شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب خمرا قال ( اضربوه ) قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال ( لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان ) رواه البخاري ... " .
الشيخ : وسيكون المشتري شديدًا عليها حتى يمنعها من ذلك . أما حديثه الثاني ، فهو : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر ) : والخمر : " كل ما أسكر " ، ومعنى الإسكار : " أن يغيب العقل من شدة اللذة " ، لأن غيبوبة العقل أحياناً تكون بدواء مثل البنج، فهذا ليس بسكر، وأحياناً تكون بإغماء، وأحياناً تكون بسكر، وهو تغطية العقل بلذة وطرب، ولهذا تجد السكران -والعياذ بالله- يتخيل نفسه وكأنه ملك من الملوك، كما قال الشاعر: " ونشربها فتتركنا ملوكا " ، وكما قال حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثمل سكر قبل أن تحرم الخمر ، فكلمه في ذلك، فقال له حمزة : ( هل أنتم إلا عبيد أبي ) ، يقول للرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو رضي الله عنه من أشد الناس تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكنه سكران. فالحاصل أن السكر تغطية للعقل على وجه اللذة والطرب . والخمر كل ما خامر العقل من أي شراب كان ، سواء كان مما اعتيد شربه أم لا ، وسواء كان من عصير عنب أو التمر أو الشعير أو البُر أو غير ذلك من العصيرات التي تُسكر ، المدار كله على الإسكار . فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( اضربوه أو اجلدوه ، قال أبو هريرة : فمنا الضارب بيده، ومنا الضارب بسوطه، ومنا الضارب بنعله ) ، ولم يحدد لهم النبي صلى الله عليه وسلم عددا معيناً ، ( فلما انتهوا منه قال له رجل : أخزاك الله ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا تعينوا عليه الشيطان ) ، لأن الخزي معناه العار والذل، فأنت إذا قلت : أخزاك الله، دعوت الله عليه بما يذله ويفضحه، فتعين عليه الشيطان. وفي هذا الحديث دليل على أن عقوبة الخمر ليست حدًا معينا، ولهذا لم يحد لهم النبي صلى الله عليه وسلم حداً، ولم يعدها عداً، كل يضرب بما تيسر، الي بيده، و والي بطرف ثوبه، والي بعصاه والي بنعله ، لم يحد فيها حداً، وبقي الأمر كذلك. وفي عهد أبي بكر صارت تقدر بنحو أربعين، وفي عهد عمر كثر الناس الذين دخلوا في الإسلام، ومنهم من دخل عن غير رغبة، فكثر شرب الخمر في عهد عمر رضي الله عنه، فلما رأى الناس قد أكثروا منها استشار الصحابة ماذا نصنع ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : أخف الحدود ثمانون ، وهو حد القذف ، فرفع عمر رضي الله عنه عقوبة شارب الخمر إلى ثمانين جلدة . ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا فعل ذنباً وعوقب عليه في الدنيا فإنه لا ينبغي لنا أن ندعو عليه بالخزي والعار بل نسأل الله له الهداية، ونسأل الله له المغفرة، والله الموفق. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( أُتي النبيُ صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب خمرا فقال : اضربوه ، قال أبو هريرة : فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه ، فلما انصرف قال بعض القوم : أخزاك الله ، قال : لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان ) ، رواه البخاري " .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب قضاء حوائج المسلمين . قال الله تعالى (( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) رواه مسلم .... " .
القارئ : " باب في قضاء حوائج المسلمين : قال الله تعالى : (( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )) . عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه ، مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كُرَب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ) ، متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن نفس عن مسلم كُربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كُربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومَن بَطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه ) ، رواه مسلم " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب قضاء حوائج المسلمين . قال الله تعالى (( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) متفق عليه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب قضاء حوائج المسلمين " : الحوائج : ما يحتاجه الإنسان ليكمل به أموره، وأما الضروريات : فهي ما يضطر إليه الإنسان ليدفع به ضرر، ودفع الضرورات واجب، فإنه يجب على الإنسان إذا رأى أخاه في ضرورة أن يدفع ضرورته، إذا رآه في ضرورة إلى الطعام أو إلى الشراب، أو إلى التدفئة أو إلى التبردة، وجب عليه أن يقضي حاجته، وجب عليه أن يزيل ضرورته ويرفع ضرورته، حتى إنَّ أهل العلم يقولون : " لو اضطر الإنسان إلى طعام في يد شخص أو إلى شرابه، والشخص الذي بيده الطعام أو الشراب لم يُضطر إليه ومنعه بعد طلبه، ومات، فإنه يضمنه، لأنه فرط في إنقاذ أخيه من هلكة " . أما إذا كان الأمر حاجيّاً وليس ضرورياً، فإن الأفضل أن تُعين أخاك على حاجته، وأن تُيسرها له ما لم تكن الحاجة في مضرته، فإن كانت الحاجة في مضرته فلا تعنه، لأن الله يقول، (( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) ، فلو فُرِض أن شخصاً احتاج إلى شرب دخان، تتن ، وطلب منك أن تعينه بدفع القيمة له أو شرائه له أو ما أشبه ذلك ، فإنه لا يحل لك أن تعينه ، ولو كان محتاجاً، حتى لو رأيته دائخاً يريد أن يشرب الدخان فلا تعنه، لقول الله تعالى: (( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) ، حتى لو كان أباك فإنك لا تعنه على هذا، حتى لو غضب عليك إذا لم تأت به فليغضب، لأنه غضب في غير موضع الغضب، بل إنك إذا امتنعت مِن أن تأتي لأبيك بما يضره فإنك تكون بارّاً به، ولا تكون عاقاً له، لأن هذا هو الإحسان ، أعظم الإحسان أن تمنع أباك مما يضره، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا : يا رسول الله : كيف نصر الظالم ؟ قال: تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه ) ، وعلى هذا فقول المؤلف : " باب قضاء حوائج المسلمين " : يعني الحوائج المباحة، فإنه ينبغي لك أن تعين أخاك عليها، فإن الله في عونك ما كنت في عون أخيك. ثم ذكر المؤلف أحاديث مرَّ علينا الكلام عليها ، بل مر علينا الكلام فيها فلا حاجة إلى إعادتها، إلا أن فيها بعضَ الجمل تحتاج إلى كلام منها قوله : ( مَن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ) : إذا رأيت معسراً، ويسرت عليه الأمر، يسر الله عليك في الدنيا والآخرة، مثل أن ترى شخصاً ليس بيده ما يشتري لأهله مِن طعام وشراب، لكن ليس في ضرورة، فأنت إذا يَسرت عليه، يسر الله عليك في الدنيا والآخرة. ومن ذلك أيضاً إذا كنت تطلب شخصاً مُعسراً فإنه يجب عليك أن تيسر عليه وجوباً، لقوله تعالى: (( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )) ، وقد قال العلماء رحمهم الله : " مَن كان له غريم معسر فإنه يحرم عليه أن يطلب منه الدين، أو أن يطالبه به، أو أن يرفع أمره إلى الحاكم، بل يجب عليه الإنظار " ، ويوجد بعض الناس والعياذ بالله ممن لا يخافون الله، ولا يرحمون عباد الله، من يطالبون المعسرين، ويضيقون عليهم، ويرفعونهم إلى الجهة المسؤولة ، ويُحبسون ويُؤذون ويمنعون من أهلهم ومن ديارهم، كل هذا بسبب الظلم، وإن كان الواجب على القاضي إذا ثبت عنده إعسار الشخص، فالواجب عليه أن يرفع الظلم عنه، وأن يقول لغرمائه: ليس لكم شيء. ثم إن بعض الناس والعياذ بالله إذا كان له غريم مُعسر يتحيل نسأل الله العافية يَتحيل عليه بأن يدينه مرة أخرى بِربا، فيقول : اشتر مني السلعة الفلانية بزيادة على ثمنها وأوفني ، أو يتفق مع شخص ثالث يقول : اذهب تديّن من فلان وأوفني ، وهكذا حتى يصبح بين يدي هذين الظالمين كالكرة بين يدي الصبي يلعب بها والعياذ بالله . فالمهم أني أطلب منكم إذا رأيتم شخصاً يطلب معسراً أن تبينوا له أنه آثم، وأن ذلك حرام عليه، وأنه يجب عليه إنظاره، لقول الله تعالى (( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )) ، وأنه إذا ضيق على أخيه المسلم، فإنه يوشك أن يضيق الله عليه في الدنيا أو في الآخرة، أو في الدنيا والآخرة، ويوشك أن يعجل له بالعقوبة، ومن العقوبة أن يستمر في مطالبة هذا المعسر وهو معسر ، لأنه كلما طالبه ازداد إثماً، كلما طالبه ازداد إثماً ، كلما طالبه ازداد إثماً . وعلى العكس مِن ذلك : فإنه يوجد بعض الناس والعياذ بالله يماطلون بالحقوق التي عليهم، مع قدرتهم على وفائها، فتجده يأتيه صاحب الحق فيقول : غداً، وإذا أتاه في غدٍ قال : بعد غدٍ وهكذا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مَطْل الغنيِّ ظلم ) ، وإذا كان ظلماً فإن أي ساعة أو لحظة تمضي لا يزداد بها إلا إثماً ، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الشفاعة . قال الله تعالى (( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها )) . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال ( اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب ) متفق عليه وفي رواية ( ما شاء ) ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب الشفاعة : قال الله تعالى : (( مَن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها )) . عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة ، أَقبل على جلسائه فقال : اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب ) ، متفق عليه . وفي رواية : ( ما شاء ) " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...باب الشفاعة . قال الله تعالى (( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها )) . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال ( اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب ) متفق عليه وفي رواية ( ما شاء ) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الشفاعة " : الشفاعة : " هي التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة " . مثال الأول : أن تتوسط لشخص عند آخر بأن يساعده في أمر من الأمور . ومثال الثاني : أن تشفع لشخص عند آخر بأن يسامحه ويعفو عن مظلمته، حتى يندفع عنه الضرر . ومثال ذلك في أيام الآخرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الموقف ليُقضى بينهم، حين يصيبهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فهذه شفاعة في دفع مضرة . ومثالها في جلب منفعة : ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ) . والمراد بالشفاعة في كلام المؤلف : الشفاعة في الدنيا، أن يشفع الإنسان لشخص عند آخر، يتوسط له لجلب المنفعة له أو دفع المضرة عنه . والشفاعة أقسام : القسم الأول : شفاعة محرمة لا تجوز، وهي أن يشفع لشخص وجب عليه الحدّ بعد أن يصل إلى الإمام ، فإن هذه الشفاعة محرمة لا تجوز ، يعني رجل وجب عليه حدّ كقطع سرقة مثلاً ، كقطع يده في السرقة، فلما وصلت إلى الإمام أو نائب الإمام أراد إنسان أن يشفع لهذا السارق ألا تقطع يده، فهذا حرام ، أنكره النبي عليه الصلاة والسلام إنكاراً عظيماً، وذلك حينما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تقطع يد المرأة المخزومية، امرأة من بني مخزوم من أشراف قبائل العرب، كانت تستعير الشيء ثم تجحده، تستعيره لتنتفع به ثم إذا جاء صاحبه يقول : أعطيني ما استعرت مني ، قالت : ما أعرتني شيء ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ، فاهتمت لذلك قريش ، قالوا : امرأة من بني مخزوم تقطع يدها ؟ هذا عار كبير، مَن يشفع لنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فرأوا أن أقربَ الناس لذلك أسامة بن زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد ابن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن زيد بن حارثة عبدٌ أهدته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة، ثم أعتقه وكان يحبه عليه الصلاة والسلام، ويحب ابنه أسامة، فذهب أسامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لهذه المرأة ألا تقطع يدها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أَتشفعُ في حدٍّ من حدود الله؟ ) قال ذلك إنكاراً عليه ، ( أشفع في حد من حدود الله ) ، ثم قام فخطب الناس وقال : ( أيها الناس، إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله -يعني أقسم بالله- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها ) : يعني ما هي بهذه المرأة، المرأة المخزومية دون فاطمة شرفاً ونسباً، فقال : ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( مَن حالت شفاعته دون حدٍ من حدود الله فقد ضادِّ الله في أمره ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع له ) . ( ولما سُرق رداء صفوان بن أمية وكان قد توسده في المسجد، فجاء رجل فسرقه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يد السارق ) ، انظر ماذا سرق ؟ سرق رداءً ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده ، ( فقال: يا رسول الله أنا لا أريد ردائي، يعني أنه رحم هذا السارق ، وقال لا تقطعونه ردائي له ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هلاّ كان ذلك قبل أن تأتيني به ) . يعني لو سمحت عنه قبل أن تأتيني به ما قلنا لك تعالى، لكن إذا بلغت الحدود السلطان فلابد من تنفيذها، وتحرم فيها الشفاعة . الثاني : أن يشفع في شيء محرم ، مثل أن يشفع لإنسان معتدٍ على أخيه، يعني : أَعرف مثلاً أن هذا الرجل يريد أن يخطب امرأة مخطوبة مِن قبل، والمرأة المخطوبة لا يحل لأحد خطبتها ، فذهب رجل ثاني إلى شخص وقال : يا فلان أُحِب أن تشفع لي عند والد هذه المرأة يزوجنيها ، وهو يعلم أنها مخطوبة ، فهنا لا يحل له أن يشفع ، لأن هذه شفاعة في محرم . والشفاعة في المحرم تعاونٌ على الإثم والعدوان ، وقد قال الله تعالى : (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) . ومن ذلك أيضاً أن يأتي رجل لشخص فيقول : يا فلان أنا أريد أن أشتري دخاناً مِن فلان ، وقد سُمْتُه بكذا وكذا ، وأبى عليّ إلا بكذا وكذا أكثر مما سمتُه، فأرجوك أن تشفع لي عنده ليبيعه عليّ بهذا السعر الرخيص ، فهنا لا تجوز الشفاعة ، لأن هذه إعانة على الإثم والعدوان . القسم الثالث : الشفاعة في شيء مباح ، الشفاعة في شيء مباح فهذه لا بأس بها ، ويكون للإنسان فيها أجر، مثل أن يأتي شخص لآخر فيسوم منه بيتاً ويقول له : هذا الثمن قليل، فيذهب السائم إلى شخص ثالث، يقول : يا فلان اشفع لي عند صاحب البيت لعله يبيعه عليّ ، فيذهب ويشفع له ، فهذا جائز، جائز بل هو مأجور على ذلك ، ولهذا : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه صاحب حاجة يلتفت إلى أصحابه ويقول : اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء ) ، أو : ( ما أحب ) ، فهنا يأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن يشفعوا لصاحب الحاجة . ومثل ذلك أيضاً لو وَجَب لك حق أنت على شخص، ورأيت أنك إذا تنازلت عنه هكذا درب عليك في المستقبل، وانتهك حرمتك كما انتهكها بالأول، فهنا لا حرج أن تقول مثلاً لبعض الناس : اشفعوا له عندي حتى تظهر أنت بمظهر القوي ولا تجبن أمامه ويحصل المقصود . فالمهم أن الشفاعة في غير الأمر المحرم من الإحسان إلى الغير ، (( ومَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا )) ، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الإصلاح بين الناس . قال الله تعالى (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس )) وقال تعالى (( والصلح خير )) وقال تعالى (( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم )) وقال تعالى (( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )) ... " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب الإصلاح بين الناس : قال الله تعالى : (( لا خَير في كثير مِن نجواهم إلا مَن أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاح بين الناس )) . وقال تعالى : (( والصلح خير )) . وقال تعالى : (( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم )) . وقال : (( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )) " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الإصلاح بين الناس . قال الله تعالى (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس )) وقال تعالى (( والصلح خير )) وقال تعالى (( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم )) وقال تعالى (( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الإصلاح بين الناس " : الإصلاح بين الناس: هو أن يكون بين شخصين معاداة وبغضاء، فيأتي رجل موفق فيصلح بينهما، ويزيل ما بينهما من العداوة والبغضاء، وكلما كان الرجلان أقرب صلة بعضهما مِن بعض فإن الصلح بينهما أوكد، يعني أن الصلح بين الأب وابنه أفضل مِن الصلح بين الرجل وصاحبه، والصلح بين الأخ وأخيه أفضل من الصلح بين العم وابن أخيه، وهكذا كلما كانت القطيعة أعظم كان الصلح بين المتابغضين وبين المتقاطعين أكمل وأفضل وأوكد . واعلم أنَّ الصلح من أفضل الأعمال الصالحة ، الصلح بين الناس من أفضل الأعمال الصالحة، قال الله عزَّ وجلَّ : (( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ )) أي : إلا نجوى مَن أمر بصدقة . والنجوى : " الكلام الخفي بين الرجل وصاحبه " ، فأكثر المناجاة بين الناس لا خير فيها إلا ، نعم ، فكثير من المناجات بين الناس لا خير فيها إلا من أمر بصدقة أو معروف . والمعروف : " كل ما أمر به الشرع، يعني: أمر بخير " ، أو إصلاح بين الناس: بينهما مفسدة، فيأتي شخص موفّق فيصلح بينهما، ويزيل ما بين الرجل وصاحبه من العداوة والبغضاء. ثم قال : (( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )) : فبين سبحانه في هذه الآية أن الخير حاصل فيمن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، فهذا خير حاصل لا شك فيه ، أما الثواب فقال : (( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )) : فأنت يا أخي المسلم إذا رأيت بين شخصين عداوة وبغضاء وكراهة، فاحرص على أن تسعى بينهما بالصلح حتى لو خسرت شيئاً من مالك فإنه مخلوف عليك . ثم اعلم أنَّ الصلح يجوز فيه التورية أي أن تقول للشخص : إن فلاناً لم يتكلم فيك بشيء، إن فلاناً يحب أهل الخير وما أشبه ذلك، أو تقول : فلان يحبك إن كنت من أهل الخير، تضمر في نفسك : إن كنت من أهل الخير، لأجل أن تخرج من الكذب. وقال الله عز وجل : (( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )) ، هذه جملة عامة : (( الصلح خير )) : في جميع الأمور. ثم قال تعالى : (( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحّ )) : إشارة إلى أن الإنسان ينبغي له عند الإصلاح أن يتنازل عما في نفسه، وأن لا يتبع نفسه، لأنه إذا اتبع نفسه فإن النفس شحيحة، ربما يريد الإنسان أن يأخذ بحقه كاملاً، وإذا أراد الإنسان أن يأخذ بحقه كاملاً، فإن الصلح يتعذر ، لأنك إذا أردت أن تأخذ بحقك الكامل وأراد صاحبك أن يأخذ بحقه كاملاً لم يكن إصلاحاً . لكن إذا تنازل كلُّ واحد منكما عما يريد وغلب شحّ نفسه فإنه يحصل الخير ويحصل الصلح، وهذا هو الفائدة من قوله تعالى : (( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ )) بعد قوله : (( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )) ، وقال تعالى : (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )) فأمر الله عز وجل بالإصلاح . فالمهم : أن الإصلاح كله خير، فعليك يا أخي المسلم إذا رأيت شخصين متنازعين متباغضين متعاديين أن تصلح بينهما لتنال الخير الكثير، وابتغ في ذلك وجه الله ، وإصلاحَ عباد الله ، حتى يحصل لك الخير الكثير ، كما قال الله تعالى : (( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )) : أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الصالحين المصلحين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلُ سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس ، تَعدِل بين الاثنين صدقة ، وتُعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خُطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتُميط الأذى عن الطريق صدقة ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : سبق لنا ما ذكره المؤلف من الآيات الكريمة الدالة على فضيلة الإصلاح بين الناس، ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُصبح على كل سُلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ) : يعني عليه الصلاة والسلام أنه كل يوم تطلع الشمس فإنه يصبح على كل سلامى من الناس صدقة ، والسلامى هي العظام والمفاصل، يعني كل مفصل عليه صدقة ، كل يوم ، كل يوم تطلع الشمس فعلى كل مفصل من مفاصلك صدقة . قال العلماء من أهل الفقه والحديث : " والسُلامى في كل إنسان ثلاث مئة وستون عضواً أو مفصلاً، فعلى كل واحد من الناس أن يتصدق كل يوم تطلع فيه الشمس بثلاث مئة وستين صدقة ، ولكن الصدقة لا تختص بالمال بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام ، لأن فعله يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل " . قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( يُصبح على كل سُلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ، ثم بين هذه الصدقة فقال : تعدل بين اثنين صدقة ) : هذه صدقة ، تعدل بين اثنين يعني : رجلان يتخاصمان إليك فتعدل بينهما ، تحكم بينهما بالعدل ، والعدل : " كل ما وافق الشرع فهو عدل، وكل ما خالف الشرع فهو ظلم وجور " ، وعلى هذا فنقول : هذه القوانين التي يحكم بها بعض الناس وهي مخالفة لشريعة الله ليست عدلاً ، بل هي جور وظلم وباطل ، ومن حكم بها معتقداً أنها مثل حكم الله أو أحسن منه ، فإنه كافر مرتد عن دين الله ، لأنه كذب قول الله تعالى : (( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) يعني : لا أحد أحسن من الله حكماً، لكن لا يفهم هذا إلا من يوقن، أما الذي أعمى الله بصيرته، فإنه لا يدري بل قد يُزيّن له سوء عمله فيراه حسناً والعياذ بالله. ومن العدل بين اثنين : العدل بينهما بالصلح، لأن الحاكم بين الاثنين سواء كان منصوباً من قبل ولي الآمر، أو غير منصوب ، قد لا يتبين له وجه الصواب مع أحد الطرفين، فإذا لم يتبين له، فلا سبيل له إلا الإصلاح، فيصلح بينهما بقدر ما يستطيع . وقد سبق لنا أنه لا صلح مع المشاحَّة، يعني أن الإنسان إذا أراد أن يعامل أخاه بالمشاحَّة، فإنه لا يمكن الصلح ، كما قال تعالى : (( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ )) يعني : أن الله يشير إلى أن الصلح ينبغي للإنسان أن يبعد فيه عن الشحّ ، وأن لا يطالب بكامل حقه ، لأنه إن طالب بكامل حقه، طالب الآخر بكامل حقه ولم يحصل بينهما صلح ، بل لابد أن يتنزل كل واحد منهم عن حقه. فإذا لم يكن الحكم بين الناس بالحق، بل اشتبه على الإنسان إما مِن حيث الدليل، أو من حيث حال المتخاصمين، فليس هناك إلا السعي بينهما بالصلح . قال عليه الصلاة والسلام : ( تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ) : هذا أيضاً من الصدقات أن تعين الرجل في دابته فتحمله عليها إذا كان لا يستطيع أن يركبها بنفسه، أو تحمل له عليها متاعه، تساعده على حمل المتاع على الدابة فهذا صدقة، ( وتُميط الأذى عن الطريق صدقة ) : يعني إذا رأيت ما يؤذي المشاة فأمطته أي: أزلته فهذه صدقة، سواء كان حجراً، أم زجاجاً، أم قشر بطيخ، أم ثياباً يلتوي بعضها على بعض، أو ما أشبه ذلك، المهم : كلُّ ما يؤذي فأَزِلْه عن الطريق، فإنك بذلك تكون متصدقاً . وإذا كان إماطة الأذى عن الطريق صدقة ، فإن إلقاء الأذى في الطريق سيئة ، ومِن ذلك مَن يلقون قمامتهم في وسط الشارع ، أو يسيبون المياه تجري في الأسواق فتؤذي الناس ، مَع أن في تسييب المياه مفسدةً أخرى ، وهي استنفاد الماء، لأن الماء مخزون في الأرض، قال الله تعالى : (( فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ )) : والمخزون ينفد ، فلهذا نرى أن الذي يسيب المياه ويسرف في صرفها ولا يبالي في ضياعها مسيء إلى كل الأمة ، لأن الماء مشترك، فإذا أسأت في تصرفه وأنفدته ولم تبال به كنت مسرفاً، والله لا يحب المسرفين، وكنت مسيئاً بتهديد الأمة بنقص مائها وزواله، وهذا ضرر عام. المهم أن الذين يلقون في الأسواق ومسار الناس ما يؤذيهم، هم مسيئون، والذين يزيلون ذلك، هم متصدقون. ( وتميط الأذى عن الطريق صدقة، والكلمة الطيبة صدقة ) : وهذه ولله الحمد من أعم ما يكون ، الكلمة الطيبة تنقسم إلى قسمين : طيبة بذاتها، وطيبة بغاياتها. أما الطيبة بذاتها فالذكر : لا إله إلا الله، الله أكبر، الحمد لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، وأفضل الذكر قراءة القرآن. وأما الكلمة الطيبة في غايتها : فهي الكلمة المباحة ، التحدث مع الناس إذا قصدت بهذا إيناسهم وإدخال السرور عليهم، فإن هذا الكلام وإن لم يكن طيباً بذاته لكنه طيب في غاياته، في إدخال السرور على إخوانك، وإدخال السرور على إخوانك مما يقربك إلى الله عز وجل، فالكلمة الطيبة صدقة وهذا من أعم ما يكون. ثم قال : ( وبكل خَطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة ) كل خَطوة : خَطوة بالفتح يعني : خطوة واحد تخطوها إلى الصلاة ففيها صدقة ، عُد الخطى من بيتك إلى المسجد تجد خطاً كثيرة ، كل خطوة واحدة فهي صدقة لك، إذا خرجت مِن بيتك مسبغاً الوضوء، لا يخرجك مِن بيتك إلى المسجد إلا الصلاة، فإن كل خطوة صدقة، وكل خطوة تخطوها يرفع الله لك بها درجة، ويحط عنك بها خطيئة، فضل عظيم. أسبغ الوضوء في بيتك، واخرج إلى المسجد، لا يخرجك إلا الصلاة، وأبشر بثلاث فوائد : الأولى : صدقة. والثاني : رفع درجة. والثالث : حطّ خطيئة. من بيتك إلى المسجد ، كل هذا من نعمة من الله عز وجل، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا ) متفق عليه وفي رواية مسلم زيادة قالت ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث تعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها ، قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيَنمي خيرًا أو يقول خيراً ) ، متفق عليه . وفي رواية مسلم قالت : ( ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث ، تعني : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ) " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمى خيرا أو يقول خيرا ) متفق عليه وفي رواية مسلم زيادة قالت ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث تعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ... " .
الشيخ : هذا الحديث الذي ذكره المؤلف ، حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيَنمي خيراً أو يقول خيراً ) : يعني أن الإنسان إذا قصد الإصلاح بين الناس وقال للشخص : إن فلاناً يُثني عليك ويمدحك ويدعو لك وما أشبه ذلك من الكلمات ، فإن ذلك لا بأس به . وقد اختلف العلماء في هذه المسألة ، هل المراد أن يكذب الإنسان كذباً صريحاً، أو أن المراد أن يوري ، بمعنى : أن يظهر للمخاطب غير الواقع، لكنه له وجه صحيح، فيعني بقوله : فلان يثني عليك : أي: على جنسك وأمثالك من المسلمين ، فإن كلَّ إنسان يثني على المسلمين من غير تخصيص. أو يريد بقوله : إنه يدعو لك : أنه من عباد الله ، والإنسان يدعو لكل عبد صالح في كل صلاة ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنكم إذا قلتم ذلك -يعني : قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين- فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض ) . وقال : إن التورية تعد كذباً، لأنها خلاف الواقع، وإن كان المتكلم قد نوى بها معنى صحيحاً ، واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات في ذات الله ) ، وهو لم يكذب عليه الصلاة والسلام، ولكنه ورّى. وعلى كل حال فالإنسان المصلح ينبغي له أن يتحرز مِن الكذب ، وإذا كان ولابد فليتأول ، ليكون بذلك مورّياً، والإنسان إذا كان مورّياً فلا إثم عليه فيما بينه وبين الله ، وهو جائز ، وهي أي التورية جائزة عند المصلحة. أما اللفظ الثاني ففيه زيادة عن الإصلاح بين الناس، وهو الكذب في الحرب : والكذب في الحرب هو أيضاً نوع من التورية ، مثل أن يقول للعدو : إن ورائي جنوداً عظيمة وما أشبه ذلك من الأشياء التي يُرهب بها الأعداء . وتنقسم التورية في الحرب إلى قسمين : قسم في اللفظ، وقسم في الفعل، مثل ما فعل القعقاع بن عمرو رضي الله عنه في إحدى الغزوات ، فإنه أراد أن يُرهب العدو فصار يأتي بالجيش في الصباح، ثم يغادر المكان، ثم يأتي به في صباح يوم آخر .