تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم ... " .
ومن المعلوم أننا لو وجدنا رجلاً مسلماً يشرب الخمر، ويشرب الدخان، ويجر ثوبه خيلاء، فإننا لا نبغضه كما نبغض الكافر، فمن أبغضه كما يبغض الكافر فقد انقلب على وجهه، كيف تسوي بين مؤمن عاصٍ فاسق، وبين كافر؟ هذا خطأ عظيم .
ربما بعض الناس يكره المؤمن الذي عنده هذا الفسق أكثر مما يكره الكافر، وهذا والعياذ بالله من انقلاب الفطرة ، المؤمن مهما كان خيرٌ من الكافر .
فأنت أبغضه على ما فيه من المعصية ، وأحبه على ما معه من الإيمان ، فإن قلت : كيف يجتمع حب وكراهة في شيء واحد ؟
فالجواب : نعم ، يمكن يجتمع حب وكراهة في شي واحد، أرأيت لو أن الطبيب وصف لك دواءاً مُراً منتن الرائحة ، ولكن قال : أشربه وتشفى بإذن الله، فهل أنت تحب هذا الدواء على سبيل الإطلاق ؟ لا ، لأنه مر وخبيث الرائحة ، لكن تحبه من جهة أنه سبب للشفاء، وتكرهه لما فيه من الرائحة الخبيثة والطعم المر .
هكذا المؤمن العاصي، أحبَّه على ما معه من الإيمان ، واكرهه على ما معه من المعاصي ، ولا تكرهه مرة ، ثم إن كراهتك إياه لا توجب أن تعرض عن نصيحته ، انصحه ، قد تقول : أنا لا أتحمل أن أواجه هذا الرجل أكره منظره، اغصب نفسك ، واتصل به وانصحهُ ، ولعل الله أن ينفعه على يدك ، ولا تيأس ، كم من إنسان استبعد الإنسان أن يهديه الله فهداه الله عزّ وجلّ ،
والأمثال على هذا كثيرة في وقتنا الحاضر وفيما سبق ، في وقتنا الحاضر يوجد أُناسٌ فسقة يسر الله لهم مَن يدعوهم إلى الحق فاهتدوا ، وصاروا أحسن من الذي دعاهم .
وفيما سبق من الزمان أمثلة كثيرة، فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه ، كان سيفاً مسلولاً على المسلمين، ومواقفه في أُحد مشهورة حيث كرّ هو وفرسان من قريش على المسلمين من عند الجبل ، وحصل ما حصل ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أكرهَ الناس لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من أكره الناس ، فهداه الله وكان من أولياء الله ، كان الثاني في هذه الأمة ، الثاني في هذه الأمة .
فلا تيأس ، لا تقل : والله هذا الرجل أنا لا أطيقه منظراً لا مسمعاً، ولا يمكن أذهب إليه، اذهب ولا تيأس، فالقلوب بيد الله عزّ وجلّ، نسأل الله أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم .
فإن قال قائل : البغضاء : " انفعال في النفس " ، والأشياء الانفعالية قد لا يطيقها الإنسان ، كالحب مثلاً، الحب ما يملك الإنسان أن يحب شخصاً أو أن يقلل من محبته، أو أن يزيد في محبته إلا بأسباب ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقسم بين زوجاته : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك ) يعني من المحبة، ومن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجب عائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها من زوجاته، لكن هذا بغير اختيار.
أقول إذا قال قائل : البغضاء انفعال لا يمكن للإنسان أن يسيطر عليه ! فالجواب : أن الانفعال يحصل بفعل ، أنت مثلاً لا تحب شخصاً إلا لأسباب : إيمانه، نفعه الخلق، حسن خلقه، خدمته لك، أشياء كثيرة، اذكر هذه الأسباب فتحبَّه، ولا تكره شخصاً إلا لسبب، اذكر الأسباب التي توجب الكراهة فتكرهه، لكن مع ذلك ينبغي للإنسان أن يعرض عن الأسباب التي توجب البغضاء مع أخيه ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا تباغضوا ) .
لكنى أقول : إن البغضاء لها أسباب، والمحبة لها أسباب، فإذا أعرضت عن أسباب البغضاء وتناسيتها وغفلت عنها زالت بإذن الله، هذا هو الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : ( لا تباغضوا ) ، وهو نظير قوله للرجل الذي قال: ( يا رسول الله أوصني ، قال: لا تغضب ، قال: أوصني، قال : لا تغضب ، قال : اوصني ، قال : لا تغضب ، ردد مراراً قال: لا تغضب ).
الغضب قد يقول الإنسان : إنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم، كما جاء في الحديث، فلا سبيل له إلى إخمادها، ونقول: بل له سبيل، افعل الأسباب التي تخفف الغضب حتى يزول عنك الغضب.
قال : ( ولا تدابروا ) : لا تدابروا هل المراد لا يولي بعضكم دبر بعض ، وهذا تدابر حسي ، يمعني مثلاً في المجالس لا تجلس وتخلي الناس وراءك ، هذا من المدابرة ، ومن المدابرة أيضاً المقاطعة في الكلام ، يتكلم أخوك معك وأنت قد صددت عنه ، أو إذا تكلم وليت وخليته، هذا من التدابر ، وهذا تدابر حسي.
وهناك تدابر معنوي، وهو اختلاف الرأي، بحيث يكون كل واحد منا له رأي مخالف للآخر، هذا تدابر في الرأي ، أيضاً نهي عنه الرسول علي الصلاة والسلام.
وعندي أن من التدابر ما يفعله بعض الإخوة إذا سلم من الصلاة تقدم على الصف مقدار شبر أو نحوه، هذا فيه نوع من التدابر، ولهذا شكا إليَّ بعض الناس هذه الحال، قال بعض الناس إذ سلمنا تقدم شوي ثم يحول بيني وبين الإمام، لا سيما إذا صار فيه درس يحول بينى وبين مشاهدة الإمام، ومعلوم أن الإنسان إذا كان يرى المدرس كان أنبه له وأقرب للفهم والإدراك ، فبعض الناس يكره هذا الشيء، هذا أيضاً ينبغي للإنسان أن يكون ذا بصيرة وفطنة ، كيف تتقدم على إخوانك وتلقيهم وراءك ، إذا كان بودك تتوسع فقم ، تقدم إذا كنت في الصف الأول تقدم بعيداً واجلس ، وإن كنت في الصف الثاني تأخر، أما أن تتقدم على الناس وتلقيهم ظهرك ، فهذا فيه نوع من سوء الأدب ، وفيه نوع من التدابر.
فينبغي في هذه المسألة وفي غيرها أن يتفطن الإنسان لغيره ، أن لا يكون أنانياً يفعل بس ما طرأ على باله فعله، لا شوف الناس، أنظر للناس هل تفعل ما ينتقد عليك أم لا ، والله الموفق.
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ، رواه مسلم " .
1 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم ... " .
سبق الكلام على عدة جمل من هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ) ، أما الجملة الخامسة فهي قوله : ( ولا يبع بعضكم على بيع بعض ) : لا يبع بعضكم على بيع بعض ، لأن هذا يؤدي إلى الكراهية والعداوة والبغضاء.
ومثاله ، بيع الإنسان على بيع أخيه : أن يذهب لمن اشترى سلعة من شخص بمائة ، فيقول : أنا أعطيك مثلها بثمانين ، يذهب لشخص اشترى سلعة بمئة ، فيقول : أنا أعطيك مثلها بثمانين ، أو أعطيك أحسن منها بمائة فيرجع المشتري ويفسخ العقد الأول ويعقد مع الثاني ، ففي هذا عدوان ظاهر على حق البائع الأول ، وهذا العدوان يوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين.
ومثل ذلك الشراء على شرائه ، الشراء على شرائه : مثل أن يذهب إلي شخص باع سلعة بمائة فيقول له : أنا أشتريها منك بمائة وعشرين، فيذهب البائع ويفسخ العقد ويبيع على الثاني، فهذا أيضاً حرامٌ، لأنه بمعنى البيع على البيع.
ولكن هل هذا خاص في زمن الخيار أو عام ؟
الحديث عام ، أنه لا يحل لك أن تبيع على بيع أخيك سواء في زمن الخيار أو لا، وقال بعض العلماء: " إنه محمول على ما إذا كان ذلك في زمن الخيار، لأنه إذا انتهى زمن الخيار فإنه لا يستطيع أن يفسخ العقد " ، مثال ذلك : رجل باع على شخص سيارة بعشرة آلاف ريال ، وجعل له الخيار ثلاثة أيام ، فذهب شخص إلى المشتري وقال : أنا أعطيك أحسن منها بعشرة آلاف ريال، يسهل على المشترى أن يذهب للبائع ويقول : فسخت العقد، أو يذهب شخص إلى البائع يقول : سمعت أنك بعت سيارتك على فلان بعشرة الآف ريال، أنا أعطيك أحد عشر ألف، فيفسخ البيع ويبيعها للثاني.
أما إذا كان بعد انتهاء المدة فقال بعض العلماء : إنه لا بأس، يعني بعد أن باعه وجعل له الخيار ثلاثة أيام وانتهت الأيام الثلاثة، فلا بأس أن يذهب إلى الشخص الذي اشتراها ويقول : أنا أعطيك مثلها بأقل، أو أحسن منها بالثمن الذي اشتريت به ، وعللوا ذلك بأنه لا يمكنه حينئذٍ أن يفسخ البيع لانتهاء زمن الخيار.
ولكن ظاهر الحديث العموم، لأنه وإن كان لا يمكنه أن يفسخ البيع لانتهاء زمن الخيار فإنه قد يحاول أن يوجد مُفسِداً للعقد، أو على الأقل يندم على شرائه، ويعتقد أن البائع غبنه وأنه لعب عليه، فيحدث له بذلك العداوة والبغضاء وهذا مع قرب المدة، نعم صحيح ، أما إذا طالت المدة فلا بأس به ، لأنه إذا طالت المدة فإنه من المعتذر أو المتعسر كثيراً أن يفسخ العقد .
والحاصل أن لدينا ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يكون البيع أو الشراء على أخيه في زمن الخيار فلا شك في أنه حرام.
والثانية : أن يكون بعد انتهاء زمن الخيار بمدة قريبة، ففيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه حرام.
والحال الثالثة : أن يكون بعد زمن بعيد، كشهر وشهرين وأكثر فهذا لا بأس به، ولا حرج فيه ، لأن الناس يتبادلون السلع فيما بينهم على هذا الوجه، وعلى وجوه أخرى.
ومثل ذلك الإجارة على إجاره ، الإجارة على إجارته ، مثل أن يذهب شخص إلى آخر استأجر بيتاً من إنسان السنة بألف ريال ، وقال له : أنا عندي لك بيت أحسن منه بثمان مئة ريال ، هذا حرام ، لأنه عدوان كالبيع على بيعه.
ومثل ذلك أيضاً : السوم على سومه، وقد جاء صريحاً فيما رواه مسلم، يسوم على سومه يعني : إذا سام شخص سلعة من آخر، وركن إليه صاحب السلعة، ولم يبق إلا العقد، مثل أن يقول : بعها علي بألف فيركن إليه البائع، ولكن لم يتم العقد ، يعني يجزم على أنه يبي يبيع عليه، فيأتي إنسان آخر ويقول: أنا أعطيك بها ألفاً ومائة ، فإن هذا لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يسم على سوم أخيه ) .
ومثل ذلك أيضا في النكاح ، إذا خطب شخص من آخر فلا يحل لأحد أن يخطب على خطبته ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( ولا يخطب على خطبة أخيه ) .
وكل هذا احتراماً لحقوق المسلمين بعضِهم على بعض ، فلا يحل للإنسان أن يعتدي على حق إخوانه لا ببيع ولا شراء ولا إجارة ولا سوم ولا نكاح ولا غير ذلك من الحقوق ، والله الموفق .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كلُّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ، رواه مسلم " .
2 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) . رواه مسلم
تقدم الكلام على هذا الحديث ، على أكثره ، وبقي قوله عليه الصلاة والسلام : ( التقوى هاهنا ويشير على صدره ) ، وقد سبق لنا معناها ، وأن المعنى أن التقوى في القلب ، فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح ، وإذا زاغ القلب زاغت الجوارح والعياذ بالله ، قال الله تعالى : (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين )) .
واعلم أن زيغ القلب لا يكون إلا بسبب الإنسان ، إذا كان الإنسان يريد الشر ولا يريد الخير فإنه يزيغ قلبه والعياذ بالله ، ودليل هذا قوله تعالى: (( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ )) ، وقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) .
فإذا علم الله مِن العبد نية صالحة وإرادة للخير ، يسر الله له ذلك وأعانه عليه ، قال الله تعالى: (( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى )) .
يقول عليه الصلاة والسلام : ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) : يعني لو لم يكن للإنسان مِن الشر إلا أن يحقر أخاه المسلم لكان كافياً ، وهذا يدل على كثرة إثم من حقر إخوانه المسلمين ، لأن الواجب على المسلم أن يعظم إخوانه المسلمين ، ويُكبِرهم ، ويعتقد لهم منزلة في قلبه ، وأما احتقارهم وازدراؤهم فإن في ذلك من الإثم ما يكفي نسأل الله السلامة.
( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ) : يعني أن المسلم حرام على المسلم في هذه الأمور الثلاثة ، في كل شيء ، لأن هذه الأمور الثلاثة تتضمن كل شيء ، الدم : كالقتل والجراح وما أشبهها ، والعِرض : كالغيبة، والمال : كأكل المال ، وأكل المال له طرق كثيرة ، منها السرقة ، ومنها الغصب -وهو أخذ المال قهراً- ومنها أن يجحد ما عليه من الدين لغيره ، ومنها أن يدعي ما ليس له ، وغير ذلك .
فكل هذه أشياء حرام، يجب على المسلم أن يحترم أخاه في ماله ودمه وعرضه ، والله الموفق .
3 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) . رواه مسلم أستمع حفظ
قراءة قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظلما أو مظلوما فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره ؟ قال: تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره ) رواه البخاري ... " .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه ) ، متفق عليه .
وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( انصر أخاك ظلماً أو مظلوماً ، فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره ؟ قال : تحجزه -أو تمنعه- من الظلم فإن ذلك نصره ) ، رواه البخاري " .
4 - قراءة قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظلما أو مظلوما فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره ؟ قال: تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره ) رواه البخاري ... " . أستمع حفظ
شرح قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظلما أو مظلوما فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره ؟ قال: تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره ) رواه البخاري ... " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه ) ، ( لا يؤمن ) : يعني لا يكون مؤمناً حقاً تام الإيمان إلا بهذا الشرط : أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ، وما يحب لنفسه مِن ترك الشر ، يعني ويكره لأخيه ما يكره لنفسه ، هذا هو المؤمن حقاً، وإذا كان الإنسان يعامل إخوانه هذه المعاملة فإنه لا يمكن أن يغشهم ولا يخونهم ، ولا يكذب عليهم ، ولا يعتدي عليهم، كما أنه لا يحب أن يُفعل به مثل ذلك.
وهذا الحديث يدل على أن مَن كره لأخيه ما يحبه لنفسه أو أحب لأخيه ما يكرهه لنفسه فليس بؤمن ، يعني ليس بمؤمن كامل الإيمان.
ويدل على أن ذلك من كبائر الذنوب ، إذا أحببت لأخيك ما تكره لنفسك، أو كرهت له ما تحب لنفسك ، وعلى هذا فيجب عليك أخي المسلم أن تربي نفسك على هذا ، على أن تحب لإخوانك ما تحب لنفسك حتى تحقق الإيمان ، وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( مَن أحب أن يزحزح عن النار ويُدخل الجنة ، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس ما يُؤتى إليه ) : الأول حق الله، والثاني حق العباد، تأتيك المنية وأنت تؤمن بالله واليوم الآخر -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك- وأن تأتي لأخيك ما تحب أن يُؤتى إليك.
وأما حديث أنس الثاني فهو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) النصر : بمعنى الدفاع عن الغير ، أي دفع ما يضره ، ( انصر أخاك ) أي : ادفع ما يضره، سواء كان ظالماً أو مظلوماً ، ( فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن كان ظالماً فكيف أنصره؟ ) ، ولم يقل : فلا أنصره ، قال: كيف أنصره؟ يعني سأنصره ولكن أخبرني كيف أنصره، ( قال: تمنعه -أو قال تحجزه- من الظلم فذلك نصره ) : إذا رأيت هذا الرجل يريد أن يعتدي على الناس فتمنعه ، هذا نصره ، أن تمنعه ، أما إذا كان مظلوماً فنصره أن تدافع عنه الظالم .
وفي هذا دليلٌ على وجوب نصر المظلوم ، وعلى وجوب نصر الظالم على هذا الوجه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
5 - شرح قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظلما أو مظلوما فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره ؟ قال: تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره ) رواه البخاري ... " . أستمع حفظ
قراءة قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس ) متفق عليه . وفي رواية لمسلم: ( حق المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه ) ... " .
وفي رواية لمسلم : ( حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتبعه ) " .
6 - قراءة قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس ) متفق عليه . وفي رواية لمسلم: ( حق المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه ) ... " . أستمع حفظ
شرح قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، ... ) ... " .
قال المؤلف -رحمه الله- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه في بيان حقوق المسلم على أخيه، وحقوق المسلم على أخيه كثيرة، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحياناً يذكر أشياء معينة من أشياء كثيرة عناية بها واحتفاءً بها ، فمن ذلك ما ذكره أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ) : يعني إذا سلّم عليك فرُدّ عليه، والحديث الثاني : ( حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته فسلم عليه ) : فهذان أمران :
ابتداء السلام المأخوذ من قوله : ( إذا لقيته فسلم عليه ) ، وردّ السلام المأخوذ من قوله : ( رد السلام ) ، فابتداء السلام سنة مؤكدة .
وإذا كان الحامل له الهجر كان حراماً فيما زاد على ثلاثة أيام ، أما في الثلاثة أيام فأقل فلا بأس أن تهجره ، ومن المعلوم أن الإنسان لن يهجر أخاه إلا لسبب ، فأجاز النبي عليه الصلاة والسلام للمسلم أن يهجر أخاه ثلاثة أيام فأقل ، لأن الإنسان بشر، قد يكون في النفوس شيء ، لا يتحمل المرء أن يسلم عليه ، أو أن يرد سلامه ، فرُخص له في ثلاثة أيام فأقل.
وابتداءُ السلام يكون من الصغير على الكبير، ومِن الماشي على القاعد، ومن الراكب على الماشي، كل بحسبه، وصيغة السلام المشروعة أن يقول الإنسان : السلام عليك ، أو السلام عليكم ، كلاهما جائز ، والرد المشروع أن يقول : وعليك السلام أو وعليكم السلام.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس ) ، متفق عليه " .
7 - شرح قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، ... ) ... " . أستمع حفظ
تتمة شرح قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، ... " .
تقدم لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين من الحقوق التي للمسلم على أخيه فمنها : السلام رداً وابتداءً ، وسبق لنا شيء من الكلام على السلام وحكمه وأن ابتداءه سنة ورده فرض ، فرض عين على من قُصد به ، وفرض كفاية إذا قُصد به جماعة فإنه يجزئ رد أحدهم .
والسلام حسنة مِن الحسنات إذا قام به الإنسان فله عشر أمثاله ، الحسنة بعشر أمثالها ، يعني إذا سلمت علي أخيك قلت: السلام عليك ، فلك عشر حسنات أجراً باقياً تجده أحوج ما تكون إليه .
ونحن نعلم أنه لو قيل لشخص : كلما لقيت أحداً فسلمت عليه فلك بكل تسليمة درهم واحد ، لوجدت الإنسان يطلب الناس ليُسلم عليهم ابتغاء هذا الدرهم الواحد ، مع أن الدرهم الواحد يفني ويزول ، والأجر والثواب الباقي نجدنا -عاملنا الله وإياكم بعفوه- نجدنا فاترين فيه متهاونين فيه ، فالذي ينبغي لك كلما لقيك أحد من إخوانك المسلمين أن تسلم عليه ، أما غير المسلم فلا تسلم عليه ، لأن النبي صلى الله عليه آله وسلم قال : ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا وجدتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه ) ، فاليهودي والنصراني والمشرك والملحد والمرتد كالذي لا يصلي، والمبتدع بدعة يكفر بها، كل هؤلاء لا يحل ابتداء السلام عليهم، ولو كانوا أقرب الناس إليك، لكن إذا سلموا فرُد عليهم بمثل ما سلموا به، إذا قالوا: أهلاً ومرحباً، قل : أهلاً ومرحباً، إذا قالوا : السلام عليكم ، قل : وعليكم السلام، وإذا شككت هل هو يقول: السلام عليكم، أو يقول السام عليكم، فقل: وعليكم.
بل إذا لم تتيقن أنه قال : السلام عليكم باللام فقل: وعليكم ، وذلك أن اليهود كانوا يمرون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فيسلمون عليه لكن يقولون : السام عليكم ، يدغمونها ، والسام يعني الموت ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن اليهود إذا لقوكم قالوا : السام عليكم، فقولوا : وعليكم ) ، وعليكم ، إن كانوا يدعون بالسلام فلعيهم السلام، وإن كانوا يدعون علينا بالموت فعليهم الموت، وهذا من العدل : (( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا )) ، هذا من العدل ، ولهذا ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه * أحكام أهل الذمة* : " أنهم إذا قالوا : السلام عليكم بكلام بين ، فلك أن تقول : وعليكم السلام " .
وأما أهل المعاصي فإن كان في هجرهم فائدة فاهجرهم، والفائدة أن يُقلعوا عن معصيتهم، وإن لم يكن في هجرهم فائدة فهجرهم حرام، لأنهم من المؤمنين ، وإذا كانوا من المؤمنين فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا يحل لأحد أن يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاث، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) ، أما إذا كان يفيد بحيث يرتدعون عن المعصية ، وينتهون عنها، فهجرهم مطلوب، إما واجب وإما مستحب.
وأنظر إلى ما حصل من فائدة هجر كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك ، فخُلفوا عن قبول عذرهم ، انظر ماذا حصل لهم ، حصل لهم مِن قوة الإيمان والصبر على ما حصل ، وانتظار الفرج من الله عزّ وجلّ ما نالوا به ما هو مِن أعظم المثوبات ، نالوا به كلامَ رب العالمين ، الذي يُقرأ في الليل والنهار من كل مسلم حتى في الصلوات ، مَن أحدٌ مِنَ الناس يثني عليه في الصلوات الفريضة والنافلة ؟! (( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )) ، وهذا نص ، لكنهم وإن ما ذكروا بأسمائهم، لكن ذكروا بوصف لا ينطبق على مَن سواهم .
وأما ما ذهب إليه كثير من المفسرين في قوله تعالى : (( وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى )) : بأن هذا هو أبو بكر فهذا ليس كالنص الحاصل لهؤلاء الثلاثة ، ولذلك لا نعلم أنَّ أحداً من الصحابة أُثني عليه بهذا النص مثل ما أثني على هؤلاء الثلاثة .
وقد هجرهم النبي عليه الصلاة والسلام أربعين ليلة لا يكلمهم ، وقال للناس: لا تكلمونهم، فلا يكلمهم أحد، وبعد تمام الأربعين أمرهم أن يعتزلوا نساءهم، ولما جاء الرسول إلى كعب بن مالك ، الرسول الذي أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعتزل امرأته ، قال له كعب : " أأطلقها -يعني فأنا مستعد- أم ماذا ؟ قال الرسول: لا أدري ، إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرك أن تعتزل امرأتك ولا أدري " ، فانظر كيف كان هذا الامتثال العظيم مع هذه المحنة العظيمة التي لا تَرِد على قلب فينجو منها إلا من عصمه الله عزّ وجلّ .
فالمهم أن الهجر إذا كان ينفع في تقليل المعصية أو التوبة منها فإنه مطلوب إما على سبيل الوجوب ، أو على سبيل الاستحباب ، أما إذا كان لا ينفع وإنما يزيد العاصي عُتواً ونفوراً من أهل الخير فلا تهجر ، لأن الإنسان مهما كان عنده من المعاصي وهو مسلم فهو مؤمن ، لكنه ناقص الإيمان والله الموفق .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس ) ، متفق عليه " .
8 - تتمة شرح قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، ... " . أستمع حفظ
تتمة شرح قول قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( حق المسلم على المسلم خمس: ... ، وعيادة المريض ... ) ... " .
تقدم الكلام على ذكر الحق الأول المذكور في هذا الحديث ، حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ) ، والحديث الآخر ست : ( إذا لقيته فسلم عليه ) ، وبينا أحكام السلام ابتداءً ورداً .
أما الحق الثاني : فهو عيادة المرض : المريض إذا مُرض وانقطع في بيته فإن له حقاً على إخوانه المسلمين أن يعودوه ويُذكِّروه ما ينبغي أن يذكروه به، من التوبة، والوصية، وكثرة الذكر، والاستغفار، وقراءة القرآن، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، وكذلك يدعون له بالشفاء، مثل أن يقولوا : لا بأس طهور إن شاء الله ، وما أشبه ذلك.
وعيادة المريض فرض كفاية، لابد أن يعود المسلمون أخاهم، وإذا عاده واحد منهم حصلت به الكفاية، وقد تكون فرض عين إذا كان المريض من الأقارب، وعُدَّت عيادته من الصلة، فإن صلة الأرحام واجبة، فتكون فرض عين.
واعلم أن العلماء -رحمهم الله- ذكروا لعيادة المريض آداباً منها : ألا يكثر محادثته ، وكيف أنت وكيف حالك وكيف نومك وكيف أكلك وما أشبه ذلك، إلا إذا كان يأنس بهذا ويُسر به، أما إذا كان يتضجر -لأن بعض المرضى يتضجر ولا يحب أن يكثر أحد الكلام معه- فإنك لا تتبع معه الكلام ، ولا تضجره بالمساءلات.
كذلك قالوا : ينبغي أن لا يكثر البقاء عنده، المقام عنده ويطيل، لأنه قد يكون له حاجة مع أهله أو في نفسه، ولا يحب أن يطيل الجلوس عنده أحد، إلا إذا علمت أنه يستأنس بهذا ويفرح، فإنك تنظر ما فيه المصلحة.
قالوا : وينبغي أيضاً أن لا يزوره في الأوقات التي يكون الغالب فيها النوم والراحة كالقيلولة والليل وما أشبه هذا، لأن ذلك يضجره وينكد عليه، بل يكون بكرة وعشياً حسب ما تقتضيه الحال.
قالوا : ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من عيادته، بحيث يأتيه صباحاً ومساءً، إلا إذا اقتضت الحاجة ذلك.
والحاصل : أن العائد للمريض ينبغي أن يراعى المصلحة في كل ما يقول مع المريض ، وفي كل ما يترك ، ثم إنه إذا كان المرض مما يُعلم أن له دواء معيناً فينبغي أن تذكر له هذا الدواء ، لأن الدواء مباح ، بل هو سنة إذا رُجي نفعه وغلب على الظن ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( تداووا ولا تداووا بحرام ) .
وكذلك ينبغي أن يسأله كيف يصلي ؟ لأن كثيراً من المرضى يجهل هل يصلي بالماء أو بالتيمم ؟ وهل يصلى كل صلاة في وقتها أو يجمع؟ لأن هذا أمر مهم قد يخفى على بعض المرضى.
حتى إن بعض المرضى يظنون أنه إذا جاز لهم الجمع جاز لهم القصر وهم في بلادهم، وهذه من الأشياء التي يجب التنبه لها، نعم إذا كان المريض مسافراً في مستشفى في غير بلده ، فله أن يقصر ويجمع ، أما إذا كان في بلده فلا يقصر، لكن إن شق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها، فله الجمع ولو كان في بلده، لكنه جمع بلا قصر ، لأن الجمع والقصر لا يتلازمان ، قد يشرع القصر دون الجمع ، وقد يشرع الجمع دون القصر، وقد يشرعان جميعاً ، فالمسافر الذي يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها بحيث يكون قد جدّ بِه السير يُشرع له الجمع والقصر ، والمسافر المقيم يُشرع له القصر دون الجمع، وإن جمع فلا بأس ، والمقيم الذي يشق عليه الصلاة في كل وقت يشرع له الجمع دون القصر، والله الموفق .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز ) " .