تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ... " .
الشيخ : قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر ) هذا وهو أبو بكر وعمر، فكيف بمن عارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول من دون أبي بكر وعمر بمراحل؟ يوجد بعض الناس إذا قيل هذه سنة قال إي لكن قال العالم الفلاني كذا وكذا من المقلدين المتعصبين، أما من من احتج بقول عالم وهو لا يدري عن السنة فهذا لا بأس به، لأن التقليد لمن لا يعلم بنفسه جائز ولا بأس به، قال: ( تمسكوا بها ) أي: ( تمسكوا بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين وعضوا عليها بالنواجذ ) النواجذ أقصى الأضراس وهو كناية عن شدة التمسك، فإذا تمسك الإنسان بيديه بالشيء وعض عليه بأقصى أسنانه فإنه يكون ذلك أشد تمسكًا مما لو أمسكه بيد واحدة أو بيدين بدون عض، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نتمسك أشد التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده عليه الصلاة والسلام، والله الموفق. القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ".
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ... وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ... " .
الشيخ : والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وحث على التمسك بها والعض عليها بالنواجذ قال: ( وإياكم ومحدثات الأمور ) إياكم ومحدثات الأمر يعني: أحذركم من محدثات الأمور أي: من الأمور المحدثة وهذه الإضافة من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، والأمور المحدثة يعني بها صلوات الله وسلامه عليه المحدثات في دين الله، وذلك لأن الأصل في ما يدين به الإنسان ربه ويتقرب به إليه الأصل فيه المنع والتحريم حتى يقوم دليل على أنه مشروع، ولهذا أنكر الله عز وجل من يحللون ويحرمون بأهوائهم فقال تعالى: (( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ )) وأنكر على من شرع في دينه ما لم يأذن به فقال: (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )) وقال: (( قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ )) أما الأمور العادية وأمور الدنيا فهذه لا ينكر على محدثاتها إلا إذا كان قد نص على تحريمها، أو كان داخلًا في قاعدة عامة تدل على التحريم، فمثلًا: السيارات والدبابات وما أشبهها لا نقول إن هذه محدثة لم توجد في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فلا يجوز استعمالها، نقول: هذه من الأمور الدنيوية، الثياب أنواعها لا نقول لا تلبس إلا ما يلبسه الصحابة، البس ما شئت مما أحل الله لك، لأن الأصل الحل إلا ما نص الشرع على تحريمه، كتحريم الحرير على الرجال والذهب على الرجال، وتحريم ما فيه صورة وما أشبه ذلك، فقوله صلوات وسلامه عليه: ( إياكم ومحدثات الأمور ) يعني: في دين الله وفيما يتعبد به الإنسان لربه، ثم قال: ( فإن كل بدعة ضلالة ) يعني: كل بدعة في دين الله فهي ضلالة وإن ظن صاحبها أنها خير وأنها هدى فإنها ضلالة لا تزيده من الله إلا بعدًا، وقوله صلوات الله وسلامه عليه: ( كل بدعة ضلالة ) يشمل ما كان مبتدعًا في أصله وما كان مبتدعًا في وصفه، فمثلًا لو أن أحدًا أراد أن يذكر الله بأذكار معينة بصفتها أو عددها بدون سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا ننكر عليه، لا ننكر أصل الذكر لكن ننكر ترتيبه على صفة معينة بدون دليل، فإن قال قائل: ما تقولون في قول عمر رضي الله عنه حين أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوم للناس في رمضان في تراويحهم، وأن يجتمع الناس على إمام واحد بعد أن كانوا أوزاعًا، فخرج ذات ليلة والناس خلف إمامهم فقال: ( نعمت البدعة هذه ) فأثنى عليها ووصفها بأنها بدعة والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( كل بدعة ضلالة ) قلنا: إن هذه البدعة ليست بدعة مبتدأة، لكنها بدعة نسبية، وذلك ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليال أو أربع ليال في رمضان يقوم بهم ثم تخلف في الثالثة أو الرابعة وقال: إني خشيت أن تفرض عليكم ) فصار الاجتماع على إمام واحد في قيام رمضان سنة سنها النبي عليه الصلاة والسلام، لكن تركها خوفًا من أن تفرض علينا، ثم بقيت الحال على ما هي عليه يصلي الرجلان والثلاثة والواحد على حدة في خلافة أبي بكر وفي أول خلافة عمر، ثم جمع الناس على إمام واحد فصار هذا الجمع بدعة بالنسبة لتركه في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبي بكر وفي أول خلافة عمر، فهذه بدعة نسبية، وإن شئت فقل إنها بدعة إضافية، يعني بالنسبة لترك الناس لها هذه المدة آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم خلافة أبي بكر أول خلافة عمر، ثم إنه بعد ذلك استأنفت هذه الصلاة، وإلا فلا شك أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة ) عام، وهو صادر من أفصح الخلق وأنصح الخلق عليه الصلاة والسلام، كلام واضح كل بدعة مهما استحسنها مبتدعها فإنها ضلالة، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) متفق عليه وفي رواية لمسلم ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوى بها القداح حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلا باديا صدره فقال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) .... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) متفق عليه وفي رواية لمسلم: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوى بها القداح حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يومًا فقام حتى كاد أن يكبر، فرأى رجلًا باديًا صدره، فقال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) متفق عليه وفي رواية لمسلم ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوى بها القداح حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلا باديا صدره فقال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) الجملة الأولى مؤكدة بثلاثة مؤكدات، بالقسم المقدر، واللام لتسون، ونون التوكيد ( أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) يعني: إن لم تسووا الصفوف خالف الله بين وجوهكم، وهذه الجملة أيضًا مؤكدة بثلاثة مؤكدات، بالقسم، واللام، والنون، يعني: إن لم تسووا الصفوف خالف الله بين وجوهكم، واختلف العلماء رحمهم الله في معنى المخالفة مخالفة الوجه، فقال بعضهم: إن المعنى أن الله يخالف بين وجوههم مخالفة حسية، مخالفة حسية بحيث يلوي الرقبة حتى يكون وجه هذا مخالفًا لوجه هذا والله على كل شيء قدير، فهو عز وجل قلب بني آدم قردة قال لهم: كونوا قردة فكانوا قردة، فهو قادر على أن يلوي رقبة الإنسان حتى يكون وجهه من عند ظهره، وهذا هذه العقوبة حسية، وقال بعض العلماء: بل المراد بالمخالفة المخالفة المعنوية، يعني: مخالفة القلوب لأن القلب له اتجاه فإذا اتفقت القلوب على وجهة واحدة حصل في هذا الخير الكثير، وإذا اختلفت تفرقت الأمة، فالمراد بالمخالفة مخالفة القلوب، وهذا التفسير أصح لأنه قد ورد في بعض الألفاظ: ( أو ليخالفن الله بين قلوبكم ) وفي رواية: ( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) وعلى هذا فيكون المراد بقوله: ( أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) أي: بين وجهات نظركم وذلك باختلاف القلوب، وعلى كل حال ففي هذا دليل على وجوب تسوية الصفوف، وأنه يجب على المأمومين أن يسووا صفوفهم، وأنهم إن لم يفعلوا ذلك فقد عرضوا أنفسهم لعقوبة الله والعياذ بالله، وهذا القول أعني وجوب تسوية الصف هو الصحيح، والواجب على الأئمة أن ينظروا في الصف أن ينظروا في الصف فإذا وجدوا فيه اعوجاجًا أو تقدمًا أو تأخرًا نبهوا على ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا يمشي على الصفوف يسويها بيده الكريمة عليه الصلاة والسلام، فمن أول الصف إلى آخره، ولما كثر الناس في زمن الخلفاء أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلًا يسوي الصفوف إذا أقيمت الصلاة، فإذا جاء وقال: إنها قد استوت كبر للصلاة، وكذلك فعل عثمان رضي الله عنه كان قد وكل رجلًا يسوي صفوف الناس، فإذا جاء وقال: قد استوت كبر، وهذا يدل على اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بتسوية الصف، ولكن مع الأسف الآن أن المأمومين لا يبالون بالتسوية، يتقدم الإنسان أو يتأخر لا يبالي، وربما يكون مستويًا مع أخيه في أول الركعة ثم عند السجود يحصل مع الاندفاع تقدم أو تأخر ولا يسوونها إذا قاموا إلى الركعة الثانية، بل يبقون على ما هو عليه وهذا خطأ، المهم أنه يجب تسوية الصف، فإذا قال قائل: إذا كانوا إذا كان هناك إمام ومأموم فقط فهل يتقدم الإمام قليلًا أو يساوي المأموم؟ فالجواب: أنه يساوي المأموم، لأنه إذا كان إمام ومأموم فالصف واحد لا يمكن أن يكون المأموم خلف الإمام وحده، بل هم صف واحد، والصف الواحد يسوى فيه، خلافًا لما قاله بعض أهل العلم: إنه يتقدم الإمام قليلًا لأن هذا لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه وهو أنه يسوى بين الإمام والمأموم إذا كانوا اثنين، ثم قال في رواية قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنه يسوي بها القداح ) القداح هي ريش السهم، وكانوا يسوونها تمامًا بحيث لا يتقدم شيء على شيء، مثل المشط البندق يكون مستويًا كأنما يسوي بها القداح ( حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه ) يعني: فهمنا وعرفنا أن التسوية لا بد منها خرج ذات يوم فرأى رجلًا باديًا صدره فقال: ( عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) فدل هذا على سبب قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( لتسون صفوفكم ) بأن سببه أنه رأى رجلًا باديًا صدره فقط لأن ظاهر صدره شوي على الصف، فدل ذلك على أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتفقد الصف وأنه يتوعد من تقدم بهذا الوعيد ( لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) فأرجو منكم يا أيها الإخوة أن تنقلوا هذه المسألة إلى أئمتكم وإلى مأموميكم حتى يتبين لهم الأمر ويتضح ولا يحصل تهاون بين الناس، والله الوفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي موسى رضي الله عنه قال احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال ( إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم ) متفق عليه .... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ( احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال: إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم ) متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي موسى رضي الله عنه قال احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال ( إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم ) متفق عليه .... " .
الشيخ : ذكر المؤلف في باب الحث على اتباع السنة وآدابها هذا الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن قومًا احترق عليهم بيتهم في الليل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن هذه النار عدو لكم ) يعني ( فإذا نمتم فأطفئوها ) هذه النار التي خلقها الله عز وجل وأنشأ شجرتها امتن الله بها على بعباده فقال سبحانه وتعالى: (( أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ )) والجواب بل أنت يا ربنا الذي أنشأتها (( نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ )) تذكرة يتذكر بها الإنسان نار جهنم، فإن هذه النار جزء من ستين جزءا من نار جهنم ،كل نار الدنيا الشديدة الحرارة والخفيفة كلها جزء من ستين جزءا من نار جهنم أعاذني الله وإياكم منها، جعلها الله تذكرة حتى إن بعض السلف إذا هم بمعصية ذهب إلى النار ووضع أصبعه عليها، يعني يقول لنفسه: اذكري هذه الحرارة لا تتجشمي المعصية فإن ذلك سبب لدخول النار، نسأل الله العافية، ومع هذا يقول: (( وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ )) يعني جعلناها متاعًا للمسافرين وغيرهم من المحتاجين إليها يتمتعون بها يدفعون بها في الشتاء يسخنون فيها مياههم، يطبخون بها أطعمتهم، فهي مصلحة ولكن قد تكون مضرة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: ( إن هذه النار عدو لكم ) فهي عدو إذا لم يحسن الإنسان ضبطها وقيدها صارت عدو، إذا فرط فيها أو تعدى فرط فيها بأن لم يحبس ما تكون سببًا لاشتعاله، بأن لم يحبس ما يكون سببًا لاشتعالها ،أو تعدى فيها بأن أوقدها حول ما يشتعل سريعًا كالبنزين والغاز وما أشبهه، فإنها تكون عدوًّا للإنسان، وفي هذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يتخذ الاحتياط في الأمور التي يخشى شرها، ولهذا أمر الإنسان عند النوم أن يطفئ النار، ولا يقول هذه سهلة أنا آمن ربما يظن هذا الظن ولكن يحدث ما لا يخطر على باله، ومن ذلك أيضًا فيما حدث في عصرنا الحاضر صمَّامات الغاز يجب على الإنسان أن يتفقدها لئلا يكون فيها شيء من النفس فتملأ الجو من الغاز فإذا أشعل النار احترق المكان كله، ومن ذلك أيضًا أفياش الكهرباء ينبغي للإنسان أن يكون حريصًا عليها متفقدًا لها، وأن يكون الذي يرتبها شخصًا عارفَا مهندسًا حتى لا تركب على وجه الخطأ، فيحصل بذلك الاحتراق إما احتراقًا كليًّا للبيت كله أو لجزء منه، المهم الإنسان يجب عليه الاحتراز من كل ما يخشى ضرره، وإذا كان هذا في النار نار الدنيا فكذلك يجب أن يحترس مما يكون سببًا لعذاب النار في الآخرة من أسباب المعاصي ووسائلها وذرائعها، ولهذا قال أهل العلم رحمهم الله: إن الوسائل لها أحكام المقاصد، وإن الذرائع يجب أن تسد إذا كان ذريعة إلى محرم خشية من الوقوع في الهلاك، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائف منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) . متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائف منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائف منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في هذا المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( مثل ما بعثني الله به وما جئت به من الهدى كمثل غيث أصاب أرضًا ) الغيث يعني: المطر، فكانت هذه الأرض ثلاثة أقسام: ( قسم قبلت الماء ) رياض، قسم رياض قبلت الماء وأنبتت العشب الكثير والزرع فانتفع الناس بها، وقسم آخر قيعان أمسكت الماء وانتفع الناس به فسقوا منه ورووا منه، والقسم الثالث: أرض سبخة ابتلعت الماء ولم تنبت الكلأ، فهكذا الناس بالنسبة لما بعث الله به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والهدى، منهم من فقُه في دين الله فعلم وعلّم وانتفع الناس بعلمه وانتفع هو بعلمه، وهذا كمثل الأرض التي أنبتت العشب والكلأ فأكل الناس منها وأكلت منها مواشيهم، القسم الثاني أو المثل الثاني: في قوم حملوا الهدى ولكن لم يفقهوا في هذا الهدى شيئًا، بمعنى أنهم كانوا رواة للعلم والحديث لكن ليس عندهم فقه، فهؤلاء مثلهم مثل الأرض التي حفظت الماء واستقى الناس منه وشربوا منه لكن الأرض نفسها لم تنبت شيئًا، لأن هؤلاء يروون الأحاديث وينقلونها ولكن ليس عندهم فيها فقه وفهم، والثالث: القسم الثالث: من لم يرفع بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والهدى رأسًا، وأعرض عنه ولم يبال به فهذا لم ينتفع بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينفع غيره، فمثله كمثل الأرض التي ابتلعت الماء ولم تنبت شيئًا، وفي هذا الحديث دليل على أن من فقه في دين الله وعلم من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يعلم فإنه خير الأقسام، خير الأقسام من علم وفقُه لينتفع وينفع الناس، ويليه من علم ولكن لم يفقه، يعني روى الحديث وحمله لكن لم يفقه منه شيئًا، وإنما هو راوية فقط فهذا هو القسم الثاني أو هذا في المرتبة الثانية من أهل العلم والإيمان، والقسم الثالث لا خير فيه رجل أصاب ماء أصابه ما أصابه من العلم والهدى الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ولكنه لم يرفع به رأسًا ولم ينتفع به ولم يعمله الناس، فكان والعياذ بالله كمثل الأرض السبخة التي ابتلعت الماء ولم تنبت شيئًا للناس، ولم يبق الماء على سطحها حتى ينتفع الناس به، وفي هذا الحديث دليل على حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك بضرب الأمثال، لأن ضرب الأمثال الحسية يقرب المعاني العقلية، أي: ما يدرك بالعقل يقربه ما يدرك بالحس وهذا مشاهد، كثير من الناس مثلًا تفهمه وتعلمه ولكن لا يفهم فإذا ضربت له مثلًا محسوسًا فهم وانتفع، ولهذا قال الله تعالى: (( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )) وقال تعالى: (( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لعلهم يتذكرون )) فضرب الأمثال للمتعلمين من أحسن طرق التعليم ووسائل العلم، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي ) رواه مسلم ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحُجَزِكم عن النار وأنتم تُفلتون من يدي ) رواه مسلم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي ) رواه مسلم ... " .
الشيخ : قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مثلي ومثلكم كمثل إنسان أوقد نارًا ) يعني: أراد النبي عليه الصلاة والسلام بهذا المثل أن يبين حاله مع أمته عليه الصلاة والسلام، وذكر أن هذه الحال كحال رجل في برية أوقد نارًا ( فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها ) الجنادب نوع من الجراد يسمى عندنا في اللغة الجخدب، أما الفراش فمعروف، يقعن فيها لأن هذه هي عادة الفراش والجنادب والحشرات الصغيرة إذا أوقد الإنسان نارًا في البر فإنها تأوي إلى هذا الضوء، قال: ( وأنا آخذ بحجزكم ) يعني: لأمنعنكم من الوقوع فيها ( ولكنكم تفلتون من يدي ) ففي هذا دليل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم وجزاه الله عنا خيرًا على حماية أمته من النار، وأنه يأخذ بحجزها ويشدها حتى لا تقع في هذه النار، ولكننا نفلت من ذلك، نسأل الله أن يعاملنا بعفوه، فالإنسان ينبغي له أن ينقاد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكون لها طوعًا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يدله على الخير واتقاء الشر، كالذي يأخذ بحجزتك يأخذ بها حتى لا تقع في النار، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كما وصفه الله: (( لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )) صلوات الله وسلامه عليه وفي هذا الحديث من الفوائد: أنه ينبغي للإنسان بل يجب أن يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه وفي كل ما فعله وفي كل ما تركه، يعني: يلتزم بذلك ويعتقد أنه الإمام المتبوع، لكن من المعلوم أن من الشريعة ما هو واجب يأثم الإنسان بتركه، وما هو محرم يأثم بفعله، ومنها ما هو مستحب إن فعله فهو خير وأجر وإن تركه فلا إثم عليه، وكذلك من الشريعة ما هو مكروه كراهة تنزيه إن تركه الإنسان فهو خير له وإن فعله فلا حرج عليه، لكن المهم أن تلتزم بالسنة عمومًا، وأن تعتقد أن إمامك ومتبوعك محمد صلى الله عليه وسلم، كما يكون صاحب هذه النار التي أوقدها وجعلت الجنادب والفراش تقع فيها وهو يأخذ بنا، ومن فوائد هذا الحديث: بيان عظم حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وأنه لا يألو جهدًا في منعها وصدها عن كل ما يضرها في دينها ودنياها، وبناء على ذلك فإذا رأيت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فاعلم أن فعله شر لك، ولا تبقى تقول هل هو للكراهة هل هو للتحريم، اترك ما نهى عنه سواء للكراهة أو للتحريم، ولا تعرض نفسك لأن الأصل في نهي الرسول عليه الصلاة والسلام أنه للتحريم إلا إذا قام دليل أنه للكراهة كراهة التنزيه، وكذلك إذا أمر بشيء لا تقل هل هذا واجب أو غير واجب، افعل هو خير لك إن كان واجبًا فقد أبرأت ذمتك وتحصلت على الأجر، وإن كان مستحبًّا فقد حصلت على الأجر وكنت متبعًا تمام الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم اتباعه ظاهرًا وباطنًا.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن جابر رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال إنكم لا تدرون في أيها البركة ) رواه مسلم وفي رواية له ( إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدرى في أي طعامه البركة ) وفي رواية له ( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ولا يدعها للشيطان ) ..." .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن جابر رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال:إنكم لا تدرون في أيها البركة ) رواه مسلم وفي رواية له: ( إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة ) وفي رواية له: ( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ولا يدعها للشيطان ) ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن جابر رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال إنكم لا تدرون في أيها البركة ) رواه مسلم وفي رواية له ( إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدرى في أي طعامه البركة ) وفي رواية له ( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ولا يدعها للشيطان ) ..." .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في آداب من آداب الأكل منها: أن الإنسان إذا فرغ من أكله فإنه يلعق أصابعه ويلعق الصحفة، يعني: يلحسها حتى لا يبقى فيها أثر الطعام، فإنكم لا تدرون في أيِّ طعامكم البركة، فهذان أدبان: الأول: لعق الصحفة، والثاني: لعق الأصابع، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يأمر أمته بشيء إلا وفيه الخير والبركة، ولهذا قال الأطباء: إن في لعق الأصابع من بعد الطعام فائدة وهو تيسير الهضم، لأن الأنامل هذه فيها مادة بإذن الله تفرزها عند اللعق بعد الطعام تيسر الهضم، ونحن نقول هذا من باب معرفة حكمة الشرع فيما يأمر به، وإلا فالأصل أننا نلعقها امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير من الناس لا يفهمون هذه السنة تجده ينتهي من الطعام وحافته التي حوله كلها طعام، تجده أيضًا يذهب ويغسل دون أن يلعق أصابعه، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يمسح الإنسان يديه بالمنديل حتى يلعقها وينظفها من الطعام ثم بعد ذلك يمسح بالمنديل ثم بعد ذلك يغسلها إذا شاء، كذلك أيضًا من آداب الأكل: أن الإنسان إذا سقطت لقمته في الأرض فإنه لا يدعها، لأن الشيطان يحضر الإنسان في جميع شؤونه، كل شؤونك أكل شرب جماع أي شيء يحضر، فإذا لم تسم الله عند الأكل شاركك في الأكل وصار يأكل معك، ولهذا تنزع البركة من الطعام إذا لم يسم عليه، وإذا سميت الله على الطعام ثم سقطت اللقمة يعني طاحت من يدك لقمة أو تمرة أو ما أشبه ذلك فإن الشيطان يأخذها، لكن لا يأخذها ونحن ننظر لأن هذا أمر غيبي ما نشاهده، لكننا علمناه بخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، يأكلها يأكلها وإن بقيت أمامنا حسًّا لكنه يأكلها غيبًا، هذه من الأمور الغيبية التي يجب أن نصدق بها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلنا على خير قال: ( فليأخذها وليمط بها من الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ) خذها وأمط ما فيها من أذى إذا كان فيها مثلا تراب ولا عودان ولا شيء تلوثت من الأرض أزل هذا ثم كلها ولا تدعها للشيطان، والإنسان إذا فعل هذا امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعًا لله عز وجل وحرمانًا للشيطان من أكلها، حصل على هذه الفوائد الثلاثة: امتثال أمر النبي عليه الصلاة والسلام، التواضع، حرمان الشيطان من أكلها، هذه فوائد ثلاث أكثر الناس إذا سقطت اللقمة على السفرة سماط نظيف تركها، وهذا خلاف السنة، خذها أزل ما فيها من أذى، وفي هذا الحديث من الفوائد فائدة رابعة: أنه لا يبنغي للإنسان أن يأكل طعامًا فيه أذى، لأن نفسك عندك أمانة لا تأكل شيئًا فيه أذى من عيدان أو شوك أو ما أشبه ذلك، وعليه نذكر الذين يأكلون السمك أن يحتاطوا لأنفسهم، لأن السمك لها عظام دقيقة مثل الإبر، إذا لم يحترز الإنسان منها فربما تدخل إلى بطنه وتجرح معدته أو أمعاءه وهو لا يشعر، لهذا ينبغي للإنسان أن يراعي نفسه وأن يكون لها أحسن راعي، فصلوات الله وسلامه على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال ( أيها الناس إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )) ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح (( كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم )) إلى قوله (( العزيز الحكيم )) فيقال لي إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله فيما نقله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا ) وكان من عادة النبي عليه الصلاة والسلام بل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب أصحابه الخطب الراتبة والخطب العارضة، أما الخطب الراتبة فمثل خطبة الجمعة، خطبة العيد، خطبة الاستسقاء، خطبة الكسوف، هذه خطب راتبة كلما وجد سببها خطب عليه الصلاة والسلام، في الجمعة يخطب خطبتين قبل الصلاة وفي العيد خطبة واحدة بعد الصلاة، وكذلك في الاستسقاء وفي الكسوف خطبة واحدة بعد الصلاة، أما الخطب الأخرى الخطب العارضة فإنها كلما وجد سبب قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا وخطب الناس فمن ذلك.
فائدة : حكم الرشوة ، وحكم دفعها إذا منع الإنسان حقه إلا بها .
الشيخ :( أن رجلًا بعثه النبي عليه الصلاة والسلام على الصدقة يعني عاملًا على الصدقة يأخذها من أهلها فرجع إلى المدينة ومعه إبل فقال: هذه لكم وهذه أهديت إلي ) فخطب النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ( ما بال أحدكم نستعمله على العمل ) يعني من أعمالنا ( فيرجع ويقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا ) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يهد لهذا العامل الذي تبع الدولة إلا من أجل أنه عامل، لو كان يريدون أن يهدوا إليه لشخصه لأهدوا إليه في بيت أبيه وأمه، ومن هذا الحديث نعرف عظمة الرشوة وأنها من عظائم الأمور التي أدت إلى أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا يخطب في الناس ويحذرهم من هذا العمل، لأنه إذا فشا في قوم الرشوة هلكوا وصار كل واحد منهم لا يقول الحق ولا يحكم بالحق ولا يقوم بالعدل، إلا إذا رُشي والعياذ بالله، والرشوة ملعون آخذها، ملعون آخذها وملعون معطيها إلا إذا كان الآخذ يمنع حق الناس إلا برشوة، فحينئذ تكون اللعنة على هذا الآخذ لا على المعطي، لأن المعطي إنما يريد أن يعطي ليأخذ حقه فهو معذور، كما يوجد والعياذ بالله الآن في بعض المسؤولين في الدول الإسلامية من لا يمكن أن يمشي الناس إلا بهذه الرشوة والعياذ بالله، فيكون آكلًا للمال بالباطل معرضًا نفسه للعنة نسأل الله العافية، والوجب على من ولاه الله عملًا أن يقوم به بالعدل وأن يقوم به بالواجب فيه بحسب المستطاع، ومن ذلك أيضًا أن بريرة وهي أَمَةٌ لجماعة من الأنصار مملوكة كاتبها أهلها على تسع أواق من الفضة، فجاءت إلى عائشة تستعينها تقول: أعينيني لتقضي كتابتها فقالت: ( إن شاء أهلها أن أعدها لهم ) يعني: أنقدها نقدًا ( ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها ) يعني: أسيادها ( فقالت لهم ذلك فقالوا لا الولاء لنا فرجعت بريرة إلى عائشة وأخبرتها بأن أهلها قالوا لا بد أن يكون الولاء لنا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق، فأخذتها واشترطت الولاء لهم، ثم خطب الناس عليه الصلاة والسلام وقال: ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق ) ومن ذلك أيضًا أن امرأة من بني مخزوم كانت تقول للناس أعيروني أعيروني شيئًا فيعيرونها المتاع القدر القربة وما أشبه من ذلك من متاع البيت، ثم بعد ذلك تقول: ما أعرتموني شيئًا تجحد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها، لأنها سارقة هذه سرقة فاهتمت قريش لهذا الأمر كيف تقطع يد مخزومية من بني مخزوم من كبار قبائل العرب، فطلبوا من يشفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأرسلوا أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويحب أباه، فقال له يشفع قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتشفع في حد من حدود الله؟ ) يقوله منكرًا عليه، لأن حدود الله ما فيها شفاعة إذا وصلت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع له، ثم قام في الناس يخطب فقال: ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأخبر أن هذا هو الذي أهلك الأمم السابقة ) ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( وايم الله ) يعني: أحلف بالله ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) فهل هذه المخزومية أفضل أم فاطمة بنت محمد؟ فاطمة بنت محمد يقول: ( لو سرقت لقطعت يدها ) فهذه من الخطب العارضة، فكان صلوات الله وسلامه عليه من هديه أنه يخطب الناس لأمور عارضة أو لأمور راتبة، وسبق لنا حديث العرباض بن سارية قال: ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ) وسبق الكلام عليها، وينبغي للإنسان من قاضي أو مفتي أو عالم أو داعية أن يخطب الناس في الأمور العارضة التي يحتاجون فيها إلى بيان الحق، وفي الأمور الراتبة مثل الجمعة والعيدين والاستسقاء والخسوف كما مرَّ، وهذا من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن تبليغه، لأن الشيء إذا جاء في وقته عند حاجته.