شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ففقدها أو فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه فقالوا مات قال ( أفلا كنتم آذنتموني ) فكأنهم صغروا أمرها أو أمره فقال دلوني على قبره فدلوه فصلى عليها ثم قال ( إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم ) متفق عليه ... " .
الشيخ : وأكثر الروايات على أنها امرأة ، ( سوداء ) : يعني ليست من نساء العرب ، ( تَقُم المسجد ) : يعني تنظفه وتزيل القمامة، فماتت، ماتت في الليل فصغر الصحابة رضي الله عنهم شأنها، وقالوا : لا حاجة إلى أن نخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الليل، ثم خرجوا بها فدفنوها، ففقدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالوا : إنها ماتت فقال : ( هلا كنتم آذنتموني ) : يعني أعلمتموني حين ماتت، ثم قال : ( دُلوني على قبرها، فدلوه، فصلى عليها، ثم قال صلى الله عليه وسلم : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم ) : ففي هذا الحديث دليل على فوائد : الأولى : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يعظم الناس بحسب أعمالهم، وما قاموا به من طاعة الله وعبادته. ومِن الفوائد جواز تولي المرأة لتنظيف المسجد، وأنه لا يُحجر ذلك على الرجال فقط، بل كل مَن احتسب ونظف المسجد فله أجره، سواء باشرته المرأة، أو استأجرت مَن يقُم المسجد على حسابها. ومِن فوائد هذا الحديث : مشروعية تنظيف المساجد، وإزالة القمامة عنها، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( عُرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ) ، القذاة : " الشيء الصغير، يخرجه الرجل من المسجد فإنه يؤجر عليه " . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب ) : فالمساجد بيوت الله ينبغي العناية بها وتنظيفها ، ولكن لا ينبغي زخرفتها وتنقيشها بما يوجب أن يلهو المصلون بما فيها مِن الزخرفة ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لتزخرفنها -يعني المساجد - كما زخرفها اليهود والنصارى ) . ومن فوائد هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، ولهذا قال : ( دلوني على قبرها ) ، فإذا كان لا يعلم الشيء المحسوس فالغائب من باب أولى، فهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب ، وقد قال الله له : (( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )) ، وقال له : (( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )) . ومِن فوائد هذا الحديث : مشروعية الصلاة على القبر لمن لم يصل عليه قبل الدفن ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج فصلى على القبر حيث لم يصلّ عليها قبل الدفن، ولكن هذا مشروع لمن مات في عهدك وفي عصرك، أما من مات سابقاً فلا يُشرع أن تصلي عليه، ولهذا لا يُشرع لنا أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم على قبره ، أو على قبر أبي بكر، أو عمر، أو عثمان ، أو غيرهم من الصحابة ، أو غيرهم من العلماء والأئمة. وإنما تشرع الصلاة لمن مات في عهدك، فمثلاً إذا مات إنسان قبل ثلاثين سنة وعمرك ثلاثون سنة فإنك لا تصلي عليه صلاة الميت ، لأنه مات قبل أن تُخلق وقبل أن تكون مِن أهل الصلاة ، أما من مات وأنت قد كنت من أهل الصلاة، مِن قريب أو أحدٍ تحب أن تصلي عليه فلا بأس ، فلو فُرض أن رجلاً مات قبل سنة أو سنتين، وأحببتَ أن تصلي عليه ، على قبره وأنت لم تصل عليه من قبل فلا بأس . ومِن فوائد هذا الحديث : حُسن رعاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمته ، وأنه كان يتفقدهم ويسأل عنهم ، فلا يشتغل بالكبير عن الصغير ، كل ما يهم المسلمين فإنه يسأل عنه عليه الصلاة والسلام . ومِن فوائد هذا الحديث : جواز سؤال المرء ما لا تكون به منّة في الغالب ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( دُلوني على قبرها ) وهذا سؤال، لكن مثل هذا السؤال ليس فيه منّة، بخلاف سؤال المال، فإن سؤال المال محرم، يعني لا يجوز أن تسأل شخصاً مالاً وتقول : أعطني عشرة ريالات مائة ريال، إلا عند الضرورة. أما سؤال غير المال مما لا يكون فيه منّة في الغالب فإن هذا لا بأس به، ولعل هذا مخصَّص أو مخصِّصٌ لما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع أصحابه فقد كان يبايعهم ألا يسألوا الناس شيئاً . وربما يُؤخذ من هذا الحديث جواز إعادة الصلاة على الجنازة، لمن صلى عليها من قبل إذا وجد جماعة ، لأن الظاهر أن الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّوا معه، وعلى هذا فتشرع إعادة صلاة الجماعة إذا صلى عليها جماعة آخرون مرة ثانية، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، وقال : " إنه كما أن صلاة الفريضة تُعاد إذا صليتها ثم أدركتها مع جماعة أخرى ، فكذلك صلاة الجنازة " ، وبناءً على ذلك : لو أن أحداً صلى على جنازة في المسجد، ثم خرجوا بها للمقبرة، ثم قام أناس يصلون عليها جماعة فإنه لا حرج ولا كراهة في أن تدخل مع الجماعة الآخرين فتعيد الصلاة، لأن إعادة الصلاة هنا لها سبب ليست مجرد تكرار، بل لها سبب وهو وجود الجماعة الأخرى. فإذا قال قائل : إذا صليتُ على القبر فأين أقف ؟ فالجواب أنك تقف وراءه ، تجعله بينك وبين القبلة، كما هو الشأن فيما إذا صليت عليه قبل الدفن، والله أعلم .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) رواه مسلم . وعن أسامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ) متفق عليه ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) ، رواه مسلم . وعن أسامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قُمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين ، وأصحاب الجد محبوسون ، غير أن أصحاب النار قد أُمر بهم إلى النار ، وقُمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ) ، متفق عليه " .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) رواه مسلم . وعن أسامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( رُبَّ أشعث أغبر مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) : ( أشعث ) : من صفات الشَعَر، يعني شعره أشعث، ليس له ما يدهن به الشعر، ولا ما يرجله، وليس يهتم بمظهره، ( أغبر ) : يعني أغبر اللون، أغبر الثياب، وذلك لشدة فقره. ( مدفوع بالأبواب ) : يعني ليس له جاه، إذا جاء إلى الناس يستأذن لا يأذنون له، بل يدفعونه بالباب، إذا فتح الباب ووجده هذا الرجل دفع الباب بوجهه، لأنه ليس له قيمة عند الناس لكن له قيمة عند رب العالمين، ( لو أقسم على الله لأبره ) : لو قال : والله لا يكون كذا لم يكن، والله ليكونن كذا لكان ، ( لو أقسم على الله لأبره ) : لكرمه عند الله عز وجل ومنزلته. فبأي شيء يحصل هذا ؟ لأنه ربما يكون رجل أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله ما أبره، ورب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره، فما هو الميزان؟ الميزان تقوى الله عز وجل، كما قال الله تعالى : (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) : فمن كان أتقى لله فهو أكرم عند الله، ييسر الله له الأمر، يجيب دعاءه، ويكشف ضره، ويبر قسمه. وهذا الذي أقسم على الله لن يُقسم بظلم، لن يقسم بظلم لأحد، ولن يجترئ على الله في ملكه، ولكنه يقسم على الله في مراضي الله ثقة بالله عز وجل، أو في أمور مباحة ثقة بالله عز وجل. وقد مرّ علينا في قصة الرّبيع بنت النضر وأخيها أنس بن النضر، ( فإن الربيع كسرت ثنية جارية من الأنصار، فاحتكموا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تكسر ثنية الربيع ، لأنها كسرت ثنية الجارية الأنثى ، فقال أخوها أنس: يا رسول الله، تكسر ثنية الربيع؟ قال: نعم، كتاب الله القصاص، السن بالسن، قال: والله لا تكسر ثنية الربيع ) : قال ذلك ثقة بالله عز وجل، ورجاءً لتيسيره وتسهيله، فأقسم هذا القسم، ليس رداً لحكم الرسول، كلا ، ولكن ثقة بالله عز وجل، ( فهدى الله أهل الجارية ورضوا بالدية أو عفوا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ) ، لأنه يقسم على الله في شيء يرضاه الله عز وجل، إحساناً في ظنه بالله عز وجل. أما من أقسم على الله تألياً على الله، واستكباراً على عباد الله، وإعجاباً بنفسه فهذا لا يبر الله قسمه ، لأنه ظالم، ومن ذلك قصة الرجل العابد الذي كان يمر برجل مسرف على نفسه، فقال: والله لا يغفر الله لفلان، أقسم أن الله ما يغفر له، لماذا تقسم؟ المغفرة بيدك؟ الرحمة بيدك؟ فقال الله جل وعلا : ( مَن ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ ) استفهام إنكار ، ( قد غفرت له وأبطلت عملك ) : نتيجة سيئة والعياذ بالله، لم يبر الله بقسمه، بل أحبط عمله، لأنه قال ذلك إعجاباً بعمله، وإعجاباً بنفسه، واستكباراً على عباد الله عز وجل. أما حديث أسامة بن زيد، فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إنه اطلعت إلى أهل الجنة أو قال : ( وقفت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها الفقراء ) ، يعني أكثرهم، أكثر ما يدخل الجنة الفقراء، لأن الفقراء في الغالب أقرب إلى العبادة والخشية لله من الأغنياء ، (( كَلَّا إِنَّ الْإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى )) والغني يرى أنه مستغن بماله، فهو أقل تعبداً من الفقير، وإن كان من الأغنياء من يعبد الله أكثر من الفقراء، لكن الغالب، ( وأصحاب الجد ) : يعني أصحاب الحظ والغنى محبوسون لم يدخلوا الجنة بعد، الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء ، ( غير أن أهل النار قد أُمر بهم إلى النار ) . فقسم الرسول عليه الصلاة والسلام الناس إلى أقسام ثلاثة: أهل النار دخلوا النار -أعاذنا الله وإياكم منها- والفقراء دخلوا الجنة، والأغنياء من المؤمنين موقوفون محبوسون، إلى أن يشاء الله ، أما أهل النار فأخبر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : ( أنَّ عامة من دخلها النساء ) ، أكثر من يدخل النار النساء، لأنهن أصحاب فتنة، ولهذا قال لهن الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم عيد من الأعياد قال : ( يا معشر النساء، تصدقن، ولو من حُليكن فإنكن أكثر أهل النار، قالوا : يا رسول الله لم ؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير ) . ( تُكثرن اللعن ) : أي السب والشتم، لسانها سليط، كيدها عظيم ، ( وتكفرن العشير ) : المعاشر وهو الزوج، لو أحسن إليها الدهر كله، ثم رأت سيئة واحدة قالت: ما رأيت خيراً قط، تكفر النعمة ولا تقر بها. في هذا الحديث دليل على أنه يجب على الإنسان أن يحترز من فتنة الغنى، فإن الغنى قد يُطغي، وقد يأوي بصاحبه إلى الأَشَر، والبطر، ورد الحق، وغمط الناس، فاحذر نعمتين : الغنى، والصحة، والفراغ أيضاً سبب للفتنة، فالثلاث هذه: الغنى، والصحة، والفراغ، هذه مما يغبن فيه كثير من الناس، ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ) ، والفراغ في الغالب يأتي من الغنى، لأن الغنى منكف عن كل شيء متفرغ، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم وصاحب جريج وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت يا جريج فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت يا جريج فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها فقالت إن شئتم لأفتننه فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوى إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم قالوا زنيت بهذه البغي فولدت منك قال أين الصبي فجاءوا به فقال دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك قال فلان الراعي فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع . فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكى ارتضاعه بإصبعه السبابة في فيه فجعل يمصها قال ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقال اللهم اجعلني مثلها فهنالك تراجعا الحديث فقالت مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها قال إن ذلك الرجل كان جبارا فقلت اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت اللهم اجعلني مثلها متفق عليه ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف رحمه الله تعالى- " عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى ابن مريم ، وصاحب جريج ، وكان جريج رجلاً عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها ، فأتته أمه وهو يصلي فقالت : يا جريج ، فقال: يا رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته فانصرفت ، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي ؟! فأقبل على صلاته ، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات ، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته وكانت امرأة بَغي يُتمثل بحسنها ، فقالت: إن شئتم لأفتننه ، فتعرضت له فلم يلتفت إليها ، فأتت راعياً كان يأوى إلى صومعته ، فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت ، فلما ولدت قالت: هو من جريج ، فَأَتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه ، فقال: ما شأنكم ؟ قالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك، قال: أين الصبي ؟ فجاءوا به فقال: دعوني حتى أصلي ، فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك ؟ قال : فلان الراعي ، فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به ، وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب ، قال: لا ، أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا ، وبينا صبي يرضع من أمه فمرَّ رجل راكب على دابة فارهة وشارَة حسنة ، فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا ، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال : اللهم لا تجعلني مثله ، ثم أقبل على ثديها فجعل يرتضع، فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فيه، فجعل يمصها ثم قال: ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها فقال: اللهم اجعلني مثلها ، فهنالك تراجعا الحديث ، فقالت: مَرَّ رجلٌ حسن الهيئة فقلت : اللهم اجعل ابني مثله ، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله ، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني مثلها، قال: إن ذلك الرجل جبار فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون: زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت اللهم اجعلني مثلها ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا حديث طويل وسنتكلم عليه إن شاء الله في المستقبل جزءاً جزءاً، لكنا أحببنا أن يقرأه اليوم لأجل أن يستكمل السياق، ونتكلم عليه إن شاء الله في المستقبل .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى ابن مريم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال : ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ) : أولاً: عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وعيسى ابن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل، بل آخر الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم نبي، كما قال الله تعالى: (( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )) : فليس بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام نبي . وأما ما يذكر عند بعض المؤرخين مِن وجود أنبياء في العرب كخالد بن سنان وغيره، فهذا كذب ولا صحة له. عيسى ابن مريم كان آية من آيات الله عز وجل، كما قال تعالى : (( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ )) ، كان آية في منشئه، وآية في وضعه . أما منشؤه : فإن أمه مريم رضي الله عنها، حملت به من غير أب، أرسل الله عز وجل جبريل إليها فتمثل لها بشراً سويًا، ونفخ في فرجها فعَلَقت بعيسى عليه الصلاة والسلام، والله على كل شيء قدير، فالقادر على أن يخلق الولد من المني، قادر على أن يخلقه بهذه النفخة، كما قال تعالى: (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) ، لا يستعصي على قدرة الله شيء، إذا أراد شيئاً قال: كن فكان، فولدت، حملت، وقيل: إنه لم يبق في بطنها كما تبقى الأجنة، ولكنها حملته وشب سريعاً، ثم وضعته. وكان في وضعه آية، أجاءَها المخاض أي : أجاء مريم المخاض إلى جذع النخلة، فقالت: (( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً )) ، هي لم تتمن الموت لكنها تمنت أنه لم يأتها هذا الشيء حتى الموت ، (( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً )) عين تمشي تحتها في النخلة ، ثم قال : (( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً )) : تهز الجذع وهي امرأة قد أتاها المخاض، فتتساقط مِن هزها الرطب، رطباً جنيًا لا يفسد إذا وقع على الأرض، وهذا خلاف العادة، العادة أن المرأة عند النفاس تكون ضعيفة، والعادة عند هز النخلة ألا تهز مِن أسفل، تهز من فوق، من الجذع لا تهتز ولو هزها الإنسان، العادة أيضاً أن الرطب إذا سقط فإنه يسقط على الأرض ويتمزق، لكن الله قال: (( تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ))، الله أكبر! من آيات الله عزَّ وجلَّ، الله على كل شيء قدير. وضعت الولد فأتت به قومها تحمله، تحمله طفلا وهي لم تتزوج، فقالوا لها يعرضونها بالبغاء، قالوا: (( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً )) : يعني كأنهم يقولون: من أين جاءك الزنى نسأل الله العافية وأبوك ليس امرأ سوء وأمك ليست بغية؟ وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا زنى فقد يُبتلى نسله بالزنى والعياذ بالله، كما جاء في الحديث في الأثر: ( من زنى زنى أَهلُه ) . فهؤلاء قالوا: ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فألهمها الله عزَّ وجلَّ ، أشارت إلى الولد ، إلى الطفل، أشارت إليه فكأنهم سخروا بها، (( قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً )) ، هذا غير معقول! ولكنه التفت إليهم وقال هذا الكلام البليغ العجيب : (( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً )) : سبع جمل ، الله أكبر ، من طفل في المهد. ولكن لا تتعجب، قدرة الله فوق كل شيء، أليست جلودنا وأيدينا وأرجلنا وألسنتنا يوم القيامة تشهد علينا بما فعلنا ؟ أجيبوا ! الطالب : نعم . الشيخ : بلى ، لا تقول نعم، قل: بلى تشهد. أليست الأرض تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها؟ الأرض تشهد بما عملت عليها من قول أو فعل : (( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا )) : إذن هذا كلام عيسى ابن مريم، تكلم بهذه الكلمات العظيمة، سبع جمل وهو في المهد .
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ... وصاحب جريج وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت يا جريج فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت يا جريج فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها فقالت إن شئتم لأفتننه فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوى إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم قالوا زنيت بهذه البغي فولدت منك قال أين الصبي فجاءوا به فقال دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك قال فلان الراعي فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا ... ) متفق عليه ... " .
الشيخ : أما الثاني : فهو صاحب جريج، جريج رجل عابد، انعزل عن الناس، والعزلة خير إذا كان في الخلطة شر، ، العزلة خير إذا كان في الخلطة شر، أما إذا لم يكن في الخلطة شر فالاختلاط بالناس أفضل، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم و يصبر على أذاهم ) ، لكن إذا كان في الخلطة ضرر عليك في دينك، فانجُ بدينك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( يوشك أن يكون خير مال الرجل غنمًا يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر ) : يعني يفر بدينه من الفتن. فهنا جريج انعزل عن الناس، بنى صومعة يعني مكاناً يتعبد فيه لله عز وجل ، فجاءته أمه ذات يوم وهو يصلي فنادته، فقال في نفسه : أي ربي أمي وصلاتي !!؟ هل أجيب أمي وأقطع الصلاة، أو أستمر في صلاتي؟ فمضى في صلاته. وجاءته مرة ثانية، وقالت له مثل الأولى، فقال مثل ما قال، ثم استمر في صلاته، فجاءته المرة الثالثة فدعته، فقال مثل ما قال، ثم استمر في صلاته، فأدركها الغضب، وقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات -أعوذ بالله- الزواني، حتى ينظر في وجوه الزواني. والإنسان إذا نظر في وجوه الزواني افتتن، لأن نظر الرجل إلى المرأة فتنة، فكيف إذا كانت والعياذ بالله زانية بغية؟! لأنه ينظر إليها على أنها تمكنه مِن نفسها فيفتتن، فقالت هذه الجملة. يُستفاد من هذه الجملة من الحديث : أن الوالدين إذا نادياك وأنت تصلي، فإن الواجب إجابتهما، لكن بشرط ألا تكون الصلاة فريضة، فإن كانت فريضة فلا يجوز أن تجيبهما، لكن إذا كانت نافلة فأجبهما. إلا إذا كانا ممن يقدرون الأمور قدرها، وأنهما إذا علما أنك في صلاة عذراك فهنا أشر إليهما بأنك في صلاة إما بالنحنحة، أو بقول : سبحان الله، أو برفع صوتك في آية تقرؤها، أو دعاء تدعو به، حتى يشعر المنادي بأنك في صلاة، فإذا علمت أن هذين الأبوين: الأم والأب عندهما مرونة يعذرانك إذا كنت تصلي ألا تجيب، فنبههما على أنك تصلي. مثلاً إذا جاءك أبوك وأنت تصلي سنة الفجر، قال: يا فلان، فلان وأنت تصلي، إن كان أبوك رجلاً مرناً يعذرك فتنحنح له، أو قل: سبحان الله، أو ارفع صوتك بالقراءة أو بالدعاء أو بالذكر الذي أنت فيه، حتى يعذرك، وإن كان مِن الآخرين الذين لا يعذرون، ويريدون أن يكون قولهم هو الأعلى، فاقطع صلاتك وكلمهم، وكذلك يقال في الأم. أما الفريضة فلا تقطعها لأحد، إلا عند الضرورة، كما لو رأيت شخصاً تخشى أن يقع في هلكة، في بئر، في بحر ، في نار، فهنا اقطع الصلاة للضرورة، وأما لغير ذلك فلا يجوز قطع الفريضة. ويستفاد من هذه القطعة أن دعاء الوالد إذا كان بحق فإنه حريّ بالإجابة، فدعاء الوالد ولو على ولده إذا كان بحق فهو حري أن يجيبه الله، ولهذا ينبغي لك أن تحترس غاية الاحتراس من دعاء الوالدين، حتى لا تعرض نفسك لقبول الله دعاءهما فتخسر. وفيه أيضاً في الحديث دليل على أن الشفقة التي أودعها الله في الوالدين قد يوجد ما يرفع هذه الشفقة، لأن هذه الدعوة عظيمة من هذه المرأة أن تدعو على ولدها أن لا يموت حتى ينظر في وجوه المومسات، لكن شدة الغضب والعياذ بالله أوجب لها أن تدعو بهذا الدعاء، والله الموفق. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- في سياق حديث جريج : " ( وبينا صبيٌ يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة، وشَارة حسنة فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع، فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فيه، فجعل يمصها ثم قال: ومرُّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها فقال: اللهم اجعلني مثلها فهنالك تراجعا الحديث ، فقالت: مرّ رجل حسن الهيئة فقلتُ: اللهم اجعل ابني مثله، فقلتَ: اللهم لا تجعلني مثله، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت فقلتُ: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلتَ: اللهم اجعلني مثلها، قال: إن ذلك الرجل جبار فقلتُ: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون لها: زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق، فقلتُ: اللهم اجعلني مثلها ) متفق عليه " .
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ... وصاحب جريج وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت يا جريج فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت يا جريج فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها فقالت إن شئتم لأفتننه فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوى إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم قالوا زنيت بهذه البغي فولدت منك قال أين الصبي فجاءوا به فقال دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك قال فلان الراعي فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا ... ) . متفق عليه ... " .
الشيخ : سبق الكلام على أول حديث أبي هريرة في قصة الذين تكلموا في المهد، ومنهم عيسى ابين مريم عليه الصلاة والسلام، وجريج وكان عابداً قد بنى له صومعة يتعبد لله فيها، فتكلم فيه بنو إسرائيل فقالت امرأة منهم، إني أنا أكفيكم، لأَن أمه مرَّت عليه ثلاث مرات وهو يصلي فتدعوه وهو يستمر في صلاته فدعت عليه كما مر. وفي قصته من الفوائد غير ما سبق : أن الإنسان إذا تعرف إلى الله تعالى في الرخاء عرفه في الشدة، فإن هذا الرجل كان عابداً يتعبد لله عز وجل، فلما وقع في الشدة العظيمة، أنجاه الله منها. لما جاء إليه هؤلاء الذين كادوا له هذا الكيد العظيم، ذهبت هذه المرأة إلى جريج لتفتنه ولكنه لم يلتفت إليها، فإذا راعي غنم يرعاها ثم يأوي إلى صومعة هذا الرجل، فذهبت إلى الراعي فزنى بها والعياذ بالله، فحملت منه. ثم قالوا: إن هذا الولد ولد زنى من جريج ، رموه بهذه الفاحشة العظيمة، فأقبلوا عليه يضربونه وأخرجوه من صومعته وهدموها، فطلب منهم أن يأتوا بالغلام الذي مِن الراعي، فلما أتوا به، ضرب في بطنه، وقال: من أبوك؟ وهو في المهد ، فقال: أبي فلان، يعني ذلك الراعي. فأقبلوا إلى جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا له: هل تريد أن نبني لك صومعتك من ذهب؟ لأنهم هدموها ظلماً، قال: لا، ردوها على ما كانت عليه من الطين، فبنوها له. ففي هذه القصة أن هذا الصبي تكلم وهو في المهد، وقال: إن أباه فلان الراعي . واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن ولد الزنى يلحق الزاني، لأن جريجاً قال: مَن أبوك؟ قال: أبي فلان الراعي، وقد قصها النبي صلى الله عليه وسلم علينا للعبرة، فإذا لم ينازَع الزاني في الولد واستلحق الولد فإنه يلحقه، وإلى هذا ذهب طائفة يسيرة من أهل العلم. وأكثر العلماء على أن ولد الزنى لا يلحق الزاني، لقوله النبي صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، لكن الذين قالوا بلحوقه قالوا هذا إذا كان له منازع كصاحب الفراش، فإن الولد لصاحب الفراش، وأما إذا لم يكن له منازع واستلحقه فإنه يلحقه، لأنه ولده قدراً، فإن هذا الولد لا شك أنه خلق من ماء الزاني فهو ولده قدَراً، ولم يكن له أب شرعي ينازعه، وعلى هذا فيُلحق به. قالوا: وهذا أولى من ضياع نسب هذا الولد، أولى من ضياع نسبه، لأنه إذا لم يكن له أب ضاع نسبه، وصار ينسب إلى أمه. وفي هذا الحديث دليل على صبر هذا الرجل جريج حيث إنه لم ينتقم لنفسه، ولم يكلفهم شططاً فيبنون له صومعته من ذهب، وإنما رضي بما كان رضي به أولاً من القناعة وأن تُبني من الطين.
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ... وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع . فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكى ارتضاعه بإصبعه السبابة في فيه فجعل يمصها قال ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقال اللهم اجعلني مثلها فهنالك تراجعا الحديث فقالت مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها قال إن ذلك الرجل كان جبارا فقلت اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت اللهم اجعلني مثلها متفق عليه ... " .
الشيخ : أما الثالث : الذي تكلم في المهد، فهو هذا الصبي الذي مع أمه يرضع، فمرَّ رجل على فرس فارهة، وعلى شَارَة حسنة، وهو من أكابر القوم وأشراف القوم، فقالت أم الصبي: اللهم اجعل ابني هذا مثله، فترك الصبي الثدي وأقبل على أمه بعد أن نظر إلى هذا الرجل، فقال: اللهم لا تجعلني مثله. وحكى النبيُ صلى الله عليه وآله وسلم حكى ارتضاع هذا الطفل من ثدي أمه بأن وضع إصبعه السبابة في فمه يمص، تحقيقاً للأمر عليه الصلاة والسلام، فقال: ( اللهم لا تجعلني مثله ) . ثم أقبلت بجارية امرأة يضربونها ويقولون لها: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، فقالت المرأة أم الصبي وهي ترضعه: ( اللهم لا تجعل ابني مثلها، فأطلق الثدي، ونظر إليها، وقال: اللهم اجعلني مثلها ) . ( فتراجع الحديث مع أمه، طفل، قام يتكلم معها، قالت: إني مررت أو مرّ بي هذا الرجل ذا الهيئة الحسنة فقلتُ: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت أنت: اللهم لا تجعلني مثله، فقال: نعم، هذا رجل كان جباراً عنيداً فسألت الله ألا يجعلني مثله. أما المرأة فإنهم يقولون: زنيت وسرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقلت: اللهم اجعلني مثلها ) ، يعني طاهراً من الزنى والسرقة مفوضاً أمري إلى الله، في قولها: حسبي الله ونعم الوكيل. وفي هذا آية من آيات الله أن يكون هذا الصبي يشعر وينظر ويتأمل ويفكر، وعنده شيء من العلم، عنده شيء من العلم يقول: هذا كان جباراً عنيداً.