شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى وما يقوله من دعى إلى ذلك وأمر بمعروف أو نهى عن منكر . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والجهاد والصيام والصدقة وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا (( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) فلما اقترأها القوم وذلقت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) قال نعم (( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا )) قال نعم (( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين )) قال نعم ) رواه مسلم ... " .
القارئ : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والجهاد والصيام والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: (( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) فلما اقترأها القوم، وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله تعالى في إثرها: (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فأنزل الله عز وجل: (( لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) قال: نعم (( ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا )) قال: نعم (( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به )) قال: نعم (( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين )) قال: نعم. رواه مسلم ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، سبق الكلام على أول هذا الحديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( وأن الصحابة لما أنزل الله تبارك وتعالى قوله: (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجثوا على الركب وقالوا: أي رسول الله كُلفنا من العمل ما نطيق، الصلاة والجهاد والصيام والصدقة، وقد أنزل الله عليك هذه الآية يعني قوله: (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) ونحن لا نطيقها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا ) هذا الاستفهام للإنكار، يعني ينكر عليهم أن يقولوا مثل هذا القول ( ولكن قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما قالوا هذا ولانت لها نفوسهم، وذلت لها ألسنتهم أنزل الله بعدها (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون )) ) يعني والمؤمنون آمنوا (( كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) فبين الله عز وجل في هذه الآية الثناء عليهم على رسوله وعلى المؤمنين بأنهم قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك وإليك المصير، ثم أنزل الله: (( لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت )) فالذي ليس في وسع الإنسان لا يكلفه الله به ولا حرج عليه فيه، مثل الوساوس التي تهجم على القلب ولكن الإنسان لا يركن إليها ولا يصدق بها ولا يرفع بها رأسًا فإنها لا تضره، لأن هذه ليست داخلة في وسعه، والله عز وجل يقول: (( لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها )) قد يحدث الشيطان الإنسان في نفسه عن أمور فظيعة فظيعة فظيعة عظيمة، ولكن إذا أعرض عنها واستعاذ بالله من الشيطان ومنها زالت عنه ( (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) قال: نعم ) يعني: قال الله نعم لا أؤاخذكم إن نسيتم أو أخطأتم ( (( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا )) قال: نعم ) ولهذا قال الله تعالى في وصف رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ))( (( رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ )) قال الله: نعم ) ولهذا لايكلف الله تعالى في شرعه ما لا يطيقه الإنسان، بل إذا عجز عن الشيء انتقل إلى بدله إن كان له بدل أو سقط عنه إن لم يكن له بدل، أما أن يكلف ما لا طاقة له به فإن الله تعالى قال هنا: ( نعم ) يعني: لا أحملكم ما لا طاقة لكم به ( (( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )) قال الله: نعم ) فيعفو الله عنا ويغفر لنا ويرحمنا، هذه ثلاثة كلمات كل كلمة لها معنى (( واعف عنا )) يعني: تقصيرنا في الواجب (( واغفر لنا )) يعني: انتهاكنا للمحرم (( وارحمنا )) يعني: وفقنا للعمل الصالح، فالإنسان إما أن يترك واجبًا أو يفعل محرمًا ترك الواجب ماذا يقال؟ اعف عنا اعف عنا ما قصرنا فيه من الواجب أو يفعل محرم فيقول؟ اغفر لنا يعني ما اقترفناه من الذنوب، أو يطلب تثبيتًا وتأييدًا وتنشيطًا على الخير في قوله: (( وارحمنا )) فهذه ثلاث كلمات كل كلمة لها معنى (( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا )) ) أي: متولي أمورنا في الدنيا والآخرة فتولنا في الدنيا (( فانصرنا على القوم الكافرين )) انصرنا على القوم الكافرين قد يتبادر للإنسان أن المراد أعداؤنا من الكفار، ولكنه أعم حتى يتناول الانتصار على الشيطان، لأن الشيطان رأس الكافرين، إذًا نستفيد من هذه الآية الكريمة الأخيرة أن الله سبحانه وتعالى لا يحملنا ما لا طاقة لنا به ولا يكلفنا إلا وسعنا، وأن الوساوس التي تجول في صدورنا إذا لم نركن إليها ولم نطمئن إليها ولم نأخذ بها فإنها لا تضر، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور . قال الله تعالى (( فماذا بعد الحق إلا الضلال )) وقال تعالى (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) وقال تعالى (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) أي الكتاب والسنة وقال تعالى (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) وقال تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة ... " .
القارئ : قال رحمه الله تعالى: " باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور . قال الله تعالى: (( فماذا بعد الحق إلا الضلال )) وقال تعالى: (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) وقال تعالى: (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) أي: الكتاب والسنة، وقال تعالى: (( وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) وقال تعالى: (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور . قال الله تعالى (( فماذا بعد الحق إلا الضلال )) وقال تعالى (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) وقال تعالى (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) أي الكتاب والسنة وقال تعالى (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) وقال تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور " البدع هي الأشياء التي يبتدعها الإنسان هذا هو معناها في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى: (( بديع السماوات والأرض )) أي: خالقهما على غير مثال سبق يعني لم يسبقهما نظير بل ابتدعهما وأنشأهما أولًا، والبدعة في الشرع: كل من تعبد لله سبحانه وتعالى بغير ما شرع عقيدةً أو قولًا أو فعلًا، فمن تعبد لله بغير ما شرعه الله من عقيدة أو قول أو فعل فهو مبتدع، فإذا أحدث الإنسان عقيدة في أسماء الله وصفاته مثلًا فهو مبتدع، أو قال قولًا لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع، أو فعل فعلًا لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع، وليعلم أن الإنسان المبتدع يقع في محاذير كثيرة أولًا: أن ما ابتدعه فهو ضلال، ما ابتدعه فهو ضلال بنص القرآن والسنة، وذلك أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الحق، وقد قال الله تعالى: (( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ )) هذا دليل القرآن، السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة )( كل بدعة ضلالة ) ومعلوم أن المؤمن لا يختار أن يتبع طريق الضالين الذين يتبرأ منهم المصلي في كل صلاة (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ )) ثانيًا: أن في البدعة خروجًا عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) فمن ابتدع بدعة يتعبد لله بها فقد خرج عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعها فيكون خارجًا عن شرعة الله فيما ابتدعه، الثالث: أن هذه البدعة التي ابتدعها تنافي تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله، لأن من حقق شهادة أن محمدًا رسول الله فإنه لا يخرج عن التعبد بما جاء به، بل يلتزم شريعته ولا يتجاوزها ولا يقصر عنها، فمن قصر في الشريعة أو زاد فيها فقد قصر في اتباعه إما بنقص أو بزيادة، وحينئذ لا يحقق شهادة أن محمدًا رسول الله، الرابع: أو الخامس، الرابع: أن مضمون البدعة الطعن في الإسلام، فإن الذي يبتدع تتضمن بدعته أن الإسلام لم يكمل وأنه كمل الإسلام بهذه البدعة، وقد قال الله تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )) فيقال لهذا المبتدع: أنت الآن أتيت بشريعة غير التي كمل عليها الإسلام وهذا يتضمن الطعن في الإسلام، وإن لم تطعن فيه بلسانك لكن طعنت فيه بفعلك، أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أين الصحابة عن هذه العبادة التي ابتدعتها؟ أهم في جهل منها؟ أم في تقصير عنها؟ إذًا هذا يكون طعنًا في الشريعة الإسلامية، الخامس: أنه يتضمن الطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بها فحينئذ يكون جاهلًا، وإما أن يكون قد علم بها ولكن كتمها وحينئذ يكون كاتما للرسالة أو لبعضها، وهذا خطير جدًّا، السادس: أن البدعة تتضمن تفريق الأمة الإسلامية، لأن الأمة الإسلامية إذا فتح الباب لها في البدع صار هذا يبتدع شيئًا وهذا يبتدع شيئًا كما هو الواقع الآن، فتكون الأمة الإسلامية كل حزب منها بما لديه فرح (( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) كل حزب يقول: الحق معي والضلال مع الآخر، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُون )) فإذا صار الناس يبتدعون البدع تفرقوا وصار كل واحد يقول: الحق معي وفلان ضال مقصر، ويرميه بالكذب والبهتان وسوء القصد وما أشبه ذلك، ونضرب لهذا مثلًا: أولئك الذين ابتدعوا عيد ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام وصاروا يحتفلون بما يدعون أنه اليوم الذي ولد فيه، وهو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول أتدرون ماذا يقولون لمن لا يفعل هذه البدعة؟ يقولون: هؤلاء يبغضون الرسول ويكرهونه ولهذا لم يفرحوا بمولده ولم يقيموا له احتفالًا وما أشبه ذلك، فتجدهم يرمون أهل الحق بما هم أحق به منهم، الحقيقة أن المبتدع بدعته تتضمن أنه يبغض الرسول عليه الصلاة والسلام وإن كان يدعي أنه يحبه، لأنه إذا ابتدع هذه البدعة والرسول عليه الصلاة والسلام لم يشرعها للأمة فهو كما قلت لكم أولًا إما جاهل وإما كاتم، سابعًا: أن البدعة إذا انتشرت في الأمة اضمحلت السنة، لأن الناس يعملون فإما بخير وإما بشر، ولهذا قال بعض السلف: " ما ابتدع قوم بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها " يعني أو أشد، فالبدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحلالها بين الأمة الإسلامية، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على البدع وبيان خطرها على الأمة الإسلامية، ونحن قد لا نتكلم في نية الفاعل قد يكون بعض الناس ابتدع هذه البدعة بنية حسنة لكن يكون أحسن في قصده وأساء في فعله، ولا مانع من أن يكون القصد حسنًا والفعل سيئًا، ولكن يجب على من علم أنه فعله سيء أن يرجع عن فعله وأن يتبع السنة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، من المفاسد أيضًا أن المبتدع لا لا يحكم الكتاب والسنة لأنه يرجع إلى هواه يحكم هواه، وقد قال الله تعالى: (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ))(( إِلَى اللَّهِ )) إلى كتابه عز وجل (( وَالرَّسُولِ )) إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، والله الموفق.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه ... " .
الشيخ : يعني لا يحرفون الكلم عن مواضعه ولا ولا يمثلون صفات الله بصفات خلقه ولا يكيفونها فيقولون مثلًا: كيفية صفة الله كذا وكذا ولا يعطلون النصوص عن مدلولها، ولا يخلون الله تعالى مما وصف به نفسه، فجاء هؤلاء المبتدعة وصاروا يتخبطون خبط عشواء، فمنهم من يثبت الأسماء دون الصفات، ومنهم من يثبت الأسماء وبعض الصفات وينكر كثيرًا منها، ومنهم من لا يثبت لا أسماء ولا صفات والعياذ بالله، بل منهم من وصلت بهم البدعة إلى حد يصف به الله بما يقتضي أنه ليس بموجود نسأل الله العافية، وهم في ذلك كله ينتسبون إلى الإسلام ويقولون نحن مسلمون، وبه نعرف أنه ليس كل من انتسب للإسلام يكون مسلمًا، بل قد يكون من أكبر الملاحدة وهو يقول إنه مسلم وهو كاذب فيما يدعيه، أما حديث عائشة هذا فإنه نصف العلم لأن الأعمال إما ظاهرة وإما باطنة، فالأعمال الباطنة ميزانها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) ميزان الأعمال الظاهرة حديث عائشة هذا ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي: مردود على صاحبه غير مقبول منه، وقوله: ( في أمرنا ) المراد به ديننا وشرعنا، قال الله تعالى: (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا )) فأمر الله المراد به في هذا الحديث هو شرع الله، من أحدث فيه ما ليس منه فهو رد، وفي هذا دليل واضح على أن العبادة إذا لم نعلم أنها من دين الله فهي مردودة، ويستفاد من هذا الذي علمناه من هذا الحديث أنه لا بد من العلم، لأن العبادة مشتملة على الشروط والأركان، أو غلبة الظن إذا كان يكفي عن العلم، كما في بعض الأشياء مثلًا الصلاة إذا شككت في عددها وغلب على ظنك عدد فامش على ما غلب على ظنك، الطواف بالبيت سبعة أشواط وإذا غلب على ظنك عدد فامش على ما غلب على ظنك، كذلك الطهارة إذا غلب على ظنك أنك أسبغت الوضوء كفى، فالمهم أنه لا بد من العلم أو الظن إذا دلت النصوص على كفايته، وإلا فإن العبادة مردودة، وإذا كانت العبادة مردودة فإنه يحرم على الإنسان أن يتعبد لله بها، لأنه إذا تعبد لله بعبادة لا يرضاها ولم يشرعها لعباده صار كالمستهزئ بالله والعياذ بالله، حتى إن بعض العلماء قال: إن الإنسان إذا صلى محدثًا متعمدًا خرج من الإسلام، لأنه مستهزئ، بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه ويعيد، وفي اللفظ الثاني: ( من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد ) وهو أشد من الأول لأن قوله: ( من عمل عملًا ليس عليه أمرنا ) يعني لا بد أن نعلم بأن كل عمل عملناه عليه أمر الله ورسوله وإلا فهو مردود، وهو يشمل العبادات ويشمل المعاملات، ولهذا لو باع الإنسان بيعًا فاسدا أو رهن رهنا فاسدًا أو أوقف وقفا فاسدًا فكله غير صحيح ومردود على صاحبه ولا ينفذ، والله أعلم.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن جابر رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول ( بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ) ويقول ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) ثم يقول ( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي ) رواه مسلم ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن جابر رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالًا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإلي وعلي ) رواه مسلم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن جابر رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول ( بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ) ويقول ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) ثم يقول ( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي ) رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في باب التحذير من البدع قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب ) يعني يوم الجمعة ( احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه ) وإنما كان يفعل هذا لأنه أقوى في التأثير على السامع، فكان صلى الله عليه وسلم يكون على هذه الحال للمصلحة، وإلا فمن المعلوم صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقًا وألينهم عريكة، لكن لكل مقام مقال، فالخطبة ينبغي أن تحرك القلوب وتؤثر في النفوس إما في موضوعها وإما في كيفية أدائها وإما في هذا وهذا، إذا حصل وكان يقول: ( بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين السبابة والوسطى ) يعني: بين الأصبعين السبابة وهي التي بين الوسطى والإبهام والوسطى، وأنت إذا قرنت بينهما وجدتهما متجاورتين، ووجدت أنه ليس بينهما إلا فرق يسير، ليس بين الوسطى والسبابة إلا فرق يسير مقدار الظفر أو نصف الظفر، والمعنى أن أجل الدنيا قريب وأنه ليس ببعيد، وهذا كما فعل صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطب الناس في آخر النهار والشمس على رؤوس النخل فقال: ( إنه لم يبق من دنياكم إلا مثل ما بقي من هذا اليوم ) فإذا كان الأمر كذلك والنبي صلى الله عليه وسلم الآن مات له ألف وأربعمئة سنة ولم تقم القيامة دل هذا على أن الدنيا طويلة الأمد، ولكن ما يقدره بعض الجلوجيين من عمر الدنيا الماضي بملايين الملايين هذا خرص لا يصدق ولا يكذب فهو كأخبار بني إسرائيل، لأنه ليس لدينا علم من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في مقدار ما مضى من الدنيا ولا في مقدار ما بقي منها على وجه التحديد، وإنما هو كما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمثال، والشيء الذي ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة وهو من أخبار ما مضى فإنه ليس مقبولًا، وإنما ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما شهد الشرع بصدقه فهذا يقبل لشهادة الشرع به، والثاني: ما شهد الشرع بكذبه فهذا يرد لشهادة الشرع بكذبه، والثالث: ما ليس فيه هذا ولا هذا فهذا يتوقف فيه إما أن يكون حقًّا وإما أن يكون باطلًا، ويدل لهذا قوله تعالى: (( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ )) فإذا حصر العلم جل وعلا في نفسه فإنه لا يتلقى علم هؤلاء إلا من وحيه عز وجل، لا يعلمهم إلا الله فأي أحد يدعي شيئًا فيما مضى مما يتعلق بالبشرية أو بطبيعة الأرض أو الأفلاك أو غيرها فإننا لا نصدقه ولا نكذبه، بل نقسم ما أخبر به إلى الأقسام السابقة الثلاثة، أما المستقبل فالمستقبل ينقسم أيضًا إلى أولًا: ما أخبر الشرع بوقوعه فهذا لا بد أن يقع، مثل أخبار يأجوج ومأجوج وأخبار الدجال ونزول عيسى ابن مريم وأشباه ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة، والثاني: ما لم يرد به كتاب ولا سنة فهذا القول فيه من التخمين والظن بل لا يجوز لأحد أن يصدق فيما يستقبل لأنه من علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، فالحاصل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( بعثت أنا والساعة كهاتين وقال بالسبابة والوسطى ) السبابة هي الإصبع التي بين الإبهام والوسطى تسمى السبابة، لأن الإنسان إذا أراد أن يسب أحدًا أشار إليه بها أنت يا فلان اللي فيك ما لفيك ويشير بها، وتسمى السباحة أيضًا لأن الإنسان عند الإشارة إلى تعظيم الله عز وجل يرفعها ويشير بها إلى السماء، ثم يقول: ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) وقد سبق الكلام على هذه الجمل، ثم يقول: ( أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) كما قال ربه عز وجل: (( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ )) فهو أولى بك من نفسك وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: ( من ترك مالاً فلأهله ) يعني: من ترك من الأموات مالًا فلأهله يرثونه حسب ما جاء في كتاب الله وسنة الرسول ( ومن ترك دَينًا أو ضياعًا ) يعني أولادًا صغارًا يضيعون ( فإلي وعلي ) يعني فأمرهم إلي أنا وليهم والدين عليّ أنا أقضيه، هكذا كان صلى الله عليه وسلم حين فتح الله عليه، أما قبل ذلك فكان يؤتى بالرجل ليصلي عليه فيسأل: ( هل عليه دين؟ ) إن قالوا: نعم وليس له وفاء ترك الصلاة عليه ( فجيء إليه في يوم من الأيام برجل من الأنصار فتقدم ليصلي عليه ثم سأل عليه دين؟ قالوا: نعم عليه ديناران فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم، فعرف ذلك في وجوه القوم ثم قام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: الديناران عليّ يا رسول الله، فالتزمهما أبو قتادة رضي الله عنه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حق الغريم وبرئ منه الميت؟ قال: نعم فتقدم فصلى ) وفي هذا دليل على عظم الدَّين وأنه لا ينبغي للإنسان أن يتدين إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، لا يتدين لا لزواج ولا لبناء بيت ولا لكماليات في البيت كل هذا من السفه، يقول الله عز وجل: (( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )) هذا النكاح فما بالك بما هو دونه بكثير، كثير من الجهال يتدين ويشتري مثلًا فراش فراشًا لإيش؟ للدرج أبي أفرش الدرج مثلما فرش فلان وفلان، فراش للساحة أبس أشتري باب قراج ينفتح على الكهرب أو ما أشبه ذلك، مع أنه فقير يأخذه بالدَّين يعني بالدَّين ما هو لازم يروح ياخذ سيارة، حتى لو اشتريت شيئًا بثمن مؤجل فهو دين، حتى لو اشتريت شيئًا بثمن لم تسلمه فالثمن في ذمتك دين، لأن الدين عند العلماء كل ما ثبت في الذمة من ثمن بيع أو قرض أو أجرة أو غير ذلك، فإياكم والديون احذروها احذروها فإنها تهلككم إلا شيئًا ضروري هذا شيء آخر، لكن ما دمت في غنى لا تستدن، كثير من الناس مساكين يستدين مثلًا أربعين ألف فإذا حل الأجل قال: ما عندي شيء طيب استدن، استدان أربعين ألفا اللي عليه يبي يستدين لها ستين ألف، ثم يستدين السنة الثانية ثم تتراكم عليه الديون الكثيرة من حيث لا يشعر، والله الموفق.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب فيمن سن سنة حسنة أو سيئة . قال الله تعالى (( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما )) وقال تعالى (( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ))... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب فيمن سن سنة حسنة أو سنة سيئة " ذكر المؤلف رحمه الله هذا الباب بعد التحذير من البدع ليبين أن من الأشياء ما يكون أصله ثابتًا فإذا فعله الإنسان وكان أول من يفعله كان كمن سنه وصار له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، وقد سبق لنا أن الدين الإسلامي ولله الحمد كامل لا يحتاج إلى تكميل ولا إلى بدع، لأن الله تعالى قال: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )) ثم استشهد المؤلف بآيتين من كتاب الله أولاهما: قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) هذا من جملة ما يدعو به عباد الرحمن الذين ذكر الله أوصافهم في آخر سورة الفرقان: (( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً )) إلى أن قال: (( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ )) (( هَبْ لَنَا )) يعني: أعطنا، والأزواج جمع زوج وهو صالح للذكر والأنثى، فالزوجة تسمى زوجًا والزوج الذكر يسمى زوجًا، ولهذا تجدون في الأحاديث يمر بكم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه هي اللغة الفصحى أن المرأة تسمى زوجًا، لكن أهل الفرائض رحمهم الله جعلوا للرجل زوج وللمرأة زوجة من أجل التفريق عند قسمة المواريث، أما في اللغة العربية فالزوج صالح للذكر والأنثى، فهذا الدعاء (( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ )) كما هو صالح للرجال صالح للنساء أيضًا، وقرة العين في المرأة أنك إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك وفي ولدك، وإذا بحثت عنها وجدتها قانتة لله (( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ )) فهذه تسر زوجها، كذلك أيضًا الذرية إذا جعلهم الله قرة عين للإنسان يطيعوه إذا أمر وينتهون عما نهى عنه، ويسرونه في كل مناسبة ويصلحون فهذا من قرة الأعين للمتقين، والجملة الأخيرة: (( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) هي الشاهد لهذا الباب يعني اجعلنا للمتقين أئمة يقتدي بنا المتقون في أفعالنا وأقوالنا فيما نفعل وفيما نترك، فإن المؤمن ولاسيما أهل العلم يقتدى بهم بأقوالهم وأفعالهم، ولهذا تجد العامة إذا أمرتهم بشيء أو نهيتهم عن شيء قالوا: هذا فلان يفعل كذا وكذا ممن جعلوه إمامًا لهم، والأئمة تشمل الأئمة في الدين والأئمة في الدعوة، يعني في الدين الذي هو العبادة الخاصة بالإنسان، والأئمة في الدعوة وفي التعليم وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شعائر الدين وشرائعه، اجعلنا للمتقين إمامًا في كل شيء، أما الآية الثانية فقال تعالى: (( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا )) أي: صيرناهم أئمة علماء يهدون الناس أي يدلونهم على دين الله بأمر الله عز وجل، ولكن ليت المؤلف ذكر آخر الآية لأن الله بين أنه جعلهم أئمة بسبب (( يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ )) لما صبروا على طاعة الله وصبروا عن معصية الله وصبروا على أقدار الله، صبروا على طاعة الله ففعلوا ما أمر، وصبروا عن معصية الله فتركوا ما نهى عنه، وصبروا على أقدار الله التي تأتيهم من أجل دعوتهم إلى الحق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، لأن الإنسان إذا نصب نفسه داعية للحق وآمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر فلا بد أن يصيبه من الأذى ما يصيبه، لأن أكثر الذين يكرهون الحق سوف يكونون أعداء له فليصبر، وكذلك أقدار الله التي تأتي بدون هذا أيضًا يصبرون عليها بما صبروا (( وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ )) يوقنون بما أخبر الله به، ويوقنون بالجزاء الذي يحصل لهم في فعل الأوامر وترك النواهي وفي الدعوة إلى الله وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أنهم يعملون وهم يوقنون بالجزاء، وهذه نقطة ينبغي لنا أن ننتبه لها أن نعمل ونحن نوقن بالجزاء، كثير من الناس يعملون يصلون ويصومون ويتصدقون بناء على أن هذا أمر الله، وهذا طيب لا شك أنه خير لكن ينبغي أن تدرك وأن تستحضر بأنك إنما تفعل هذا رجاء الثواب وخوف العقاب، حتى تكون موقنًا بالآخرة بما صبروا (( وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ )) وقد أخذ شيخ الإسلام رحمه الله من هذه الآية عبارة طيبة فقال: " بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدِّين " أخذها من قوله: (( لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ )) فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، أسأل الله أن يجعلني وإياكم أئمة في دين الله هداة لعباد الله مهتدين إنه جواد كريم.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام ثم صلى ثم خطب فقال: (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )) إلى آخر الآية (( إن الله كان عليكم رقيبا )) والآية الأخرى التي في آخر الحشر (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد )) تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) رواه مسلم .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالًا فأذن وأقام ثم صلى ثم خطب فقال: (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )) إلى آخر الآية (( إن الله كان عليكم رقيبًا )) والآية الأخرى التي في آخر الحشر (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد )) تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) رواه مسلم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام ثم صلى ثم خطب فقال: (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )) إلى آخر الآية (( إن الله كان عليكم رقيبا )) والآية الأخرى التي في آخر الحشر (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد )) تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) رواه مسلم ... ".
الشيخ : ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب " باب من سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها " ذكر رحمه الله حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وهو حديث عظيم يتبين منه حرص النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته صلوات الله وسلامه عليه، فبينما هم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أول النهار ( إذ جاء قوم من مضر عامتهم أو كلهم من مضر مجتابي النمار متقلدي السيوف ) رضي الله عنهم، يعني أن الإنسان ليس عليه إلا ثوب قد اجتابه يستر به عورته قد ربطه على رقبته، ومعهم السيوف استعدادًا لما يؤمرون به من الجهاد رضي الله عنه ( فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم ) يعني تغير وتلون لما رأى فيهم من الحاجة وهم من مضر من أشراف قبائل العرب وقد بلغتهم الحاجة إلى هذه الحال، ثم دخل بيته عليه الصلاة والسلام ثم خرج ثم أمر بلالًا فأذن ثم صلى ثم خطب، خطب الناس عليه الصلاة والسلام وحمد الله وأثنى عليه كعادته، ثم قرأ قول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) وقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) ثم حث على الصدقة فقال: ( تصدق رجل بديناره تصدق بدرهمه تصدق بثوبه تصدق بصاع بره تصدق بصاع تمره حتى ذكر ولو شق تمرة ) وكان الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على الخير وأسرعهم إليه وأشدهم مسابقة، فخرجوا إلى بيوتهم فجاءوا بالصدقات حتى جاء رجل بصرّة معه في يده كادت تعجز يده عن حملها بل قد عجزت من فضة ثم وضعها بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم رأى جرير يقول: ( رأيت كومة أو قال: كومًا من الطعام والثياب وغيرها قد جُمع في المسجد، فصار وجه النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن تمعر صار يتهلهل كأنه مذهبة ) يعني: من شدة بريقه ولمعانه وسروره عليه الصلاة والسلام لما حصل من هذه المسابقة التي فيها سد حاجة هؤلاء الفقراء، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( من سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) وهذه السنة المراد بها يعني من ابتدأ العمل بالسنة وليس من أحدث لأنه.