تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ... وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع . فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكى ارتضاعه بإصبعه السبابة في فيه فجعل يمصها قال ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقال اللهم اجعلني مثلها فهنالك تراجعا الحديث فقالت مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها قال إن ذلك الرجل كان جبارا فقلت اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت اللهم اجعلني مثلها متفق عليه ... " .
الشيخ : فقال: ( اللهم لا تجعلني مثله ، ثم أقبلت بجارية امرأة يضربونها ويقولون لها: زنيت، سرقت وهي تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، فقالت المرأة أم الصبي وهي ترضعه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فأطلق الثدي، ونظر إليها، وقال: اللهم اجعلني مثلها ) . فتراجع الحديث مع أمه، طفلٌ قام يتكلم معها، ( قالت: إني مررت أو مرّ بي هذا الرجل ذا الهيئة الحسنة فقلتُ: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت أنت: اللهم لا تجعلني مثله، فقال: نعم، هذا رجل كان جباراً عنيداً فسألت الله ألا يجعلني مثله، أما المرأة فإنهم يقولون: زنيت وسرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقلت: اللهم اجعلني مثلها ) : يعني طاهراً من الزنى والسرقة مفوضاً أمري إلى الله، في قولها: حسبي الله ونعم الوكيل. وفي هذا آية من آيات الله أن يكون هذا الصبي يشعر وينظر ويتأمل ويفكر، وعنده شيء مِن العلم، عنده شيء من العلم يقول: هذا كان جباراً عنيداً، وهو طفل، وقال لهذه المرأة: ( اللهم اجعلني مثلها ) ، علم أنها مظلومة وأنها بريئة مما اتهمت به، وعلم أنها فوضت أمرها إلى الله عز وجل، فهذا أيضاً من آيات الله أن يكون عند هذا الصبي شيء من العلم. والحاصل أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فقد يحصل من الأمور المخالفة للعادة ما يكون آية من آياته إما تأييداً لرسوله أو تأييداً لأحد من أوليائه، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين والإحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم . قال الله تعالى (( واخفض جناحك للمؤمنين )) وقال تعالى (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا )) وقال تعالى (( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر )) وقال تعالى (( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين )) ... " .
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم، والتواضع معهم وخفض الجناح لهم : قال الله تعالى : (( واخفض جناحك للمؤمنين )) ، وقال تعالى: (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا )) ، وقال تعالى : (( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر )) ، وقال تعالى : (( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين )) " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين والإحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم . قال الله تعالى (( واخفض جناحك للمؤمنين )) وقال تعالى (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا )) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب ملاطفة اليتامى والضعفة والبنات، ونحوهم ممن هم محل الشفقة والرحمة " : وذلك أن دين الإسلام دين الرحمة والعطف والإحسان، وقد حث الله عز وجل على الإحسان في عدة آيات من كتابه، وبين سبحانه وتعالى أنه يحب المحسنين، والذين هم في حاجة إلى الإحسان يكون الإحسان إليهم أفضل وأكمل فمنهم اليتامى. واليتيم : " هو الصغير الذي مات أبوه قبل بلوغه ، سواء كان ذكر أم أنثى " ، ولا عبرة بوفاة الأم، يعني أن اليتيم هو الصغير الذي مات أبوه قبل بلوغه وإن كان له أم، وأما من ماتت أمه، وأبوه موجود فليس بيتيم، خلافاً لما يفهمه عوام الناس حيث يظنون أن اليتيم هو الذي ماتت أمه وليس كذلك، بل اليتيم هو الذي مات أبوه. وسمي يتيماً ليتمه ، واليتم هو الانفراد ، لأن هذا الصغير انفرد عن كاسب وهو صغير لا يستطيع الكسب، وقد أوصى الله سبحانه وتعالى في عدة آيات باليتامى، وجعل لهم حقاً خاصاً، لأن اليتيم قد انكسر قلبه بموت أبيه، فهو محل للعطف والرحمة قال الله عز وجل : (( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً )) ، وكذلك البنات والنساء محل العطف والشفقة والرحمة ، لأنهن ضعيفات . ضعيفات في العقل، وفي العزيمة، وفي كل شيء، فالرجال أقوى من النساء في الأبدان والعقول والأفكار والعزيمة وغير ذلك، ولهذا قال الله عز وجل: (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )) . كذلك أيضاً المنكسرين يعني الذين أصابهم شيء فانكسروا من أجله، وليس هو كسر العظم ،كسر القلب، يعني مثلاً أصابته جائحة اجتاحت ماله، مات أهله، مات صديق له، انكسر قلبه، المهم المنكسر ينبغي ملاطفته، ولهذا شُرعت تعزية من مات له ميت إذا أصيب بموته، يُعزّى ويلاطف ويبين له أن هذا أمر لله، وأن الله سبحانه وتعالى إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون وما أشبه ذلك، وكذلك ينبغي خفض الجناح لهم ، لين الجانب، قال الله تعالى: (( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ )) اخفض جناحك يعني : تطامن لهم وتهاون لهم، وقال: (( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ )) : يعني حتى لو شمخت نفسك وارتفعت في الهواء كما يرتفع الطير فاخفض جناحك، ولو كان عندك من المال ولك من الجاه والرئاسة ما يجعلك تتعالى على الخلق، وتطير كما يطير الطير في الجو فاخفض الجناح ، اخفض الجناح حتى يكونوا فوقك، (( لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) : وهذا أمر للرسول عليه الصلاة والسلام وهو أمر للأمة كلها. يجب على الإنسان أن يكون لين الجانب لإخوانه المؤمنين، ويجب عليه أيضاً أنه كلما رأى إنساناً أتبع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليخفض له جناحه أكثر، لأن المتبع للرسول عليه الصلاة والسلام أهل لأن يُتواضع له، وأن يُكرم، وأن يعزز، لا لأنه فلان بن فلان، لكن لأنه اتبع الرسول عليه الصلاة والسلام، كل من اتبع الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حبيبنا وهو أخونا، وهو صديقنا، وهو صاحبنا، وكل من كان أبعد عن اتباع الرسول فإننا نبتعد عنه بقدر ابتعاده عن اتباع الرسول، هكذا المؤمن يجب أن يكون خافضاً لجناحه لكل من اتبع الرسول عليه الصلاة والسلام، (( اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) . وقال الله تعالى لرسوله: (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) : اصبر نفسك: احبسها مع هؤلاء القوم السادة الكرماء الشرفاء، الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي: يعني صباحاً ومساءً، لا رياء ولا سمعة، ولكنهم يريدون وجهه، يريدون وجه الله عز وجل في دعائهم له وعبادتهم له وذكرهم له وتسبيحهم له. (( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) يعني لا تبعد عنهم، خله يراك دائماً فيهم ، لا تعد عيناك: أي لا تتجاوز عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا. فمثلاً : إذا كان هناك رجلان، أحدهما مقبل على طاعة الله، يدعو ربه بالغداة والعشي، يقيم الصلاة، يؤتي الزكاة، يصوم، يُحسن إلى الناس، وآخر غني كبير عنده أموال وقصور وسيارات وخدم، أيهم أحق أن نصبر أنفسنا معه؟ الطالب : الأول . الشيخ : الأول، الأول أحق أن نصبر أنفسنا معه، وأن نجالسه، وأن نخالطه وأن لا نتعداه نريد زينة الحياة الدنيا. الحياة كلها ليست بشيء، كلها ليست بشيء ، عرض زائل، وما فيها من النعيم أو من السرور فإنه محفوف بالأحزان والتنكيد، ما من فرح في الدنيا إلا ويتلوه ترح الحزن ، قال أظنه ابن مسعود رضي الله عنه : " ما ملِئ بيتٌ فرحاً إلا ملئ حزناً وترحاً " ، وصدق رضي الله عنه ، لو لم يكن من ذلك إلا أنهم سيموتون تباعاً واحداً بعد الثاني، كلما مات واحد حزنوا عليه، فتكون هذه الأفراح والمسرات تنقلب إلى أحزان وأتراح، فالدنيا كلها ليست بشيء. إذن لا تعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، بل كن معهم وكن ناصراً لهم، ولا يهمنك ما متعنا به أحداً من الدنيا، وهذا كقوله عز وجل : (( وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ )) : فتنة ، (( وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )) ، أسأل الله أن يحسن لي ولكم العاقبة، وأن يجعل العاقبة لنا ولإخواننا المسلمين حميدة.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر )) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما ساقه من الآيات الكريمة في باب الحنو على الفقراء واليتامى والمساكين وما أشبههم، قال: " وقول الله تعالى: (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ÷ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )) " : الخطاب في قوله : (( أَلَمْ يَجِدْكَ )) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقرر الله تعالى في هذه الآيات أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتيماً، فإنه عليه الصلاة والسلام عاش مِن غير أم ولا أب، فكفله جده عبد المطلب، ثم مات هو في السنة الثامنة من عمره صلى الله عليه وآله وسلم، ثم كفله عمه أبو طالب، كان يتيماً وكان صلى الله عليه وآله وسلم يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط، يعني شيء يسير من الدراهم، لأنه : ( ما من نبي بعثه الله إلا رعى الغنم ) : كل الأنبياء الذين أرسلوا أول أمرهم يكونون رعاة غنم، لماذا؟ من أجل أن يعرفوا ويتمرنوا على الرعاية وحسن الولاية، واختار الله لهم أن تكون رعيتهم غنماً، لأن راعي الغنم يكون عليه السكينة والرأفة والرحمة، لأنه يرعى مواشي ضعيفة بخلاف رعاة الإبل، رعاة الإبل أكثر ما يكون فيهم الجفاء والغلظة، لأن الإبل كذلك غليظة قوية جبارة. فكان عليه الصلاة والسلام يتيما، نشأ يتيماً، ثم إن الله سبحانه وتعالى أكرمه فيسر له زوجة صالحة، وهي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها تزوجها وله خمس وعشرون من العمر، ولها أربعون سنة، وكانت حكيمة عاقلة صالحة، رزقه الله منها أولاده كلهم من بنين وبنات إلا إبراهيم فإنه كان من سُريته مارية القبطية، المهم أن الله يسرها له، وقامت بشئونه، ولم يتزوج سواها صلى الله عليه وآله وسلم حتى ماتت. أكرمه الله عز وجل بالنبوة فكان أول ما بُدىء به الوحي أن يرى الرؤيا في المنام، فإذا رأى الرؤيا في المنام جاءت مثل فلق الصبح في يومها بينة واضحة، لأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، فدعا إلى الله، وبشر وأنذر وتبعه الناس، وكان هذا اليتيم الذي يرعى الغنم كان إماماً لأمةٍ هي أعظم الأمم، وكان راعياً لهم عليه الصلاة والسلام، راعياً للبشر للأمم ، لهذه الأمة العظيمة. قال: (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) : آواك الله بعد يُتمك، ويسر لك من يقوم بشؤونك حتى ترعرعت، وكبرت، ومنّ الله عليك بالرسالة العظمى. (( وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى )) : وجدك ضالاً : يعني غير عالم، كما قال الله تعالى: (( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ )) ، وقال تعالى: (( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ )) وقال الله تعالى: (( ومَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ )) ولكن صار بهذا الكتاب العظيم، صار عالماً كامل الإيمان عليه الصلاة والسلام، وجدك ضالاً : أي غير عالم ولكنه هداك. بماذا هداه؟ بالقرآن ، هداه الله بالقرآن. (( وَوَجَدَكَ عَائِلاً )) يعني : فقيراً ، (( فَأَغْنَى )) أغناك، فتح الله عليك الفتوح حتى كان يقسم ويعطي الناس، أعطى ذات يوم رجلاً غنماً بين جبلين، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة عليه الصلاة والسلام . ثم تأملوا: (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) ما قال فآواك، قال: (( فَآوَى )) ، (( وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى )) ولم يقل : فهداك ، (( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى )) ولم يقل : فأغناك، لماذا؟ لمناسبتين: إحداهما لفظية، والثانية معنوية. أما اللفظية: فلأجل تتناسب الآيات، رؤوس الآيات ، (( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى )) كل آخر الآيات ألفات، (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) : لو قال : فآواك اختلف اللفظ، ووجدك ضالاً فهداك ، اختلف اللفظ، ووجدك عائلاً فأغناك ، اختلف اللفظ، لكن جعل الآيات كلها على فواصل حرف واحد . المناسبة الثانية معنوية: وهي أعظم، (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) : هل آواه الله وحده أو آواه وآوى أمته؟ الثاني، آواه الله وآوى على يديه أمماً لا يحصيهم إلا الله عز وجل، (( ووجدك ضالاً فهدى )) : هل هداه وحده؟ لا، هدى به أمما عظيمة إلى يوم القيامة، (( ووجدك عائلاً فأغنى )) نعم هل أغناه الله وحده؟ لا، أغناه الله وأغنى به. كم حصل للأمة الإسلامية من الفتوحات العظيمة. (( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ )) : فأغناهم الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وسلم، إذاً ألم يجدك يتيماً فآواك وآوى بك، ووجدك ضالاً فهداك وهدى بك، ووجدك عائلاً فأغناك وأغنى بك، هكذا حال الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم قال: (( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ )) : اذكر نفسك حين كنت يتيماً، فلا تقهر اليتيم، يسر له أمره، سهل أمره، إذا صاح فسكته، إذا غضب فأرضه، إذا تعب فخفف عليه، وهكذا، (( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ )) ، (( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ )) : السائل : يظهر من سياق الآيات أنه سائل المال الذي يقول أعطني مالاً، فلا تنهره، لأنه قال: (( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى )) ، فلما أغناك لا تنهر السائل ، تذكر حالك حينما كنت فقيراً، فلا تنهر السائل. ويحتمل أن يُراد بالسائل سائل المال وسائل العلم، حتى الذي يسأل العلم لا تنهره، الذي يسأل العلم إلقه بانشراح صدر، لأنه لولا أنه محتاج ولولا أن عنده خوفَ الله عز وجل ما جاء يسأل، لا تقابله ، اللهم إلا مَن تعنَّت فهذا لا حرج أن تنهره. لو كنت تخبره ثم يقول : هذا حرام ، ليش حرام ؟ ليش الله يحرم الربا ويحل البيع؟ ليش الله يحرم الأم من الرضاع ولا يحرم غيرها مثلاً؟ نعم ، وأشياء كثيرة ، هذا الذي يتعنت انهره ولا حرج أن تغضب عليه، كما : " فعل الرسول عليه الصلاة والسلام حين تشاجر رجل من الأنصار والزبير بن العوام، تشاجروا في في الوادي شعيف يأتي السيل، وكان الزبير رضي الله عنه حائطه قبل حائط الأنصاري فتنازعا، الأنصاري يقول للزبير: لا تحبس الماء عني، والزبير يقول: أنا أعلى فأنا الأحق، تشاجروا عند الرسول عليه الصلاة والسلام، تخاصموا ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أسق يا زبير ثم أرسله إلى جارك ) هذا حكم ، فقال: أن كان ابن عمتك يا رسول الله! كلمة لكن الغضب حمله عليها والعياذ بالله، الزبير بن العوام ابن صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال: أن كان ابن عمتك يا رسول الله، فغضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( أسق يا زبير حتى يصل إلى الجدر ) المسلة التي يسمونها : المسلة، التي تكون بين حياض الماء ، ( ثم أرسله إلى جارك ) " . فالحاصل أن السائل للعلم لا تنهره، تلقه بصدر رحب، وعلّمه حتى يفهم، خصوصاً في وقتنا الآن، كثير من الناس الآن يسألك وقلبه مهو بمعك ، تجيبه بالسؤال ثم يفهمه خطأ ثم يروح يقول للناس: أفتاني العالم الفلاني بكذا وكذا، ولهذا ينبغي أنك لا تطلق الإنسان الذي يسألك حتى تعرف أنه عرف. (( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )) : نعمة الله عليك حدث بها، قل : الحمد لله رزقني الله علماً، رزقني الله مالاً، رزقني الله ولداً، وما أشبه ذلك. والتحديث بنعمة الله نوعان : تحديث باللسان، وتحديث بالأركان. تحديث باللسان: تقول: أنعم الله علي، كنت فقيراً فأغناني الله، كنت ما أعرف فعلمني الله، وما أشبه ذلك. التحديث بالأركان: أن تُرى أثر نعمة الله عليك، تُرى أثر النعمة،كنت غنياً لا تلبس ثياب الفقراء البس ثياباً تليق بك، كذلك المنزل، كذلك المركوب، كل شيء خل الناس يعرفون نعمة الله عليك، فإن هذا من التحديث بنعمة الله عز وجل، ومن التحديث بنعمة الله إذا كنت قد أعطاك الله علماً أن تحدث الناس به تعلم الناس، لأن الناس محتاجون، وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين )) . وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله تعالى (( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )) رواه مسلم ... " .
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في ذكر سياق الآيات والأحاديث في باب ملاطفة اليتيم والبنات : " قال تعالى: (( أرأيتَ الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين )) ، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه فأنزل الله تعالى : (( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )) ) ، رواه مسلم " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين )) ... " .
الشيخ : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الآيات التي فيها الحث على الرفق باليتامى ونحوهم من الضعفاء، قال: وقوله تعالى: (( أَرَأَيْتَ الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )). (( أَرَأَيْت )) يقول العلماء: معناها أخبرني، يعني أخبرني عن حال هذا الرجل وماذا تكون. والدين: الجزاء، يعني يكذب بالجزاء وباليوم الآخر ولا يصدق به، وعلامة ذلك أنه يدُع اليتيم : يعني يدفعه بعنف وشدة ولا يرحمه. (( وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )) أي: لا يحث الناس على طعام المسكين، وهو بنفسه لا يفعلها أيضاً، لا يطعم المساكين، فحال هذا والعياذ بالله أسوأ حال، لأنه لو كان يؤمن بيوم الدين حقيقة لرحم من أوصى اللهُ برحمتهم، وحض على طعام المساكين. وفي سورة الفجر يقول الله تعالى: (( كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )) ، وهذه أبلغ مما في سورة الماعون لأنه قال: (( لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ )) ، وإكرامه أكثر من الوقوف بدون إكرام ولا إهانة، فاليتيم يجب أن يكرم، وتأمل قوله: (( بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )) : فالمسكين حظه الإطعام ودفع حاجته، أما المسكين فالإكرام، فإن كان غنياً فإنه يُكرم ليتمه ولا يُطعم لغناه، وإن كان فقيراً : أي اليتيم فإنه يكرم ليتمه ويُطعم لفقره، ولكن أكثر الناس لا يبالون بهذا الشيء. واعلم أن الرفق بالضعفاء، باليتامى، بالصغار يجعل في القلب رحمة وليناً وعطفاً وإنابة إلى عز وجل، لا يُدركها إلا من جرَّب ذلك، فالذي ينبغي لك أن ترحم الصغار، ترحم الأيتام، ترحم الفقراء، حتى يكون في قلبك هذا العطف والحنان والرحمة ( وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) ، نسأل الله أن يعمنا والمسلمين برحمته وفضله إنه كريم جواد. القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود ورجل مِن هذيل وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدث نفسه فأنزل الله تعالى : (( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )) ) ، رواه مسلم " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله تعالى (( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )) رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر ) : وهذا في أول الإسلام في مكة، لأن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام ، أسلم وأسلم معه جماعة، ومن المعلوم أن من أول الناس إسلاماً أبو بكر رضي الله عنه، بعد خديجة وورقة بن نوفل، وكان هؤلاء النفر الستة منهم ابن مسعود رضي الله عنه، وكان راعيَ غنم فقيراً، وكذلك بلال بن أبي رباح عبد مملوك، وكانوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام يجلسون إليه يستمعون له وينتفعون بما عنده، وكان المشركون العظماء في أنفسهم، كانوا يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( فقالوا له: اطرد عنا هؤلاء ) ، قالوا هذا احتقاراً لهؤلاء الذين يجلسون مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، اطردهم عنا لا يجلسون معنا. فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع، وفكر في الأمر، فأنزل الله تعالى: (( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه )) : نهاه الله عز وجل أن يطرد هؤلاء وإن كانوا فقراء، وإن لم يكن لهم قيمة في المجتمع، لكن لهم قيمة عند الله، لأنهم يدعون الله بالغداة والعشي، يعني صباحاً ومساءً، يدعونه دعاء مسألة فيسألونه رضوانه والجنة، ويستعيذون به من النار. ويدعونه دعاء عبادة يعبدون الله، وعبادة الله تشتمل على الدعاء، ففي الصلاة مثلاً يقول الإنسان: رب اغفر لي، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وما أشبه ذلك، ثم هو أيضاً العابد إنما يعبد لنيل رضا الله عز وجل. وفي قوله: (( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )) : تنبيه على الإخلاص ، وأن الإخلاص له أثر كبير في قبول الأعمال ، ورفعة العمال عند الله عز وجل ، فكلما كان الإنسان في عمله أخلص ، كان أرضى لله وأكثر لثوابه ، وكم من إنسان يصلي وإلى جانبه آخر يصلي معه في صلاة ، ويكون بينهما مِن الرفعة عند الله والثواب والجزاء كما بين السماء والأرض، وذلك للنية وإخلاص النية عند أحدهما دون الآخر، فالواجب على الإنسان أن يحرص غاية الحِرص على إخلاص نيته لله في عبادته، وألا يقصد بعبادته شيئاً مِن أمور الدنيا، لا يقصد إلا رضا الله وثوابه، حتى ينال بذلك الرفعة في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى في آخر الآية: (( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ )) : يعني ليس عليك شيء منهم ولا عليهم شيء منك، حساب الجميع على الله، وكل يجازى بعمله ، (( فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ )) الفاء هذه : تعود على قوله: (( ولا تطرد )) لا على قوله: (( مَا عَلَيْك )) ، فعندنا هنا في الآية فاءان: الفاء الأولى (( فَتَطْرُدَهُمْ )) وهذه مرتبة على قوله: (( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ )) ، و(( فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ )) مرتبة على قوله: (( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ )) : يعني فإن طردتهم فإنك من الظالمين. ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان ينبغي له أن يكون جليسه أهل الخير الذين يدعون الله صباحاً ومساءً يريدون وجهه، وألا يهتم بالجلوس مع الأكابر، والأشراف، والأمراء، والوزراء، والحكام، بل لا ينبغي أن يجلس إلى هؤلاء إلا أن يكون في ذلك مصلحة، إذا كان في ذلك مصلحة يريد أن يأمرهم بمعروف، أو ينهاهم عن منكر، أو يبين لهم ما خفي عليهم من حال الأمة، فهذا طيب وفيه خير. أما مجرد الأنس بمجالستهم، ونيل الجاه بأنه جلس مع الأكابر، مع الوزراء، مع الأمراء، مع ولاة الأمور، فهذا غرض لا يُحمد عليه العبد، إنما يحمد على الجلوس مع من كان أتقى لله من غني وفقير، وحقير وشريف، المدار كله على رضا الله عز وجل، وعلى محبة مَن أحب الله. وقد ذاق طعمَ الإيمان من والى من والاه الله، وعادى من عاداه الله، وأحب في الله، وأبغض في الله، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هبيرة عائد بن عمرو المزني وهو من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها فقال أبو بكر رضي الله عنه أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ( يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم فقال يا إخوتاه آغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أخي) رواه مسلم ... " .
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- " عن أبي هُبيرة عائذٍ بن عمرو المزني رضي الله عنه وهو من أهل بيعة الرضوان : ( أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ، فأتاهم فقال: يا إخوتاه آغضبتكم ؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي ) ، رواه مسلم " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هبيرة عائد بن عمرو المزني وهو من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها فقال أبو بكر رضي الله عنه أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ( يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم فقال يا إخوتاه آغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أخي ) رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله في قضية الضعفاء والمساكين، وأنها تجب ملاطفتهم والرفق بهم والإحسان إليهم، أنَّ أبا سفيان مرَّ بسلمان وصهيب وبلال، وهؤلاء الثلاثة كلهم من الموالي، صهيب الرومي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، فمر بهم فقالوا: ما فعلت يعني أسيافنا بعدو الله ما فعلت ، يعني: يريدون أنهم لم يشفوا أنفسهم مما فعل بهم أسيادهم من قريش، الذين كانوا يعذبونهم ويؤذونهم في دين الله عز وجل، فكأن أبا بكر رضي الله عنه لامهم على ذلك، وقال: أتقولون لسيد قريش مثل هذا الكلام ؟! ثم إن أبا بكر أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: ( لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ) : يعني أغضبت هؤلاء النفر مع أنهم من الموالي، وليسوا بشيء في عداد الناس وأشرافهم، ( لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ، فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى هؤلاء النفر وسألهم قال: آغضبتكم؟ فقالوا: لا، قال: يا إخوتاه، آغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أبا بكر ) . فدل هذا على أنه لا يجوز للإنسان أن يترفع على الفقراء والمساكين ومن ليس لهم قيمة في المجتمع، لأن القيمة الحقيقية هي قيمة الإنسان عند الله، كما قال الله تعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) ، والذي ينبغي للإنسان أن يخفض جناحه للمؤمنين، ولو كانوا غير ذي جاه، لأن هذا هو الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : (( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ )) . وفي هذا دليل على ورع أبي بكر رضي الله عنه، وعلى حِرصه على إبراء ذمته، وأن الإنسان ينبغي له، بل يجب عليه إذا اعتدى على أحد بقول أو فعل: بأخذ مال أو سب أو شتم، أن يستحله في الدنيا قبل أن يأخذ ذلك منه في الآخرة، لأن الإنسان إذا لم يأخذ حقه في الدنيا فإنه يأخذه يوم القيامة، ويأخذه مِن أشرف شيء وأعز شيء على الإنسان، يأخذه من الحسنات، من الأعمال الصالحة التي هو في حاجة إليها في ذلك المكان، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أَلا أنبئكم من تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: من ليس له درهم ولا دينار، أو قالوا: ولا متاع، فقال: المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن بقي مِن حسناته شيء، وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار ) ، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ) وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى . رواه مسلم
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف ) متفق عليه ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ) ، رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة، وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى ) ، رواه مسلم . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف ) ، متفق عليه " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ) وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى . رواه مسلم
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف ) متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أنا وكافل اليتيم كهاتين ، وأشار بالسبابة والوسطى ) : يعني بالأصبع السبابة والوسطى، والأصبع السبابة هي التي بين الوسطى والإبهام، وتسمى السبابة لأن الإنسان يشير بها عند السب، فإذا سب شخصاً قال هذا وأشار بها. وتسمى السباحة لأن الإنسان يشير بها أيضاً عند التسبيح، ولهذا يشير الإنسان بها في صلاته إذا جلس بين السجدتين. وما يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن . واليتيم حده البلوغ . وإنما المسكين الذي يتعفف : يعني المسكين ليس الشحاد الذي يشحد الناس، ( ترده اللقمة واللقمتان ) : يعني إذا أعطيته لقمة أو لقمتين أو تمرة أو تمرتين ردته، المسكين حقيقة هو الذي يتعفف ، (( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ )) ، هذا هو المسكين حقيقة، لا يَسأل فيُعطى ولا يتفطن له فيُعطى، كما يقول العامة: " عافٌ كاف " ، ما يُدرى عنه، هذا هو المسكين الذي ينبغي للناس تفقده وإصلاح حاله، والحنو عليه، والعطف عليه. وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للمسكين أن يصبر، وأن ينتظر الفرج من الله، وأن لا يتكفف الناس أعطوه أو منعوه، لأن الإنسان إذا علق قلبه بالخلق وكل إليهم، كما جاء في الحديث: ( مَن تعلق شيئاً وُكِل إليه ) ، وإذا وُكِلت إلى الخلق نسيت الخالق، اجعل أمرك إلى الله عز وجل، علق رجاءك وخوفك وتوكلك واعتمادك على الله سبحانه وتعالى فإنه يكفيك : (( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ )) : كل ما أمر الله به فهو بالغه عز وجل، لا يمنعه شيء ولا يرده شيء . فالمسكين يجب عليه الصبر، ويجب عليه أن يمتنع عن سؤال الناس، لا يسأل إلا عند الضرورة القصوى، إذا حلَّت له الميتة حلَّ له السؤال، أما قبل ذلك مادام يمكنه أن يتعفف ولو أن يأكل كِسرة من خبز أو شقاً من تمرة فلا يسأل، ولا يزال الإنسان يَسأل الناس، يسأل الناس، يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مُزعة لحم، يأتي يوم القيامة ووجهه يلوح عظام والعياذ بالله ما فيه لحم، لأنه قد قَشَّر وجهه للناس في الدنيا . وفي هذا ذم أولئك القوم الذين يترددون على الناس يسألونهم وهم أغنياء، أغناء، إذا ماتوا وجد عندهم الآلاف، توجد عندهم الآلاف من الذهب والفضة والدراهم القديمة والأوراق، وهم إذا رأيتهم قلت: هؤلاء أفقر الناس، يؤذون الناس بالسؤال .