قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها . قال تعالى (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وقال تعالى (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) وقال تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) وقال تعالى (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) وقال تعالى (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) ... " .
1 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها . قال تعالى (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وقال تعالى (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) وقال تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) وقال تعالى (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) وقال تعالى (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى : " باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها ... وقوله تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) وقال تعالى : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) ... " .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب في الأمر بالمحافظة على السنة واتباعها " السنة يراد بها: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي طريقته التي كان عليها في عباداته وأخلاقه ومعاملاته هذه هي السنة، ويطلق الفقهاء السنة على العمل الذي يترجح فعله على تركه، وهو الذي يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، ولا شك أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق، الهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، فلا بد من علم ولا بد من عمل، ولا يمكن أن يحافظ الإنسان على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن يعلمها، وعليه فيكون الأمر بالمحافظة على السنة أمرًا بالعلم وطلب العلم، وطلب العلم ينقسم إلى قسمين بل إلى ثلاثة: فرض عين، وفرض كفاية، وسنة، أما فرض العين فهو علم ما تتوقف العبادة عليه، يعني العلم الذي لا يسع المسلم جهله، مثل العلم بالوضوء بالصلاة بالزكاة بالصيام بالحج وما أشبه ذلك، فالذي لا يسع المسلم جهله تعلمه فرض عين، ولهذا مثلًا نوجب على هذا الشخص أن يتعلم أحكام الزكاة لأنه ذو مال، ولا نوجب على الآخر أن يتعلم الزكاة لأنه ليس ذا مال، كذلك الحج نوجب على هذا أن يتعلم أحكام الحج لأنه سوف يحج، ولا نوجب على الآخر أن يتعلمها لأنه ليس بحاج، أما فرض الكفاية فهو العلم الذي تحفظ به الشريعة، يعني هو العلم الذي لو ترك لضاعت الشريعة، فهذا فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، فإذا قُدر أن واحدًا في البلد قد قام بالواجب في هذا الأمر وتعلم وصار يفتي ويدرس ويعلم الناس صار طلب العلم في حق غيره سنة، وهو القسم الثالث، إذًا طالب العلم يدور أجره بين أجر السنة وأجر فرض الكفاية وأجر فرض العين، والمهم أنه لا يمكن المحافظة على السنة وآدابها إلا بعد معرفة السنة وآدابها، ثم ذكر المؤلف آيات من كتاب الله عز وجل منها قوله تعالى: (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) هذه الآية يسميها بعض العلماء آية المحنة أي: آية الامتحان، لأن الله تعالى امتحن قومًا ادعوا أنهم يحبون الله، قالوا: نحن نحب الله دعوى يسيرة لكن على المدعي البينة، قال الله تعالى: (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني )) فمن ادعى محبة الله وهو لا يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام فليس صادقًا بل هو كاذب، فعلامة محبة الله سبحانه وتعالى أن تتبع رسوله صلى الله عليه وسلم، واعلم أنه بقدر تخلفك عن متابعة الرسول يكون نقص محبتك لله، ثم ما الجواب؟ لما قال: (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني )) الجواب: (( يحببكم الله )) وهذه هي الثمرة، الثمرة أن الله يحبك لا أن تدعي محبة الله، فإذا أحبك الله فإنه لن يحبك إلا وأنت أتيت ما يحب، وهذه هي الثمرة فليس الشأن أن يقول القائل: أنا أحب الله ولكن الشأن كل الشأن أن يكون الله عز وجل يحبه، نسأل الله أن يجعلني وإياكم من أحبابه، هذا هو الشأن، وإذا أحب الله الشخص يسر له أمور دينه ودنياه، ورد في الأثر ( أن الله تعالى إذا أحب شخصًا نادى جبريل إني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السموات إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السموات، ثم يوضع له القبول في الأرض فيحبه أهل الأرض ويقبلونه ) ويكون إمامًا لهم، إذًا محبة الله هي الغاية، ولكنها غاية لمن غاية لمن كان يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم أليس كذلك؟ نعم غاية لمن كان يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، غاية لمن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فمن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم أحبه الله، ويأتي بقية الكلام على الآيات إن شاء الله.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها قال الله تعالى: (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وقال تعالى: (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) وقال تعالى: (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) وقال تعالى: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) وقال تعالى: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا )) ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب الحث على اتباع السنة وآدابها " السنة هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق، وهي أقواله وأفعاله وإقراراته وتشمل بهذا التفصيل المستحب والواجب، ثم ساق المؤلف آيات منها قوله تعالى: (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وهذه الآية في سياق قسمة الفيء يعني المال الذي يؤخذ من الكفار يقول الله عز وجل: (( وما آتاكم الرسول )) يعني ما أعطاكم من المال (( فخذوه )) ولا تردوه (( وما نهاكم عنه فانتهوا )) ولا تأخذوه، ولهذا ( بعث النبي عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة في سنة من السنوات فلما رجع أعطاه، فقال يا رسول الله تصدق به على أفقر مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك ) فما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا نأخذه وما نهانا عنه انتهينا عنه، وهذه الآية وإن كانت في سياق قسمة الفيء فإنها كذلك بالنسبة للأحكام الشرعية، أن ما أحله النبي صلى الله عليه وسلم لنا فإننا نقبله ونعمله على أنه حلال، وما نهانا عنه فإننا ننتهي عنه ونتركه ولا نتعرض له، فهي وإن كانت في سياق الفيء عامة تشمل هذا وهذا، ثم ذكر أيضًا قوله تعالى: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) الأسوة القدوة، والحسنة ضد السيئة، والنبي عليه الصلاة والسلام هم أسوتنا وقدوتنا ولنا فيه أسوة حسنة، فكل شيء نتأسى به برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه خير وحسن ويشمل قوله تعالى: (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) يشمل معنيين: المعنى الأول: أن كلما فعله فهو حسن فالتأسي به حسن، الثاني: أننا مأمورون بأن نتأسى به أسوة حسنة لا نزيد عما شرع ولا ننقص عنه، لأن الزيادة أو النقص ضد الحسن، فنحن مأمورون بأن نتأسى به، وكل شيء نتأسى به فيه فإنه حسن، وأخذ العلماء من هذه الآية أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم حجة يحتج بها ويقتدى به فيها إلا ما قام الدليل على أنه خاص به، فما قام الدليل على أنه خاص به فهو مختص به، مثل قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ )) إلى أن قال: (( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ )) فما كان من خصائصه فهو من خصائصه، ومن ذلك أيضًا الوصال في الصوم، يعني أن يسرد الإنسان صوم يومين بلا فطر ( فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، قالوا: يا رسول الله إنك تواصل يعني فكيف تنهانا؟ فقال : إني لست كهيأتكم إني أطعم وأسقى ) وفي لفظ ( إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) يعني يطعمه الله ويسقيه يما يمده به من ذكره وتعلق قلبه به حتى ينسى الأكل والشرب ولا يهمه، ونحن نعلم الآن أن الرجل لو شغل بأمر من أمور الدنيا نسي الأكل والشرب، حتى إن الشعراء يتمثلون بهذا يقول:
" لها أحاديث من ذكراك تشغلها *** عن الشراب وتلهيها عن الزاد "
يعني أن أحاديثها بك إذا قامت تتحدث ألهاها عن الشراب وعن الزاد، فالنبي عليه الصلاة والسلام لقوة تعلقه بربه إذا قام من الليل يتهجد فإن الله تعالى يعطيه قوة بما يحصل له من الذكر تكفيه عن الأكل والشرب، أما نحن فلسنا كهيئته ولهذا منع الوصال وبين أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وذكر المؤلف أيضًا قوله تعالى: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم )) إلى آخر الآية وسنتكلم عنها إن شاء الله في الدرس القادم لأنها مهمة وفيها فوائد عظيمة.
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق ذكر الآيات في باب الأمر بالمحافظة على السنة، " وقال تعالى: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمًا )) ".
2 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى : " باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها ... وقوله تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) وقال تعالى : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) ... " . أستمع حفظ
متابعة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...قال تعالى (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وقال تعالى (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) وقال تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) وقال تعالى (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) ... " .
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما ساقه من الآيات الدالة على المحافظة على السنة وآدابها قوله تعالى: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا )) هذه الآية لها صلة بما قبلها وهي قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) فأمر الله تعالى بطاعته وبطاعة رسوله وأولي الأمر منا، وأولو الأمر يشمل العلماء والأمراء، لأن العلماء ولاة أمورنا في بيان دين الله، والأمراء ولاة أمورنا في تنفيذ شريعة الل،ه ولا يستقيم العلماء إلا بالأمراء ولا الأمراء إلا بالعلماء، فالأمراء عليهم أن يرجعوا إلى العلماء ليستبينوا منهم شريعة الله، والعلماء عليه أن ينصحوا الأمراء وأن يخوفوهم بالله وأن يعظوهم حتى يطبقوا شريعة الله في عباد الله عز وجل، ثم قال: (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) يعني إن اختلفتم في شيء من الأشياء فليس قول بعضكم حجة على الآخر، ولكن هناك حكم الله ورسوله عز وجل، وصلى الله وسلم على رسوله ارجعوا إلى الله وإلى رسول الله، أما الرجوع إلى الله فهو الرجوع إلى كتابه إلى القرآن العظيم، وأما الرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الرجوع إلى سنته، إن كان حيًّا فبمراجعته شخصيًّا، وإن كان ميتًا فبما مراجعة ما كان من سنته صلى الله عليه وسلم ((إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )) وهذا حث على الرجوع إلى الله ورسوله وأن الرجوع إلى الله ورسوله من مقتضيات الإيمان (( ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) يعني أحسن عاقبة فالرجوع إلى الله ورسوله خير للأمة وأحسن عاقبة، مهما ظن الظان أن الرجوع إلى القرآن والسنة يشكل أمرًا قد يعجز الناس، أعني أن بعض الناس يظنون أن الرجوع إلى الإسلام الإسلام الذي كان في صدر هذه الأمة لا يتناسب مع الوقت الحاضر والعياذ بالله، ولم يعلموا أن الإسلام حاكم وليس محكومًا عليه، وأن الإسلام لا يتغير باختلاف الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص، الإسلام هو الإسلام، فإن كنا نؤمن بالله واليوم الآخر فلنرجع إلى الكتاب والسنة وذلك خير وأحسن وتأويلًا، أي: أحسن مآلًا وعاقبة، ثم قال تعالى: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ )) الاستفهام هنا للتعجيب يعني ألا تتعجب من قوم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ولكن لا يريدون التحاكم إلى الله ورسوله، إنما يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وهو كل ما خالف شريعة الله، ومن ذلك هؤلاء القوم الذين ابتلى الله بهم المسلمين من بعض الحكام الذين يريدون أن يرجعوا في الحكم بين الناس إلى قوانين ضالة بعيدة عن الشريعة وضعها فلان وفلان من كفار لا يعلمون عن الإسلام شيئًا، وهم أيضًا في عصر قد تختلف العصور عنه، وفي أمة قد تختلف عنها الأمم الأخرى، لكن مع الأسف أن بعض الذين استعمرهم الكفار من البلاد الإسلامية أخذوا هذه القوانين وصاروا يطبقونها على الشعب الإسلامي، غير مبالين بامتعاض الشعب منها وغير مبالين بمخالفتها لكتاب الله وسنة رسوله، وهم يزعمون أنهم آمنوا بالله ورسوله، كيف ذلك وهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، أمروا أمرا من الله أن يكفروا بالطاغوت، ومع ذلك يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت (( وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً )) يريد الشيطان أن يضلهم عن دين الله ضلالًا بعيدًا ليس قريبًا، لأن من حكم غير شريعة الله فقد ضل أعظم الضلال وأبعد الضلال، قال الله عز وجل: (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً )) إذا قيل تعالوا إلى ما أنزل الله وهو القرآن وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا، ولم يقل رأيتهم لأجل أن يبين أن هؤلاء منافقون فأظهر في موضع الإضمار لهذه الفائدة، ولأجل أن يشمل هؤلاء وغيرهم من المنافقفين، فإن المنافق والعياذ بالله إذا دعي إلى الله ورسوله أعرض وصدَّ (( رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداًفَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً )) يعني كيف حالهم إذا أصابتهم مصيبة وعثر على عوراتهم واطلع عليها ثم جاؤوك يحلفون بالله وهم كاذبون إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا، يعني ما أردنا إلا الإحسان والتوفيق بين الشريعة وبين القوانين الوضعية، ولا يمكن أن يكون هناك توفيق بين حكم الله وحكم الطاغوت أبدًا، حكم الطاغوت لو فرض أنه وافق حكم الله لكان حكمًا لله لا للطاغوت، ولهذا ما في القوانين الوضعية من المسائل النافعة فإنها قد سبق إليها الشرع الإسلامي، ولهذا قال: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً )) يعني هؤلاء هم الذين يعلم الله ما في قلوبهم وإن أظهروا للناس أنهم يؤمنون بالله وأنهم يريدون الإحسان والتوفيق بين الأحكام الشرعية والأحكام القانونية، هؤلاء الذين يعلم الله ما في قلوبهم وماذا أرادوا لأمتهم (( فأعرض عنهم )) وهذا الأمر بالإعراض عنهم تهديدًا لهم (( وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً )) فيقول لهم قولًا بليغًا يبلغ إلى أنفسهم ليتعظوا به، ثم قال: (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ )) يعني ما أرسلنا الرسل لتقرأ أقوالهم ويتركون، بل ما أرسلت الرسل إلا ليطاعوا، وإلا فلا فائدة، لا فائدة من أن نقول إن الرسول إذا بلغ وتركنا ما بلغ فإن هناك فائدة للرسالة، الرسالة معناها ومقتضاها أن الرسول يطاع (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ )).
3 - متابعة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...قال تعالى (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وقال تعالى (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) وقال تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) وقال تعالى (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) ... " . أستمع حفظ
فائدة : رد شبهة المشركين في الاستدلال بالآية : (( ... ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ... )) على شركهم وتجويزهم دعاء غير الله والتوسل به .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق ذكر الآيات في باب الأمر بالمحافظة على السنة: " وقال تعالى: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) ".
بسم الله الرحمن الرحيم.
ذكر المؤلف رحمه الله في باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها.
4 - فائدة : رد شبهة المشركين في الاستدلال بالآية : (( ... ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ... )) على شركهم وتجويزهم دعاء غير الله والتوسل به . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) ... " .
الأول: تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: ألا يجد في صدره حرج ولا يضيق صدره بما قضى به الرسول عليه الصلاة والسلام، والثالث: أن يسلم تسليمًا ينقاد انقيادًا تامًّا، فبهذه الشروط الثلاثة يكون مؤمنًا، وإن لم تتم فإنه إما خال من الإيمان مطلقًا، وإما ناقص الإيمان، والله الموفق.
5 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) ... " . أستمع حفظ
ما حكم الشعب الذي يكون تحت ولايات لا تحكم بالكتاب والسنة .
الشيخ : إيش؟
السائل : الشعوب تحت حكم.
الشيخ : الشعب ما عليه، أقول الشعب إذا صار تحت ولاية ما تحكم بالكتاب والسنة عليه أن يصبر ويسأل الله الفرج.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال الله تعالى (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) وقال تعالى (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) وقال تعالى (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) وقال تعالى (( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة )) والآيات في الباب كثيرة .... " .
7 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال الله تعالى (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) وقال تعالى (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) وقال تعالى (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) وقال تعالى (( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة )) والآيات في الباب كثيرة .... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال الله تعالى (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) ... " .
قال المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الآيات في باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها قال: (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) من يطع الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، والطاعة موافقة الأمر، سواء كان ذلك في فعل المأمور أو في ترك المحظور، فإذا قيل طاعة ومعصية صارت الطاعة لفعل المأمور والمعصية لفعل المحظور، أما إذا قيل طاعة على سبيل الإطلاق فإنها تشمل الأوامر والنواهي، يعني: أن امتثال الأوامر طاعة، واجتناب النواهي طاعة، فالذي يطيع النبي صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه أي: إذا أمره امتثل وإذا نهاه اجتنب، فإنه يكون مطيعًا لله عز وجل، هذا منطوق الآية، ومفهومها أن من يعص الرسول فقد عصى الله، وفي هذا دليل في هذه الآية دليل على أن ما ثبت في السنة فإنه كالذي ثبت في القرآن، أي أنه من شريعة الله ويجب التمسك به، ولا يجوز لأحد أن يفرق بين الكتاب والسنة فيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام محذرًا حينما قال: ( يوشك أن يكون أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من عندي فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) يعني: أنه يحذر من أنه ربما يأتي زمان على الناس يقولون لا نتبع إلا ما في القرآن، أما في السنة فلا نأخذ بها، وهذا الأمر قد وقع فوجد من الملاحدة من يقول: لا نقبل السنة، لا نقبل إلا القرآن، والحقيقة أنهم كذبة فإنهم لم يقبلوا لا السنة ولا القرآن، لأن القرآن يدل على وجوب اتباع السنة، وأن ما جاء في السنة كالذي جاء في كتاب الله، لكن هم يموهون على العامة ويقولون: إن السنة ما دام ليس قرآنًا يتلى ويتواتر بين المسلمين فإنه قابل للشك وقابل للنسيان وقابل للوهم وما أشبه ذلك، ثم ذكر المؤلف قوله تعالى: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) هذا تحذير من الله عز وجل، تحذير للذين يخالفون عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: يرغبون عن أمره فيخالفونه، ولهذا لم يقول يخالفون أمره، قالوا: يخالفون عن أمره أي يرغبون عنه فيخالفونه، حذرهم من أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، قال الإمام أحمد: " أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك " والعياذ بالله إذا رد شيئًا من قول الرسول عليه الصلاة والسلام فربما يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ،يهلك ليس هلاكًا بدنيًّا بل هلاكًا دينيًّا، والهلاك الديني أشد من الهلاك البدني، الهلاك البدني مآل كل حي طالت به الحياة أم قصرت، لكن الهلاك الديني خسارة الدنيا والآخرة والعياذ باالله، وقوله: (( أو يصيبهم عذاب أليم )) يعني أنهم يعاقبون، يعاقبون قبل أن تحل بهم الفتنة نسأل الله العافية، ففي هذا دليل على وجوب قبول أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن الذي يخالف عنه مهدد بهذه العقوبة أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، والله الموفق.
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق ذكر الآيات في باب الأمر بالمحافظة على السنة " وقال تعالى: (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله )) وقال: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) وقال: (( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة )) والآيات في الباب كثيرة ".
8 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال الله تعالى (( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) وقال تعالى (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) وقال تعالى (( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة )) والآيات في الباب كثيرة .... " .
نقل المؤلف رحمه الله فيما ذكره من الآيات التي صدر بها باب المحافظة على اتباع السنة وآدابها ذكر آيات منها قوله تعالى: (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )) والخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم، أخبره الله عز وجل أنه يهدي إلى صراط مستقيم يعني يدل إليه، يدل إليه ويبينه للناس، والصراط المستقيم بينه الله في قوله: (( صِرَاطِ اللَّهِ )) يعني الصراط الذي نصبه الله تعالى لعباده، وهو شريعته، وأضافه الله إلى نفسه لأنه هو الذي نصبه ولأنه يوصل إليه، كما أنه أضافه في سورة الفاتحة إلى الذين أنعم الله عليهم لأنهم هم الذين يسلكونه، فالنبي عليه الصلاة والسلام يهدي الناس إلى الصراط ويدلهم عليه ويدعوهم إليه ويرغبهم في سلوكه ويحذرهم من مخالفته، وهكذا من خلفه في أمته من العلماء الربانيين فإنهم يدعون إلى الصراط المستقيم صراط الله، فإذا قال قائل: ما الجمع بين هذه الآية (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) وبين قوله تعالى: (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ )) فإن هذه الآية نزلت حين اغتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب، وكان عمه أبو طالب مشركًا لكنه كان يدافع عنه ويرفع منزلته ويذب عنه ويقول فيه المدائح والقصائد العظيمة، لكن حرم خير الإسلام والعياذ بالله ومات على الكفر، لما حضرته الوفاة كان عنده النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان من قريش فكان يقول له: ( يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فإذا هم أن يقولها قال له الرجلان من قريش: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ) يعني: ملة الشرك والعياذ بالل،ه فكان آخر ما قال أنه على ملة عبد المطلب ومات كافرًا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنه شفع فيه عند الله، فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه ) نعلان في أسفل بدنه يغلي منه دماغه، فما بالك بما دون الدماغ والعياذ بالله، قال: ( وإنه لأهون أهل النار عذابًا ولولا أنا ) يقوله النبي صلى الله عليه وسلم: ( لكان في الدرك الأسفل من النار ) يعني لولا شفاعتي فيه لأنه ذب عن دين الإسلام وحمى النبي صلى الله عليه وسلم كان في الدرك الأسفل من النار، فهنا يقول: (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ )) وفي الآية التي ذكرها المؤلف: (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) قال أهل العلم: والجمع بينهما أن الآية التي فيها إثبات الهداية يراد بها: هداية الدلالة يعني أنك تدل الخلق، وليس كل من دل على الصراط اهتدى.