شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهذا عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ) . رواه مسلم . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله عز وجل العز إزاري والكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته ) رواه مسلم . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ) متفق عليه ... " .
وعنه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما رجل يمشي في حُلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث ساقها النووي رحمه الله في كتاب *رياض الصّالحين في: " باب: تحريم الكبر والإعجاب " : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ) : ثلاثة يعني ثلاثة أصناف، وليس المراد ثلاثة رجال، بل قد يكون ألاف من الناس، لكن المراد ثلاثة أصناف وهكذا كلّما جاءت كلمة ثلاثة أو سبعة أو ما أشبه ذلك، فالمراد أصناف، هؤلاء الثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم:
الأول: شيخ زانٍ، شيخ يعني كبير، زاني يعني أنه زنى، فهذا لا يكلّمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم، وذلك لأنّ الشّيخ إذا زنى فليس هناك شهوة تجبره على أن يفعل هذا الفعل، الشاب قد يكون عنده شهوة ويعجز أن يملك نفسه، لكن الشيخ قد بردت شهوته وزالت أو نقصت كثيرا فكيف يزني؟ هذا يدل على أنّه والعياذ بالله سيّئ للغاية، لأنه فعل الفاحشة من غير سبب قويّ يدفعه إليها، والزّنا كلّه فاحشة سواء من الشّاب أو من الشّيخ لكنّه من الشّيخ أشدّ وأعظم والعياذ بالله، إلاّ أن هذا الحديث مقيّد بما ثبت في الصّحيحين : ( أن من أتى شيئا من هذه القاذورات وأقيم عليه الحدّ في الدّنيا فإن الله تعالى لا يجمع عليه عقوبتين، بل يزول عنه ذلك ) : يكون الحدّ تطهيرا له.
الثاني: ( ملك كذّاب )، وكذّاب هذه صيغة مبالغة أي: كثير الكذب، وذلك لأنّ الملك لا يحتاج إلى أن يكذب كلمته العليا بين الناس فلا حاجة إلى أن يكذب، وإذا كذب صار يعد الناس ولكن لا يوفي، يقول : سأفعل كذا ولكن لا يفعل، سأترك كذا ولكن لا يترك، ويحدّث الناس يلعب بعقولهم يكذّب عليهم ، فهذا والعياذ بالله داخل في هذا الوعيد: ( لا يكلّمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم )، والكذب حرام من الملك وغير الملك ولكنّه من الملك أعظم وأشدّ، لأنه لا حاجة إلى أن يكذب، كلمته بين الناس هي العليا، فيجب عليه أن يكون صريحاً إذا كان يريد الشيء يقول: نعم ويفعل، وإذا كان لا يريده يقول: لا ولا يفعل، الواحد من الرّعيّة قد يحتاج إلى الكذب فيكذب، ولكنّ الملك لا يحتاج، والكذب حرام ومن صفات المنافقين والعياذ بالله، فإن المنافق : ( إذا حدّث كذب ) ولا يجوز لأحد أن يكذب مطلقا، وقول بعض العامّة : أن الكذب إذا كان لا يقطع حلاّ من حلاله فلا بأس به هذه قاعدة شيطانية ليس لها أساس من الصّحّة ولا من الدّين، الكذب حرام في كلّ حال.
الثالث: ( عائل مستكبر ) : وهذا هو الشّاهد من الحديث، عائل يعني فقيرا مستكبر يعني يتكبّر على الناس والعياذ بالله، فإن هذا العائل الفقير ليس عنده ما يوجب الكبر، الغنيّ ربما يكون غنيّا ويخدعه غناه ويغرّه غناه ويتكبّر على عباد الله، أو يتكبّر عن الحقّ، لكن الفقير : " حَشَف وسوء كِيلة "، ما دام أنك فقير كيف تستكبر ؟! ( فالعائل المسكتبر هذا لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم )، والكبر حرام من الغني ومن الفقير ولكنّه من الفقير أشد، ولهذا تجد الناس إذا رأوا غنيّا متواضعًا استغربوا ذلك منه ، واستعظموا ذلك منه ، ورأوا أن هذا الغني في غاية ما يكون من الخلق النّبيل، لكن لو يجدون فقيرا متواضعا لكان من سائر الناس، لأن الفقر يوجب على الإنسان أن يتواضع، لأيّ شيء يستكبر، فإذا جاء إنسان والعياذ بالله عائل فقير يستكبر على الخلق، أو يستكبر عن الحقّ، فليس هناك ما يوجب الكبرياءَ في حقّه، فيكون والعياذ بالله داخلا في هذا الحديث.
ثمّ ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة الآخر : بينما رجل يختال في مشيته، معجب بنفسه، مرجّل رأسه عنده من الخيلاء والكبرياء والغطرسة ما عنده : ( إذ خسف الله به الأرض، خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ) : يعني انهارت به الأرض وانغمس فيها، اندفن فيها فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، لأنه والعياذ بالله صار عنده هذا الكبرياء وهذا التيه وهذا الإعجاب فخسف به، وهذا نظير قارون الذي ذكره المؤلف رحمه الله في صدر الباب، فإنّ قارون خرج على قومه في زينته : (( قال الذين يريدون الحياة الدّنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظّ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لكم إن كنتم مؤمنين * فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ))، وقوله : ( يتجلجل فيها ) : يحتمل أنه يتجلجل وهو حيّ حياة دنيويّة ، فيبقى هكذا معذّبًا إلى يوم القيامة ، معذّب وهو في جوف الأرض وهو حيّ فيتعذّب كما يتعذّب الأحياء ، ويحتمل أنه لما اندفن مات كما هي سنّة الله عزّ وجلّ، مات ولكن مع ذلك يتجلجل في الأرض وهو ميّت، يكون تجلجله هذا تجلجلا برزخيّاً لا تعلم كيفيّته ، والله أعلم ، المهمّ أن هذا جزاؤه والعياذ بالله، وفي هذا وما قبله وما يأتي بعده ، دليل على تحريم الكِبر وتحريم الإعجاب وأن الإنسان يجب عليه أن يعرف قدر نفسه وينزّلها منزلتها، والله الموفّق.
1 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهذا عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ) . رواه مسلم . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله عز وجل العز إزاري والكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته ) رواه مسلم . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله عز وجل العز إزاري والكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته ) رواه مسلم . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ) متفق عليه ... " . وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم ) . رواه الترمذي وقال: حديث حسن .
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يُكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتابه *رياض الصّالحين في باب تحريم الكبر والإعجاب في ما ساقه من الأدلّة على تحريم ذلك وأنه من كبائر الذّنوب : عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( قال الله عز وجل: العزّ إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحد منهما فقد عذّبته ) : هذا من الأحاديث القدسيّة التي يرويها النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عن الله، وليست هي في مرتبة القرآن، القرآن له أحكام تخصّه:
منها: أنه معجز للبشر على أن يأتوا بمثله ، أو بعشر سور منه ، أو بسورة أو بحديث من مثله .
وأنه لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن .
وأن الصّلاة تصحّ إذا قرأ من القرآن بل تجب القراءة بالفاتحة .
أما الأحاديث القدسية فليست كذلك.
ثم القرآن محفوظ لا يزاد فيه ولا ينقص، ولا ينقل بالمعنى، وليس فيه شيء ضعيف، أما الأحاديث القدسيّة فإنها تروى بالمعنى وفيها أحاديث ضعيفة، وفيها أحاديث مكذوبة على الرسول عليه الصلاة والسلام ليست بصحيحة وهو كثير.
فالمهم أنه ليس في منزلة القرآن إلاّ أنه يقال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرويه عن ربّه، فالله تعالى يقول: ( العزّة إزاري والكبرياء ردائي ) : وهذا من الأحاديث التي تمرّ كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يتعرّض لمعناها بتحريف أو تكييف وإنما يقال: هكذا قال الله تعالى فيما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فمن نازع الله في عزّته وأراد أن يتّخذ سلطانا كسلطان الله، أو نازع الله في كبريائه وتكبّر على عباد الله ، فإن الله يعذّبه، يعذّبه على ما صنع ونازع الله تعالى فيما يختصّ به.
وأما الحديث الأخير في هذا الباب وهو : أن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر، حذّر الإنسان من أن يعجب بنفسه ، فلا يزال بنفسه يترقّى ويتعاظم حتى يكتب من الجبّارين، فيصيبه ما أصابهم، والجبّارون والعياذ بالله لو لم يكن من عقوبتهم إلاّ قول الله تبارك وتعالى: (( كذلك يطبع الله على قلب كل متكبّر جبّار )) والعياذ بالله، أن الجبّار يُطبع على قلبه حتى لا يصل إليه الخير ولا ينتهي عن الشّرّ.
وخلاصة هذا الباب أنه يدور على شيئين:
الأول: تحريم الكبر وأنه من كبائر الذّنوب.
والثاني: تحريم الإعجاب إعجاب الإنسان بنفسه فإنه أيضا من المحرّمات، وربّما يكون سببا لحبوط العمل إذا أعجب الإنسان بعبادته، أو قراءته للقرآن، أو غير ذلك، ربما يحبط أجره وهو لا يعلم، والله الموفّق.
2 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله عز وجل العز إزاري والكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته ) رواه مسلم . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ) متفق عليه ... " . وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم ) . رواه الترمذي وقال: حديث حسن . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب حسن الخلق . قال الله تعالى: (( وإنك لعلى خلق عظيم )) وقال تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) . وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن الناس خلقا ) . متفق عليه . وعنه رضي الله عنه قال: ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا ؟ متفق عليه .
قال الله تعالى: (( وإنك لعلى خلق عظيم )).
وقال تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )).
وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن الناس خلقا ) متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه قال: ( ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألينَ من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيبَ من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال الحافظ النّووي رحمه الله في كتابه *رياض الصالحين : " باب: حسن الخلق " : يعني باب الحثّ عليه وفضيلته وبيان من اتّصف به من عباد الله.
وحسن الخلق يكون مع الله ويكون مع عباد الله:
أما حسن الخلق مع الله : فهو الرّضا بحكمه شرعا وقدرا ، وتلقّي ذلك بالإنشراح وعدم التّضجّر، وعدم الأسى والحزن، فإذا قدّر الله عليه شيئاً يكرهه رضي بذلك ، واستسلم وصبر ، وقال بلسانه وقلبه : رضيت بالله ربّا، وإذا حكم الله عليه بحكم شرعيّ رضي واستسلم وانقاد لشريعة الله عزّ وجلّ بصدر منشرح ونفس مطمئنّة، هذا حسن الخلق مع الله عزّ وجلّ .
أما مع الخلق : فيحسن الخلق معهم بما قاله بعض العلماء : " كفّ الأذى، وبذل النّدى، وطلاقة الوجه " ، هذا حسن الخلق، كفّ الأذى : بأن لا يؤذي الناس لا بلسانه ولا بجوارحه.
وبذل النّدى : يعني العطاء، يبذل العطاء من مال وعلم وجاه وغير ذلك. وطلاقة الوجه : بأن يلاقي الناس بوجه منطلق ليس بعبوس ولا مصعّر خدّه، يلقاهم بوجه منطلق، هذا هو حسن الخلق، ولا شكّ أن الذي يفعل هذا يكفّ الأذى ويبذل النّدى ويجعل وجهه منطلقا ، لا شكّ أنه سيصبر على أذى الناس أيضًا، فإن الصّبر على أذى الناس لا شكّ أنه من حسن الخلق، فإن من الناس من يؤذي أخاه، وربّما يعتدي عليه بما يضرّه من أكل ماله أو جحد حقّ له أو ما أشبه ذلك فيصبر ويحتسب الأجر من الله سبحانه وتعالى والعاقبة للمتّقين، هذا هو حسن الخلق مع الناس.
ثمّ صدّر المؤلّف -رحمه الله- هذا الباب بقوله تعالى مخاطبا نبيّه صلى الله عليه وآله وسلّم : (( وإنّك لعلى خلق عظيم )) : وهذا معطوف على جواب القسم (( ن * والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربّك بمجنون * وإن لك لأجرًا غير ممنون * وإنّك لعلى خلق عظيم )) : إنّك يعني يا محمّد، لعلى خلق عظيم لم يتخلّق أحد بمثله في كلّ شيء، خلقه مع الله، خلقه مع عباد الله، في الشّجاعة والكرم، وحسن المعاملة وفي كلّ شيء، وكان عليه الصّلاة والسّلام خلقه القرآن يتأدّب بآدابه، يمتثل أوامره، يجتنب نواهيه.
ثمّ ساق المؤلّف جزءاً من آية آل عمران في قوله : (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) : وهذه من صفات المتّقين الذين أعدّ الله لهم الجنّة كما قال تعالى : (( وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتّقين * الذين ينفقون في السّرّاء والضّرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين )) : الكاظمين الغيظ : يعني الذين يكظمون غضبهم، إذا غضب ملك نفسه ، وكظم غيظه ، ولم يتعدّ على أحد بموجب هذا الغضب ، والعافين عن الناس إذا أساؤوا إليهم، (( والله يحب المحسنين )) : فإنّ هذا من الإحسان أن تعفوَ عمّن ظلمك، ولكن العفو له محلّ : إن كان المعتدي أهلا للعفو فالعفو محمود، وإن لم يكن أهلا للعفو فإن العفو ليس بمحمود ، لأن الله تعالى قال في كتابه: (( فمن عفى وأصلح فأجره على الله )) : فلو أنّ رجلاً اعتدى عليك بضربك أو أخذ مالك أو إهانتك أو ما أشبه ذلك فهل الأفضل أن تعفو عنه أو لا ؟ نقول في هذا تفصيل : إن كان الرجل شريرًا سيّئا إذا عفوتَ عنه ازداد في الإعتداء عليك وعلى غيرك، فلا تعفو عنه، خذ حقّك منه بيدك، إلاّ أن تكون تحت ولاية شرعيّة فترفع الأمر إلى من له الولاية الشّرعية، وإلاّ فتأخذه بيدك ما لم يترتب على ذلك ضرر أكبر، المهم إذا كان الرجل المعتدي سيّئا شريرا فهذا ليس أهلا للعفو فلا يعفى عنه ، الأفضل أن تأخذ بحقّك لأن الله يقول : (( فمن عفى وأصلح )) والعفو في مثل هذه الحال ليس بإصلاح .
أما إذا كان الرّجل حسن الخلق لكن بدرت منه هذه الإساءة فالأفضل العفو عنه : (( فمن عفى وأصلح فأجره على الله )) ، والنّفس ربما تأمرك لتأخذ بحقّك ، ولكن كما قلت : إذا كان الإنسان أهلًا للعفو فالأفضل أن تعفو عنه وإلاّ فلا، وسيأتي إن شاء الله بقيّة الكلام على هذا الباب.
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب حسن الخلق . قال الله تعالى: (( وإنك لعلى خلق عظيم )) وقال تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) . وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن الناس خلقا ) . متفق عليه . وعنه رضي الله عنه قال: ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا ؟ متفق عليه . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا ؟ متفق عليه . وعن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال أهديت رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده علي فلما رأى ما في وجهي قال: ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) متفق عليه ... " .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب حسن الخلق : " وعن أنس رضي الله عنه قال: ( ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألينَ من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ رائحة قط أطيبَ من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا ؟ ) متفق عليه.
وعن الصعب بن جثَّامة رضي الله عنه قال : ( أَهديتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً فرده عليَّ فلما رأى ما في وجهي قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) متفق عليه.
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) رواه مسلم " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف الحافظ النّووي -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين في : " باب حسن الخلق "، ما نقله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) : وكان قد خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، جاءت به أمّه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فقالت يا رسول الله هذا أنس بن مالك يخدمك، فقبل عليه الصّلاة والسّلام أن يخدمه، ودعا له أن يبارك الله له في ماله وولده، فبارك الله له في ماله وولده، حتى قيل: إنه كان له بستان يثمر في السّنة مرّتين من بركة المال الذي دعى له رسول صلى الله عليه وسلم به، أما أولاده فبلغوا مائة وعشرين ولدًا، أولاده مِن صلبه، كلّ هذا ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( إنه ما مسّ ديباجا ولا حريرا ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ) : فكانت يده صلى الله عليه وسلم ليّنة إذا مسّها الإنسان فإذا هي ليّنة ، وكما ألان الله يده ، فقد ألان الله سبحانه وتعالى قلبه ، قال الله تعالى : (( فبما رحمة من الله لنت لهم )) : يعني صرت ليّنا لهم ، (( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضّوا من حولك * فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله )) .
يقول : خدم النبي صلى الله عليه وسلم، نعم كذلك أيضا رائحته : ما شمّ طيبا قطّ أحسن من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان عليه الصّلاة والسّلام طيّب الرّيح كثير استعمال الطيب قال : ( حبّب إليّ من دنياكم النّساء والطيب ، وجُعلت قرة عيني في الصلاة ) وهو نفسه طيب عليه الصّلاة والسّلام حتى كان الناس يتبادرون إلى أخذ عرقه عليه الصّلاة والسّلام من حسنه وطيبه ، ويتبرّكون بعرقه ، لأنّ من خصائص الرسول عليه الصّلاة والسّلام أننا نتبرّك بعرقه وبريقه وبثيابه ، أما غير الرسول فلا، غير الرّسول ما تتبرّك لا بعرقه، ولا بثيابه، ولا بريقه، يقول: ( ولقد خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فما قال لي أفّ قطّ ) : يعني ما تضجّر منه أبدا عشر سنوات يخدمه ما تضجّر منه ، الواحد منا إذا خدمه أحد أو صاحبه أحد لمدّة أسبوع أو نحوها لابدّ أن يجد منه تضجّرا ، لكن الرسول عليه الصّلاة والسّلام عشر سنوات وهذا الرجل يخدمه ومع ذلك ما قال له أفّ قطّ ، ( ولا قال لشيء فعلته لم فعلت كذا؟ ) : حتى الأشياء التي يفعلها أنس اجتهادا منه ما كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يؤنّبه أو يوبّخه أو يقول : لم فعلت كذا مع أنه خادم ، وكذلك: ( ما قال لشيء لم أفعله، لم لم تفعل كذا وكذا؟ ) : فكان عليه الصّلاة والسّلام يعامله بما أرشده الله سبحانه وتعالى إليه في قوله : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) أتدرون ما العفو؟ العفو ما عفا من أخلاق الناس ، وما تيسّر ، يعني خذ من الناس ما تيسّر لا تريد أن يكون الناس لك على ما تريد في كلّ شيء، من أراد أن يكون الناس له على ما يريد في كلّ شيء فاته كلّ شيء، ولكن خذ ما تيسّر، عامل الناس بما إن جاءك قبلت وإن فاتك لم تغضب، ولهذا قال : ( ما قال لي لشيء لم أفعله لِمَ لم تفعل كذا وكذا ) : وهذا من حسن خلقه عليه الصّلاة والسّلام، ومن حسن خلقه صلى الله عليه وسلم : أنه كان لا يداهن الناس في دين الله ولا يفوته أن يطيّب قلوبهم ، فالصّعب بن جثامة رضي الله عنه : مرّ به النّبيّ صلى الله عليه وسلم، والنّبي صلى الله عليه وسلّم محرم ، وكان الصّعب بن جثامة عدّاءً راميا، عدّاء يعني سبوقا، راميا يعني يجيد الرّمي، فلما نزل به النّبي صلى الله عليه وسلم ضيفًا ، رأى أنه لا أحد أكرم ضيفاً منه فذهب يصيد للرسول عليه الصّلاة والسّلام صيداً، فصاد له حمار وحشي، وكانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت فيها كثير من الصّيد لكنّها قلّت، صاد له حمار وحش وجاء به إليه، فردّه النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فصَعُب ذلك على الصّعب، كيف يردّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم هديّته ؟ فتغيّر وجهه فلما رأى ما في وجهه طيّب قلبه وقال: ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم ) : يعني محرمون، والمحرم لا يأكل من الصّيد الذي صيد من أجله ، يعني لو أنّ محرما مرّ بك وأنت في بلدك وهو محرم وصدّت له صيدًا أو ذبحت له صيدًا عندك فإنه لا يحلّ له أن يأكل منه ، وذلك لأنه ممنوع من أكل ما صيد من أجله ، أما إذا لم تصده من أجله ، فالصّحيح أنه حلال له إذا لم تصده لأجله ، ولهذا أكل النّبيّ صلى الله عليه وسلّم من الصّيد الذي صاده أبو قتادة رضي الله عنه لأنه أي : أبا قتادة لم يصده مِن أجل الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهذا أحسن ما قيل في هذه المسألة : " أنه إذا صيد الصّيد من أجل المحرم كان حراما عليه ، وإن صاده الإنسان لنفسه وأطعم منه المحرم فلا بأس "، وقال بعض العلماء : إن المحرم لا يأكل من الصّيد مطلقا صيد من أجله أم لم يُصَد، قالوا : لأنّ حديث الصّعب بن جثامة متأخّر عن حديث أبي قتادة، فإن حديث أبي قتادة كان في غزوة الحديبية كان في السّنة السّادسة، وحديث الصّعب بن جثّامة في حجّة الوداع في السّنة العاشرة، ويؤخذ بالآخر في الآخر ولكنّ القاعدة الأصوليّة الحديثيّة تأبى هذا القول ، " لأنه لا يصار إلى النّسخ إلاّ إذا تعذّر الجمع ، فإذا أمكن الجمع فلا نسخ " ، والجمع هنا ممكن وهو أن يقال : " إن صيد لأجل المحرم فحرام، وإن صاده الإنسان لنفسه وأطعم منه المحرم فلا بأس "، ويؤيّد هذا حديث جابر رضي الله عنه، جابر بن عبد الله أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ( صيد البرّ حلالٌ لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) وهذا تفصيل واضح: ما لم تصيدوه أو يصد لكم، الحاصل أن هذا الحديث حديث الصّعب بن جثّامة رضي الله عنه فيه فائدتان عظيمتان:
الأولى : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يداهن أحدا في دين الله ، وإلاّ لكان قبل الهديّة من الصّعب وسكت إرضاء له ومداهنة له ، لكنه عليه الصّلاة والسّلام لا يمكن أن يفعل هذا.
الثاني أنه ينبغي للإنسان أن يجبر خاطر أخيه إذا فعل معه ما لا يحبّ ، ويبيّن له السّبب لأجل أن تطيب نفسه ويطمئن قلبه ، فإن هذا من هدي نبيّك صلى الله عليه وسلم والله الموفّق.
4 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا ؟ متفق عليه . وعن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال أهديت رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده علي فلما رأى ما في وجهي قال: ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: ( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) رواه مسلم . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا وكان يقول: ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) متفق عليه . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذي ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ... " .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب حسن الخلق : " عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا مُتفحشاً وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) متفق عليه.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذي ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم والفرج ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث ساقها النووي -رحمه الله- في باب حسن الخلق من كتاب *رياض الصّالحين، وقد سبق شيء من هذا.
أما أحاديث هذا اليوم فهو عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( البرّ حسن الخلق ) وقد تقدّم شرح هذه الجملة ، وبيّنا أنّ حسن الخلق يحصل فيه الخير الكثير، لأن البرّ هو الخير الكثير، وأمّا الإثم فقال: ( ما حاك في نفسك ، وكرهت أن يطّلع عليه الناس ) : حاك في النّفس يعني لم تطمأن إليه النّفس بل تردّدت فيه ، وكرهت أن يطّلع عليه النّاس، ولكنّ هذا خطاب للمؤمن ، أما الفاسق فإن الإثم لا يحيك في صدره ، ولا يهمّه أن يطّلع عليه الناس ، بل يُجاهر به ولا يبالي ، لكن المؤمن لكون الله سبحانه وتعالى قد أعطاه نورا في قلبه : إذا همّ بالإثم حاك في صدره وتردّد فيه وكره أن يطّلع عليه الناس ، فهذا الميزان إنما هو في حقّ المؤمنين ، أما الفاسقون فإنّهم لا يهمّهم أن يطّلع الناس على آثامهم ، ولا تحيك الآثام في صدورهم ، بل يفعلونها والعياذ بالله بانطلاق وانشراح ، لأن الله تعالى يقول : (( أفن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء )) : قد يزيّن للإنسان سوء العمل فينشرح له صدره ، مثل ما نرى أهل الفسق الذين يشربون الخمر وتنشرح صدورهم له، والذين بتعاملون بالربا وتنشرح صدورهم لذلك، والذين يتعودون العهر والزّنا وتنشرح صدورهم لذلك ولا يبالون بهذا، بل ربما إذا فعلوا ذلك سرّا ذهبوا يشيعونه ويعلنونه ، مثل ما يوجد من بعض الفسّاق إذا ذهبوا إلى البلاد الخارجية الماجنة الفاجرة ورجعوا قاموا يتحدّثون : فعلت كذا وفعلت كذا يعني إنهم زنوا بكذا وزنوا بكذا والعياذ بالله وشربموا الخمر وما أشبه ذلك .
وفي هذه الأحاديث بيان صفة الرسول عليه الصّلاة والسّلام إنه لم يكن فاحشا ولا متفحّشا، يعني أنه عليه الصّلاة والسلام بعيد عن الفحش لا طبعا ولا كسبا، فلم يكن فاحشا في نفسه وفي غريزته، بل هو ليّن وسهل، ولم يكن متفحّشا أي : متطبّعا بالفحشاء ، بل كان عليه الصّلاة والسّلام أبعد الناس عن الفحش في مقاله وفي فعاله صلوات الله وسلامه عليه ، وفيه أيضا الحثّ على حسن الخلق ، وأنه من أثقل ما يكون في الميزان يوم القيامة ، وهذا من باب الترغيب فيه ، فعليك يا أخي المسلم أن تُحسن خلقك مع الله عزّ وجلّ في تلقّي أحكامه الكونية والشّرعية بصدر منشرح منقاد راضٍ مستسلم ، وكذلك مع عباد الله فإن الله تعالى يجبّ المحسنين، والله الموفق.
5 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: ( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) رواه مسلم . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا وكان يقول: ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) متفق عليه . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذي ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال: ( تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ..." .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب حسن الخلق : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال: تقوى الله وحسن الخلق، وسُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم والفرج ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) رواه أبو داود.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث في بيان فضل حسن الخلق ذكرها النّووي -رحمه الله- في *رياض الصالحين في باب حسن الخلق ، منها : عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما أكثر ما يدخل الجنّة؟ ) : يعني ما هو الشيء الذي يكون سببا لدخول الجنّة كثيرا ، ( فقال: تقوى الله وحسن الخلق ) : تقوى الله تعالى كلمة جامعة لفعل ما أمرَ به وترك ما نهى عنه هذه هي التقوى ، أن تفعل ما أمرك الله به وأن تدع ما نهاك عنه ، لأن التّقوى مأخوذة من الوقاية وهي : أن يتّخذ الإنسان ما يقيه من عذاب الله، ولا شيء يقي من عذاب الله إلاّ فعل الأوامر واجتناب النواهي، وأكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج، الفم : يعني بذلك قول اللسان ، فإن الإنسان قد يقول كلمة لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً والعياذ بالله سبعين سنة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: ( أفلا أخبرك بملاك ذلك كلّه ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسان نفسه وقال: كفّ عليك هذا، فقلت: يا رسول الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ ) يعني هل نؤاخذ بالكلام؟ قال: ( ثكلتك أمّك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوهمم -أو قال- على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم، ولما كان عمل اللسان سهلا صار إطلاقه سهلا، لأن الكلام لا يتعب به الإنسان، ليس كعمل اليد وعمل الرّجل وعمل العين يتعب منه الإنسان ، لا ، ولا يتعب اللسان ، فتجد الإنسان يتكلّم كثيرًا بأشياء تضرّه كالغيبة والنّميمة واللعن والسّب والشّتم وهو لا يشعر بذلك ، فيكتسب بهذا آثامًا كثيرة ، أما الفرج فالمراد به الزّنا ، وأخبث منه اللواط ، فإن ذلك أيضا تدعو النفس إليه كثيرا ولا سيما من الشّباب ، فيهوي الإنسان في الشّيء وتدرّجه نفسه حتى يقع في الفاحشة وهو لا يعلم، ولهذا سدّ النبي صلى الله عليه وسلّم كل باب يكون سببا لهذه الفاحشة ، فمنع من خلو الرّجل بالمرأة ، ومنع المرأة من كشف وجهها أمام الرجال الأجانب ، ونهى المرأة أن تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، إلى غير ذلك من السّياج المنيع الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلّم حائلا دون فعل هذه الفاحشة، لأن هذه الفاحشة تدعو إليها النّفس، فهذا أكثر ما يدخل الناس النار، أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال الفرج نسأل الله الحماية .
ثمّ ذكر أيضا من فضائل خسن الخلق: أن أحسن الناس أخلاقا هم أكمل الناس إيمانا، قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( أكمل الناس إيمانا أحسنهم خلقا ) : وفي هذا دليل على أنّ الإيمان يتفاضل، وأن الناس يختلفون فيه : فبعضهم في الإيمان أكمل من بعض بناء على الأعمال، وكلّما كان الإنسان أحسن خلقا كان أكمل إيمانًا، هذا حثّ واضح على أن الإنسان ينبغي له أن يكون حسن الخلق بقدر ما يستطيع، والله الموفّق.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين:
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب حسن الخلق : " عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح " .
6 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال: ( تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ..." . أستمع حفظ