تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ) فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به قال لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم ... " .
الشيخ : يقتدي به أحد، وفي هذا الباب أعني باب استعمال الذهب والفضة نقول: استعمال الذهب والفضة إما أن يكون في أكل وشرب فهذا حرام على الرجال والنساء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة، لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ) وقال في الذي يشرب في إناء الفضة: ( إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) ولا فرق في هذا بين الرجال والنساء، فكما أن الرجل يحرم عليه أن يأكل بالذهب أو بالفضة فكذلك المرأة، ولا فرق بين أن يكون إناء مما يوضع فيه الطعام كله أو جزء، فالملاعق من الفضة أو من الذهب يحرم الأكل بها، ومن أكل بها فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم، وكذلك الشرب الفناجيل اللي فيها الذهب المذهبة بشيء من الذهب أو من الفضة هذه أيضًا حرام، حتى العروة من الذهب محرمة ولا تحل لا للرجال ولا للنساء، أما في باب اللباس فلما كانت المرأة محتاجة إلى التزين والتحلي أبيح لها من التحلي بالذهب والفضة ما جرت به العادة، وأما الرجل فليس بحاجة إلى هذا الرجل كامل برجولته، والمرأة محتاجة إلى التكميل وإلى التزين، ولهذا أبيح لها من الذهب والفضة ما لا يباح للرجل، فالرجل يحرم عليه لباس الذهب مطلقًا، ويجوز له أن يلبس من الفضة الخاتم وشبهه كما جاءت به السنة، وفي هذا الحديث دليل على ورع الصحابة رضي الله عنهم، وعلى انصياعهم لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن هذا الرجل ترك هذا الخاتم لما طرحه النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فبإمكانه أن يأخذه ويلبسه زوجته أو ابنته أو إحدى نسائه، لكنه تركه لله رضي الله عنه وهذا من ورعه، وفيه أن الإنسان يجوز له أن يعاقب نفسه بحرمانها مما تشتهيه إذا أوجب له ذلك فعل محرم أو ترك واجب، يعني لو صدك شيء عن واجب من مالك فأتلفته لله انتقامًا لنفسك بنفسك كان هذا له أصل من السنة وأصل من هدي الرسل فإن سليمان عليه الصلاة والسلام اشتغل ذات يوم بالخيل والنظر إليها وإجرائها حتى غابت الشمس عن صلاة العصر فقال: (( ردوها علي )) فردوا عليه الخيل فجعل يعقرها ويذبحها، كل هذا انتقامًا لنفسه، انتقامًا من نفسه لنفسه لأجل أن يردعها عن ترك الواجب، فإذا فعل الإنسان ذلك لله عز وجل فلا حرج عليه في هذا، والله أعلم. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) رواه الترمذي وقال حديث حسن ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) رواه الترمذي وقال حديث حسن ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن ينزل عليكم عقابًا ثم تدعونه فلا يستجيب لكم ) أقسم النبي عليه الصلاة والسلام أننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، فإن لم نفعل فإنه يوشك يعني يقرب أن الله ينزل علينا عقابًا ثم ندعوه برفع هذا العقاب فلا يستجيب لنا نسأل الله العافية، ففي هذا دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فرض، وهو من أهم واجبات الدين، حتى إن بعض العلماء قال: إنه ركن سادس من أركان الإسلام، ولكن الصحيح أنه ليس ركنًا سادسًا لكنه من أهم الواجبات وأفرض الفروض، والأمة إذا لم تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فإنها سوف تتفرق بها الأهواء وسيكون كل قوم لهم منهاج يسيرون عليه، ولكنهم إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر اتفقت أو اتفق منهاجهم وصاروا أمة واحدة كما أمرهم الله بذلك: (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ))(( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) ولكن على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يلاحظ مسألة مهمة، وهي أن يكون قصده بذلك إصلاح أخيه لا الانتقام منه والاستئثار عليه، لأنه ربما إذا قصد الانتقام منه والاستئثار عليه يعجب بنفسه وبعمله ويحقر أخاه، وربما يستبعد أن يرحمه الله ويقول هذا بعيد من رحمة الله ثم بعد ذلك يحبط عمله، كما جاء ذلك في الحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أن رجلًا قال لرجل آخر مسرف على نفسه: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي ألا يغفر لفلان قد غفرت له وأبطلت عملك ) فانظر هذه الكلمة والعياذ بالله تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته، هلك كل عمله كل سعيه، لأنه حمله إعجابه بنفسه واحتقاره لأخيه واستبعاده رحمة الله على أن يقول هذه المقالة، فحصل بذلك أن أوبقت هذه الكلمة دنياه وآخرته، فالمهم أنه يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يستحضر هذا المعنى، ألا يكون قصده الانتصار لنفسه أو الانتقام من أخيه، بل يكون كالمريض المخلص قصده دواء هذا المريض بالمنكر، يعني دواء هذا المريض الذي مرض بالمنكر أن يعالجه معالجة تقيه شر هذا المنكر، أو ترك واجبًا يعالجه معالجة تحمله على فعل الواجب، وإذا علم الله من نيته الإخلاص جعل في سعيه بركة وهدى به من شاء من عباده فحصل على خير كثير، والله الموفق.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ... " .
الشيخ : فينظر ماذا قضى به السلطان فيقول: هذا هو الحق هذا هو الطيب وأحسنت وأفدت، ولو كان والعياذ بالله من أجور من أجور مداهنة للسلاطين، لأن السلاطين عندهم بطانة سوء وبطانة خير، بطانة السوء أن تنظر ماذا يريد السلطان ثم تزينه له والعياذ بالله، بطانة الخير تنظر ما يرضي الله ورسوله وتدل الحاكم عليه، هذه هي البطانة الحسنة، كلمة الباطل عند سلطان جائر هذه والعياذ بالله ضد الجهاد، وكلمة الباطل عند السلطان الجائر أن ينظر ماذا يريد السلطان فيتكلم به عنده ويزين له، وقوله: ( كلمة حق عند سلطان جائر ) أيضًا قوله: ( سلطان جائر ) لأن السلطان العدل كلمة الحق عنده لا تتعب الإنسان، لأنه يقبل، الذي تتعب هي كلمة الحق عند السلطان الجائر، فالآن عندنا أربع أحوال: كلمة حق عند سلطان عادل وهذه سهلة، كلمة باطل عند سلطان عادل هذه أيضًا عظيمة وخطيرة، لأنك قد تصرف السلطان العادل بكلمتك بما تزينها من الزخارف، كلمة حق عند سلطان جائر هذه أفضل الجهاد، كلمة باطل عند سلطان جائر هذه أقبح ما يكون معونة على الباطل، فالأقسام أربعة لكن أفضلها كلمة الحق عند السلطان الجائر، نسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يقول الحق ظاهرًا وباطنًا على نفسه وعلى غيره. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) رواه أبو داود والترمذي بسند جيد ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: ( يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) رواه أبو داود والترمذي بسند جيد ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) رواه أبو داود والترمذي بسند جيد ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: ( أما بعد أيها الناس فإنكم تقرؤون هذه الآية (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )) ) وهذه الآية ظاهرها أن الإنسان إذا اهتدى بنفسه فإنه لا يضره ضلال الناس، لأنه استقام بنفسه فإذا استقام بنفسه فشأن غيره على الله عز وجل فقد يفسرها بعض الناس ويفهم منها معنى فاسدًا يظن أن هذا هو المراد بالآية الكريمة وليس كذلك، فإن الله اشترط لكون من ضل لا يضرنا أن نهتدي، فقال : (( لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )) ومن الاهتداء أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، فإذا كان هذا من الاهتداء فلا بد أن نسلم من الضرر وذلك بالأمر المعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قال رضي الله عنه: وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أو فلم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ) يعني أنهم يضرهم من ضل إذا كانوا يرون الضال ولا يأمرونه بالمعروف ولا ينهونه عن المنكر فإنه يوشك أن يعمهم الله بالعقاب الفاعل والغافل، الفاعل للمنكر والغافل الذي لم ينه عن المنكر، وفي هذا دليل على أنه يجب على الإنسان العناية بفهم كتاب الله عز وجل حتى لا يفهمه على غير ما أراد الله، وأن الناس قد يظنون المعنى خلاف ما أراد الله به في كتابه فيضلوا بتفسير القرآن، ولهذا جاء في الحديث الوعيد على من قال في القرآن برأيه يعني فسره بما يرى ويهوى لا بمقتضى اللغة العربية والشريعة الإسلامية، يعني إذا فسر الإنسان القرآن بهواه ورأيه فليتبوأ مقعده من النار أما من فسره بمقتضى اللغة العربية وهو ممن يعرف اللغة العربية فهذا لا إثم عليه، لأن القرآن باللسان العربي فيفسر بما يدل عليه، وكذلك إذا كانت الكلمات قد نقلت من المعنى اللغوي إلى المعنى الشرعي وفسرها بمعناها الشرعي فلا حرج عليه، فالمهم أنه يجب على الإنسان أن يكون فاهمًا لمراد الله عز وجل في كتابه، وكذلك لمراد النبي صلى الله عليه وسلم في سنته حتى لا يفسرهما بغير ما أريد بهما، والله الموفق. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله . قال الله تعالى (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )) وقال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) وقال تعالى إخبارا عن شعيب صلى الله عليه وسلم (( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه )) ... " .
القارئ : قال رحمه الله تعالى: " باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله، قال الله تعالى: (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )) وقال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) وقال تعالى إخبارًا عن شعيب صلى الله عليه وسلم: (( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه )) ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله . قال الله تعالى (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )) وقال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) وقال تعالى إخبارا عن شعيب صلى الله عليه وسلم (( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه )) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله " الباب الذي قبله في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الباب في تغليظ عقوبة من أمر بمعروف ولم يفعله أو نهى عن منكر وفعله والعياذ بالله، وذلك أن من هذه حاله لا يكون صادقًا في أمره ونهيه، لأنه لو كان صادقًا في أمره معتقدًا أن ما أمر به معروف وأنه نافع لكان هو أول من يفعله لو كان عاقلًا، وكذلك لو نهى عن منكر وهو يعتقد أنه ضار وأن فعله إثم لكان أول من يتركه لو كان عاقلًا، فإذا أمر بمعروف ولم يفعله أو نهى عن منكر وفعله علم أن قوله هذا ليس مبنيًّا على عقيدة والعياذ بالله، ولهذا أنكر الله على من فعل ذلك فقال تعالى: (( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ )) والاستفهام هنا للإنكار، يعني كيف تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم فلا تفعلونه وأنتم تتلون الكتاب وتعرفون البر من غير البر (( أَفَلا تَعْقِلُونَ )) وهذا الاستفهام للتوبيخ يعني يوبخهم يقول: كيف يقع منكم هذا الشيء؟ أين عقولكم لو كنتم صادقين؟ مثال ذلك: رجل يأمر بترك الناس للربا لكنه يفعله أو يفعل ما هو أعظم منه، مثل أن يقول للناس مثلًا: لا تأخذوا الربا في معاملات البنوك، ثم يذهب هو فيأخذ الربا بالحيلة والمكر والخداع ولم يعلم أن ما وقع فيه من الحيلة والمكر والخداع أكبر ذنبًا وأعظم إثمًا ممن أتى الأمر على وجهه، ولهذا قال بعض السلف أيوب السختياني رحمه الله قال في المتحيلين: " إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون " وصدق رحمه الله، كذلك أيضًا يأمر الناس بالصلاة ولكنه لا يصلي هو نفسه لا يصلي، كيف يكون هذا؟ كيف تأمر بالصلاة وترى أنها معروف ثم لا تفعلها؟ هل هذا من العقل؟ ليس من العقل فضلًا عن أن يكون من الدين، فهو مخالف للعقل وسفه في الدين نسأل الله العافية، وقال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ))(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) خاطبهم بالإيمان، لأن مقتضى الإيمان ألا يفعل الإنسان هذا ألا يقول ما لا يفعل، ثم وبخهم بقوله: (( لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )) ثم بيّن أن هذا الفعل مكروه عند الله مبغض عنده أشد البغض، قال: (( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ )) والمقت قال العلماء: هو أشد البغض، الله تعالى يبغض الرجل الذي هذه حاله يقول ما لا يفعل، ويبين عز وجل لعباده أنه مما يبغضه من أجل أن يبتعدوا عنه لأن المؤمن حقًّا يبتعد عما نهى الله عنه، وقال عن شعيب: (( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْه )) يعني يقول لقومه: لا يمكن أن أنهاكم عن الشرك وأنهاكم عن نقص المكيال والميزان وأنا أفعله، لا يمكن أبدًا لأن الرسل عليهم الصلاة والسلام هم أنصح الخلق للخلق وهم أشد الناس تعظيمًا لله وامتثالًا لأمره واجتنابًا لنهيه، فلا يمكن أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه فيفعله، وفي هذا دليل على أن الإنسان الذي يفعل ما ينهى عنه أو يترك ما أمر به مخالف لطريقة الرسل عليهم الصلاة والسلام، لأنهم لا يمكن أن يخالفوا الناس إلى ما ينهونهم عنه، وستأتي الأحاديث إن شاء الله في بيان عقوبة من فعل هذا أي من ترك ما أمر به أو فعل ما نهى عنه، والله الموفق. القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه ) متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ) . متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله فيما نقله عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار حتى تندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار على رحاه، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: ما لك ألست تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه ) فهذا الحديث فيه التحذير الشديد من الرجل يأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويأتيه والعياذ بالله، يقول: ( يؤتى بالرجل يوم القيامة ) يعني تجيء به الملائكة فيلقى في النار إلقاء لا يدخلها برفق، ولكنه يلقى فيها كما يلقى الحجر في اليم ( فتندلق أقتاب بطنه ) يعني أمعاءه الأقتاب جمع قتب وهو المعى، يعني تندلق: تخرج من بطنه من شدة الإلقاء والعياذ بالله ( فيدور بها كما يدور الحمار على رحاه أو برحاه ) وهذا التشبيه للتقبيح شبهه بالحمار الذي يدور على الرحا، وصفة ذلك أنه في المطاحن الكبيرة قبل أن توجد هذه المعدات الحديدية يجعل حجران كبيران وينقشان فيما بينهما ينقران ويوضع للأعلى منهما فتحة تدخل منها الحبوب وفيها خشبة تربط بمتن الحمار ثم يستدير على الرحا، وفي استدارته تطحن الرحا فهذا الرجل الذي يلقى في النار يدور على أمعائه والعياذ بالله كما يدور الحمار على رحاه، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون له: ما لك؟ أيُّ شيء جاء بك إلى هنا وأنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول والعياذ بالله مُقِرًّا على نفسه: ( إنه يأمر بالمعروف ولا يأتيه ) يقول للناس: صلوا ولا يصلي، يقول: زكوا ولا يزكي، ويقول: بروا الوالدين بروا الوالدين، ولا يبر والديه وهكذا يأمر بالمعروف ولكنه لا يأتيه، ينهى عن المنكر يقول للناس: لا تغتابوا الناس، لا تأكلوا الربا، لا تغشوا في البيع، لا تسيئوا العشرة، لا تسيئوا الجيرة وما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة التي ينهى عنها، ولكنه يأتيها والعياذ بالله، يبيع بالربا ويغش ويسيء العشرة ويسيء إلى الجيران وغير هذا فهو -نسأل الله العافية- يأمر بالمعروف ولكنه لا يأتيه وينهى عن المنكر ولكنه يأتيه، نسأل الله العافية فيعذب هذا العذاب وهذا الخزي ( كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ) فالواجب على المرء أن يبدأ بنفسه وينهاها عن المنكر، أن يبدأ بنفسه ويأمرها بالمعروف، لأن أعظم الناس حقًّا عليك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسك " ابدأ بنفسك فانهها عن غَيِّها *** فإذا انتهت عنه فأنت حليم " ابدأ بها ثم حاول نصح إخوانك وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لتكون صالحًا مصلحًا، نسأل الله أن يجعلني وإياكم من الصالحين المصلحين إنه جواد كريم. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الأمر بأداء الأمانة . قال الله تعالى (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) وقال تعالى (( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه وفي رواية ( وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) ... " .
القارئ : قال رحمه الله تعالى: " باب الأمر بأداء الأمانة، قال الله تعالى: (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) وقال تعالى: (( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه، وفي رواية ( وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الأمر بأداء الأمانة . قال الله تعالى (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى باب الأمر بأداء الأمانة، الأمانة تطلق على معان متعددة منها: ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلفهم بها، فإنها أمانة ائتمن الله عليها العباد، ومنها: الأمانة الأمانة المالية وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها، وكذلك الأموال الأخرى التي تكون بيد الإنسان لمصلحته أو مصلحة مالكها، وذلك أن الأمانة التي بيد الإنسان إما أن تكون لمصلحته أو لمصلحته ومصلحة مالكها، وذلك أن الأمانة التي بيد الإنسان إما أن تكون لمصلحة مالكها أو لمصلحة من هي بيده أو لمصلحتهما جميعًا فأما الأول فالوديعة الوديعة تجعلها عند شخص تقول مثلًا: هذه ساعتي عندك احفظها لي، هذه دراهم احفظها لي وما أشبه هذا فهذه وديعة المودع فيها بقيت عنده لمصلحة مالكها وأما التي لمصلحة من هي بيده فالعارية يعطيك شخص شيئًا يعيرك إياه، إناء فراش قلم ساعة سيارة هذه بقيت في يدك لمصلحتك، وأما التي لمصلحة مالكها ومن هي بيده فالمستأجرة العين المستأجرة مصلحتها للجميع، استأجرت مني سيارة وأخذتها فأنت تنتفع بها لنفسك وأنا أنتفع بالأجرة، وكذلك البيت وما أشبهه كل هذه من الأمانات، ومن الأمانات أيضًا أمانة الولاية وهي أعظمها مسؤولية الولاية العامة والولايات الخاصة، فالسلطان مثلًا الرئيس الأعلى في الدولة أمين، أمين على الأمة كلها على مصالحها الدينية ومصالحها الدنيوية على أموالها التي تكون في بيت المال، لا يبذرها ولا ينفقها في غير مصلحة المسلمين وما أشبه ذلك، وهناك أمانات أخرى دونها كأمانة الوزير مثلًا في وزارته، وأمانة الأمير في منطقته، وأمانة القاضي في عمله، وأمانة الإنسان في أهله، المهم أن الأمانة باب واسع جدًّا وأصلها أمران: أمانة في حقوق الله: وهي أمانة العبد في عبادات الله عز وجل، وأمانة في حقوق البشر وهي كثيرة جدًّا كما أشرنا إلى شيء منها، وكلها يؤمر الإنسان بأدائها (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) تأمل هذه الصيغة (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ )) صيغة قوة سلطان لم يقل: أدوا الأمانة، ولم يقل: إني آمركم (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ )) أي: بألوهيته العظيمة يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فأقام الضمير فأقام الخطاب مقام الغائب، تعظيمًا لهذا المقام ولهذا الأمر (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ )) وهذا كقول السلطان ولله المثل الأعلى: إن الأمير يأمركم، إن الملك يأمركم، هذا أبلغ من قوله: إني آمركم كما قال ذلك علماء البلاغة (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) والأمر بأدائها إلى أهلها من لازمه الأمر بحفظها، لأنه لا يمكن أداؤها إلى أهلها إلا بحفظها، وحفظها ألا يتعدى فيها ولا يفرط، بل يحفظها حفظًا تامًّا ليس فيه تعد ولا تفريط حتى يؤديها إلى أهلها، وأداء الأمانة من علامات الإيمان، فكلما وجدت الإنسان أمينًا فيما يؤتمن عليه مؤديًا له على الوجه الأكمل فاعلم أنه قوي الإيمان، وكلما وجدته خائنًا فاعلم أنه ضعيف الإيمان، ومن الأمانات: ما يكون بين الرجل وصاحبه من الأمور الخاصة التي لا يحب أن يطلع عليها أحد، فإنه لا يجوز لصاحبه أن يخبر بها، لو استأمنتك على حديث حدثتك به وقلت: هذا أمانة فإنه لا يحل لك أن تخبر به أحدًا من الناس ولو كان أقرب الناس إليك، وسواء أوصيتك بأن لا تخبر به أحدًا أو علم من قرائن الأحوال أني لا أحب أن يطلع عليه أحد، ولهذا قال العلماء: إذا حدثك الرجل بحديث والتفت فهذه أمانة، لماذا؟ لأن كونه يلتفت يخشى أن يسمع أحد، إذًا فهو لا يحب أن يطلع عليه أحد، فإذا ائتمنك الإنسان على حديث فإنه لا يجوز لك أن تفشيه، ومن ذلك أيضًا: ما يكون بين الرجل وبين زوجته من الأشياء الخاصة، فإن شر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم يتحدث بما جرى بينهما، فلا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته مثلًا، وكثير من الشباب السفهاء تجدهم يتطعمون في المجالس ويتفكهون أن يقول الواحد منهم: فعلت بامرأتي كذا وفعلت بامرأتي كذا من الأمور التي لا يحب تحب هي أن يطلع عليها أحد، وكذلك كل إنسان عاقل له ذوق سليم لا يحب أن يطلع أحد عليه ما جرى بينه وبين زوجته، إذًا علينا أن نحافظ على الأمانات أول شيء أن نحافظ على الأمانات التي بيننا وبين ربنا، لأن حق ربنا أعظم الحقوق علينا، ثم بعد ذلك ما يكون من حقوق الخلق الأولى فالأولى، والله الموفق. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى: "عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه، وفي رواية ( وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . سبق الكلام على أن الأمانات شاملة لحقوق الله وحقوق العباد وأنها أنواع كثيرة، وذكرنا ما تيسر في الدرس الماضي وبدأنا في تفسير قوله تعالى: (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) وذكرنا أن هذه الأمانات تنقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول: ما كان بيد الإنسان لمصلحته، والثاني: ما كان بيد الإنسان لمصلحة مالكه، والثالث: ما كان بيد الإنسان لمصلحته ومصلحة مالكه، فقوله عز وجل: (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) يستلزم حفظ الأمانات ومراعاتها ومراعاتَها وأن يحفظها الإنسان فيما يجب أن يحفظها فيه، وتختلف باختلاف الأموال فمن الأموال ما كان يحفظ في الصناديق ذات الأغلاق الوثيقة ومنها ما يحفظ بالأحواش ومنها ما يحفظ في الحجرات وتختلف، لكن يجب على كل إنسان عنده أمانة أن يحفظها بما جرت العادة بحفظها فيه، ثم قال عز وجل: (( إن الله نعما يعظكم به )) فأثنى الله عز وجل على ما يعظنا به من الأوامر والنواهي، من الأوامر التي يريد منها فعلها والنواهي التي يريد منها تركها، أثنى الله عليها في قوله: (( إن الله نعما يعظكم به )) ثم ختم الآية بقوله: (( إن الله كان سميعًا بصيرًا )) سميعًا لما تقولون بصيرًا بما تفعلون وختم الآية بهذين الاسمين الكريمين المتضمنين لشامل سمع الله وبصره يقتضي التهديد، فهو يهدد عز وجل من لم يقم بأداء الأمانة إلى أهلها، قال المؤلف رحمه الله: وقوله تعالى: (( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا )) عرض الله الأمانة وهي التكليف والإلزام بما يجب عرضها على السموات والأرض والجبال، ولكنها أبت أن تحملها لما فيها من المشقة، ولما تخشى هذه الثلاثة الأرض والجبال والسموات من إضاعتها، فإذا قال قائل: كيف يعرض الله الأمانة على السموات والأرض والجبال وهي جماد ليس لها عقل ولا تشعر؟ فالجواب: أن كل جماد فهو بالنسبة لله عز وجل عاقل يفهم ويمتثل، أرأيت إلى قوله تعالى فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ( أن الله لما خلق القلم قال: له اكتب ) فخاطب القلم وهو جماد قال: ( اكتب، فقال: ماذا أكتب؟ ) لأن الأمر مجمل ولا يمكن امتثال الأمر المجمل إلا ببيانه، قال: ( اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) فكتب القلم بأمر الله ما هو كائن إلى يوم القيامة، هذا أمر وتكليف وإلزام، فهنا بين الله عز وجل أنه عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبت أن تحملها، وقال الله تعالى: (( فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها )) قال الله تعالى: (( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ )) فخاطبهما بالأمر وقال: (( ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً )) فقالت: (( أَتَيْنَا طَائِعِينَ )) ففهمت السموات والأرض فهمت خطاب الله وامتثلت وقالتا: أتينا طائعين وعصاه بنو آدم يقولون: سمعنا وعصينا، الأمانة حملها الإنسان وكيف حملها؟ حملها بأمرين: العقل والرسل، العقل الذي أعطاه الله عز وجل وفضله على كثير ممن خلق تفضيلًا، والرسل الذين أرسلهم الله عز وجل للإنسان وبينوا له الحق من الضلال فلم يبق له عذر، ولكن مع ذلك وصف الله الإنسان بأنه ظلوم جهول فاختلف العلماء هل الإنسان عام أو خاص بالكافر؟ فقال بعض العلماء: إنه خاص بالكافر هو الظلوم الجهول، أما المؤمن فهو ذو عدل وعلم وحكمة ورشد، وقال بعض العلماء: بل هو عام والمراد الإنسان بحسب طبيعته أما المؤمن فإن الله منَّ عليه بالهداية، فيكون مستثنى من هذا، وأيًّا كان فمن قام بالأمانة انتفى عنه وصف الظلم والجهالة (( وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا )) فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على أداء ما حملناه، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه إنه جواد كريم. القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه، وفي رواية ( وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه وفي رواية ( وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه له تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ) الآية يعني: العلامة، علامة الشيء هي الآية كما قال تعالى: (( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ )) يعني: أو لم يكن لهم علامة على صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وصحة وشريعته وأن هذا القرآن حق: (( أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ )) ويعلمون أنه هو الذي بشر به موسى عيسى عليه الصلاة والسلام، وكذلك قوله تعالى: (( وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ )) آية يعني علامة، فعلامة المنافق ثلاث، والمنافق هو الذي يُسِر الشر ويظهر الخير، ومن ذلك أن يُسِر الكفر ويظهر الإسلام، وأصله مأخوذ من نافقاء اليربوع، نافقاء اليربوع الذي نسميه الجربوع هو أنه ذكي يحفر له جحرًا في الأرض ويفتح له بابًا ثم يحفر في أقصى الجحر خرقًا للخروج، لكنه خرق خفي لا يُعلم به، بحيث إذا حجره أحد من عند الباب دز هذا الخرق الذي في أسفل الجحر دزه برأسه ثم خرج منه، فالمنافق يظهر الخير ويبطن الشر، يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وقد برز النفاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر لما قتل صناديد قريش في بدر وصارت الغلبة للمسلمين، ظهر النفاق فأظهر الناس هؤلاء المنافقون أظهروا أنهم مسلمون وهم كفار (( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ )) قال الله تعالى: (( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ))(( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه )) يقول: نشهد إنك لرسول الله يؤكدون هذه الجملة بالشهادة، وبإنَّ، واللام، فقال الله تعالى: (( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )).