تتمة شرح " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا ) متفق عليه . وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه . قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر ) رواه البخاري . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله تعالى أنفق يا ابن آدم ينفق عليك ) متفق عليه . وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) متفق عليه ... " .
الشيخ : والتلف نوعان: تلف حسّيّ وتلف معنويّ، التلف الحسّيّ : أن يتلف المال نفسه بأن يأتيه آفة تحرقه أو يسرق أو ما أشبه ذلك، والتلف المعنوي: أن تنزع بركته بحيث لا يستفيد الإنسان منه في حياته، ومنه ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال لأصحابه: ( أيكم ماله أحب إليه أو مال وارثه؟ قالوا: يا رسول ما منا أحد إلاّ وماله أحب إليه ) : مالك أحب إليك من مال زيد وعمرو وخالد ولو كانوا من ورثتك، قال: ( فإن ماله ما قدّم ومال وارثه ما أخّر ) : حكمة عظيمة ، مالك الذي تقدّمه لله عزّ وجلّ تجده أمامك يوم القيامة، ومال الوارث ما يبقى بعدك، مَن الذي ينتفع به ويأكله؟ هو الوارث، فهو مال وارثك، فأنفق مالك فيما يُرضي الله ، وإذا أنفقت فإن الله يخلفه وينفق عليك : ( يا ابن آدم أنفق يُنفق عليك ) : فهذه الأحاديث كلّها تدلّ على أنه ينبغي، وكذلك الآيات ، إنه ينبغي للإنسان أن يبذل ماله لكن حسب ما شرعه الله عزّ وجلّ كما جاء في الحديث الذي صدّر به المؤلف هذا الباب أن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قال: ( لا حسد إلاّ في اثنتين ) يعني : لا غبطة، ولا أحد يغبط على ما أعطاه الله سبحانه وتعالى من مال وغيره إلاّ في اثنتين فقط: الأول: ( رجل أعطاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ ) : صار لا يبذله إلاّ فيما يرضي الله، هذا يحسد، لأنك الآن تجد التّجّار يختلفون منهم من ينفق أمواله في سبيل الله، في الخيرات، في أعمال البرّ، إعانة فقير، بناء مساجد، بناء مدارس، طبع كتب، وما أشبه ذلك، إعانة الجهاد، هذا سُلّط على هلكته في الحقّ، ومنهم من يُسلّط على هلكته والعياذ بالله في اللذائذ المحرّمة، يسافر إلى الخارج فيزني، ويشرب الخمر، ويلعب القمار ويتلف ماله فيما يغضب الرّبّ عزّ وجلّ، فالذي سلطه الله على هلكة ماله في الحقّ هذا يُغبط، لأن الغالب أن الذي يستغني يبطر، ويمرح، ويفسق، فإذا رئي هذا الرجل الذي أعطاه الله مالا ينفقه في سبيل الله فهو يغبط، والثاني: ( رجل آتاه الله الحكمة ) : يعني العلم، الحكمة هنا العلم كما قال تعالى (( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم )) ، ( فهو يقضي بها ويعلّمها الناس ) : يقضي بها في نفسه وفي أهله وفي من تحاكم عنده، ويعلّمها الناس أيضا، ليس يقتصر على أن يأتيه الناس يقول: إذا جاؤوني حكمت وقضيت، لا، يقضي ويعلّم، هذا لا شكّ أنه مغبوط على ما آتاه الله عزّ وجلّ من الحكمة، والناس في الحكمة ينقسمون إلى أقسام: قسم آتاه الله الحكمة فبخل بها حتى على نفسه، لم ينتفع بها في نفسه، لم يعمل بطاعة الله ولم ينته عن معصية الله، فهذا خاسر والعياذ بالله، وهذا يشبه اليهود الذين علموا الحقّ واستكبروا عنه. وقسم آخر أعطاه الله الحكمة فعمل بها في نفسه لكن لم ينفع بها عباد الله وهذا خير من الذي قبله لكنه ناقص. وقسم آخر أعطاه الله الحكمة فقضى بها وعمل بها في نفسه وعلمها الناس فهذا خير الأقسام. وهناك قسم رابع لم يُؤت الحكمة إطلاقا، فهو جاهل، وهذا حُرم خيرا كثيرا لكنّه أحسن حالا ممن أوتي الحكمة ولم يعمل بها، لأن هذا يُرجى أنه إذا علم أن يتعلم ويعمل بخلاف الذي أعطاه الله العلم وكان علمه وبالا عليه والعياذ بالله، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الحكمة والعلم النافع والعمل الصّالح.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) عز وجل رواه مسلم .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غَنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليُسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيرًا حتى يكون الإسلام أحبُ إليه من الدنيا وما عليها )، رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه )، رواه مسلم " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -يرحمك الله-، " وعن أنس رضي الله عنه قال: ( ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا على الإسلام إلاّ أعطاه ) " : لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان أكرم الناس، وكان يبذل ماله فيما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ومِن ذلك إذا سأله شخص على الإسلام : يعني على التأليف على الإسلام، والرغبة فيه إلا أعطاه مهما كان، حتى إنه سأله أعرابي فأعطاه غنمًا بين جبلين، بين جبلين: معناه أنها غنم كثيرة، لكنّ الرسول عليه الصلاة والسلام أعطاه لما يرجو من الخير لهذا الرجل ولمن وراءه، ولذلك ذهب هذا الرجل إلى قومه فقال: " يا قوم أسلموا فإن محمّدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر عليه الصلاة والسلام " : يعني يعطي عطاء جزيلا، عطاء من لا يخشى الفقر، فانظر إلى هذا العطاء كيف أثّر في هذا الرّجل هذا التأثير العظيم حتّى أصبح داعية إلى الإسلام، وهو عندما سأل طمعًا كغيره من الأعراب، الأعراب أهل طمع يحبّون المال ويسألونه، ولكنه لما أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا العطاء صار داعية إلى الإسلام، قال: أسلموا، وما قال أسلموا تدخلوا الجنّة وتنجو من النار ، " أسلموا فإن محمّدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر " : يعني سيعطيكم ويكثّر، ولكنهم إذا أسلموا من أجل المال فإنهم لا يلبثون يسيرا إلاّ صار الإسلام أحبّ شيء إليهم، أحبّ من الدّنيا وما فيها، ولهذا كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يعطي الرّجل تأليفا له على الإسلام، يعطيه حتى يسلم للمال، لكنه ما يلبث إلاّ يسيرا حتى يكون الإسلام أحبّ إليه من الدنيا وما فيها. ويؤخذ من هذا الحديث وأمثاله: أنه لا ينبغي لنا أن نبتعد عن أهل الكفر وعن أهل الفسوق، وأن ندعهم والشّياطين تلعب بهم، بل نؤلّفهم، نجذبهم إلينا بالمال واللين وحسن الخلق حتى يألفوا الإسلام، فها هو الرسول عليه الصلاة والسلام يعطي الكفّار، يعطيهم حتّى من الفيء، بل إن الله جعل لهم حظّا من الزكاة، نعطيهم ليؤلّفهم على الإسلام حتى يدخلوا في دين الله، والإنسان قد يُسلم للدنيا، ولكن إذا ذاق طعم الإسلام رغب فيه فصار أحب شيء إليه، قال بعض أهل العلم : " طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلاّ لله " ، الأعمال الصّالحة لابدّ أن تربّي صاحبها على الإخلاص لله عزّ وجلّ، والمتابعة للرسول عليه الصّلاة والسّلام. وإذا كان هذا دأب الإسلام فيمن يُعطى على الإسلام ويؤلف، فإنه ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا نظرة جدية ، فنعطي من كان كافرا إذا وجدنا منه قربا من الإسلام ، ونهاديه ونحسن له الخلق، فإذا اهتدى، ( فلَإن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )، وهكذا أيضا الفسّاق هادهم انصحهم باللّين، بالتي هي أحسن، لا تقل: أنا أبغضهم لله، أبغضهم لله وادعهم إلى الله، بغضك إياهم لله لا يمنع أن تدعوهم إلى الله، ادعهم إلى الله عزّ وجلّ وإن كنت تكرههم فلعلّهم يوما من الأيام يكونون مِن أحبابك في الله. ثم ذكر المؤلف في الحديث الآخر أن الرسول عليه الصّلاة والسلام قال: ( ما نقصت صدقة من مالٍ ) : يعني أن الإنسان إذا تصدّق فإن الشّيطان يقول له: أنت إذا تصدّقت نقص مالك، عندك مائة ريال، إذا تصدّقت بعشرة لم يكن عندك إلاّ كم؟ الطالب : تسعين. الشيخ : تسعون، ما يكون عندك إلاّ تسعون ريالا، إذن نقص المال، لا تتصدّق، كلما تصدّقت ينقص مالك، ولكن من لا ينطق عن الهوى يقول: أن الصّدقة لا تنقص المال، ما تنقصه ليه؟ قد تنقصه كمّا لكنها تزيده كيفا وبركة، وربّما هذه العشرة يأتي بدلها مائة، (( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه )) أي : يجعل لكم خلفا عنه عاجلا وأجرًا وثوابا آجلا : (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة )) ، والمسلمون اليوم مقبلون على شهر رمضان ، وشهر رمضان مقبل عليهم ، وهو شهر الجود والكرم، ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكرم الناس، وكان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ) : الريح المرسلة التي أمرها الله وأرسلها فهي عاصفة سريعة، فالرسول عليه الصّلاة والسلام أسرع بالخير في رمضان من الريح المرسلة، فينبغي لنا في هذا الشّهر المبارك أن نكثر من الصّدقة والإحسان، إن كانت زكاة فزكاة، وإن كانت تبرعا فتبرّع ، لأنه شهر الخير والبركة والإنفاق ، ( ما نقصت صدقة من مال ) : يجري على ألسن العامة : " بل تزيده بل تزيده "، وهذه لا صحّة لها، ولم تصحّ عن الرسول عليه الصّلاة والسّلام، والذي صحّ عنه : ( ما نقصت صدقة من مال ) : فالزيادة التي تحصل بدل الصّدقة إما كمّية وإما كيفيّة، الكمية : أن الله تعالى يفتح لك بابا من الرزق ما كان بحسابك، والكيفية أن يُنزل الله لك البركة فيما بقي من مالك. ( وما زاد الله عبدا بعفو إلاّ عزّا ) : إذا جنى عليك أحد وظلمك في مالك أو في بدنك، أو في أهلك أو في حقّ من حقوقك فإن النفس شحيحة، تأبى إلاّ أن تنتقم منه، وأن تأخذ بحقّك وهذا لك: (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) ، (( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )) ، ولا يلام الإنسان على ذلك، لكن إذا همّ بالعفو وحدّث نفسه بالعفو قالت له نفسه الأمّارة بالسوء: إنّ هذا ذُلّ، ذلّ أن تعفو عن شخص جنى عليك واعتدى عليك، فيقول الرسول عليه الصّلاة والسلام: ( ما زاد الله عبدا بعفو إلاّ عزّا ) : العزّ ضدّ الذّلّ، الذي تحدّثك نفسك أنّك إذا عفوت فقد ذللت أمام من اعتدى عليك. فالله لا يزيدك إلاّ عزّا ورفعة في الدّنيا والآخرة ، ( وما تواضع أحدٌ لله إلاّ رفعه ) : هذا أيضا التواضع التطامن والتهاون، فيظنّ الإنسان أنه إذا تواضع نزل، ولكنَّ الأمر بالعكس ، إذا تواضعت لله فإن الله تعالى يرفعك، وقوله : ( تواضع لله ) : لها معنيان: المعنى الأول: أن تتواضع لله بالعبادة وتخضع لله وتنقاد لأمر الله، والمعنى الثاني: من تتواضع لعباد الله من أجل الله ، وكلاهما سبب للرفعة، سواء تواضعت لله بامتثال أمره واجتناب نهيه وذللت له وعبدته، أو تواضعت لعباد الله من أجل الله ، لا خوفا منهم ولا مداراة له ولا طلبا لمال أو لغيره : إنما تتواضع من أجل الله عزّ وجلّ، فإن الله تعالى يرفعك، متى؟ في الدّنيا أو في الآخرة؟ بل فيهما جميعا يرفعك الله عزّ وجلّ. فهذه الأحاديث كلّها تدلّ على فضل الصّدقة والتبرّع والإحسان إلى الغير وأن ذلك من خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلّم.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب النهي عن البخل والشح . قال الله تعالى: (( وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى )) وقال تعالى: (( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم رواه مسلم .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن البخل والشُّح : قال الله تعالى: (( وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردى )). وقال تعالى: (( ومن يوق شُح نفسه فأولئك هم المفلحون )). وأما الأحاديث فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم )، رواه مسلم " .
الشيخ :" باب النهي عن البخل والشح " : البخل منع ما يجب وما ينبغي بذله ، والشّحّ : الطمع فيما ليس عنده، وهو أشدّ من البخل، لأن الشّحيح يطمع فيما عند الناس ويمنع ما عنده، والبخيل يمنع ما عنده مما أوجب الله عليه من زكاة ونفقات ومما ينبغي بذله فيما تقتضيه المروءة. وكلاهما أعني البخل والشّحّ خلقان ذميمان، فإن الله سبحانه وتعالى ذمّ من يبخلون ويأمرون الناس بالبخل وقال: (( ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون )). ثمّ استدلّ المؤلف رحمه الله بآيتين من كتاب الله الأولى في البخل، وهي قوله تعالى: (( وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردّى )) ،وهذه الآيات قسيم الآيات التي قبلها وهي قوله تعالى: (( فأما من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى )) : فالإنسان المصدّق بالحقّ المعطي لما يجب إعطاؤه وبذله من علم ومال وجاه والمتّقي لله عزّ وجلّ هذا ييسّر لليسرى، يسّره الله تعالى لأيسر الطرق في الدّنيا والآخرة، وقد أجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه حينما حدّثهم قال : ( ما منكم من أحد إلاّ وقد كُتب مقعده من الجنّة ومن النار ) : يعني أن الأمر مفروغ منه، ( قالوا : يا رسول الله أفلا نتكّل وندع العمل؟ ) : يعني نتكّل على ما كتب لنا وندع العمل قال : ( لا، اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له، ثمّ قرأ قوله تعالى (( فأما من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى * ما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى )) ) ، فأنت فكّر في نفسك هل عندك تصديق وإعطاء وبذل لما يجب بذله وتقوى لله عزّ وجلّ ، فإنك موفّق ميسّر لليسرى، والعكس بالعكس، والشاهد من هذه الآية للباب قوله: (( وأما من بخل واستغنى )) : بخل بما يجب بذله من مال أو جاه أو علم، ومن ذلك ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( البخيل من إذا ذُكرت عنده لم يصلّ عليّ )، عليه الصلاة والسّلام، وهذا بخل بما يجب على الإنسان إذا سمع ذكر نبيّه عليه الصّلاة والسّلام الذي هداه الله على يديه، أن يبخل فلا يصلي عليه، عليه الصلاة والسلام، وقوله: (( واستغنى )) : أي استغنى بنفسه وزعم أنه مستغن عن رحمة الله والعياذ بالله، فلا يعمل ولا يستقيم على أمر الله، (( وكذب بالحسنى )) : أي كذّب بالكلمة الحسنى وهي قول الحقّ، وهي ما جاء في كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم. (( فسنيسّره للعسرى )) : تعسر عليه الأمور التي تسهل على المتّقي، فلا تسهل عليه الطاعات، يجد الطاعات ثقيلة، الصّلاة ثقيلة والصّدقة ثقيلة، والصّيام ثقيل، والحجّ ثقيل، كلّ شيء متعسّر عنده. (( وما يغني عنه ماله إذا تردّى )) : يعني أي شيء يغني عنه ماله إذا هلك؟! والجواب: أنه لا يغني شيئا، فهذا المال الذي بخل به لا يحميه من عذاب الله وعقابه، ولا يغني عنه شيئا. وأما الآية الثانية التي استدل بها المؤلف فهي في الشّحّ وهي قوله تعالى : (( ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون )) : يعني من يقيه الله شحّ نفسه فلا يطمع فيما ليس له، فهذا هو المفلح.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم رواه مسلم .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى : " وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشُّح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) ، رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتاب *رياض الصالحين، في باب: " النهي عن البخل والشّحّ " : قال عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) : اتقوا بمعنى احذروا، واتخذوا وقاية منه وابتعدوا عنه، والظلم: هو العدوان على الغير، الظلم هو العدوان على الغير، وأعظم الظلم وأشدّه الشرك بالله عزّ وجلّ قال الله تعالى: (( إن الشرك لظلم عظيم )) ويشمل الظلم ظلم العباد وهو نوعان: ظلم بترك الواجب لهم، وظلم بالعدوان عليهم لأخذ أو لانتهاك حرماتهم، فمثال الأول: ما ذكره النبي عليه الصّلاة والسلام في قوله: ( مطل الغنيّ ظلم ) : يعني ممانعة الإنسان الذي عليه دين عن الوفاء وهو غنيّ قادر على الوفاء ظلم، وهذا منع ما يجب، لأن الواجب على الإنسان أن يبادر بالوفاء إذا كان له قدرة، ولا يحل له أن يؤخّر، فإن أخّر الوفاء وهو قادر عليه كان ظالما والعياذ بالله، والظلم ظلمات يوم القيامة، وكل ساعة أو لحظة تمضي على المماطل فإنه لا يزداد بها إلاّ إثما والعياذ بالله، وربما يعسّر الله عليه أمره فلا يستطيع الوفاء، إما بخلا، وإما إعداما لأن الله تعالى يقول: (( ومن يتّق الله يجعل له من أمره يسرا ))، فمفهوم الآية أن مَن لا يتّقي الله لا يجعل له من أمره يُسرا، ولذلك يجب على الإنسان القادر أن يبادر بالوفاء إذا طلبه صاحبه أو أجّله وانتهى الأجل، ومِن الظلم أيضا اقتطاع شيء من الأرض، قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين )، ومن الظلم الاعتداء على الناس في أعراضهم بالغيبة أو النّميمة أو ما أشبه ذلك، فإن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، فإن كان في حضرته فهو سبّ وشتم. فإذا ظلم الناس بالغيبة بأن قال: فلان طويل، فلان قصير، فلان سيّء الخلق، فلان فيه كذا، فهذه غيبة ظلم يحاسب عليه يوم القيامة نسأل الله العافية، وكذلك أيضاً إذا جحد ما يجب عليه جحودا بأن كان لفلان عليه حقّ فيقول: ليس له علي حقّ يكتم، فإن هذا ظلم، لأنه إذا كان المماطلة ظلما فهذا أظلم، كمن جحد شيئا واجبا عليه فإنه ظالم، وعلى كلّ حال اتّقوا الظلم بجميع أنواعه فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، يكون على صاحبه والعياذ بالله ظلمات بحسب الظلم، الكبير ظلماته كبيرة، والكثير ظلماته كثيرة، وكلّ شيء بحسبه: (( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ))، وفي هذا دليل على أن الظلم من كبائر الذّنوب، لأنّه لا وعيد إلاّ على كبيرة من كبائر الذّنوب، فظلم العباد وظلم الخالق عزّ وجلّ رب العباد كلّه من كبائر الذّنوب، قال: ( واتّقوا الشّحّ ) : يعني الطمع، الطمع في حقوق الغير اتّقوه، احذروا منه، اجتنبوه، ( فإنه أهلك من كان قبلكم ) : يعني من الأمم أهلكهم، ( حملهم على أن استباحوا دماءهم وأعراضهم ) : والعياذ بالله فكانوا بذلك هلكى.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الإيثار والمواساة . قال الله تعالى: (( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) . وقال تعالى: (( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا )) إلى آخر الآيات .. " .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب الإيثار والمواساة : قال الله تعالى: (( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )). وقال تعالى: (( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا )) ، إلى آخر الآيات ".
الشيخ : باب: " الإيثار والمواساة " : ذكر المؤلف هذا الباب عقب باب: " النهي عن البخل والشح " ، لأنهما متضادّان، فالإيثار أن يقدّم الإنسان غيره على نفسه، والمواساة أن يواسي غيره بنفسه، والإيثار أفضل، ولكن لِيعلم أن الإيثار ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول ممنوع، والثاني: مكروه أو مباح، والثالث: مباح. أما الممنوع فأن تؤثر غيرك بما يجب عليك شرعا، فإنه لا يجوز أن تقدّم غيرك فيما يجب عليك شرعا، مثاله: إذا كان معك ماءٌ يكفي لوضوء رجل واحد، وأنت لست على وضوء، وفيه صاحب لك ليس على وضوء، فالماء لك، لكن إما أن يتوضّأ به صاحبك وتتيمّم أنت، أو تتوضّأ أنت ويتيمّم صاحبك، ففي هذه الحال لا يجوز أن تعطيه الماء، وتتيمّم أنت، لأنك واجد للماء والماء في ملكك ولا يجوز العدول عن الماء إلى التيمّم إلاّ لعادمه، فالإيثار في الواجبات الشّرعيّة حرام، ولا يحلّ، لأنّه يستلزم إسقاط الواجب عليك. وأما المكروه أو المباح فالإيثار في الأمور المستحبّة كرهه بعض أهل العلم ، وأباحه بعضهم ، لكن تركه أولى لا شك إلا لمصلحة، مثاله: أن تؤثر غيرك في الصّفّ الأوّل الذي أنت فيه، مثل أن تكون أنت الآن في الصّف الأول في الصّلاة، فيدخل إنسان فتقوم عن مكانك وتؤثره به، فقد كره أهل العلم هذا، وقالوا: " إن هذا دليل على أنّ هذا الإنسان يرغب عن الخير، والرغبة عن الخير مكروهة " ، كيف تقدّم غيرك إلى مكان فاضل أنت أحقّ به منه؟! وقال بعض العلماء: " تركه أولى إلاّ إذا كان فيه مصلحة " ، كما لو كان أبوك وتخشى أن يقع في قلبه شيء عليك، فتؤثره بمكانك الفاضل فهذا لا بأس به. القسم الثالث: المباح، وهذا المباح قد يكون مستحبّا وذلك أن تؤثر غيرك في أمر غير تعبّدي، تؤثر غيرك تقدّمه على نفسك في أمر غير تعبّدي، مثل أن يكون معك طعام وأنت جائع ، وصاحب لك جائع مثلك ، ففي هذه الحال إذا آثرته فإنّك محمود على هذا الإيثار ، لقول الله تبارك وتعالى في وصف الأنصار : (( والذين تبوّؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )) : ووجه إيثارهم على أنفسهم أن المهاجرين لما قدموا المدينة تلقّاهم الأنصار بالإكرام والإحترام والإيثار بالمال، حتى إن بعضهم يقول لأخيه المهاجري يقول : إن شئت أن أتنازل عن إحدى زوجتيّ لك فعلت من شدّة إيثارهم رضي الله عنهم لإخوانهم المهاجرين، وقال تعالى: (( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً )) : يعني يطعمون الطعام وهم يحبّونه مسكينا ويتيما وأسيرا ، ويتركون أنفسهم هذا أيضًا من باب الإيثار.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من يضيف هذا الليلة ؟ ) فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال لامرأته هل عندك شيء ؟ فقالت: لا إلا قوت صبياني قال: فعلليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء فنوميهم وإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: ( لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ) متفق عليه.
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود، فَأَرسَل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يُضيف هذا الليلة؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: أَكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم -وفي رواية- قال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني قال: فعلليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء فنوميهم، وإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة ) ، متفق عليه ".
الشيخ : ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب الإيثار، الإيثار عن النفس هذا الحديث العظيم العجيب، الذي يبيّن حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه، ( حيث جاءه رجل فقال يا رسول الله إني مجهود ) : يعني مجهد من الفقر والجوع وهو ضيف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى زوجاته واحدة تلو الأخرى يسألها هل عندها شيء؟ فكل واحدة تقول : ( لا والذي بعثك بالحقّ ما عندي إلاّ الماء ) : تسعة أبيات للرسول عليه الصّلاة والسّلام ليس فيها إلاّ الماء، مع أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم لو شاء أن يسيّر الله الجبال معه ذهبا لسارت، لكنّه عليه الصّلاة والسّلام أزهد الناس في الدّنيا، كلّ بيوته التّسعة ليس فيها شيء إلاّ الماء، فقال النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( مَن يضيف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله ) : أنا أضيفه، فذهب بالرجل إلى رحله وقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلاّ طعام صبيتي : يعني ليس عندها في البيت إلاّ العشاء لهم تلك الليلة فقط، فقال : ( أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وأمرها أن تشغل أولادها وتلهيهم حتّى إذا جاء وقت الطعام نوّمتهم وأطفأت المصباح وأرت الضّيف أنهم يأكلون معه ففعلت ) ، نوّمت الصّبيان، هدّأتهم ونوّمتهم ، فناموا على غير عشاء ، ثمّ إن العشاء لمّا قُدّم أطفأت المصباح وأرت الضّيف أنها تأكل هي وزوجها معه وهما لا يأكلان، ( فشبع الضّيف وباتا طاويين ) : يعني غير متعشّيين إكراماً لضيف الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ إنه أصبح فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فأخبره الرسول عليه الصّلاة والسّلام : ( أن الله قد عجب من صنيعهما تلك الليلة )، عجِب عجَب استحسان عزّ وجلّ من صنيعهما تلك الليلة لما يشتمل عليه من الفوائد العظيمة. ففي هذا الحديث أولا: بيان حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما هو عليه من شظف العيش وقلّة ذات اليد، مع أنه عليه الصلاة والسلام أكرم الخلق على الله، ولو كانت الدّنيا تساوي عند الله شيئا لكان أبرَّ الناس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها لا تساوي، قال ابن القيم رحمه الله : " لو ساوت الدّنيا جناح بعوضة *** لم يسق منها الرب ذا الكفران لكنّها والله أحقرُ عنده *** من ذا الجناح القاصر الطيران " : أحقر من جناح البعوضة عند الله، وليست بشيء. ومنها : حُسن أدب الصّحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الأنصاري رضي الله عنه قال لزوجته: أكرمي ضيف رسول الله، ولم يقل: أكرمي ضيفنا، مع أن الذي أضافه في الحقيقة هذا الرجل لكنّه أضافه قائما بوظيفة الرسول عليه الصّلاة والسّلام فجعله ضيفا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم. ومنها : أنه يجوز عرض الضّيافة على الناس، ولا يعدّ هذا من المسألة المذمومة أوّلًا: لأنه ما عيّن، ما قال يا فلان ضيّف هذا الرجل حتى نقول إنه أحرجه وإنما هو على سبيل العموم، فيجوز مثلا للإنسان إذا نزل به ضيف وكان مشغولا أو ليس عنده ما يضيفه به أن يقول لمن حوله: مَن يضيّف هذا الرّجل ولا حرج في ذلك. ومنها ، من الفوائد: الإيثار العظيم لهذا الرجل الأنصاري حيث بات هو وزوجته وصبيته من غير عشاء إكراما لهذا الضّيف الذي نزل ضيفًا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. ومنها ، من فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن لا يري الضّيف أنه مانّ عليه، أو أنّ الضّيف مضيّق عليه أو محرج له، لأن الرجل أمر بإطفاء المصباح حتى لا يظنّ الضّيف أنه ضيّق عليهم وحرمهم العشاء، وهذا مأخوذ من أدب الخليل إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، حينما نزلت به الملائكة ضيوفا (( فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين )) : حنيذ مشوي، لكنّه راغ إلى أهله أي ذهب بسرعة وخُفية لئلاّ يخجّل الضّيف. ومن فوائد هذا الحديث أيضا : أنه يجوز للإنسان أن ينزل الضّيف ونحوه على عائلته وهذا في الأحوال النادرة العارضة، وإلاّ فقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم : ( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ) ، ولكن إذا عرضت مثل هذه الأحوال فلا حرج على الإنسان أن يقدّم الضّيف أو نحوه ممن يجب عليه إكرامه، ومن تأمّل سنّة الرسول عليه الصّلاة والسّلام وهديه وهدي أصحابه وجد فيها من مكارم الأخلاق ومعالي الآداب ما لو سار الناس عليه لنالوا بذلك رفعة الدّنيا والآخرة، وفّقنا الله وإياكم لما فيه الخير في الدّنيا والآخرة.
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة ) متفق عليه . وفي رواية لمسلم رضي الله عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفى الثمانية ) . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل . رواه مسلم . وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره فقال فلان اكسنيها ما أحسنها . فقال: ( نعم ) فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما أحسنت، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد سائلا فقال: إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني . قال سهل فكانت كفنه رواه البخاري ... " .
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة )، متفق عليه. وفي رواية لمسلم: عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفى الثمانية ). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على راحلة له فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن كان معه فضل ظهر فليعُد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل )، رواه مسلم. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه: ( أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة، فقالت: نسجتها لأكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره فقال فلان: اكسنيها ما أحسنها! فقال: نعم، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد سائلاً، فقال: إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني ، قال سهل: فكانت كفنه )، رواه البخاري ".
الشيخ : ساق المؤلف -رحمه الله- هذه الأحاديث الأربعة في باب الإيثار وهو حديث أبي هريرة وجابر وأبي سعيد وسهل بن سعد، ففي الحديثين الأولين بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن طعام الواحد يكفي الإثنين، وأنّ طعام الإثنين يكفي الأربعة، وأن طعام الأربعة يكفي الثمانية، وهذا حثّ منه عليه الصلاة والسلام على الإيثار، يعني أنّك لو أتيت بطعامك الذي قدّرت أنه يكفيك، وجاء رجل آخر فلا تبخل، لا تبخل عليه وتقول: هذا طعامي وحدي، بل أعطه منه حتى يكون كافيا للإثنين، وكذلك لو جاء اثنان بطعامهما ثم جاءهما اثنان، فلا يبخلان عليه ويقولان: هذا طعامنا بل يطعمانه فإنّ طعامهما يكفيهما ويكفي الإثنين، وهكذا الأربعة مع الثمانية، وإنما ذكر الرسول عليه الصّلاة والسلام من أجل أن يؤثر الإنسان بفضل طعامه على أخيه. وكذلك أيضًا حديث أبي سعيد في قصّة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رحل له، فجعل يلتفت يمينا وشمالا، وكأن النبي صلى الله عليه وسلّم فهم أن الرّجل محتاج، فقال عليه الصّلاة والسلام: ( مَن كان له فضل ظهر فليَعُد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، وذكر أنواعا ) ، ولم يبادر فيقول: من كان له فضل زاد لئلا يخجل الرجل بل قال ( من كان له فضل ظهر ).