من السبعة الذين يضلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجل معلق قلبه بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ... ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
( ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) رجل قادر على الجماع دعته امرأة ليجامعها بالزنا والعياذ بالله ذات منصب وجمال منصب يعني معناه أنها من حمائل معروفة ماهي من سقط النساء بل من الحمائل المعروفة جميلة دعته إلى نفسه في مكان خالي لا يطلع عليهما أحد وهو فيه شهوة يحب النساء لكن قال إني أخاف الله لم يمنعه من فعل هذا إلا خوف الله عز وجل فانظر إلى هذا الرجل المقتضي موجود قادر على الجماع المرأة جميلة المرأة ذات منصب المكان خالي لكن منعه مانع أقوى من هذا المقتضي وهو خوف الله قال ( إني أخاف الله ) ما قال ما أشتهي النساء ما قال والله أنتِ ما أنت جميلة ما قال أنتِ من أسافل النساء ولا أتنازل إني أجامعك ما قال إن حولنا أحد قال " إني أخاف الله " لم يمنعه إلا خوف الله هذا ممن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وانظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام يوسف بن يعقوب بن إبراهيم عمه إسماعيل، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عم أبيه إسماعيل أبو العرب عشقته امرأة العزيز امرأة ملك مصر وكانت امرأة ملك على حال من الجمال والدلال غلّقت الأبواب بينهما وبين الناس بينهما وبين الناس وقالت هيت لك يعني تدعوه إلى نفسها فكان رجلا شابا وبمقتضى الطبيعة البشرية هم بها وهمت به ولكن رأى برهان ربه وقع في قلبه خوف الله فامتنع فامتنع فهددته بالسجن فقال (( ربي السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين )) وسجن سجن في ذات الله وامتنع عن الزنا مع قوة أسبابه لكنه رأى برهان ربه فخاف الله
( رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) وهذا فيه كمال الإخلاص مخلص لله لا يريد من الناس أن يطلعوا على عمل من أعماله يريد أن يكون العمل بينه وبين ربه فقط ولا يريد أيضا أن يظهر للناس بمظهر المنة على أحد لأن اللي يعطي أمام الناس يعني يقول للناس شوفوا أنا لي منة على فلان اللي أعطيت فهو يخفي الصدقة حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه الشمال ما هي اليد الشمال ما تنفق يمينه اليد اليمنى يعني من شدة إخفائه لو أمكن ألا تعلم يده الشمال ما أنفقت يده اليمين لفعل فهذا مخلص غاية الإخلاص بعيد المن بالصدقة يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ولكن لاحظوا أن إخفاء الصدقة أفضل بلا شك إلا أنه ربما يعرض لهذا الأفضل ما يجعله مفضولا مثل أن يكون في إظهار الصدقة تشجيع للناس على الصدقة فإن هذا قد يكون إظهار الصدقة أفضل ولهذا امتدح الله سبحانه وتعالى الذين ينفقون سرا وعلانية حسب ما تقتضيه المصلحة
فالحال لا تخلو من ثلاث مراتب إما أن يكون السر أنفع أو الإظهار أنفع فإن تساوى الأمران فالسر أنفع
أما السابع فرجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ذكر الله بلسانه وبقلبه ليس عنده أحد يرائيه بهذا الذكر خاليا من الدنيا كلها قلبه معلق بالله عز وجل فلما ذكر الله بلسانه وبقلبه وتذكر عظمة الرب عز وجل اشتاق إلى الله ففاضت عيناه هذا أيضا ممن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هذه الأعمال السبعة قد يوفق الإنسان فيحصل على واحد منها أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة يمكن
الطالب : نعم
الشيخ : يمكن لأن بعضها لا يناقض بعضا قد يكون الإنسان يوفق فيأخذ من كل واحد من هذا بنصيب كما حدّث النبي عليه الصلاة والسلام أن الجنة لها أبواب من كان من باب الصلاة دعي من باب الصلاة من كان من باب الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ( من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة من كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ) أربعة ذكر ( فقال أبو بكر يا رسول الله ما على من دعي من واحد من هذه الأبواب من ضرورة ) يعني اللي يدعى من باب واحد ما عليه ضرر سهل ( فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم ) يالله من فضلك يعني أبو بكر يدعى من كل الأبواب لأنه صاحب صلاة وصاحب صدقة وصاحب جهاد وصاحب صيام كل مسائل الخير قد أخذ منها بنصيب رضي الله عنه وأرضاه وألحقنا وإياكم به في جنات النعيم والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
1 - من السبعة الذين يضلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : رجل معلق قلبه بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ... ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... واليوم الآخر ... " . مع ذكر معنى الظل الذي أضافه الله لنفسه و تتمة ذكر أهوال يوم القيامة ..
ولكن ها هنا مسألة أحب أن أنبه عليها وهي أن بعض الطلبة يظنون أن المراد بالظل في ظله يوم لا ظل إلا ظله أنه ظل الرب عز وجل وهذا ظن خاطئ جدا لا يظنه إلا رجل جاهل وذلك لأن من المعلوم أن الناس في الأرض وأن الظل هذا يكون من الشمس عن الشمس فلو قدر أن المراد به ظل الرب جل وعلا لزم من هذا أن تكون الشمس فوق الله ليكون حائلا بينها وبين الناس وهذا شيء مستحيل لا يمكن لأن الله سبحانه وتعالى قد ثبت له العلو المطلق من جميع الجهات ولكن المراد ظل يخلقه الله في ذلك اليوم يظلل من يستحقون أن يظلهم الله في ظله وإنما أضافه الله إلى نفسه لأنه في ذلك اليوم لا يستطيع أحد أن يظلل بفعل مخلوق لا هناك بناء ولا شيء يوضع على الرؤوس إنما يكون الظل ما خلقه الله لعباده في ذلك اليوم فلهذا أضافه الله إلى نفسه لاختصاصه به
ومما يكون في ذلك اليوم نشر الدواوين يعني صحائف الأعمال التي كتبت على المرء في حياته وذلك أن الله سبحانه وتعالى وكّل بكل إنسان ملكين أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال كما قال الله تبارك وتعالى (( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) هذان الملكان الكريمان يكتبان كل ما يعمله المرء من قول أو فعل أما ما يحدّث به نفسه فإنه لا يكتب عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) لكن القول والفعل يكتب يكتب على الإنسان كاتب الحسنات على اليمين وكاتب السيئات على الشمال فيكتبان كلما أمرا بكتابته فإذا كان يوم القيامة ألزم كل إنسان هذا الكتاب في عنقه كما قال تعالى (( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه )) ويخرج له هذا الكتاب فيقال (( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )) فيقرؤه ويتبين كلما عمل هذا الكتاب المنشور من الناس من يأخذه بيمينه ومن الناس من يأخذه بشماله من وراء ظهره أما من يأخذه بيمينه وأسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم فإنه يقول للناس (( هاؤم اقرؤوا كتابيه )) يريهم إياه فرحا وسرورا بما أنعم الله به عليه وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول حزنا وغما وهما (( يا ليتني لم أوت كتابيه ))
ومما يجب الإيمان به في ذلك اليوم أن تؤمن بالحساب لأن الله تعالى يحاسب الخلائق كما قال تعالى (( وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين )) وقال الله تعالى (( فسوف يحاسب حسابا يسيرا )) فيحاسب الله الخلائق ولكن حساب المؤمن حساب يسير ليس فيه مناقشة ( يخلو الله تعالى بعبده المؤمن ويضع عليه ستره ويقرره بذنوبه يقول أتذكر كذا أتذكر كذا حتى يقول نعم يقر بذلك كله فيقول الله عز وجل له إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) وما أكثر الذنوب التي سترها الله علينا فإذا كان الإنسان مؤمنا ( قال الله وسترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم أما الكافر ) والعياذ بالله ( فإنه يفضح ويخزى وينادى على رؤوس الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين )
ومما يجب الإيمان به أيضا مما يكون في يوم القيامة الحوض، الحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو حوض يصب عليه ميزابان من الكوثر وهو النهر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة كما قال تعالى (( إنا أعطيناك الكوثر )) فيصب منه ميزابان على الحوض الذي يكون في عرصات القيامة وصفه النبي عليه الصلاة والسلام ( بأن ماءه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من رائحة المسك وأن آنيته كنجوم السماء وأن طوله شهر وعرضه شهر وأن من شرب منه مرة واحدة فإنه لا يظمأ بعدها أبدا ) هذا الحوض يرده المؤمنون من أمة النبي صلى الله عليه وسلم أسأل الله أن يوردني وإياكم إياه يرده المؤمنون يشربون منه وأما من لم يؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام فإنه يطرد عنه ولا يشرب منه نسأل الله العافية
وهذا الحوض الذي جعله الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم هو أعظم حياض الأنبياء ولكل نبي حوض يرده المؤمنون من أمته لكنها لا تنسب إلى حوض الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذه الأمة يمثلون ثلثي أهل الجنة ثلثي أهل الجنة فلا جرم أن يكون حوض النبي عليه الصلاة والسلام هو أعظم الحياض وأكبرها وأوسعها وأعظمها وأشملها
ومما يجب الإيمان به أيضا في ذلك اليوم الإيمان بالصراط الصراط جسر منصوب على جهنم يمر الناس عليه على قدر أعمالهم وهو أدق من الشعر وأحد من السيف يمر الناس عليه على قدر أعمالهم من كان مسارعا في الخيرات في الدنيا كان سريعا في المشي على هذا الصراط ومن كان متباطئا كان متباطئا ومن كان خلط عملا صالحا وآخر سيئا ولم يعف الله عنه فإنه ربما يكردس في النار والعياذ بالله يختلف الناس في المشي عليه فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يمشي ومنهم من يزحف ومنهم من يلقى في جهنم
وهذا الصراط لا يمر عليه إلا المؤمنون فقط أما الكافرون فإنهم لا يمرون عليه وذلك لأنهم لأنهم يساقون في عرصات القيامة إلى النار رأسا نسأل الله العافية الصراط لا يمر عليه إلا المؤمن لكن العاصي قد يكردس في النار ويعذب بقدر ذنوبه ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا
2 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... واليوم الآخر ... " . مع ذكر معنى الظل الذي أضافه الله لنفسه و تتمة ذكر أهوال يوم القيامة .. أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... واليوم الآخر ... " . مع ذكر مآل الخلق من الجنة والنار .
فقد تقدم الكلام على شيء مما يكون في اليوم الآخر الذي الإيمان به أحد أركان الإيمان الستة وذكرنا آخر ما ذكرنا الإيمان بالصراط الذي يوضع على متن جهنم يمر الناس عليه على قدر أعمالهم منهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يمشي ومنهم من يزحف ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم فإذا عبروا على ذلك وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض وهذا القصاص غير القصاص الذي يكون في عرصات القيامة هذا القصاص والله أعلم يراد به أن تتخلى القلوب من الأضغان والأحقاد والغل حتى يدخلوا الجنة وهم على أكمل حال
وذلك أن الإنسان وإن اقتص له ممن اعتدى عليه فلابد أن يبقى في قلبه شيء من الغل والحقد على الذي اعتدى عليه ولكنهم أهل الجنة لا يدخلون الجنة حتى يقتص لهم اقتصاصا كاملا فيدخلونها على أحسن وجه فإذا هذّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ولكن لا يفتح باب الجنة لأحد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا يشفع عليه الصلاة والسلام يشفع لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة هو بنفسه كما أنه شفع للخلائق أن يقضى بينهم ويستريحوا من الهول والكرب والغم الذي أصابهم في عرصات القيامة يشفع هو نفسه صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة وهاتان الشفاعتان خاصتان برسول الله صلى الله عليه وسلم أعني الشفاعة في أهل الموقف حتى يقضى بينهم والشفاعة في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة فيكون له صلى الله عليه وسلم شفاعتان إحداهما في نجاة الناس من الكروب والغموم والثانية في حصول مطلوبهم وهو فتح باب الجنة
فيفتح وأول من يدخل الجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل كل الناس وأول من يدخلها من الأمم أمة النبي صلى الله عليه وسلم أما أهل النار والعياذ بالله فيساقون إلى النار زمرا يدخلونها أمة بعد أمة كلما دخلت أمة لعنت أختها والعياذ بالله كلما دخلت أمة لعنت أختها الثانية تلعن الأولى وهكذا ويتبرأ بعضهم من بعض نسأل الله العافية فإذا أتوا إلى النار وجدوا أبوابها مفتوحة حتى يبغتون بعذابها والعياذ بالله فيدخلونها ويخلّدون فيها أبد الآبدين إلى أبد لا منتهى له كما قال الله عز وجل في كتابه (( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا )) وقال سبحانه وتعالى (( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يوم تقلّب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا )) وقال سبحانه وتعالى (( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا )) فهذه ثلاث آيات من كتاب الله عز وجل كلها فيها التصريح بأن أهل النار خالدون فيها أبدا ولا قول لأحد بعد كلام الله عز وجل كما أن أهل الجنة خالدون فيها أبدا
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... واليوم الآخر ... " . مع ذكر مآل الخلق من الجنة والنار . أستمع حفظ
فائدة : معنى قوله تعالى في سورة هود : (( ... خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك ... )) .
أما أهل النار فلما كانوا يتقلبون بعدل الله قال (( إن ربك فعال لما يريد )) فلا معقب لحكمه وقد أراد أن يكون أهل النار من أهل النار فهو يفعل ما يريد هذا هو الفرق بين أهل النار وأهل الجنة، أهل الجنة عطاؤهم عطاء غير مجذوذ أما أهل النار فإنهم يتقلبون بعدل الله والله سبحانه وتعالى فعّال لما يريد هذا الكلام فيما تيسر مما يتعلق بالإيمان باليوم الآخر ويأتي إن شاء الله الإيمان بالقدر خيره وشره
4 - فائدة : معنى قوله تعالى في سورة هود : (( ... خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك ... )) . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتؤمن بالقدر خيره وشره ... " . مع ذكر تعريفه ومراتبه .
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الدين أما بعد :
فقد انتهى من الكلام على حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها انتهى بنا الكلام إلى الركن السادس من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقدر خيره وشره
القدر هو تقدير الله سبحانه وتعالى لما يكون إلى يوم القيامة وذلك أن الله سبحانه وتعالى ( خلق القلم فقال له اكتب قال ربي وماذا أكتب قال اكتب ماهو كائن فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ) فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وقد ذكر الله هذا في كتابه إجمالا فقال (( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير )) وقال تعالى (( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )) من قبل أن نبرأها أي من قبل أن نخلقها أي من قبل أن نخلق الأرض من قبل أن نخلق أنفسكم من قبل أن نخلق المصيبة فإن الله كتب هذا قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال أهل العلم ولابد للإيمان بالقدر من أن تؤمن بكل مراتبه الأربع
المرتبة الأولى أن تؤمن بأن الله تعالى عليم بكل شيء وهذا كثير في الكتاب العظيم يذكر الله عز وجل عموم علمه بكل شيء كما قال تعالى (( لتعملوا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما )) ولقوله تعالى (( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ))
والمرتبة الثانية أن تؤمن بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى قيام الساعة كتبه قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كل شيء كائن فإنه مكتوب قد انتهي منه جفت الأقلام وطويت الصحف فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك إذا أصابك شيء لا تقول والله " لو أني فعلت ما أصابني " لأن هذا شيء منتهي مكتوب لابد أن يقع كما كتب الله سبحانه وتعالى لا مفر لك منه مهما عملت فالأمر سيكون على ما وقع لا يتغير أبدا لأن هذا أمر قد كتب
فإن قال قائل ألم يكن قد جاء في الحديث ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) فالجواب بلى جاء هذا ولكن الإنسان الذي قد نسئ له في أثره وبسط له في رزقه من أجل الصلة قد كتب ذلك له كتب أنه سيصل رحمه وأنه سيبسط له في الرزق وأنه سينسأ له في الأثر لابد أن يكون الأمر هكذا ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ( من أحب أن بيسط له في رزقه وينسأ له في أثره ) من أجل أن نبادر ونسارع إلى صلة الرحم وإلا فهو مكتوب مكتوب أن هذا الرجل سوف يصل رحمه وسيحصل له هذا الثواب وأنه لن يصل رحمه وسيحرم من هذا الثواب أمر منتهي لكن أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا من أجل أن نحرص على صلة الرحم
واعلم أن الكتابة في اللوح المحفوظ يعقبها كتابات أخر
منها أن الجنين في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر أرسل الله إليه ملكا موكلا بالأرحام فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فيكتب ذلك وهذه الكتابة غير الكتابة التي في اللوح المحفوظ هذه كتابة في مقتبل عمر الإنسان ولهذا يسميها العلماء الكتابة العمرية يعني نسبة للعمر إذا تم له أربعة أشهر يعني مئة وعشرون يوما ولهذا تجد الجنين الحمل في البطن إذا تم له أربعة أشهر بدأ يتحرك لأنه دخلت فيه الروح وقبل ذلك هو قطعة من اللحم
كذلك فيه كتابة أخرى تكون في كل سنة في ليلة القدر فإن ليلة القدر يكتب الله فيها ما يكون في تلك السنة كما قال تعالى (( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم )) يعني يفرق يبين ويفصل ولهذا سميت ليلة القدر
المرتبة الثالثة للإيمان بالقدر أن تؤمن بأن كل شيء فهو بمشيئة الله كل شيء يقع فإنه بمشيئة الله لا يخرج عن مشيئته شيء ولا فرق بين أن يكون هذا الواقع مما يختص الله به كإنزال المطر وإحياء الموتى وما أشبه ذلك أو مما يعمله الخلق كالصلاة والصيام وما أشبهها فكل هذا بمشيئة الله قال الله تعالى (( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) وقال تعالى (( ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد )) فبين سبحانه وتعالى أنه لا مشيئة لنا إلا بمشيئة الله وأن أفعالنا واقعة بمشيئة الله (( ولو شاء الله ما اقتتلوا )) كل شيء فإنه واقع بمشيئة الله لا يكون في ملكه ما لا يشاؤه أبدا ولهذا أجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن "
أما المرتبة الرابعة فهي الإيمان بأن كل شيء كل شيء مخلوق لله لقول الله تبارك وتعالى (( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل )) وقال تعالى (( وخلق كل شيء فقدره تقديرا )) فكل شيء واقع فإنه مخلوق لله عز وجل الإنسان مخلوق لله عمل الإنسان مخلوق لله قال الله تعالى عن إبراهيم وهو يخاطب قومه (( والله خلقكم وما تعملون )) ففعل العبد مخلوق لله لكن المباشر للفعل هو العبد وليس الله لكن الله هو الذي خلق هذا الفعل ففعله العبد فهو منسوب لله خلقا ومنسوب إلى العبد كسبا وفعلا فالفاعل هو العبد والكاسب هو العبد والخالق هو الله كل شيء مما يحدث فإنه مخلوق لله عز وجل
لكن ما كان من صفات الله فليس بمخلوق فالقرآن مثلا أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم لكنه ليس بمخلوق لأن القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفاته وصفات الله تعالى ليست بمخلوقة
هذه أمور أربعة بل هذه مراتب أربع للإيمان بالقدر
الأولى الإيمان بعلم الله المحيط الشامل لكل شيء
الثاني الإيمان بكتابة الله أن الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء وهناك كتابات أخر بينت منها شيئا
الثالث أن كل شيء واقع بمشيئة الله عز وجل
الرابع أن كل شيء واقع فهو مخلوق لله تبارك وتعالى
لابد أن تؤمن بهذه الأمور الأربعة وإن لم تؤمن بها كلها فإنك لم تؤمن بالقدر فائدة الإيمان بالقدر عظيمة جدا لأن الإنسان يستريح إذا علم أن كل شيء لابد أن يقع كما أراد الله استراح فإذا أصيب بضراء صبر وقال هذا من عند الله وإن أصيب بسراء شكر وقال هذا من عند الله وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) لأن المؤمن يؤمن أن كل شيء بقضاء الله فيكون دائما في سرور دائما في انشراح لأنه يعلم أنما ما أصابه فإنه من الله إن كان ضراء صبر وانتظر الفرج من الله ولجأ إلى الله تعالى في كشف هذه الضراء وإن كان سراء شكر وحمد الله وعلم أن ذلك لم يكن بحوله وقوته ولكنه بفضل الله ورحمته والله الموفق
5 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتؤمن بالقدر خيره وشره ... " . مع ذكر تعريفه ومراتبه . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت ... " . مع ذكر الرضا والاحتجاج به .
أما بعد : فإننا في آخر ركن من أركان الإيمان التي بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ) وذكرنا أن الإيمان بالقدر لابد فيه من الإيمان بمراتب أربع الإيمان بعلم الله والإيمان بكتابة الله والإيمان بمشيئة الله والإيمان بخلق الله
وقوله عليه الصلاة والسلام ( خيره وشره ) الخير ما ينتفع به الإنسان ويلائمه من علم نافع ومال واسع طيب وصحة وأهل وبنين وما أشبه ذلك والشر ضد ذلك من الجهل والفقر والمرض وفقدان الأهل والأولاد وما أشبه هذا فكل هذا من الله عز وجل كل هذا من الله سبحانه وتعالى لا الخير ولا الشر فإن الله سبحانه وتعالى يقدر الخير لحكمة ويقدر الشر لحكمة كما قال تعالى (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون )) فإذا علم الله أن من الخير والحكمة أن يقدر الشر قدره لما يترتب عليه من المصالح العظيمة كقوله تعالى (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ))
فإذا قال قائل كيف تجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام ( تؤمن بالقدر خيره وشره ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( والشر ليس إليك ) فنفى أن يكون الشر إليه فالجواب على هذا أن نقول إن الشر المحض لا يكون بفعل الله أبدا الشر المحض الذي ليس فيه خير لا حالا ولا مآلا هذا لا يمكن أن يوجد في فعل الله أبدا هذا من وجه لأنه حتى الشر الذي قدره الله شرا لابد أن يكون له عاقبة حميدة ويكون شرا على قوم وخيرا على آخرين أرأيت لو أنزل الله المطر مطرا كثيرا فأغرقت زرع إنسان لكنه نفع الأرض وانتفع به أمة لكان هذا خيرا بالنسبة لمن انتفع به شرا بالنسبة لمن تضرر به فهو خير من وجه وشر من وجه
ثانيا حتى الشر الذي يقدره الله على الإنسان هو خير في الحقيقة لأنه إذا صبر واحتسب الأجر من الله نال بذلك أجرا أكثر بأضعاف مضاعفة مما ناله من الشر ولهذا ذكر عن بعض العابدات أنه أصيبت في أصبعها أو يدها فانجرحت فصبرت شكرت الله على هذا وقالت " إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها " ثم نقول إن الشر في الحقيقة ليس في فعل الله نفسه بل في مفعولاته المفعولات هي التي فيها خير وشر أما الفعل نفسه فهو خير ولهذا قال الله تعالى (( قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق )) أي من شر الذي خلقه الله فالشر إنما يكون في المفعولات لا في الفعل نفسه أما فعل الله فهو خير ويدلك لهذا أنك لو كان عندك مريض وقيل له إن من شفائه أن تكويه بالنار فكويته بالنار فالنار مؤلمة لاشك لكن فعلك هذا ليس بشر خير للمريض لأنك إنما تنتظر عاقبة حميدة لهذا الكي كذلك فعل الله للأشياء المكروهة والأشياء التي فيها شر هي بالنسبة لفعله وإيجاده خير لأنه يترتب عليها خير كثير
فإن قال قائل كيف تجمع بين هذا وبين قوله تعالى (( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) فالجواب أن نقول (( ما أصابك من حسنة فمن الله )) يعني من فضله هو الذي منّ عليك بها أولا وآخرا (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) يعني أنت سببها أنت السبب وإلا فالذي قدرها هو الله لكن أنت السبب كما في قوله تعالى (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) وخلاصة الكلام أن كل شيء واقع فإنه بقدر الله سواء كان خيرا أم شرا فأما الخير فأمره واضح ووجه واضح أنه من الله وأما الشر فإننا نقول إن الشر ليس في فعل الله ولكن في مفعولاته ونقول أيضا هذه المفعولات التي فيها الشر قد تكون خيرا من وجه آخر إما للشخص المصاب بها نفسه وإما لغيره فمثلا إذا نزل المطر وأتلف زرع إنسان ولكنه نفع الأمة فهنا صار شرا على شخص ولكنه خير كثير بالنسبة للآخرين أو نقول أيضا هو شر لك من وجه وخير لك من وجه آخر لأن هذا الشر الذي أصابك لك فيه أجر كثير وربما يكون سببا لاستقامتك ولمعرفتك قدر نعمة الله عليك فتكون العاقبة حميدة والله الموفق
الطالب : جزاك الله خير
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق حديث عمر : " قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " رواه مسلم
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
6 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت ... " . مع ذكر الرضا والاحتجاج به . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال: فأخبرني عن الساعة قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ... " .
( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) يعني فإن لم تعبد الله على هذا الوصف كأنك تراه فاعبده على سبيل المراقبة والخوف فإنه يراك ومعلوم أن عبادة الله على وجه الطلب أكمل من عبادته على وجه الهرب فها هنا مرتبتان:
المرتبة الأولى أن تعبد الله كأنك تراه وهذه مرتبة الطلب
والثانية أن تعبد الله كأنك تعلم بأنه يراك وهذه مرتبة الهرب وكلتاهما مرتبتان عظيمتان لكن الأولى أكمل وأفضل
ثم قال جبريل ( أخبرني عن الساعة ) يعني عن قيام الساعة التي يبعث فيها الناس ويجازون فيها على أعمالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) المسؤول عنها يعني نفسه عليه الصلاة والسلام بأعلم من السائل يعني جبريل يعني أنك إذا كنت يا جبريل تجهلها فأنا كذلك أجهلها