تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال ( أيها الناس إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )) ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح (( كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم )) إلى قوله (( العزيز الحكيم )) فيقال لي إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) متفق عليه ... " .
الشيخ : من قاضي أو مفتي أو عالم أو داعية أن يخطب الناس في الأمور العارضة التي يحتاجون فيها إلى بيان الحق، وفي الأمور الراتبة مثل الجمعة والعيدين والاستسقاء والخسوف كما مرَّ، وهذا من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن تبليغه، لأن الشيء إذا جاء في وقته عند حاجته صار له قبول أكثر، والله الموفق. القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلًا (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا إنا كنا فاعلين )) ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: (( وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد )) إلى قوله: (( العزيز الحكيم )) فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) متفق عليه ".
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال ( أيها الناس إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )) ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح (( كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم )) إلى قوله (( العزيز الحكيم )) فيقال لي إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه لله تعالى فيما نقله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فيهم خطيبًا وقد سبق لنا أن خطب النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين: خطب راتبة دائمة كخطب الجمعة والعيدين والاستسقاء والكسوف، وخطب عارضة إذا وجد شيء سبب قام خطب عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فينا قال: ( إنكم محشرورن يوم القيامة حفاة عراة غرلًا ) محشورون يعني: مجموعون في صعيد واحد ليس فيه جبال وليس فيه أودية ولا بناء ولا أشجار، يُسمعهم الداعي وينفذهم البصر، يعني: لو دعاهم داع لأسمعهم لأنه ليس هناك ما يحول بينه وبين إسماعهم، وينفذهم البصر أي: يدركهم جميعًا، حفاة عراة غرلًا وفي رواية: ( بُهمًا ) أربع صفات حفاة ليس عليهم نعال ولا خفاف ولا ما يقون به أرجلهم، عراة ليس عليهم كسوة بداية أبشارهم، غرلًا يعني غير مختونين، والختان هو الجلدة التي تكون على الحشفة، وتقطع من أجل تمام الطهارة كما سنبين إن شاء الله، غرلًا بهمًا قال العلماء: بهما أي ليس معهم مال فيكون الإنسان مجردًا من كل شيء، ثم استدل لذلك بقول تعالى: (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا إنا كنا فاعلين )) يعني: أن الله يحشرهم كما بدأهم أول خلق، يخرجون من بطون الأرض كما خرجوا من بطون أمهاتهم، حفاة عراة غرلًا كما بدأنا أول خلق نعيده، قال الله عز وجل: (( وعدًا علينا )) أي مؤكدًا أكده الله على نفسه، لأن هذا المقام يقتضي التوكيد فإن من البشر من كذب بالحشر والعياذ بالله، وقال: (( إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ )) فقال عز وجل: (( وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ )) حدث النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الحديث فقالت عائشة: ( واسوأتاه الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك ) الأمر عظيم ما ينظر أحد لأحد (( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )) فالأمر ليس بحاجة أو ليس من المهم أن ينظر الرجل إلى المرأة عارية أو بالعكس، أو أن ينظر الرجل إلى ابنه عاريًا أو بالعكس، الأمر أعظم من هذا، حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام عند عبور الصراط دعاؤهم الله سلم اللهم سلم، لا يدري أحد أينجو أم لم ينج فالأمر عظيم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك ) ثم قال: ( ألا وإن أول من يُكسى إبراهيم ) إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام هو أول من يُكسى يوم القيامة، وهذه الخصيصة أنه يكون أول من يكسى لا تدل على التفضيل المطلق وأنه أفضل من محمد عليه الصلاة والسلام، لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والرسل سيد ولد آدم يوم القيامة، لا يقوم أحد يشفع للخلائق إلا محمد عليه الصلاة والسلام: (( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً )) لكن قد يخص الله بعض الأنبياء بشيء لا يخص به الآخر، مثل قوله تعالى: (( يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي )) هذا الاصطفاء الرسالات موجودة في غيره، لكن في وقته هو الرسول لبني إسرائيل، كذلك أيضًا قد يخص الله أحدًا بخصيصة من الأنبياء أو غيرهم يتميز بها عن غيره ولا يوجب ذلك الفضل المطلق ( ألا وإن أول من يُكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ) ولا يقال لماذا أول من يكسى؟ لأن الفضائل لا يسأل عنها، كما قال الله تعالى: (( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )) لا يسأل عنها لأن الإنسان قد يصل فيها إلى نتيجة وقد لا يصل، فكما أن الله تعالى فضَّل بني آدم بعضهم على بعض في الرزق، بعضهم على بعض في كمال الأخلاق والآداب، بعضهم على بعض في العلم، بعضهم على بعض في النشاط البدني أو النشاط الفكري أو غير ذلك، فالله تعالى يؤتي فضله من يشاء، وفي هذا الحديث دليل على أن الناس يُكسون بعد ذلك، أي يخرجون حفاة عراة غرلًا ثم يكسون بعد ذلك، ولكن بأي طريق يكسون؟ الله أعلم، الله أعلم ليس هناك خياطين ولا هناك ثيبًا تفصل ولا شيء، الله أعلم الذي خلقهم هو الذي يكسوهم سبحانه وتعالى، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الحديث. القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: أيها الناس إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلًا (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا إنا كنا فاعلين )) ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: (( وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد )) إلى قوله: (( العزيز الحكيم )) فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) متفق عليه ".
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال ( أيها الناس إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلا (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )) ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح (( كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم )) إلى قوله (( العزيز الحكيم )) فيقال لي إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) متفق عليه ... " .
الشيخ : سبق لنا الكلام على حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فيما وعظهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( إنكم ستحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلًا ) وذكرنا أن الأغرل هو الذي بقيت عليه جلدة الحشفة أي لم يختن، والختان اختلف العلماء في وجوبه، فمنهم من قال: إنه واجب على الذكور والإناث وأنه يجب أن تختن البنت كما يختن الولد، ومن العلماء من قال: إنه لا يجب الختان لا على الرجال ولا على النساء وأن الختان من الفطرة المستحبة وليس من الفطرة الواجبة، ومنهم من توسط بين القولين فقال: الختان واجب في حق الذكور وسنة في حق النساء، وهذا القول أوسط الأقوال وأعدلها، أنه واجب في حق الرجال لأن الرجل إذا بقيت هذه الجلدة فوق حشفته فإنها ستكون مجمعًا للبول، فيكون في ذلك تلويث للرجل، وربما يحدث إثر هذا التهابات فيما بين الجلدة والحشفة ويتضرر الإنسان، فالصحيح أن الختان واجب على الذكور وسنة في حق الإناث، وهو أعدل الأقوال وأحسنها، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن أول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ) ثم ذكر ( أنه يؤتى برجال من أمته فيؤخذ بهم ذات الشمال ) أي: إلى طريق أهل النار والعياذ بالله، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أصحابي ) يعني: يشفع إلى الله سبحانه وتعالى فيهم ( فيقال له: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك فأقول ) فأقول: يقوله النبي صلى الله عليه وسلم: ( كما قال العبد الصالح ) يعني به عيسى ابن مريم حين يقول يوم القيامة إذا قال الله تعالى له: (( أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ )) كما يزعم النصارى الذين يقولون: إنهم متبعون له (( أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ )) لأن الألوهية ليست حقًّا لأحد إلا الله رب العالمين، (( ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )) فإذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: ( إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ) قال: (( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )) ثم يقال للرسول عليه الصلاة والسلام: ( إنهم ما زالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) فأقول: ( سحقًا سحقًا ) قوله: ( إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) تمسك به الرافضة الذين قالوا إن الصحابة كلهم ارتدوا عن الإسلام والعياذ بالله، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان أما علي وآل البيت فهم لم يرتدوا على زعمهم، ولا شك أنهم في هذا كاذبون وأن الخلفاء الأربعة كلهم لم يحصل منهم ردة بإجماع المسلمين، وكذلك عامة أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لم يحصل منهم ردة بإجماع المسلمين، إلا قوم من الأعراب كانوا حديثي عهد بالإسلام لما مات النبي عليه الصلاة والسلام افتتنوا وارتدوا على أدبارهم ومنعوا الزكاة حتى قاتلهم الخليفة الراشد أبو بكر رضي الله عنه وعادوا إلى الإسلام، عاد أكثرهم ولكن الرافضة من شدة حنقهم وبغضهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تمسكوا بظاهر هذا الحديث، أما أهل السنة والجماعة فقالوا: إن هذا الحديث عام يراد به الخاص، وما أكثر العام الذي يراد به الخاص، فقوله: ( أصحابي ) يعني: ليسوا كلهم بل الذين ارتدوا على أدبارهم، لأن هكذا قيل للرسول عليه الصلاة والسلام: ( إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) ومعلوم أن الخلفاء الراشدين وعامة أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لم يرتدوا بالإجماع ولو قدر أنهم ارتدوا لم يبق لنا ثقة بالشريعة، ولهذا كان الطعن في الصحابة يتضمن الطعن في شريعة الله، ويتضمن الطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتضمن الطعن بالله رب العالمين، الذين يطعنون في الصحابة يتضمن طعنهم أربعة محاذير والعياذ بالله ومنكرات عظيمة، الطعن في الصحابة، والطعن في الشريعة، والطعن في النبي، والطعن في رب العالمين، لكنهم قوم لا يفقهون صم بكم عمي فهم لا يعقلون، أما كونه طعن في الشريعة فلأن الذين نقلوا إلينا الشريعة هم الصحابة، وإذا كانوا مرتدين والشريعة جاءت من طريقهم فإنها لا تقبل لأن الكافر لا يقبل خبره، بل الفاسق (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )) وأما كونه طعنًا برسول الله فيقال: إذا كان أصحاب النبي بهذه المثابة من الكفر والفسوق فهو طعن بالرسول لأن القرين على دين قرينه، وكل إنسان يعاب بقرينه إذا كان قرينه سيئًا يقال: فلان ما فيه خير قرناؤه فلان وفلان وفلان، فالطعن في الأصحاب طعن في المصاحب، وأما كونه طعن بالله رب العالمين فظاهر جدًا أن يجعل أفضل الرسالات وأعمها وأحسنها على يد هذا الرجل الذي هؤلاء أصحابه، وأيضًا أن يجعل أصحاب هذا النبي الذي هو أفضل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه مثل هؤلاء الأصحاب الذين زعمت الرافضة أنهم ارتدوا على أدبارهم، ولهذا نعتقد أن هذه فرية عظيمة على الصحابة رضي الله عنهم وعدوان على الله ورسوله وشريعة الله أن يقدح في الصحابة حملة الشريعة رضوان الله عليهم، ولا شك أننا نُكِنُّ الحب لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولآل النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين ونرى أن لآله المؤمنين حقين: حق الإيمان، وحق قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم (( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )) يعني: إلا أن تودوا قرابتي على أحد التفاسير، والتفسير الآخر: (( إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )) يعني إلا أن تودوني لقرابتي منكم وعلى كل حال هذا الحديث ليس فيه مطمع للرافضة في القدح في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يصدق إلا على من ارتد أما من بقوا على الإسلام وأجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم فإنهم لا يدخلون في هذا الحديث، ويقال: إن الذي خصص هذا الحديث إجماع المسلمين على أنهم لم يرتدوا وإنما ارتدت طائفة قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه ورجع أكثرهم إلى الإسلام، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال ( إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو وإنه يفقأ العين ويكسر السن ) متفق عليه وفي رواية أن قريبا لابن مغفل خذف فنهاه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال ( إنها لا تصيد صيدا ) ثم عاد فقال أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم عدت تخذف لا أكلمك أبدا ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال: إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو، وإنه يفقأ العين ويكسر السن ) متفق عليه وفي رواية: ( أن قريبًا لابن مغفل خذف فنهاه وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيدًا، ثم عاد، فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم عدت تخذف لا أكلمك أبدًا ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال ( إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو وإنه يفقأ العين ويكسر السن ) متفق عليه وفي رواية أن قريبا لابن مغفل خذف فنهاه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال ( إنها لا تصيد صيدا ) ثم عاد فقال أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم عدت تخذف لا أكلمك أبدا ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: إنه لا يقتل صيدًا ) وفي لفظ ( لا يصيد صيدًا ولا ينكأ عدوًّا، وإنما يفقأ العين ويكسر السن ) الخذف والحذف قال العلماء: معناه أن الإنسان يضع حصاة بين السبابة والإبهام، السبابة والسباحة هي الإصبع التي تلي الإبهام، فيضع على الإبهام حصاة ويدفعه بالسبابة أو يضع على السبابة ويدفعه بالإبهام، ثم ينقز هذا الحجر ويصيب ما شاء الله، لكن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عنه، لأنه كما قال عليه الصلاة والسلام: ( يفقأ العين ) يعني: يضربها يفضخها ( ويكسر السن ) إذا أصابه، ولا يصيد الصيد لأنه ليس له نفوذ، ولا ينكأ العدو يعني لا يدفع العدو، لأن العدو إنما ينكأ بالسهام لا بهذا الحصيات الصغيرة ( ثم إن ابنا له خرج لعبد الله بن المغفل يخذف فنهاه وقال: أخبرتك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف فجعلت تخذف، لا أكلمك أبدًا ) فهجره لأنه خالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كما فعل عبد الله بن عمر في أحد أبنائه حين حدثه -أي ابن عمر- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) فقال أحد أبنائه وهو بلال على أكثر الروايات بلال بن عبد الله بن عمر لا بلال المؤذن قال: " والله لنمنعهن "، لأن النساء تغيرن بعد عهد النبي عليه الصلاة والسلام والناس تغيروا فقال بلال: " والله لنمنعهن "( فأقبل عليه أبوه عبد الله بن عمر وجعل سبه سبًّا عظيمًا ما سبه مثله قط، وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لنمنعهن ثم هجره حتى مات ) لم يكلمه، فدل هذا على عظم تعظيم السلف الصالح لاتباع السنة، فهذا عبد الله بن مغفل أقسم ألا يكلم ابنه لأنه خذف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف، وهذا ابن عمر هجر ابنه حتى مات لأنه قال: " والله لنمنعهن "، وهكذا يجب على كل مؤمن أن يعظم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا قال قائل: هل مثل هذا الأمر يوجب الهجر؟ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجر عن هجر المؤمن فوق ثلاث؟ الجواب عن هذا: أن هذين الصحابيين وأمثالهما ممن فعل مثل فعلهما فعلا ذلك من باب التعزيز ورأيا أن في هذا تعزيرًا لهذين الرجلين، وإلا فالأصل أن المؤمن إذا فعل ذنبًا وتاب منه فإنه يغفر له ما سلف، حتى الكفار إذا تابوا غفر الله لهم ما سبق، قال الله تعالى: (( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ )) كل ما مضى، ولكن نظرًا لأن هذين الصحابيين رضي الله عنهما أرادا أن يعزرا من خالف أمر النبي عليه الصلاة والسلام إما بقوله وإما بفعله ولو عن اجتهاد، لأن بلال بن عبد الله بن عمر إنما قال ذلك عن اجتهاد، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعارض قول الرسول هذه المعارضة، الرسول يقول: ( لا تمنعوا ) وهو يقول: " والله لنمنعهن " هذه معارضة ظاهرة ولو قال مثلًا: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أراد في زمن النيات فيه سليمة والأعمال مستقيمة وتغيرت الأحوال وأتى بها على هذا الوجه لكان أهون، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها لكنها عائشة فقيهة قالت: ( لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع النساء من بعده لمنعهن ) يعني: من المساجد ( كما منعت بنو إسرائيل نساءها ) ولكن على كل حال ما فعله عبد الله بن مغفل وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يدل على تعظيم السنة وأن الإنسان يجب أن يقول في حكم الله ورسوله: سمعنا وأطعنا، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل الحجر يعني الأسود ويقول إني أعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن عابس بن ربيعة قال: ( رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل الحجر يعني الأسود ويقول: أعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل الحجر يعني الأسود ويقول إني أعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في باب الأمر باتباع السنة وآدابها، كان رضي الله عنه يطوف بالبيت بالكعبة فقبَّل الحجر الأسود، والحجر كما نعلم حجر من الأرض جعل في هذا الركن وأمر الله عز وجل بل وشرع الله سبحانه وتعالى لعباده أن يقبلوه لكمال الذل والعبودية، ولهذا قال عمر حين قبله: ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ) وصدق رضي الله عنه فإن الأحجار لا تضر ولا تنفع، الضرر والنفع بيد الله عز وجل (( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ )) ولكن بيّن رضي الله عنه أن تقبيله إياه لمجرد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبَّلتك ) يعني: فأنا أقبلك اتباعًا للسنة لا رجاء للنفع أو الضرر، ولكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ولهذا لا يشرع أن يقبَّل شيء من الكعبة المشرفة إلا الحجر الأسود فقط، أما الركن اليماني فيستلم يعني يمسح ولا يقبل، الحجر الأسود أفضل شيء أن يستلمه الإنسان ويقبله، يستلمه يعني يمسحه بيده اليمني ويقبله، فإن لم يمكن استلمه وقبل يده، فإن لم يمكن أشار إليه بشيء معه أو بيده ولكن لا يقبل ما أشار به، لأن هذا الذي أشار به لم يمس الحجر حتى يقبله، أما الركن اليماني فليس فيه إلا استلام فقط، ويكون الاستلام باليد اليمنى، ونرى بعض الناس الجهال يستلم باليد اليسرى، واليد اليسرى كما قال أهل العلم: لا تستعمل إلا في الأذى في القذر والنجاسات وما أشبهها، أما أن تعظم بها شعائر الله فلا، لكن أكثر الناس جهال يمكن لا يدرون لماذا استلموا هذا الشيء، ثم إن بقية الأركان الركن الشامي والعراقي يعني الشمالي الشرقي والشمالي الغربي هذان الركنان لا يقبلان ولا يمسحان، وذلك لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، قواعد إبراهيم متعدية وذلك أن قريشًا لما أرادوا بناء الكعبة قالوا: لن نبنيها إلا بمال طيب لا نبنيها بأموال الربا، شوف لله الحمد، الله يعظم بيته حتى على يد الكفار، قالوا: لا يمكن نبنيها بأموال الربا والحرام، فجمعوا المال الطيب فلم يكف لبنائها على قواعد إبراهيم، فكروا من أي جانب ينقصوها قالوا ننقصها من الشمال لأن الجانب اليماني الجنوبي فيه الحجر الأسود ولا يمكن أن ننقصها من جانب الحجر الأسود، فنقصوها من هناك فلم تكن على قواعد إبراهيم، ولذلك لم يقبل النبي عليه الصلاة والسلام ولم يمسح الركن الشمالي الشرقي ولا الركن الشمالي الغربي، ولما طاف معاوية رضي الله عنه ذات سنة وكان معه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما جعل معاوية يمسح الأركان الأربعة، الحجر الأسود والركن اليماني والشمالي والغربي فقال له ابن عباس: ( كيف تمسح الركنين الشماليين والنبي عليه الصلاة والسلام لم يمسح إلا الركن اليماني والحجر الأسود؟ فقال له معاوية : إنه ليس شيء من البيت مهجورًا ) يعني: البيت ما يهجر، كله يحترم ويعظم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما وهو أفقه من معاوية قال: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح إلا الركنين اليمانيين ) يعني: ركن الحجر والركن اليماني، فقال: ( صدقت ورجع إلى قوله ) لأن الخلفاء فيما سبق وإن كانوا كالملوك في الأبهة والعظمة لكنهم يرجعون إلى الحق، ولهذا رجع معاوية رضي الله عنه إلى الحق وقال له : ( صدقت ) وترك مسح الركن الشمالي الشرقي أو الركن الشمالي الغربي، وفي هذا الحديث الذي ذكره المؤلف عن عمر رضي الله عنه دليل على جهالة أولئك القوم الذين نشاهدهم يقف عند الركن اليماني فيمسحه بيده ويكون معه طفل قد حمله فيمسح يده على الطفل يتبرك به، وكذلك لو تيسر له الحجر الأسود هذا لا شك أنه بدعة وأنه نوع من الشرك الأصغر، نوع من الشرك كيف؟ لأن هؤلاء جعلوا ما ليس سببًا سببًا، والقاعدة: أن كل أحد يجعل شيئًا سببًا لشيء بدون إذن من الشارع فإنه يكون مبتدعًا، ولهذا يجب على من رأى أحدًا يفعل هذا أن ينصحه يقول: هذا غير مشروع هذا بدعة، حتى لا يظن الناس أن الأحجار تنفع أو تضر، ثم تتعلق قلوبهم بها في شيء أكبر وأعظم من هذا، المهم أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بين أنه لا يفعل ذلك إلا اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإلا يعلم أنه ما فيه نفع ولا ضر، وفي هذا دليل على أن كمال التعبد لله كمال التعبد أن ينقاد الإنسان لله عز وجل سواء عرف السبب والحكمة في المشروع -لا يكون انتهى الوجه- سواء عرف الحكمة والسبب في المشروعية أم لم يعرف، أنت مؤمن قيل لك افعل قل: سمعنا وأطعنا، إن عرفت الحكمة فهو نور على نور وإن لم تعرف فالحكمة أمر الله ورسوله، ولهذا قال الله في كتابه: (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) وسئلت عائشة رضي الله عنها: ( لماذا تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت : كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) كأنها رضي الله عنها قالت: إن وظيفة المؤمن أن يعمل بالشرع سواء عرف الحكمة أم لم يعرف، وهذا هو الحقيقة، نسأل الله أن يرزقني وإياكم اتباع سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وأن يتوفانا عليها وأن يحشرنا في زمرته إنه جواد كريم.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى وما يقوله من دعى إلى ذلك وأمر بمعروف أو نهى عن منكر . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ... )) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والجهاد والصيام والصدقة وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا (( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) فلما اقترأها القوم وذلقت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) قال نعم (( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا )) قال نعم (( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين )) قال نعم ) رواه مسلم ... " .
القارئ : قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب في وجوب الانقياد لحكم الله تعالى وما يقوله من دعى إلى ذلك وأمر بمعروف أو نهى عن منكر، نقل المؤلف رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والجهاد والصيام والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا، بل قولوا: (( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى وما يقوله من دعى إلى ذلك وأمر بمعروف أو نهى عن منكر . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ... )) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والجهاد والصيام والصدقة وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا (( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) فلما اقترأها القوم وذلقت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) قال نعم (( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا )) قال نعم (( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين )) قال نعم ) رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله : " باب وجوب تحكيم الانقياد لأمر الله وتحكيم الكتاب والسنة " ثم ذكر آيتين سبق الكلام عليهما، منهما قوله تعالى: (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )) ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم لما أنزل الله على نبيه هذ الآية (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) كبر ذلك عليهم وشق عليهم ذلك، لأن ما في النفس من الحديث أمر لا ساحل له، فالشيطان يأتي الإنسان ويحدثه في نفسه بأشياء منكرة عظيمة، منها ما يتعلق بالأمور الدينية، ومنها ما يتعلق بالأمور الدنيوية، ومنها ما يتعلق بالنفس، ومنها ما يتعلق بالمال، أشياء كثيرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، والله عز وجل يقول: (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) فإذا كام كذلك هلك الناس، فجاء الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على ركبهم، جثوا على ركبهم من شدة الأمر، والإنسان إذا نزل به أمر شديد يجثو على ركبتيه وقالوا: يا رسول الله إن الله تعالى أمرنا بما نطيق الصلاة والجهاد والصيام والصدقة، هذا نطيقه نصلي نجاهد نتصدق نصوم ( لكنه أنزل هذه الآية (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) وهذه يعني شديدة عليهم، لا أحد يطيق أن يفعل هذا، لا أحد يطيق أن يمنع نفسه عما تحدثه به من الأمور التي لو حوسب عليها لهلك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا ) أهل الكتابين هم اليهود والنصارى، اليهود كتابهم التوراة وهي أشرف الكتب المنزلة بعد القرآن، والنصارى كتابهم الإنجيل وهو متمم للتوراة ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، ولكن قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) وهكذا يجب على المسلم إذا سمع أمر الله ورسوله أن يقول سمعنا وأطعنا ويمتثل بقدر ما يستطيع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها كثير من الناس اليوم يأتي إليك يقول: إن الرسول أمر بكذا هل هو واجب أو سنة؟ إذا أمرك افعل إن كان واجبًا فقد أبرأت الذمة وحصلت خيرًا، وإن كان مستحبًّا فقد حصلت خيرًا، أما أن تقول هو واجب أو مستحب؟ هذا لا يقال إلا لإنسان كسول لا يحب الخير، لا يحب زيادة بالخير، أما الإنسان الذي يحب الزيادة فهو إذا سمع أمر الله ورسوله قال: سمعنا وأطعنا ثم فعل، ولا يسأل هو واجب أو مستحب إلا إذا خالف حينئذ يسأل يقول والله أنا فعلت كذا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكذا فهل علي من إثم؟ حينئذ يتوجه السؤال، ولهذا لم نعهد ولم نعلم أن الصحابة إذا أمرهم الرسول بأمر قالوا: يا رسول الله أعلى سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب، ما سمعنا بهذا، يقولون: سمعنا وأطعنا ويمشون، فأنت افعل أما كونك تأتي ومستحب ولا واجب ما لك ولهذا، لا يستطيع الإنسان أن يقول إن هذا الأمر مستحب أو هذا الأمر واجب إلا بدليل إلا بدليل، والحجة أن يقول لك المفتي: هكذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام هكذا أمر، نجد ابن عمر رضي الله عنه لما حدث ابنه بلالًا بن عبد الله بن عمر قال: ( إن الرسول قال: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) وقد تغيرت الحال بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ( قال بلال: " والله لنمنعهن " فسبه عبد الله بن عمر سبًّا شديدًا ) ليش يقول: والله لنمنعهن والرسول يقول لا تمنعوا؟ ثم إنه هجره حتى مات، شدة تعظيم الصحابة لأمر الله ورسوله، أما نحن نسأل الله يعاملنا وإياكم بعفوه نقول: هذا الأمر واجب ولا مستحب؟ هذا النهي للتحريم ولا للكراهة؟ يا أخي افعل إذا أمرت افعل إذا نهيت اجتنب، لكن كما قلت لكم إذا وقع الأمر بعدئذ تسأل هل أنت آثم أو ما أثمت؟ لأجل إذا قيل لك إنك آثم تجدد توبة، وإذا قيل إنك غير آثم يستريح قلبك، أما حين يوجه الأمر لا تقول استحباب أو وجوب كما كان الصحابة أدبهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام يفعلون ما يؤمرون ويتركون ما عنه ينهون بدون سؤال، لكن مع ذلك نحن نبشركم بحديث قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) الحمد لله رفع الحرج كلما حدثت به نفسك ولكنك ما ركنت إليه ولا عملت ولا تكلمت فهو معفو عنه، لو يكون أكبر من الجبال، اللهم لك الحمد، حتى إن الصحابة قالوا: ( يا رسول الله نجد في نفوسنا شيئًا نحب أن تكون حممًا ) يعني فحمة محترقة نحترق ولا نتكلم به، قال: ( ذاك صريح الإيمان ) يعني هذا هو الإيمان الخالص، لأن الشيطان ما يلقي مثل هذه الوساوس في قلب خربان، في قلب فيه شك يتسلط الشيطان أعاذني الله وإياكم منه على قلب صحيح خالص ليفسده، ولما قيل لابن عباس أو ابن مسعود قيل: ( إن اليهود إذا دخلوا في الصلاة لا يوسوسون ) يعني ما يوسوسون أبدًا ... صلاته قال صحيح ( وما يصنع الشيطان بقلب خراب ) شوف هالكلمة عجيبة يعني اليهود قلوبهم خاربة كفار الشيطان ما يجي يوسوس لهم عند صلاتهم لأنها كلها باطلة، الشيطان يأتي يوسوس للمسلم اللي صلاته صحيحة مقبولة ليفسدها، يأتي للمؤمن اللي إيمانه صريح خالص ليفسد هذا الإيمان الصريح، ولكن الحمد لله من أعطاه الله تعالى طب القلوب والأبدان محمد صلى الله عليه وسلم أعطانا لهذا طبًّا، قال: إذا أحسست به بالوساوس الشينة هذه فاستعذ بالله وانته، يستعيذ بالله يعني يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وانته أعرض عنها لا تلتفت لها لا تنقل لها هم لا تهمك، امض فيما أنت عليه وبعدين إذا رأى الشيطان ما فيه منفذ نكص على عقبيه ورجع، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الشيطان الرجيم. القارئ : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والجهاد والصيام والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: (( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) ".