تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها رواه مسلم ... " .
الشيخ : وذلك أن للأكل والشرب آدابًا، آدابًا فعلية وآدابًا قولية، أما الآداب الفعلية فأن يأكل باليمين ويشرب باليمين ولا يحل له أن يأكل بشماله أو يشرب بشماله فإن هذا حرام على القول الراجح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله وأخبر أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله )( وأكل رجل بشماله عنده فقال: كل بيمينك، قال لا أستطيع، فقال: لا استطعت، فما استطاع الرجل بعد ذلك أن يرفع يده اليمنى إلى فمه ) عُوقب والعياذ بالله، أما الآداب القولية فأن يسمي عند الأكل يقول بسم الله، والصحيح أن التسمية عند الأكل أو الشرب واجبة وأن الإنسان يأثم إذا لم يسم الله عند أكله أو شربه، لأنه إذا لم يفعل يعني إذا لم يسم عند الأكل أو الشرب فإن الشيطان يأكل معه ويشرب معه، ولهذا يجب على الإنسان إذا أراد أن يأكل أن يسمي الله، وإذا نسي أن يسمي في أول الطعام ثم ذكر في أثنائه فليقل: بسم الله أوله وآخره، وإذا نسي أحد أن يسمي وأنت معه فقل فذكِّره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكَّر عمر بن أبي سلمة وهو ربيبه ابن زوجته أم سلمة رضي الله عنها حينما تقدم للأكل فأكل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) وهذا فيه دليل على أن التسمية إذا كانوا جماعة تكون من كل واحد، كل واحد يسمي لا يكفي أن يسمي واحد عن الجميع، بل كل إنسان يسمي لنفسه، هذه آداب قولية التسمية عند الأكل أو الشرب وهي واجبة لا يحل لأحد أن يدعها، أما الآداب عند الانتهاء فأن يحمد الله يحمد الله عز وجل على هذه النعمة حيث يسر له هذا الأكل مع أنه لا أحد يستطيع أن ييسره، كما قال تعالى: (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ))(( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ )) لولا أن الله عز وجل نمَّى هذا الزرع حتى كمل وتيسر حتى وصل إلى بين يديك لعجزت عنه، وكذلك الماء لولا أن الله يسر فأنزله من المزن وسلكه ينابيع في الأرض حتى استخرجته لما حصل لك هذا، ولهذا قال: (( لو نشاء )) قال في الزرع: (( (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ )) وقال في الماء: (( لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ )) فلهذا كان من شكر نعمة الله عليك بهذا الأكل والشرب أن تحمد الله إذا انتهيت من الشرب أو من الأكل، ويكون هذا سببًا لرضا الله عنك، وقوله: ( الأكلة ) فسرها المؤلف بأنها الغدوة والعشوة يعني وليست الردة، أنك كلما أكلت ردة قلت الحمد لله أو كلما أكلت تمرة قلت الحمد لله، السنة إذا انتهيت نهائيًّا مرة، وذكر أن الإمام أحمد رحمه الله كان يأكل ويحمد على كل ردة، فقيل له في ذلك: فقال: أكل وحمد خير من أكل وسكوت، ولكن لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإنسان إذا حمد الله في آخر أكله أو آخر شربه كفى، ولكن إن رأى مصلحة مثلًا في الحمد يذكر غيره أو ما أشبه ذلك فأرجو ألا يكون في هذا بأس كما فعله الإمام أحمد رحمه الله، والله الموفق. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( على كل مسلم صدقة ) قال أرأيت إن لم يجد ؟ قال ( يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق ) قال أرأيت إن لم يستطع ؟ قال ( يعين ذا الحاجة الملهوف )قال أرأيت إن لم يستطع قال ( يأمر بالمعروف أو الخير ) قال أرأيت إن لم يفعل ؟ قال ( يمسك عن الشر فإنها صدقة ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على كل مسلم صدقة، قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قال: أرأيت إن لم يستطع، قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال : يمسك عن الشر فإنها صدقة ) متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( على كل مسلم صدقة ) قال أرأيت إن لم يجد ؟ قال ( يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق ) قال أرأيت إن لم يستطع ؟ قال ( يعين ذا الحاجة الملهوف )قال أرأيت إن لم يستطع قال ( يأمر بالمعروف أو الخير ) قال أرأيت إن لم يفعل ؟ قال ( يمسك عن الشر فإنها صدقة ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. نقل المؤلف رحمه الله تعالى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على كل مسلم صدقة ) وقد مر علينا مثل هذا التعبير من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أعم منه حيث قال: ( على كل سُلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ) والسُّلامى هي مفاصل العظام، وهذا يدل على أن لله عز وجل علينا صدقة كل يوم، هذه الصدقة متنوعة إما أن تكون تسبيحة أو تكبيرة أو تهليلة أو أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر أو أن تعين الملهوف، المهم أن طرق الخيرات كثيرة، ولكن النفس الأمارة بالسوء تثبط الإنسان عن الخير، وإذا هم بشيء فتحت له بابًا غيره، ثم إذا هم به فتحت له بابًا آخر حتى يضيع عليه الوقت ويخسر وقته ولا يستفيد منه شيئًا، ولهذا ينبغي للإنسان أن يبادر ويسارع في الخير، كلما فتح له باب من الخير فليسارع إليه، لقوله تعالى: (( فاستبقوا الخيرات )) ولأن الإنسان إذا انفتح له باب الخير أول مرة ولكنه لم يفعل فإنه يوشك أن يؤخره الله عز وجل، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ) فالمهم أنه ينبغي للإنسان العاقل الحازم المؤمن أن ينتهز سبل الخير وأن يحرص غاية الحرص على أن يأخذ من كل باب منها بنصيب حتى يكون ممن سارع في الخيرات وجنى ثمرات هذه الأعمال الصالحة، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته إنه جواد كريم. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب في الاقتصاد في الطاعة . قال الله تعالى (( طه ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى )) وقال تعالى (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) . عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال ( من هذه ؟ ) قالت هذه فلانة تذكر من صلاتها قال ( مه عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما دوام صاحبه عليه ) . متفق عليه . ومه كلمة نهي وزجر ومعنى لا يمل الله أي لا يقطع ثوابه عنكم وجزاء أعمالكم ويعاملكم معاملة المال حتى تملوا فتتركوا فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون الدوام عليه ليدوم ثوابه لكم وفضله عليكم . ... " .
القارئ : قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب في الاقتصاد في الطاعة. قال الله تعالى: (( طه ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى )) وقال تعالى: (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ))، وعن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال: من هذه؟ قالت: هذه فلانة تذكر من صلاتها، قال: مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما دوام صاحبه عليه ) متفق عليه ومه كلمة نهي وزجر، ومعنى لا يمل الله: لا يقطع ثوابه عنكم وجزاء أعمالكم ويعاملكم معاملة المالّ حتى تملوا فتتركوا، فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون الدوام عليه ليدوم ثوابه لكم وفضله عليكم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب في الاقتصاد في الطاعة . قال الله تعالى (( طه ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى )) وقال تعالى (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. لما ذكر المؤلف رحمه الله في الباب السابق كثرة طرق الخير بين في هذا الباب أنه ينبغي للإنسان أن يقتصد في الطاعة فقال: " باب الاقتصاد في الطاعة "، والاقتصاد هو أن يكون الإنسان وسطًا بين الغلو والتفريط، لأن هذا هو المطلوب من الإنسان في جميع أحواله أن يكون دائرًا بين الغلو والتفريط، قال الله تعالى: (( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً )) وهكذا الطاعة ينبغي أن تقتصد فيها، بل يجب عليك أن تقتصد فيها فلا تكلف نفسك ما لا تطيق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه خبر الثلاثة الذين قال أحدهم: ( إني لا أتزوج النساء، وقال الثاني: أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أقوم ولا أنام، خطب عليه الصلاة والسلام وقال: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن رغب عن سنته وكلف نفسه ما لا تطيق، ثم استشهد المؤلف بقول الله تعالى: (( طه ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى )) طه هذه حرفان من حروف الهجاء أحدهما طاء والثاني هاء، وليست اسمًا من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كما زعمه بعضهم، بل هي من الحروف الهجائية التي ابتدأ الله بها في بعض الصور الكريمة من كتابه العزيز، وهي حروف ليس لها معنى، لأن القرآن نزل باللغة العربية، واللغة العربية لا تجعل للحروف الهجائية معنى لا يكون لها معنى إلا إذا ركبت وكانت كلمة، ولكن لها مغزى عظيم، هذا المغزى العظيم هو التحدي الظاهر لهؤلاء المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام، هؤلاء المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم عجزوا أن يأتوا بشيء مثل القرآن، لا بسورة ولا بعشر سور ولا بآية عجزوا، ومع هذا فإن هذا القرآن الذي أعجزهم ليس لم يأت بحروف غريبة لم يكونوا يعرفونها، بل أتى بالحروف التي يركبون منها كلامهم ولهذا لا تكاد تجد صورة ابتدأت بهذه الحروف إلا وجدت بعدها ذكر القرآن في سورة البقرة (( آلم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ )) في آل عمران (( آلم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ )) في الأعراف (( المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ )) في سورة يونس (( آلر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ )) وهكذا نجد بعد كل بعد كل حروف هجائية يأتي ذكر القرآن إشارة إلى أن هذا القرآن كان من هذه الحروف التي يتركب منها كلام العرب، ومع ذلك أعجز العرب هذا هو الصحيح في معنى أو في المراد من هذه الحروف الهجائية، وقوله عز وجل: (( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )) يعني ما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم هذا القرآن لينال الشقاء به، ولكن لينال السعادة والخير والفلاح في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى في هذه السورة نفسها: (( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى )) أسأل الله ألا ينسيني وإياكم ذكره (( وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ))(( مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى )) ولكن لتسعد في الدنيا والآخرة، ولهذا لما كانت الأمة الإسلامية أمة القرآن تتمسك به وتهتدي بهديه صارت لها الكرامة والعزة والرفعة على جميع الأمم، ففتحوا مشارق الأرض ومغاربها، ولما تخلفت عن العمل بهذا القرآن تخلف عنها من العزة والنصر والكرامة بقدر ما تخلفت به من العمل بهذا القرآن، ثم ساق المؤلف آية أخرى وهي قول الله تعالى: (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) يعني: أن الله يريد بنا فيما شرع لنا التيسير، وهذه الآية كما يعلم أكثركم نزلت في آيات الصيام آيات الصيام، قد يظن الظان أنه ألزم الناس به للمشقة والتعب، ولكن الله بين أنه يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، ولهذا من سافر لم يجب عليه الصوم يقضي من أيام أخر، من مرض لم يجب عليه الصوم يقضي من أيام أخر، هذا من التيسير (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) ولهذا كان هذا الدين الإسلامي ولله الحمد دين السماحة واليسر والخير والسهولة، أسأل الله أن يرزقني وإياكم التمسك به والوفاة عليه وملاقاة ربنا عليه، اللهم صل على محمد. القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال: من هذه؟ قالت: هذه فلانة تذكر من صلاتها، قال: مه، عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما دوام صاحبه عليه )، متفق عليه، ومه كلمة نهي وزجر، ومعنى لا يمل الله أي: لا يقطع ثوابه عنكم وجزاء أعمالكم ويعاملكم معاملة المالِّ حتى تملوا فتتركوا، فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون الدوام عليه ليدوم ثوابه لكم وفضله عليكم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال ( من هذه ؟ ) قالت هذه فلانة تذكر من صلاتها قال ( مه عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما دوام صاحبه عليه ) . متفق عليه . ومه كلمة نهي وزجر ومعنى لا يمل الله أي لا يقطع ثوابه عنكم وجزاء أعمالكم ويعاملكم معاملة المال حتى تملوا فتتركوا فينبغي لكم أن تأخذوا ما تطيقون الدوام عليه ليدوم ثوابه لكم وفضله عليكم . ... " .
الشيخ : قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عائشة رضي الله عنها في باب الاقتصاد في الطاعة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ) يعني: على عائشة ( وعندها امرأة فقال: من هذه؟ قالت: فلانة وذكرت من صلاتها ) يعني: أنها تصلي كثيرًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مه ) مه يعني: أمر بالكف فهي عند النحويين اسم فعل بمعنى اكفف، وصه بمعنى اسكت، فالمعنى أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر هذه المرأة أن تكف عن عملها الكثير الذي قد يشق عليها وتعجز عنه في المستقبل فلا تديمه، ثم أمر النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نأخذ من العمل بما نطيق فقال: ( عليكم العمل بما تطيقون ) يعني لا تكلفوا أنفسكم وتجهدوها، فإن الإنسان إذا أجهد نفسه وكلف نفسه ملت وكلت ثم انحسرت وانقطعت، وذكرت عائشة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب الدين إليه أدومه أو ما داوم عليه صاحبه ) يعني: أن العمل وإن قل إذا داومت عليه كان ذلك أحسن لك، لأنك تفعل العمل براحة وتتركه وأنت ترغب فيه لا تتركه وأنت تمل منه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( فإن الله لا يمل حتى تملوا ) يعني: أن الله عز وجل يعطيكم من الثواب بقدر عملكم، مهما داومتم من العمل فإن الله تعالى يثيبكم عليه، وهذا الملل الذي يفهم من ظاهر الحديث أن الله يتصف به ليس كمللنا نحن، لأن مللنا نحن ملل تعب وكسل، وأما ملل الله عز وجل فإنه صفة يختص به جل وعلا والله سبحانه وتعالى لا يلحقه تعب ولا يلحقه كسل، قال تعالى: (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ )) هذه السموات العظيمة والأرض وما بينهما خلقها الله تعالى في ستة أيام الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، قال: (( وما مسنا من لغوب )) يعني: ما تعبنا بخلقنا في هذه المدة الوجيزة مع عظمها، ففي هذا الحديث فوائد: منها: أن الإنسان ينبغي له إذا رأى عند أهله أحدًا أن يسأل من هم، لأنه قد يكون هذا الداخل على الأهل ممن لا يرغب في دخوله، فإن من النساء من تأتي إلى أهل البيت تحدثهم بأحاديث يأثمون بها من الغيبة وغيرها، وربما تدخل امرأة بحسن نية أو بغير حسن نية تسأل مثل عن البيت ويش يسوي زوجك ويش يسوي ولدك ويش يسوي أخوك؟ ثم إذا ذكرت ما يفعل قالت هذا بسيط كيف ما يعطيكم إلا كذا كيف ما يعطيكم إلا الثياب هذه إلا الطعام هذا؟ وهو مغنيه الله وفاعل وتارك حتى تفسد المرأة على زوجها، فلذلك ينبغي للإنسان أن يبحث إذا وجد عند أهله أحدًا أن يسأل عنهم من هؤلاء؟ كما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عائشة عن المرأة التي عندها، وفيه أيضًا أنه ينبغي للإنسان ألا يجهد نفسه بالطاعة وكثرة العمل، فإنه إذا فعل هذا ملّ ثم ترك وكونه يبقى على العمل ولو قليلًا مستمرًا عليه أفضل، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ( لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت ) قال ذلك رغبة في الخير قال: ( لأصومن النهار ) كل الليل ( ولأقومن الليل ما عشت ) أبدًا يعني، فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: ( أنت الذي قلت ذلك؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: إنك لا تطيق ذلك إنك لا تطيق ذلك، ثم أمره أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، فأمره أن يصوم يومًا ويفطر يومين، فقال: أطيق أكثر من ذلك، فقال: صم يومًا وأفطر يومًا، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك هذا صيام داود ) كبر عبد الله بن عمرو وصار يشق عليه أن يصوم وما ويترك يومًا فقال: ( ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم ثم صار يصوم خمسة عشر يوما سردًا ويفطر خمسة عشرًا يوما سردًا ) ففي هذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يعمل العبادة على وجه مقتصد، لا غلو ولا تفريط حتى يتمكن من الاستمرار عليها، وأحب العمل إلى الله عز وجل أدومه وإن قلَّ، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال الآخر وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر وقال الآخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ ! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أنس رضي الله عنه قال: ( جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال: أحدهم أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبدًا ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال الآخر وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر وقال الآخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ ! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عائشة رضي الله عنها في باب الاقتصاد في العبادة أن ثلاثة نفر جاؤوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون زوجاته عن عمله الذي يعمله في بيته، وذلك لأن عمل النبي صلى الله عليه وسلم إما ظاهر يعرفه الناس كلهم كالذي يفعله في المسجد أو في السوق أو في مجتمعاتهم مع أصحابه، فهذا ظاهر يعرفه غالب الصحابة الذين في المدينة، وإما أن يكون سرًّا لا يعرفه إلا من في بيته أو من كانوا من خدمه مثل عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وغيرهما، فجاء هؤلاء النفر الثلاثة إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألونهم كيف كانت عبادته في السر؟ يعني في بيته فأخبروا بذلك فكأنهم تقالُّوها لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم ويفطر وكان يقوم ويرقد وكان يتزوج النساء عليه الصلاة والسلام ويستمتع بهن، فكأنهم تقالُّوا هذا العمل لأن معهم نشاطًا رضي الله عنهم على حب الخير، ولكن النشاط ليس مقياسًا، المقياس ما جاء به الشرع فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( أنتم قلتم كذا وكذا؟ قالوا: نعم ) لأن أحدهم قال: أصلي الليل أبدًا ولا أرقد، والثاني قال: أصوم النهار أبدًا ولا أفطر، والثالث قال: أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فأقروا على أنفسهم بأنهم قالوا ذلك، ولا شك أن هذا الذي قالوه لا شك أنه خلاف الشرع، لأن هذا فيه إشقاقًا على النفس وإتعابًا لها، يبقى الإنسان لا يرقد أبدًا كل الدهر يصلي هذا لا شك أنه مشق على النفس ومتعب لها وأنه داع إلى الملل، وبالتالي إلى كراهة العبادة لأن الإنسان إذا مل الشيء كرهه، كذلك الذي قال: أصوم أبدًا يبقى صيفًا وشتاءً صائمًا هذا لا شك أنه مشقة، والثالث قال: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدًا، هذا أيضًا يشق على الإنسان لاسيما الشباب يشق عليهم أن يدع النكاح، وهو منهي عنه أعني التبتل وعدم النكاح منهي عنه، قال عثمان بن مظعون: ( لو أذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن التبتل شديدًا ولو أذن لنا لاختصينا ) فالمهم أن هذه العبادة التي أرادها هؤلاء رضي الله عنهم كانت شاقة وهي خلاف السنة، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام سألهم واستقرهم هل قالوا ذلك؟ قالوا: نعم، قال: ( أما أنا فأصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) يعني من رغب عن طريقتي واتخذ عبادة أشد فإنه ليس مني، ففي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يقتصد في العبادة، بل ينبغي له أن يقتصد في جميع أموره، لأنه إن قصر فاته خير كثير، وإن شدد فإنه سوف يكل ويرجع ويعجز، ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون في أعماله كلها مقتصدًا يمشي بالراحة، ولهذا جاء في الحديث ( إن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى ) المنبت يعني يمشي ليلًا ونهارًا دائمًا هذا لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى يتعب ظهره وبالتالي يعجز ويحسر ويتعب ما يمشي، فالاقتصاد في العبادة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لك أيها العبد أن تشق على نفسك امش رويدًا رويدًا، وكما سبق في الحديث الذي قبل أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ، فعليك بالراحة لا تقصر ولا تزد، خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من متبعي هديه الذين يمشون على طريقته وسنته.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( هلك المتنطعون قالها ثلاثا ) رواه مسلم . المتنطعون المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هلك المتنطعون، قالها ثلاثًا ) رواه مسلم. والمتنطعون المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( هلك المتنطعون ) . رواه مسلم . المتنطعون المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون ) الهلاك ضد البقاء، يعني أنهم تلفوا وخسروا، والمتنطعون هم المتشددون في أمورهم الدينية والدنيوية، ولهذا جاء في الحديث: ( لا تشددوا فيشدد الله عليكم ) وانظر إلى قصة بني إسرائيل حين قتلوا قتيلًا فتدارؤوا فيه وتنازعوا حتى كادت الفتنة أن تثور بينهم، فقال لهم موسى عليه الصلاة والسلام: (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً )) يعني وتأخذوا جزءا منها فتضربوا به القتيل ثم يخبركم من الذي قتله، فقالوا له: (( أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً )) يعني: أن تقول لنا اذبحوا بقرة واضربوا ببعضها القتيل ثم يخبركم بمن قتله، لو أنهم استسلموا وسلموا لأمر الله وذبحوا أي بقرة كانت لحصل مقصودهم، لكنهم تعنتوا تعنتوا فهلكوا قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟ ثم قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها؟ ثم قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي وما عملها؟ وبعد أن شُدد عليهم ذبحوها وما كادوا يفعلون، كذلك أيضًا من التشديد في العبادة أن يشدد الإنسان على نفسه في الصلاة أو في الصوم أو في غير ذلك مما يسَّره الله عليه، فإنه إذا شَدد على نفسه فيما يسر الله عليه فهو هالك، ومن ذلك ما يفعله بعض المرضى ولاسيما في رمضان يكون الله قد أباح له الفطر وهو مريض يحتاج إلى الفطر أكل وشرب، ولكنه يشدد على نفسه فيبقى صائمًا فهذا أيضًا نقول: إنه ينطبق عليه الحديث ( هلك المتنطعون ) ومن ذلك ما يفعله بعض الطلبة المجتهدين في باب التوحيد تجدهم إذا مرت بهم الآيات أو الأحاديث من صفات الرب عز وجل جعلوا ينقبون عنها، ويسألون أسئلة ما كُلِّفوا بها ولا درج عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم، فتجد الواحد ينقب عن أشياء ليست من الأمور التي كلف بها تنطعًا وتشدقًا، فنحن نقول لهؤلاء إن كان يسعكم ما وسع الصحابة رضي الله عنهم فأمسكوا، وإن لم يسعكم فلا وسع الله عليكم، وثقوا بأنكم ستقعون في شدة وفي حرج وفي قلق يعني مثلًا بعض الناس يقول: إن الله عز وجل له أصابع كما جاء في الحديث الصحيح: ( ما من قلب من قلوب بني آدم إلا وهو بين أصبعين من أصابع الله ) فيبحث هل لهذه الأصابع كم عددها؟ وهل لها أنامل؟ وكم أناملها؟ وما أشبه ذلك، كذلك مثلًا ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول كيف ينزل شلون ينزل ثلث الليل وثلث الليل يدور على الأرض كلها؟ معنى ذلك أنه نازل دائمًا وما أشبه ذلك من الكلام الذي لا يؤجرون عليه ولا يحمدون عليه، بل هم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة، وهم إلى الذم أقرب منهم إلى المدح، هذه المسائل التي لم يُكلف بها الإنسان وهي من مسائل الغيب، ولم يسأل عنها من هو خير منه وأحرص منه على معرفة الله بأسمائه وصفاته، يجب عليه أن يمسك عنها وأن يقول سمعنا وأطعنا وصدقنا وآمنا، أما أن يبحث أشياء دقيقة ما لها فائدة فإن هذا لا شك أنه من التنطع، ومن ذلك أيضًا: ما يفعله بعض الطلبة من إدخال الاحتمالات العقلية في الدلائل اللفظية، فتجده يقول يحتمل كذا ويحتمل كذا حتى يضيع فائدة النص، وحتى يبقى النص كله مرجوجًا لا يستفاد منه، هذا غلط خذ بظاهر النصوص ودع عنك الاحتمالات العقلية، لو أننا سلطنا الاحتمالات العقلية على الأدلة اللفظية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما بقي لنا حديث واحد أو آية واحدة يستدل بها الإنسان، لو أورد عليها كل شيء، والأمور العقلية هذه قد تكون وهميات وخيالات من الشيطان يلقيها في قلب الإنسان حتى يزعزع عقيدته وإيمانه والعياذ بالله، ومن ذلك أيضًا ما يفعله بعض المتشددين في الوضوء تجدهم مثلًا يتوضأ ثلاثًا أربعًا خمسًا سبعًا أكثر وهو في عافية من ذلك، يذكر أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يتوضأ فإذا وجدت الأرض التي تحته وإذا ليس فيها إلا نقط من الماء من قلة ما يستعمل من الماء، بعض الناس تجده يشدد في الماء فيشدد الله عليه، إذا استرسل مع هذا الوسواس ما كفاه أربع ولا خمس ولا ست ولا أكثر من ذلك، يسترسل معه الشيطان حتى يخرج عن طوره حتى يقول ها هل أحد عاقل يتصرف هذا التصرف، في الاغتسال من الجنابة أيضًا تجده يتعب يتعب تعبًا عظيمًا في الاغتسال، في إدخال الماء في أذنيه في إدخال الماء في منخريه وهكذا فيتعب، كل هذا داخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون ) فكل من شدد على نفسه في أمر قد وسع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) رواه البخاري وفي رواية له ( سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة القصد القصد تبلغوا ) .
القارئ : " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) رواه البخاري. وفي رواية له: ( سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، القصد القصد تبلغوا ) ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) رواه البخاري . وفي رواية له ( سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة القصد القصد تبلغوا ) .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. ساق المؤلف رحمه الله في باب القصد في العبادة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدين يسر )( إن الدين يسر ) يعني الدين الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم والذي يدين به العباد ربهم يتعبدون له به يسر، كما قال عز وجل: (( (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )) وقال تعالى حين ذكر أمره بالوضوء والغسل من الجنابة والتيمم عند العدم أو المرض قال: (( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ )) وقال تعالى: (( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج )) فالنصوص كلها تدل على أن هذا الدين يسر وهو كذلك، فكر الإنسان في العبادات اليومية تجد أنها خمس صلوات ميسرة موزعة في أوقات يتقدمها طهر طهر للبدن وطهر للقلب، يتوضأ الإنسان عند كل صلاة ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين ومن المتطهرين، فيطهر بدنه أولًا ثم يطهر قلبه بالتوحيد ثانيًا، ثم يصلي، فكر أيضًا في الزكاة وهي الركن الثالث من أركان الإسلام تجد أنها سهلة، أولًا لا تجب إلا في الأموال النامية أو ما في حكمها، يعني لا تجب في كل مال، في الأموال النامية التي تنمو وتزيد كالتجارة أو ما في حكمها كالذهب والفضة وإن كان لا يزيد، أما ما يستعمله الإنسان في بيته وفي مركوبه فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ليس على المؤمن في عبده ولا فرسه صدقة ) هذا ليس فيه صدقة، جميع أواني البيت وفرش البيت والخدم اللي في البيت والسيارات وغيرها مما يستعمله الإنسان لخاصة نفسه فإنه ليس فيه زكاة، هذا يسر، ثم الزكاة الواجبة يسيرة جدًّا ربع العشر، يعني واحدًا من أربعين هذا أيضًا يسير، ثم إذا أديت الزكاة فإنها لن تنقص مالك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما نقصت صدقة من مال ) بل تجعل فيه البركة وتنميه وتزكيه وتطهره، انظر إلى الصوم الصوم أيضًا ليس كل السنة ولا نصف السنة ولا ربع السنة، شهر واحد من اثني عشر شهرًا، ومع ذلك هو ميسر إذا مرضت فأفطر إذا سافرت فأفطر إذا كنت لا تستطيع الصوم في كل دهرك فأطعم عن كل يوم مسكينًا، انظر إلى الحج أيضًا ميسر (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) ومن لم يستطع فإن كان غنيًّا بماله أناب من يحج عنه، وإن كان غير غني بماله ولا بدنه سقط عنه الحج، فالحاصل أن الدين يسر، يسر في أصل التشريع ويسر فيما إذا طرأ ما يوجب الحاجة إلى التيسير، قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمران بن حصين: ( صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب ) فالدين يسر، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) يعني لن يطلب أحد التشدد في الدين إلا غلب وهزم ومل وكل وتعب ثم استحسر فترك، هذا معنى قوله: ( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) يعني أنك إذا شددت الدين وطلبت الشدة فسوف يغلبك الدين وسوف تهلك، كما قال في الحديث السابق: ( هلك المتنطعون ) ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( سددوا وقاربوا وأبشروا ) هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام سدد يعني افعل الشيء على وجه السداد والإصابة فإن لم يتيسر فقارب، ولهذا قال: ( وقاربوا ) والواو هنا بمعنى أو، يعني سددوا إن أمكن، وإن لم يمكن فالمقاربة ( وأبشروا ) يعني أبشروا أنكم إذا سددتم وأصبتم أو قاربتم فأبشروا بالثواب الجزيل والخير والمعونة من الله عز وجل، وهذا يستعمله النبي عليه الصلاة والسلام كثيرًا ما يبشر أصحابه بما يسرهم، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على إدخال السرور على إخوانه ما استطاع بالبشارة والبشاشة وغير ذلك، لما حدث النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن الله تعالى يقول: ( يا آدم ) يوم القيامة: ( يا آدم فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج من ذريتك بعث النار، أو قال: بعثًا إلى النار، قال: يا رب ما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمئة وتسعة وتسعون ) تسعمئة وتسع وتسعون من بني آدم كلهم من أهل النار، وواحد في الجنة عظم ذلك على الصحابة ( وقالوا: يا رسول الله أينا ذلك الواحد؟ فقال: أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أخل الجنة، شطر أهل الجنة حتى كبر الصحابة فرحًا بذلك ) فقال: ( أبشروا ) وهكذا ينبغي الإنسان أن يستعمل البشرى لإخوانه ما استطاع، ولكن أحيانًا يكون الإنذار خيرًا لأخيه المسلم، قد يكون أخوه المسلم في جانب تفريط في واجب أو انتهاك لمحرم فيرى أن من المصلحة أن ينذره ويخوفه، فالإنسان ينبغي له أن يستعمل الحكمة ولكن يغلب جانب البشرى، لو جاءه رجل مثلًا وقال: إنه أسرف على نفسه وفعل معاصي كبيرة وهل له من توبة؟ ينبغي أن يقول نعم أبشر أبشر إذا تبت تاب الله عليك، فيدخل عليه السرور ويدخل عليه الأمل حتى لا ييأس من رحمة الله عز وجل، الحاصل أن الرسول قال: ( سددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا ) يعني معناه: استعينوا في أطراف النهار أوله وآخره، وشيء من الليل والقصد القصد تبلغوا هذا يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يضرب مثلا للسفر المعنوي بالسفر الحسي فإن الإنسان المسافر حسًّا ينبغي أن يكون سيره في أول النهار وفي آخر النهار وفي شيء من الليل، لأن ذلك هو الوقت المريح للراحلة وللمسافر، ويحتمل أنه أراد بذلك أن أول النهار وآخره محل للتسبيح، كما قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )) وكذلك الليل محل للقيام، على كل حال إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا ألا نجعل أوقاتنا كلها دأبًا في العبادة لأن ذلك يؤدي إلى الملل.