تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمى خيرا أو يقول خيرا ) متفق عليه وفي رواية مسلم زيادة قالت ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث تعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ... " .
الشيخ : قد اختلف العلماء في هذه المسألة ، هل المراد أن يكذب الإنسان كذباً صريحاً، أو أن المراد أن يوري، بمعنى: أن يُظهر للمخاطَب غير الواقع، لكنه له وجه صحيح، فيعني بقوله : فلان يثني عليك : أي: على جنسك وأمثالك مِن المسلمين ، فإن كلَّ إنسان يثني على المسلمين من غير تخصيص. أو يريد بقوله : إنه يدعو لك : أنه من عباد الله ، والإنسان يدعو لكل عبد صالح في كل صلاة ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنكم إذا قلتم ذلك -يعني : قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين- فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض ) . وقال : إن التورية تعد كذباً، لأنها خلاف الواقع، وإن كان المتكلم قد نوى بها معنى صحيحاً ، واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات في ذات الله ) ، وهو لم يكذب عليه الصلاة والسلام، ولكنه ورّى. وعلى كل حال فالإنسان المصلح ينبغي له أن يتحرز مِن الكذب ، وإذا كان ولابد فليتأول ، ليكون بذلك مورّياً، والإنسان إذا كان مورّياً فلا إثم عليه فيما بينه وبين الله ، وهو جائز ، وهي أي التورية جائزة عند المصلحة. أما اللفظ الثاني ففيه زيادة عن الإصلاح بين الناس، وهو الكذب في الحرب : والكذب في الحرب هو أيضاً نوع من التورية ، مثل أن يقول للعدو : إن ورائي جنوداً عظيمة وما أشبه ذلك من الأشياء التي يُرهب بها الأعداء . وتنقسم التورية في الحرب إلى قسمين : قسم في اللفظ، وقسم في الفعل، مثل ما فعل القعقاع بن عمرو رضي الله عنه في إحدى الغزوات ، فإنه أراد أن يُرهب العدو فصار يأتي بالجيش في الصباح، ثم يغادر المكان، ثم يأتي به في صباح يوم آخر ، وكأنه مدد جديد جاء ليساعد المحاربين المجاهدين ، فيتوهم العدو أنَّ هذا مدد جديد جاء ليساعد المحاربين المجاهدين، فيتوهم العدو أن هذا مدد جديد فيرهب ويخاف، وهذا جائز للمصلحة. أما المسألة الثالثة : فهي أن يحدث الرجل زوجته وتحدث المرأة زوجها، وهذا أيضاً من باب التورية، مثل أن يقول لها : إنك من أحب الناس إليّ، وإني أرغب في مثلك، وما أشبه ذلك من الكلمات التي توجب الألفة والمحبة بينهما. ولكن مع هذا لا ينبغي فيما بين الزوجين أن يُكثر الإنسان مِن هذا الأمر، لأن المرأة إذا عَثرت على شيء يخالف ما حدثها به، فإنه ربما تنعكس الحال وتكرهه أكثر مما كان يتوقع ، وكذلك المرأة مع الرجل، والله الموفق .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أين المتألى على الله لا يفعل المعروف ) فقال أنا يا رسول الله فله أي ذلك أحب متفق عليه ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عاليةً أصواتُهما إذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء ، وهو يقول : والله لا أفعل ، فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين المتألي على الله لا يفعل المعروف ، فقال : أنا يا رسول الله فله أي ذلك أحب ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أين المتألى على الله لا يفعل المعروف ) فقال أنا يا رسول الله فله أي ذلك أحب متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا الحديث الذي ذكره المؤلف -رحمه الله- في بيان الصلح بين اثنين متنازعين ، فإذا رأى شخصٌ رجلين يتنازعان في شيء وأصلح بينهما، فله أُسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فعل خيراً كثيراً، كما سبق الكلام فيه على قول الله تعالى : (( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )) . فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع نزاع رجلين وقد علت أصواتهما، خرج إليهما صلى الله عليه وسلم لينظر ماذا عندهما، وفيه دليل على أنه لا حرج على الإنسان أن يتدخل في النزاع بين اثنين، إذا لم يكن ذلك سراً بينهما، لأن هذين الرجلين قد أعلنا ذلك، وكانا يتكلمان بصوت مرتفع، أما لو كان الأمر بين اثنين على وجه السر والإخفاء، فلا يجوز للإنسان أن يتدخل بينهما ، لأن في ذلك إحراجاً لهما، فإن إخفاءهما للشيء يدل على أنهما لا يحبان أن يطلع عليه أحد من الناس، فإذا أقحمت نفسك في الدخول بينهما أحرجتهما وضيقت عليهما، وربما تأخذهما العزة بالإثم فلا يصطلحان. والمهم أنه ينبغي للإنسان أن يكون أداة خير، وأن يحرص على الإصلاح بين الناس وإزالة العداوة والضغائن حتى ينال خيراً كثيراً، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين . قال الله تعالى (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم )) . عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر ) متفق عليه ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين : قال الله تعالى : (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تَعدُ عيناك عنهم )) . وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أَلَا أُخبركم بأهل الجنة ، كل ضعيف مُتضَعَّف لو أقسم على الله لأبره ، أَلَا أُخبركم بأهل النار ، كُلُّ عُتلٍ جَواظٍ مُستَكبِر ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين . قال الله تعالى (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم )) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل ضعفاء المسلمين وفقرائهم والخاملين منهم " : المراد بهذا الباب : تسلية مَن قدّر الله عليه أن يكون ضعيفاً في بدنه، أو ضعيفاً في عقله، أو ضعيفاً في ماله، أو ضعيفاً في جاهه، أو غير ذلك مما يعدّه الناس ضعفاً ، فإن الله سبحانه وتعالى قد يجعل الإنسان ضعيفاً من وجه لكنه قوي عند الله عز وجل، يحبه الله ويُكرمه ، وينزله المنازل العالية ، وهذا هو المهم ، المهم أن تكون قوياً عند الله عز وجل، وجيهاً عنده، ذا شرف يكرمك الله به . ثم ذكر قول الله تعالى مُخاطباً نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَوة وَالْعَشِيّ )) : اصبر نفسك أي: احبسها مع هؤلاء القوم الذين يدعون الله بالغداة : أول النهار ، والعشي: آخر النهار ، والمراد بالدعاء هنا: دعاء المسألة ، ودعاء العبادة. فإن دعاء المسألة دعاء ، كقوله تعالى في الحديث القدسي : ( مَن يدعوني فأستجيب له ) ، (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )) . ودعاء عبادة، وهو أن يتعبد الإنسان لربه بما شرعه ، لأن العابد يدعو بلسان الحال، ولسان المقال، فالصلاة مثلاً عبادة تشتمل على قراءة القرآن، وذكر الله، وتسبيحه، ودعائه أيضاً، والصوم عبادة وإن كان في جوهره ليس فيه دعاء، لكن الإنسان لم يَصُم إلا رجاء ثواب الله، وخوف عقاب الله، فهو دعاء بلسان الحال . وقد تكون العبادة دعاءً محضاً يدعو الإنسان ربه بدعاء فيكون عابداً له، وإن كان مجرد دعاء، لأن الدعاء يعني افتقار الإنسان إلى الله، وإحسان ظنه به، ورجاءه، والخوف من عقابه . (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ )) معنى يدعون يعني : يسألونه حاجاتهم، ويعبدونه ، لأن العابد كما قلت : داعٍ بلسان الحال، بالغداة: أول النهار، والعشي: آخر النهار، ولعل المراد بذلك: يدعون ربهم دائماً، لكنهم يخصون الغداة والعشي بدعائه الخاص، (( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )) : يعني لا يريدون عرضاً من الدنيا، إنما يريدون وجه الله عز وجل . (( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ )) : يعني لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم ، بل كن دائماً ناظراً إليهم، معهم في دعائهم وعبادتهم وغير ذلك ، وهذا كقوله تعالى : (( وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى )) ، هنا قال : (( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ )) يعني: اجعل عيناك دائماً فيهم ، وهنا قال : (( وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) : لا تنظر إلى أهل الدنيا وما متعوا به من النعيم، من المراكب، والملابس، والمساكن، وغير ذلك، كل هذا زهرة الدنيا، والزهرة آخر مآلها الذبول واليبس والزوال، وهي أسرع أوراق الشجرة ذبولاً وزوالاً، ولهذا قال : زهرة، وهي زهرة حسنة في رونقها وجمالها وريحها إن كانت ذات ريح ، لكنها سريعة الذبول، وهكذا الدنيا، زهرة تذبل سريعاً، نسأل الله أن يجعل لنا ولكم حظاً ونصيباً في الآخرة. يقول : (( لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى )) : رزق الله بماذا ؟ بالطاعة، كما قال تعالى : (( لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ )) ، (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )) . ( وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة ) : اللهم صل وسلم عليه ، كلمتان عظيمتان، الإنسان إذا نظر إلى الدنيا ربما تعجبه فيلهو عن طاعة الله، فيقول : لبيك ، يعني أجبتك إلى طاعتك ولم تهمني الدنيا ، ثم يوطن نفسه ويرغبها بشيء أحسن من نعيم الدنيا فيقول : ( إن العيش عيش الآخرة ) ، ( لبيك إن العيش عيش الآخرة ) ، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، عيش الدنيا مهما كان زائل، ومهما كان فإنه محفوف بالحزن، ومحفوف بالآفات، ومحفوف بالنقص، وكما يقول الشاعر في شعره الحكيم: " لا طِيب للعيش ما دامت مُنغصةً *** لذاتُه بادِّكارِ الموتِ والهرمِ " . العيش مآله إحدى أمرين، بل العيش مآله أحد أمرين: إما الهرم حتى يعود الإنسان إلى سن الطفولة، والضعف البدني مع الضعف العقلي، ويكون عالة حتى على أهله، حتى أهله يملونه . وإما الموت، فكيف يطيب العيش للإنسان ؟ العاقل لولا أنه يُؤمل ما في الآخرة وما يرجوه من ثواب الآخرة، لكانت حياته عبثاً. على كل حال أمر أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يَصبِر نفسه مع هؤلاء الذين يدعون الله بالغداة والعشي يريدون وجهه . والآية كما ترون ليس فيها أمر بالضعفاء خاصة، وإن كان سبب النزول هكذا، لكن العبرة بالعموم ، الذين يدعون الله ويعبدونه سواء كانوا ضعفاء أم أغنياء، كن معهم دائماً . لكن الغالب أن الملأ والأشراف يكونون أبعد عن الدين من الضعفاء والمستضعفين ، ولهذا تجدون الذين يكذبون الرسل مَن ؟ الملأ ، قال الملأ في قوم صالح : (( قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ )) ، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم مع أهل الحق ودعاة الحق وأنصاره إنه جواد كريم . القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أَلا أُخبركم بأهل الجنة كل ضعيف مُتضعَّف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أُخبركم بأهل النار، كُل عُتلٍ جواظ مُستكبِر ) ، متفق عليه . العُتل : الغليظ الجافي ، والجوّاظ : بفتح الجيم وتشديد الواو ، وبالظاء المعجمة وهو : الجَموع الـمَنوع ، وقيل : الضخم المختال في مِشيته ، وقيل القصير البطين " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر ) متفق عليه العتل: الغليظ الجافي والجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة وهو الجموع المنوع وقيل الضخم المختال في مشيته وقيل القصير البطين ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : فيما نقله عن حارثة بن وهب رضي الله عنه في : " باب ضعفاء المسلمين وأذلاءهم " : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أُخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيفٍ مُتضعِّف لو أقسم على الله لأبره ) : يعني هذه من علامات أهل الجنة أن الإنسان يكون ضعيفاً متضعفاً، يعني: لا يهتم بمنصبه أو جاهه، أو يسعى إلى علو المنازل في الدنيا، ولكنه ضعيف فينفسه مُتضعِّف، يميل إلى الخمول وإلى عدم الظهور، لأنه يرى أن المهم أن يكون له جاه عند الله عز وجل، لا أن يكون شريفاً في قومه، أو ذا عظمة فيهم، ولكن يرى أن الأهم كلَّه هو أن يكون عند الله سبحانه وتعالى ذا منزلة كبيرة عالية. ولذلك تجد أهل الآخرة لا يهتمون بما يفوتهم من الدنيا، إن جاءهم مِن الدنيا شيء قبلوه، وإن فاتهم شيء لم يهتموا به ، لأنهم يرون أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن ، وأن الأمور بيد الله، وأن تغيير الحال من المحال، وأنه لا يمكن رفع ما وقع ولا دفع ما قُدر إلا بالأسباب الشرعية التي جعلها الله تعالى سبباً -أما أهل النار فقال ألا أخبركم نعم- ، وقوله : ( لو أقسم على الله لأبره ) : يعني لو حلف على شيء ليسر الله له أمره، حتى يحقق له ما حلف عليه، وهذا كثيراً ما يقع أن يحلف الإنسان على شيء ثقة بالله عز وجل، ورجاء لثوابه فيبر الله قسمه، وأما الحالف على الله تعالياً وتحجراً لرحمته، فإن هذا يُخذل، والعياذ بالله. وهاهنا مثلان : المثل الأول : ( أنَّ الرُّبيع بنت النضر رضي الله عنها وهي من الأنصار، كسرت ثنيةَ جارية من الأنصار، فرفعوا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تكسر ثنية الرُّبيع ، لقول الله تعالى: (( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْس )) إلى قوله : (( وَالسِّنَّ بِالسِّنّ )) فقال أخوها أنس بن النضر: والله يا رسول الله لا تكسر ثنية الرُّبيع، فقال يا أنس كتاب الله القصاص ، فقال: والله لا تكسر ثنية الربيع ) . أقسم بهذا ليس ذلك رداً لحكم الله ورسوله ، ولكنه يحاول بقدر ما يستطيع أن يتكلم مع أهلها حتى يعفوا ويأخذوا الدية ، أو يعفوا مجاناً، كأنه واثق من أنه سيعمل ما يستطيع ، لا رداً لحكم الله ورسوله ، فيسر الله سبحانه وتعالى فعفى أهلها عنها ، ( عفى أهل الجارية عن القصاص، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن مِن عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ) . وهذا لا شكَّ أن الحامل لأنس بن النضر هو قوة رجائه بالله عز وجل ، وأن الله سييسر من الأسباب ما يمنع كسر ثنية أخته الرُّبيع . أما الثاني : الذي أقسم على الله تألياً وتعاظماً وترفعاً فإن الله يخيب آماله، ومثال ذلك : ( الرجل الذي كان مطيعاً لله عز وجل عابداً، يمر على رجل عاص، كلما مر عليه وجده على المعصية، فقال: والله لا يغفر الله لفلان ) ، حمله على ذلك الإعجاب بنفسه، والتحجر بفضل الله ورحمته، واستبعاد رحمة الله عز وجل من عباده. ( فقال الله تعالى : مَن ذا الذي يتألى علي -يعني يحلف علي- ألا أغفر لفلان. قد غفرت له، وأحبطت عملك ) ، فانظر الفرق بين هذا وهذا. فقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إن من عباد الله ) ، ( مِن ) للتبعيض، ( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ) ، وذلك فيمن أقسم على الله ثقة به، ورجاء لما عند الله عز وجل. ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا أخبركم بأهل النار، كل عُتل جواظ مستكبر ) : هذه علامات أهل النار. ( عُتل ) : يعني أنه غليظ جاف، قلبه حجر والعياذ بالله ، كالحجارة أو أشد قسوة. ( جَوَّاظ مستكبر ) : الجواظ فيه تفاسير متعددة، قيل إنه الجموع المنوع، يعني الذي يجمع المال ويمنع ما يجب فيه، والظاهر أن الجوَّاظ هو : الرجل الذي لا يصبر، جوَّاظ يعني أنه جزوع لا يصبر على شيء، ويرى أنه في قمةٍ أعلى من أن يمسه شيء. ومن ذلك قصة : ( الرجل الذي مع الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة، وكان شجاعاً لا يدع شاذة ولا فاذة للعدو إلا قضى عليها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن هذا مِن أهل النار، فعظم ذلك على الصحابة، وقالوا: كيف يكون هذا من أهل النار وهو بهذه المثابة ؟ ثم قال رجل: والله لألزمنه -يعني لألازمه- حتى أنظر ماذا تكون حاله، فلزمه فأصابه سهم، -أصاب هذا الرجل الشجاع سهم من العدو- فعجز عن الصبر وجزع ، ثم أخذ بذبابة سيفه فوضعه في صدره ثم اتكأ عليه حتى خرج السيف من ظهره ، والعياذ بالله، فقتل نفسه، فجاء الرجل للرسول صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أشهد أنك لرسول الله، قال: وبم ؟ قال: لأن الرجل الذي قلت إنه من أهل النار، فعل كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ) ، فانظر إلى هذا الرجل جزع ، عجز أن يتحمل فقتل نفسه . فالجوَّاظ هو الجزوع الذي لا يصبر، دائماً في أنين وحزن وهمّ وغمّ، معترضاً على القضاء والقدر، لا يخضع له، ولا يرضى بالله رباً . وأما المستكبر فهو الذي جمع بين وصفين : غَمط الناس، وبَطَر الحق لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( الكِبر بطَر الحق، وغَمْط الناس ) وبطر الحق: يعني رده، وغمط الناس: يعني احتقارهم، فهو في نفسه عال على الحق، وعال على الخلق، لا يلين للحق ولا يرحم الخلق والعياذ بالله. فهذه علامات أهل النار، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يدخلنا وإياكم الجنة، إنه جواد كريم .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس ( ما رأيك في هذا ) فقال رجل من أشراف الناس هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما رأيك في هذا ) فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : ( مرَّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس : ما رأيك في هذا ؟ فقال رجل من أشراف الناس : هذا والله حَريٌّ إن خطب أن يُنكَح وإن شفع أن يُشفع، فسكت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم مرَّ رجل آخر فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا ؟ فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين ، هذا حَري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) ، متفق عليه ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس ( ما رأيك في هذا ) فقال رجل من أشراف الناس هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما رأيك في هذا ) فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ، قال : ( مرَّ رجل عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل: ما تقول في هذا ؟ قال: رجل من أشراف الناس، حَريٌ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفع، ثم مرَّ رجل آخر، فسأل عنه فقالوا : هذا رجل من ضعفاء المسلمين، حَري إن خطب ألا يُنكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع لقوله ) : فهذان رجلان أحدهما من أشراف القوم، وممن له كلمة فيهم، وممن يجاب إذا خطب، ويُسمع إذا قال، والثاني بالعكس، رجل من ضعفاء الناس ليس له قيمة، إن خطب فلا يجاب، وإن شفع فلا يُشفَّع، وإن قال فلا يُسمع. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( هذا خيرٌ من ملء الأرض مثل هذا ) : أي : خير عند الله عز وجل من ملء الأرض من مثل هذا الرجل الذي له شرف وجاه في قومه ، لأن الله سبحانه وتعالى ليس ينظر إلى الشرف، والجاه، والنسب، والمال، والصورة، واللباس، والمركوب، والمسكون، وإنما ينظر إلى القلب والعمل، فإذا صلح القلب فيما بينه وبين الله عز وجل، وأناب إلى الله، وصار ذاكراً لله تعالى خائفاً منه، مخبتاً إليه، عاملاً بما يرضي الله عز وجل، فهذا هو الكريم عند الله، وهذا هو الوجيه عنده، وهذا هو الذي لو أقسم على الله لأبره. فيؤخذ مِن هذا فائدة عظيمة وهو أن الرجل قد يكون ذا منزلة عالية في الدنيا، ولكنه ليس له قدر عند الله، وقد يكون في الدنيا ذا مرتبة منحطة وليس له قيمة عند الناس وهو عند الله خير من كثير ممن سواه ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من الوجهاء عنده ، وأن يجعل لنا ولكم عنده منزلة عالية، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( احتجت الجنة والنار فقالت النار في الجبارون والمتكبرون وقالت الجنة في ضعفاء الناس ومساكينهم فقضى الله بينهما إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما علي ملؤها ) رواه مسلم ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( احتجَّت الجنة والنار ، فقالت النار : فيّ الجبارون والمتكبرون ، وقالت الجنة : فيّ ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ، ولكليكما علي ملؤها ) ، رواه مسلم " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( احتجت الجنة والنار فقالت النار في الجبارون والمتكبرون وقالت الجنة في ضعفاء الناس ومساكينهم فقضى الله بينهما إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما علي ملؤها ) رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( احتجّت الجنة والنار ) يعني: تحاجا فيما بينهما، كل واحدة تدلي بحجتها، وهذا من الأمور الغيبية التي يجب علينا أن نؤمن بها حتى وإن استبعدتها العقول ، يعني لو أن الإنسان قال: كيف تتحاج الجنة والنار وهما جمادان ؟! فإننا نقول : إن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الأرض يوم القيامة تحدث أخبارها بما أوحى الله إليها به ، فإذا أمر الله شيئاً في شيء، فإن هذا المأمور سيستجيب على كل حال، الأيدي يوم القيامة والألسن والأرجل والجلود كلها تشهد، مع أنها جماد، وتشهد على صاحبها مع أنها أقرب الناس إليه، لأن الله سبحانه وتعالى على كل شيءِ قدير. فالجنة احتجت على النار، والنار احتجت على الجنة : النار احتجت بأن فيها الجبارين والمتكبرين . الجبارين أصحاب الغلظة والقسوة، والمتكبرون : أصحاب الترفع والعلو، الذين يغمطون الناس ويردون الحق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الكِبر : ( إنه بطر الحق وغَمط الناس ) ، فأهل الجبروت وأهل الكبرياء هم أهل النار والعياذ بالله، وربما يكون صاحب النار لينَ الجانب للناس، حسن الأخلاق، لكنه جبار بالنسبة للحق، مستكبر عن الحق، فلا ينفعه لينه، لين جانبه وعطفه على الناس، بل هو موصوف بالجبروت والكبرياء ولو كان لين الجانب للناس، لأنه تجبر واستكبر عن الحق . أما الجنة فقالت : إن فيها ضعفاء الناس وفقراء الناس ، فهم في الغالب هم الذين يلينون للحق ، وينقادون له ، وأما أهل الكبرياء والجبروت ، فالغالب أنهم لا ينقادون . فقضى الله بينهما عز وجل : ( فقال للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ، وقال للنار : أنت عذابي أعذب بك من أشاء ) : أنت رحمتي : يعني أنها الدار التي نشأت من رحمة الله، وليست رحمته التي هي صفته ، فإن رحمته التي هي صفته وصف قائم به ، لكن الرحمة هنا مخلوق ، أنتِ رحمتي : يعني خلقتك برحمتي، أرحم بك من أشاء . وقال للنار : أنت عذابي أعذب بك من أشاء ، كقوله تعالى: (( يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ )) ، فأهل الجنة هم أهل رحمة الله ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، وأهل النار هم أهل عذاب الله. ثم قال عز وجل : ( ولكل واحدة منكما عليَّ ملؤها ) : تكفل عز وجل وأوجب على نفسه أن يملأ الجنة ويملأ النار، وفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته أوسع مِن غضبه ، فإنه إذا كان يوم القيامة ألقى اللهُ مَن يلقي في النار، وهي تقول هل من مزيد، يعني أعطوني، أعطوني، زيدوا، زيدوا. ( فيضع الله عليها رجله، وفي لفظ عليها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، -ينضم بعضها إلى بعض من أثر وضع الرب عز وجل عليها قدمه- وتقول: قط قط ) : يعني: كفاية كفاية، وهذا ملؤها، هذا ملؤها . أما الجنة فإن الجنة واسعة، عرضها السَّمَوَاتِ والأرض يدخلها أهلها ويبقى فيها فضل زائد على أهلها، فينشىء الله تعالى لها أقواماً فيدخلهم الجنة بفضله ورحمته، لأن الله تكفل لها بملئها. ففي هذا دليل على أن الفقراء والضعفاء هم أهل الجنة، لأنهم في الغالب هم الذين ينقادون للحق، وأن الجبارين المتكبرين هم أهل النار والعياذ بالله، لأنهم مستكبرون على الحق وجبارون ، لا تلين قلوبهم لذكر الله ، ولا لعباد الله ، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) متفق عليه ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( إنه ليؤتى بالرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) : ذكر المؤلف هذا الحديث في : " باب المستضعفين والفقراء من المسلمين " ، وذلك لأن الغالب أن السمنة إنما تأتي من البِطنة أي : من كثرة الأكل ، وكثرة الأكل يدل على كثرة المال والغنى، والغالب على الأغنياء ، الغالب عليهم البَطَر والأَشَر وكفر النعمة، حتى إنهم يوم القيامة يكونون بهذه المثابة، يؤتى بالرجل العظيم السمين يعني : كثير اللحم والشحم، عظيم كبير الجسم، لا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضة، والبعوضة معروفة مِن أمهن الحيونات وأهونها وأضعفها، وجناحها كذلك. وفي هذا الحديث إثبات الوزن يوم القيامة، وقد دلّ على ذلك كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى : (( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )) ، وقال جل وعلا : (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ )) . وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) . فالوزن يوم القيامة وزن عدل، ليس فيه ظلم، يجازى فيه الإنسان على حسب ما عنده من الحسنات والسيئات، قال أهل العلم : " فمن رجُحت حسناته على سيئاته فهو من أهل الجنة، ومن رجُحت سيئات على حسناته استحق أن يعذب في النار، ومن تساوت حسناته وسيئاته كان مِن أهل الأعراف، الذين يكونون بين الجنة والنار لمدة، على حسب ما يشاء الله عز وجل، وفي النهاية يدخلون الجنة " . ثم إن الوزن وزن حسي بميزان له كِفتان، توضع في إحداهما السيئات وفي الأخرى الحسنات، وتثقل الحسنات، وتخف السيئات إذا كانت الحسنات أكثر، والعكس بالعكس. ثم ما الذي يوزَن ؟ ظاهر هذا الحديث أن الذي يوزن الإنسان، الذي يوزن هو الإنسان، وأنه يخف ويثقل بحسب أعماله. وقال بعض العلماء : " بل الذي يوزن صحائف الأعمال، توضع صحائف السيئات في كفة، وصحائف الحسنات في كفة، وما رَجُح فالعمل عليه " . وقيل : بل الذي يوزن العمل، لأن الله تعالى قال : (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )) فجعل الوزن للعمل، وقال تعالى : (( وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا )) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ) ، فقوله : ( كلمتان ثقيلتان في الميزان ) : يدل على أن الذي يوزن هو العمل، وهذا هو ظاهر القرآن الكريم وظاهر السنة، وربما يوزن هذا وهذا، أي توزن الأعمال وتوزن صحائف الأعمال. وفي هذا الحديث التحذير مِن كون الإنسان لا يهتم إلا بنفسه ، أي بتنعيم جسده، والذي ينبغي للعاقل أن يهتم بتنعيم قلبه، ونعيم قلب الإنسان بالفطرة ، وهي التزام دين الله عز وجل، وإذا نَعُم القلب نَعُم البدن ولا عكس. قد ينعم البدن ويؤتى الإنسان من الدنيا ما يُؤتى من زهرتها، ولكن قلبه في جحيم والعياذ بالله. وإذا شئت أن تتبين هذا فاقرأ قوله تعالى : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) ، لم يقل : فلننعمن أبدانهم، (( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة )) : وذلك بما يجعل الله في قلوبهم من الأنس، وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وغير ذلك، حتى إن بعض السلف قال : " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف " : يعني من انشراح الصدر، ونور القلب والطمأنينة والسكون . أسأل الله أن يشرح قلبي وقلوبكم للإسلام ، وينورها بالعلم والإيمان إنه جواد كريم.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ففقدها أو فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه فقالوا مات قال ( أفلا كنتم آذنتموني ) فكأنهم صغروا أمرها أو أمره فقال دلوني على قبره فدلوه فصلى عليها ثم قال ( إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم ) متفق عليه ... " .
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن امرأة سوداء كانت تَقُم المسجدَ أو شاباً، ففقدها أو فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها أو عنه فقالوا : مات ، قال : أفلا كنتم آذنتموني به، فكأنهم صغروا أمرها أو أمره ، فقال: دلوني على قبره فدلوه عليه، ثم قال : إن هذه القبور مملوءةٌ ظلمة على أهلها وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ففقدها أو فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه فقالوا مات قال ( أفلا كنتم آذنتموني ) فكأنهم صغروا أمرها أو أمره فقال دلوني على قبره فدلوه فصلى عليها ثم قال ( إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن امرأة سوداء كان تَقُم المسجد أو شاباًّ ) : وأكثر الروايات على أنها امرأة ، ( سوداء ) : يعني ليست من نساء العرب ، ( تَقُم المسجد ) : يعني تنظفه وتزيل القمامة، فماتت، ماتت في الليل فصغر الصحابة رضي الله عنهم شأنها، وقالوا : لا حاجة إلى أن نخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الليل، ثم خرجوا بها فدفنوها، ففقدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : إنها ماتت فقال : ( هلا كنتم آذنتموني ) يعني : أعلمتموني حين ماتت، ثم قال : ( دلوني على قبرها، فدلوه، فصلى عليها، ثم قال صلى الله عليه وسلم : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم ) .