تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائما فقال: قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلى بردة إن غطى بها رأسه بدت رجلاه وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا . ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . رواه البخاري ... " .
الشيخ : وكان مصعب رجلاً شاباً، كان عند والديه في مكة، وكان والداه أغنياء، أمه وأبوه يلبسانه من خير اللباس، لباس الشباب والفتيان، وقد دلّلاه دلالاً عظيماً فلما أسلم هجراه وأبعداه، وهاجر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فكان مع المهاجرين، وكان عليه ثوبٌ مرقَّع، بدل ما كان في مكّة عند أبويه يلبس أحسن الثّياب، لكنه ترك ذلك كلّه مُهاجراً إلى الله ورسوله وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلّم الراية يوم أحد، فاستشهد رضي الله عنه، وكان معه بُردة: ثوب، إذا غطّوا به رأسه بدت رجلاه قصير، وإن غطوا رجليه بدا رأسه، ( فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن يستر به رأسه، وأن تستر رجلاه بالإذخر ) : نبات معروف، فكان عبد الرحمن بن عوف يذكر حال هذا الرجل ثم يقول: " إنهم قد مضوا وسلموا مما فتح الله به من الدنيا على من بعدهم من المغانم الكثيرة " : كما قال تعالى: (( ومغانم كثيرة يأخذونها )) وقال رضي الله عنه عبد الرحمن : " أخشى أن تكون قد عجّلت لنا حسناتنا " ، لأن الكافر يُجزى على حسناته في الدّنيا وله في الآخرة عذاب النار، والمؤمن قد يُجزى في الدّنيا والآخرة ولكن جزاء الآخرة هو الأهم، فخشي رضي الله عنه أن تكون حسناتهم عجّلت لهم في هذه الدّنيا فبكى خوفا وفَرقًا، ثم ترك الطعام رضي الله عنه، ففي هذا دليل على البكاء مِن خشية الله ومخافة عقابه، والله الموفّق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر . قال الله تعالى: (( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون )) . وقال تعالى: (( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا، المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )) . وقال تعالى: (( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) . وقال تعالى: (( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب )) . وقال تعالى: (( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )) . وقال تعالى: (( ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون، كلا لو تعلمون علم اليقين )) . وقال تعالى: (( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )) ... " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر: قال الله تعالى: (( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نباتُ الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أَخَذت الأرض زخرفها وازَّينت وظنَ أهلُها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلًا أو نهارًا فجعلناها حصيدا ًكأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقومٍ يتفكرون )). وقال تعالى: (( واضرب لهم مثلَ الحياة الدنيا كماء أنزلناه مِن السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً * المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملاً )). وقال تعالى: (( اعلموا أنما الحياةُ الدنيا لعب ولهوٌ وزينةٌ وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفارَ نباتُه ثم يهيج فتراه مصفرًا ثم يكون حُطامًا وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )). وقال تعالى: (( زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسن المآب )). وقال تعالى: (( يا أيها الناس إنَّ وعد الله حقٌ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )). وقال تعالى: (( ألهاكم التكاثر * حتى زُرتم المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون * كلا لو تعلمون علم اليقين )). وقال تعالى: (( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الترغيب في الزهد في الدنيا والتقليل منها " : الدنيا هي حياتنا هذه التي نعيش فيها، وسمّيت دنيا لسببين، السبب الأول: أنها أدنى من الآخرة لأنها قبلها، كما قال تعالى: (( وللآخرة خير لك من الأولى )) . والثانية: أنها دنيئة ليست بشيء بالنسبة للآخرة، كما روى الإمام أحمد رحمه الله من حديث المستورد بن شدّاد، أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لموضع سوط أحدكم في الجنّة خير من الدنيا وما فيها ): موضع السوط: العصا القصير الصغير في الجنة خير من الدّنيا وما فيها مِن أولها إلى آخرها، فهذه هي الدّنيا. وذكر المؤلف رحمه الله آيات عديدة كلها تفيد أنه لا ينبغي للعاقل أن يركن إلى الدنيا، أو يغترّ بها أو يلهو بها عن الآخرة أو تكون مانعا له من ذكر الله عزّ وجلّ، منها قوله تعالى: (( إنما الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السماء )): يعني المطر، (( فاختلط به نبات الأرض )) : يعني أنبتت الأرض منه نباتا متنوّعا مختلطا متقاربا ليس بينه فجوات ليس فيها نبات، كل الأرض نبتت بأنواع الأعشاب من كلّ زوج بهيج ، (( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازَّيّنت )) :أي كَمُلت ، (( وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس )) : كأن لم تكن، وهذه هي الحياة الدّنيا، واعتبر ذلك أنت في واقعك، كم من أُناس عشت معهم وعاشوا في هذه الدّنيا عيشة راضية، رفاهية وأُنس وأولاد وزوجات وقصور وسيّارات، ثمّ انتقلوا عنها كأن لم يكونوا بالأمس، انتقلوا عنها، أو يأتي دنياهم شيء يتلفها، فكم من إنسان غنيّ عنده أموال عظيمة أصبح فقيراً يسأل الناس؟! فهذه الدّنيا، وإنما ضرب الله هذا المثل لئلا نغترّ بها ، (( كذلك )) : يعني مثل هذا التفصيل والتبيين (( نفصّل الآيات لقوم يتفكّرون )) : لمن عنده تفكير في الأمور، ونظر في العواقب، ثم قال: (( والله يدعو إلى دار السلام )) : أي فرق بين هذه وهذه؟! دار السلام هي الجنّة أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها، دار السلام سالمة من كلّ كدر، من كلّ تنغيص، من كلّ أذى، لما ذكر الدّنيا قال: (( والله يدعو إلى دار السلام )) ، فإلى أيهما تركن؟ لا شكّ أن العاقل يرَكن إلى دار السّلام، ولا تهمّه دار الفناء والنّكد والتّنغيص، فهو سبحانه وتعالى يدعو كلّ الخلق إلى دار السلام ، (( ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )) : الهداية مقيّدة ما قال ويهدي كلّ أحد، (( يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )) ، فمن هو الحقيق والجدير بهداية الله؟! هو مَن أناب إلى الله عزّ وجلّ كما قال تعالى: (( ويهدي إليه من أناب ))، وقال تعالى: (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )) ، فمن كان عنده نيّة طيّبة وخالصة ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، فهذا الذي يهديه الله عزّ وجلّ، وهو داخل في قوله: (( ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )). ثم ذكر المؤلف آيات أخرى مثل قوله : (( واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرضِ فأصبح هشيما تذروه الرّياح )) : يعني معناه : أن الحياة الدّنيا كماء نزل على أرض فأنبتت فأصبح هشيمًا تذروه الرّياح، يبس وصارت الرياح تطير به هكذا أيضا الدّنيا. وقال تعالى: (( إنما الحياة الدّنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد )) : هذه خمسة أشياء كلها ليست بشيء، لعب ولهو زينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، مثالها : (( كمثل غيث أعجب الكفارَ نباتُه )) : أعجب الكفار، لأنهم هم الذين يتعلّقون بالدنيا، وتسبي عقولهم الدّنيا، فهذا نبات نبت مِن الغيث فصار الكفار يتعجّبون منه، مِن حسنه ونظارته ، (( أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطامًا )) : يزول ، (( وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان )) : فأيهما تريد؟! تريد الآخرة، الأخرة فيها عذاب شديد لمن آثر الدّنيا على الآخرة، فيها مغفرة من الله ورضوان لمن آثر الآخرة على الدنيا. والعاقل إذا قرأ القرآن وتبصّر عرف قيمة الدّنيا وأنها ليست بشيء وأنها مزرعة للآخرة، فانظر ماذا زرعت فيها لآخرتك، إن كنت زرعت خيرا فأبشر بالحصاد الذي يرضيك، وإن كان بالعكس فقد خسرت الدّنيا والآخرة، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية.
شرح الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: ( أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ) فقالوا أجل يا رسول الله، فقال: ( أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ) متفق عليه . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: ( إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ) متفق عليه . عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ) رواه مسلم ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه : ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها، فَقَدِم بمال من البحرين، فسَمِعَت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قَدِم بشيء من البحرين؟ قالوا: أجل، فقال: أَبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم )، متفق عليه. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: إنَّ مما أخافُ عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها )، متفق عليه. وعنه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدنيا حلوة خَضِرَة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء )، رواه مسلم ". الشيخ : هذه الأحاديث ذكرها المؤلف -رحمه الله- في باب الزهد في الدنيا والترغيب فيه، وقد ذكر قبل ذلك آيات متعدّدة كلها تدل على أن هذه الدنيا ليست بشيء بالنسبة للآخرة، وأنها ممرّ ومزرعة، فإن قال قائل: يُقال ورع ويقال زهد فأيهما أعلى وما الفرق بينهما؟ فالجواب أن الزّهد أعلى مِن الورع، والفرق بينهما أن الورع ترك ما يضرّ، والزهد ترك ما لا ينفع، فالأشياء ثلاثة أقسام: منها ما يضرّ في الآخرة، ومنها ما ينفع، ومنها ما لا يضر ولا ينفع. فالورع : أن يدع الإنسان ما يضرّه في الآخرة يعني : أن يترك الحرام. والزهد : أن يدع ما لا ينفعه في الآخرة، فالذي لا ينفعه لا يأخذ به، والذي ينفعه يأخذ به، والذي يضرّه لا يأخذ به من باب أولى. فكان الزهد أعلى من الورع، أعلى حالًا من الورع، فكلّ زاهد ورع وليس كل ورع زاهدا، ولكن حذّر النبي عليه الصلاة والسلام من أن تفتح الدّنيا علينا فنهلك، ( لما قدم أبو عبيدة بمال من البحرين وسمع الأنصار بذلك، جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافوه في صلاة الفجر، فلما انصرف من الصلاة تعرّضوا له، فتبسّم عليه الصلاة والسلام ) : تبسّم يعني ضحك لكن بدون صوت-، تبسّم لأنهم جاؤوا متشوّفين إلى المال فقال لهم : ( لعلكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة من البحرين؟ قالوا: أجل يا رسول الله ) : يعني سمعنا بذلك وجئنا لننال نصيبنا فقال عليه الصلاة والسلام : ( ما الفقرَ أخشى عليكم ) : الفقر ما أخشاه، الفقر قد يكون خير للإنسان ، كما جاء في الحديث القدسي الذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: ( إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى ) ، ( إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى ) : يعني أطغاه وأضلّه وصدّه عن الآخرة والعياذ بالله ففسد، ( وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسده الفقر ) . فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( ما الفقر أخشى عليكم ) : يعني لا أخشى عليكم من الفقر، لأن الفقير في الغالب أقرب إلى الحقّ من الغنيّ، وانظروا إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام من الذي يُكذّبهم؟ يكذّبهم الملأ: الأشراف، الأغنياء، وأكثر من يتّبعهم الفقراء، حتى النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من يتّبعه الفقراء، فالفقر لا يُخشى، الذي يُخشى أن تبسط الدّنيا علينا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أخشى أن تبسط عليكم ) يعني كما بسطت على من كان قبلنا ، ( فتهلككم كما أهلكتكم ) : وهذا هو الواقع، وانظر إلى حالنا نحن هنا ، يعني في المملكة ، لما كان الناس إلى الفقر أقرب، كانوا لله أتقى وأخشع وأخشى، ولما كثر المال كثر الإعراض عن سبيل الله، وحصل الطغيان، وصار الإنسان الآن يتشوف لزهرة الدنيا وزينتها: سيارة، بيت، فُرُش، لباس، يباهي الناس بهذا، ويُعرض عما ينفعه في الآخرة، وصارت الجرائد والصحف وما أشبهها لا تتكلم إلاّ بالرفاهية وما يتعلّق بالدنيا، وأعرضوا عن الآخرة، وفسد الناس إلاّ من شاء الله. فالحاصل أن الدنيا إذا فُتحت -نسأل الله أن يقينا وإياكم شرّها- أنها شرّ تطغي الإنسان، (( كلاّ إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى )) ، قال فرعون لقومه : (( يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي )) : شفت يفتخر بالدنيا، فالدنيا خطيرة جدّا . وفي هذه الأحاديث أيضا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن الدنيا حلوة خَضِرَة ) : حلوة المذاق خضرة المنظر تجلب تفتن، الشيء إذا كان حلوا ومنظره طيباً يفتن الإنسان، فالدنيا هكذا حلوة خَضِرة، حلوة في المذاق، خذرة في المنظر، ( وإن الله مُستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ) : يعني جعلكم خلائف فيها، يخلُف بعضكم بعضا ويرث بعضكم بعضا فينظر كيف تعملون، هل تقدّمون الدّنيا أم الآخرة، ولهذا قال : ( فاتّقوا الدّنيا واتّقوا النّساء ) . ولكن إذا أغنى الله الإنسان، وصار غناه عوناً له لطاعة الله: ينفق ماله في الحقّ وفي سبيل الله، صارت الدّنيا خيرا، ولهذا كان رجل الدنيا الذي ينفق ماله في سبيل الله وفي مرضات الله عزّ وجلّ صار ثاني اثنين بالنسبة للعالم الذي آتاه الله الحكمة والعلم، وصار يعلّم الناس، فهناك فرق بين الذي ينهمك في الدنيا ويُعرض عن الآخرة، وبين الذي يغنيه الله ويكون غناه سببا لسعادته والإنفاق في سبيل الله ، (( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )).
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ) متفق عليه . وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله: فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله ويبقى عمله ) متفق عليه . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول: لا والله يا رب ويؤتي بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول: لا والله ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط ) رواه مسلم . وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ؟ ) روه مسلم . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلا من بعض العالية، والناس كنفتيه فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: ( أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم ؟ ) فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به ؟ ثم قال: ( أتحبون أنه لكم ؟ ) قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا، إنه أسك فكيف وهو ميت فقال: ( فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ) رواه مسلم .
القارئ : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة )، متفق عليه. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله: فيرجع اثنان ويبقى واحد: يرجع أهله وماله ويبقى عمله )، متفق عليه. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيُصبغ صبغة في الجنّة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مرّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله ما مرَّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط )، رواه مسلم. وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع )، روه مسلم. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بالسوق والناس كَنَفَتيه، فمرَّ بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم ؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء ، وما نصنع به؟! ثم قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيًا كان عيبًا، إنه أَسَكّ فكيف وهو ميت، فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم )، رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : ذكر المؤلف -رحمه الله- أحاديث في بيان الزّهد في الدّنيا، وأن النعيم هو نعيم الآخرة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( اللهم لا عيش إلاّ عيش الآخرة ) : يعني العيشة الهنيئة الراضية الباقية هي عيش الآخرة، أما الدنيا فإنه مهما طاب عيشها فمآلها للفناء، وإذا لم يصحبها عمل صالح فإنها خسارة، ولهذا ذكر في ضمن الأحاديث هذه : ( أنه يؤتى بأنعم أهل الدنيا في الدنيا ) : يعني أشدّهم نعيما، في بدنه وثيابه وأهله ومسكنه ومركوبه وغير ذلك ، ( فيصبغ في النار صبغة ) : يعني يغمس فيها غمسة واحدة ويقال: ( هل رأيت خيرا قط؟ فيقول: لا والله يا ربي ما رأيت ) ، لأنه ينسى كلّ هذا النّعيم، هذا وهو شيء يسير فكيف ومن يكون مخلّدا فيها والعياذ بالله أبد الآبدين. وذكر أيضاً حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : ( مرّ في السوق بجدي أسكّ ) : الجدي من صغار المعز، والمعز الصغير، أسك: مقطوع الأذنين، فأخذه عليه الصلاة والسلام ورفعه فقال: ( هل أحدكم يريده بدرهم؟ قالوا يا رسول الله ما نريده بشيء، قال هل أحد منكم يودّ أن يكون له؟ قالوا لا، قال: إن الدنيا أهون عند الله تعالى من هذا الجدي ) : ميّت لا يساوي شيئا، فالدنيا ليست بشيء عند الله، لكن من عمل فيها صالحاً صارت له مزرعة له في الآخرة، ونال فيها السّعادتين، سعادة الدّنيا وسعادة الآخرة، أما من غفل وتغافل وتهاون ومضت الأيام عليه وهو لم يعمل فإنه يخسر الدّنيا والآخرة، قال الله تعالى : (( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة )). وقال تعالى : (( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) ، وإلاّ كل بني آدم خاسر إلاّ هؤلاء الذين جمعوا هذه الأوصاف الأربعة: آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصّبر، جعلنا الله وإيّاكم منهم.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة فاستقبلنا أحد فقال : ( يا أبا ذر قلت: لبيك يا رسول الله فقال: ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ) . ثم سار فقال: ( إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم ثم قال لي: مكانك لا تبرح حتى آتيك ) . ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم فأردت أن آتيه فذكرت قوله: ( لا تبرح حتى آتيك فلم أبرح حتى أتاني ) . فقلت لقد سمعت صوتا تخوفت منه فذكرت له فقال: ( وهل معته ؟ ) قلت: نعم قال: ( ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق ) متفق عليه . وهذا لفظ البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين ) متفق عليه . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) متفق عليه وهذا لفظ مسلم . وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطى رضى، وإن لم يعط لم يرض ) رواه البخاري . وعنه رضي الله عنه قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته رواه البخاري ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: ( كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة بالمدينة فاستقبلنا أحد فقال: يا أبا ذر! قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً تمضي علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، ثم سار فقال: إن الأكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وقليل ما هم، ثم قال لي: مكانك لا تبرح حتى آتيك، ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى، فسمعت صوتا قد ارتفع، فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم، فأردتُ أن آتيه، فذكرت قوله: لا تبرح حتى آتيك، فلم أبرح حتى أتاني، فقلت: لقد سمعت صوتا تخوفت منه، فذكرت له فقال: وهل سمعته؟ قلت: نعم، قال: ذاك جبريل أتاني، فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق ) ، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا تمرَّ علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين )، متفق عليه . وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. وعنه رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أُعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض )، رواه البخاري. وعنه رضي الله عنه قال: ( لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته )، رواه البخاري " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف -رحمه الله- كلها تدل على الزّهد في الدّنيا فمنها حديث أبي ذرّ وأبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم قال : ( ما يسرّني أن لي مثل أحد ذهبا تمضي عليه ثلاث ليال إلاّ وقد فرّقته يميناً وشمالاً وأمامه وخلفه، إلاّ شيئا أرصده لدين ) : وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مِن أزهد الناس، بل هو أزهد الناس في الدّنيا، لأنه لا يريد أن يجمع المال إلاّ شيئاً يرصده لدين، ( وقد توفي صلى الله عليه وآله وسلم ودرعه مرهونة عند يهوديّ في شعير أخذه لأهله ) ، ولو كانت الدّنيا محبوبة إلى الله عزّ وجلّ ما حرم منها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ( فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلاّ ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما )، وما يكون في طاعة الله عزّ وجلّ، ثم ذكر في حديث أبي ذرّ : ( أن المكثرون هم المقلّون يوم القيامة ) : يعني المكثرين من الدّنيا هم المقلين من الأعمال الصّالحة يوم القيامة، وذلك لأن الغالب على من كثر ماله في الدّنيا الغالب عليه الإستغناء والتّكبّر والإعراض عن طاعة الله، لأن الدّنيا تلهيه فيكون مكثرا في الدّنيا مقلّا في الآخرة، ( إلاّ من قال هكذا وهكذا ) : يعني في المال وصرّفه في سبيل الله عزّ وجلّ. وفي حديث أبي ذر : ( أن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة وإن زنى وإن سرق ) : وهذا لا يعني أن الزنا والسرقة سهلة بل هي صعبة، ولهذا استعظمها أبو ذرّ قال: ( وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق ) ، لأن من مات على الإيمان وعليه معاصي من كبائر الذّنوب فإن الله يقول: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) : قد يعفو الله عنه ولا يعاقبه، وقد يعاقبه لكن إن عاقبه فمآله إلى الجنّة، مآله إلى الجنّة، لأن كلّ مَن كان لا يشرك بالله، ولم يأت شيئا مكفّراً، فإن مآله إلى الجنّة، أما من أتى مكفّراً كالذي لا يصلّي والعياذ بالله فهذا مخلّد في النار، الذي لا يصلّي كافر مرتدّ مخلّد في نار جهنّم، حتى لو قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمّدا رسول الله، وآمنت بالله وآمنت باليوم الآخر وهو لا يصلّي، فإنه مرتدّ، لأن المنافقين يقولون للرسول عليه الصلاة والسلام : نشهد إنك لرسول الله ويذكرون الله، ولكن لا يذكرون الله إلاّ قليلا، ويصلون ولكن إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ومع ذلك هم في الدّرك الأسفل من النار، وكذلك الأحاديث التي تلت ما رواه أبو ذرّ رضي الله عنه: كلّها تدلّ على الزّهد في الدّنيا، وأن الإنسان لا ينبغي أن يعلّق نفسه بها، وأن تكون الدّنيا بيده لا في قلبه، حتى يُقبل بقلبه على الله عزّ وجلّ، فإن هذا هو كمال الزّهد، وليس المعنى أنّك لا تأخذ شيئًا من الدّنيا، خذ من الدّنيا ولا تنس نصيبك منها ولكن اجعلها في يدك ولا تجعلها في قلبك، هذا هو المهمّ، نسأل الله لنا ولكم العافية والسلامة.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري . قالوا في شرح هذا الحديث معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله . وعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ، فقال : ( ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ) حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة . وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قال : ذكر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، ما أصاب الناس من الدنيا ، فقال : لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه . رواه مسلم . وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي ، فأكلت منه حتى طال علي ، فكلته ففني . متفق عليه . وعن عمرو بن الحارث أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين ، رضي الله عنهما ، قال : ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته دينارا ، ولا درهما ، ولا عبدا ، ولا أمة ، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها ، وسلاحه ، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة . رواه البخاري ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ) ، رواه البخاري. قالوا في شرح هذا الحديث: معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله. وعن أبي العباس، سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس )، حديث حسن، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قال : ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ما أصاب الناس من الدنيا ، فقال : ( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه )، رواه مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما في بيتي مِن شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال عليَّ، فكلته ففني )، متفق عليه. وعن عمرو بن الحارث، أخي جُويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما ، قال : ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا ، ولا درهما ، ولا عبدا ، ولا أَمَة ، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها ، وسلاحه ، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة )، رواه البخاري " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث ساقها المؤلف في باب : " الزّهد في الدّنيا وترك المكاثرة فيها والرغبة في الآخرة والمتاجرة فيها " : فذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي ) : وأخذ بمنكبه من أجل أن يستعدّ لما يلقيه له فينتبه، فقال: ( كن في الدّنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) : يحتمل أن هذا من باب الشّكّ، هل قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأول أو الثاني، ويحتمل أنه من باب التنويع، يعني كن كالغريب الذي لا يداخل الناس، ولا يهتمّ بالناس ولا يُعرف بين الناس، أو كأنّك عابر سبيل تريد أن تأخذ ما تحتاجه في سفرك وأنت ماشٍ، وهذا التمثيل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الواقع، لأن الإنسان في هذه الدّنيا مسافر، فالدّنيا ليست دار مقرّ بل هي دار ممرّ سريع، راكبه لا يَفتر ليلا ولا نهارا، المسافر ربّما ينزل منزلا فيستريح، ولكنّ مسافر الدّنيا لا ينزل، هو دائما في سفر، كلّ لحظة فإنك تقطع بها شوطا من هذه الدّنيا لتقرب من الآخرة، فما ظنّكم بسفر لا يفتؤ صاحبه يمشي ويسير، أليس ينتهي بسرعة؟! الجواب: بلى، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: (( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاّ عشية أو ضحاها )) ، والإنسان ينبغي له أن يقيس ما يُستقبل من عمره بما مضى، فالذي مضى كأنه لا شيء، حتى أمسك الأدنى كأنك لم تمرّ به، كأنه حُلْم، فما يُستقبل من دنياك فهو كالذي تقدّم، ولهذا لا ينبغي الركون إلى الدّنيا، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول أخذا من هذا الحديث : " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء " : فإنك قد تموت قبل أن تمسي، " وإذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح " : فإنك قد تموت قبل أن تصبح، ولكن انتهز الفرصة لا تؤخّر العمل، لا تركن إلى الدنيا فتؤمّل البقاء، مع أنّك لا تدري ، " وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك " : انتهز الصّحّة، انتهز الحياة، فإنك قد تمرض فتعجز، وقد تفتقر فتعجز، وقد تموت فينقطع عملك. ثم ذكر أحاديث في هذا المعنى، منها : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مات ولم يترك شيئا مما يأكله ذو كبد رطبة إلاّ شيئا من الشّعير ) ، كما قالت ذلك عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، لم يترك إلاّ شيئا مِن الشّعير، ومع ذلك فإنه مات ودرعه مرهونة عند يهوديّ بشعير أخذه لأهله، اضطرّ عليه الصلاة والسلام فأخذ من هذا اليهودي شعيرًا ابتاعه منه ورهنه درعه، فمات وهي مرهونة عنده، عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلّ على أنّه عليه الصّلاة والسّلام أزهد الناس في الدّنيا، إذ لو شاء أن تسير معه الجبال ذهباً لسارت، ولكنّه لا يريد هذا، يريد أن يتقلّل من الدّنيا حتى يخرج منها لا عليه ولا له منها، بل : ( كان عليه الصلاة والسلام يُعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ) ، ويعيش عيشة الفقراء والله الموفّق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - ، قال : هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله تعالى ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ، منهم : مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ، قتل يوم أحد ، وترك نمرة ، فكنا إذا غطينا بها رأسه ، بدت رجلاه ، وإذا غطينا بها رجليه ، بدا رأسه ، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أن نغطي رأسه ، ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر ، ومنا من أينعت له ثمرته ، فهو يهدبها . متفق عليه . وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافرا منها شربة ماء ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : ( ألا إن الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها ، إلا ذكر الله تعالى ، وما والاه ، وعالما ومتعلما ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن . وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن خباب بن الأرت رضي الله عنه ، قال: ( هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله تعالى، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه، قُتل يوم أحد، وترك نمرة ، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه ، وإذا غطينا بها رجليه بدا رأسُه ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر، ومنا من أَينعت له ثمرته ، فهو يهدبها )، متفق عليه. وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كانت الدنيا تَعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شَربة ماء )، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: ( ألا إن الدنيا ملعونة ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه، وعالماً ومتعلماً )، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتخذوا الضَيعة فترغبوا في الدنيا )، رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن " .