شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( واخفض جناحك للمؤمنين )) ..." .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب تعظيم حُرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم :
قال الله تعالى: (( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً )) " .
1 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( واخفض جناحك للمؤمنين )) ..." . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه ... " .
2 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )) ... " .
سبق لنا عدة آيات في بيان تعظيم حرمات المسلمين والرفق بهم والإحسان إليهم ، ومن جملة الآيات التي فيها بيان تعظيم حرمة المسلم قوله تعالى : (( مَن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً )) : بيَن الله في هذه الآية أن مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ، لأن حرمة المسلمين واحدة ، ومن انتهك حرمة شخص من المسلمين فكأنما انتهك حرمة جميع المسلمين ، كما أن مَن كذب رسولاً واحداً من الرسل فكأنما كذب جميع الرسل ، ولهذا اقرأ قوله تعالى : (( كذبت قوم نوح )) إيش؟ (( المرسلين )) ، مع أنهم لم يكذبوا إلا واحدا ، لم يبعث رسول قبل نوح ، وما بعد نوح ما أدركه قومه ، لكن من كذب رسولاً فكأنما كذب جميع الرسل ، ومن قتل نفساً محرمة فكأنما قتل الناس جميعاً ، لأن حرمة المسلمين واحدة ، (( ومن أحياها )) أي : سعى في إحيائها وإنقاذها من الهلكة ، (( فكأنما أحيا الناس جميعاً )) : وإحياؤها وإنقاذها من الهلكة تارة يكون من هلكة لا قِبَل للإنسان بها من الله ، مثل أن يشب حريق في بيت رجل فتحاول إنقاذه فتنقذه ، هذا إحياء للنفس .
وأما القسم الثاني : فهو ما للإنسان به قِبَل مثل أن يحاول رجل العدوان على شخص ليقتله فتحول بينه وبينه وتحميه من القتل ، فأنت الآن أحييت نفساً (( فكأنما أحيا الناس جميعاً )) ، لأن إحياء شخص مسلم كإحياء جميع الناس
وقوله عز وجل: (( بغير نفس )) : يُستفاد منه أن مَن قتل نفساً بنفس فهو معذور ولا حرج عليه ، قال الله تعالى : (( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس )) ، فإذا قتل شخصٌ نفساً بحق أي : بنفس أخرى فلا لوم عليه ولا إثم عليه ويرث مِن المقتول ، يرث القاتل من المقتول إذا قتله بحق ، ولا يرث القاتل من المقتول إذا قتله بغير حق ، ولنضرب لهذا مثلاً بثلاثة أخوة ، قتل الكبير منهم الصغير عمداً ، فمن الذي يرث الصغير ؟ يرثه أخوه الأوسط ، وأخوه الكبير لا يرث منه ، لماذا ؟ لأنه قتله بغير حق ، ثم طالب الأوسط بدم أخيه الصغير ، فقتل أخاه الكبير قصاصاً ، هل يرث منه الأوسط ؟ يرث من أخيه الكبير ؟ يرث ، ليش وهو قاتله ؟ لأنه قتله بحق ، والأول الكبير الذي قتل الصغير لا يرث لأنه قتل بغير حق .
فالقتل بحق لا لوم فيه وليس له أثر ، قصاص ، (( ولكم في القصاص حياة يا ألي الألباب لعكم تتقون )) .
وقوله عز وجل : (( أو فسادٍ في الأرض )) : الفساد في الأرض ليس معناه أن يسلط الإنسان التراكتر فيهدم البيت ، ولو عدواناً هذا ليس فساداً وإن كان فساداً لكن لا يحل به دم المسلم ، الفساد في الأرض : بنشر الأفكار السيئة ، أو العقائد الخبيثة ، أو قطع الطريق ، أو ترويج المخدرات ، أو ما أشبه ذلك هذا فساد في الأرض ، فمن أفسد في الأرض على هذا الوجه فدمه هدر حلال يُقتل لأنه ساعٍ في الأرض بالفساد ، بل إن الله قال في سورة المائدة ، في نفس السورة قال : (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض )) : على حسب جريمتهم ، إن كانت كبيرة فبالقتل ، إن كانت دونها فبالصلب ، إن كانت دونها فأن تقطع أديهم وأرجلهم من خلاف ، تقطع اليد واليمنى والرجل اليسرى ، إن كان دون ذلك فأن ينفوا من الأرض : إما بالحبس مدى الحياة كما قاله بعض أهل العلم ، وإما بالطرد عن المدن كما قاله آخرون ، لكن إذا كان لا يندفع شرهم بطردهم من المدن حبسوا ، حبسوا إلى الموت .
فالحاصل أن مَن قتل نفساً للإفساد في الأرض فلا لوم عليه ، بل إن قتل النفس للإفساد في الأرض واجب ، وقتل النفس بالنفس مباح إلا على رأي الإمام مالك رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية فإن قتل الغيلة واجب ، واجب به القصاص ، يعني من قتل شخصاً غيلة ، يعني تغافله حتى قتله ، فإنه يقتل ولو سمح أولياء المقتول ، لأن الغيلة شر وفساد لا يمكن التخلص منها ، مثلاً يجي إنسان لشخص في منامه فيقتله هذا يقتل على كل حال حتى لو قال أولياء المقتول : عفونا ولا نبي شيء ، يُقتل هذا رأي الإمام مالك وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو حق ، هذا القول هو الحق : أنه إذا قتل غيلة فلابد من قتله ولا خيار لأولياء المقتول في ذلك .
فالحاص أن الله بين في هذه الآية أن قتل نفس واحدة بغير نفس أو فسادٍ في الأرض كقتل جميع الناس ، وإحياء نفس واحدة كإحياء جميع الناس ، وهذا يدل على عِظم القتل ، ولو أن إنساناً أحصى كم قُتل من بني آدم بغير حق يقدر ؟ نعم ؟
الطالب : لا يقدر .
الشيخ : ما يقدر ، كل نفسٍ تقتل فعلى ابن آدم الأول الذي قتل آخاه عليه كفل منها ، عليه إثم ، ابن آدم الذي قتل آخاه قتله حسداً ، قربا قرباناً اثنين من بني آدم ، أول ما جاء آدم من الأبناء ، يعني أول بطن ، قربا قرباناً قربة إلى الله فتقبل الله من واحد ولم يتقبل من الآخر ، فقال الثاني الذي لم يتقبل الله منه لأخيه : (( لأقتلنك )) ، ليش إن الله يتقبل منك ولا يتقبل مني ؟ حسد ولا بحق ؟ حسد ، القبول عند الله ، فقال له أخوه : إنما يتقبل الله من المتقين ، يعني : إتق الله يتقبل الله منك ، لكن الذي يتوعد أخاه بالقتل هل هو متق الله ؟ لا ، في النهاية قتله والعياذ بالله ، (( طوَّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين )) خسر والعياذ بالله ، ويقال : إنه بقي يحمل أخاه الذي قتله أربعين يوماً على ظهره ما يدري ويش يسويه به ، لأن القبور ما شُرعت ذاك الوقت ، فأرسل الله غراباً ، بعث الله غراباً يبحث في الأرض يعني بأظفاره ، (( ليريه كيف يواري سوءة أخيه )) ، وقيل : إن غرابين اقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر أحدهما للثاني فدفنه ، فاقتدى به هذا القاتل ودفن أخاه ، وهذا من العجائب أن يكون الذي علمنا الدفن مَن ؟
الطالب : الغربان .
الشيخ : الغربان ، الغربان هي التي علمتنا الدفن ، على كل حال أقول : إن هذا الرجل الذي قتل أخاه كل نفس تقتل بغير حق فعليه من إثمها ، على القاتل الأول والعياذ بالله ، وهكذا أيضاً من سنَّ القتل بعد أمن الناس وصار يغتال الناس وما أشبه ذلك ، وتجرأ الناس على هذا من أجل فعله فإن عليه من إثمهم نصيباً ، لأنه هو الذي كان سبباً في انتهاك هذا ، فمثلاً الذين كانوا فيما سبق يختطفون الطائرات ، مرَّ علينا سنوات يكثر اختطاف الطائرات ، يُخطتف السنة مرتين أو ثلاثة ، لكن الحمد لله الآن خفت ، أول من اختطف الطائرات كل إثم حصل في اختطاف الطائرات يكون عليه منه نصيب ، لأنه هو الذي سن ذلك : ( ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من دعاة الخير وفاعليه إنه جواد كريم .
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )) ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء ) متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من لا يرحم لا يرحم ) متفق عليه ... " .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي موسى رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن مَرَّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك ، أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدًا من المسلمين منها بشيء ) ، متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، ( قَبَّل النبيُ صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما ، وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدا ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مَن لا يرحم لا يُرحم ) ، متفق عليه " .
4 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء ) متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من لا يرحم لا يرحم ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء ) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من لا يرحم لا يرحم ) متفق عليه ... " .
ذكر المؤلف -رحمه الله- جملة مِن أحاديث الرفق بالمسلمين جملة منها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( مَن مرَّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا وفي يده نصل فيمسك بها أو بأطرافها ) :
النصل : السهام التي يُرمى بها ، وأطرافها تكون دائماً دقيقة تنفذ فيما تصيبه مِن المرمي ، فإذا أمسك الإنسان بها وقى الناس شرها ، وإذا تركها هكذا فربما تؤذي أحداً ، ربما يأتي أحدٌ بسرعة فتخدشه ، أو يكون الرجل الذي يمرّ بالناس وهي مفتوحة غير ممسكة تخدشهم أيضاً.
ومثل ذلك أيضاً العصا ، العصا إذا كان معك عصّا فأمسكها طولاً، يعني اجعل رأسها إلى السماء ولا تجعلها عرضاً ، لأنك إذا جعلتها عرضاً آذيت الناس الذين وراءك ، وربما تؤذى الذين أمامك ، ومثله الشمسية أيضاً ، إذا كان معك شمسية وأنت في السوق فارفعها ، لئلا تؤذي الناس.
فكل شيء يؤذي المسلمين أو يُخشى مِن أذيته فإنه يتجنبه الإنسان ، لأن أذية المسلمين ليست بالهينة ، قال الله تعالى: (( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً )) .
ومِن ذلك أيضاً من الأحاديث التي ذكرها حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه كان عنده الحسن بن علي بن أبي طالب ، والأقرع بن حابس ، الحسن بن على بن أبي طالب هو ابن فاطمة بنتِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فجده مِن أُمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبوه على بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحبُ الحسن والحسين ، لأنهما سبطاه ، ويفضل الحسن على الحسين ، لأن الحسن أفضل من الحسين ، الحسن قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن ابني هذا سيد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) فكان الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لما حصلت الفتنة في زمن معاوية، وآلت الخلافة إلى الحسن بعد أبيه على بن أبي طالب ، تنازل عنها رضي الله عنه ، عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان حقناً لدماء المسلمين ، لأنه يعلم أن الناس أشرار ، وأنهم ربما يأتون إليه ويغرُّونه كما فعلوا بأخيه الحسين بن علي رضي الله عنه ، غرّه أهل العراق وحصل ما حصل من المقتلة العظيمة في كربلاء وقُتل الحسين .
أما الحسن رضي الله عنه فإنه تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، فصار ذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه آله وسلم : ( ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) .
كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأقرع بن حابس من زعماء بني تميم ، والغالب أنَّ البادية وأشباههم يكون فيهم جفاء ، فقبَّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحداً منهم ، أعوذ بالله قلبه قاسي ، ما قبلهم ولو كانوا صغاراً !؟ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( مَن لا يَرحم لا يُرحم ) : يعني أن الذي لا يرحم عباد الله لا يرحمه الله، ويُفهم من هذا أن من رحم عباد الله رحمه الله، وهو كذلك ، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) ، ففي هذا دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان الرحمة في الصغار ونحوهم، وأنه ينبغي للإنسان أن يقبِّل أبناءه، وأبناء بناته، وأبناء أبنائه، يقبلهم رحمة بهم، واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
أما ما يفعله بعض الناس والعياذ بالله من الجفاء والغلظة بالنسبة للصبيان، فتجده مثلا لا يمكن صبيه من أن يحضر إلى مجلسه، ولا أن يمكِّن صبيه من أن يطلب شيئاً، وإذا رآه عند الرجال انتهره ، وقال : فارق اذهب فهذا خلاف السنة وخلاف الرحمة ، ( كان النبي عيه الصلاة والسلام يصلي بالناس إحدى صلاتي العشي، إما العصر وإما الظهر ، فجاءته بنت بنته ، أُمامة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها وهو يصلي بالناس ، إذا قام حملها ، وإذا سجد وضعها ) : أين هذا الخلق من أخلاقنا الآن؟ الآن لو يجد الإنسان صبيه في المسجد أخرجه ، فضلاً عن كونه يحمله في الصلاة.
وكان يوماً من الأيام ساجداً فجاءه الحسن أو الحسين فركب عليه ، جعله راحلة له ، فأطال النبي صلى الله عليه آله وسلم السجود ، فلما سلم قال : ( إن ابني ارتحلني وإني كرهت أن أقوم حتى يقضي نهمته ) .
( وكان يخطب الناس يوماً على المنبر، فأقبل الحسن والحسين وعليهما ثوبان جديدان يعثران بهما ، فنزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحملهما بين يديه وقال : صدق الله : (( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ )) ، نظرت إليى هذين الصبيين يعثران ) : يعني فما طابت نفسه حتى نزل وحملهما.
ففي هذا كله وأمثاله دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يرحم الصغار ، ويلطف بهم ، وأن ذلك سبب لرحمة الله عزّ وجلّ ، نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته ولطفه وإحسانه .
5 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء ) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من لا يرحم لا يرحم ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم فقال: ( نعم ) قالوا: لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة ) متفق عليه ... " .
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن لا يَرحم الناس لا يرحمْه الله ) ، متفق عليه.
وعن أبي هُريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه، فليطول ما شاء ) ، متفق عليه ، وفي رواية : ( وذا الحاجة ) " .
6 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم فقال: ( نعم ) قالوا: لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم فقال: ( نعم ) قالوا: لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة ) متفق عليه . وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ) متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء ) متفق عليه وفي رواية ( وذا الحاجة ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: ( جاء قوم من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا : هل تقبلون صبيانكم؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نعم ) : والأعراب كما نعلم جميعاً جُفاة ، الأعراب جفاة ، عندهم غلظة وشدة ، لا سيما رعاة الإبل منهم ، فإن عندهم من الغلظة والشدة ما يجعل قلوبهم كالحجارة ، نسأل الله العافية ، قالوا: إنا لسنا نقبّل صبياننا ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أو أملك أن زع الله الرحمة من قلوبكم ) : يعني لا أملك لكم شيئاً إذا نزع الله الرحمة من قلوبكم .
وفي هذا دليلٌ على أن تقبيل الصبيان شفقة عليهم ورقة لهم ورحمة بهم ، دليلٌ على أن الله تعالى قد أنزل في قلب الإنسان الرحمة ، وإذا أنزل الله في قلب الإنسان الرحمة ، فإنه يرحم غيره ، وإذا رحِم غيره رحمه الله عزّ وجلّ ، كما في الحديث الثاني ، حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( مَن لا يرحم لا يرحمْه الله ) ، نسأل الله العافية.
الذي لا يرحمُ الناس لا يرحمه الله عزّ وجلّ ، والمراد بالناس : الناس الذين هم أهلٌ للرحمة كالمؤمنين وأهل الذمة ومن شبابههم ، وأما الكفار الحربيون فإنهم لا يُرحمون ، بل يقتلون ، لأن الله تعالى قال في وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه : (( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )) ، وقال تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )) : ذكر الله تعالى هذه الآية في سورتين مِن القرآن بهذا اللفظ ، بلفظ لا يختلف : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )) : ذكرها الله في سورة التوبة وفي سورة التحريم بهذا اللفظ .
وقال تعالى : (( وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ )) .
وكذلك أيضاً رحمة الدواب والبهائم فإنها من علامات رحمة الله عزّوجلّ للإنسان ، لأنه إذا رقَّ قلب المرء رحم كل شيء ذي روح ، وإذا رحم كل شيء ذي روح رحمه الله ، ( قيل: يا رسول الله، ألنا في البهائم أجر؟ قال: نعم، في كل ذات كبد حراء أجر ) .
ومن الشفقة والرحمة بالمؤمنين أن الإنسان إذا كان إماماً لهم ، فإنه لا ينبغي له أن يطيل عليهم في الصلاة ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف ، فإن مِن ورائه السقيم والضعيف وذا الحاجة والكبير ) : يعني من ورائه أهل الأعذار الذين يحتاجون إلى التخفيف .
7 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم فقال: ( نعم ) قالوا: لكنا والله ما نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة ) متفق عليه . وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ) متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء ) متفق عليه وفي رواية ( وذا الحاجة ... " . أستمع حفظ
فائدة : المقصود بتخفيف الإمام على المصلين موافقة السنة وليس المراد مراعاة أهواء الناس .
وليس هذا الحديث حجة للذين يريدون من الأئمة أن يخففوا تخفيفاً ينقص الأجر ويخالف السنة .
ثم اعلم أنه قد يكون التخفيف عارضاً طارئاً ، مثل ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ، كان يدخل في الصلاة وهو يريد أن يطيل فيها ، فيسمع بكاء الصبي فيوجز مخافة أن تفتتن أمه ، فإذا حصل طارئ يوجب أن يخفف الإنسان صلاته ، فليخفف ، لكن على وجه لا يخل بالواجب .
فالتخفيف نوعان :
تخفيف دائم : وهو ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وتخفيف طارئ يكون أخفّ ، وهو ما دعت إليه الحاجة، وهو أيضاً من السنة ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا سمع بكاء الصبي خفف الصلاة حتى لا تفتتن أمه ) .
والمهم أنه ينبغي للإنسان مراعاة أحوال الناس ورحمتهم ، ولكن رحمتهم إذا كان إماماً أن يسير بهم كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسير بأصحابه ، والله الموفق .
8 - فائدة : المقصود بتخفيف الإمام على المصلين موافقة السنة وليس المراد مراعاة أهواء الناس . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم متفق عليه . وعنها رضي الله عنها قالت نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا: إنك تواصل قال: ( إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) متفق عليه ... " .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعُ العمل وهو يحب أن يعمل به ، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ) متفق عليه .
وعنها رضي الله عنها قالت : ( نهاهم النبيُ صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم ، فقالوا : إنك تواصل ، قال: إني لست كهيئتكم ، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) ، متفق عليه " .
9 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم متفق عليه . وعنها رضي الله عنها قالت نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا: إنك تواصل قال: ( إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم متفق عليه . وعنها رضي الله عنها قالت نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا: إنك تواصل قال: ( إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) متفق عليه ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عائشة رضي الله عنها في : باب الرفق بالمسلمين والشفقة عليهم ، قالت عائشة رضي الله عنها : ( إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يفعله ، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ) : إن كان هذه إن مخففة من الثقيلة ، وأصلها إنّ، ويقول النحويون : إن اسمها محذوف ويسمونه ضمير الشأن ، وجملة : كان ليدع : خبرها ، فالجملة هنا ثبوتية وليست سلبية ، المعنى : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يفعله ، لئلا يعمل به الناس فيفرض عليهم ، فيشق عليهم.
ومن ذلك ما فعله في رمضان عليه الصلاة والسلام : ( صلى في رمضان ذات ليلة ، فعلم به أُناسٌ من الصحابة ، فاجتمعوا إليه وصلوا معه ، وفي الليلة الثانية صلوا أكثر ، وفي الثالثة أكثر وأكثر ، ثم تركه ، ترك الصلاة في المسجد ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني قد علمت يعني ما جرى منهم من الاجتماع ، ولكني كرهت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ) : فترك ههنا القيام جماعة خوفاً من أن تفرض على الأمة وهذا من شفقته ، وكان يقول : لولا أن أشق على أمتي لفعلت كذا وكذا، أو لأمرت بكذا وكذا ، مثل قوله : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرته بالسواك عند كل صلاة ) ، ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين تأخر في صلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل ، فقال : ( إنه لوقتها -يعني آخر الوقت- لولا أن أشق على أمتي ) ، فهو عليه الصلاة والسلام يدع العمل ويدع الأمر بالعمل ، خوفاً من أن يشق على الأمة .
ومن ذلك أيضاً ما روته عائشة رضي الله عنها : ( أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم ) : يعني نهى الصحابة عن الوصال ، والوصال : أن يصل الإنسان يومين فأكثر في الصيام مِن غير فطر ، يعني يصوم الليل والنهار ، يومين أو ثلاثة أو أكثر ، فنهاهم النبي صلى الله عليه آله وسلم عن ذلك ، ولكنهم رضي الله عنهم فهموا أنه نهاهم رحمة بهم لا كراهة للعمل ، فواصلوا ثم واصلوا حتى هلّ شهر شوال ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لو تأخر الهلال لزدتكم ) : يعني لأبقيتكم تواصلون ، قال ذلك تنكيلاً لهم ، حتى يعرفوا ألم الجوع والعطش ، ويكفوا عن الوصال مِن أنفسهم.
المهم أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم ، ( فقالوا: إنك تواصل ونحن نقتدي بك ، فقال : إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقين ) : يعني أنه عليه الصلاة والسلام ليس كالأمة ، يبيت عند الله يطعمه ويسقيه ، ومعنى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام يتهجد بالليل ، ويخلو بالله عزّ وجلّ بذكره ، وقراءة كلامه ، وغير ذلك مما يغنيه عن الأكل والشرب .
لأن الإنسان إذا اشتغل بالشيء نسي الأكل والشرب ، خصوصاً إذا كان الشيء مما يحبه ويرضاه ، ولهذا قال الشاعر في محبوبته : قال :
" لها أحاديث مِن ذِكراكَ تُشغِلُها *** عنِ الشرابِ وتُلهيها عن الزاد " :
يعني أنها إذا جعلت تتحدث بهذا الرجل ألهاها عن الطعام والشراب ، وهو أمر واضح واقع ، حتى إن الإنسان أحياناً يكون في الأشغال يشتغل بها ، فيلهو عن الأكل والشرب ، مثل طالب العلم الذي يكون منهوماً بالعلم شغوفاً به ، ربما يبقى في مكتبته يطالع وينسى الأكل والشرب ، الغداء والعشاء ، وربما ينسى النوم ، وكذلك طالب الدنيا منهوم لا يشبع ، ربما يبقى في دفاتره وحساباته ينشغل عن الأكل والشرب .
ويُذكر أن رجلاً غنياً كان يشتغل بحساباته وكتاباته وماله وله زوجة ، وله جار فقير متزوج ، وكانوا يحسون بأن هذا الجار الفقير يعاشر زوجته بالمعروف ، فغارت زوجة الغني ، لأن الغني غافل عنها ، فقالت له : ألا تنظر إلى جارنا يعاشر زوجته بالمعروف ، يستأنس مع أهله ، ففطن الرجل الغني لهذا ، فدعا بجاره الفقير وقال له : إنك رجلٌ فقيرٌ يعني تحتاج على المال ، وأنا سأعطيك مالاً بضاعة تتجر به ، فأعطاه المال يتجر به ، أعطى الفقير هذا المال يتجر به ، فانشغل به الفقير عن أهله ، وصار لا يعاشرهم صار مثل التاجر .
فالإنسان إذا اشتغل بالشيء المحبوب إليه أنساه كلّ شيء ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إني أبيتُ عند ربي يطعمني ويسقيني ، فلست كهيئتكم ) ، وما زعمه بعض أهل العلم من أن المراد بالإطعام والإسقاء، الإطعام من الجنة والإسقاء من الجنة ، فليس بصحيح ، لأنه لو طعم طعاماً حسياً وشرب شراباً حسياً لم يكن مواصلاً ، وإنما المراد بالطعام والسقي ما يشتغلُ به صلى الله عليه وآله وسلم من ذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه .
والحاصل : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يواصل وينهى أمته عن الوصال رحمة بهم ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
10 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم متفق عليه . وعنها رضي الله عنها قالت نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا: إنك تواصل قال: ( إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه )رواه البخاري . وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله في ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جنهم ) رواه مسلم ... " .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي قتادة الحارث بن رِبعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه ) ، رواه البخاري .
وعن جُندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله ، فلا يطلبنكم الله مِن ذمته بشيء ، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جنهم ) ، رواه مسلم " .
11 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه )رواه البخاري . وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله في ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جنهم ) رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه )رواه البخاري ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب الرفق بالمسلمين ، فيما نقله عن أبي قتادة ، الحارث بن رِبعي الأنصاري رضي الله عنه ، عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال : ( إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها ، فأسمع بكاء الصبي -يعني- فأوجز مخافة أن أشق على أمه ) : هذا الحديث من النماذج التي تدل على رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته ، كما وصفه الله به في قوله : (( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )) .
فهو يدخل في صلاة الجماعة يريد أن يطيل فيها ، والمراد الإطالة النسبية ، ليست الإطالة الزائدة عما كان يفعله من قبل ، فإذا سمع بكاء الصبي أوجز وخفف ، مخافة أن يشق على أمه ، لأن أمه إذا سمعت بكاءه فإنه يشق عليها أن تسمع بكاء ابنها ، وربما يشغلها كثيراً عن الصلاة ، فيخفف عليه الصلاة والسلام .
ففي هذا الحديث دليل على فوائد :
أولاً : رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليها .
وثانياً : جواز حضور النساء للمساجد ليصلين مع الجماعة ، وهذا ما لم تخرج المرأة على وجه لا يجوز ، مثل أن تخرج متعطرة أو متبرجة ، فإن ذلك لا يجوز ، لأن النبي صلى الله عليه آله وسلم قال : ( أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء ) .
وثالثاً : جواز إدخال الصبيان للمسجد ، هذا إذا كان صبيها معها ، وإن كان خارج المسجد قريباً منه فليس فيه دلالة ، لكنه يبعد أن المرأة تسمع بكاء صبيها في البيت وهي في المسجد ، فالظاهر أن صبيانهن معهن ، فيكون فيه دليلٌ على جواز إدخال الصبيان للمساجد ، لكن بشرط أن لا يحصل منهم أذية لا على المسجد ولا على المصلين ، فإن كان يُخشى منهم أذية على المسجد كتلويثه بالبول والنجاسة ، فإنهم يمنعون ، أو يُخشى منهم التشويش على الناس بالصراخ والركض واللجبة ، فإنهم يمنعون أيضاً ، أما إذا لم يكن منهم بأس ، فإنه لا بأس أن يؤتى بهم إلى المساجد .
وأما حديث : ( جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ) : فهو ضعيف.
وبه أيضاً مِن فوائد هذا الحديث : أنه يجوز للمصلى أن يسمع ما حوله ، ولا يلزمه أن يسدّ أذنيه ، بل له أن يسمع ، لكن إن كان ما حوله يشوش عليه إذا سمعه فلا يُصلينَّ حوله ، يُبعد ، كما لو كان الإنسان أراد أن يصلي في المسجد وحوله حلقة ذكر أو حلقة قرآن ، ويخشي أن يشوشوا عليه إذا دنا منهم ، فليبعد ، وأما إذ لم يشوشوا فلا بأس أن يسمع ، بخلاف الاستماع فإن المصلي لا يستمع إلا إلى قراءة إمامه .
وعلى هذا فإذا كنت تصلي وجاء القارئ يقرأ حديثاً أو موعظة ، فلا تشد سمعك إليه ، لا تستمع إليه ، لأن هذا غير مشروع ، أما لو سمعته ولكنك ماضٍ في صلاتك لم تهتم به ولم تلتفت إليه فلا بأس.
ومن فوائد هذا الحديث أنه يجوز للمصلي أن يغير نيته من تطويل إلى تخفيف أو بالعكس ، إذا وُجد سبب لذلك ، لأن النبي صلى الله عليه آله وسلم كان يدخل في الصلاة يريد أن يطيلها فيخفف .
فإذا دخل الإنسان في صلاته على أنه يريد أن يطيل ، ثم جاءه شخص وقال له : عند الباب جماعة ضيوف أو ما أشبه ذلك ، فلا بأس أن يخفف ليذهب إلى ضيوفه كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعل هذا .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه لا حرج على الإنسان إذا شق عليه بكاء ابنه أو ما يؤذي ابنه من ألمٍ أو .