تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه وفي رواية ( وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) ... " .
الشيخ : وقد برز النفاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر لما قتل صناديد قريش في بدر وصارت الغلبة للمسلمين، ظهر النفاق فأظهر الناس هؤلاء المنافقون أظهروا أنهم مسلمون وهم كفار (( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ )) قال الله تعالى: (( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ))(( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه )) يقول: (( نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه )) يؤكدون هذه الجملة بالشهادة، وبإنَّ، واللام، فقال الله تعالى: (( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )) شهادة بشهادة أقوى منها، يشهد إنهم لكاذبون في قولهم: إنا نشهد أنك رسول الله لا في أن محمدًا رسول الله، ولهذا استدرك فقال: (( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )) المنافق له علامات يعرفها ذو الفراسة الذي أعطاه الله تعالى فراسة ونورًا في قلبه يعرف المنافق من تتبع أحواله، وهناك علامات ظاهرة لا تحتاج إلى فراسة منها هذه الثلاثة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا حدث كذب ) يقول صار كذا وصار كذا وصار كذا فإذا بحثت وجدت أنه كذب ما صار، فإذا رأيت الإنسان يكذب فاعلم أن في قلبه شعبة من النفاق، الثاني: ( إذا وعد أخلف ) يعدك ولكن يخلف، يقول لك مثلًا: آجي إليك في الساعة السادسة صباحًا ولكن ما يأتي، آتي إليك غدًا بعد صلاة الظهر ولكن ما يأتي، أعطيك كذا وكذا ولكن ما يعطيك، إذا وعد أخلف، والمؤمن إذا وعد وفى، كما قال تعالى: (( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا )) لكن المنافق يعدك ويغرك لا يفي لك، فإذا وجدت الرجل يغدر كثيرًا بما وعد ولا يفي ففي قلبه شعبة من النفاق والعياذ بالله، الثالث: ( إذا اؤتمن خان ) وهذ الشاهد من هذا الحديث للباب، إذا ائتمنته على مال خانك، إذا ائتمنه على سر كلام بينك وبينه خانك، إذا ائتمنته على أهلك خانك، إذا ائتمنته على بيع أو شراء خانك، يخون كل ما ائتمنه على شيء يخونك والعياذ بالله، فهذا علامة النفاق يدل على أن ما في قلبه شعبة من النفاق، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الخبر لأمرين: الأمر الأول: أن نحذر من هذه الصفات الثلاث الذميمة لأنها من علامات النفاق، ويخشى أن يكون هذا النفاق العملي يؤدي إلى النفاق الاعتقادي والعياذ بالله، فيكون الإنسان منافقًا نفاق إيمان فيخرج من الإسلام وهو لا يشعر، فأخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا لنحذر، الثاني: لنحذر من يتصف بهذه الصفات ونعلم أنه منافق يخدعنا ويلعب بنا ... علينا ويغرنا، فالفائدة من الخبر بهذا أمران أولًا: أن نتجنب ذلك في أنفسنا، والثاني: أن نحذر من يتصف بهذه الصفات ونعلم أنه منافق ولا نثق به ولا نعتمد عليه في شيء لأنه منافق والعياذ بالله، إذًا عكس ذلك من علامات الإيمان المؤمن إذا حدث صدق، المؤمن إذا وعد وفى، المؤمن إذا اؤتمن أدى الأمانة على وجهها، هذا هو المؤمن، ومن الأسف أن قومًا من السفهاء عندنا يقول: إذا وعدت بوعد قال: هل هو وعد إنجليزي ولا وعد عربي؟ لأن الإنجليز هم اللي يوفون بالوعد وهذا لا شك أنه سفه وغرور بهؤلاء الكفرة، الإنجليز فيهم مسلمون وفيهم مؤمنون لكن جملتهم كفار ووفاؤهم بالوعد لا يبتغون به وجه الله، لكن يبتغون به أن يحسنوا سلوكهم عند الناس، المؤمن في الحقيقة هو الذي يفي تمامًا ولهذا يجب إذا أردت أن تؤكد تقول لصاحبك: هل هو وعد مؤمن أو عد منافق هذا الصواب، أما وعد إنجليزي ولا وعد عربي هل ميعادك لي وعد مؤمن لا تخلف أو وعد منافق تخلف، إن وفى فهو مؤمن إن أخلف فهو منافق، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النفاق العملي والعقدي إنه جواد كريم. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر حدثنا ( أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحركته رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى على زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه على دينه وإن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته رجلك فنفط فتراه منتبرًا وليس فيه شيء، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا حتى يقال للرجل: ما أجلده وما أظرفه وما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ولقد أتى عليّ زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلمًا ليردنه على دينه، وإن كان نصرانيًّا أو يهوديًّا ليردنه على ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانًا وفلانًا ) متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر حدثنا ( أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحركته رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى على زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه على دينه وإن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حدثنا ) يقول حذيفة ( بحديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه أحيانًا بما يرى أنه مناسب، والنبي عليه الصلاة والسلام إذا حدث أحدًا بشيء فإنه حديث له وللأمة إلى يوم القيامة، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقال له صاحب السر، صاحب السر لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدثه عن قوم من المنافقين علمهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بهم حذيفة وكانوا نحو ثلاثة عشر رجلًا سماهم بأسمائهم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشدة خوفه من الله يلتقي بحذيفة فيقول: ( أنشدك الله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مَن سمى مِن المنافقين؟ ) هذا وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها وأبي بكر، يعني هو الثاني بعد الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة، وله من اليقين والمقامات العظيمة ما هو معلوم حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن يكن فيكم محدثون فعمر ) يعني: إن كان فيكم أحد ملهم للصواب فإنه عمر يمدحه ويثني عليه بموافقته للصواب وإيمانه رضي الله عنه معروف مشهور يقول: ( أنشدك الله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مَن سمى مِن المنافقين؟ فيقول: لا ) يقوله حذيفة ولا يزكي بعدك أحدًا، ثم ذكر رضي الله عنه ما حدثه به النبي صلى الله عليه وسلم من نزع الأمانة من قلوب الرجال أن الله جعل الأمانة في جذر قلوب الرجال يعني: في أصلها ( ثم أنزل عليهم من القرآن والسنة ) ما يثبت هذا الأصل ويؤيد هذا الأصل فجاء القرآن والسنة مؤيدًا للفطرة التي فطر الناس عليها وعلموا من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فازدادوا بذلك إيمانًا وثباتًا وأداء للأمانة، ولكن أخبر بالحديث الثاني أن هذه الأمانة تنزع من قلوب الرجال والعياذ بالله تنزع فيصبح الناس يتحدثون ( إن في بني فلانٍ رجلًا أمينًا ) يعني أنك لا تكاد تجد في القبيلة إلا رجلًا واحدًا أمينًا، والباقي كلهم على خيانة لم يؤدوا الأمانة، ولقد شاهد الناس اليوم مصداق هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك تستعرض الناس رجلًا رجلًا حتى تبلغ إلى حد المئة أو المئات لا تجد الرجل الأمين الذي أدى الأمانة كما ينبغي في حق الله ولا في حق الناس، قد تجد رجلًا أمينًا في حق الله يؤدي الصلاة يؤدي الزكاة يصوم يحج يذكر الله كثيرًا يسبح لكنه في المال ليس أمينًا ليس أمينًا في المال، إن وكل إليه عمل رسمي حكومي فرط وصار لا يأتي للدوام إلا متأخرًا ويخرج قبل انتهاء الوقت ويضيع الأيام الكثيرة في أشغاله الخاصة، ولا يبالي مع أنه في مقدمة الناس في المساجد وفي الصدقات وفي الصيام وفي الحج لكنه ليس أمينًا من جهة أخرى، كذلك أيضًا تجد الرجل أمينًا في عبادة الله يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم ويحج ويتصدق لكنه غير أمين في وظيفته، يعرف أن أنه لا يجوز للموظف أن يتاجر أو يفتح محل تجارة ولكنه لا يبالي يفتح محل تجارة إما باسمه صريحًا وإما باسم مستعار، وإما برجل أجنبي يجعله في هذا الدكان أو ما أشبه ذلك فيكذب ويخون الدولة ويأكل المال بالباطل، ويكون هذا المال الذي يأكله من كسب حرام مانعًا من إجابة دعوته والعياذ بالله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )) وقال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذّي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ) يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنى يستجاب ) بعيد أن الله يستجيب لهذا الرجل الذي هو أشعث أغبر يمد يديه للسماء يا رب يا رب ومع ذلك يبعد أن الله يستجيب له لأنه يأكل الحرام، هذا الذي يكون موظفًا بمقتضى عقد الوظيفة يمنع من مزاولة التجارة ثم يزاول التجارة كل كسب كسبه من هذه التجارة فهو حرام حرام عليه سحت والعياذ بالله، ولا يبالي نحن نقول لمثل هذا أنت الآن بالخيار إن شئت أن تبقى على الوظيفة فاترك التجارة وإن رأيت أن التجارة أنسب لك وأكثر فائدة فاترك الوظيفة، أمران لا يجتمعان حسب العهد الذي بينك وبين الدولة أنت تعرف أن الدولة تمنع من مزاولة التجارة فلماذا تتاجر؟ قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )) وقال: (( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً )) يتعلل بعض الناس يقول: طيب أنا كيف تمنعوني من التجارة وفيه وزراء يتاجرون يتاجرون بالأراضي يتاجرون بغيرها شركات كبيرة، فنقول: إذا ضل الناس لم يكن ضلالهم هدى، إذا كانوا هم ضالين ظالمين بما صنعوا فلا تضل أنت ولا تظلم، فإذا قال مثلًا: هذه النظم جاءت من بين أيديهم أو من تحت أيديهم هم الذين شرعوها فكيف يخالفونها؟ نقول: طيب حسابهم على الله، حسابهم على الله سيكونوا هم أول من يحزن ويتحسر على ما صنع إذا كان يوم القيامة في يوم ليس عندهم مال يفدون به أنفسهم ولا خدم ولا بوابين ولا غيره، أنت لا يهمك ما دام شرع لك أو ما دام عقدت على أنك لا تمارس التجارة فلا تمارسها ولا تحتج بأفعال من خالف هذا، نسأل الله لنا ولكم الهداية، وأن يجعلنا وإياكم من الأمناء المؤدين للأمانة في حق الله وحق عباده.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنه قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم صلوات الله عليه فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلي ابنى إبراهيم خليل الله قال فيأتون إبراهيم فبقول إبراهيم لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما فيأتون موسى فيقول إبراهيم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى لست بصاحب ذلك فيأتون محمد صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتى الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق قلت بأبي وأمي أي شيء كمر البرق قال ألم تروا كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم كمر الريح ثم كمر الطير وأشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجئ الرجل لا يستطيع السير إلا زحفا وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكردس في النار ) والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا رواه مسلم ... " .
القارئ : " ( ابني إبراهيم خليل الله، قال: فيأتون إبراهيم فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلًا من وراء وراء اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليمًا، فيأتون موسى فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمد صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتى الصراط يمينًا وشمالًا فيمر أولكم كالبرق، قلت: بأبي وأمي أي شيء كمر البرق؟ قال: ألم تروا كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم كمر الريح ثم كمر الطير وأشد الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد حتى يجئ الرجل لا يستطيع السير إلا زحفًا، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكردس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفًا ) رواه مسلم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنه قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم صلوات الله عليه فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلي ابنى إبراهيم خليل الله قال فيأتون إبراهيم فبقول إبراهيم لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما فيأتون موسى فيقول إبراهيم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى لست بصاحب ذلك فيأتون محمد صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتى الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق قلت بأبي وأمي أي شيء كمر البرق قال ألم تروا كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم كمر الريح ثم كمر الطير وأشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجئ الرجل لا يستطيع السير إلا زحفا وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكردس في النار ) والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله فيما نقله عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما في حديث الشفاعة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده ربه جل وعلا أن يبعثه مقامًا محمودًا فقال جل وعلا: (( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً )) وإذا جاءت عسى من الله فهي واجبة بخلاف عسى من الخلق فإنها للترجي، فإذا قلت: عسى الله أن يهديني، عسى الله أن يغفر لي، عسى الله أن يرحمني فهذا رجاء، أما إذا قال الله: عسى فهذا وعد، ولهذا قالوا: " عسى من الله واجبة " مثل قوله تعالى: (( فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ))(( فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِه )) وما أشبه ذلك، فالله عز وجل وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبعثه مقامًا محمودًا أي مقامًا يحمده فيه الأولون والآخرون، وذلك من عدة أوجه منها: حديث الشفاعة، فإن الناس يبعثون يوم القيامة حفاة عراة غرلًا، حفاة ليس عليهم نعال، وعراة ليس عليهم ثياب، وغرلًا ليس فيهم ختان، يعني أن الجلدة التي تقطع في الختان يعني في الطهار هذه تعود يوم القيامة، كما قال تعالى: (( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )) فيجتمع الخلائق والشمس فوقهم قدر مِيل، والأمر أهوال عظيمة يشاهدون الجبال تمر مر السحاب تكون هباء منثورًا، فيلحقهم من الهمِّ والغمِّ ما لا يطيقون، فيقول بعضهم لبعض: ألا تطلبون من يشفع لنا عند الله؟ فيذهبون إلى آدم ويطلبونه للشفاعة فيذكر خطيئته التي وقعت منه، والخطيئة التي وقعت منه هي أن الله سبحانه وتعالى قال لهما حين أسكنهما الجنة: (( كُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا )) يخاطبه ويخاطب زوجته حواء (( وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ )) شجرة عينها الله عز وجل وليس لنا في معرفة نوعها كبير فائدة، ولهذا نحن لا نعرف هذه الشجرة هل هي زيتونة؟ هل هي حنطة؟ هل هي عنب؟ هل هي نخل؟ الله أعلم نبهمها كما أبهمها الله عز وجل، ولو كان لنا في تعيينها فائدة لعينها الله عز وجل، قال: كلا من هذه الشجرة (( كُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ )) فأتاهما الشيطان فوسوس لهما ودلاهما بغرور وقاسمهما إني لكما من الناصحين، وهكذا يفعل في بنيهم في بنيهما بني آدم يغرهم ويغريهم ويوسوس لهم ويقسم لهم أنه ناصح وهو كذوب، فيذكر خطيئته أنه أكل هو وزوجته من هذه الشجرة فأمرهما الله عز وجل أن يهبط من الجنة إلى الأرض فهبطا إلى الأرض، وكانت منهما هذه الذرية التي منها الأنبياء والرسل والشهداء والصالحون ثم يعتذر بهذا العذر، وفي هذا الحديث أعني في حديث الشفاعة أن آدم يعتذر بأكله من الشجرة دليل على أن القصة التي رويت عن ابن عباس ( أن حواء حملت فجاءهما الشيطان فقال: سميا الولد عبد الحارث فأبى أو لنجعل له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه فأبيا أن يطيعاه، وجاءهم في المرة الثانية فأبيا أن يطيعاه، وفي المرة الثالثة أدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث ) وجُعل ذلك تفسيرًا لقوله تعالى: (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) فإن هذه القصة قصة مكذوبة ليست بصحيحة، وحتى لو صحت عن ابن عباس رضي الله عنها فإن ابن عباس ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل، فيكون هذا مما أخذه عن بني إسرائيل عن الإسرائيليات، لكننا نعلم بحديث الشفاعة وعصمة الأنبياء من الشرك أنها لا تصح إلى آدم، لأن هذا لو وقع من آدم لكان أعظم من معصية بأكل من شجرة، لأنه شرك والشرك أعظم من الذنوب، المهم أن آدم يعتذر فيأتون إلى نوح وهو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ويتوسلون له بهذه المنقبة ويقولون له -يعني الناس-: ( أنت أول رسول الله بعثه الله إلى أهل الأرض ) فيعتذر، يعتذر بأنه سأل ما ليس له به علم، وذلك حين قال: (( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ )) وكان له ولد كافر به، ولد رسول كفر بالرسول والعياذ بالله، لأن النسب لا ينفع الإنسان ابن العالم لا يأتي عالمًا قد يكون جاهلًا، ابن العابد لا يأتي عابدًا قد يكون فاسقًا فاجرًا، ابن الرسول لا يكون مؤمنًا، بل إن ابن نوح أحد أبنائه كان كافرًا وكان أبوه يقول: (( يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ))(( قال سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ )) غرق الولد مع الكافرين والعياذ بالله، وكان نوح قد قال: (( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ )) فيعتذر نوح بأنه سأل ما ليس له به علم، والشافع لا بد ألا يكون بينه وبين المشفوع إليه جفوة، لأن الشافع إذا كان بينه وبين المشفوع إليه جفوة فكيف يكون شافعًا؟ الشافع لا بد أن يكون بينه وبين المشفوع إليه صلة قوية لا يخدشها شيء، مع أن نوحًا عليه الصلاة والسلام غفر الله له، وآدم غفر الله له اجتباه ربه فتاب عليه وهدى، ولكن لكمال مرتبتهم وعلو مقامهم جعلوا هذا الذنب الذي غفر لهم جعلوه مانعًا من الشفاعة، كل هذا تعظيمًا لله عز وجل وحياء منه وخجلًا منه، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الحديث. القارئ : " ( فمخدوش ناج ومكردس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفًا ) رواه مسلم ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله في بقية ما نقله من حديث حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما في الشفاعة، وقد سبق لنا أن الناس يأتون إلى آدم ثم إلى نوح ثم يأتون إلى إبراهيم خليل الله عز وجل فيعتذر ويقول: ( إنه كذب في ذات الله ثلاث كذبات ) وهذه الكذبات التي كذبها ليست كذبًا في الواقع، لأنه عليه الصلاة والسلام قد تأول فيها، والمتأول ليس بكاذب لكن لشدة تعظيمه لله عز وجل رأى أن هذا مانع من الشفاعة من أن يتقدم للشفاعة لأحد، ثم يأتون موسى ويكلمونه ويقولون: إن الله كلمك وكتب لك التوراة بيده، فيعتذر بأنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام كان من أشد الرجال وأقواهم فمر ذات يوم برجلين يقتتلان هذا من شيعته -يعني: من بني إسرائيل- وهذا من عدوه -يعني: من آل فرعون- من القبط، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي عدوه، يعني: طلب منه أن يغيثه وأن يعينه على هذا الرجل، فوكزه موسى أي: وكز الذي من عدوه فقضى عليه هلك مات بوكزة واحدة، لأنه كان قويًّا شديدًا عليه الصلاة والسلام، قال: (( هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ )) وفي الصباح وجد صاحبه بالأمس يتنازع مع شخص آخر (( فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ )) يعني: بالأمس كنت تنازع، واليوم تنازع، فهمَّ موسى أن يبطش بالذي هو عدو لهما، فقال له الإسرائيلي: (( أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ )) وكان الناس يتحسسون من الذي قتل الرجل بالأمس؟ ففطن لذلك الفرعوني فأخبر الناس، فهذا موسى يعتذر بأنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها، ثم يذهبون إلى عيسى ويقولون له: أنت كلمة الله وروحه، كلمته يعني إنك خلقت بكلمة الله، وروحه يعني أنك روح من أرواح الله عز وجل التي خلقها، فيعتذر ولكنه لا يذكر ذنبًا أو لا يذكر شيئًا يعتذر به، ولكنه يحيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: ( اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيشفع فيؤذن له فيشفع يشفع في الناس حتى يقضى بينهم ) وفي هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله أن الأمانة والرحم تقفان على جنبتي الصراط، والصراط جسر ممدود على جهنم، واختلف العلماء في هذا الجسر هل هو جسر واسع أو أنه جسر ضيق؟ ففي بعض الروايات: ( أنه أدق من الشعر وأحد من السيف ) ولكن الناس يعبرون عليه والله على كل شيء قدير، وفي بعض الروايات ما يدل على أنه طريق دحض ومزلة وعليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن الناس من يخطف ويلقى في النار، ومنهم من يمر سريعًا كلمح البرق، ومنهم من يمر كركاب الإبل أو كالريح على حسب درجاتهم وأعمالهم، تجري بهم أعمالهم كل من كان في هذه الدنيا أسرع إلى التزام صراط الله عز وجل واتباع شريعته كان في هذا الصراط أسرع، ومن كان متباطئًا عن الشرع في الدنيا كان سيره هناك بطيئًا، ودعاء الرسل يومئذ ( اللهم سلم اللهم سلم ) كل أحد يخاف، لأن الأمر ليس بالهين، الأمر شديد الأمر هائل، فالناس في أشد ما يكونون حتى يعبر المسلمون من هذا الصراط إلى الجنة، ومن الناس من يكردس في نار جهنم ويعذب على حسب عمله، أما الكفار الخلص فإنهم لا يصعدون على الصراط ولا يحومون حوله، لأنهم يذهب بهم والعياذ بالله يساقون إلى النار في عرصات القيامة قبل أن يصعدوا على هذا الصراط، يذهب بهم يحشرون يساقون إلى جهنم وردا والعياذ بالله، ولا يصعدون الصراط إنما يصعده المؤمنون، لكن من كانت له ذنوب لم تغفر فإنه قد يقع في نار جهنم ويعذب بحسب أعماله، والله أعلم. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم قال الله تعالى (( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) وقال تعالى (( وما للظالمين من نصير )) وأما الأحاديث فمنها حديث أبي ذر رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) رواه مسلم ... " .
القارئ : قال رحمه الله تعالى: " باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم، قال الله تعالى: (( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) وقال تعالى: (( وما للظالمين من نصير )) عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) رواه مسلم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم قال الله تعالى (( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) وقال تعالى (( وما للظالمين من نصير )) وأما الأحاديث فمنها حديث أبي ذر رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب تحريم الظلم ووجوب رد المظالم " يعني إلى أهلها، هذا الباب يشتمل على أمرين، الأمر الأول: تحريم الظلم، والثاني: وجوب رد المظالم، واعلم أن الظلم هو النقص، قال الله تعالى: (( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً )) يعني لم تنقص منه شيئًا، والنقص إما أن يكون بالتجرؤ على ما لا يجوز للإنسان، وإما بالتفريط فيما يجب عليه، وحينئذ يدور الظلم على هذين الأمرين، إما ترك واجب وإما فعل محرم، والظلم نوعان: ظلم يتعلق بحق الله عز وجل، وظلم يتعلق بحق العباد، فأعظم الظلم المتعلق بحق الله هو الإشراك به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ( أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك ) ويليه الظلم في الكبائر ثم الظلم في الصغائر، أما في حقوق الله فالظلم يدور على ثلاثة أشياء بينها صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع فقال: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) يدور على الظلم في النفس، وهو الظلم في الدماء بأن يعتدي الإنسان على حق غيره، بأن يعتدي الإنسان على غيره بسفك الدماء أو الجروح أو ما أشبه ذلك، الأموال بأن يعتدي الإنسان ويظلم غيره في الأموال إما بعدم بذل الواجب وإما بإتيان المحرم، إما أن يمتنع من واجب عليه وإما أن يفعل شيئًا محرمًا في مال غيره، وأما الأعراض فيشمل الاعتداء على الغير بالزنا واللواط والقذف وما أشبه ذلك، وكل الظلم بأنواعه محرم، ولن يجد الظالم من ينصره، قال الله تعالى: (( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ )) يعني: أنه يوم القيامة لا يجد الظالم حميمًا أي صديقًا ينجيه من عذاب الله، ولا يجد شفيعًا يشفع له فيطاع، لأنه منبوذ لظلمه وغشمه وعدوانه، فالظالم لن يجد من ينصره يوم القيامة، وقال تعالى: (( وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ )) يعني لا يجدون أنصارًا ينصرونهم من عذاب الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم، ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الظلم ) اتقوه يعني احذروه، والظلم هو كما مر عليكم الآن يكون في حق الله وفي حق العباد ( اتقوا الظلم ) أي: لا تظلموا أحدًا، لا تظلموا أحدًا لا أنفسكم ولا غيركم ( فإن الظلم ظلمات يوم القيامة )( الظلم ظلمات يوم القيامة ) ويوم القيامة ليس فيه نور إلا من أنار الله تعالى له، وأما من لم يجعل الله له نورًا فما له من نور، والإنسان وإن كان مسلمًا له نور بقدر إسلامه، لكنه إذا كان ظالمًا فقد من هذا النور بمقدار ما حصل من الظلم، لقوله: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) ومن الظلم مطل الغني يعني أن لا يوفي ما عليه وهو غني به، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مطل الغني ظلم ) وما أكثر الذين يماطلون بحقوق الناس، تجده يكون مطلوبًا فيأتيه الطالب صاحب الحق يا فلان أعطني حقي، فيقول: غدًا، فيأتيه من الغد فيقول: بعد غد وهكذا، فإن هذا ظلم يكون يوم القيامة ظلمات على صاحبه ( واتقوا الشح ) الشح الحرص على المال ( فإنه أهلك من كان قبلهم ) لأن الحرص على المال نسأل الله السلامة يوجب للإنسان أن يكسب المال من أي وجه كان من حلال أو حرام، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( حملهم ) أي: حمل من كان قبلنا على سفك دمائهم وعلى استحلال أموالهم، سفك الدماء إذا لم يتوصل إلى طمعه إلا بالدماء لا يهمه يسفك الدماء كما هو الواقع في أهل الشح يقطعون الطريق على المسلمين، يقتلون الرجل ويأخذون متاعه ويأخذون بعيره، وكذلك أيضًا يعتدون على الناس في البلاد في داخل البلاد يقتلونهم ويهتكون حجب بيوتهم فيأخذون المال، فحذر النبي عليه الصلاة والسلام من أمرين من الظلم ومن الشح، فالظلم هو الاعتداء على الغير، والشح الطمع فيما عند الغير، فكل ذلك محرم ولهذا قال الله تعالى في كتابه: (( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) فدلت الآية على أن من لم يوق شح نفسه فلا فلاح له، المفلح من وقاه الله شح نفسه، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الظلم وأن يقينا شح أنفسنا وشرورها. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) رواه مسلم ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) رواه مسلم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم لله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى إنه ليقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ) ففي هذا الحديث أقسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق بغير قسم، أقسم أن الحقوق ستؤدى إلى أهلها يوم القيامة ولا يضيع لأحد حق، الحق الذي لك إن لم تستوفه في الدنيا استوفيته في الآخرة ولا بد، حتى إنه يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء الجلحاء التي ليس لها قرن والقرناء التي لها قرن، والغالب أن التي لها قرن إذا ناطحت الجلحاء التي لا قرن لها الغالب أنها تؤذيها أكثر، فإذا كان يوم القيامة قضى الله بين هاتين الشاتين واقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، هذا وهن بهائم لا يعقلن ولا يفهمن، لكن الله عز وجل حكم عدل أراد أن يري عباده كمال عدله حتى في البهائم العجم فكيف ببني آدم، وفي هذا الحديث دليل على أن البهائم تحشر يوم القيامة وهو كذلك تحشر كل الدواب كل ما فيه روح يحشر يوم القيامة، قال الله تعالى: (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم )) أمم، أمة الذر، أمة الطيور، أمة السباع، أمة الحيّات وهكذا (( إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ )) كل شيء مكتوب حتى أعمال البهائم هذه والحشرات مكتوبة في اللوح المحفوظ (( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )) وقال تعالى: (( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ )) يحشر يوم القيامة كل شيء ويقضي الله تعالى بينهم بحكمه وعدله وهو السميع العليم، يقتص من البهائم بعضها مع بعض، ومن الآدميين بعضهم مع بعض، ومن الجن بعضهم مع بعض، ومن الجن والإنس بعضهم مع بعض، لأن الإنس قد يعتدون على الجن، والجن قد يعتدون على الإنس، فمن عدوان الجن على الإنس الشيء الكثير ،ومن عدوان الإنس على الجن أن يستجمر الإنسان بالعظم، الاستجمار بالعظام جناية على الجن، عدوان على الجن لأن النبي صلى الله عليه وسلم.