسح ، فالعبرة بالمسح لا باللبس ولا بالحدث بعد اللبس ، العبرة بالمسح ، يتم المقيم يوما وليلة أربعا وعشرين ساعة ، والمسافر يتم ثلاثة أيام أي اثنتين وسبعين ساعة ، فإن مسح الإنسان وهو مقيم وسافر قبل أن تتم المدة ، فإنه يتيمم مسح مسافر ثلاثة أيام ، مثلا لو لبس اليوم لصلاة الفجر ، ومسح لصلاة الظهر ، ثم سافر بعد الظهر ، فإنه يتيمم ثلاثة أيام ، يمسح ثلاثة أيام ، ولو كان بالعكس مسح وهو مسافر ثم أقام فإنه يتيمم مسح مقيم ، يتيمم مسح مقيم لأن العبرة بالنهاية لا بالبداية ، العبرة في السفر أو الإقامة بالبداية لا بالنهاية ، العبرة بالنهاية لا بالبداية ، العبرة بالنهاية لا بالبداية ، وهذا هو الذي رجع إليه الإمام أحمد رحمه الله كان بالأول يقول إن الإنسان إذا مسح مقيما ثم سافر أتم مسح مقيم ، ولكنه رجع عن هذه الرواية ، عن هذا القول رجع عن هذا القول وقال إنه يتم مسح مسافر ، ولا تستغرب أن العالم يرجع عن قوله ، لأن الحق يجب أن يتبع ، متى تبين للإنسان الحق وجب عليه اتباعه ، فالإمام أحمد رحمه الله أحيانا يروى عنه في المسألة الواحدة أكثر من أربعة أقوال أو خمسة إلى سبعة أقوال في مسألة واحدة ، وهو رجل واحد ، أحيانا يصرح بأنه رجع وأحيانا لا يصرح ، إن صرح بأنه رجع عن قوله الأول فإنه لا يجوز أن ينسب إليه القول الأول الذي رجع عنه ، لأنه رجع عنه ، ولا يجوز أن ينسب قولا له إلا مقيدا بأن يقال : قال به أولا ثم رجع ، أما إذا لم يصرح بالرجوع فإنه يجب أن تحسب القولين كلاهما له ، فيقال : لأحمد في هذا قولان ، لأحمد في هذا ثلاثة أقوال ، لأحمد في هذا أربعة أقوال حسب ما يقال عنه ، والإمام أحمد رحمه الله تكثر الروايات عنه لأنه رجل أثري يأخذ بالآثار ، والذي يأخذ بالآثار ليس تأتيه الآثار دفعة واحدة حتى يحيط بها مرة واحدة ويستقر على قول منها ، لكن الآثار تتجدد ، يُنقل له حديث اليوم وينقل له حديث آخر في اليوم الثاني وهكذا ، ولذلك أقول : إن الإمام أحمد في مسألة ما إذا ابتدأ المسح ثم سافر كان يقول : إنه يتم مسح مقيم ثم رجع وقال : إنه يتم مسح مسافر .
واعلم أن الإنسان إذا تمت المدة وهو على طهارة فإنه لا تنتقض طهارته ، لكن لو انتقضت فلابد من خلع الخفين إذا أراد الوضوء وغسل القدمين ، لكن مجرد تمام المدة لا ينقض الوضوء ، كذلك أيضا إذا خلعهما بعد المسح وهو على طهارة فإنها لا تنتقض طهارته ، بل يبقى على طهارته ، فإذا أراد أن يتوضأ فلابد من أن يغسل قدميه بعد أن نزع ، والقاعدة في هذا من أجل ألا تشتبه أنه متى نُزع الممسوح فإنه لا يعاد ليمسح ، بل لابد من غسل الرجل ثم إعادته إذا أراد الوضوء ، والله الموفق .
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .
بسم الله الرحمن الرحيم :
لا نزال معكم في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان ، وكنا في موضوع إقامة الصلاة الذي هو الثاني من أركان الإسلام ، وتكلمنا فيما سبق عن الوقت وعن الطهارة .
5 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتقيم الصلاة ... " . وفيه ذكر صفة الوضوء وبعض أحكام المسح على الخفين . أستمع حفظ
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتقيم الصلاة ... " . وفيه ذكر شرط استقبال القبلة .
الشيخ : في هذه الجلسة نتكلم عن استقبال القبلة ، فاستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا به ، لأن الله تعالى أمر به ، وكرر الأمر به في أول الجزء الثاني مِن القرآن الكريم ، قال تعالى : (( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ )) أي : جهته ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام أول ما قدم المدينة كان يصلي إلى بيت المقدس ، فيجعل الكعبة خلف ظهره ، والشام قبل وجهه ، ولكنه بعد ذلك ترقَّب أن الله سبحانه وتعالى يشرع له خلاف ذلك ، فجعل يُقلب وجهه في السماء ، ينتظر متى ينزل عليه جبريل بالوحي في استقبال غير بيت المقدس (( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فلنولينَّك قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )) : فأمره الله عز وجل أن يستقبل شطر المسجد الحرام أي جهته ، إلا أنه يُستثنى من ذلك ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : إذا كان عاجزا ، كمريض وجهه إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة ، فإن استقبال القبلة يَسقط عنه في هذه الحال ، لقوله تعالى : (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) ، وقوله تعالى : (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )) ، وقول النبي صلي الله عليه مسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .
الثانية : إذا كان في شدة الخوف ، كإنسان هارب من عدو أو هارب من سبع أو هارب من نار أو هارب من وادي يغرقه ، المهم أنه في شدة خوف ، فهنا يصلي حيث كان وجهه ، ودليل ذلك : قوله تعالى : (( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ )) ، فإن قوله : (( فإن خفتم )) عام يشمل أي خوف ، وقوله : (( فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ )) : يدل على أنَّ أيَّ ذكر تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه ، ومن ذلك استقبال القبلة ، ويدل عليه أيضا ما سبق من الآيتين الكريمتين والحديث النبوي : في أن الوجوب معلق بالاستطاعة .
الثالث : في النافلة في السفر ، إذا كان الإنسان في سفر سواء كان على طائرة أو على سيارة أو على بعير ، فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل ، الوتر صلاة الليل صلاة الضحى وما أشبه ذلك ، والمسافر ينبغي له أن يتنفل بجميع النوافل كالمقيم سواءً إلا في الرواتب ، راتبة الظهر والمغرب والعشاء فالسنة تركها ، وما عدا ذلك من النوافل فإنه باق على مشروعيته للمسافر ، كما هو مشروع للمقيم .
فإذا أراد أن يتنفل وهو على سيارته أو على طيارته أو على بعيره أو على حماره فإنه يتنفل حيث كان وجهه ، لأن ذلك هو الثابت في * الصحيحين * عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهذه ثلاث مسائل لا يجب فيها استقبال القبلة ، أما الجاهل فيجب عليه أن يستقبل القبلة ، لكن إذا اجتهد وتحرى ثم تبين له الخطأ بعد الاجتهاد فإنه لا إعادة عليه ، ولا نقول إنه يسقط عنه الاستقبال ، لا ، يجب عليه الاستقبال ويتحرى بقدر استطاعته فإذا تحرى بقدر الاستطاعة ثم تبين له الخطأ فإنه لا يعيد صلاته ، ودليل ذلك أن الصحابة الذين لم يعلموا بتحويل القبلة إلى الكعبة ، كانوا يصلون ذات يوم صلاة الفجر في مسجد قباء ، فجاءهم رجل فقال : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن ، وأُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبِلوها ، فاستداروا ) : استداروا بعد أن كانت الكعبة وراءهم جعلوها أمامهم ، استداروا وبقوا في صلاتهم ، وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن إنكارٌ له ، فيكون ذلك مشروعا ، يعني أن الإنسان إذا أخطأ في القبلة جهلا فإنه ليس عليه إعادة ، ولكن إذا تبين له ولو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يستقيم إلى القبلة .
فلو فرض أن شخصا شرع يصلي إلى غير القبلة يظن أنها القبلة ، فجاءه إنسان فقال : إن القبلة على يمينك أو يسارك وجب عليه أن يستدير على اليمين أو على اليسار ، ولا يلزمه أن يستأنف الصلاة ، لأن أولها كان عن اجتهاد وعن وجه شرعي ، فلا يبطل ، فهذا استقبال القبلة إذًا شرط من شروط الصلاة ، لا تصح الصلاة إلا به ، إلا في المواضع الثلاثة التي ذكرناها ، وإلا إذا أخطأ الإنسان بعد الاجتهاد والتحري ، وهنا ينبغي بل يجب على من نزل على شخص ضيفا ، وأراد أن يتنفل أن يسأل عن القبلة ، يسأل صاحب البيت يقول : أين القبلة ؟ فإذا أخبره اتجه إليها ، لأن بعض الناس تأخذه العزة بالإثم ، ويمنعه الحياء وهو في غير محله ، يعني حياء في غير محله أن يمنعه من السؤال عن القبلة .
المسألة الأولى : إذا كان عاجزا ، كمريض وجهه إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة ، فإن استقبال القبلة يَسقط عنه في هذه الحال ، لقوله تعالى : (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) ، وقوله تعالى : (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )) ، وقول النبي صلي الله عليه مسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .
الثانية : إذا كان في شدة الخوف ، كإنسان هارب من عدو أو هارب من سبع أو هارب من نار أو هارب من وادي يغرقه ، المهم أنه في شدة خوف ، فهنا يصلي حيث كان وجهه ، ودليل ذلك : قوله تعالى : (( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ )) ، فإن قوله : (( فإن خفتم )) عام يشمل أي خوف ، وقوله : (( فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ )) : يدل على أنَّ أيَّ ذكر تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه ، ومن ذلك استقبال القبلة ، ويدل عليه أيضا ما سبق من الآيتين الكريمتين والحديث النبوي : في أن الوجوب معلق بالاستطاعة .
الثالث : في النافلة في السفر ، إذا كان الإنسان في سفر سواء كان على طائرة أو على سيارة أو على بعير ، فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل ، الوتر صلاة الليل صلاة الضحى وما أشبه ذلك ، والمسافر ينبغي له أن يتنفل بجميع النوافل كالمقيم سواءً إلا في الرواتب ، راتبة الظهر والمغرب والعشاء فالسنة تركها ، وما عدا ذلك من النوافل فإنه باق على مشروعيته للمسافر ، كما هو مشروع للمقيم .
فإذا أراد أن يتنفل وهو على سيارته أو على طيارته أو على بعيره أو على حماره فإنه يتنفل حيث كان وجهه ، لأن ذلك هو الثابت في * الصحيحين * عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهذه ثلاث مسائل لا يجب فيها استقبال القبلة ، أما الجاهل فيجب عليه أن يستقبل القبلة ، لكن إذا اجتهد وتحرى ثم تبين له الخطأ بعد الاجتهاد فإنه لا إعادة عليه ، ولا نقول إنه يسقط عنه الاستقبال ، لا ، يجب عليه الاستقبال ويتحرى بقدر استطاعته فإذا تحرى بقدر الاستطاعة ثم تبين له الخطأ فإنه لا يعيد صلاته ، ودليل ذلك أن الصحابة الذين لم يعلموا بتحويل القبلة إلى الكعبة ، كانوا يصلون ذات يوم صلاة الفجر في مسجد قباء ، فجاءهم رجل فقال : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن ، وأُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبِلوها ، فاستداروا ) : استداروا بعد أن كانت الكعبة وراءهم جعلوها أمامهم ، استداروا وبقوا في صلاتهم ، وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن إنكارٌ له ، فيكون ذلك مشروعا ، يعني أن الإنسان إذا أخطأ في القبلة جهلا فإنه ليس عليه إعادة ، ولكن إذا تبين له ولو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يستقيم إلى القبلة .
فلو فرض أن شخصا شرع يصلي إلى غير القبلة يظن أنها القبلة ، فجاءه إنسان فقال : إن القبلة على يمينك أو يسارك وجب عليه أن يستدير على اليمين أو على اليسار ، ولا يلزمه أن يستأنف الصلاة ، لأن أولها كان عن اجتهاد وعن وجه شرعي ، فلا يبطل ، فهذا استقبال القبلة إذًا شرط من شروط الصلاة ، لا تصح الصلاة إلا به ، إلا في المواضع الثلاثة التي ذكرناها ، وإلا إذا أخطأ الإنسان بعد الاجتهاد والتحري ، وهنا ينبغي بل يجب على من نزل على شخص ضيفا ، وأراد أن يتنفل أن يسأل عن القبلة ، يسأل صاحب البيت يقول : أين القبلة ؟ فإذا أخبره اتجه إليها ، لأن بعض الناس تأخذه العزة بالإثم ، ويمنعه الحياء وهو في غير محله ، يعني حياء في غير محله أن يمنعه من السؤال عن القبلة .
اضيفت في - 2011-05-25