شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) رواه أبو داود . وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح . عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ) قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال ( المتكبرون ) رواه الترمذي وقال حديث حسن الثرثار هو كثير الكلام تكلفا والمتشدق المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحا وتعظيما لكلامه والمتفيهق، وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبرا وارتفاعا وإظهار للفضيلة على غيره . ... " .
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ( إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم منّي مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال: المتكبرون ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
قوله: الثرثارون: هو كثير الكلام تكلفاً.
والمتشدق: هو المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحًا وتعظيمًا لكلامه.
والمتفيهق: هو الذي يملأ فيه بالكلام، ويتوسع فيه ويغرب به تكبرًا وارتفاعًا وإظهار للفضيلة على غيره " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث جمعها المؤلف النووي -رحمه الله- في باب: حسن الخلق من كتاب رياض الصّالحين، وسبق الكلام على أكثرها ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخيركم خيركم لنسائه ) : المراد خيركم خيركم لأهله كما جاء ذلك في الصّحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) : فينبغي للإنسان أن يكون مع أهله خيرَ صاحب وخير محبّ وخير مربّي، لأن الأهل أحق بحسن خلقك من غيرك، ابدأ بالأقرب فالأقرب، على العكس من حال بعض الناس اليوم وقبل اليوم : تجده مع الناس حسن الخلق لكن مع أهله سيّئ الخلق والعياذ بالله، وهذا خلاف هدي النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم، كن مع أهلك حَسَن الخلق ومع غيرهم أيضًا، لكن هم أولى بحسن الخلق من غيرهم، ولهذا لما سئلت عائشة : ( ماذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت : كان في مهنة أهله ) : يساعدهم على مهمّات البيت، حتى أنه كان يحلب الشّاة عليه الصّلاة والسّلام لأهله، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه، وهكذا ينبغي للإنسان مع أهله أن يكون من خير الأصحاب.
ثم ذكر أحاديث متعدّدة في بيان حُسن الخلق، وأن من أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاسنهم أخلاقاً ، فكلّما كنت أحسن خلقا كنت أقرب إلى الله من غيرك.
وأبعد النّاس منزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الثرثارون والمتشدّقون والمتفيقهون.
الثرثارون: الذين يكثرون الكلام، ويأخذون المجالس عن الناس، فإذا جلس في المجلس أخذ الكلام عن غيره، وصار كأن لم يكن في المجلس إلاّ هو يتكلم ولا يدع غيره يتكلّم، وهذا لا شكّ أنه نوع من الكبرياء، لكن لو فرضنا أن أهل المجلس فوّضوك وقالوا: أعطنا نصيحة أعطنا موعظة فتكلّمت فلا حرج، إنما الكلام العادي كونك تملك المجلس ولا تدع أحدًا يتكلّم، حتى أن بعض الناس يحب أن يتكلّم لكن لا يستطيع أن يتكلّم، يخشى من مقاطعة هذا الرجل الذي ملك المجلس بكلامه.
كذلك أيضا المتشدّقون: الذي يتكلّم بملأ شدقيه، تجده يتكلّم وكأنه أفصح العرب تكبّرا وتبخترا، ومن ذلك من يتكلّم باللغة العربيّة أمام العامّة، فإن العامّة لا يعرفون اللغة العربيّة، لو تكلّمت بينهم باللغة العربيّة لعدّوا ذلك من باب التشدّق في الكلام والتّنطّع، أما نعم إذا كنت تدرّس الطّلبة فينبغي أن تتكلّم باللغ العربية لأجل أن تمرّنهم على اللغة العربيّة وعلى النّطق بها، أما العامّة الذين لا يعرفون فلا ينبغي أن تتكلم بينهم باللغة العربية، تكلم معهم بلغتهم التي يعرفون، ولا تُغرب في الكلمات: يعني لا تأتي بكلمات غريبة تشكل عليهم فإن ذلك من التشدّق في الكلام.
أما المتفيهقون: فوصفهم النبي عليه الصّلاة والسلام بالمتكبّرين، المتكبّر الذي يتكبّر على الناس، ويتفيهق، وإذا قام يمشي كأنه يمشي على ورق من تكبّره وغطرسته، فإن هذا لا شكّ خلق ذميم، ويجب على الإنسان أن يحذر منه، لأن الإنسان بشر فينبغي أن يعرف قدر نفسه، حتى لو أنعم الله عليه بمال أو أنعم الله عليه بعلم، أو أنعم الله عليه بجاه، ينبغي أن يتواضع وتواضع هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالمال والعلم والجاه أفضل من تواضع غيرهم ممّن لم يكونوا كذلك، ولهذا جاء في الحديث: ( من الذين لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم عائل مستكبر )، لأن العائل لا داعي لاستكباره، العائل الفقير، هؤلاء الذين منّ الله عليهم بالعلم والمال والجاه كلّما تواضعوا صاروا أفضل من تواضع غيرهم من الذين لم يمنّ الله عليهم بذلك، فينبغي لكل من أعطاه الله نعمة أن يزداد شكرا لله وتواضعا للحقّ وتواضعا للخلق، وفّقني الله وإياكم لمحاسن الأخلاق والأعمال، وجنّبني وإيّاكم سيّئات الأخلاق والأعمال إنه جواد كريم.
1 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) رواه أبو داود . وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح . عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ) قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال ( المتكبرون ) رواه الترمذي وقال حديث حسن الثرثار هو كثير الكلام تكلفا والمتشدق المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحا وتعظيما لكلامه والمتفيهق، وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبرا وارتفاعا وإظهار للفضيلة على غيره . ... " . أستمع حفظ
ما حكم من يقول لأهله أنتم يهود وأو نصارى ؟
الشيخ : نعم.
السائل : بالنسبة للذي يطلق اللعنة على أهله وأولاده وأنتم يهود ونصارى ونحو ذلك، ما حكمه ؟
الشيخ : هذا الذي يتكلّم على أهله بهذا الكلام يقول: أنتم يهود أو نصارى والعياذ بالله، يُخشى عليه أن يكون هو اليهودي أو النّصراني، لأن كلّ من دعا أخاه بذنب وهو لم يفعله فإنه يعود عليه، يعني من قال لشخص: يا كافر وهو ليس بكافر صار هو الكافر، إذا قال لشخص: يا يهودي وهو مسلم صار القائل هو اليهودي والنّصراني، ولا شكّ أن هذا أحمق، أحمق سفيه في عقله ضال في دينه، فالأهل ينبغي أن يكونوا هم أحقّ الناس بتربيتهم ورعايتهم لو عوّدتهم على هذا الفعل وعلى هذا الخلق الذّميم صاروا على ما كنت عليه، ويبوء بإثمهم حيّا وميّتا والعياذ بالله.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الحلم والأناة والرفق . قال الله تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) وقال تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) وقال تعالى: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )) وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) ... " .
قال الله تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )).
وقال تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )).
وقال تعالى: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يُلقَّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الحلم والأناة والرّفق " : هذه ثلاثة أمور متقاربة: الحلم والأناة والرّفق :
أما الحِلم: فهو أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، إذا حصل غضب وهو قادر فإنه يحلم ولا يعاقب، ولا يعاجل بالعقوبة.
وأما الأناة: فهو التأني في الأمور وعدم العجلة وأن لا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجّل ويحكم على الشّيء قبل أن يتأنّى فيه وينظر.
وأما الرّفق: فهو معاملة النّاس بالرفق والهون، حتى وإن استحقوا ما يستحقّون من العقوبة والنّكال فإنه يرفق بهم، ولكن هذا فيما إذا كان الإنسان الذي يُرفق به محلاّ للرفق، أما إذا لم يكن محلاّ للرّفق فإن الله سبحانه وتعالى قال: (( الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )).
ثمّ ساق المؤلف آيات قال في الآية الأولى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين )) : هذه من جملة الأوصاف التي يتصف بها المتّقون الذين أعدّت لهم الجنّة: أنه يكظمون الغيظ، إذا غضبوا كظموا الغيظ، وفي قوله: (( الكاظمين الغيظ )) : دليل على أنهم يشقّ عليهم ذلك لكنّهم يغلبون أنفسهم فيكظمون غيظهم، ولهذا قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( ليس الشّديد بالصُّرَعة ) الصُرَعة: يعني الذي يصرع الناس إذا صارعوه ( وإنما الشّديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).
وأما قوله تعالى: (( والعافين عن الناس )) فقد سبق الكلام عليه وبيان التفصيل فيمن يستحقّ العفو ومن لا يستحقّ، فالإنسان الشّرّير الذي لا يزداد بالعفو عنه إلاّ سوءً وشراسة ومعاندة هذا لا يُعفى عنه، والإنسان الذي هو أهل للعفو ينبغي للإنسان أن يعفو عنه لأن الله يقول: (( فمن عفى وأصلح فأجره على الله )).
وأما الآية الثانية فهي قوله تعالى: (( خُذِ العفو وأمُرْ بالعُرف وأعرض عن الجاهلين )) قال: (( خذ العفو )) ولم يقل: اعف، ولا افعل العفو، قال: (( خذ العفو ))، والمراد بالعفو هنا: ما عفا وسهل من الناس، فمن أراد من الناس أن يعاملوه على الوجه الذي يحبّ، على الوجه الأكمل فهذا شيء يصعب عليه ويشقّ عليه ويتعب وراء الناس، وأما من استرشد بهذه الآية، وأخذ ما عفا من الناس وما سهل، فما جاءه منهم قبله، وما أضاعوه من حقّه تركه، إلاّ إذا انتهكت محارم الله فإن هذا هو الذي أرشد الله إليه، نأخذ العفو، خذ ما تيسّر من أخلاق الناس ومن معاملتهم لك والباقي أنت صاحب الفضل فيه إذا تركته.
(( وأمر بالعرف )): يعني اؤمر بما يتعارفه الناس ويعرفه الشّرع من أمور الخير، ولا تسكت عن الأمر بالخير إذا كان الناس أخلّوا به، فيما بنك وبينهم حقّك افعل ما تشاء، لكن الشيء المعروف ينبغي أن تأمر به.
(( وأعرض عن الجاهلين )): المراد بالجاهل هنا ليس الذي لا يعلم الحكم، بل الجاهل: السّفيه في التّصرّف كما قال الله تعالى: (( إنما التّوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة )) أي: بسفاهة ، (( ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم )) فالجاهلون هنا: هم السّفهاء الذين يجهلون حقوق الغير ويفرّطون فيها أعرض عنهم ولا تبال بهم، وأنت إذا أعرضت عنهم ولم تبال بهم فإنهم سوف يملّون ويتعبون ثمّ بعد ذلك يرجعون إلى صوابهم، لكن إذا عاندتهم أو خاصمتهم أو أردت منهم أن يعطوك حقّك كاملا، فإنهم ربّما لسفههم يعاندون، ولا يأتون بالذي تريد، فهذه ثلاثة أوامر من الله عزّ وجلّ فيها الخير لو أننا سرنا عليها، (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ويأتي إن شاء الله بقيّة الكلام عن الآيات.
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الحلم والأناة والرفق . قال الله تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) وقال تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) وقال تعالى: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )) وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس ( إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة ) رواه مسلم . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) متفق عليه . وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم . وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم ... " .
قال -رحمه الله تعالى- في سياق الآيات في باب الحلم والأناة والرفق : " قال الله تعالى: (( ولَمَن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )).
وأما الأحاديث : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: ( إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحِلم والأناة ) رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) متفق عليه.
وعنها رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم.
وعنها رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
ذكر النووي الحافظ -رحمه الله- في سياق الآيات في باب الرّفق والحلم والأناة، قوله تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) : صبر : يعني عن الأذى، وغفر : يعني تجاوز عنه إذا وقع به ، (( إن ذلك لمن عزم الأمور )) أي لمن معزومات الأمور، أي : من الأمور التي تدلّ على عزم الرّجل وعلى حزمه، وعلى أنه قادر على نفسه مسيطر عليها، وذلك لأن الناس ينقسمون إلى أقسام بالنّسبة لسيطرتهم على أنفسهم:
فمن الناس من لا يستطيع أن يسيطر على نفسه أبدًا.
ومن الناس من يستطيع لكن بمشقّة شديدة.
ومن الناس من يستطيع لكن بسهولة، يكون قد جبله الله عزّ وجلّ على مكارم الأخلاق، فيسهل عليه الصّبر والغفران.
فالذي يصبر على أذى النّاس ويتحمّل ويحتسب الأجر من الله ويغفر لهم هذا هو الذي صنع هذه المعزومة من الأمور أي: من الشؤون، وهذا حثّ واضح على أنه ينبغي للإنسان أن يصبر ويغفر، وقد سبق لنا التّفصيل في مسألة العفو عن الجناة والمعتدين وأنه لا يمدح مُطلقا ولا يذمّ مطلقا بل ينظر إلى الإصلاح.
ثم ذكر المؤلف ما قاله النبي عليه الصّلاة والسّلام لأشجّ عبد القيس، قال له: ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحِلم، والأناة ) الحِلم: عندما يُثار الإنسان ويجنى عليه، ويعتدى عليه يحلم، لكنّه ليس كالحمار لا يبالي بما فُعل به، هو يتأثر لكن يكون حليماً لا يتعجّل بالعقوبة، حتى إذا صارت العقوبة خيرًا من العفو أخذ بالعقوبة.
والأناة : التأني في الأمور وعدم التّسرّع ، وما أكثر ما يهلك الإنسان ويزلّ بسبب التّعجّل في الأمور ، سواء في نقل الأخبار أو في الحكم على ما سمع أو في غير ذلك ، فمن الناس مثلا من يتخطّف الأخبار بمجرّد ما يسمع الخبر يحدّث به وينقله ، وقد جاء في الحديث : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع ) .
ومن الناس من يتسرّع في الحكم، يسمع عن شخص شيئاً من الأشياء ويتأكّد أنه قاله أو أنه فعله ثم يتسرّع في الحكم عليه أنه أخطأ أو ضلّ أو ما أشبه ذلك وهذا غلط، التأني في الأمور كلّه خير.
ثم ذكر المؤلف أحاديث عائشة رضي الله عنها الثلاثة في باب الرفق، وأن الرّفق محبوب إلى الله عزّ وجلّ، وأنه ما كان في شيء إلاّ زانه، ولا نزع من شيء إلاّ شانه، ففيه الحثّ على أن يكون الإنسان رفيقا، رفيقا في جميع شؤونه، رفيقا في معاملة أهله، في معاملة إخوانه، في معاملة أصدقائه، في معاملة عامّة الناس يرفق بهم : ( فإن الله عزّ وجلّ رفيق يحب الرّفق ) ، ولهذا يجد الإنسان إذا عامل الناس بالرفق يجد لذّة وانشراحا، وإذا عاملهم بالشّدّة والعنف ندم ثم قال : ليتني لم أفعل لكن بعد أن يفوت الأوان، أما إذا عاملهم بالرّفق واللين والأناة انشرح صدره ولم يندم على شيء فعله، وفّق الله الجميع لما فيه الخير والصّلاح وحسن الأخلاق والآداب.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب الحلم والأناة والرّفق : " عن أبي هريرة رضي الله رضي الله عنه قال: ( بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذَنوبا من ماء، فإنما بعثتم مُيسرين ولم تبعثوا مُعسرين ) رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) متفق عليه.
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( مَن يُحرم الرّفق يحرم الخير كلّه ) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب ) رواه البخاري ".
4 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس ( إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة ) رواه مسلم . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) متفق عليه . وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم . وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) رواه البخاري .
هذه الأحاديث ساقها النّووي -رحمه الله- في باب الرّفق والأناة في *رياض الصالحين، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن أعرابيّا بال في المسجد ) : أعرابي يعني بدويّ، والبدوي في الغالب لا يعرف أحكام الشّرع لأنه عائش في البرّ، في إبله، في غنمه، وليس له علم بشريعة الله كما قال الله تعالى: (( الأعراب أشدّ كفرًا ونِفاقًا وأجدر ألّا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله )) : يعني أقرب أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، لأنهم في برّهم بعيدين عن الناس وعن العلم وعن الشّرع ، فهذا الأعرابي دخل المسجد واحتاج إلى أن يبول فبال في طائفة المسجد تنحّى وبال في المسجد، فهمّ الناس به : أن يقعوا فيه وزجروه ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : ( دعوه، دعوه يقضي بوله، وأريقوا عليه سَجلا من ماء ، فإنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين ) : فتركه الناس، فلمّا قضى بوله صبّوا عليه ذنوباً من ماء ، يعني دلوا من الماء فطهُر المحلّ وزال المحذور ، ثمّ دعا بالأعرابي وقال له: ( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر، وإنما هي للصّلاة وقراءة القرآن والتكبير ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
ففي هذا الحديث فوائد كبيرة: منها: العذر بالجهل، وأن الإنسان الجاهل لا يعامل كما يعامل العالم، لأن العالم معاند، والجاهل متطلّع للعلم، فيعذر بجهله ولهذا عذره النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ورفق به.
ومنها: أن الشّرع يقتضي دفع أعلى المفسدتين بأدناهما، يعني إذا كان هناك مفسدة ومفسدة ولا بدّ من ارتكاب إحداهما فإنه يُرتكب الأسهل، فهنا أمامنا مفسدتان استمرار هذا الأعرابي في بوله هذه مفسدة، والثانية: إقامته من بوله، هذه مفسدة أيضا، لكن هذه أكبر، لأن هذه يترتّب عليها أوّلا الضّرر على هذا البائل لأنّ البائل إذا منع البول المتهيّء للخروج ففي ذلك ضرر، ربّما تتأثّر مجاري البول ومسالك البول، ثانياً: المفسدة الثانية: أنه إذا قام فإما أن يبقى رافعًا ثوبه لئلاّ تصيبه قطرات البول، وحينئذ تكون قطرات منتشرة في المكان، وربما تأتي على أفخاذه ويبقى مكشوف العورة أمام الناس وفي المسجد، وإما أن يُدلي ثوبه وينزّل ثوبه وحينئذ يتلوّث الثّوب ويتلوّث البدن وهذه أيضا مفسدة، فلهذا ترك النّبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل يبول حتّى انتهى، ثم أمر بأن يُصبّ عليه ذنوب من ماء.
وعلى هذا قتكون لدينا قاعدة : " إذا اجتمعت مفسدتان لابدّ من ارتكاب إحداهما ، فإنه يرتكب الأسهل والأخفّ دفعا للأعلى "، كما أنّه إذا اجتمعت مصالح ولا يمكن فعل جميعها فإنه يؤخذ بالأعلى فالأعلى، " المصالح يقدّم الأعلى والمفاسد يقدّم الأسهل والأدنى ".
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب تطهير المسجد، وأنه فرض كفاية لقول الرسول عليه الصّلاة والسّلام: ( أريقوا على بوله سجلا من ماء ) وهو كذلك ، فيجب على من رأى نجاسة في المسجد أن يطهّرها بنفسه أو يبلّغ من هو معنيّ بالمسجد ومسؤول عنه حتى يقوم بتطهيرها.
ومنها: اشتراط طهارة مكان المصلي، فالمصلي يجب عليه أن يطهّر ثوبه وبدنه ومكان صلاته، لابدّ من ذلك، سواء كانت أرضا أو فراشًا أو غير ذلك، المهم أنه لابدّ من طهارة مكان المصلّي.
ومنها: أن الأرض يكفي في تطهيرها أن يصبّ على النّجاسة ماء مرّة واحدة فإذا غمرت بالماء طهرت، لكن إن كانت النّجاسة ذات جرم كالغائط والرّوث وما أشبهها فلا بدّ من زوال هذا الجرم، وبعده يطهّر المحلّ بصبّ ماء عليه.
ومنها: أنه لابدّ من الماء في تطهير النّجاسة لقوله: ( أريقوا عليه سجلا من ماء )، وأن النّجاسة لا تطهر بغير الماء، وهذا ما عليه أكثر العلماء، والصّحيح أن النّجاسة تَطهُر بكل ما يزيلها من ماء أو بنزين أو غيره، وإنما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بصب الماء على مكان البول، لأنه أسرع في تطهير المكان، وإلاّ من الممكن أن يبقى المكان لا يصب عليه الماء ثمّ مع الرّياح والشّمس تزول النّجاسة ويطهر لكن هذا أسرع وأسهل، ومن المعلوم أنه في عهد الرسول عليه الصّلاة والسّلام لا توجد هذه المزيلات الكيماوية أو البترولية، فلذلك كانوا يعتمدون في إزالة النّجاسة على الماء، ولكن متى زالت النّجاسة طهر المحلّ بأي مزيل كان، لأن النجاسة عين خبيثة نجسة متى زالت عاد المحلّ إلى طهارته بأي شيء كان، ولهذا يطهَّر البول والغائط بالأحجار، يستجمر الإنسان بالحجر ثلاث مرات مع الإنقاء ويكفي، وثوب المرأة التي تجرّه إذا مرّ بالنّجاسة ثم مرّ بعد ذلك بأرض طاهرة طهّرته، وكان مِن عادة النّساء في عهد الرسول عليه الصّلاة والسّلام : " أن المرأة إذا خرجت اتّخذت ثوبا ضافيًا يستر قدميها وينجرّ من ورائها إلى شبر أو شبرين أو ذراع، ولكن لا يزاد على ذراع " : هذا في عهد الرسول عليه الصّلاة والسّلام عهد النّساء الطاهرات في الزّمن الطاهر فما بالك باليوم؟ لكن مع الأسف أن المسلمين اليوم لم يكونوا ينظرون إلى مَن سلف من هذه الأمّة ، ولكن ينظرون إلى من تأخّر من هذه الأمّة، إلى الخَلْف الذين قال الله فيهم : (( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّا )) ، صرنا ننظر الآن إلى من خلف بل ننظر إلى غير ذلك ننظر إلى أعدائنا! إلى اليهود والنّصارى والمجوس والوثنيين وما أشبه ذلك فنقتدي بهم في مثل هذه الألبسة، فترى النّساء الآن كلّما جاءت مجلّة التي يسمونها البُردة كلما جاءت ذهبن ينظرن إليها، ما الذي حدث، ثم تذهب المرأة وتفعل مثل ما فعلن، وأقول من هذا المكان: يجب على أولياء الأمور أن يمنعوا من تداول هذه المجلات وهذه البردات بين أيدي النّساء، لأن المرأة ضعيفة، ضعيفة العقل وضعيفة الدين كما وصفها بهذا الرسول عليه الصّلاة والسّلام : ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب بلب الراجل الحازم من إحداكنّ ) ، فتغتر وتنخدع بهذه المظاهر ، وكثير من الرجال مع الأسف الشّديد هم رجال في ثياب رجال ، وإلاّ فهم نساء ، التدبير للنساء عليهم ، وهنّ القوّمات عليهم ، عكس ما أمر الله : (( الرجال قوامون على النّساء )) ، لكن أصبح الآن في كثير من الناس النساء قوامات على الرجال ، هي التي تدبر الرجل ، وهي التي تلبس ما شاءت وتفعل ما شاءت ولا تبالي بزوجها ولا بوليّها ، فالواجب على الأولياء أن يمنعوا من تداول هذه المجلاّت التي تأتي لنا بهذه الأزياء البعيدة عن الزّيّ الإسلامي.
فالنّساء في عهد الرسول عليه الصّلاة والسّلام إذا خرجن إلى السّوق لبسن ثيابا طويلة حتى لا تبدو أقدامهنّ، في البيوت يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " المرأة في بيتها في عهد الرّسول عليها لباس يستر من كفّ اليد إلى كعب الرّجل " ، وهي في البيت ما عندها إلاّ نساء أو رجال محارم ، ومع ذلك تتستّر من الكفّ إلى الكعب ، كلّها متستّرة ، وبهذا نعرف فساد تصوّر من تصوّر قول الرسول عليه الصّلاة والسّلام : ( لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ) : أنه يجوز للمرأة أن تقتصر في لباسها على لباس يستر ما بين السرة والركبة ، يريد أن تخرج المرأة كاشفة كلّ بدنها إلاّ ما بين السّرّة والرّكبة، من قال هذا؟ الرسول عليه الصّلاة والسلام يخاطب الناظرة لا اللاّبسة، يقول : ( لا تنظر إلى عورتها ) : يعني ربّما تكون اللابسة قد كشفت ثوبها لحاجة أو لقضاء البول أو الغائط فيقول : لا تنظر لعورتها ، لم يقل الرسول: للمرأة أن تلبس ما يستر ما بين السّرّة والركبة فقط، ومن توهّم هذا فإنه من وحي الشّيطان، يعني ينظر كيف كانت النّساء في عهد الرّسول عليه الصلاة والسلام تلبس الثّياب، لذلك يجب أن نصحّح هذا المفهوم الذي تدندن به كلّ امرأة ليس عندها فهم وليس عندها نظر لمن سبق، نقول لها: هل تظنّين أن الشّرع الإسلامي يبيح للمرأة أن تخرج بين النساء ليس عليها إلاّ سروال قصير يستر ما بين السّرة والركبة؟ من قال أن هذا هو الشّرع الإسلامي؟! من قال إن هذا هو معنى قول الرّسول: ( لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ) من قال ذلك؟! والرسول قال : ( ولا الرجل إلى عورة الرّجل ) ، ومع ذلك كان الرّجال في عهده يلبسون رداء وإزارا أو يلبسون قميصا ، ليسوا يلبسون إزارا فقط، حتى إن الرجل الفقير الذي قال يا رسول الله زوجنى المرأة التب وهبت نفسها للرسول ولم يردها، قال : ( زوجنيها ، قال : ما معك من صداق؟ قال: إزاري ) ، لأنه فقير، قال إزارك كيف الإزار يكون مهرا للمرأة ؟! ( إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار وإن بقي عليك بقيت بلا مهر، ارجع فالتمس ولو خاتما من حديد ) : ولم يجد، فلم يكونوا وهم رجال، لم يكونوا يقتصرون على ما بين السّرّة والرّكبة أبدًا.
الحاصل يا إخواني إنّ العلم يحتاج إلى فقه، يحتاج إلى نظر في حال الصّحابة رضي الله عنهم كيف فهموا النّصوص فنطبّقها، الآن حتى دول الغرب الكافرة أكثرهم يلبس ما يستر الصّدر والفخذين، أكثرهم، ولم يفهم أحد من هذا الحديث أن المعنى: للمرأة أن تبقى مكشوفة البدن إلاّ ما بين السّرّة والرّكبة ما فهم هذا أحد أبدًا.
فالحاصل أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام جعل ذيل المرأة: أي طرف ثوبها الذي يمشي على الأرض إذا التقى بنجاسة ثمّ مرّت بأرض طاهرة، فإن الطاهرة تطهّره، فدلّ ذلك على أنّ النّجاسة تطهر بكلّ ما يزيلها من ماء وغيره.
ومن فوائد حديث الأعرابي: حسن خلق الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وتعليمه ورفقه، وأن هذا هو الذي ينبغي لنا إذا دعونا إلى الله أو أمرنا بمعروف أو نهينا عن منكر أن نرفق، لأن الرّفق يحصل به الخير، والعنف يحصل به الشّرّ، ربّما إذا عنّفت أن يحصل من قبيلك ما يسمّونه بردّ الفعل ولا يقبل منك شيئا يردّ الشّرع من أجلك، لكن إذا رفقت وتأنّيت فهذا هو الأقرب إلى الإجابة.
ومنها: أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام جعل هذه الأمّة مبعوثة: ( إنّما بعثتم ) : مع أن المبعوث هو، لكن أمّته يجب أن تقوم مقامه في الدّعوة إلى دينه عليه الصّلاة والسّلام، وأن يكون الإنسان كأنه المبعوث، كأنه الرّسول في تبليغ الشّرع، ولهذا قال الرسول عليه الصّلاة والسّلام: ( ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ) : فنحن أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم علينا أن نبلّغ شرعه إلى جميع الناس ولهذا قال: ( إنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين ) .
في هذا الحديث أن الرسول عليه الصّلاة والسّلام لما كلّم الأعرابي بهذا اللطف واللين وقال : ( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر ) أن الأعرابي قال له: " اللهم ارحمني ومحمّدا ولا ترحم معنا أحدًا " : شفت كيف انشقّ صدره، انشرح صدره من كلام محمّد عليه الصّلاة والسّلام ، والجماعة من الصّحابة رضي الله عنهم أغضبوه انتهروه ، فرأى -وهو أعرابي لا يعرف- رأى أن الجنّة تكون أو الرّحمة تكون له ولمحمد وغيرهم لا يرحمهم! ليته قال: اللهم ارحمني ومحمّدا وسكت، لا، قال: " ولا ترحم معنا أحدًا " ، فتحجّر الرّحمة ، لكنّه جاهل والجاهل له حكمه ، فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يرفق، ارفقوا في الدّعوة، في الأمر، في النّهي، وجرّبوا ، انظر أيهما أصلح ونحن نعلم علم اليقين أن الأصلح هو الرّفق، لأن هذا هو الذي قاله الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، وهو الذي اتّبعه في هديه صلّى الله عليه وسلم، والله الموفّق.
القارئ : بسم الله الرحمن الرّحيم .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين:
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب الحلم والأناة والرفق : " عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ) متفق عليه.
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أنَّ رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارًا قال: لا تغضب ) رواه البخاري " .
5 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) رواه البخاري . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا متفق عليه ... " .
هذه الأحاديث ذكرها النّووي -رحمه الله- في باب الرّفق والحلم والأناة في *رياض الصالحين : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ) هذه أربع جمل: الأولى: قوله : يسّروا يعني : اسلكوا ما فيه اليسر والسهولة ، سواء كان فيما يتعلّق بأعمالكم أو معاملاتكم مع غيركم ، ولهذا كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم مِن هديه أنه ما خُيّر بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، فأنت اختر الأيسر لك حتى في كلّ أحوالك، حتى في العبادات وفي المعاملات مع الناس في كلّ شيء، لأن اليُسر هو الذي يريده الله عزّ وجلّ منّا ويريده بنا : (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) ، فمثلا إذا كان لك طريقان إلى المسجد أحدهما صعب فيه حصى وأحجار وأشواك والثاني سهل، فالأفضل أن تسلك الأسهل، إذا كان هناك ماءان وأنت في الشّتاء أحدهما بارد يؤلمك، والثاني ساخن ترتاح له، فالأفضل أن تستعمل السّاخن، لأنه أيسر وأسهل، إذا كان يمكن أن تحجّ على سيّارة أو تحجّ على بعير والسّيارة أسهل فالحجّ على السّيّارة أفضل، المهم أنه كلما كان أيسر فهو أفضل ما لم يكن إثما، لأن عائشة تقول : ( كان الرسول عليه الصّلاة والسلام ما خيّر بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ) ، أما إذا كان فعل العبادة لا يتأتّى إلاّ بمشقّة وهذه المشقّة لا تسقطها عنك ففعلتها على مشقّة فهذا أجر يزداد لك الأجر ، فإن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدّرجات ، ويكفّر به الخطايا ، لكن كون الإنسان يذهب إلى الأصعب مع إمكان الأسهل هذا خلاف الأفضل ، الأفضل اتباع الأسهل في كلّ شيء ، وانظر إلى الصّوم قال فيه الرسول عليه الصّلاة والسلام : ( لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر ) ، وفي حديث آخر ليس في الصّحيحين : ( وأخّروا السَّحور ) لماذا ؟ لأن تأخير السَّحور أقوى على الصّوم مما إذا تقدّم والمبادرة بالفطر أسهل وأيسر على النّفس لا سيما مع طول النّهار وشدّة الظّمأ ، فهذا وغيره من الشّواهد يدلّ على أن الأيسر أفضل ، فأنت يسّر على نفسك.
كذلك أيضا في مزاولة الأعمال : إذا رأيت أنّك إذا سلكت هذا العمل فهو أسهل وأقرب ويحصل به المقصود فلا تكلّف نفسك في أعمال أخرى أكثر من اللاّزم وأنت لا تحتاج إليها، فافعل ما هو أسهل في كلّ شيء، خذ هذه قاعدة : " أنّ اتّباع الأسهل والأيسر هو الأرفق بالنّفس والأفضل عند الله ".
( ولا تعسّروا ) : يعني لا تسلكوا طرق العسر لا في عباداتكم ولا في معاملاتكم ولا غير ذلك فإن هذا منهيّ عنه، ( لا تعسّروا )، ولهذا : ( لما رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا واقفا في الشّمس سأل عنه، قالوا يا رسول الله: هذا صائم نذر أن يصوم ويقف في الشّمس، فنهاه وقال له: لا تقف في الشّمس ) ، لأنّ هذا فيه عسر على الإنسان ومشقّة ، والرّسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تعسّروا ).
الجملة الثالثة قال: ( وبشّروا ولا تنفّروا ) : بشّروا يعني اجعلوا طريقكم دائما البشارة، بشّروا أنفسكم وبشّروا غيركم.