تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال أي شيء أحب إليك ؟ قال لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسنا قال فأي المال أحب إليك ؟ قال الإبل أو قال البقر شك الراوي فأعطي ناقة عشراء فقال بارك الله لك فيها فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس فمسحه عنه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا قال فأي المال أحب إليك ؟ قال البقر فأعطي بقرة حاملا وقال بارك الله لك فيها .... ) ... " .
القارئ : الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال رحمه الله تعالى " فأتى الأعمى فقال أي شيء أحب إليك قال أن يرد الله إلي بصري فأبصر الناس فمسحه فرد الله إليه بصره قال فأي المال أحب إليك قال الغنم فأعطي شاة والدا فأنتج هذان وولّد هذا فكان لهذا واد من الإبل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ به في سفري فقال الحقوق كثيرة فقال كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فاعطاك الله "
الشيخ : يقذرك الناس فقير
القارئ : " ألم تكن أبرص يقذرك الناسْ فقيرا فأعطاك الله فقال إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد هذا فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأبرص في صورته "
الشيخ : وأتى وأتى
القارئ : وأتى الأبرص في صورة
الشيخ : الأعمى الأعمى
القارئ : " وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري فقال قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط عن صاحبيك متفق عليه "
1 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال أي شيء أحب إليك ؟ قال لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسنا قال فأي المال أحب إليك ؟ قال الإبل أو قال البقر شك الراوي فأعطي ناقة عشراء فقال بارك الله لك فيها فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس فمسحه عنه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا قال فأي المال أحب إليك ؟ قال البقر فأعطي بقرة حاملا وقال بارك الله لك فيها .... ) ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... فأتى الأعمى فقال أي شيء أحب إليك قال أن يرد الله إلي بصري فأبصر الناس فمسحه فرد الله إليه بصره قال فأي المال أحب إليك ؟ قال الغنم فأعطي شاة والدا فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من الإبل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ به في سفري فقال الحقوق كثيرة فقال كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله فقال إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد هذا فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ؟ فقال قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله ما أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك . متفق عليه .... " .
في بقية حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الثلاثة الذين من بني إسرائيل وأراد الله أن يبتليهم وهم أبرص وأقرع وأعمى وسبق لنا ذكر الأبرص والأقرع وأن الأول أعطي ناقة عشراء والثاني أعطي بقرة حاملا الأعمى ( جاءه الملَك فقال له أي شيء أحب إليك قال أن يرد الله إليّ بصري فأبصر به الناس ) هذا أحب شيء أن يزيل الله عنه هذا العيب وهو العمى فيبصر الناس وتأمل قول الأعمى ( أن يرد الله إليّ بصري فأبصر به الناس ) فإنه لم يسأل إلا بصرا يبصر به الناس فقط أما الأبرص والأقرع فإن كل واحد منهما تمنى شيئا أكبر من الحاجة جلدا حسنا ولونا حسنا وشعرا حسنا ليس مجرد شعر أو مجرد جلد أو لون بل تمنيا شيئا أكبر أما هذا فإن عنده زهدا لم يسأل إلا بصرا يبصر به الناس فقط ثم سأله أي المال أحب إليه قال الغنم وهذا أيضا من زهده لم يتمن الإبل ولا البقر بل الغنم ونسبة الغنم إلى الإبل والبقر قليلة ( فأعطاه شاة والدا وقال بارك الله لك فيها ) فبارك الله سبحانه وتعالى للأول في إبله وللثاني في بقره وللثالث في غنمه وصار لكل واحد منهما وادٍ مما أعطي للأول وادٍ من الإبل وللثاني وادٍ من البقر وللثالث وادٍ من الغنم يعني شعيب كامل
( ثم إن هذا الملَك أتى الأبرص في صورته وهيئته ) صورته البدنية وهيئته الرثة ولباسه لباس الفقير ( وقال له إني رجل فقير وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ) توسل إليه بذكر حاله أنه فقير وأنه ابن سبيل مسافر وأن الحبال الأسباب التي توصله إلى أهله قد انقطعت به وأنه لا بلاغ له إلا بالله ثم به ( أسألك بالذي أعطاك الجلد الحسن والمال بعيرا أتمتع به في سفري ولكنه قال الحقوق كثيرة ) بخل بذلك مع أن له واديا من الإبل لكنه قال الحقوق كثيرة وهو فيما يظهر والله أعلم أنه لا يؤدي شيئا منها لأن هذا أحق من يكون مسافر فقير انقطعت به الحبال هو من أحق ما يكون ومع ذلك تعذر فذكره بما كان عليه من قبل
( فقال له ألم أكن قد كنت أعرفك أو ألم أكن أعرفك قد كنت أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله المال وأعطاك اللون الحسن والجلد الحسن ولكنه قال ) والعياذ بالله ( إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر ) أنكر نعمة الله ( فقال له الملك إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت ) يعني إن كنت كاذبا فيما تقول فصيرك الله إلى ما كنت من الفقر والبرص والذي يظهر أن الله استجاب دعاء الملك وإن كان دعاء مشروطا لكنه كان كاذبا بلا شك فإذا تحقق الشرط تحقق المشروط
( وأتى الأقرع فقال له مثل ما قال للأبرص ورد عليه مثل ما رد عليه الأبرص فقال إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت وأتى الأعمى وذكره بنعمة الله عليه فقال له قد كنت أعمى فرد الله عليّ بصري وكنت فقيرا فأعطاني الله المال ) فأقر بنعمة الله عليه ( فخذ ما شئت ودع ما شئت من الغنم اللي تبي خذ واللي تريده اتركه فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله ) يعني لا أمنعك ولا أشق عليك بالمنع بشيء أخذته لله عز وجل شف الشكر والاعتراف بالنعمة ( فقال له الملك إنما ابتليتم أمسك عليك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك )
وهذا يدل على أن القصة كانت مشهورة بين الناس ولهذا قال ( سخط على صاحبيك ) فأمسك ماله وبقي قد أنعم الله عليه بالبصر وأما الآخران فإن الظاهر أن الله ردهما إلى ما كانا عليه من الفقر والعاهة والعياذ بالله وفي هذا دليل على أن شكر نعمة الله على العبد من أسباب بقاء النعم وزيادتها كما قال تعالى (( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد )) والله أعلم
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى " عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي وغيره وقال حديث حسن ومعنى دان نفسه أي حاسبها "
2 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... فأتى الأعمى فقال أي شيء أحب إليك قال أن يرد الله إلي بصري فأبصر الناس فمسحه فرد الله إليه بصره قال فأي المال أحب إليك ؟ قال الغنم فأعطي شاة والدا فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من الإبل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ به في سفري فقال الحقوق كثيرة فقال كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله فقال إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد هذا فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ؟ فقال قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله ما أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك . متفق عليه .... " . أستمع حفظ
الآيات المستنبطة من حديث الأبرص والأقرع والأعمى .
سبق لنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن النفر الثلاثة من بني إسرائيل الأبرص والأقرع والأعمى وفي قصتهم آيات من آيات الله عز وجل
منها إثبات الملائكة والملائكة هم عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور وجعل لهم قوة في تنفيذ أمر الله وجعل لهم إرادة في طاعة الله فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
ومنها أن الملائكة قد يكونون على صورة بني آدم فإن الملَك أتى لهؤلاء الثلاثة بصورة إنسان
ومنها أيضا أنهم أعني الملائكة يتكيفون بصورة الشخص المعين كما جاء إلى الأبرص والأقرع والأعمى في المرة الثانية بصورته وهيئته
ومنها أيضا أنه يجوز الاختبار للإنسان بأن يأتي الشخص على هيئة معينة ليختبره فإن هذا الملَك جاء على صورة الإنسان المحتاج المصاب بالعاهة ليرق له هؤلاء الثلاثة مع أن الملك فيما يبدو والعلم عند الله لا يصاب في الأصل بالعاهات ولكن الله سبحانه وتعالى جعلهم يأتون على هذه الصورة من أجل الاختبار
ومنها من الفوائد فيه أن الملَك مسح الأبرص والأقرع والأعمى مسحة واحدة فأزال الله عيبهم بهذه المسحة لأن الله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ولو شاء الله سبحانه وتعالى لأذهب عنهم العاهة بدون هذا الملك ولكن الله سبحانه وتعالى جعل هذا سببا للابتلاء والامتحان
ومنها أن الله تعالى قد يبارك للإنسان بالمال حتى ينتج منه الشيء الكثير فإن هؤلاء النفر الثلاثة صار لواحدٍ وادٍ من الإبل وللثاني وادٍ من البقر وللثالث وادٍ من الغنم وهذا من بركة الله وقد دعا الملك دعا لكل واحد منهم بالبركة يعطيه ( أعطى الأول بعيرا وقال بارك الله لك فيها والثاني أعطاه بقرة وقال بارك الله لك فيها والثالث أعطاه شاة وقال بارك الله لك فيها )
ومنها تفاوت بني آدم في شكر نعمة الله ونفع عباد الله فإن الأبرص والأقرع وقد أعطاهم الله المال الأهم والأكبر جحدا نعمة الله قالا إنما ورثنا هذا المال كابرا عن كابر وهم كذبة في ذلك فإنهم كانوا فقراء وأعطاهم الله المال لكنهم والعياذ بالله جحدوا نعمة الله وقالوا هذا من آبائنا وأجدادنا أما الأعمى فإنه شكر نعمة الله واعترف لله بالفضل ولذلك وفق وهداه الله ( وقال للملك خذ ما شئت ودع ما شئت )
ومنها أيضا إثبات الرضا والسخط لله سبحانه وتعالى أي أنه يرضى على من شاء ويسخط على من شاء وهو من الصفات التي يجب على الإنسان أن يثبتها لربه سبحانه وتعالى لأن الله وصف بها نفسه ففي القرآن الكريم (( رضي الله عنهم ورضوا عنه )) وفي القرآن الكريم (( أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون )) وفي القرآن العظيم الغضب (( وغضب الله عليه ولعنه )) وهذه الصفات وأمثالها يؤمن بها أهل السنة والجماعة بأنها ثابتة لله على وجه الحقيقة ولكنها لا تشبه صفات المخلوقين كما أن الله نفسه عز وجل لا يشبه المخلوقين فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين
ومن فوائد هذا الحديث أن في بني إسرائيل من العجب والآيات ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينقل لنا من أخبارهم حتى نتعظ ومثل هذا الحديث قصة النفر الثلاثة الذين لجأوا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار وعجزوا عن زحزحتها وتوسل كل واحد منهم إلى الله تعالى بصالح عمله
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقص علينا من أنباء بني إسرائيل ما يكون فيه الموعظة والعبرة فعلينا أن نأخذ من هذا الحديث حديث أبي هريرة في الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى عبرة بأن الإنسان إذا شكر نعمة الله واعترف لله بالفضل وأدى ما يجب عليه في ماله فإن ذلك من أسباب البقاء والبركة في ماله والله الموفق
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي وقال حديث حسن قال الترمذي وغيره : ومعنى دان نفسه أي حاسبها ... " .
4 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي وقال حديث حسن قال الترمذي وغيره : ومعنى دان نفسه أي حاسبها ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي وقال حديث حسن قال الترمذي وغيره من العلماء: معنى دان نفسه حاسبها ... " .
( من دان نفسه ) يعني من حاسبها ونظر ماذا فعل من المأمورات وماذا ترك من المنهيات هل قام بما أمر به هل ترك ما نهي عنه إذا رأى من نفسه تفريطا في الواجب استدركه إذا أمكن استدراكه وقام به أو ببدنه إذا رأى من نفسه انتهاكا لمحرم أقلع عنه وندم وتاب واستغفر
وقوله ( عمل لما بعد الموت ) يعني عمل للآخرة لأن كل ما بعد الموت فهو من الآخرة وهذا هذا هو الحق والحزم أن الإنسان يعمل لما بعد الموت لأنه في هذه الدنيا مارٌ بها مرورا والمآل هو ما بعد الموت فإذا فرّط ومضت عليه الأيام وأضاعها في غير ما ينفعه في الآخرة فليس بكيس الكيس هو الذي يعمل لما بعد الموت
( والعاجز من أتبع نفسه هواها ) وصار لا يهتم إلا بأمور الدنيا يتبع نفسه هواها في التفريط في الأوامر يتبع نفسه هواها في فعل النواهي ثم يتمنى على الله الأماني فيقول الله غفور الله غفور رحيم وسوف أتوب إلى الله في المستقبل وسوف أصلح من حالي إذا كبرت وما أشبه ذلك من الأماني الكاذبة التي يمليها الشيطان عليه وربما يدركها وربما لا يدركها
ففي هذا الحديث الحث على انتهاز الفرص وعلى أن لا يضيع الإنسان من وقته فرصة إلا فيما يرضي الله عز وجل وأن يدع الكسل والتهاون والتمني فإن التمني لا يفيد شيئا كما قال الحسن البصري رحمه الله " ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال " فعلينا أيها الإخوة أن ننتهز الفرصة في كل ما يقرب إلى الله من فعل الأوامر واجتناب النواهي حتى إذا قدمنا إلى الله وإذا الإنسان على أكمل ما يكون من حالة نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته
5 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي وقال حديث حسن قال الترمذي وغيره من العلماء: معنى دان نفسه حاسبها ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) حديث حسن رواه الترمذي وغيره .... " .
6 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) حديث حسن رواه الترمذي وغيره .... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) حديث حسن رواه الترمذي وغيره ... " .
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) إسلام المرء هو استسلامه لله عز وجل ظاهرا وباطنا فأما باطنا فاستسلام العبد لربه إصلاح عقيدته وإصلاح قلبه وذلك بأن يكون مؤمنا بكل ما يجب الإيمان به على ما سبق في حديث جبريل وأما الاستسلام ظاهرا فهو إصلاح عمله الظاهر كأقواله بلسانه وأفعاله بجوارحه والناس يختلفون في الإسلام اختلافا ظاهرا كثيرا كما أن الناس يختلفون في أشكالهم وصورهم: منهم الطويل ومنهم القصير ومنهم الضخم ومنهم من دون ذلك ومنهم القبيح ومنهم الجميل يختلفون اختلافا ظاهرا فكذلك أيضا يختلفون في إسلامهم لله عز وجل حتى قال الله تعالى في كتابه (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى )) وإذا كان الناس يختلفون في الإسلام فإن مما يزيد في حسن إسلام المرء أن يدع ما لا يعنيه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) يعني ما لا يهمه لا في دينه ولا في دنياه فالإنسان المسلم إذا أراد أن يجعل إسلامه حسنا فليدع ما لا يعنيه الشيء الذي لا يهمك اتركه فمثلا إذا كان عملا وترددت هل تفعل أو لا تفعل انظر هل هو من الأمور الهامة في دينك ودنياك فافعله وإلا فاتركه فالسلامة أسلم كذلك أيضا ما تتدخل في شؤون الناس لا تتدخل فيها إذا كان ذلك لا يهمك وهذا خلاف ما يفعله بعض الناس اليوم تجد بعض الناس يحرص على أنه يطلع على أحوال الناس يجي اثنين يتكلمون يحاول أنه يقرب من عندهم حتى يسمع ما يقولون يجد شخصا جاء من وجه يعني من جهة من الجهات يبحث وربما يلجئ الشخص نفسه يقول له من أين جئت وماذا قال لك فلان وماذا قلت له وما أشبه ذلك في أمور لا تعنيه ولا تهمه فالشيء الذي لا يعنيك اتركه فإن ذلك من حسن إسلامك وهو أيضا فيه راحة فيه راحة للإنسان كون الإنسان لا يهمه إلا نفسه هذا هو الراحة أما الذي يتتبع أحوال الناس ماذا قيل ماذا قالوا وماذا قيل لهم فإنه سوف يتعب تعبا عظيما ويفوت على نفسه خيرا كثيرا مع أنه لا يستفيد شيئا
فأنت اجعل دأبك دأب نفسك همك هم نفسك انظر ما ينفعك افعله الذي لا ينفعك اتركه ما لك فيه سنام وليس هذا من حسن إسلامك أنت أن تبحث عن أشياء لا تهمك ولو أننا مشينا على هذا وصار الإنسان دأبه دأب نفسه لا ينظر إلا إلى فعله ماذا فعل وماذا أنتج لحصّل خيرا كثيرا أما بعض الناس تجده مشغولا بشؤون غيره فيما لا فائدة له فيه فيضيع أوقاته ويشغل قلبه ويشتت فكره وتضيع عليه مصالح كثيرة وتجد الرجل الدؤوب الذي ليس له هم إلا نفسه وما يعنيه تجده ينتج ويثمر ويحصل ويكون في راحة قلبية وراحة فكرية ولهذا يعد هذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أردت شيء فعلا أو تركا انظر هل يهمك أو لا إن كان لا يهمك اتركه ولا تتعرض له واسترح منه وريّح قلبك وفكرك وعقلك وبدنك إن كان يهمك فعلى كل حال كن إنسان عاقل كما جاء في الحديث السابق ( الكيس من دان نفسه ) فإن كل إنسان عاقل يحرص على أن يعمل لما بعد الموت ويحاسب نفسه على أعمالها والله الموفق
7 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) حديث حسن رواه الترمذي وغيره ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب التقوى قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته )) وقال تعالى (( فاتقوا الله ما استطعتم )) وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى وقال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا )) والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة معلومة وقال تعالى (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) وقال تعالى (( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة ... " .
8 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب التقوى قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته )) وقال تعالى (( فاتقوا الله ما استطعتم )) وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى وقال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا )) والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة معلومة وقال تعالى (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) وقال تعالى (( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب التقوى ... " .
قال المؤلف رحمه الله تعالى " باب التقوى " التقوى اسم مأخوذ من الوقاية وهي أن يتخذ الإنسان ما يقيه من عذاب الله والذي يقيك من عذاب الله هو فعل اوامر الله واجتناب نواهيه فإن هذا هو الذي يقي من عذاب الله عز وجل أن تأخذ بأوامر الله وأن تترك ما نهى عنه
واعلم أن التقوى تقرن أحيانا بالبر فيقال " بر وتقوى " كما في قوله تعالى (( وتعاونوا على البر والتقوى )) وتارة تذكر وحدها فإذا قرنت بالبر صار البر فعل الأوامر والتقوى ترك النواهي وإذا أفردت صارت شاملة تعم فعل الأوامر واجتناب النواهي
وقد ذكر الله تعالى في كتابه أن الجنة أعدت للمتقين فأهل التقوى هم أهل الجنة جعلنا الله وإياكم منهم ولذلك يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل امتثالا لأمره وطلبا لثوابه والنجاة من عقابه
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته )) وقال تعالى (( فاتقوا الله ما استطعتم )) وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى ..." .
الحاصل أن التقوى كغيرها منوطة بالاستطاعة فمن لم يستطع شيئا من أوامر الله فإنه يعدل إلى ما يستطيع ومن اضطر إلى شيء من محارم الله حلّ له ما ينتفع به في دفع الضرورة لقوله تعالى (( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه )) حتى إن الرجل لو اضطر إلى أكل لحم الميتة أو أكل لحم الخنزير أو أكل لحم الحمار أو غير ذلك من المحرمات فإنه يجوز له أن يأكل منه ما تندفع به ضرورته فهذه هي تقوى الله أن تفعل أوامره ما استطعت وأن تتجنب نواهيه ما استطعت ويأتي إن شاء الله الآيات التي فيها بيان ثواب المتقي وحسن عاقبته ومآله
القارئ : قال رحمه الله تعالى " في باب التقوى قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته )) وقال تعالى (( فاتقوا الله ما استطعتم )) وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى وقال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا )) والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة معلومة وقال تعالى (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) وقال تعالى (( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة "
10 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته )) وقال تعالى (( فاتقوا الله ما استطعتم )) وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى ..." . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا )) والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة معلومة وقال تعالى (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) وقال تعالى (( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة ... "
الحاصل أن التقوى كغيرها منوطة بالاستطاعة فمن لم يستطع شيئا من أوامر الله فإنه يعدل إلى ما يستطيع ومن اضطر إلى شيء من محارم الله حلّ له ما ينتفع به في دفع الضرورة لقوله تعالى (( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه )) حتى إن الرجل لو اضطر إلى أكل لحم الميتة أو أكل لحم الخنزير أو أكل لحم الحمار أو غير ذلك من المحرمات فإنه يجوز له أن يأكل منه ما تندفع به ضرورته فهذه هي تقوى الله أن تفعل أوامره ما استطعت وأن تتجنب نواهيه ما استطعت ويأتي إن شاء الله الآيات التي فيها بيان ثواب المتقي وحسن عاقبته ومآله
القارئ : قال رحمه الله تعالى " في باب التقوى قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته )) وقال تعالى (( فاتقوا الله ما استطعتم )) وهذه الآية مبينة للمراد من الأولى وقال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا )) والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة معلومة وقال تعالى (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) وقال تعالى (( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة "
11 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا )) والآيات في الأمر بالتقوى كثيرة معلومة وقال تعالى (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) وقال تعالى (( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة ... " أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة ... " .
قال المؤلف رحمه الله تعالى وهو يسوق الآيات أو بعضا من آيات التقوى في فوائدها وحكمها تقدم لنا الكلام على آيتين من آيات الله وهي قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته )) وقوله تعالى (( فاتقوا الله ما استطعتم )) ثم ساق المؤلف الآية الثالثة وهي قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )) فأمر الله تعالى بأمرين بتقوى الله وأن يقول الإنسان قولا سديدا أي صوابا وقد سبق الكلام على التقوى وأنها فعل أوامر الله واجتناب نواهيه أما القول السديد فهو القول الصواب وهو يشمل كل قول فيه خير سواء كان من ذكر الله أو من طلب العلم أو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو من الكلام الحسن الذي يستجلب به الإنسان مودة الناس ومحبتهم أو غير ذلك يجمعه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) وضد ذلك القول غير السديد وهو القول الذي ليس بصواب بل خطأ إما في موضوعه وإما في محله إما في موضوعه بأن يكون كلاما فاحشا يشتمل على السب والشتم والغيبة والنميمة وما أشبه ذلك أو في محله يعني بأن يكون هذا القول في نفسه هو خير لكن كونه يقال في هذا المكان ليس بخير لأن لكل مقام مقال فإذا قلت كلاما هو في نفسه ليس بشر لكنه يسبب شرا إذا قلته في هذا المحل فلا تقله لأن هذا ليس بقول سديد بل هو قول خطأ وإن كان هو ليس حراما فمثلا لو فرض أن شخصا رأى إنسانا على منكر ونهاه عن المنكر لكن نهاه في حال لا ينبغي أن يقول له فيها شيئا أو أغلظ له في القول أو ما أشبه ذلك لعدّ هذا قولا غير سديد فإذا اتقى الإنسان ربه وقال قولا سديدا حصل على فائدتين (( يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )) فبالتقوى صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب وبالقول السديد صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب وعلم من هذه الآية أن من لم يتق الله ويقل قولا سديدا فإنه حري بأن لا يصلح الله له أعماله ولا يغفر له ذنبه ففيه الحث على تقوى الله وبيان فوائدها
وقال تعالى وهي الآية الرابعة (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) من يتق الله يعني يفعل ما أمر به ويترك ما نهى عنه يجعل له مخرجا، مخرجا من أي شيء من كل ضيق كلما ضاق عليه الشيء وهو متقٍ لله عز وجل جعل له مخرجا سواء كان ذلك في معيشة أو في أموال أو في أولاد أو في مجتمع أو غير ذلك متى كنت متقيا لله فثق بأن الله سيجعل لك مخرجا من كل ضيق واعتمد ذلك لأنه قول من يقول للشيء كن فيكون (( من يتق الله يجعل له مخرجا )) وما أكثر الذين اتقوا الله فجعل لهم مخرجا من ذلك قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار انطبق عليهم الغار نزلت صخرة على باب الغار فسدته فأرادوا أن يزيحوها فعجزوا فتوسل كل منهم بصالح أعماله إلى الله عز وجل ففرّج الله عنهم وزالت الصخرة جعل الله لهم مخرجا والأمثلة على هذا كثيرة
(( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) هذا أيضا فائدة عظيمة أن الله يرزقك من حيث لا تحتسب فمثلا لو فرضنا أن رجلا يكتسب المال عن طريق محرّم كطريق الغش أو الربا وما أشبه ذلك ونصح في هذا وتركه لله فإن الله سيجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ولكن لا تتعجل لا تظن أن الأمر إذا تأخر فلن يكون قد يبتلي الله العبد فيؤخر عنه الثواب ليختبره هل يرجع إلى الذنب أو لا يرجع فمثلا إذا كنت تتعامل بالربا ووعظك من يعظك من الناس وتركت ذلك ولكنك بقيت شهرا أو شهرين ما وجدت ربحا لا تيأس لا تقل أين الرزق من حيث لا أحتسب انتظر ثق بوعد الله وصدّق بوعد الله وستجده لا تتعجل ولهذا جاء في الحديث ( يستجاب لأحدكم ) يعني إذا دعا ( ما لم يعجل ) قالوا كيف يعجل يا رسول الله ( قال يقول دعوت ثم دعوت ثم دعوت فلم يستجب لي ) اصبر اترك ما حرّم الله عليك وانتظر الفرج والرزق من حيث لا تحتسب والله الموفق
القارئ : قال رحمه الله تعالى " باب في التقوى وقال تعالى (( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة "
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
تقدم الكلام على آيات متعددة أربع آيات في التقوى وحكمها وبيان ما فيها وما لها من الثمرات
أما هذه الآية الخامسة فهي قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )) هذه ثلاث فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى يقول (( يجعل لكم فرقانا )) أي يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل وبين الضار والنافع وهذا يدخل فيه العلم بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتحها لغيره فإن التقوى يحصل بها زيادة الهدى وزيادة العلم وزيادة الحفظ ولهذا يذكر عن الشافعي رحمه الله أنه قال
" شكيت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور *** ونور الله لا يؤتاه عاصي "
ولا شك أن الإنسان كلما ازداد علما ازداد معرفة وازداد فرقانا بين الحق والباطل وبين الضار والنافع وكذلك يدخل فيه ما يفتحه الله على الإنسان من الفهم فإن التقوى سبب لقوة الفهم وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم فإنك ترى الرجلين يحفظان آية من كتاب الله يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام مثلا ويستطيع الآخر أن يستخرج أربعة خمسة عشرة أكثر بحسب ما آتاه الله من الفهم فالتقوى إذن سبب لزيادة الفهم ويدخل في ذلك أيضا الفراسة أن الله يعطي المتقي فراسة يميّز بها حتى بين الناس بمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق أنه بر أو فاجر حتى إنه ربما يحكم على الشخص وهو لم يعاشره ولم يعرف عنه شيئا بسبب ما أعطاه الله من الفراسة ويدخل في ذلك أيضا ما يحصل للمتقين من الكرامات التي لا تحصل لغيرهم