تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه )رواه البخاري ... " .
فإذا دخل الإنسان في صلاته على أنه يريد أن يطيل، ثم جاءه شخص وقال له : عند الباب جماعة ضيوف أو ما أشبه ذلك ، فلا بأس أن يخفف ليذهب إلى ضيوفه ، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعل هذا.
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا : أنه لا حرج على الإنسان إذا شقَّ عليه بكاء ابنه أو ما يؤذي ابنه من ألمٍ أو شبهه ، لأن هذا من الأمور الفطرية الطبيعية، فإن كل إنسان يشق عليه أن يسمع بكاء ابنه ، بل إن من الناس من يشق عليه أن يسمع بكاء الصبي مطلقاً حتى ولو لم يكن ابناً له رحمة بالصبيان ، ولا شك أن الرحمة بالصبيان ومراعاتهم واتقاء ما يؤذيهم ، لا أشك أنه من أسباب الرحمة ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما سمعناه من قبل : ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ) ، و ( الراحمون يرحمه الرحمن ) ، و ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) وأشباه هذه الأحاديث ، فكون الإنسان يتألم من بكاء الصبيان رحمة بهم ، لا شك أن هذا من الخلق المحمود ، لأنه رحمة بهؤلاء الصغار الذين هم أهل للرحمة ، والله الموفق.
القارئ : " عن جندب ابن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله ، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء ، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يُدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم ) ، رواه مسلم " .
1 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه )رواه البخاري ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة متفق عليه . " .
2 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة متفق عليه . " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جنهم ) رواه مسلم ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من صلى الفجر فهو في ذمة الله ) :الفجر هي الصلاة الأولى عند بعض العلماء ، وعند بعض العلماء : أن الصلاة الأولى هي صلاة الظهر ، ولكن الأصح أن الصلاة الأولى صلاة الفجر ، فهي الأولى ، والثانية : الظهر ، والثالثة : العصر ، وهي الوسطى، والرابعة : المغرب ، والخامسة : العشاء .
وصلاة الفجر تأتي وكثيرٌ من الناس نيام ، ولهذا يتكاسل عنها المنافقون ، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أثقل الصلاة على المنافقين : صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ) ، وهي وصلاة العصر أفضل الصلوات الخمس ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من صلى البردين دخل الجنة ) ، البردين يعني : الفجر والعصر، لأن الفجر براد الليل، والعصر براد النهار .
وقوله : ( من صلى الفجر ) : ظاهره سواء في جماعة أو غير جماعة .
وقوله : ( فهو في ذمة الله ) أي : في عهده ، يعني أنه دخل في عهد الله فكأنه معاهَد لله عزّ وجلّ أن لا يصيبه أحد بسوء ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( فلا يطلبنكم الله في ذمته بشيء ) يعني : لا تتعدوا على من صلى الفجر ، لأنه في ذمة الله وفي عهده ، فإياكم أن يطلبكم الله تعالى من ذمته بشيء ، فإن من يطلبه الله يدركه ، ثم يُكبه على وجهه في النار .
ففي هذا دليلٌ على أنه يجب احترام المسلمين الذين صدّقوا إسلامهم بصلاة الفجر ، لأن صلاة الفجر لا يصليها إلا مؤمن ، المنافقون لا يشهدون الجماعة، ولا يصلون الفجر أبداً ، لأنهم إنما يصلون مراءاة للناس ، فإذا لم يكن الناس ينتبهون لهم ، فإنهم لا يصلون .
والفجر في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست كالفجر في يومنا ، أي أن الليل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلاً حالكاً لا يُرى الناس فيه ، فيأتي الإنسان ويذهب وهو لا يُعرف ، لكن عندنا الآن ليلنا ولله الحمد كنهارنا بما أنعم الله علينا به من هذه الإضاءة بالكهرباء ، لكنها في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لظلمتها ومشقتها ، كان المنافقون لا يصلون . والمهم أن في هذا الحديث وجوب احترام المسلمين الذين برهنوا على إسلامهم بصلاة الفجر، وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم ، ويأتي إن شاء الله الكلام على الحديث الذي بعده .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يُسلمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كُرَب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) ، متفق عليه " .
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جنهم ) رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) متفق عليه ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم ) : المسلم أخو المسلم يعني في الدين ، كما قال الله تبارك وتعالى: (( فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً )) ، وقال الله تعالى : (( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ )) ، وهذه الأخوة هي أوثق الأخوات ، أوثق من أخوة النسب ، فإن أخوة النسب قد تتخلف أو قد يتخلف مقتضاها ، ويكون أخوك من النسب عدواً لك كارهاً لك ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، قال الله تعالى : (( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )) .
أما أخوة الدين فإنها أخوة ثابتة راسخة في الدنيا وفي الآخرة ، تنفع الإنسان في حياته وفي مماته ، لكن هذه الأخوة لا يترتب عليها ما يترتب على أخوة النسب من التوارث ووجوب النفقة وما أشبه ذلك .
ثم قال : ( لا يظلمه ولا يُسلمه ) لا يظلمه لا في ماله ، ولا في بدنه ، ولا في عرضه، ولا في أهله، يعني لا يظلمه بأي نوع من الظلم .
( ولا يسلمه ) يعني : لا يسلمه لمن يظلمه ، فهو يدافع عنه ويحميه من شرهم ، فهو جامع بين أمرين :
الأمر الأول : أنه لا يظلمه.
والأمر الثاني : أنه لا يسلمه لمن يظلمه بل يدافع عنه.
ولهذا قال العلماء رحمهم الله : " يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله " ، في عرضه: يعني إذا سمع أحداً يسبه ويغتابه، يجب عليه أن يدافع عنه ، وكذلك أيضاً في بدنه : لو أراد أحد أن يعتدي على أخيك المسلم وأنت قادر على دفعه وجب عليك ، وكذلك في ماله : لو أراد أحد أن يأخذ ماله ، فإنه يجب عليك أن تدافع عنه ، ( ولا يسلمه ) .
ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه ) يعني : أنك إذا كنت في حاجة أخيك تقضيها وتساعده عليها ، فإن الله تعالى يساعدك في حاجتك ، ويعينك عليها جزاءً وفاقاً .
ويُفهم منه أن الإنسان إذا ظلم أخاه فإن أخوته ناقصة ، وإذا أسلمه إلى من يظلمه فإن أخوته ناقصة ، وإذا لم يكن في حاجته ، فإنه يفوته هذا الخير العظيم ، وهو أن الله إذا كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .
ثم قال: ( ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ) ، الكُرب : ما يضيق على الإنسان ويشق عليه ، ويجد في نفسه هماً وغماً ، فإذا فرجت عن أخيك هذه الكربة، فرج الله عنك كربةً من كرب يوم القيامة.
وتفريج الكربات إن كانت كربة مالية، فبإعطائه المال الذي تزول به الكربة ، إن كانت كربة معنوية فبالحرص على رد معنويته ورد اعتباره حتى تزول عنه الكربة .
إذا كانت الكربة كربة هم وغم ، فبأن توسع عليه وتنفس له ، وتبين له أن الأمور لا تدوم ، وأن دوام الحال من المحال ، وتبين له ما في هذا من الأجر والثواب العظيم ، حتى تهون عليه الكربة .
( ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ) : من ستر يعني : غطى عيبه ولم يبينه ، فإن الله يستره في الدنيا والآخرة ، وهذا ليس على إطلاقه ، بل فهناك نصوص تدل على أنه غير مطلق ، فالستر قد يكون مأموراً به محموداً ، وقد يكون حراماً ، فإذا رأينا شخصاً على معصية ، وهو رجلٌ شرير منهمك في المعاصي ، لا يزيده الستر إلا طغياناً ، فإننا لا نستره ، بل نبلغ عنه حتى يُردع ردعاً يحصل به المقصود .
أما إذا كان رجلاً لم يبدر مه بوادر سيئة ، ولكن حصلت منه هفوة ، فإن مِن المستحب أن تستره ولا تبينه لأحد ، لا للجهات المسؤولة ولا لغيرها ، فإذا سترته ستر الله عليك في الدنيا والآخرة .
ومن ذلك أيضاً أن تستر عنه العيب الخِلقي ، إذا كان فيه عيب في خِلقته كجروح مؤثرة في جلده ، أو برص أو بهق أو ما أشبه ذلك ، وهو يتستر ولا يُحب أن يطلع عليه الناس فإنك تستره ، إذا سترته سترك الله عليك في الدنيا والآخرة .
وكذلك إذا كان سيّئ الخلق لكنه يتظاهر للناس بأنه حسن الخُلق وواسع الصدر ، وأنت تعرف منه خلافَ ذلك ، فاستره ، فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، فالستر كما قلت بالنسبة للأعمال التي يقوم بها الإنسان الأعمال السيئة ينقسم إلى قسمين:
قسم يكون من شخص منهمك في المعاصي مستهتر ، فهذا لا يُستر عليه .
وقسم آخر حصلت منه هفوة ، فهذا هو الذي يُستر عليه ، أما الأمور الأخرى فالستر فيها أكمل وأفضل ، والله المستعان.
4 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ... " .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم ، لا يخونه ولا يَكذبه ولا يخذله ، كل المسلم على المسلم حرام عِرضه وماله ودمه ، التقوى هاهنا ، بحسب امرِئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) ، رواه الترمذي وقال: حديث حسن " .
5 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم ) وقد تقدم الكلام على هذه الجملة ، وأن هذه الأخوة أخوة الإيمان ، وأنها أقوى رابطة وأوثق من أخوة النسب ، وبينا وجه ذلك فيما سبق .
وبيَّن هنا في هذا الحديث أنه ( لا يظلمه ولا يخونه ولا يكذبه ) ، لا يخونه : يعني لا يغدره لا يغدر به في محل الائتمان ، إذا ائتمنه على شيء ، على مال، أو على سر، أو على غير ذلك فإنه لا يخونه ، والخيانة : " هي الغدر بالشخص في موضع الائتمان " ، ولا يجوز لأحد أن يخون أخاه المسلم حتى وإن خانه ، يعني وإن خانك أخوك المسلم فلا تخنه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) ، فلو فرضنا أن شخصاً خانك في مال، بان أقرضته مالاً يعني سلفته ، ثم أنكر بعد ذلك وقال : لم تقرضني شيئاً ، فإنه لا يحل لك أن تخونه فتستقرض منه ثم تنكره ، بل أدِّ إليه أمانته ، وسل الله الحق الذي لك ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تخن من خانك ).
كذلك أيضاً ( لا يكذبه ) : أي لا يحدثه بكذب، والكذب حرام، وكلما كانت آثاره أسوأ كان أشد إثماً ، وليس في الكذب شيء حلالاً، وأما ما ادعاه بعض العامة حيث يقولون: إن الكذب نوعان : أسود وأبيض ، فالحرام هو الأسود، والحلال هو الأبيض، فجوابه: أن الكذب كله أسود ، ليس فيه شيء أبيض ، لكن يتضاعف إثمه بحسب ما يترتب عليه ، فإذا كان يترتب عليه أكل مال المسلم ، أو ضرر على مسلم، صار أشد إثماً، وإذا لم يكن يترتب عليه شيء مِن الأضرار، فإنه أخف لكنه حرام.
لكن ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( إن الكذب يجوز في الإصلاح بين الناس ، وفي الحرب ، وفي حديث الرجل امرأته وحديثها إياه ) ، ولكن كثيراً من العلماء قال : إن المراد بالكذب في هذا الحديث ليس الكذبَ الصريح ، وإنما هو التورية ، والتورية تسمى كذباً كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين يأتي الناس إليه يوم القيامة ليشفع لهم : إنه كذب ثلاث كذبات ، وهو لم يكذب لكنه ورّى تورية ، يعني أظهر للمخاطب شيئاً غير ما يريده هو.
فبعض العملاء يقول : إن هذا الحديث الذي فيه أن الكذب يجوز في هذه الأشياء الثلاثة يراد به كذب التورية ، لا الكذب الصريح، وعلى هذا فلا يستثنى من الكذب شيء، كل الكذب حرام ، ثم اعلم أن الكذب يَحار فيه الإنسان ، ويعجز عنه معالجته ، كما قيل:
" لي حيلةٌ في مَن ينمُّ *** وليس في الكذَّاب حِيلة
مَن كان يَخلق ما يقولُ *** فحيلتي فيه قليلة "
الذي ينمُّ يعني : الذي يلقي النميمة بين الناس، لي فيه حيلة : يمكن أحتال وأتخلص منه ، لكن الذي يكذب يقول : فعلت وفعلت وهو كاذب ما فيه حيلة ، إذا كان يخلق ما يقول ما شاء قاله ، فهذا مشكل ليس لي فيه حيلة :
" من كان يخلق ما يقول *** فحيلتي فيه قليلة "
ولهذا قال العامة كلمة لها روح يقولون : " ياما غدا على الكذاب من صدق " يعني أن الكذاب لو صدق لم يثق الناس به ، بل يردون قوله ، فكم من صدق غدا عليه وضاع عليه بسبب أنه كذاب ، ولهذا قال هنا : ( ولا يكذبه ) ، وفي لفظ : ( ولا يحقره ) : يعني لا يحتقره ويستصغره ، حتى وإن كان أكبر منه سناً، وإن كان أكثر منه مالاً، وإن كان أغزر منه عالماً فلا يحقره، أخوك المسلم كيف تحتقره ؟!
واحتقار الناس مِن الكبر والعياذ بالله ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( الكِبْر بطَرُ الحق ، وغمْط الناس ) بطر الحق : يعني ردّه ، وغمط الناس يعني : احتقارهم وازدراءهم ، فالمسلم يرى أخاه بعين الإكبار ، ويحترمه ويعظمه ، هكذا المسلم ، والعامة يقولون : " احترم الناس يحترموك واحتقر الناس يحتقروك " : يعني من رأى الناس بعين الاحتقار رأوه بعين الاحتقار ، ومن رآهم بعين الإكبار والإجلال ، رأوه بعين الإكبار والإجلال ، وهذا شيء مشاهد .
ولهذا تجد الرجل المتواضع اللين الهين تجده محترماً عند الناس كلهم ، لا أحد يكرهه، ولا أحد يسبه ، والإنسان الشامخ بأنفه المستكبر المحتقر لغيره ، تجده مكروهاً مذموماً عند الناس ، ولولا حاجة الناس إليه إذا كان يحتاج الناس إليه ما كلمه أحد لأنهم يحتقرونه.
ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( التقوى ها هنا ) ، وأشار إلى صدره ثلاث مرات، ويأتي إن شاء الله الكلام عليه.
6 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ... " . أستمع حفظ
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ... " .
وقد مثل بعض العلماء ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه القلب بالملك المطاع مع جنوده ، فالملك المطاع مع جنوده إذا أمر جنوده بشيء أطاعوه ، ولكن بعض العلماء قال : إن هذا المثال أنقص من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا صلَحت صلح الجسد كله ) ، وذلك لأن الملك مع جنوده وإن كان مطاعاً فإنهم لا يصلحون بصلاحه ، لكن القلب إذا صلَح صلح الجسد ، وإذا اتقى اتقى الجسد.
واعلم أن من الناس من يجادل بالباطل بهذا الحديث، إذا أمرته بأمر معروف، أو نهيته عن منكر، قال، التقوى هاهنا ، تقول له: لا تحلق لحيتك ، حلق اللحية حرام، حلق اللحية من هدي المجوس والمشركين، إعفاء اللحية مِن هدي النبيين والمرسلين وأولياء الله الصالحين ، إذا قلت له هذا قال: التقوى هاهنا. التقوى ها هنا. نقول له : كذبت، ليس في قلبك تقوى، لو كان في قلبك تقوى لاتقيت الله ، لأن القلب إذا اتقى اتقت الجوارح، وإذا انهمك في معصية الله انهمكت الجوارح.
وفي قوله : ( التقوى ها هنا ، وإشارته على صدره ) : دليلٌ على أن العقل في القلب الذي في الصدر، وهذا هو المطابق للقرآن تماماً، قال الله تعالى: (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )) ، فقال : (( قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا )) ثم قال : (( وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )) .
وليس القلب المخ كما يظنه بعض الجهال، فالعقل في القلب ، ولكن المخ لا شك أن له أثراً في أعمال العبد، في حركاته، وفي سكناته، لكنهم قالوا: إن المخ مثل الخادم، يهيئ الأشياء ويطبخها، ثم يبعث بها إلى القلب، ثم يُصدر القلب الأوامر على المخ من أجل أن المخ يدبر الأعصاب وبقية الجسم، فيكون هذا المخ خادماً للقلب عند تصدير الأشياء إليه واستصدارها منه ، فالأشياء تمر مِن القلب ذاهبة وآتية إلى المخ ، والمخ هو الذي يحرك البدن ، ولذلك إذا اختل المخ اختل كل شيء .
قال : ( بحسب امرئ مِن الشر أن يحقر أخاه المسلم ) : يعني لو لم يكن من الشر للمسلم إلا أن يحقر أخاه ويستصغره ويستذله ، لكان كافياً في الإثم والعياذ بالله ، وفي هذا التحذير العظيم من احتقار أخيك المسلم، وأن الواجب عليك أن تحترمه وتعظمه بما فيه من الإسلام والإيمان.
ثم قال : ( كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه ) ، ( كل المسلم على المسلم حرام، دمه ) : فلا يعتدي على نفسه بقتل أو جرح أو غير ذلك ( وماله ) : فلا يأخذ ماله، لا غصباً، ولا سرقة، ولا خيانة، ولا دعوى ما ليس له، ولا غير ذلك بأي طريق تأخذ مال أخيك بغير حق فإنه حرامٌ عليك.
( وعرضه ) : أن لا تنتهك عرضه، وتتكلم فيه بين الناس، سواء كنت صادقاً فيما تقول أم كاذباً، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لما سئل عن الغيبة فقال: هي ذكرك أخاك بما يكره ، قالوا: يا رسول الله، أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) ، فالواجب على المسلم أن يحترم أخاه في ماله وعرضه ودمه : ( كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه ) ، والله أعلم.
7 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم ... " .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ، التقوى هاهنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ، رواه مسلم " .
8 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ولا تحاسدوا ... ) . رواه مسلم ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تحاسدوا ) : أي لا يحسد بعضكم بعضاً. والحسد : " أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره " ، هذا هو الحسد، أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره، مثاله : أن تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بالمال، أو بالبنين، أو بالزوجة، أو بالعلم أو بالعبادة، أو بغير ذلك من النعم ، سواء تمنيت أن تزول عنه أم لم تتمن.
وإن كان بعض العلماء يقول : إن الحسد أن يتمنى زوال نعمة الله على غيره ، لكن هذا أخبث وأشده، وإلا فمجرد كراهة الإنسان أن ينعم الله على الشخص فهو حسد، والحسد، من خصال اليهود، فمن حسد فهو متشبه بهم والعياذ بالله، قال الله تعالى : (( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ )) ، وقال تعالى فيهم : (( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً )) ، ولا فرق بين أن تكره ما أنعم الله به على غيرك ليعود هذا الشيء إليك ، أو ليرتفع عن أخيك وإن لم يعد إليك.
واعلم أن في الحسد مفاسد كثيرة :
منها : أنه تشبه باليهود ، أخبث عباد الله ، وأخس عباد الله ، الذين جعل الله منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.
ومنها : أن فيه دليلاً على خبث نفس الحاسد، وأنه لا يحب لإخوانه ما يحب لنفسه ، لأن من أحب لإخوانه ما يحب لنفسه ، لم يحسد الناس على شيء ، بل يفرح إذا أنعم الله على غيره بنعمة ويقول : اللهم آتني مثلها ، كما قال الله تعالى : (( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ )) .
ومنها : أن فيها إعتراضاً على قدر الله عزّ وجلّ وقضائه ، فإنه من الذي أنعم على هذا الرجل ؟ الله عزّ وجلّ ، فإذا كرهت ذلك فقد كرهت قضاء الله وقدره ، ومعلوم أن الإنسان إذا كره قضاء الله وقدره فإنه على خطر في دينه - نسأل الله العافية - ، لأنه يريد أن يزاحم ربّ الأرباب جلّ وعلا في تدبيره وتقديره .
ومنها ، من مفاسد الحسد : أن الإنسان كلما أنعم الله على عباده نعمة، التهبت نار الحسد في قلبه ، فصار دائماً في حسرة ودائماً في غم ، لأن نعم الله على العباد لا تحصى ، وهو رجلٌ خبيث كلما أنعم الله على عبده نعمة غلا ذلك الحسد في قلبه حتى يحرقه .
ومنها ، أي من مفاسد الحسد : أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب : ( إياكم والحسد، فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ) .
ومن مفاسده : أنه يعرقل الإنسان عن السعي في الأشياء النافعة ، لأنه دائماً يفكر وفي غم ، كيف هذا جاءه مال ، كيف هذا جاءه علم؟ كيف هذا جاءه ولد؟ كيف هذا جاءه زوجة وما أشبه ذلك ، فتجده دائماً منحسراً منطوياً على نفسه، ليس له هم إلا تتبع نعم الله على العبد واغتمامه بها، نسأل الله العافية.
ومن مفاسد الحسد : أنه ينبئ عن نفس شريرة ضيقة، لا تحب الخير وإنما هي نفس أنانية تريد أن يكون كل شيء لها .
ومن مفاسد الحسد أيضاً : أنه لا يمكن أن يغير شيء مما قضاه الله عزّ وجلّ أبدأً، مهما عملت، ومهما كرهت، ومهما سعيت لإخوانك في إزالة نعم الله عليهم، فإنك لا تستطيع شيئاً.
ومن مفاسده : أنه ربما يترقى بالإنسان إلى أن يصل إلى درجة العائن ، العائن الذي نسميه : " النّحوت " ، يعين الناس ، لأن العائن أصله أن نفسه شريرة حاسدة حاقدة، فإذا رأى ما يعجبه انطلق من هذه النفس الخبيثة مثل السهم حتى يصيب بالعين ، فالإنسان إذا حسد وصار فيه نوع من الحسد، فإنه يترقى به الأمر حتى يكون من أهل العيون الذين يؤذون الناس بأعينهم، ولا شك أن العائن عليه من الوبال والنقمة بقدر ما ضرّ العباد ، إن ضرهم بأموالهم فعليه من ذلك إثم ، أو بأبدانهم أو بمجتمعهم ، ولهذا ذهب كثيرٌ من أهل العلم إلى تضمين العائن كل ما أتلف ، يعني إذا نحت أحد وتلف شيئ من ماله أو أولاده أو غيرهم، فإنه يضمن.
كما أنهم قالوا أيضاً : إن من اشتهر بذلك، فإنه يجب أن يُحبس إلا أن يتوب، أن يحبس اتقاء شره، لأنه يؤذى الناس ويضرهم فيحبس كفاً لشره .
ومن مفاسد الحسد: انه يؤدي إلى تفرق المسلمين ، لأن الحاسد مكروه عند الناس، مبغَض، والإنسان الطيب القلب الذي يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، تجده محبوباً ، كلٌ يحبه، ولهذا دائماً يقول : فلان والله رجل طيب ما في قلبه حسد، وفلان رجلٌ خبيثٌ حسود وحقود وما أشبه ذلك.
فهذه عشر مفاسد كلها في الحسد، وبهذا نعرف حكمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: ( لا تحاسدوا ) أي : لا يحسد بعضكم بعضاً.
فإن قال قائل : ربما يجد الإنسان في نفسه أنه يحب أن يتقدم على غيره في الخير ، فهل هذا من الحسد ؟ فالجواب : لا ، ليس هذا من الحسد ، بل هذا من التنافس في الخيرات ، قال الله تعالى: (( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ )) ، وقال : (( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )) ، فإذا أحب الإنسان أن يتقدم غيره في الخير ، فهذا ليس من الحسد في شيء ، الحسد أن يكره الخير للغير ، أن يكره الخير للغير هذا هو الحسد.
واعلم أن للحسد علامات :
منها أن الحاسد يحب دائماً أن يخفي فضائل غيره، فإذا كان إنسان ذو مال ينفق ماله في الخير من صدقات وبناء مساجد ، وإصلاح طرق ، وشراء كتب يوقفها على طلبة العلم وغير ذلك ، فتجد هذا الرجل إذا تحدث الناس على هذا المحسن يكتم ، ويسكت ، وكأنه لم يسمع شيئاً، هذا لا شك إن عنده حسداً ، لأن الذي يحب الخير يحب نشر الخير للغير ، فإذا رأيت الرجل إذا تكلم في فاعل الخير تكلم بإنصاف وأثنى عليه وقال : هذا فيه خيرٌ ، فهذا يدل على طيب قلبه وسلامته من الحسد. نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الحسد، ومن منكرات الأخلاق والأعمال.
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ، التقوى هاهنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسْبِ امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ) ، رواه مسلم " .
9 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ولا تحاسدوا ... ) . رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ... ) رواه مسلم ... " .
سبق الكلام على الجملة الأولى من هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تحاسدوا ) ، وبينا معنى الحسد ، وحكم الحسد ، وأنه حرام ، بل هو من كبائر الذنوب ، وبينا مفاسده وهي عشر مفاسد .
أما قوله : ( ولا تناجشوا ) أي : لا ينجش بعضكم على بعض ، والنجش : " هو أن يزيد في السلعة على أخيه وهو لا يريد شراءها " ، يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ، وإنما يريد أن يضرّ المشتري ، أو ينفع البائع ، أو الأمرين جميعاً، يريد إضرار المشتري ونفع البائع ، مثال ذلك : عرضت سلعة في السوق فصار الناس يتزايدون فيها ، فقام رجل فجعل يزيد فيها وهو لا يريد الشراء ، تسام بمائة ، فقال : بمائة وعشرة وهو لا يريد أن يشترها ، لكن يريد أن يزيد الثمن على المشتري ، أو يريد أن ينفع البائع فيزيد الثمن له أو الأمرين جميعاً ، فهذا حرامٌ ، ولا يجوز لما فيه من العدوان.
أما إذا زاد الإنسان في الثمن عن رغبة في السلعة ، ولكن لما ارتفعت قيمتها تركها فهذا لا بأس به ، فإن كثيرا من الناس يزيد في السلعة لأنه يرى أنها رخيصة ، فإذا زادت قيمتها تركها ، فهذا ليس عليه بأس .
كما أن من الناس من يزيد في السلعة يريدها هي ، ويزيد حتى تخرج عن قيمتها كثيراً .
فالناس زيادتهم في السلعة على ثلاث أقسام :
القسم الأول : نجش ، وهو حرام.
الثاني : أن يزيد فيها لأنه يرى أنها رخيصة ، وأنها ستكسبه ، وليس له قصد بعين السلعة لا يريدها ، لكن رأى أنها رخيصة وأنها ستكسبه فجعل يزيد ، فلما ارتفعت قيمتها تركها ، هذا أيضاً لا بأس به .
الثالث : أن يكون له غرض في السلعة، يريد أن يشتري مثلاً هذه السلعة، فيزيد حتى يطيب خاطره، هذا أيضاً لا بأس به.
والثالث : ( ولا تباغضوا ) أي : لا يبغض بعضكم بعضاً ، وهذا بالنسبة للمؤمنين بعضهم مع بعض ، فلا يجوز للإنسان أن يُبغض أخاه أي : يكرهه في قلبه ، لأنه أخوه ، ولكن لو كان هذا الأخ من العصاة الفسقة ، فإنه لا يجوز لك أن تبغضه من أجل فسقه ، أن تبغضه بغضاً مطلقاً ، لكن أبغضه على ما فيه من معصية ، وأحبَّه على ما فيه من الإيمان.
ومن المعلوم أننا لو وجدنا رجلاً مسلماً يشرب الخمر، ويشرب الدخان، ويجر ثوبه خيلاء، فإننا لا نبغضه كما نبغض الكافر، فمن أبغضه كما يبغض الكافر فقد انقلب على وجهه، كيف تسوي بين مؤمن عاصٍ فاسق، وبين كافر؟ هذا خطأ عظيم .
ربما بعض الناس يكره المؤمن الذي عنده هذا الفسق أكثر مما يكره الكافر، وهذا والعياذ بالله من انقلاب الفطرة ، المؤمن مهما كان خيرٌ من الكافر .