تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا متفق عليه ... " .
كذلك أيضا في مزاولة الأعمال : إذا رأيت أنّك إذا سلكت هذا العمل فهو أسهل وأقرب ويحصل به المقصود فلا تكلّف نفسك في أعمال أخرى أكثر من اللاّزم وأنت لا تحتاج إليه، فافعل ما هو أسهل في كلّ شيء، خذ هذه قاعدة : " أنّ اتّباع الأسهل والأيسر هو الأرفق بالنّفس والأفضل عند الله " .
( ولا تعسّروا ) : يعني لا تسلكوا طرق العسر لا في عباداتكم ولا في معاملاتكم ولا غير ذلك ، فإن هذا منهيّ عنه ( لا تعسّروا ) ، ولهذا : ( لما رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا واقفا في الشّمس سأل عنه ، قالوا يا رسول الله : هذا صائم نذر أن يصوم ويقف في الشّمس فنهاه وقال له : لا تقف في الشّمس ) ، لأنّ هذا فيه عسر على الإنسان ومشقّة والرّسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تعسّروا ).
الجملة الثالثة قال: ( وبشّروا ولا تنفّروا ) بشّروا : يعني اجعلوا طريقكم دائما البشارة، بشّروا أنفسكم وبشّروا غيركم، يعني إذا عملت عملا فاستبشر، بشّر نفسك، عملت عملا صالحا بشّر نفسك بأنه سيُقبل منك إذا اتّقيت الله فيه لأن الله يقول : (( إنما يتقبّل الله من المتّقين )) .
إذا دعوت الله بشّر نفسك أن الله يستجيب لك ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )) ، ولهذا قال بعض السّلف: " من وفّق للدعاء فليبشر بالإجابة " ، " من وفّق للدّعاء فليَبشر بالإجابة " ، لأن الله قال: (( وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم )) فأنت بشّر نفسك في كلّ عمل ، وهذا يؤيّده أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( كان يكره الطّيرة ويعجبه الفأل )، الفأل لأنّ الإنسان إذا تفاءل نشط واستبشر وحصل له خير، إذا تشاءم فإنه ينحسر وتضيق نفسه ولا يُقدم على العمل ويعمل وكأنه مكره فأنت بشّر نفسك، كذلك غيرك، كذلك بشّر غيرك : إذا جاءك إنسان مثلا قال فعلت كذا أو فعلت كذا وهو خائف فبشّره أدخل عليه السّرور ، ولا سيما في عيادة المريض إذا عُدت مريضًا فقل له : أبشر بالخير وأنت إلى خير ودوام الحال من المحال ، والإنسان يصبر ويحتسب ويؤجر على ذلك وما أشبه ذلك بشّره، أنت اليوم وجهك طيّب، وجهك زين وما أشبه هذا لأنك تدخل عليه السّرور وتبشّره، فأنت اجعل طريقك هكذا فيما تعامل به نفسك ، وفيما تعامل به غيرك : البَشارة، بشّر، أدخل السرور على نفسك، أدخل السرور على غيرك فهذا هو الخير.
( ولا تنفّروا ) : يعني لا تنفّروا الناس عن الأعمال الصالحة، ولا تنفّروهم عن الطرق السليمة، شجّعوهم عليها، حتى في العبادات لا تنفّروهم، ومن ذلك أن يطيل الإمام بالجماعة أكثر من السُّنّة فإن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان إذا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ذهب إلى قومه فصلّى بهم تلك الصّلاة ، فدخل يوماً من الأيام في الصّلاة فشرع في سورة طويلة فانصرف بعض الناس، انصرف رجل وصلّى وحده ، فقيل : نافق فلان، فذهب الرجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثمّ إن معاذًا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ( أفتّان أنت يا معاذ؟ ) وكذلك الرجل الآخر قال له الرسول عليه الصّلاة والسلام : ( إن منكم منفرّين ، فأيكم أمّ الناس فليخفّف )، فالتّنفير لا ينبغي، لا تنفّر الناس، لِن لهم، حتى في الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ لا تدعهم إلى الله دعوة منفّر، لا تقل إذا رأيت إنسانا على خطأ: يا فلان أنت فيك، أنت خالفت، أنت عصيت، إلى آخره، لا، هذا ينفرهم، هذا يزيدهم في التّمادي في المعصية، ولكن ادعهم بهدوء ولين حتى يألفك، ويألف ما تدعوه إليه، وبذلك تمتثل أمر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( بشّروا ولا تنفّروا )، فخذ هذا الحديث أيّها الأخ، خذه رأس مال لك: ( يسّروا ولا تعسّروا ، وبشّروا ولا تنفّروا ) : سر إلى الله عزّ وجلّ على هذا الأصل ، وعلى هذا الطريق ، وسر مع عباد الله على ذلك تجد الخير كلّه ، والله الموفّق.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمّد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) متفق عليه " .
1 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أوصني قال: لا تغضب ) فردد مرارا قال: ( لا تغضب ) رواه البخاري ... " .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب ) رواه البخاري " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث ذكرها النووي -رحمه الله- في باب الرفق والحلم والأناة من كتاب *رياض الصالحين، وسبق الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم : ( يسّروا ولا تعسّروا ، وبشّروا ولا تنفّروا ) .
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- حديثا فيه الأمر بالرفق والحثّ عليه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من يُحرم الرّفق يحرم الخير كلّه ): يعني أن الإنسان إذا حُرم الرّفق في الأمور فيما يتصرّف فيه لنفسه وفيما يتصرّف فيه مع غيره فإنه يُحرم الخير كلّه، أي : فيما تصرّف فيه، فإذا تصرّف الإنسان بالعُنف والشّدّة فإنه يحرم الخير فيما فعل ، وهذا شيء مجرّب مشاهد : أن الإنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشّدّة فإنه يُحرم الخير ولا يأمل الخير، وإذا كان يتعامل بالرفق والحلم والأناة وسعة الصّدر حصل على خير كثير ، وعلى هذا فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائما رفيقا حتى ينال الخير ، أما حديث أبي هريرة فهو أن رجلا قال: ( يا رسول الله أوصني! قال: لا تغضب فردد مرارًا -وهو يقول أوصني- قال: لا تغضب ): والمعنى لا تكن سريع الغضب يستثيرك كلّ شيء ، بل كن مطمئنّا متأنيّا لأنّ الغضب جمرة يلقيها الشّيطان في قلب الإنسان حتى يغلي القلب ، ولهذا تنتفخ الأوداج عروق الدّمّ وتحمرّ العين، ثمّ ينفعل الإنسان حتى يفعل شيئا يندم عليه ، وإنما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل أن لا يغضب دون أن يوصيه بتقوى الله أو بالصّلاة أو بالصّيام أو ما أشبه ذلك ، لأن حال هذا الرّجل تقتضي ذلك ولهذا أوصى غيره بغير هذا الشّيء، أوصى أبا هريرة أن يصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وأن يوتر قبل أن ينام، وأوصى أبا الدرداء بمثل ذلك، أما هذا فأوصاه أن لا يغضب، أوصاه أن لا يغضب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم من حاله أنه غضوب، كثير الغضب، فلذلك قال: ( لا تغضب ).
والغضب يحمل الإنسان على أن يقول كلمة الكفر، على أن يطلّق زوجته، على أن يضرب أمّه، على أن يعقّ أباه، كما هو مشاهد معلوم، ثم تجد الإنسان من حين ما يتسرع يبرد ثم يندم ندما عظيما، وما أكثر الذين يسألون : غضبت على زوجتي فطلّقتها، غضبت عليها فطلّقتها بالثلاث، غضبت على فلان وحرّمت عليه وما أشبه ذلك ، فأنت لا تغضب، لا تغضب ، فإن الغضب لا شكّ أنه يؤثّر على الإنسان حتى يتصرّف تصرّف المجانين ، ولهذا قال بعض العلماء : " إن الإنسان إذا غضب غضبا شديدا حتى لا يدري ما يقول فإنه لا عبرة بقوله ولا أثر لقوله إن كان طلاقا فامرأته لا تطلق، وإن كان دعاء فإنه لا يستجاب ، لأنه يتكلّم بدون عقل وبدون تصوّر " ، نسأل الله لنا ولكم العافية والسّلامة.
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب الحلم والأناة والرّفق : " عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة، وليُحدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلاّ أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قطّ إلاّ أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى ) متّفق عليه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار، تحرم على كلّ قريب هيّن ليّن سهل ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن " .
2 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أوصني قال: لا تغضب ) فردد مرارا قال: ( لا تغضب ) رواه البخاري ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) . رواه مسلم .
قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين، في باب: الرفق والحلم والأناة، في سياق الأحاديث الواردة في ذلك، نقل عن شدّاد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة ) : كتبه على كل شيء يعني في كلّ شيء، كتب الإحسان في كلّ شيء، يعني أنّ الله عزّ وجلّ شرع الإحسان في كلّ شيء حتى في القتل، حتى في الذّبح وغير ذلك من الأمور أن تكون مُحسنا لما تقوم به، ( فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة ) : وذلك أن إزهاق النّفوس يكون بالقتل أحياناً وبالذّبح أحياناً ، فإن كان فيما يحلّ فهو ذبح ونحر، وإن كان فيما لا يحلّ فهو قتل، فالذّبح والنّحر يكون فيما يحلّ أي : فيما يؤكل، النّحر للإبل ، والذّبح لما سواه، النحر يكون للإبل والذبح يكون فيما سواها، فيما سوى الإبل، والنحر يكون في أسفل الرّقبة مما يلي النّحر، مما يلي الصّدر ، والذّبح يكون في أعلى الرّقبة ممّا يلي الرّأس ، ولابدّ في الذّبح والنّحر لابدّ من قطع الودجين وهما العرقان الغليظان الذان يجري منهما الدّم ويتوزّع على بقيّة البدن، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما أنهر الدّم وذُكر اسم الله عليه فكلوا ) : ولا ينهر الدّم إلاّ قطع الودجين، فالشّرط في حلّ المذكّى أي المنحور أن يُقطع الودجان، أما الحلقوم الذي هو مجرى النّفس والمريء الذي هو مجرى الطعام فقطعهما أكمل في الذّبح والنحر ولكن ليس ذلك بشرط، وأما القتل فيكون فيما لا يحلّ أكله، فيما أُمر بقتله وفيما أبيح قتله، ففيما أمر بقتله: أمر بقتل الفأر، بقتل العقرب، بقتل الحيّة، بقتل الكلب العقور، فتقتل هذه الأشياء وكذلك كلّ مؤذٍ فإنه يقتل.
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) . رواه مسلم . أستمع حفظ
قاعدة : ما آذى طبعا فإنه يقتل شرعا .
تتمة شرح حديث ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ... ) .
ومن ذلك من يقتلوا قصاصًا، لكن من يقتل قصاصًا فإنه يفعل به كما فعل في المقتول، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم رُفع إليه قضيّة امرأة أتاها يهوديّ، وكان معها حُليّ، فقتلها وأخذ الحليّ، لكن كيف قتلها؟ وضع رأسها على حجر وقتلها بالحجر الثاني، فرضّ رأسها بين حجرين، فأتي إليها وفيها رمق من حياة فقيل لها من قتلك؟ فلان فلان فلان؟ حتى ذكروا اليهودي فأشارت برأسها أن نعم، فأخذوا اليهودي فاعترف، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن يرضّ رأسه بين حجرين، وُضع رأسه على حجر ثمّ ضرب بالحجر الثاني حتّى مات، لأن هذا قصاص، والله عزّ وجلّ يقول: (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) ، لكن وجب قتله لحرابة، حرابة يعني أنه صار يقطع الطريق على الناس، يأخذ الأموال ويقتل الناس فهذا يقتل لكن يقتل بالسّيف، يقتل بالسيف إلاّ إذا كان قد مثّل بمن قتله فيمثل به بحسب ما فعل ، يفعل به كما فعل .
فإن قال قائل : ما تقولون في الرّجل إذا زنى وهو وحصن فإنه يرجم بالحصى، بالحجر الصّغير حتى يموت وهذا يؤلمه ويؤذيه قبل أن يموت، فهل يعارض هذا الحديث؟ فالجواب لا، لا يعارضه، لأنه يحمل على أحد أمرين : إما أن يراد بإحسان القتلة ما وافق الشّرع ، وحينئذ يكون الرّجم من إحسان القتلة ، لأنه موافق للشّرع، وإما أن يقال : هذا مستثنى دلّت عليه السّنة ، بل دلّ عليه القرآن الذي نسخ لفظه وبقي حكمه ودلّ عليه صريح السّنّة ، فالزاني المحصن الذي قد تزوّج وجامع زوجته إذا زنى والعياذ بالله فإنه يؤتى به ، ويؤخذ حجارة صغيرة أقل من البيضة ، مثل التمرة تقريبا أو أكبر قليلا ، ويضرب يرجم حتى يموت ، ويُتقّى المقاتل ، يعني ما يضرب بشيء يموت به سريعا، بل يضرب على ظهره وبطنه وما أشبه ذلك حتى يموت ، لأن هذا الواجب، والحكمة مِن هذا أن البدن الذي تلذّذ بالشّهوة المحرّمة وعمّت الشّهوة جميع بدنه ينبغي أو من الحكمة أن تعم العقوبة جميع بدنه ، وهذا من حكمة الله عزّ وجلّ ، ثم قال النبي عليه الصّلاة والسّلام : ( وليحدّ أحدكم شفرته ) :اللاّم للأمر، يحدّ : يعني يجعلها حديدة سريعة القطع، والشّفرة : السّكّين يعني إذا أردت أن تذبح فاذبح بسكين مشحوذة أي : مسنونة ، بحيث يكون ذلك أقرب إلى القطع بدون ألم.
( وليرح ذبيحته ) : ليرح ذبيحته : هذا أمر زائد على شحذ الشفرة وذلك بأن يقطع بقوّة ، يضع السّكين على الرّقبة ثم يجرّها بقوّة ، حتى يكون ذلك أسرع من كونه يحرحر ويردّد مرّتين ثلاثة ، وبعض الناس ما شاء الله عليهم ! ، بعض الناس مرة واحدة حتى يقطع الودجين والحلقوم والمريء ، لأنه يأخذ السكين بقوة وتكون السّكين جيّدة مشحوذة فيسهل على الذّبيحة أو المنحورة يسهل عليها الموت ، ومن إراحة الذّبيحة أن تضع رجلك على رقبتها، ضع الرّجل على الرّقبة، وأمسك بالرأس باليد اليسرى واذبح باليد اليمنى، وحينئذ تكون مضجعة على الجنب الأيسر، ودع القوائم، اليدين والرّجلين دعها، خلّها تتحرّك بسهولة، لأنك إذا أمسكت بها فإن هذا ضغط عليها، وإذا تركتها تتحرّك بيديها ورجليها كان هذا أيسر لها، وفيه أيضا فائدة وهو تفريغ الدّم بهذه الحركة، لأنه مع الحركة والإضطراب يتفرّغ الدّم أكثر ، وكلّما تفرّغ فهو أحسن ، وأما ما يفعله بعض العامّة مِن أنّه يأخذ بيدها اليسرى ويلويها على عنقها ثم يبرك على قوائمها الثّلاث رجل ، ويمسك بها حتى لا تتحرّك أبدًا ، فهذا خلاف السّنّة، السّنّة أنّك تضع الرّجل على الرّقبة ، ثمّ تدع القوائم تتحرّك ، لأن ذلك أيسر لها وأشد فراغًا أو تفريغاً للدّم .
( وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) : الشّاهد من هذا الحديث قوله عليه الصّلاة والسّلام : ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة ) ، فإن هذا من الرّفق ، والله الموفّق.
هل يدعى على من قتل حداً ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : إذا حُد الإنسان يُدعى له أو عليه ؟
الشيخ : إيش ؟
السائل : إذا حُد الإنسان ، إذا حُد !
الشيخ : إي نعم .
السائل : هل يُدعى عليه أو يدعى له إذا كان مسلم ؟
الشيخ : أي نعم، إذا قتل الإنسان بحدّ يعني رجم وهو زاني ، أو قتل قصاصا فإنه يصلّى عليه ويدعى له بالرّحمة والعفو لعل الله يعفو عنه ويرحمه، أما من قتل كافرا مرتدّا فإنه لا يدعى له بالرحمة، ولا يُغسّل، الذي يقتل كافراً ، مثل لو قتل إنسان لا يصلّي ، فإنه يقتل مرتدًّا كافرًا هذا لا يغسّل، ولا يكفّن، ولا يصلّى عليه، ولا يدفن مع المسلمين، ولا يدعى له بالرّحمة، ومن دعا له بالرّحمة فإنه آثم، متّبع غير سبيل المؤمنين، لقول الله تعالى: (( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم )).
وأما من قُتل بحدّ أو قتل قصاصًا فإنه يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن مع المسلمين ويدعى له بالعفو والرّحمة والمغفرة ، كغيره من سائر المسلمين.
هل يجوز ربط أرجل الذبيحة حين الذبح والتذكية ؟
سؤال عن كيفية رمي الحجارة في رجم الزاني المحصن ؟
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب العفو والإعراض عن الجاهلين . قال الله تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) . وقال تعالى: (( فاصفح الصفح الجميل )) وقال تعالى: (( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم )) . وقال تعالى: (( والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) . وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) . والآيات في الباب كثيرة معلومة . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: ( لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) متفق عليه ... " .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب العفو والإعراض عن الجاهلين :
قال الله تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين )).
وقال تعالى: (( فاصفح الصفح الجميل )).
وقال تعالى: (( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )).
وقال تعالى: (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )).
وقال تعالى: (( ولَمَن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )).
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ( هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عَرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله مِن أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النّووي في كتابه *رياض الصالحين : " باب العفو والإعراض عن الجاهلين " ، ثمّ ساق آيات تكلّمنا عليها سابقا في أبواب سبقت .
ثمّ ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم : ( هل مرّ عليك يوم أشدّ من يوم أحد؟ ) : لأن يوم أحد كان شديدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد كان غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين تجمّعت قريش لغزوه لينتقموا مِن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما حصل من قتل زعمائهم في بدر، لأنه قتل في بدر وهي في السّنة الثانية، قتل من زعمائهم أناس لهم شرف وجاه في قريش، وفي شوال من السّنة التي تليها وهي الثالثة : اجتمعت قريش فجاؤوا إلى المدينة ليغزوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سمع بهم النبي عليه الصّلاة والسّلام استشار أصحابه هل يخرج إليهم أو يبقى في المدينة ، فإذا دخلوا المدينة قاتلهم ، فأشار عليه الشّبّان والذين لم يحضروا بدرًا أشاروا عليه أن يخرج إليهم ، فخرج إليهم عليه الصّلاة والسّلام في نحو ألف مقاتل ، إلاّ أنه انخزل نحو ثلث الجيش ، لأنهم كانوا منافقين والعياذ بالله ، وقالوا : (( لو نعلم قتالا لاتّبعناكم )) ، فبقي النّبي صلى الله عليه وسلم في نحو سبعمائة نفر ، ورتّبهم الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أحسن ترتيب في سفح جبل أحد، وحصل القتال، وانهزم المشركون في أول النّهار، وبدأ المسلمون يجمعون الغنائم، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم قد جعل على ثَغَرِ الجبل خمسين رجلا راميًا يحمون ظهور المسلمين، ولما رأى هؤلاء الرّماة أن المسلمين هزموا المشركين وصاروا يجمعون الغنائم قالوا : لننزل من هذا حتى نساعد المسلمين على جمع الغنائم ، ظنّوا هكذا ، فذكّرهم أميرهم عبد الله بن جبير ذكّرهم ما قال الرسول عليه الصّلاة والسلام لهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضعهم في هذا المكان قال : ( لا تبرحوا مكانكم، ولا تتعدّوه سواء لنا أو علينا ) : لكنّهم عفا الله عنهم تعجّلوا ونزل أكثرهم ، فلما رأى فرسان قريش أن المكان مكان الرّماة خاليا كرّوا على المسلمين من الخلف ، ومنهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ، اللّذان أسلما فيما بعد وصارا فارسين من فوارس المسلمين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، دخلوا على المسلمين من خلفهم واختلطوا بالمسلمين واستشهد من المسملين سبعون رجلا على رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب عمّ النبي عليه الصّلاة والسّلام ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يجبّه ويجلّه، وحصل على النبي عليه الصّلاة والسّلام ما حصل، ضربوا وجهه، وشجّوه، وصار الدّم ينزف على وجهه وفاطمة تغسّله، تغسّل الدّم حتى إذا لم يتوقّف أحرقت حصيرًا يعني : خُصّافًا من سعف النخل وذرّته عليه حتّى وقف ، وكسروا رباعيته عليه الصلاة والسّلام ، وحصل من البلاء ما حصل ، حصل بلاء عظيم قال الله تعالى فيها: (( فلما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كلّ شيء قدير * وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله )) ، (( ونعم المولى ونعم النّصير )) : ما دام الأمر بإذنه فهو خير ، وحصل في هذا ما حصل من الشدّة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ، وحملوا الشّهداء إلى المدينة ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يُردّوا إلى مصارعهم ، إلى المكان الذي استشهدوا فيه ودفنوا هناك ، ليخرجوا يوم القيامة مِن هذا المكان الذي استشهدوا فيه رضي الله عنهم وأرضاهم ، فقال النبي عليه الصّلاة والسّلام لعائشة لما سألته : ( هل مرّ عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: نعم ) ، وذكر لها قصّة ذهابه إلى الطائف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشًا في مكة ولم يستجيبوا له خرج إلى الطائف ليبلّغ كلام الله عزّ وجلّ ، ودعا أهل الطائف لكن كانوا أسفه من أهل مكّة ، اجتمعوا هم وسفهاؤُهم وصاروا صفّين متقابلين في طريق النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ، وجعلوا يرمونه بالحجارة ، يرمونه بالحصى حتى أدموا عقبه صلّى الله عليه وسلّم وخرج ، خرج مغموماً مهموماً ولم يفق إلاّ وهو في قرن الثعالب ، فأظلّـه غمامة فرفع رأسه فإذا في هذه الغمامة جبريل عليه السّلام وقال له : ( هذا ملك الجبال يقرؤك السّلام -فسلم عليه وقال- إن ربي أرسلني إليك فإن شئت أن أطبق عليهم -يعني الجبلين- فعلت ) ، ولكنّ النبي صلى الله عليه وسلم لحِلمه وبعد نظره وتأنّيه في الأمر قال : ( لا )، لأنه لو أطبق عليهم الجبلين هلكوا ، ( لا ، وإني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ) : وهذا الذي حصل : أن الله تعالى أخرج من أصلاب هؤلاء المشكرين الذين آذوا الرّسول صلى الله عليه وسلم هذه الأذيّة العظيمة أخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ، فهذا يبيّن أن الرسول عليه الصّلاة والسّلام حصل له أشد مما حصل له في أحد ، وحصل له أنواع من الأذى لكنه صابر، ومن أعظم ما كان : أنه كان ذات ساجدًا تحت الكعبة يصلي لله، والمسجدُ الحرام لو يجد الإنسان قاتل أبيه فيه ما قتله، وكان ساجدًا فقال بعض السّفهاء من قريش والمعتدين منهم : " اذهبوا إلى جزور آل فلان فأتوا بِسَلاها فضعوه على محمّد عليه الصّلاة والسّلام وهو ساجد " ، فذهبوا وأتوا بسلى الجزور الناقة والرسول عليه الصّلاة والسّلام ساجد تحت الكعبة فوضعوه على ظهره إهانة له وإغاظة له فبقي عليه الصّلاة والسّلام ساجداً حتى جاءت بنته فاطمة رضي الله عنها وألقت السَّلَى عن ظهره فقام من السّجود ولما سلّم رفع يديه عليه الصلاة والسلام يدعو الله تعالى على هؤلاء الملأ من قريش.
فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُؤذى أشدّ الأذى ومع ذلك يعفو ويصفح ويتأنى ويترجّى ، فبلّغه الله ولله الحمد مراده، وحصل له النّصر، النّصر المبين المؤزّر، هكذا ينبغي للإنسان أن يصبر على الأذى لا سيما إذا أوذي في الله فإنه يصبر ويحتسب وينتظر الفرج، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( واعلم أنّ النّصر مع الصّبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا ) والله أعلم.
9 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب العفو والإعراض عن الجاهلين . قال الله تعالى: (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) . وقال تعالى: (( فاصفح الصفح الجميل )) وقال تعالى: (( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم )) . وقال تعالى: (( والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) . وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) . والآيات في الباب كثيرة معلومة . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: ( لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى . رواه مسلم . وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية أدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء . متفق عليه .
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب العفو والإعراض عن الجاهلين : " عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ، ولا امرأة ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى ، فينتقم لله تعالى ) رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال يا محمد : مُر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء ) متفق عليه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس الشديد بالصُرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث ساقها النووي -رحمه الله- في *رياض الصالحين في باب: العفو والإعراض عن الجاهلين، منها حدبث عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلّم ما ضرب أحدًا لا خادمًا ولا غيره بيده إلاّ أن يجاهد في سبيل الله ) : وهذا من كرمه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يضرب أحدًا على شيء من حقوقه هو الخاصّة به ، لأن له أن يعفو عن حقّه وله أن يأخذ بحقّه ، ولكن إذا انتُهكت محارم الله فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك ، ويكون أشدَّ ما يكون أخذاً بها ، لأنه عليه الصّلاة والسّلام لا يقرّ أحداً على ما يغضب الله سبحانه وتعالى ، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو ، وما عفا من أحوال الناس وأخلاقهم ، ويعرض عنهم إلاّ إذا انتهكت محارم الله فإنه لا يقرّ أحدًا على ذلك.
ومنها : أي من الأحاديث التي ساقها قصّة هذا الأعرابي ، الذي لحق النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبّة نجرانيّة غليظة الحاشية ، فجبذه يعني : فجذبه جذبًا شديدًا حتى أثّرت حاشية الجبّة في عنق الرّسول عليه الصّلاة والسّلام من شدّة الجذب ، فالتفت فإذا الأعرابي يقول: يطلب منه عطاء ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأمر له بعطاء ، فانظر إلى هذا الخلق الرّفيع ، لم يوبّخه ولم يضربه، ولم يكهر في وجهه، ولم يعبّس، بل ضحك عليه الصّلاة والسّلام، ومع هذا أمر له بعطاء.
10 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى . رواه مسلم . وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية أدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء . متفق عليه . أستمع حفظ