شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر ؟ ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن .
والحاصل أن الإنسان لن يخرج عن هذه السّبعة، وهذه السبعة كلها تُعيقه عن العمل، فعليه أن يبادر ما دام في صحّة ونشاط، وشباب وفراغ وأمن ولله الحمد، فليبادر الأعمال قبل أن يفوت، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يتسابقون إلى الخير.
1 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر ؟ ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر . عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم . وفي رواية : ( من أراد أن يزور القبور فليزر فإنها تذكرنا الآخرة ) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد رواه مسلم ) .
عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم.
وفي رواية : ( فمن أراد أن يزور القبور فليزر، فإنها تذكرنا الآخرة ).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخرج مِن آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدًا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ) رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله- في كتاب *رياض الصّالحين: " باب زيارة القبور واستحبابها للرجال دون النساء " : زيارة القبور أي الخروج إليها امتثالا بل اتّباعا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، والقبور هي دور الأموات، وذلك أن الإنسان له أربعة دور: الدار الأولى في بطن أمّه، والثانية الدّنيا، والثالثة القبور، والرابعة الآخرة ، وهي المقرّ وهي النهاية والغاية ، جعلنا الله وإياكم من الفائزين فيها، هذه الدّار أعني دار القبور كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم نهى عن زيارتها خوفاً من الشّرك بأهل القبور، لأن الناس كانوا حديثي عهد بجاهلية، فنهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدّا لذرائع الشّرك، لأن الشّرك لما كان أمره عظيماً سدّ النبي صلى الله عليه وسلم كلّ ذريعة وكلّ باب يوصل إلى الشّرك، وكلّما كانت المعصية عظيمة كانت وسائلها أشدّ منعا، الزّنا مثلا فاحشة، وسائله من النّظر والخلوة وما أشبه ذلك محرّمة، الشرك أعظم الذنوب، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ( أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك ) : فكانوا يعظّمون القبور، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فلما استقرّ الإيمان في قلوبهم أذن لهم، فقال: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكّر الآخرة ) : فرفع النبي صلى الله عليه وسلم النّهي، وأباح الزّيارة، بل رغّب فيها لقوله: ( فإنها تذكّر الآخرة ): والذي يذكّر الآخرة ينبغي للإنسان أن يعمل به، لأن القلب إذا نَسي الآخرة غفل، واشتغل بالدّنيا وأضاع الدّنيا والآخرة، لأنّ من أضاع الآخرة فقد أضاع الدّنيا والآخرة، فينبغي أن يزورها، ولكن يزور القبور لنفعها أو للإنتفاع بها؟
الأول لنفعها: ليدعو لهم لا ليدعوهم، فيخرج ويسلّم على القبور، كما فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، وقالت عائشة : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان عندها خرج من آخر الليل فسلّم على أهل البقيع، وقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا بكم لاحقون، غدا مؤجّلون ) إلى آخر الحديث، ثم يقول: ( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ) : بقيع الغرقد : هو مقبرة أهل المدينة، وهذه الدّعوة يُرجى أن تشمل من كان من أهل بقيع الغرقد إلى يوم القيامة، ويحتمل أن يراد بهم أهل بقيع الغرقد الذين كانوا أهلَه في عهد الرسول عليه الصّلاة والسلام فقط فلا يشمل من يأتي بعدهم، ولكن من كان من أهل الرّحمة فهو من أهل الرّحمة سواء حصلت له هذه الدّعوة أم لم تحصل، ومن كان من أهل الشّقاء فإنه لا تشمله هذه الدّعوة ولا ينتفع بها.
المهم أن الإنسان ينبغي له أن يزور القبور في كلّ وقت، في الليل، في النّهار، في الصّباح، في المساء، في يوم الجمعة، في غير يوم الجمعة، ما لها وقت محدّد، وكلّما غفل قلبك واندمجت نفسك في الحياة الدّنيا فاخرج إلى القبور، وتفكّر هؤلاء القوم كانوا بالأمس مثلك على الأرض يأكلون، يشربون، يتمتّعون، والآن أين ذهبوا؟ صاروا الآن مرتهنين بأعمالهم، لم ينفعهم إلاّ عملهم كما أخبر بذلك النبي عليه الصّلاة والسلام أنه: ( يتبع الميّت ثلاثة: ماله وأهله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع المال والأهل ويبقى العمل )، ففكّر في هؤلاء القوم ثم سلّم عليهم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، والظاهر -والله أعلم- : أنهم يردّون السّلام، لأنه يسلّم عليهم بصيغة الخطاب، السلام عليكم، ويحتمل أن يراد بذلك السلام مجرّد الدّعاء فقط، سواء سمعوا أم لم يسمعوا أجابوا أم لم يجيبوا، فعلى كلّ حال هو الإنسان يدعو لهم ويقول مقررا المصير الحتمي : ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) : إن شاء الله هذه تعود إلى وقت اللحوق وليس إلى اللحوق لأن اللحوق متيقّن، والمتيقّن لا يقيّد بالمشيئة، لكن تعود إلى وقت اللحوق، لأن كلّ واحد منا لا يدري متى يلحق فيكون معنى قوله: ( وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) : أي وإنا متى شاء الله بكم لاحقون، كقوله تعالى: (( ثم إذا شاء أنشره * كلاّ لمّا يقض ما أمره ))، ثمّ يدعو لهم، يدعو لهم بالدّعاء الذي جاءت به السّنّة فإن لم يعرف شيئًا منه دعا بما تيسّر : " اللهم اغفر لهم وارحمهم، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم " ، ثم ينصرف، هكذا كان الرسول عليه الصّلاة والسلام يزور المقبرة.
وأما ما يفعله بعض الجهّال من البقاء هناك، والتّمرّغ على التراب والطواف بالقبر وما أشبه ذلك، فكلّه أمر منكر وبدعة محظورة، فإن اعتقد أن هؤلاء الأموات ينفعون أو يضرّون كان مشركاً والعياذ بالله، خارجاً عن الإسلام لأنّ هؤلاء الأموات لا ينفعون ولا يضرّون، لا يستطيعون أن يدعون لك ولا يشفعون لك إلاّ بإذن الله، وليس هذا وقت الشّفاعة أيضًا، وقت الشّفاعة يوم القيامة فلا تنفعهم، لا ينفعك شيء منهم إذا دعوتهم أو سألتهم الشّفاعة أو ما أشبه ذلك.
والواجب على إخواننا الذين يوجد هذا في بلادهم، الواجب عليهم أن ينصحوا هؤلاء الجهّال، وأن يبيّنوا لهم أن الأموات لا ينفعونهم، حتى الرسول عليه الصلاة والسلام ما ينفع، ما ينفع الناس وهو ميّت، ( كانوا إذا أصابهم الجدب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته جاؤوا إليه وقالوا: استسق الله لنا، فيستسق الله لهم ) : لما مات ما جاء الصّحابة إليه يقولون: ادع الله أن يسقينا، وقبره إلى جانب المسجد ليس بعيدا، لكنَّ عمر لما أجدبت الأرض وحصل القحط قال : ( اللهم إنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا ) : يعني يسألون الرسول أن يدعو الله لهم في السّقيا فيسقون، ( وإنا نستسقي إليك بعمّ نبيّنا ثمّ يقوم العبّاس فيدعو الله ) ، ولم يقل يا رسول الله ادع الله أن يسقينا، ادع الله أن يرفع عنا القحط، لأنه رضي الله عنه يعلم أن ذلك غير ممكن، والإنسان إذا مات انقطع عمله، ما يمكن أن يعمل أيّ عمل كما قال الرسول عليه الصّلاة والسلام: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله ) ، فلا يستطيع أن يستغفر لك، ولا أن يدعو لك، لأنه انقطع العمل، فالحاصل أن زيارة القبور لمنفعة أهل القبور لا لمنفعة الزائر إلاّ في ما يناله من الأجر عند الله عزّ وجلّ، أما أن ينتفع بهم بزيارته إياهم فلا، لكن ينتفع بالأجر الذي يحصل له، وينتفع بالموعظة التي تحصل لقلبه إذا وفّقه الله تعالى للاتّعاظ، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكم ممّن يعلّقون رجاءهم بالله.
2 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر . عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم . وفي رواية : ( من أراد أن يزور القبور فليزر فإنها تذكرنا الآخرة ) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد رواه مسلم ) . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب كراهة تمنى الموت بسبب ضرر نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتمن أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتمن أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا ) ... " .
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتمنَّ أحدكم الموت إما محسنًا فلعله يزداد، وإما مسيئًا فلعله يستعتب ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
وفي رواية لمسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتمنَّ أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً ) " .
الشيخ : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- " باب كراهية الموت لضرّ نزل به " : يعني من مرض أو نحوه، " وأما إذا كان لخوف فتنة في الدين فلا بأس به " : هكذا قال المؤلف في الأخير، يعني أنه إذا كان يخشى على نفسه فتنة في الدّين فلا بأس أن يتمنّى الموت، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في الأحاديث، أما الأول فما قاله المؤلف صحيح: أن الإنسان إذا نزل به الضّرّ فلا يتمنّى الموت فإن هذا خطأ، سفه في العقل وضلال في الدّين :
أما كونه سفها في العقل، فلأن الإنسان إذا بقي في حياته فإما محسنا فيزداد وإما مسيئا فيستعتب ويتوب إلى الله عزّ وجلّ، وكونه يموت لا يدري فلعلّه يموت على أسوء خاتمة والعياذ بالله، لهذا نقول: لا تفعل لأنه سفه في العقل، أما كونه ضلال في الدّين، فلأنه ارتكاب لما نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا قال عليه الصّلاة والسّلام: ( لا يتمنّى أحدكم الموت ) : والنّهي هنا للتحريم، لأن تمنّي الموت فيه شيء من عدم الرّضا بقضاء الله، والمؤمن يجب عليه الصّبر إذا أصابته الضّرّاء، يصبر فإذا صبر على الضّرّاء نال شيئين مهمّين: الأول: تكفير الخطايا، ( فإن الإنسان لا يصيبه همّ ولا غمّ ولا أذى ولا شيء إلاّ كفّر الله به عنه حتى الشوكة يشاكها ) : الشوكة إذا بطّت الإنسان فإنه يكفّر بها عنه.
الثاني: إذا وفّق لاحتساب الأجر من الله، وصبر بذلك يبتغي وجه الله، فإنه يثاب وقد قال الله تعالى: (( وإنّما يوفّى الصّابون أجرهم بغير حساب )) .
أما كونه يتمنّى الموت فهذا يدلّ على أنّه غير صابر على ما قضى الله عزّ وجلّ ولا راض به.
وبيّن الرسول عليه الصّلاة والسّلام أنه إما أن يكون من المحسنين فيزداد في بقاء حياته، يزداد عملا صالحا، ومن المعلوم أن التّسبيحة الواحدة في صحيفة الإنسان خير من الدّنيا وما فيها، التّسبيحة الواحدة، لأن الدّنيا وما فيها تذهب وتزول، والتسبيح والعمل الصّالح يبقى، قال الله عزّ وجلّ: (( المال والبنون زينة الحياة الدّنيا والباقيات الصّالحات خير عند ربّك ثواباً وخير أملا )) : فأنت إذا بقيت ولو على أذى ولو على ضرر فإنك ربّما تزداد حسنات، وإما مسيئاً : يعني قد عمل عملا سيّئا فلعلّه يستعتب : يعني يطلب من الله العتبى أي الرّضا والعذر، فيموت وقد تاب من سيّئاته، فلا تتمنّى الموت لأن الأمر كلّه مقضي، وربّما يكون في بقائك خير لك أو لك ولغيرك، فلا تتمنّى الموت، اصبر واحتسب ودوام الحال من المحال، والله الموفّق.
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب كراهة تمنى الموت بسبب ضرر نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتمن أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتمن أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا ) ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) متفق عليه . وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا، ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعا إلا التراب ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطا له، فقال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب متفق عليه، وهذا لفظ رواية البخاري ... ." .
وعن قيس بن أبي حازم قال: ( دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده، وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا، ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلا التراب، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت، لدعوت به، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطاً له، فقال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب )، متفق عليه، وهذا لفظ رواية البخاري " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصّالحين : في كراهة تمنّي الموت لضرّ نزل به إلاّ أن يكون لفتنوت في الدّين : قال عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ نزل به ) : مثل أن يصاب الإنسان بمرض شديد، أو بفقر شديد، أو بدين متعب أو ما أشبه ذلك، فيقول: اللهم أمتني حتى أستريح من هذه الدّنيا ، فإن هذا حرام ولا يجوز، لأنّه لو مات فإنه لن يستريح، ربّما ينتقل من عذاب الدّنيا إلى عذاب في الآخرة أشدّ وأشدّ، ولهذا نهى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام عن تمني الموت للضرّ الذي ينزل بك، ولكن قابل هذه المصائب بالصّبر والإحتساب وانتظار الفرج واعلم أنّ دوام الحال من المحال، والله عزّ وجلّ يقدّر الليل والنّهار ويخلف الأمور على وجه لا يحتسبه الإنسان ولا يظنّه، لأن الله إذا أراد شيئا فإنّما يقول له : كن فيكون ، فلا تتمنّى الموت لضرّ نزل بك.
أما ما يتعلّق بفتنة الدّين : إذا افتتن الناس في دينهم، أصابهم فتنة، إما في زخارف الدّنيا، أو غيرها من الفتن، أو أفكار فاسدة، أو ديانات منحرفة أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضا لا يتمنّى الإنسان الموت، ولكن يقول: اللهم اقبضني إليك غير مفتون، فيسأل الله أن يثبّته وأن يقبضه إليه غير مفتون، وإلاّ فليصبر لأنه ربّما يكون بقاؤه مع هذه الفتن خير للمسلمين يدافع عنهم ويناضل ويساعد المسلمين ويقوّي ظهورهم، لكن يقول: " اللهم إن أردت بعبادك فتنة أو اللهم في هذه الفتنة اقبضني إليك غير مفتون " ، قال النبي عليه الصّلاة والسلام : ( فإن كان لا محالة قائلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) : وأنت ما تدري يا الإنسان ، لكن اجعل الأمر إلى الله : ( اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي ) : يعني إذا كانت، ( وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي ): وإذا دعوت الله بهذا الدّعاء فإن الله تعالى سيستجيب دعاءك، وفي هذا الحديث دليل على جواز الشّرط في الدّعاء، أن تشترط على الله عزّ وجلّ في الدّعاء، وقد جاء ذلك في نصوص أخرى، مثل آية اللعان، فإن الزّوج يقول في الخامسة: (( أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ))، وهي تقول في الخامسة: (( أن غضب الله عليها إن كان من الصّادقين )) : فالشّرط في الدّعاء لا بأس به.
ثم ذكر المؤلّف حديث قيس بن حازم حين دخلوا على خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه وهو من الصّحابة الأجلاّء، دخلوا يعودونه بعد أن فُتحت الدّنيا على المسلمين، والمسلمين كانوا في الأول فقراء ولكنّ الله أغناهم بالغنائم الكثيرة التي غنموها من الكفار بإذن الله وبأمر الله، كما قال الله تعالى: (( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ))، وقال: (( ومغانم كثيرة تأخذونها )) : لما فتح الله على المسلمين كثرة الأموال عندهم، فزادت وتطورت وحصل من بعضهم ترف، وصار بعضهم إذا قدّم له الغداء أو العشاء يبكي على ما كان من سلفه من ضحالة العيش وقلّة ذات اليد، دخلوا على خباب بن الأرتّ رضي الله عنه وهو مريض، وقد اكتوى سبع كيّات، والكيّ أحد الأدوية النافعة بإذن الله : ثلاثة أشياء نصّ عليها الرسول عليه الصّلاة والسّلام وبيّن أن بها الشّفاء بإذن الله : الكيّ والحجامة والعسل، هذه الثلاثة من أنفع ما يكون بإذن الله عزّ وجلّ، في بعض الأشياء ما ينفع فيها إلاّ الكيّ، فمثلا: ذات الجنب وهو داء يصيب الرّئة فتتجلّط وتلصق بالصّدر ويموت الإنسان منها إلاّ أن يشفيه الله عزّ وجلّ بأسبابه، هذا النوع من الأمراض لا ينفع فيه إلاّ الكّيّ، كم من مريض يصاب بذات الجنب، يذهب إلى الأطباء ويعطونه الإبر أدوية وغيرها ولا ينفع ، فإذا كوي برئ بإذن الله .
كذلك في أشياء تصيب الأمعاء تسمّى عند أطبّاء العرب تسمّى الطير، لأنها تتفرّق في الجسد هذه أيضا لا ينفع فيها إلاّ الكيّ، مهما أعطيت المريض من الأدوية ما ينفع إلاّ الكيّ.
فيه أيضا شيء ثالث يسمّى عند الناس الحبّلة: ورم يظهر في الفمّ أو في الحلق إذا انفجر هلك الإنسان ، هذا أيضا لا ينفع فيه إلاّ الكيّ ، وأشياء كثيرة لا ينفع فيها إلاّ الكيّ ، خبّاب بن الأرت رضي الله عنه كوى سبع كيّات، ثمّ جاءه أصحابه يعودونه فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الإنسان يؤجر على كلّ شيء أنفقه إلاّ شيئا يجعله في التّراب ) : يعني في البناء، لأن البناء إذا اقتصر الإنسان على ما يكفيه فإنه لا يحتاج إلى كبير نفقة، يبني له حجرة تكفيه هو وعائلته ، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق بيوته حجر، حجرة واحدة له ولزوجته وليس فيها أكثر من ذلك، وعند قضاء الحاجة يخرجون إلى البر ويقضون حاجتهم في البرّ، لكن تتطور الناس، ومن علامات السّاعة : ( أن ترى الحفاة العراة العالة -يعني الفقراء- يتطاولون في البنيان ) : يتطاولون في البنيان في علوّه في السّماء أو في تزويقه وتحسينه، فهذا المال الذي يجعل في البناء هذا ما يؤجر الإنسان عليه، اللهم إلاّ بناء يجعله للفقراء يسكنونه أو يجعل غلّته في سبيل الله أو ما أشبه ذلك فهذا يؤجر عليه، لكن بناء يسكنه هذا ليس فيه أجر، بل ربما إذا زاد الإنسان فيه حصل له وزر مثل ما يفعل بعض الفقراء الآن، عندنا فقراء يتدين الإنسان يستدين العشر خمسة عشر وإن طال الأجل إلى عشرين من أجل أن يرصّع بنيانه بالأحجار الجميلة، أو من أجل أن يضع له أقواس أو شرفات أو ما أشبه ذلك، فهو مسكين يعمل هذا العمل المنهي عنه ويستدين على نفسه الدّيون الكثيرة، وأما البنيان الذي يكون على حسب العادة، يعني لو أن الناس اعتادوا بنيانا معيّنا وأراد الإنسان أن يبني على ما كان من العادة وما كان ينبسط فيه أهله بدون إسراف وبدون أن يتديّن فهذا لا بأس به ، وليس فيه إثم إن شاء الله، والله الموفّق.
4 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) متفق عليه . وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا، ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعا إلا التراب ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطا له، فقال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب متفق عليه، وهذا لفظ رواية البخاري ... ." . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الورع وترك الشبهات قال الله تعالى: (( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم )) وقال تعالى: (( إن ربك لبالمرصاد )) ... " .
قال الله تعالى: (( وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم )).
وقال تعالى: (( إن ربك لبالمرصاد )).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنَّ الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتَبِهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع الشبهات، وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله: ألا وهي القلب ) متفق عليه ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النّووي -رحمه الل في كتاب *رياض الصّالحين : " باب الورع وترك المشتبهات " : الورع والزّهد يشتبه معناهما عند بعض الناس، ولكن الفرق بينهما كما قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب *الروح : " الورع ترك ما يضرّ في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع " : فمقام الزهد أعلى من مقام الورع ، لأن الورع أن يترك الإنسان ما يضرّ ، والزّهد أن يترك ما لا ينفع.
لأن الأشياء ثلاثة أقسام: ضار ونافع ، ولا ضارّ ولا نافع، يعني منها ضارّ ومنها نافع ومنها ما ليس بضارّ ولا نافع ، فالزاهد يترك شيئين من هذا : يترك الضّار ويترك ما ليس بنافع ولا ضارّ ، ويفعل ما هو نافع.
والورع يترك شيئا واحدا منها وهو ما كان ضارّا ، ويفعل النافع ، ويفعل الشّيء الذي ليس فيه نفع ولا ضرر ، وبهذا صارت منزلة الزاهد أرفع من منزلة الورعِ ، وربّما يطلق أحدهما على الآخر .
فالورع ترك ما يضرّ ومن ذلك ترك الأشياء المشتبهة، المشتبهة في حكمها والمشتبهة في حقيقتها:
فالأول اشتباه في الحكم. والثاني اشتباه في الحال .
فالإنسان الورع هو الذي إذا اشتبه الأمر عليه تركه، تركه إذا كان اشتباها في تحريمه، وفعله إن كان اشتباها في وجوبه لئلاّ يأثم بالترك.
ثمّ إن المؤلف رحمه الله ذكر آيتين على هذا الباب، قال رحمه الله الآية الأولى: (( وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم )) : تحسبونه : الضّمير يعود على ما تلقَّاه الناس من الحديث الإفك الكذب في حقّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وذلك أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المنافقون يتربّصون بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يشوّهوا سمعته ويدنّسوا عرضه، فحصلت غَزوة من الغزوات، فلما قفل النبي صلى الله عليه وسلّم راجعاً منها نام في أثناء الطريق، وكانت نساءُ النبي صلى الله عليه وسلّم لهنّ رجال يساعدون في ترحيلهنّ، فلما كان في آخر الليل ذهبت عائشة رضي الله عنها لقضاء حاجتها، فجاء الذين يحملون الهودج الذي ترَكب فيه فحملوه على البعير وشدّوه على البعير، وظنّوا أنها كانت فيه، لأنها كانت في ذلك الوقت صغيرة السّنّ خفيفة الوزن، ثمّ سار الرّكب، رجعت عائشة رضي الله عنها إلى المكان فوجدت الناس قد رحلوا، فكان من ذكائها وثبات جأشها وطمأنينتها أن بقيت في المكان، ما ذهبت تتجوّل يمينا وشمالا، لأنها لو ذهبت ربّما ضاعت وضيّعوها، لكنّها بقيت في مكانها، وكان رجل من خيار الصّحابة يقال له صفوان بن المعطّل نائما، وكان من قوم إذا ناموا لم يستيقظوا إلاّ إذا شبعوا من النوم، لو توقظهم مهما كان ما استيقظوا، فاستيقظ رضي الله عنه فوجد الناس قد رحلوا ورأى هذا الشّبح، هذا السواد، فأقبل إليه فإذا هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان يعرفها قبل أن ينزل الحجاب فماذا صنع هذا الرجل؟ هذا الرجل أناخ البعير، ولم يتكلّم بأي كلمة احترامًا لفراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يريد أن يتكلّم مع زوجته في مثل هذا المكان ، أناخ البعير ووضع رجله على ساق البعير وعضد البعير فركبت عائشة ، فأخذ الزّمام وجعل يقود البعير، ليجعل عائشة خلفه فلما أقبل على القوم تكلم المنافقون، ورأوا أن هذه فرصة، وقالوا ما هم فيه كاذبون، قالوا في عائشة ما هم فيه كاذبون، امرأة في سفر مع رجل تتأخر عن القوم فصاروا يتكلمون في عرض عائشة، وهم لا يريدون عرض عائشة، لا تهمّهم فتاة عند زوجها، الذي يهمّهم تدنيس فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم الله أنّى يؤفكون، فجعلوا يتكلّمون، وكان من حكمة الله عزّ وجلّ أن عائشة لما قدموا المدينة مرضت، وبقيت في البيت في بيتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليها، ولم تر منه ما كانت تراه بالأول، كان يمر ويقول: ( كيف تيكم؟ ) يعني كيف هذه؟ ما يسأل ويلح ويقول: كيف هي اليوم عساها أحسن من أمس وما أشبه ذلك، يقول هذه الكلمة لأن كلام المنافقين شاع في المدينة، وصار عند بعض المؤمنين تردّد، والرّسول عليه الصّلاة والسلام كان لا يشكّ في أهله، ويرى أن الله عزّ وجلّ يأبى بحكمته أن يدنّس فراش نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن ليصدّق بهذا أبدًا، لكن مع كثرة الكلام وكثرة القرع وكثرة الإرجاف، كان الإنسان بشرًا، وبعد أن مضى نحو شهر خرجت عائشة رضي الله عنها وخالتها أم مسطح بن أثاثة، خرجت تقضي حاجتها وكانوا في الأول ما عندهم مراحيض في البيوت، إذا أراد واحد يقضي حاجته ما عنده مكان يقضي حاجته في البيت، يخرجون على البرّ، ينظرون مكانًا نازلا مطمئنّا يقضون فيه الحاجة، فعثرت، خرجت مع خالتها أم مِسطح فعثرت، فقالت: تعس مسطح تقوله أم مسطح: تعس مسطح، فاستغربت عائشة ، كيف تقول لرجل من المهاجرين شهد بدراً تقول: تعس مسطح؟! فقالت ليش؟ لم تقولين هذا الكلام؟ لأن معنى تعس يعني خسر وهلك فقالت: أما علمت بكذا وكذا وكذا؟ فازدادت عائشة مرضًا إلى مرضها وصارت تبكي ليلا ونهارا، لا يرقؤ لها دمع ولا تهنؤ بعيش، وبينما الأمر كذلك حتى انتهى نفاق المنافقين إلى الرأس، أنزل الله فيها هذه الآيات الكريمة (( إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم )) يعني: طائفة منكم، (( لا تحسبوه شرّا لكم بل هو خير لكم )) : سبحان الله! هذا الإفك والرمي بالفاحشة لا نحسبه شراً؟ نعم لا نحسبه شرّا، (( بل هو خير لكم )) : لأنه حصل به من تمحيص الذّنوب ورفعة المقامات، والدفاع عن عرض الرسول عليه الصّلاة والسلام وفراشه ما هو خير، (( لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم )) : كل واحد تكلّم في هذا الأمر له ما اكتسب من الإثم (( والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم )) : أعظمهم الذي قاد هذه الفتنة هو أعظمهم والعياذ بالله ، ثمّ ساق الله الآيات إلى قوله: (( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم )) : وكان الورع والتّقى أن لا تتكلّموا في هذا الأمر، من أين مصدره؟ مِن المنافقين الذين هم أكذب عباد الله، المنافقون أكذب الناس، ولهذا من علامات النفاق الكذب، استمعوا إلى قول الله عزّ وجلّ : (( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول الله )) شهادة مؤكّدة بإنّ واللام، قال الله عزّ وجلّ : (( والله يعلم إنّك لرسوله )) حقّ إنّك رسوله، (( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )) : شهادة بشهادة أيهما أعظم ؟ قولهم : نشهد إنك لرسول الله، أو قول الله: والله يشهد إنهم لكاذبون؟ لا شكّ قول الله، فهو يشهد عزّ وجلّ إن المنافقين لكاذبون في قولهم: نشهد إنك لرسول الله، هذا الخبر أو هذه الفاحشة التي أشيعت مصدرها من المنافقين، وعلى رأسهم عبد الله بن أُبي بن سلول، لكنّه الخبيث لا يتكلّم صراحة، يأتي للناس فيقول: ما سمعتم ما قيل في عائشة؟ قيل كذا وكذا، فيه أناس من المؤمنين تكلّموا بهذا صراحة : منهم مسطح بن أثاثة، وحسّان بن ثابت رضي الله عنه، وحمنة بنت جحش، تكلّموا، لأنهم بشر، أقسم أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينفق على مسطح بن أثاثة، مِسطح بن أثاثة ما هو؟ ابن خالته لكنّه أقسم أن لا ينفق عليه، لأنه قال في ابنته، بل قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يليق، فماذا قال الله عزّ وجلّ؟ قال: (( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسَّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله )) : لا يأتل : يعني لا يحلف، والمراد بهذا من؟ أبو بكر، (( لا يأتل أولي الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ))، من يعني بأولي القربى والمساكين والمهاجرين؟ مسطح، (( ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )) : لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر: ( بلى والله نحب أن يغفر الله لنا ) : فردّ النّفقة على مسطح، هذا الإمتثال العظيم، وإلاّ رجل يقول في ابنته ما يقول، بل في رسول الله ما يقول، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجلد مسطح وحسان وحمنة كل واحد ثمانين جلدة، حدّ القذف.