شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما فقال ( نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما ) رواه أبو داود . وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة رضي الله عنها وما رأيتها قط ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة فيقول إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد متفق عليه وفي رواية وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن وفي رواية كان إذا ذبح الشاة يقول ( أرسلوا بها إلى أصدقاء ) خديجة وفي رواية قالت استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك ( فقال اللهم هالة بنت خويلد ) ... " .
الشيخ : كذلك أيضاً إكرام صديقهما مثل حديث عبد الله بن عمر السابق، يعني إن كان لهما صديق فأكرمه، فإن هذا مِن بره. والخامس: صلة الرحم التي لا صلة لك إلا بهما، يعني صلة أقارب الوالدين فإن ذلك من برهما، فهذه الأشياء تكون براً بعد موت الوالدين. أظن الصدقة غير موجودة ، ها ما فيها صدقة ؟! وإنفاذ عهدهما، الخامس: انفاذ عهدهما، أما الصدقة فجاءت في حديث آخر: ( حين سأل سعد بن عبادة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق على أمه فأذن له ) ، لكن الرسول لم يرشد إلى الصدقة للوالدين وإنما أذن فيها من استفتاه فقط. ( إنفاذ عهدهما ) : يعني إنفاذ وصيتهما. فهذه خمسة أشياء: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك إلا بهما، هذه من بر الوالدين. أما الصدقة لهما، أو قراءة القرآن لهما، أو الصلاة يصلي ركعتين ويقول لوالدي ، فهذا لم يأمر به النبي عليه الصلاة والسلام ولا أرشد إليه، بل قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) ، ما قال: صالح يتصدق له، يصلي له، يصوم له، يحج له، يعتمر له، أبداً ما قال هذا ، قال: ( يدعو له ) ، فالدعاء خير من العمل الصالح للوالدين. لكن لو فعل الإنسان ونوى بهذا العمل لوالديه فإن ذلك لا بأس به، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنع سعد بن عبادة، ولا الرجل الذي قال: يا رسول الله، إن أمي افتُلتت نفسها، ولو تكلمت لتصدقت. فهذه خمسة أشياء من بر الوالدين بعد موتهما. ثم ذكر المؤلف حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ( ما غِرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غِرت على خديجة ) : الغيرة : انفعال يكون في الإنسان يجب أن يختص صاحبه به دون غيره، ولهذا سميت غيرة ، لأنه يكره أن يكون الغير حبيباً لحبيبه، والنساء الضرات هن أشد بني آدم غَيرة. عائشة رضي الله عنها كانت حبيبةَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يحب أحداً مثلها في حياته بعد خديجة، وكان يحب خديجة عليه الصلاة والسلام، لأنها أم أولاده إلا إبراهيم فمن مارية، ولأنها وازرته وساعدته في أول البعثة، وواسته في مالها، فلذلك كان لا ينساها. كان في المدينة إذا ذبح شاة أخذ مِن لحمها وأهداه على صديقاتها، على صديقات خديجة، ولم تصبر عائشة رضي الله عنها على ذلك، قالت: ( يا رسول الله، كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة ) . قال: ( إنها كانت وكانت ) ، يعني كانت تفعل كذا، وتفعل كذا، وذكر من خصالها رضي الله عنها. ( وكان لي منها ولد ) : يعني أولاد، كل أولاده أربع بنات وثلاثة أولاد كلهم منها إلا ولداً واحداً هو إبراهيم رضي الله عنه، فإنه كان من مارية القبطية التي أهداها إليه ملك القبط، فأولاده كلهم من خديجة، فلذلك قال: ( إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد ). الشاهد من هذا الحديث: أن إكرام صديق الإنسان بعد موته يُعتبر إكراماً له، وبراً به، سواء كان من الوالدين، أو من الأزواج، أو من الأصدقاء، أو من الأقارب، فإن إكرام الصديق، صديق الميت، يعتبر إكراماً له، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أنس بن مالك قال خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر فكان خدمني فقلت له لا تفعل فقال إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا آليت على نفسي أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته متفق عليه . باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم . قال الله تعالى (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) وقال تعالى (( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )) . وعن يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنهم فلما جلسنا إليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا ومالا فلا تكلفونيه ثم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خماء بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال ( أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ) فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال كل هؤلاء حرم الصدقة قال نعم رواه مسلم ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين،، والصلاة والسلام وعلى نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه في سفر، فكان يخدمني فقلت له: لا تفعل، فقال إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً آليت على نفسي أن لا أصحب أحداً منهم إلا خدمته ) ، متفق عليه . باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم : قال الله تعالى: (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )) . وقال تعالى: (( ومَن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )) . وعن يزيد بن حِبان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنهم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعتَ حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي، والله لقد كبرت سني وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: ( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيباً، بماء يُدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسولُ ربي، فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهلُ بيتي، أُذكركم الله في أهل بيتي، أُذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم ) ، رواه مسلم " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أنس بن مالك قال خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر فكان يخدمني فقلت له لا تفعل فقال إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا آليت على نفسي أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته متفق عليه ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : ذكر المؤلف -رحمه الله- في بقية أحاديث أن البر أن يكرم الرجل أهل ود أبيه، حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه كان في سفر فجعل يخدم رفقته وهم من الأنصار، فقيل له في ذلك، يعني: كيف تخدمهم وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقال: إني رأيتُ الأنصار فعلوا برسول الله صلى الله عيه وسلم فِعلاً، فآليت ألا أكون معهم إلا خدمته، يعني: حلفت. وهذا من إكرام مَن يُكرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإكرام أصحاب الرجل إكرامٌ للرجل، واحترامهم احترامٌ له، ولهذا جعل جرير رضي الله عنه إكرام هؤلاء من إكرام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم . قال الله تعالى (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) وقال تعالى (( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )) ... " .
الشيخ : أما الباب الذي يليه فهو في بيان حقوق أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم: ينقسمون إلى قسمين: قسم كفار، فهؤلاء ليسوا من أهل بيته، وإن كانوا أقارب له في النسب، لكنهم ليسوا من أهل بيته، لأن الله قال لنوح عليه الصلاة والسلام حين قال: (( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي )) ، وكان ابنه كافرًا قال: (( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ )) ، فالكفار من أقارب الرسول الله عليه الصلاة والسلام ليسوا من أهل بيته، وإن كانوا أقارب له نسباً. لكن أهل بيته المؤمنون من قرابته، هم أهل بيته، ومنهم أيضاً زوجاته، فإن زوجاتِه رضى الله عنهن مِن آل بيته، كما قال الله تعالى في سياق نساء أمهات المؤمنين: (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )) ، وهذا نص صريحٌ واضح جداً بأن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام من آل بيته، خلافاً للرافضة الذين قالوا: إن زوجاته لسن من أهل بيته، فزوجاته من أهل بيته بلا شك. ولأهل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام المؤمنين لهم حقان : حق الإيمان، وحق القرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وزوجات الرسول أمهات المؤمنين، كما قال الله تعالى في كتابه : وأزواجه أمهات المؤمنين ، أزواج الرسول أمهات المؤمنين ، وهذا بالإجماع، فمن قال: إن عائشة رضي الله عنها ليست أُماً لي، فليس من المؤمنين، لأن الله قال: (( وأزواجه )) : أي أزواج الرسول (( أمهاتهم )) : أمهات المؤمنين، أول الآية : (( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم )) ، فمن قال: إن عائشة ليست أماً للمؤمنين، فهو ليس بمؤمن، لا مؤمن بالقرآن، ولا مؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام. وعجباً لهؤلاء، يقدحون في عائشة ويسبونها ويبغضونها وهي أحب زوجات الرسول إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، لا يُحب أحداً من نسائه مثل ما يحبها، كما صح ذلك عنه في البخاري أنه : ( قيل: يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ قال عائشة. قالوا: فمن الرجال؟ قال أبوها ) : أبو بكر رضي الله عنه. وهؤلاء القوم يكرهون عائشة ويسبونها ويلعنونها، وهي أقرب نساء الرسول إليه، كيف يُقال: إن هؤلاء يحبون الرسول؟! وكيف يقال: إن هؤلاء يحبون آل الرسول؟! ولكنها دعاوي كاذبة لا أساس لها من الصحة. فالواجب علينا احترام آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام مِن قرابته المؤمنين، ومن زوجاته أمهات المؤمنين، كلهم آل بيته لهم حق. ثم ذكر المؤلف الآية التي سُقناها الآن : (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )) : نقاء وطهارة، (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ )) : النجس المعنوي ، (( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا ً)) بعد إزالة النجاسة تطهير تخلية وتحلية، وقوله (( تَطْهِيراً )) : هذا مصدر مؤكَّد مؤكِّد لما سبق، يدل على أنها طهارة كاملة. ولهذا من رمى واحدة من نساء الرسول عليه الصلاة والسلام بالزنى والعياذ بالله ، فإنه كافر حتى لو كانت غير عائشة. عائشة الذي يرميها بما برأها الله منه كافر مكذب لله، يحل دمه وماله، وأما الذي يرمي سواها بالزنى فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه كافر أيضاً، لأن هذا أعظم قدح برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن يكون فراشه ممن يزنين والعياذ بالله، وقد قال الله تعالى: (( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ )) . فمن رمى واحدة من زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام بالزنى فقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم -وحاشاه من ذلك- جعله خبيثاً ، نعوذ بالله لأن الله يقول: (( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ )) ، وبهذا يُعرف أن المسألة عظيمة وخطيرة، وأن الواجب علينا أن نكن المحبة الصادقة لجميع آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، نسائه كلهن والمؤمنين من قرابته، والله الموفق. القارئ : " فلما جلسنا إليه قال له حُصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعتَ حديثه، وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال: ( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذَكَّر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس ! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيَ رسولُ ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أُذكركم الله في أهل بيتي أُذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حُصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه مِن أهل بيته ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده قال: ومَن هم؟ قال: هم آل علي وآل عَقيل وآل جعفر وآل العباس، قال: كل هؤلاء حُرم الصدقة؟ قال: نعم ) ، رواه مسلم . وفي رواية: ( آلا وإني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله وهو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة ) " .
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه موقوفا عليه أنه قال ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته رواه البخاري .
القارئ : " وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه موقوفاً أنه قال: ( ارقُبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته ) ، رواه البخاري " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنهم فلما جلسنا إليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا ومالا فلا تكلفونيه ثم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خماء بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال ( أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ) فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال كل هؤلاء حرم الصدقة قال نعم رواه مسلم . وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه موقوفا عليه أنه قال ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته رواه البخاري . ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا الحديث وهذا الأثر في بيان حق آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد سبق أن آل بيته هم : زوجاته ومن كان مؤمناً من قرابته، من آل عليّ وآل عَقيل وآل جعفر وآل العباس، وهم الذين تحرم عليهم الصدقة، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمه العباس وقد سأله عن الصدقة، قال: ( إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لآل محمد ) . وآل محمد لهم خصائص ليست لغيرهم، ففي باب الفيء لهم حق يختصون به، كما قال تعالى: (( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى )) : يعني قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولهم كرامة وشرف وسيادة، فلا تحل لهم الصدقة الزكاة الواجبة، لأنها أوساخ الناس، كما قال تعالى: (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ )) : فلا يحل لهم الصدقة، هم أشرف وأعلى من أن تحل لهم الصدقة، لكن يُعطون بدلها من الخُمُس. ثم بين في حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خُم، وهو غدير بين مكة والمدينة، نزل فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووعظ وذكَّر، وحث على القرآن، وبين أن فيه الشفاء والنور، ثم حث على أهل بيته، فقال: ( أُذكركم الله في أهل بيتي، أُذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ) . ولم يقل: إن أهل بيته معصومون، وإن أقوالهم كالقرآن يجب أن يعمل بها، كما تدعيه الرافضة، فإنهم ليسوا معصومين، هم يخطئون كما يُخطئ غيرهم، ويصيبون كما يصيب غيرهم، ولكن لهم حق القرابة، قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق. وقوله عليه الصلاة والسلام: ( أذكركم الله في أهل بيتي ) : يعني اعرفوا لهم حقهم، ولا تظلموهم، ولا تعتدوا عليهم، هذا من باب التوكيد، وإلا فكل إنسان مؤمن له حق على أخيه، لا يحل له أن يعتدي عليه، ولا أن يظلمه، لكن لآل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حق زائد على حقوق غيرهم من المسلمين. وإذا كان هذا في حق آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فما بالك بحق الرسول صلى الله عليه وسلم؟! حق الرسول عليه الصلاة والسلام أعظم الحقوق بعد حق الله، يجب أن يقدم على النفس والولد والأهل وعلى جميع الناس، في المحبة والتعظيم وقبول الهدي، هديه وسنته عليه الصلاة والسلام مقدمة على كل أحد، نسأل الله أن يجعلنا والمسلمين من أتباعه ظاهراً وباطناً.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم . قال الله تعالى (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب )) . وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ) رواه مسلم وفي رواية له: ( فأقدمهم سلما ) بدل سنا أي إسلاما وفي رواية ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة فإن كانت قراءتهم سواء فيؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ) . والمراد بسلطانه محل ولايته أو الموضع الذي يختص به . وعنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول ( استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) . رواه مسلم ... " .
القارئ : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم : قال الله تعالى: (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب )). وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تَكرمته إلا بإذنه ) ، رواه مسلم . وفي رواية له: ( فأقدمهم سِلما ) بدل سِنا أي إسلاما . وفي رواية: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواء، فيؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ) . والمراد بسلطانه محل ولايته أو الموضع الذي يختص به . وعنه رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولوا الأحلام والنُهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، رواه مسلم ".
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم . قال الله تعالى (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب )) . وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ) رواه مسلم وفي رواية له: ( فأقدمهم سلما ) بدل سنا أي إسلاما وفي رواية ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة فإن كانت قراءتهم سواء فيؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ) . والمراد بسلطانه محل ولايته أو الموضع الذي يختص به . وعنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول ( استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) . رواه مسلم ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب توقير العلماء، وإكرامهم ورفع مجالسهم " : يعني وما يتعلق بهذا من المعاني الجليلة. وذلك أن المؤلف يريد بالعلماء علماء الشريعة، الذين هم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن العلماء ورثة الأنبياء، لأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، فإن النبي صلى عليه وآله وسلم توفي عن بنته فاطمة وعن عمه العباس ولم يرثوا شيئاً، لأن الأنبياء لا يورثون، إنما ورثوا العلم، العلم بشريعة الله، فمن أخذ بالعلم أخذ بحظ وافر من ميراث العلماء. وإذا كان الأنبياء لهم حق التبجيل والتعظيم والتكريم، فلمن ورثهم نصيب من ذلك، أن يُعظم ويكرم ويبجل، فلهذا عقد المؤلف -رحمه الله- لهذه المسألة العظيمة باباً، لأنها مسألة عظيمة، وبتوقير العلماء توقر الشريعة، لأنهم حاملوها، وبإهانة العلماء تهان الشريعة، لأن العلماء إذا ذلوا وسقطوا أمام أعين الناس ذلت الشريعة التي يحملونها، ولم يبقَ لها قيمة عند الناس، وصار كل إنسان يحتقرهم ويزدريهم فتضيع الشريعة. كما أنَّ ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم تعظيمهم وطاعتهم، حسب ما جاءت به الشريعة، لأنهم إذا احتُقروا أمام الناس، وأُذلوا، وهون أمرهم، ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى، ولم يكن للسلطان قوة ولا نفوذ. فهذان الصنفان من الناس: العلماء والأمراء، إذا احتُقروا أمام أعين الناس فسدت الشريعة، وفسد الأمن، وضاعت الأمور، وصار كل إنسان يرى أنه هو العالم، وكل إنسان يرى أنه هو الأمير، فضاعت الشريعة وضاعت البلاد، ولهذا أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمور من العلماء والأمراء فقال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )). ونضرب لكم مثلاً: إذا لم يُعظم العلماء والأمراء، فإن الناس إذا سمعوا من العالم شيئاً قالوا: هذا هين، قال فلان خلاف ذلك كذا وكذا، أو قال: هذا هين هو يعرف ونحن نعرف، كما سمعنا عن بعض السفهاء الجهال، أنهم إذا جودلوا في مسألة من مسائل العلم، وقيل لهم: هذا قول الإمام أحمد بن حنبل، أو هذا قول الشافعي، أو قول مالك، أو قول أبي حنيفة، أو قول سفيان، أو ما أشبه ذلك قال: نعم، هم رجال ونحن رجال، لكن فرق بين رجولتك ورجولة هؤلاء، مَن أنت حتى تصادم بقولك وسوء فهمك وقصور علمك وتقصيرك في الاجتهاد، حتى تجعل نفسك نداً لهؤلاء الأئمة رحمهم الله؟! فإذا استهان الناس بالعلماء ، كل واحد يقول: " أنا ابن جلا وطلاع الثنايا "، أنا العالم، أنا النحرير، أنا الفهامة، أنا العلامة، أنا البحر الذي لا ساحل له من يبقي هذا، صار كل يتكلم بما شاء، ويفتي بما شاء، وتمزقت الشريعة بسبب هذا الذي يحصل من بعض السفهاء. الأمراء كذلك، إذا قيل مثلاً: أمر الولي بكذا وكذا، قال: لا طاعة له، لا طاعة له، لأنه مُخل بكذا ومخل بكذا، طيب إذا أخل بكذا، فذنبه على جنبه، وأنت مأمور بالسمع والطاعة، حتى وإن شربوا الخمور، وحتى لو أنهم عانقوا الزمور، كل شيء ما لم نرى كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، وإلا فطعاتهم واجبة، ولو فسقوا، ولو عتو، ولو ظلموا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) . وقال لأصحابه فيما إذا أخل الأمراء بواجبهم، قال: ( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليكم ما حُمِّلتم وعليهم ما حملوا ). أما أن نريد أن تكون أمراؤنا كأبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، هذا لا يمكن، لنكن نحن مثل الشعب في ذلك الوقت، لنكن نحن صحابة أو مثل الصحابة حتى يكون ولاتنا مثل خلفاء الصحابة. أما والشعب كما نعلم الآن : أكثرهم مفرط في الواجبات، كثير منهم منتهك للحرمات، ثم يريدون أن يولي الله عليهم خلفاء راشدين، هذا بعيد، لكن نحن علينا أن نسمع ونطيع، وإن كانوا هم بأنفسهم مقصرين فهذا تقصيرهم عليهم، عليهم ما حملوا، وعلينا ما حملنا. فإذا لم يوقَّر العلماء ولم يُوقَّر الأمراء، ضاع الدين والدنيا نسأل الله العافية. ثم استدل المؤلف بقوله تعالى: (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )) ، (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي )) : يعني لا يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون، لأن الجاهل متصف بصفة ذم، والعالم متصف بصفة مدح، ولهذا لو تعير أدنى واحد من العامة وتقول له: أنت جاهل، غضب وأنكر ذلك، مما يدل على أن الجهل عيب مذموم، كلٌ ينفر منه، والعلم خير، ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون في أي حال من الأحوال. العالم يعبد الله على بصيرة، يعرف كيف يتوضأ، كيف يصلي، كيف يزكي، كيف يصوم، كيف يحج، كيف يبر والديه، كيف يصل رحمه. العالم يهدي الناس (( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )) ، لا يمكن أن يكون هذا مثل هذا، فالعالم نور يُهتدى به ويرفع الله به، والجاهل عالة على غيره، لا ينفع نفسه ولا غيره، بل إن أَفتى بجهل ضر نفسه وضر غيره، فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. ثم استدل المؤلف بحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب الله ) : يعني يكون إماماً فيهم أقرؤهم لكاتب الله ، ( فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا بالسنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً ) : أي إسلاماً، وفي لفظ : ( سناً ) : أي أكبرهم سناً. وهذا يدل على أن صاحب العلم مقدم على غيره، يقدم العالم بكتاب الله، ثم العالم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يقدم من القوم في الأمور الدينية إلا خيرَهم، لا يقدم من القوم في العلوم الدينية إلا خيرهم وأفضلهم. وهذا يدل على تقديم الأفضل فالأفضل في الإمامة، وهذا في غير الإمام الراتب، أما الإمام الراتب فهو الإمام وإن كان في الناس مَن هو أقرأ منه، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث: ( ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه ) : والإمام، إمام المسجد الراتب سلطان في مسجده، له السلطة، حتى إن بعض العلماء يقول: " لو أن أحداً تقدم وصلى بجماعة المسجد بدون إذن الإمام فصلاتهم باطلة، عليهم أن يعيدوا، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهي عن هذه الإمامة، والنهي يقتضي الفساد " ، والله الموفق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثا وإياكم وهيشات الأسواق ) . رواه مسلم . وعن سهل بن أبي حثمة الأنصاري رضي الله عنه قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة ابن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال ( كبر كبر ) وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال ( أتحلفون وتستحقون قاتلكم ) وذكر تمام الحديث متفق عليه . وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد يعني في القبر ثم يقول ( أيهما أكثر أخذا للقرآن ) فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد رواه البخاري . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أراني في المنام أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر فقيل لي كبر فدفعته إلى الأكبر منهما ) رواه مسلم مسندا والبخاري تعليقا . وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط ) حديث حسن رواه أبو داود ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثاً، وإياكم وهيشات الأسواق ) ، رواه مسلم . وعن سهل بن أبي حَثمة الأنصاري رضي الله عنه قال: ( انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة ابن مسعود إلى خيبر، وهي يومئذٍ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه، ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال: كَبِّر كبر، وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال: أتحلفون وتستحقون قاتلكم؟ ) ، متفق عليه . وعن جابر رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد -يعني في القبر- ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد ) ، رواه البخاري . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أُراني في المنام أتسوك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر فقيل لي: كبر فدفعته إلى الأكبر منهما ) ، رواه مسلم مُسندا والبخاري تعليقا . وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ مِن إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط ) ، حديث حسن رواه أبو داود " .
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثا وإياكم وهيشات الأسواق ) . رواه مسلم . وعن سهل بن أبي حثمة الأنصاري رضي الله عنه قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة ابن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال ( كبر كبر ) وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال ( أتحلفون وتستحقون قاتلكم ) وذكر تمام الحديث متفق عليه . وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد يعني في القبر ثم يقول ( أيهما أكثر أخذا للقرآن ) فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد رواه البخاري . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أراني في المنام أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر فقيل لي كبر فدفعته إلى الأكبر منهما ) رواه مسلم مسندا والبخاري تعليقا . وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط ) حديث حسن رواه أبو داود ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث فيها الإشارة إلى ما سبق عن المؤلف -رحمه الله- من إكرام أهل العلم وأهل الفضل والكبير، فمن ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم ) قال ذلك ثلاثاً، ( وإياكم وهيشات الأسواق ) : قوله: ( ليلني منكم ) : اللام هنا للأمر، والمعنى أنه في الصلاة ينبغي أن يتقدم أولو الأحلام والنهى . أولو الأحلام: يعني الذين بلغوا الحلم وهم البالغون، والنُهى جمع نهية وهي العقل، يعني العقلاء، فالذي ينبغي أن يتقدم في الصلاة العاقلون البالغون، لأن ذلك أقرب إلى فهم ما يقوله النبي عليه الصلاة والسلام أو ما يفعله، من الصغار ونحوهم، فلهذا حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يتقدم هؤلاء حتى يلوا الإمام. وليس معنى الحديث: لا يلني إلا أولو الأحلام والنُهى، بحيث نطرد الصبيان عن الصف الأول، فإن هذا لا يجوز. لا يجوز طرد الصبيان عن الصف الأول إلا أن يحدث منهم أذية، فإن لم يحصل منهم أذية فإن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد أحق به. وهناك فرق بين أن تكون العبارة النبوية: لا يلني إلا أولو الأحلام، وبين قوله: ليلني أولو الأحلام، فالثانية تحث الكبار العقلاء على التقدم، والأولى لو قدر أنها هي نص الحديث، لكان يُنهى أن يلي الإمام من ليس بالغاً، أو ليس عاقلاً. وعلى هذا فنقول: إن أولئك الذين يطردون الصبيان عن الصف الأول أخطؤوا من جهة أنهم منعوا ذوي الحقوق حقوقهم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من سبق إلى ما لم يَسبق إليه مسلم فهو أحق به ) . ومن جهة أخرى أنهم يكرهون الصبيان المساجد، يعني أن الصبي يبدأ ينفر عن المسجد إذا كان يُطرد عنه. ومنها أن هذه لا تزال عُقدة في نفسه على الذي طرده فتجده يكرهه، ويكره ذكره، فمن أجل هذه المفاسد نقول: لا تطردوا الصبيان من أوائل الصفوف. ثم إننا إذا طردناهم من أوائل الصفوف حصل منهم لعب، لو كانوا كلهم في صف واحد كما يقوله من يقوله من أهل العلم، لحصل منهم من اللعب ما يوجب اضطراب المسجد، واضطراب أهل المسجد، ولكن إذا كانوا مع الناس في الصف الأول ومتفرقين، فإن ذلك أسلم من الفوضى التي تحصل بكونهم يجتمعون في صف واحد. وقوله عليه الصلاة والسلام: ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهي ) : يستفاد منه أن الدنو من الإمام له شأن، أن الدنو من الإمام له شأن مطلوب، ولهذا قال: ليلني : أي يكون هو الذي يليني. وعلى هذا فنقول: إذا كان يمين الصف بعيداً، وأيسر الصف أقرب منه بشكل واضح، فإن الصف الأيسر أفضل من الأيمن، مِن أجل دنوه من الإمام، ولأنه لما كان الناس في أول الأمر إذا كان إمامٌ واثنان معه، فإنهما يكونان عن يمينه واحد، وعن شماله واحد، ولا يكون كلاهما عن اليمين، فدل هذا على مراعاة الدنو من الإمام، وتوسط الإمام من المأمومين. ولكن هذا الأمر -أي كون الإمام واثنان معه يكونان في صف واحد-، هذا نسخ، وصار الإمام إذا كان معه اثنان يصفان خلفه، ولكن كونه حين كان مشروعاً يُجعل أحدهما عن اليمين والثاني عن اليسار يدل على أنه ليس الأيمن أفضل مُطلقاً، بل أفضل من الأيسر إذا كان مقارباً أو مثله، أما إذا تميز بميزة بيّنة، فاليسار مع الدنو من الإمام أفضل. وفي حديث الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أنه كان عليه الصلاة والسلام يتسوك ، فجاءه رجلان فأراد أن يعطيه الأصغر، فقيل لي: كبّر كبّر ) : فيه أيضاً دليل على اعتبار الكبر، وأنه يقدم الأكبر في إعطاء الشيء. ومن ذلك إذا قدمت الطعام، مثلاً القهوة، أتيت بالقهوة أو بالشاهي فلا تبدأ باليمين، ابدأ بالأكبر الذي أمامك، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يعطيه الأصغر قيل له كبّر، ومعلوم أنه لو كان الأصغر هو الأيسر ما ذهب الرسول عليه الصلاة والسلام يعطيه إياه، الظاهر أنه الأيمن من أجل التيامن، لكن قيل له : كبّر يعني : أعطه الأكبر، فهذا إذا كان الناس أمامك فابدأ بالكبير، لا تبدأ باليمين، أما إذا كانوا جالسين على اليمين وعن الشمال فابدأ باليمين. وبهذا يُجمع بين الأدلة الدالة على اعتبار التكبير أي مراعاة الكبير، وعلى اعتبار الأيمن، أي مراعاة الأيمن، فنقول: إذا كانت القصة كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: أنه كان معه إناء يشرب منه، وعلى يساره الأشياخ وعلى يمينه ابن عباس، فأعطاه ابن عباس رضي الله عنه، لأنه هو الأيمن، وقال : ( الأيمنون الأيمنون )، فإذا كان هكذا فأعط من على يمينك، أما الذين أمامك فابدأ بالكبير، كما تدل عليه السنة، وهذا هو وجه الجمع بينهما. ثم إن الإنسان إذا أعطاه الكبير، يعني صبَّ الفنجان وأعطاه الكبير، فمن يعطي بعده؟ هل هو الذي على يمين الكبير ويكون عن يسار الصاب، أم الذي عن يمين الصاب؟ نقول: يبدأ بالذي عن يمين الصاب وإن كان على يسار الكبير، لأننا إذا اعتبرنا التيامن بعد مراعاة الكِبر، فالذي على يمينك هو الذي عن يسار مقابلك فتبدأ به، ما لم يسمح بعضهم لبعض، ويقول: أعطه فلاناً أعطه فلاناً، فالحق لهم، لهم أن يسقطوه، والله أعلم.