قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - ، قال : هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله تعالى ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ، منهم : مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ، قتل يوم أحد ، وترك نمرة ، فكنا إذا غطينا بها رأسه ، بدت رجلاه ، وإذا غطينا بها رجليه ، بدا رأسه ، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أن نغطي رأسه ، ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر ، ومنا من أينعت له ثمرته ، فهو يهدبها . متفق عليه . وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافرا منها شربة ماء ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : ( ألا إن الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها ، إلا ذكر الله تعالى ، وما والاه ، وعالما ومتعلما ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن . وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن ... " . وعن كعب بن عياض رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال رواه الترمذي وقال حديث صحيح . وعن أبي عمرو ويقال أبو عبد الله ويقال أبو ليلى عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته وجلف الخبز، والماء رواه الترمذي وقال حديث صحيح . وعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: (( ألهاكم التكاثر )) قال: يقول ابن آدم مالي، مالي وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ؟ رواه مسلم .
القارئ : " وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتخذوا الضَيعة فترغبوا في الدنيا )، رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن . وعن كعب بن عِياض رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنَّ لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال )، رواه الترمذي وقال: حديث صحيح . وعن أبي عمرو، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو ليلى، عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخِصال: بيتٌ يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز، والماء )، رواه الترمذي وقال: حديث صحيح . وعن عبد الله بن الشِّخير رضي الله عنه أنه قال: ( أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: (( ألهاكم التكاثر )) ، قال: يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت )، رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث كلها تدور على ما سبق من الزهد في الدّنيا والإقبال على الآخرة، فذكر المؤلف -رحمه الله- حديث خبّاب بن الأرت رضي الله تعالى عنه في قصّة مصعب بن عمير، وهو من المهاجرين الذين هاجروا لله عزّ وجلّ ابتغاء وجه الله، وكان شابا مدلّلا من قبل والديه في مكة، ولما أسلم طرده أبواه، لأنهما كانا كافرين فهاجر رضي الله عنه، وقتل في أحد في السّنة الثالثة من الهجرة، يعني لم يمض على هجرته إلاّ ثلاثة أعوام أو أقلّ، فقتل شهيدا رضي الله عنه، وكان صاحبَ الراية، ولم يكن معه شيء إلاّ بردة، ثوب واحد إن غطّوا به رأسه بدت رجلاه، وإن غطّوا به رجليه بدا رأسه، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن يُغطى رأسه ويجعل على رجليه شيء من الإذخر، فالإذخر نبات معروف تأكله البهائم، فيجعل على رجليه لأجل أن يغطّيهما. قال : " ومنّا " يعني من المهاجرين، " من أينعت له الدّنيا " : أينعت يعني استوت وأثمرت، " فهو يهدبها " : أي يجنيها، ويتمتّع بها ولا يُعلم الأول خير أم الآخر، ولكن الدّنيا خطيرة جدّا على الإنسان كما في هذه الأحاديث التي ذكر المؤلف : أن الرسول عليه الصّلاة والسّلام قال : ( إن لكلّ أمّة فتنة، وإن فتنة أمّتي في المال ) : يكثر المال عند الناس فينسوا به الآخرة، ولهذا نُهي عن اتّخاذ الضّياع، الضّياع : يعني الحدائق والبساتين، فإن الإنسان يلهو بها عما هو أهمّ منها من أمور الآخرة، والحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يكون زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وأن الله إذا رزقه مالًا فليجعله عونًا على طاعة الله، وليجعل الدّنيا في يده لا في قلبه حتى يربح الدنيا والآخرة : (( والعصر * إن الإنسان لفي خُسر * إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصّبر )) . وقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: (( ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر )) : ألهاكم يعني شغلكم عن المقابر وعن الموت وما بعده، (( حتى زرتم المقابر )) : لم ينطلق الإنسان من الدّنيا حتى مات، فقال عليه الصلاة والسلام : ( يقول الإنسان: مالي مالي ) مالي مالي يفتخر به، ( وليس لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، وتصدّقت فأمضيت ) : هكذا قال النبي عليه الصّلاة والسّلام وهو كذلك، الإنسان ما له من ماله إلاّ هذه الأشياء: إما أن يأكل طعاما أو شرابا، وإمّا أن يلبس من أنواع اللباس، وإما أن يتصدّق، والباقي له هو ما يتصدّق به، أما ما يأكله وما يلبسه فإن كان مما يستعين به على طاعة الله كان خيرا له، وإن كان يستعين به على معصية الله وعلى الأشر والبطر كان محنة عليه والعياذ بالله، والله الموفّق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله والله إني لأحبك فقال: ( انظر ماذا تقول ؟ ) قال: والله إني لأحبك ثلاث مرات فقال: ( إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه ) رواه الترمذي وقال حديث حسن . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه قلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء فقال: ( ما لي وللدنيا ؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ) رواه الترمذي وقال حديث صحيح . وعن ابن عباس وعمران بن الحصين رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء ) متفق عليه . وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار ) متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ) ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: ( قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله والله إني لأحبك فقال: انظر ماذا تقول؟ قال: والله إني لأحبك ثلاث مرات فقال: إن كنت تحبني فأعدَّ للفقر تجفافا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه ) ، رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( نامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها )، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ) ، رواه الترمذي وقال: حديث صحيح. وعن ابن عباس وعمران بن الحصين رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اطلعتُ في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء )، متفق عليه. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قمت على باب الجنة فكان عامة مَن دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار )، متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كلُّ شيء ما خلا اللهَ باطلُ )، متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب الزهد في الدّنيا، منها: حديث عبد الله بن المغفّل رضي الله عنه : ( أن رجلا قال للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إني أحبّك، قال: انظر ما تقول، قال: إني أحبّك فردّدها ثلاثا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : إن كنت تحبّني فأعدّ للفقر تَجفافا، فإن الفقر إلى من يحبّني أسرع من السّيل إلى منتهاه ) : لأن السّيل إذا كان له منتهى وهو جاءَ من مرتفع يكون مسرعًا، لكن هذا الحديث لا يصحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، لأنه لا ارتباط بين الغنى ومحبّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكم من إنسان غنيّ يحب الرسول عليه الصلاة والسلام، وكم من إنسان فقير أبغض ما يكون إليه الرسول عليه الصّلاة والسلام، فهذا الحديث لا يصحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، ولكن علامة محبّة الرسول أن يكون الإنسان أشدّ اتّباعاُ له وأشدّ تمسّكا بسنّته : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) ، فالميزان هو اتّباع الرسول عليه الصّلاة والسّلام، من كان للرسول أتبع، فهو له أحب، وأما الفقر والغنى فإنه بيد الله عزّ وجلّ، وكذلك أيضا مِن الزّهد في الدنيا : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من شغف العيش، وقلّة ذات اليد، حيث كان ينام على الحصير حتى يؤثّر في جنبه، فيقال له ألا نجعل لك وطائا يعني: فراشا تطؤه وتنام عليه فقال : ( ما لي وللدنيا، إنما الدّنيا كراكب استظل في شجرة ثمّ قام وتركها ) ، فالرسول عليه الصلاة والسلام ليس له همّ في الدّنيا ولا يبقى عنده مال، بل كله ينفقه في سبيل الله ويعيش عيشة الفقراء. ثم ذكر المؤلف أحاديث في أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء، وأن الفقراء أكثر أهل الجنّة، وذلك لأن الفقراء ليس عندهم مال يطغيهم، فهم متمسكنون خاضعون، ولهذا إذا تأمّلت الآيات وجدت أن الذين يكذّبون الرّسل هم الملأ الأشراف والأغنياء، وأن المستضعفين هم الذين يتّبعون الرّسل، فلهذا كانوا أكثر أهل الجنّة، وكانوا يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بتقادير اختلفت فيها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، ويجمعها أن السير يختلف، فقد يكون السير في عشرة أيام لشخص مسرع يسيره الآخر في عشرين يوما مثلا، ثمّ ذكر قول النبي عليه الصّلاة والسلام في كلمة لبيد الشاعر المشهور قال: ( أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كلُّ شيء ما خلا اللهَ باطل ) : كلّ شيء سوى الله فهو باطل ضائع لا ينفع، وأما ما كان لله فإنه هو الذي ينفع صاحبه ويبقى له، ومن ذلك الدّنيا فإنها باطلة : (( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد )) ، إلاّ ما كان فيها من ذكر الله وطاعته فإنه حقّ وخير. وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الحق يقبل حتى من الشّعراء، فالحق مقبول من كلّ أحد جاء به حتى لو كان كافرا وقال بالحقّ فإنه يقبل، ولو كان شاعرا أو فاسقا وقال بالحقّ فإنه يقبل، وأما من قال بالباطل فقوله مردود ولو كان مسلما، لأن العبرة في المقالات لا في القائلين، ولهذا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى الإنسان من فعله لا من شخصه.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات . قال الله تعالى: (( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا )) . وقال تعالى: (( فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا )) . وقال تعالى: (( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم )) وقال تعالى: (( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا )) . والآيات في الباب كثيرة معلومة . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض متفق عليه . وفي رواية: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض . وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي إن كنا لننظر على الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار . قلت يا خالة فما كان يعيشكم ؟ قالت: الأسودان: التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منايح وكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا متفق عليه . وعن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية .فدعوه فأبى أن يأكل وقال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير رواه البخاري ... " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها مِن حظوظ النفس وترك الشهوات: قال الله تعالى: (( فخَلَفَ مِن بعدهم خَلْف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا )). وقال تعالى: (( فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أُوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أُوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا )). وقال تعالى: (( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم )). وقال تعالى: (( مَن كان يريد العاجلة عجَّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ))، والآيات في الباب كثيرة معلومة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض )، متفق عليه. وفي رواية: ( ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض ) . وعن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: ( والله يا ابن أختي إنا كنا ننظر إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قلت يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منايح، وكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن ألبانها فَيسقينا )، متفق عليه. وعن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أنه مرَّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه فأبى أن يأكل، وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير )، رواه البخاري " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا الباب ذكره المؤلف -رحمه الله- بعد باب الزّهد في الدّنيا، يبين فيه أنه ينبغي للإنسان أن لا يُكثر من الشّهوات في أمور الدّنيا، وأن يقتصر على قدر الحاجة فقط، كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك، وذكر آيات فيها بيان عاقبة الذبن يتّبعون الشّهوات ويضيّعون الصلوات، فقال وقول الله تعالى: (( فخَلَفَ من بعدهم خَلْف أضاعوا الصّلاة واتبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّا * إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون شيئاً )) : خلف من بعدهم خلف أي : من بعد الأنبياء الذين ذكروا قبل هذه الآية ، خلف من بعدهم خلف لم يتّبعوا طريقتهم ، (( أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات )) : وإضاعة الصلاة تعني التفريط فيها: في شروطها كالطهارة وستر العورة واستقبال القبلة، وفي أركانها: كالطمأنينة في الركوع والسّجود، والقيام والقعود، وفي واجباتها: كسؤال المغفرة بين السجدتين، والتسبيح في الرّكوع والسّجود، والتّشهّد الأول وما أشبه ذلك، وأشدّ من هذا الذين يضيّعونها عن وقتها فلا يصلون إلاّ بعد خروج الوقت، فإن هؤلاء إما أن يكون لهم عذر من نوم أو نسيان فصلاتهم مقبولة، ولو بعد الوقت، وإما أن لا يكون لهم عذر، فصلاتهم مردودة لا تقبل منهم ولو صلّوا ألف مرّة، (( واتّبعوا الشّهوات )) : يعني ليس لهم همّ إلاّ الشّهوات، ما تشتهيه بطونهم وفروجهم، فهم ينعّمون أبدانهم، ويتّبعون ما تتنعّم به الأبدان، ويضيعون الصّلاة والعياذ بالله، قال تعالى: (( فسوف يلقون غيّا إلاّ من تاب )) : وهذا وعيد لهم بأنهم والعياذ بالله يلقون الغيّ، (( إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون شيئا )). ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها في بيان عيش النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأنه ما شبع من خبز الشّعير ليلتين تباعاً، لقلّة ذات يده عليه الصّلاة والسّلام، وأنه تمضي الشهران في ثلاثة أهلّة ما يوقد في بيته نار، وإنما هو الأسودان: التمر والماء، مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم لو شاء لسارت الجبال معه ذهباً، ولكنّه يريد أن يقتصر على الدّنيا بما يساوي الدّنيا من الحاجة فقط، والله الموفّق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة . وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال: ( يا حكيم إن هذا المال حضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى ) . قال حكيم فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا . فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله فقال: يا معشر المسلمين أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفى متفق عليه . وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ) متفق عليه . وعن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تلحفوا في المسألة ، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا ، فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره ، فيبارك له فيما أعطيته ) رواه مسلم . وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم ) متفق عليه .
القارئ : " وعن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تُلحفوا في المسألة، فوالله لا يسأَلُني أحد منكم شيئا، فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته )، رواه مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يَلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزعة لحم )، متفق عليه ".
الشيخ : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه : ( أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه ) : سأله : أي مالا، ( فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه ) : وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه وحسن خلقه أنه لا يردّ سائلا سأله شيئا، ما سئل شيئا على الإسلام إلاّ أعطاه عليه الصّلاة والسّلام، ثم قال لحكيم : ( إن هذا المال خضر حلو ) : خضر يسر الناظرين، حلو يسرّ الذائقين، فتطلبه النّفس وتحرص عليه، ( فمن أخذه بسخاء بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس فإنه لا يبارك له فيه ) ، فكيف لمن أخذه بسؤال؟! يكون أبعد وأبعد، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب : ( ما جاءك مِن هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذ، وما لا، فلا تتبعه نفسك )، يعني ما جاءك بإشراف نفس وتطلّع وتشوّف لا تأخذه، وما جاءك بسؤال فلا تأخذه، ثم قال النبي عليه الصّلاة والسلام لحكيم بن حزام : ( اليد العليا خير من اليد السّفلى ) : اليد العليا هي يد المعطي، واليد السفلى يد الآخذ، فالمعطي يده خير مِن الآخذ، لأن المعطي فوق الآخذ فيده هي العليا، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، فأقسم حكيم بن حزام رضي الله عنه بالذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحقّ أن لا يسأل أحداً بعده، أو أن لا يرزأ أحدًا بعده، فتوفّي الرسول عليه الصلاة والسّلام وتولّى الخلافة أبو بكر رضي الله عنه، فكان يعطيه العطاء فلا يقبله، ثم توفّي أبو بكر فتولى عمر فدعاه ليعطيه فأبى، فاستشهد الناس عليه، عمر قال: " اشهدوا أني أعطيه من بيت مال المسلمين ولكنّه لا يقبله " ، قال ذلك رضي الله عنه لئلاّ يكون له حجّة على عمر يوم القيامة بين يدي الله، وليَكُن تبرّأ من عهدته أمام الناس، ولكن مع ذلك أصرّ حكيم رضي الله عنه أن لا يأخذ منه شيئا حتى توفّي، وفي اللفظ الآخر الذي ساقه المؤلف أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم قال : ( اليد العليا خير من اليد السّفلى وابدأ بمن تعلو ) : فالإنسان يبدأ بمن يعول، يعني : بمن يلزمه نفقته، فالإنفاق على الأهل أفضل من الصّدقة على الفقراء ، لأن الإنفاق على الأهل صدقة وصلة، وكفاف وعفاف، فكان ذلك أولى، ( ابدأ بمن تعول )، والإنفاق على نفسك أولى من الإنفاق على غيرك ، كما جاء في الحديث : ( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ) . وذكر المؤلف -رحمه الله- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( أن الرجل لا يزال يسأل الناس ) يعني يسألهم المال ، ( حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مُزعة لحم ) : يأتي وليس عليه إلاّ عظامًا تلوح نسأل الله العافية، أمام الناس يوم القيامة، وهذا وعيد شديد يدل على تحريم كثرة السّؤال مِن الناس، ولهذا قال العلماء: لا يحلّ لأحد أن يسأل شيئا إلاّ عند الضّرورة، إذا اضطرّ الإنسان فلا بأس أن يسأل، أما أن يسأل للأمور الكماليات لأجل أن يساوق الناس فيما يجعله في بيته، فإن هذا لا شكّ في تحريمه، ولا يحل له أن يأخذ ولا الزكاة، حتى لو أعطيها فلا يأخذ الزكاة من أجل الكماليّات التي لا يريد منها إلاّ أن يساوق الناس ويماري الناس، أما الشيء الضّروري فلا بأس ، والله أعلم.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا، فليستقل أو ليستكثر ) رواه مسلم . وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لابد منه ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن . وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة ؟ فقلت: أنا فكان لا يسأل أحدا شيئا ) رواه أبو داود بإسناد صحيح . وعن قبيصة بن المخارق رضي الله عنه قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: ( أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ) ثم قال: ( يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا ) رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس ) متفق عليه ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن سأل الناس تكثُرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقل أو ليستكثر )، رواه مسلم . وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن المسألة كَدٌّ يَكُدُّ بها الرجل وجهه، إلاّ أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لابد منه )، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسَدَّ فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل )، رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ( من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة ؟ فقلت: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا )، رواه أبو داود بإسناد صحيح. وعن قَبيصة بن المخارق رضي الله عنه قال: ( تحملت حَمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأل فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حَمالة فحلت له المسألة حتى يصيب ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قِوامًا من عيش، أو قال: سَدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قِوامًا من عيش أو قال: سَدادًا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سُحتًا )، رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنى يغنيه، ولا يُفطن له فيُتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس )، متفق عليه ".
الشيخ : تقديم هذه الأحاديث في بيان الوعيد على من سأل الناس أموالهم بغير ضرورة، ففي حديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال : ( من سأل الناس أموالهم تكثّراً فإنّما يسأل جمراً فليستقلّ أو ليستكثر ) : يعني من سأل الناس أموالهم ليكثر بها ماله، فإنما يسأل جمرا فليستقلّ أو ليستكثر، إن استكثر زاد الجمر عليه، وإن استقلّ قل الجمر عليه، وإن ترك سلم من الجمر، ففي هذا دليل على أنّ سؤال الناس بلا حاجة من كبائر الذنوب، ثمّ ذكر أحاديث منها: أن مَن أنزل حاجته بالناس وفاقته بالناس، فإنها لا تقضى حاجته، لأن : ( من تعلّق شيئا وُكل إليه ) ، ومن وكل إلى الناس فإنه خائب لا تقضى حاجته، ويستمرّ دائما يسأل ولا يشبع، ومن أنزلها بالله عزّ وجلّ واعتمد على الله وتوكّل عليه وفعل الأسباب التي أُمر بها، فإنه يوشك أن تقضى حاجته، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (( ومن يتوكّل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره )) . وذكر حديث قبيصة : أنه جاء يسأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم في حمالة تحمّلها، فأمره أن يقيم عنده حتى تأتيه الصدقة فيأمر له بها، وذكر صلّى الله عليه وآله وسلّم أن المسألة لا تحلّ إلاّ لواحد من ثلاثة: رجل تحمّل حَمالة : يعني التزمها في ذمّته لإصلاح ذات البين، فهذا يُعطى، أو له أن يسأل حتى يصيبها ثم يمسك ولا يسأل، ورجل آخر أصابته جائحة اجتاحت ماله، كنار وغرق وعدوّ وغير ذلك، فيسأل حتى يصيب قواما من عيش، والثالث رجل كان غنيّا فافتقر بدون سبب ظاهر، وبدون جائحة معلومة، فهذا له أن يسأل لكن لا يُعطى حتى يشهد ثلاثة مِن أهل العقول مِن قومه بأنه أصابته فاقة، فيُعطى بقدر ما أصابه مِن الفقر، فهؤلاء الثلاثة هم الذين تحلّ لهم المسألة، وما سوى ذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( فإنه سحت، يأكله صاحبه سحتاً ) : والسحت هو الحرام، وسمّي سُحتا، لأنه يسحت بركة المال وربما يسحت المال كلّه، فيكون عليه آفات وغرامات تسحت ماله، والله الموفّق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب جواز الأخذ من غير مسألة ولا تطلع إليه . عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر عن عمر رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني فقال: ( خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتموله فإن شئت كله وإن شئت تصدق به وما لا فلا تتبعه نفسك ) . قال سالم: فكان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه . متفق عليه . باب الحث على الأكل من عمل يده والتعفف به عن السؤال والتعرض للإعطاء . قال الله تعالى: (( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله )) . وعن أبي عبد الله الزبير بن العوام رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لئن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه ) رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه ) متفق عليه . وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده ) رواه البخاري . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كان زكريا عليه السلام نجارا ) رواه مسلم . وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) رواه البخاري .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب جواز الأخذ من غير مسألة ولا تطلع إليه: عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر، عن عمر رضي الله عنهم قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعطيني العطاءَ فأقول: أعطه من هو أفقرُ إليه مني، فقال: خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وتموله، فإن شئت كله وإن شئت تصدق به، وما لا فلا تتبعه نفسك ) ، قال سالم: " فكان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه "، متفق عليه. باب الحث على الأكل من عمل يده، والتعفف به عن السؤال والتعرض للإعطاء: قال الله تعالى: (( فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله )). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَأن يحتطب أحدكم حُزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه )، متفق عليه. وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كان داود عليه السلام لا يأكل إلا مِن عمل يده )، رواه البخاري. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كان زكريا عليه السلام نجارًا )، رواه مسلم. وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيراً من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده )، رواه البخاري ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب قبول الإنسان ما يُعطى من غير أن يكون له تطلّع إليه " : هذا معنى الترجمة ، يعني أن الإنسان لا ينبغي له أن يعلّق نفسه بالمال فيتطلّع إليه أو يسأل، لأن ذلك يؤدّي إلى أن لا يكون له همّ إلاّ الدّنيا. والإنسان إنما خلق في الدّنيا من أجل الآخرة، قال الله تعالى: (( وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون ))، وقال تعالى : (( بل تؤثرون الحياة الدّنيا والآخرة خير وأبقى ))، فلا ينبغي للإنسان أن يعلّق نفسه بالمال ولا يهتم به، إن جاءه من غير تعب ولا سؤال ولا استشراف نفس، فليقبله، وإن لا فلا، ثمّ ذكر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان يعطيه العطاء، فيقول: أعطه من هو أفقر منّي، فيقول له الرسول عليه الصّلاة والسلام : ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وتموّله، وكله إن شئت أو تصدّق به، وما لا فلا تتبعه نفسك ) ، فكان ابن عمر رضي الله عنها لا يسأل أحدًا شيئًا، وإن جاءه شيء من غير سؤال قبله، وهذا غاية ما يكون من الأدب: أن لا تُذلّ نفسك بالسؤال، ولا تستشرف للمال فتعلّق قلبك به، وإذا أعطاك أحدٌ شيئا فاقبله، لأن ردّ العطيّة والهديّة قد يحمل من أعطاك على كراهته، فيقول: هذا الرجل استكبر، هذا الرجل عنده غطرسة وما أشبه ذلك. فالذي ينبغي أن من يعطيك تقبل منه، ولكن لا تسأل إلاّ إذا كان الإنسان يخشى ممن أعطاه أن يمنّ به عليه في المستقبل فيقول: أنا أعطيتك، أنا فعلت معك كذا وكذا وما أشبه ذلك، فهنا يردّه لأنه إذا خشي أن يقطع المعطي رقبته بالمنّة عليه في المستقبل فليحم نفسه من هذا. ثمّ ذكر المؤلف أنه ينبغي للإنسان أن يأكل من عمل يده، وأن يكتسب ويتّجر لقول الله تعالى: (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه )) : أي في أنحائها امشوا، كلوا من رزقه، ابتغوا الرزق من فضل الله عزّ وجلّ، وقال تعالى: (( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلّكم تفلحون ))، فقال: (( فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ))، ولكن لا ينسينّك ابتغاؤك من فضل الله ذكر ربك، ولهذا قال: (( واذكروا الله )) ، (( وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلّكم تفلحون )). ثم ذكر -رحمه الله- ما ثبت في صحيح البخاري أن داود كان يأكل من كسب يده، وكان داود يصنع الدّروع كما قال تعالى: (( وعلمناه صنعة لَبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون )) : فكان حدّادًا، أما زكريّا فكان نجّارًا يعمل ينجر ، ويأخذ الأجرة على ذلك، وهذا يدل على أن العمل والمهنة ليست نقصًا، لأن الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام كانوا يمارسونها ، ولا شكّ أن هذا خير من سؤال الناس، حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( لأن يأخذ أحدكم حزمة من حطب فيبيعها ويأخذ مما كسب منها، خير له من أن يسأل الناس سواء أعطوه أو منعوه ) ، ولا شكّ أن هذا الخلق النبيل: أن لا يخضع الإنسان لأحد أو يذلّ له، بل يأكل من كسب يده، من تجارته : (( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله )) ، ولا يسأل الناس شيئا، والله الموفّق.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى . قال الله تعالى: (( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه )) وقال تعالى: (( وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون )) . وقال تعالى: (( وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم )) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) متفق عليه . وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه . قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر ) رواه البخاري . وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) متفق عليه . وعن جابر رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا . متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا ) متفق عليه . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله تعالى أنفق يا ابن آدم ينفق عليك ) متفق عليه ... " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى: قال الله تعالى: (( وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه )). وقال تعالى: (( وما تنفقوا مِن خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا مِن خيرٍ يُوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون )). وقال تعالى: (( وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم )). عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا حسد إلا في اثنتين، رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها )، متفق عليه. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر )، رواه البخاري. وعن عَدي بن حاتم رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )، متفق عليه. وعن جابر رضي الله عنه قال: ( ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا )، متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا )، متفق عليه. وعنه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله تعالى أنفق يا ابن آدم ينفق عليك )، متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الحث على إنفاق المال في سبل الخير مع الثقة بالله عزّ وجلّ " : المال الذي أعطاه بني آدم، أعطاهم الله إياه فتنة ليبلوهم هل يحسنون التصرّف فيه أو لا، قال الله تعالى: (( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم )) ، فمن الناس من ينفقه في شهواته المحرّمة، وفي لذائذه التي لا تزيده من الله إلاّ بعدا، فهذا يكون ماله وبالا عليه والعياذ بالله. ومن الناس من ينفقه ابتغاء وجه الله فيما يقرّبه إلى الله على حسب شريعة الله، فهذا ماله خير له. ومن الناس من يبذل ماله في غير فائدة، ليس في شيء محرّم ولا في شيء مشروع، فهذا ماله ضائع عليه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. وينبغي للإنسان إذا بذل ماله فيما يُرضي الله أن يكون واثقاً بوعد الله سبحانه وتعالى ، حيث قال في كتابه: (( وما أنفقتم من شيء فهو يُخلِفه وهو خير الرازقين )) : فهو يخلفه أي: يعطيكم خلفا عنه، وليس معناه فهو يخْلُفُه، لو كانت فهو يخْلُفُه : لكان معنى الآية أن الله يكون خليفة، وليس الأمر كذلك، بل فهو يخلفه أي: يعطيكم خَلَفاً عنه ومنه الحديث: ( اللهم أجرني في مصيبتي وأخلِف لي خيرا منها ) ، ولا تقل: واخْلُف لي خيرا منها ، بل وأخلِف أي ارزقني خلفا عنها خيرًا منها، فالله عزّ وجلّ وعد في كتابه أن ما أنفقه الإنسان فإن الله يخلفه يعطيه خلفا عنه، وهذا يفسّره قول الرسول عليه الصّلاة والسلام في الأحاديث التي ساقها المؤلف: ( ما مِن يوم إلاّ وينزل فيه ملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفاً ، ويقول الثاني: اللهم أعط ممسكا تلفا يعني أتلف ماله ) : والمراد بذلك أن يمسك عما أوجب الله عليه من بذل المال فيه، وليس كلّ ممسك يدعى عليه، بل الذي يمسك ماله عن الإنفاق فيما أوجب الله فهو الذي تدعو عليه الملائكة بأن الله يتلفه ويتلف ماله . والتلف نوعان: تلف حسّيّ وتلف معنويّ، التلف الحسّيّ: أن يتلف المال نفسه، بأن يأتيه آفة تحرقه أو يسرق أو ما أشبه ذلك، والتلف المعنوي: أن تنزع بركته بحيث لا يستفيد الإنسان منه في حياته، ومنه ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام :