فوائد حديث : " ... معاذ رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ... ) ... " .
الشيخ : وسميت صدقة لأن بذل المال دليل على صدق إيمان باذله، فإن المال محبوب إلى النفوس كما قال الله تعالى: (( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً )) والإنسان لا يبذل المحبوب إلا لما هو أحب منه، فإذا كان هذا الرجل أو المرأة بذلا المال مع حبه له، دل ذلك على أنه يحب ما عند الله أكثر مما يحب ماله، وهو دليل على صدق الإيمان، وفي قوله: ( تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) دليل على أن لولي الأمر أن يأخذ الزكاة من أهلها ويصرفها في مصارفها وأنه إذا فعل ذلك برئت الذمة، ولكن لو قال قائل: أنا لا آمن أن يتلاعب بها من يأخذها ثم يصرفها في غير مصرفها، نقول له: أنت إذا أديت ما عليك فقد برئت ذمتك سواء صرفت في مصارفها أم لم تصرف، لكن قال الإمام أحمد: " إذا رأى أن الإمام لا يصرفها في مصارفها فلا يعطه إلا إذا يعني طلب منه ذلك وألزمه به " وحينئذ تبرأ ذمته، وبناء على هذا لا بأس أن يخفي الإنسان شيئًا من ماله إذا كان الذي يأخذها لا يصرفها في مصارفها، لأجل أن يؤدي هو بنفسه الزكاة الواجبة عليه، وإذا قدر أن ولي الأمر أخذ أكثر مما يجب فإن ذلك ظلم لا يحل لولي الأمر، أما صاحب المال فعليه السمع والطاعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) وإذا قدر أن ولي الأمر أخذ دون الواجب، وجب على صاحب المال أن يخرج البقية، ولا يقول إنه أخذ مني وبرئت الذمة، لأنه إذا قدرنا أن الزكاة ألف وأخذ ثمانمائة فعليك أن تكمل المئتين تخرجها، ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز صرف الزكاة في صنف واحد من أصناف الزكاة، وأصناف الزكاة ثمانية الفقراء والمساكين والعاملون عليهم والمؤلفة قلوبهم والرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فإذا أداها إلى واحد من هذه الأصناف أجزأ، بل إذا أداها إلى واحد من هذه الأنواع يعني واحد من نوع واحد، يعني مثل أعطى زكاته كلها فقيرًا واحدًا فلا حرج، فلو قدر مثلًا أن شخصًا عليه مئة ألف ريال دينًا وزكاتك مئة ألف وقضيت دينه كله فإن ذمتك تبرأ بهذا، وعليه فيكون معنى قوله تعالى: (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ )) بيان المصارف فقط، ولا يجب أن تعطي كل الأصناف الثمانية، ولا يجب أن تعطي ثلاثة من كل صنف، بل إذا أديتها لواحد من صنف واحد أجزأ ذلك كما في هذا الحديث، ويستفاد منه: أن الزكاة تصرف في بلدها أي في بلد المال وقد سبق ذكر ذلك وبيان أنه لا يجوز أن يخرج زكاته عن البلد الذي فيه المال إلا إذا كان هناك مصلحة أو حاجة أكثر، وأما ما دام فيها مستحقون فلا يخرجها، بل يؤدي الزكاة في نفس البلد، وفي الحديث أيضًا دليل على تحريم الظلم وأنه لا يجوز للساعي على الزكاة أن يأخذ أكثر من الواجب، ولهذا حذر النبي صلى لله عليه وسلم معاذًا فقال له: ( إياك وكرائم أموالهم ) الكرائم جمع كريمة وهي الحسنة المرغوبة، وفيه دليل على أن دعوة المظلوم مستجابة لقوله: ( فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) وفيه دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتقي الظلم ويخاف من دعوة المظلوم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فقال: ( اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه رواه البخاري ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ) رواه البخاري ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ) رواه البخاري ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو غيره فليتحلل منه ) يعني في الدنيا ( قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ) وذلك يوم القيامة، فإنه في الدنيا يمكن أن يتحلل الإنسان من المظالم التي عليه بأدائها إلى أهلها أو استحلالهم منها، لكن في الآخرة ليس هناك شيء إلا الأعمال الصالحة، فإذا كان يوم القيامة اقتص من الظالم للمظلوم من حسناته يؤخذ من حسناته التي هي رأس ماله في ذلك اليوم، فإن بقي منه شيء وإلا أخذ من سيئات المظلوم وحملت على الظالم والعياذ بالله فازداد بذلك سيئات إلى سيئاته، وظاهر هذا الحديث أنه يجب على الإنسان أن يتحلل من ظلم أخيه حتى في العرض سواء علم أم لم يعلم، وذلك أن المظالم إما أن تكون بالنفس أو بالمال أو بالعرض لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ) فإن كانت بالنفس مثل أن يكون قد جنى عليه فضربه حتى جرحه، أو قطع عضوا من أعضائه أو قتل له قتيلًا فإنه يتحلل منه بأن يمكن صاحب الحق من القصاص، أو من بذل الدية إذا لم يكن القصاص أو اختيرت الدية، أما المال فإنه يعطيه ماله إذا كان عنده مال لأحد فالواجب أن يعطيه صاحبه، فإن غاب عنه ولم يعرفه وأيس منه فإنه يتصدق به عنه، والله سبحانه وتعالى يعلم ويؤدي صاحب الحق حقه، وإن كان قد مات أي صاحب الحق فإنه يوصله إلى ورثته، لأن المال بعد الموت ينتقل إلى الورثة، فلا بد أن يسلمه للورثة فإن لم يعلمهم جهلهم ولا يدري أين هم تصدق به عنهم، والله تعالى يعلمهم ويعطيه حقهم، أما العرض مثل أن يكون قد سب شخصًا في مجالس أو اغتابه فلا بد أن يتحلل منه، إذا كان قد علم بأنه سبه يذهب إليه ويقول: أنا فعلت كذا وفعلت كذا وأنا جئتك معتذرًا فإن عذره فهذا من نعمة الله على الجميع، لأن الله يقول: (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )) وإن لم يعف فليعطه مالًا ليشبعه من المال حتى يحلله، فإن أبى فإن الله تعالى إذا علم أن توبة الظالم توبة حقيقية فإنه سبحانه وتعالى يرضي المظلوم يوم القيامة، وقال بعض العلماء في مسألة العرض: إن كان المظلوم لم يعلم فلا حاجة أن يعلمه، مثل أن يكون قد سبه في مجلس من المجالس أو اغتابه فإنه لا حاجة أن يعلمه، ولكن يستغفر له ويدعو له ويثني عليه بالخير في المجالس التي كان يسبه فيها، وبذلك يتحلل منه، والمهم أن المسألة خطيرة وأن حقوق الناس لا بد أن تعطى إياهم إما في الدنيا وإما في الآخرة، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) المسلم يطلق على معان كثيرة منها: المستسلم المستسلم لغيره، يقال له: المسلم، ومنه على أحد التفسيرين قوله تعالى: (( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )) أي قولوا: استسلمنا ولم نقاتلكم، والقول الثاني في الآية: أن المراد بالإسلام الإسلام لله عز وجل وهو الصحيح، والمعنى الثاني يطلق الإسلام على الأصول الخمسة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإسلام فقال: ( أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ) ويطلق الإسلام على السلامة يعني أن يسلم الناس من شره من شر الإنسان فيقال: أسلم بمعنى دخل في السلم أي: المسالمة للناس بحيث لا يؤذي الناس ومنه هذا الحديث ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )( سلم المسلمون من لسانه ) فلا يسبهم ولا يلعنهم ولا يغتابهم ولا ينم بينهم ولا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد فهو قد كف لسانه، وكف اللسان من أشد ما يكون على الإنسان وهو من الأمور التي تصعب على المرء وربما يستسهل إطلاق لسانه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أفلا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله فأخذ بلسان نفسه الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بلسانه، وقال: كف عليك هذا، قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ ) يعني هل نؤاخذ بالكلام؟ فقال: ( ثكلتك أمك يا معاذ هو هل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) فاللسان من أشد الجوارح خطرًا على الإنسان اللسان والفرج، ولهذا إذا أصبح الإنسان فإن الجوارح اليدين والرجلين والعينين كل الجوارح تكفر اللسان، وكذلك أيضًا الفرج لأن الفرج فيه شهوة النكاح، واللسان فيه شهوة الكلام، وقلَّ من يسلم من هاتين الشهوتين، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه كف عنهم لا يذكرهم إلا بخير، لا يسب ولا يغتاب ولا ينم ولا يحرش بين الناس، هو رجل مسالم، إذا سمع السوء حفظ لسانه وليس كما يفعل بعض الناس والعياذ بالله، إذا سمع السوء في أخيه المسلم طار به فرحًا وطار به في البلاد نشرًا وإذاعة والعياذ بالله فإن هذا ليس بالمسلم، الثاني: من سلم المسلمون من يده من يده فلا يعتدي عليهم بالضرب أو الجرح أو أخذ المال أو ما أشبه ذلك قد كف يده، لا يأخذ إلا ما يستحقه شرعًا لا يعتدي على أحد، فإذا اجتمع الإنسان السلامة من اليد أن يسلم الناس من يده ومن لسانه فهذا هو المسلم، وعلم من هذا الحديث أن من لم يسلم الناس من لسانه أو يده فليس بمسلم، من كان ليس له هم إلا القيل والقال في عباد الله وأكل لحومهم وأعراضهم فهذا ليس بمسلم، وكذلك من كان ليس له هم إلا الاعتداء على الناس بالضرب وأخذ المال وغير ذلك مما يتعلق باليد فإنه ليس بمسلم، هكذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام وليس إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا لمجرد أن نعلم به فقط، بل لنعلم به ونعمل به، وإلا شو الفائدة ما الفائدة من كلام لا يعلم به؟ إذًا احرص إذا كنت تريد الإسلام حقًّا فاحرص على أن يسلم الناس من لسانك ويدك حتى تكون مسلمًا حقًّا، أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدين والدنيا وأن يكفنا ويكف عنا ويعافنا ويعافي منا إنه جواد كريم. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس ذا الحجة ؟ قلنا بلى قال فأي بلد هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس البلدة ؟ قلنا بلى قال فأي يوم هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال ألا هل بلغت ألا هل بلغت ؟ قلنا نعم قال اللهم اشهد ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى، قال فأي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى، قال فأي يوم هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه، ثم قال: ألا هل بلغت ألا هل بلغت؟ قلنا: نعم، قال: اللهم اشهد ) متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس ذا الحجة ؟ قلنا بلى قال فأي بلد هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس البلدة ؟ قلنا بلى قال فأي يوم هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال ألا هل بلغت ألا هل بلغت ؟ قلنا نعم قال اللهم اشهد ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم يوم النحر وذلك في حجة الوداع فأخبرهم عليه الصلاة والسلام ( أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ) يعني: أن الزمان وإن كان قد غُيِّر وبُدِّل فيه كما كانوا يفعلون في الجاهلية، يفعلون النسيء يحلون الحرام ويحرمون الحلال، يعني يجعلون الأشهر الحرم في أشهر أخرى فيحلون الشهر الحرام ويحرمون الشهر الحلال، ولكن صادفت تلك السنة أن النسيء صار موافقًا لما شرعه الله عز وجل في الأشهر الحرم، ثم بين عليه الصلاة والسلام أن عدة الشهور اثنا عشر شهرًا وهي: المحرم وصفر وربيع الأول وربيع الثاني وجمادى الأولى وجمادى الثانية ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة، هذه هي الأشهر الاثنا عشر شهرًا التي جعلها الله أشهرًا لعباده منذ خلق السموات والأرض، كانوا في الجاهلية يحلون المحرم ويحرمون صفر، وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الاثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية وواحد منفرد، الثلاثة المتوالية هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، جعلها الله تعالى أشهرًا محرمة يحرم فيها القتال ولا يعتدي أحد على أحد، لأن هذه الأشهر هي أشهر سير الناس إلى حج بيت الله، فجعلها الله عز وجل محرمة لئلا يقع القتال في هذه الأشهر والناس سائرون إلى بيت الله الحرام، وهذه من حكمة الله عز وجل، والصحيح أن القتال ما زال محرمًا وأنه لم ينسخ إلى الآن وأنه يحرم ابتداء القتال فيها ( ورجب مضر ) يقوله النبي عليه الصلاة والسلام، الرابع: ( رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ) وكانوا في الجاهلية يؤدون العمرة فيه فيجعلون شهر رجب للعمرة، والأشهر الثلاثة للحج، فصار محرمًا هذا الشهر يحرم فيه القتال كما يحرم في ذي القعدة وذي الحجة والمحرم، إذًا الأشهر السنوية التي جعلها الله لعبادة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم كما في القرآن الكريم ذو القعدة وذو الحجة المحرم ورجب، ثم سألهم النبي عليه الصلاة والسلام: أي شهر هذا؟ وأي بلد هذا؟ وأي يوم هذا؟ سألهم عن ذلك من أجل استحضار هممهم وانتباههم لأن الأمر أمر عظيم، فسألهم: ( أي شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ) لأنهم استبعدوا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهر وهو معروف أنه ذو الحجة، ولكن من أدبهم رضي الله عنهم أنهم لم يقولوا: الأمر معلوم هذا شهر ذي الحجة، من أدبهم أنهم قالوا: الله ورسوله أعلم، ثم سكت لأجل أن الإنسان إذا تكلم ثم سكت انتبه الناس: ما الذي أسكته؟ وهذه طريقة متبعة في الإلقاء أن الإنسان إذا رأى من الناس الذين حوله عدم إنصات يسكت حتى ينتبهوا، لأن الكلام إذا كان مسترسلًا يمكن يحصل غفلة، لكن إذا توقف فإنهم سيقولون ليش لماذا وقف؟ سكت النبي عليه الصلاة والسلام، يقول أبو بكرة: ( حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، ثم قال: أليس ذا الحجة؟ قالوا: بلى، ثم قال عليه الصلاة والسلام: أي بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ) هم يعلمون أنه مكة، لكن لأدبهم واحترامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقولوا: هذا شيء معلوم يا رسول الله، كيف تسأل عنه؟ بل قالوا: الله ورسوله أعلم، ثم سكت حتى ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس البلدة؟ ) والبلدة اسم من أسماء مكة ( قالوا: بلى، ثم قال: أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ) مثلما قالوا بالأول، قال: أليس يوم النحر؟ قالوا: بلى يا رسول الله ) وهم يعملون أن مكة حرام وأن شهر ذي الحجة حرام وأن يوم النحر حرام يعني كلها حرم محترمة، فقال عليه الصلاة والسلام: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ) فأكد عليه الصلاة والسلام تحريم هذه الثلاثة الدماء والأموال والأعراض وأنها محرمة ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثة: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) الأموال أيضًا لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )) الأعراض محترمة لا يحل لمسلم أن يغتاب أخاه أو أن يقذفه، بل إن القاذف إذا قذف شخصًا عفيفًا بعيدًا عن التهمة وقال: يا زاني أو أنت زاني أو أنت لوطي أو ما أشبه ذلك، فإما أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون على الزنا صريحًا وإلا فإنه يعاقب بثلاث عقوبات، هذا القاذف يعاقب بثلاث عقوبات، العقوبة الأولى: أن يجلد ثمانين جلدة، والعقوبة الثانية: ألا تقبل له شهادة أبدًا، كلما شهد عند القاضي ترد شهادته سواء شهد بالأموال أو شهد بالدماء أو شهد برؤية الهلال أو شهد بأي شيء آخر يرفض القاضي شهادته ويردها، العقوبة الثالثة - يرحمك الله - العقوبة الثالثة: الفسق أن يكون فاسقًا بعد أن كان عدلًا، فلا يزوج بنته ولا أخته ولا يتقدم إمامًا في المسلمين عند كثير من العلماء، ولا يولى أي ولاية لأنه صار فاسقًا، هذه عقوبة من يرمي شخصًا بالزنا أو باللواط، إلا أن يأتي بأربعة شهداء، قال الله تعالى: (( لولا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ )) حتى لو فرض هذا الرجل من أصدق الناس ولم يأت بأربعة شهداء فإنه يجلد ثمانين جلدة ( ولهذا شهد أربعة من الرجال على رجل شهدوا على رجل بأنه زنى عند عمر بن الخطاب، أربعة شهدوا على رجل بأنه زنا، فجاء بهم عمر فسألهم قال: تشهد أنه زنى؟ قال: نعم، قال: تشهد أنك رأيت ذكره في فرجها غائبًا كما يغيب المرود في المكحلة؟ قال : نعم، جاء بالثاني قال: نعم، جاء بالثالث قال: نعم، فجاء بالرابع فتوقف توقف قال: أنا لا أشهد بالزنا لكني رأيت أمرًا منكرًا، رأيت رجلًا على امرأة يتحرك كتحرك المجامع لكن لا أشهد، فجلد الثلاثة الأولين جلدهم على ثمانين جلدة ) لأنه تبين أنهم كذبة وأطلق الثالث، فالأعراض من أشد الأشياء حرمة ولهذا كما سمعتم قال الله تعالى: (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً )) هذه واحدة (( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً )) اثنين (( وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) ثلاثة (( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) يعني فلا يكونوا فساقًا، لكن بشرط التوبة والإصلاح ما يكفي أن يقول: أنا تائب حتى ننظر هل الرجل أصلح أو لم يصلح؟ إذًا جدير بما كان هذه حال حاله أن يؤكده النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة العظيمة في مشهد الصحابة في يوم النحر في منى يقول عليه الصلاة والسلام: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ) ثم قال: ( ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ) لأن المسلمين لو صار يضرب بعضهم رقاب بعض صاروا كفارًا، كفارًا لأنه لا يستحل دم المسلم إلا الكافر، هل يمكن لمسلم أن يشهر السلاح على أخيه؟ لا، لكن الكافر يشهر السلاح على المسلم، ولهذا جعل النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين إذا اقتتلوا وصفهم بأنهم كفار ( ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ) وهذه المسألة بحسب النصوص الأخرى فيها تفصيل: إن قاتل المسلم مستحلًا لقتله بغير إذن شرعي فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، وإن قاتله بتأويل أو لقصد رئاسة أو لقصد سلطان فهذا لا يكفر كفرًا كفر ردة، ولكنه كفر دون كفر، ودليل ذلك قوله تعالى: (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )) وهذا هو الجمع بين هذه الآية وبين الحديث فيقال: إن تقاتل المسلمون مستحلًا كل واحد دم أخيه فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، وإن كان لرئاسة أو عصبية أو حمية أو ما أشبه ذلك فإنه لا يكفر كفر ردة، بل يكون كفره كفرًا دون كفر وعليه أن يتوب ويصلح، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( ألا هل بلغت؟ ) يسأل الصحابة قالوا: ( نعم قال: ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم ) فتأمل كيف يقرر النبي عليه الصلاة والسلام أنه بلغ في المواطن العظيمة الكثيرة الجمع في عرفة خطبهم عليه الصلاة والسلام وقال: ( ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس يقول: اللهم اشهد ) يعني اشهد عليهم أني بلغتهم، وكذلك أشهد ربه على أنه بلغ أمته وأقروا بذلك في يوم النحر، ونحن نشهد ونشهد الله وملائكته ومن سمعنا من خلقه أن نبينا صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين، وأنه ترك أمته على المحجة البيضاء، وأنه ما بقي شيء من أمور الدين أو الدنيا تحتاجه الأمة إلا بينه عليه الصلاة والسلام، ولكن الخطأ من ممن يبلغه الخبر هو الذي يكون قاصرًا في فهمه، وقد يكون له نية سيئة فيحرم الصواب، وقد يكون هناك أسباب أخرى وإلا فالرسول عليه الصلاة والسلام بلغ بلاغًا تامًّا كاملًا، ثم أمر عليه الصلاة والسلام أن يبلغ الشاهد الغائب يعني من شهده وسمع خطبته أن يبلغ الأمة، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه ربما يكون مبلغ أوعى للحديث من السامع، وهذه الوصية من الرسول عليه الصلاة والسلام وصية لمن حضر في ذلك اليوم ووصية لمن سمعه حديثه إلى يوم القيامة، فعلينا إذا سمعنا حديثًا عن الرسول عليه الصلاة والسلام أن نبلغه إلى الأمة، علينا ذلك نحن محملون بأن نبلغ، نحن منهيون أن نكون كاليهود الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها، وقد وصفهم الله بأبشع وصف فقال: (( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً )) الحمار إذا حمل أسفارًا يعني كتبًا هل ينتفع منها؟ الجواب: ينتفع؟ الطالب : لا. الشيخ : لا ينتفع، إذا كان الحمار يحمل أسفارًا لا ينتفع منها فالذي يحمل القرآن أو السنة ولا ينتفع منها كمثل الحمار يحمل أسفارًا، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة ... قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال ألا هل بلغت ألا هل بلغت ؟ قلنا نعم قال اللهم اشهد ) متفق عليه ... " .
الشيخ : في حديث ابن عمر رضي الله عنهما حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدجال وعظم من شأنه ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) الدماء تشمل النفوس وما دونها، والأموال تشمل القليل والكثير، والأعراض تشمل الزنا واللواط والقذف، وربما تشمل الغيبة والسب والشتم، هذه الأشياء الثلاثة حرام على المسلم أن ينتهكها من أخيه المسلم ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) وفي بعض الأحاديث: ( كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) وهو كان في مكة عليه الصلاة والسلام والشهر شهر ذي الحجة أحد الأشهر الأربعة الحرم، ثم قال: ( ألا هل بلغت؟ ) يسألهم هل بلغ؟ قالوا: ( نعم بلغت، قال: اللهم اشهد ) فاستقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة هل بلغ أم لا؟ فأخبروه بأنه بلغ، فأشهد الله عليهم، والصحابة رضي الله عنهم بلغوا ما سمعوه من الرسول عليه الصلاة والسلام بلغوا جميع سنته ما كتموا منها شيئا وبلغوا ما جاء به من الوحي لم يكتموا منه شيئًا، فجاءت الشريعة ولله الحمد كاملة من كل وجه، بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ثم بلغ الصحابة عن نبيهم ثم التابعون عمن قبلهم وهكذا إلى يومنا هذا ولله الحمد، وفي قوله: ( اللهم اشهد ) يعني على إقرار هؤلاء الذين حضروا وإقرارهم إقرار لنا، فنحن نشهد بالله أن الرسول بلغ، بلغ البلاغ المبين أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة، وأنه أنصح الخلق للخلق وأنه ما ترك خيرًا إلا دل أمته عليه، ولا شرًا إلا بينه لهم وحذرهم منه، وتركهم أي ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ثم حذرهم النبي عليه الصلاة والسلام من أمر، أمر عظيم وقعت فيه الأمة منذ بدأت فيها الفتنة، قال: ( ألا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض )( كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) لأن عملهم هذا من عمل الكفر، لا أحد يشهر السيف على مسلم إلا الكافر، فالمسلم إذا أشهر السيف على أخيه فقد أتى خصلة من خصال الكفر والعياذ بالله، لأننا لا نعرف أحدًا يستبيح دم المسلم ولو بالفعل إلا وهو كافر، ولهذا قال: ( لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ) وهذا الضرب إن كان استحلالًا لدم المسلم بلا تأويل فهو كفر، كفر مخرج عن الملة وإن كان بتأويل فليس بكفر لكنه من عمل أهل الكفر، من عمل أهل الكفر والعياذ بالله، وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام أمته هذا التحذير، ولكن مع الأسف أنه وقع بينهم السيف وصارت الفتن من عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى يومنا هذا، وما زالت الفتن قائمة بين الناس لكن أحيانًا تشتعل اشتعالًا واسعًا وأحيانًا تكون في مناطق معينة، ولكن الواجب على المسلم أن يتقي دم أخيه ما استطاع، نعم إذا بلي الإنسان بنفسه وصيل عليه يريد الصائل نفسه أو ماله أو حرمته فله أن يدافع عن نفسه، ولكن بالأسهل فالأسهل فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل قتله، فإن قتله فالصائل في النار، وإن قتل المدافع فهو شهيد، شهيد كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث تحذير من أعراض المسلمين وأنه لا يجوز للمسلم أن ينتهك عرض أخيه، لا صادقًا ولا كاذبًا، لأنه إن كان صادقًا فقد اغتابه وإن كان كاذبًا فقد بهته، وأنت إذا رأيت من أخيك شيئًا تنتقده فيه في عباداته أو في أخلاقه أو في معاملاته فعليك بنصيحته، هذا واجبه عليك تنصحه فيما بينك وبينه مشافهة أو مكاتبة وبهذا تبرأ ذمتك، لكن هنا شيء لا بد منه أنك إذا أردت أن تناصحه بالمكاتبة فلا بد أن تذكر اسمك، اذكر اسمك لا تكن جبانًا تخاف اذكر من فلان إلى فلان إلى أخي فلان بن فلان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فأنا أنتقد عليك كذا وكذا وكذا، من أجل إذا عرف اسمك دعاك أو أتى إليك وناقشك في الأمر، أما أن تكون جبانًا ترمي من وراء جدار فهذا لا يليق بالمسلم وليس هذا بنصح، لأنك ستبقى حاملًا عليه في قلبك لما ترى أنه أخطأ فيه وهو سيبقى ويستمر على ما هو فيه، لأن الذي كتب له بالنصيحة ليس أمامه حتى يقول له: تفضل أنا أشرح لك وجهة نظري وأنت اشرح لي وجهة نظرك، فيبقى الشر على ما هو عليه والخطأ على ما هو عليه، لكن إذا كتب اسمه كان مشكورًا على هذا وكان بإمكان المكتوب إليه المنصوح أن يخاطب وأن يبين له ما عنده، حتى يقتنع أحد الرجلين بما عند الآخر، والله الموفق. القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ) رواه مسلم . وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عن خطاياي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت ؟ قال أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك ) رواه مسلم ... " .
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ( لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ) رواه مسلم. وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عن خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّين، فإن جبريل قال لي ذلك ) رواه مسلم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ) رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى في بيان فضيلة الجهاد في سبيل الله والشهادة، فالجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدَّين، وكذلك إذا غَلَّ الإنسان شيئًا مما غنمه يعني أخفاه وجحده ففي الحديث الأول ( أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أقبلوا ) يعني إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( وهم يقولون: فلان شهيد، فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على ذكر رجل فقالوا: فلان شهيد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كلا ) يعني: ليس بشهيد ( لقد رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ) البردة نوع من الثياب، والعباءة معروفة غلها يعني كتمها غنمها من أموال الكفار وقت القتال فكتمها يريد أن يختص بها لنفسه والعياذ بالله.