تتمة شرح : " ... وقال تعالى: (( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون، فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون، ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون، قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون، إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون، قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين، قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )) ... " .
والنّفخ في الصور مرّتان: المرّة الأولى يكون فيها الفزع والصّعق يعني الموت، فينفخ إسرافيل في الصّور نفخة يكون لها صوت عظيم مزعج جدّا فيفزع النّاس ثمّ يموتون كلّهم إلاّ من شاء الله.
النّفخة الثانية: ينفخ في الصّور فتخرج الأرواح من الصور وتعود إلى أجسادها، وهذه التي يكون بها الحياة الأبديّة التي لا موت بعدها، (( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون )) : يعني بعد ما يبعثون من قبورهم لا تنفعهم الأنساب يعني القرابات، (( ولا يتساءلون )) : لا يسأل بعضهم عن بعض، بل إن الله تعالى يقول: (( يوم يفرّ المرء من أخيه * وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )) ، فالأنساب في ذلك الوقت لا تنفع، والقرابات لا يتساءلون، بينما في الدّنيا يسأل بعضهم عن بعض ما الذي حصل لهذا؟ ما الذي حصل لهذا؟ أما في الآخرة : (( فلكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )) ، (( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون )) : فينقسم الناس في ذلك اليوم إلى قسمين: قسم تثقل موازينه فهذا المفلح، فائز بما يحبّ ناجٍ مما يكره، والموازين : جمع ميزان ، وقد وردت في الكتاب والسّنّة مجموعة ومفردة ، فقال الله تعالى هنا : (( فمن ثقلت موازينه )) ، وقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) ، فقال: ( في الميزان ) ولم يقل: في الموازين، فجمعت مرّة وأُفردت أخرى، وذلك لكثرة ما يوزن، فلكثرة ما يوزن جُمعت، ولكون الميزان واحدا ليس فيه ظلم ولا بخس أُفردت، والذي يوزن قال بعض العلماء: " إن الذي يوزن العمل "، وقال بعض العلماء: " الذي يوزن صحائف العمل "، وقال بعض العلماء: " الذي يوزن العامل نفسه "، وذلك لأن كلاّ منها جاءت به أحاديث.
أما الذين يقولون: أنّ الذي يوزن العمل فاستدلّوا بقوله تعالى: (( فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره )) فجعل الوزن للعمل، وبقول النبي عليه الصّلاة والسلام: ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان ) : فجعل الثقل للكلمتين وهما العمل، والذين قالوا: إن الذي يوزن صحائف العمل استدلوا بحديث صاحب البطاقة الذي يأتي يوم القيامة فيُمدّ له سجلّ يعني: أوراقا كثيرا مدّ البصر كلها سيّئات حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله له: ( إنا عندنا لك حسنة ، فيؤتى ببطاقة فيها لا إله إلاّ الله قالها من قلبه فتوضع البطاقة في كفّة وتلك السّجّلات في كفّة ، فترجح البطاقة بها ) ، فهذا يدلّ على أنّ الذي يوزن صحائف الأعمال ، وأما الذين قالوا: إن الذي يوزن العامل نفسه فاستدلوا بقوله تعالى : (( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا )) ، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين ضحك الناس على ابن مسعود رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه نَحيفًا فقام إلى شجرة أراك في ريح شديدة ، فجعلت الريح تهزهزه ، فضحك الناس لذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: ( أتضحكون -أو قال- أتعجبون من دقّة ساقيه؟! والذي نفسي بيده إنهما في الميزان أثقل من جبل أحد ) ، وهذا يدلّ على أنّ الذي يوزن هو العامل نفسه، والمهمّ أن يوم القيامة توزن الأعمال أو صحائف الأعمال أو العمّال ، (( فمن ثقلت موازينه فأوئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنّم خالدون )) ، نسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم ممّن ثقلت موازينه ومن المفلحين الفائزين برضوان الله، والله الموفّق.
وقوله سبحانه وتعالى: (( فأولئك الذين خسروا أنفسهم )) : إنما قال: خسروا أنفسهم، لأنهم أُخرجوا إلى الدّنيا وجاءتهم الرسل وبيّنت لهم الحق ولكنّهم والعياذ بالله عاندوا واستكبروا فخسروا أنفسهم ولم يستفيدوا من وجودهم في الدّنيا شيئا، قال الله تعالى: (( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين )) ، ثمّ قال تعالى مبيّنا أنهم كما يعذّبون بدنيّاً فإنّهم يعذّبون قلبيّا فيقرّعون ويوبّخون فيقال لهم: (( ألم تكن آياتي تُتلى عليكم فكنتم بها تكذّبون )) : فقد تليت عليهم آيات الله وبيّنت لهم وجاءتهم الرسل بالحقّ ، ولكنّهم كفروا والعياذ بالله وكذّبوا بهذه الآيات، قالوا في الجواب: (( ربّنا غَلَبت علينا شِقوتنا وكنّا قوما ضالّين * ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا )) يعني: إن عدنا إلى التكذيب (( فإنا ظالمون )): فيقرّون والعياذ بالله بأن الشّقاوة غلبت عليهم، وأنهم ضلّوا الضّلال المبين الذي أوصلهم إلى هذه النار -نسأل الله أن يعيذنا وإيّاكم منها- قال الله تعالى : (( اخسؤوا فيها ولا تكلّمون )) أي : ابقوا فيها أذلّة صاغرين ولا تكلموني، وهذا أشدّ ما يكون عليهم والعياذ بالله أن يوبّخهم الله هذا التوبيخ فيقول: (( اخسؤوا فيها ولا تكلّمون )) ، فإنهم لو كلّموا الله لن يستجيب لهم، لأنه قضى عليهم بالخلود في النار، ثم قال تعالى مبيّنا حالهم مع أوليائه: (( إنه كان فريقٌ من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحممين )) : وهؤلاء هم المؤمنون بالله ورسله يقولون: ربّنا إنّنا آمنّا أي: آمنّا بك، وبرسلك وبما جاؤوا به من الحقّ (( فاغفر لنا وارحمنا )) : اغفر لنا ذنوبنا حتى لا ندخل النار، وارحمنا بالقبول حتى ندخل الجنّة، (( وأنت خير الراحمين )) : فلا أحد أرحم بعباد الله من ربهم عزّ وجلّ، قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( لله بعباده أرحم من الوالدة بولدها ) ، (( فاتخذتموهم سِخريًا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون )) : يعني أنّكم تسخرون من هؤلاء المؤمنين الذين يؤمنون بالله ويسألونه المغفرة والرّحمة، فكنتم تسخرون بهم وتستهزؤون بهم، (( حتى أنسوكم ذكري )) : أي حتى كان سخريتكم بهم واستهزاؤكم بهم مُنسية لكم ذكري، (( وكنتم منهم تضحكون )): يعني في الدنيا يضحكون من المؤمنين يستهزؤون بهم ولكن الله قال في سورة المطفّفين: (( فاليوم الذين آمنوا من الكفّار يضحكون ))، وهذا الضّحك الذي لا بكاء بعده، أما ضحك الكفار من المسلمين في الدّنيا فإنه سيعقبه البكاء الدائم والعياذ بالله.
(( إنّي جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون )) : يعني جزى الله تعالى المؤمنين بما صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصيته، وصبروا على أقداره : (( أنهم هم الفائزون )) : الذين فازوا في هذا اليوم فأدركوا المطلوب ونجوا من المرهوب، وإنما ذكر الله هذا لهؤلاء المكذّبين زيادة في حسرتهم وندامتهم ، كأنه يقول عزّ وجلّ: لو كنتم مثلهم لنلتم هذا الثّواب، فيزدادون بذلك حسرة إلى حسرتهم والعياذ بالله، كيف كان حال هؤلاء الذين كانوا يسخرون بهم في الدنيا ويضحكون منهم، وكيف كانت حالهم هم في نار جهنّم، قال: (( كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم فاسأل العادّين )): انظر جاءتهم الرسل، وعمّروا عمرا يتذكّر فيه من تذكّر، ولكنّهم والعياذ بالله لم ينتفعوا بهذا، ورأوا أنهم كأنما لبثوا ساعة أو بعض ساعة: (( قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسألوا العادّين )): اسألوا العادّين منّا فإننا لا نرى إننا لبثنا إلاّ يوما أو بعض يوم، قال الله تعالى: (( إن لبثتم إلاّ قليلا )) يعني : ما لبثتم إلاّ قليلا في الدّنيا وآل بكم الأمر إلى الآخرة التي تبقون فيها أبد الآبدين معذّبين (( قال إن لبثتم إلاّ قليلا لو أنكم كنتم تعلمون )) يعني : لو أنّكم كنتم من ذوي العلم لعلمتم مقدار تكذيبكم للرسل، ومقدار أعمالكم التي خسرتموها، (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا )) : يعني أتظنّون أننا خلقناكم عبثا، (( وأنكم إلينا لا ترجعون )) : هم ظنّوا كذلك، ظنّوا هذا الظّنّ ولكنّ الله وبّخهم على هذا الظّنّ، هل من حكمة الله أن يُنشئ هذه الخليقة ويرسل إليها الرّسل وينزل عليها الكتب، ثم يكون النهاية الموت والفناء بدون بعث؟ بدون رجوع؟ هذا لا يمكن، لكن هذا (( ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار )) .
ثم قال تعالى: (( فتعالى الله الملك الحق لا إله إلاّ هو رب العرش الكريم )) :تعالى يعني ترفّع عزّ وجلّ عن كلّ نقص وعن كلّ سوء وعلا بذاته فوق عرشه سبحانه وتعالى، (( فتعالى الله الملك الحق )) : الملك يعني ذو الملك والسلطان والعظمة (( الحقّ )) : الذي كان ملكه وملكوته حقّا وليس بباطل ، (( لا إله إلاّ هو )) أي : لا معبود حقّ إلاّ الله عزّ وجلّ ، (( رب العرش الكريم * ومن يدع مع الله إلاها آخر لا برهان له به )) إلى آخر السورة، فهذه الآيات تبيّن أن الإنسان ينبغي له أن ينتهز فرصة العمر، وأن لا يخسر عمره كما خسره هؤلاء، وأنه سوف يُبعث ويُجازى ويحاسب على عمله، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيّاكم ممن حسابه يسير، ومآله في دار القرار في جنّات النّعيم.
1 - تتمة شرح : " ... وقال تعالى: (( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون، فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون، ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون، قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون، إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون، إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون، قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين، قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )) ... " . أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى : (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )) . والآيات في الباب كثيرة معلومة . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل . وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري ... " .
وأما الأحاديث : فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( أَخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ) ، رواه البخاري " .
2 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى : (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون )) . والآيات في الباب كثيرة معلومة . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل . وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري ... " . أستمع حفظ
شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب .
قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه *رياض الصالحين، الكتاب الموافق لاسمه فإنه رياض، رياض لأهل الصلاح، فيه من الأحكام الشّرعية والآداب المرعيّة ما يزيد به إيمان العبد، ويستقيم به سيره إلى الله عزّ وجلّ ومعاملته مع عباد الله، ولهذا كان بعض الناس يحفظه عن ظهر قلب لما فيه من المنفعة العظيمة، هذا الكتاب كان من جملة أبوابه ما أشار إليه القارئ : " باب ذكر الموت وقصر الأمل " ، وذكر فيه المؤلف آيات متعدّدة سبق الكلام عليها، وآخرها قوله تعالى: (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله )) إلى آخره، يعني ألم يأت الوقت الذي تخشع فيه قلوب المؤمنين لذكر الله عزّ وجلّ، والخشوع معناه: الخضوع والذّلّ لذكر الله: يعني عند ذكره فإن المؤمنين : (( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون )) وقوله: (( لذكر الله )) أي: لتذكّر الله وعظمته، (( وما نزل من الحقّ )) : أي ويخشعون لما نزل من الحقّ وهو ما كان في كتاب الله سبحانه وتعالى، فإن هذا الكتاب جاء بالحقّ، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه هذا الكتاب جاء بالحقّ، فيحقّ للمؤمن أن يخشع قلبه لذكر الله وما نزل من الحقّ، قال: (( ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم )) : يعني ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل : وهم اليهود والنّصارى، فاليهود أوتوا التوراة، والنّصارى أوتوا الإنجيل، ومع ذلك فإن اليهود كفروا بالإنجيل، والنّصارى كفروا بالقرآن، فصار الكلّ كلّهم كفارًا، ولذلك كان اليهود قبل بعثة النّبي صلى الله عليه وسلم مغضوباً عليهم، لأنهم علموا الحقّ وهو ما جاء به عيسى ولكنّهم استكبروا عنه وأعرضوا عنه، أما بعد بعثة الرسول عليه الصّلاة والسلام فكان اليهود والنّصارى كلّهم مغضوبٌ عليهم، وذلك لأن النصارى علموا الحقّ، يعرفون النبيّ صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك استكبروا عنه، فكانوا كلّهم مغضوب عليهم لأن القاعدة في المغضوب عليهم : " هم الذين علموا الحقّ ولم يعملوا به كاليهود والنّصارى بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام "، هؤلاء الذين أوتوا الكتاب طال عليهم الأمد: أي الوقت، فقست قلوبهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد عيسى بستمائة سنة، فترة طويلة، انحرف فيها من انحرف من أهل الكتاب ولم يبق على الأرض من أهل الحق إلا بقايا يسيرة من أهل الكتاب، ولهذا قال: (( وكثير منهم فاسقون )) ، ولم يقل: أكثرهم فاسقون، ولم يقل: كلّهم فاسقون، فكثير منهم فاسقون: خارجون عن الحق، فحذّر الله عزّ وجلّ ونهى أن نكون كهؤلاء الذين أوتوا الكتاب، طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وإذا نظرت إلى الأمّة الإسلاميّة وجدت أنها ارتكبت ما ارتكبه الذين أوتوا الكتاب من قبل.
فائدة حول الحاكمين بغير ما أنزل الله تعالى .
تتمة شرح قوله تعالى (( .. ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ... )).
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ) رواه البخاري ".
5 - تتمة شرح قوله تعالى (( .. ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ... )). أستمع حفظ
قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) . متفق عليه . هذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم: ( يبيت ثلاث ليال ) . قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي .
وفي رواية لمسلم: ( يبيت ثلاث ليال ).
قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي " .
6 - قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) . متفق عليه . هذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم: ( يبيت ثلاث ليال ) . قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي . أستمع حفظ
تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري ... " .
قال المؤلف النّووي -رحمه الله- في كتابه *رياض الصّالحين، في باب: " ذكر الموت وقصر الأمل " : فيما نقله عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بمنكبه وقال: ( كن في الدّنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) : وتقدّم الكلام على هذا، قال : " وكان ابن عمر يقول : إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح " : المعنى لا تؤمّل أنّك إذا أصبحت أمسيت، وإذا أمسيت أصبحت، فكم من إنسان أصبح ولم يمس، وكم من إنسان أمسى ولم يُصبح، وكم من إنسان لبس ثوبه ولم يخلعه إلاّ الغاسل، وكم من إنسان خرج من أهله قد هيّؤوا له غداءه أو عشاءه ولم يأكله، وكم من إنسان نام ولم يقم مِن فراشه، المهمّ أن الإنسان لا ينبغي له أن يطيل الأمل، بل يكن حَرزا حاذقا حازما كيّسا هذا معنى قوله : " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، قال: وخذ من صحّتك لمرضك ومن حياتك لموتك " : الإنسان الصّحيح منشرح الصّدر، منبسط النّفس، واسع الفكر، عنده سعة، عنده وقت، لكن ما أكثر الذين يضيعون هذا، لأنه يؤمّل أن هذه الصّحّة سوف تبقى وتدوم، وأنه سوف تطول به الدّنيا، فتجده قد ضيّع هذه الصّحة، فابن عمر رضي الله عنهما يقول : " خذ من صحّتك لمرضك " : المرض تضيق به النّفس ، ويتعب به الجسم ، وتضيق عليه الدنيا ، ولا يستطيع أن يعمل العمل الذي يعمله في حال الصّحّة، فليأخذ من صحّته لمرضه، ومن حياته لموته : قس ما بين حياتك وموتك أيهما أطول؟ لا شكّ أن الحياة لا تُنسب للموت، كم للرسول عليه الصلاة والسلام ميّتا؟ وكم لمن قبله؟ وحياتهم قليلة بالنسبة لموتهم فكيف إلى الآخرة؟! ولهذا ينبغي للإنسان أن يأخذ من حياته ما دام الله قد أحياه لموته إذا عجز عن العمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاثة: صدقةٍ جارية وعلمٍ ينتفع به وولد صالح يدعو له ) ، فخذ من حياتك لموتك.
7 - تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري ... " . أستمع حفظ
تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) . متفق عليه . هذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم: ( يبيت ثلاث ليال ) . قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي . ... " .
وصيتي إلى فلان بن فلان لتفريق ثلث مالي أو ربعه أو خمسه في سبيل الله.
وصيتي إلى فلان في أن ينتفع بما خلّفت مِن عقار أو غيره أو ما أشبه ذلك، المهم هذه الوصية: العهد، عهد الإنسان بعد موته إلى شخص بشيء يملكه هذه هي الوصيّة.
والوصيّة أنواع: واجبة ومحرّمة وجائزة:
أما الواجبة فأن يكون على الإنسان دين، يعني حقّ لغيره، فيجب أن يوصي به، لا سيما إذا لم يكن فيه بيّنة، لأنه إذا لم يوص به فإن الورثة قد ينكرونه، والورثة لا يلزمون بأن يصدّقوا كل من جاء من الناس وقال: إن على ميّتكم كذا وكذا لا يلزمهم أن يصدّقوا، فإذا لم يوص الميّت بذلك فإنه ربّما يكون ضائعا، هذه واحدة، فمن عليه دين يعني حقّ في ذمّته لأحد فإنه يجب عليه أن يوصي به، كذلك أيضا يجب أن يوصي لأقاربه غير الوارثين بما تيسّر لقول الله تعالى: (( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا )) يعني مالا كثيرا (( الوصيّة )) : هذه نائب الفاعل ، (( للوالدين والأقربين )) : فخرج من ذلك من الوالدين والأقربين من كانوا ورثة، فإن الورثة لا يوصى لهم ، وبقيت الآية محكمة فيما عدا الوارثين، هكذا دلالة الآية وبها فسّرها ابن عبّاس رضي الله عنهما، وذهب إليها كثير من أهل العلم: أن الإنسان يجب أن يوصي إذا كان عنده مال كثير بما تيسّر لأقاربه غير الوارثين، أما الوارث فلا يجوز أن يوصى له، لأن حقّه من الإرث يكفيه، فهذان أمران تجب فيهما الوصيّة، الأول: إذا كان عليه دين يعني حقا للناس. والثاني: إذا ترك مالا كثيرا فإنه يلزمه أن يوصي لأقاربه غير الوارثين.
وتكون محرّمة إذا أوصى لأحد من الورثة فإنه حرام عليه، مثل أن يوصي لولده الكبير بشيء من بين سائر الورثة، أو يوصي لزوجته بشيء من بين سائر الورثة، فإن هذا حرام عليه، حتى لو قدّر أن الزوجة كانت تخدمه في حياته وترأف به وتحترمه وأراد أن يكافئها فإنه لا يحل له أن يوصي لها بشيء، وكذلك لو كان أحد أولاده يبرّ به ويخدمه ويسعى في ماله فأراد أن يوصي له بشيء فذلك حرام عليه، وكذلك ما يفعله بعض الناس إذا كان له أولاد عدّة وزوّج الكبير أوصى للصغار بمثل المهر الذي زوّج به الكبير، فإن هذا حرام أيضا، لأن التزويج دفع حاجة كالأكل والشّرب، فمن احتاج إليه من الأولاد وعند أبيه القدرة وجب عليه أن يزوّجه، ومن لم يحتج إليه فإنه لا يحل له أن يعطيه شيئا مثلما أعطى أخاه الذي احتاج للزواج، وهذه مسألة تخفى على كثير من الناس، حتى على طلبة العلم، يظنّون أنّك إذا زوّجت ولدك فإنك يجب أن توصي للأولاد الصّغار بمثل ما زوّجته به، وهذا ليس بصحيح، الوصيّة للوارث لا تجوز مطلقا .
فإن قدّر أن أحدا جاهل وأوصى لأحد الورثة بشيء فإنه يرجع إلى الورثة بعد موته، إن شاؤوا نفّذوا الوصيّة وإن شاؤوا ردّوها.
وأما الوصية المباحة فهي: أن يوصي الإنسان بشيء من ماله لا يتجاوز الثلث، لأنّ تجاوز الثلث ممنوع، لكن ما دون الثلث أنت حرّ فيه، فلك أن توصي فيه بمن شئت إلاّ الورثة، هذه جائزة ولكن هل الأفضل الثلث أو الرّبع أو ما دون ذلك؟ نقول: أكثر شيء الثلث، لا تزد عليه، وما دون الثلث فهو أفضل منه، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : " لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لسعد بن أبي وقّاص : ( الثلث والثلث كثير ) " ، وكان أبو بكر رضي الله عنه أوصى بخمس ماله وقال: " وأرضى بما رضي الله لنفسه الخمس " ، فأوصى بخمس ماله، وهذا أحسن ما يكون، وليت أن طلبة والعلم والذين يكتبون الوصايا ينبّهون الموصين على أن الأفضل الوصيّة بالخمس لا بالثلث، وقد شاع عند الناس الثلث دائمًا، الثلث الثلث وهذا الحدّ الأعلى الذي حدّه الرسول عليه الصلاة والسّلام وما دونه أفضل منه، الربع أفضل من الثلث، والخمس أفضل من الربع ، وإذا كان الورثة محتاجين فترك الوصية أولى، هم أحقّ من غيرهم، قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون الناس ) ، فإذا كان الورثة الذين يرثونك تعرف أن حالهم وسط، المال شحيح عندهم، هم إلى الفقر أقرب، فالأفضل أن لا توصي.
8 - تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) . متفق عليه . هذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم: ( يبيت ثلاث ليال ) . قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي . ... " . أستمع حفظ
تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) . متفق عليه . هذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم: ( يبيت ثلاث ليال ) . قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي . ... " .
وفي رواية لمسلم: ( يبيت ثلاث ليال ).
قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق الكلام على أوّل هذا الحديث، حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، الذي ساقه النّووي في كتاب *رياض الصّالحين في : " باب ذكر الموت وقصر الأمل " : أن النّبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) : ففي هذا الحديث الإشارة إلى أن الإنسان يوصي، ولكن الوصيّة تنقسم إلى أقسام: منها واجبة، ومنها حرام، ومنها مباحة:
فالواجبة أن يوصي الإنسان بما عليه من الحقوق الواجبة لئلاّ يجحدها الورثة فيضيع حقّ من هي له، ولا سيما إذا لم يكن بها بيّنة، والثاني من الوصية الواجبة: وصيّة من ترك مالا كثيرا لأقاربه الذين لا يرثون بدون تقدير، لكن لا تزيد على الثلث.
والوصيّة المحرّمة نوعان أيضا: أن تكون لأحد من الورثة، وأن تكون زائدة على الثّلث.
والمباحة ما سوى ذلك، ولكن الأفضل أن تكون المباحة من الخمس فأقلّ، وإن زاد إلى الرّبع فلا بأس وإلى الثلث فلا بأس، ولا يزيد على الثلث.
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما العمل بالكتابة، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إلاّ ووصيّته مكتوبة عنده ) : فدلّ هذا على جواز العمل، بل وجوب العمل بالكتابة، وفي قوله: ( مكتوبة ) : اسم مفعول إشارة أنه لا فرق بين أن يكون هو الكاتب أو غيره ممن تثبت به الوصيّة بكتابتهم، فلا بدّ أن تكون الكتابة معلومة، إما بخطّ الموصي نفسه، أو بخطّ أو بخطّ شخص معتمد، وأما إن كانت بخط مجهول فلا عبرة بها ولا عمل عليها، وفي قوله: ( عنده ) : إشارة إلى أنّه ينبغي أن يحتفظ الإنسان بالوثائق ، وأن لا يسلّط عليها أحدا ، بل تكون عنده في شيء محفوظ مُحرز كالصّندوق التجوري وغيره ، لأنه إذا أهملها فربما تضيع منه ، أو يسلّط عليها أحدا يأخذها يتلفها أو ما أشبه ذلك ، المهم فيها الإعتناء بالوصيّة ، وأن يحتفظ بها الإنسان حتى لا تضيع ، وفيه أيضا سُرعة امتثال الصّحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن الآن لنا ثلاثة أيام نتكلّم على هذا الحديث ، فهل منا أحد كتب وصيّىته ؟! الله أعلم، ابن عمر رضي الله عنه يقول : " ما مرّت عليّ ليلة منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا إلاّ ووصيّتي مكتوبة عندي " ، فالذي ينبغي للإنسان أن يهتمّ بالأمر حتى لا يفجأه الموت وهو قد أضاع نفسه وأضاع حقّ غيره.
9 - تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) . متفق عليه . هذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم: ( يبيت ثلاث ليال ) . قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي . ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر ؟ ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الحديث ذكره المؤلف النووي رحمه الله في *رياض الصّالحين ، في : " باب ذكر الموت وقصر الأمل " : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا بالأعمال سبعًا ) : يعني اعملوا قبل أن تصيبكم هذه السّبع التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبادروا بها، ثم ذكر هذه السّبع : أنها إما غنى مُطغيًا : يعني يغني الله الإنسان ويفتح عليه من الدّنيا فيطغى بذلك، ويرى أنه استغنى عن ربّه عزّ وجلّ، فلا يقوم بما أوجب الله عليه، ولا ينتهي عما نهاه الله عنه، قال الله تعالى: (( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )).
( أو فقرًا مُنسيًا ): أي أن يصاب الإنسان بفقر ينسيه ذكر ربّه، لأن الفقر أعاذنا الله وإيّاكم منه شرّ درع يلبسه العبد، فإنه إذا كان فقيرا يحتاج إلى أكل وشرب ولباس وسكن وزوجة فلا يجد من ذلك شيئا فتضيق عليه الأرض بما رحبت ويذهب يتطلّب أن يحصل على شيء من ذلك فينسى ذكر الله عزّ وجلّ، ولا يتمكّن من أداء العبادة على وجهها، ويفوته كثير من العبادات التي تستوجب أو التي تستلزم الغنى: كالزّكاة والصّدقات والعتق والحجّ والإنفاق في سبيل الله وما أشبه ذلك.
كذلك أو مرضاً مُفسدًا: مرض يفسد على الإنسان حياته، لأن الإنسان ما دام في صحّة فهو في نشاط وانشراح صدر، والدّنيا أمامه مفتوحة، فإذا مرض ضعف البدن وضعفت النفس وضاقت وصار الإنسان دائما في همّ وغمّ فيفسد عليه حياته.
كذلك أيضا الهرم المفنّد، ( هرما مفنّدا ) : يعني كبرا يفنّد قوّة الإنسان ويحطّمها كما قال الله تعالى : (( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد قوة ثم جعل من بعد قوّة ضعفاً وشيبة )) : فالإنسان ما دام نشيطا شابا يعمل العبادة بنشاط، يتوضّأ بنشاط، يصلي بنشاط، يذهب إلى العلم بنشاط ، لكن إذا كبر فهو كما قال الله عزّ وجلّ عن زكريّا : (( ربّ إني وهن العظم منّي واشتعل الرأس شيبًا ))، يضعف العظم، والعظم هو الهيكل الذي ينبني عليه الجسم، فيضعف وتضعف القوّة ولا يستطيع أن يفعل ما كان يفعله في حال الشّباب كما قال الشّاعر:
" ألا ليت الشّبابَ يعود يوماً *** فأخبره بما فعل المشيب " .
( أو موتًا مُجهزًا ) : هذا أيضا مما ينتظر، الموت، إذا مات الإنسان انقطع عمله ولم يتمكّن من العمل، مجهزا: سريعا، وكم من إنسان مات من حيث لا يظن أنه يموت، كم من إنسان مات وهو في شبابه وصحّته بحوادث: احتراق انقلاب سيّارة، سقوط جدار عليه، سكتة قلبيّة، أشياء كثيرة يموت الإنسان ولو كان شابّا، بادر هذا لأنك لا تدري ربّما تموت، ربما تموت وأنت تخاطب أهلك، تموت على فراشك، تموت وأنت على غدائك، تخرج تقول لأهلك: ولِّموا الغداء جهّزوه، ثم لا ترجع تأكل منه، إذن بادر، ومن ذلك أيضا الساعة أو الدّجّال فشرّ غائب يُنتظر .
10 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر ؟ ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن . أستمع حفظ