تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وتلون وجهه وقال: يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله متفق عليه . وعنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتشفع في حد من حدود الله تعالى ؟ ) ثم قام فاختطب ثم قال: ( إنما أهلك من قلبكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) متفق عليه ... " .
نقل المؤلف النّووي -رحمه الله- في كتابه *رياض الصّالحين في باب الغضب إذا انتهك شرع الله عزّ وجلّ :
وسبق لنا الكلام على الآيات التي صدّر بها المؤلف هذا الباب، وأما الأحاديث فمنها حديث عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم من سفر ، فوجدها قد سترت سهوة لها بقرام فيه تماثيل ) : يعني فيه صور، ( فهتكه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأخبر: أن أشدّ الناس عذابا يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله ) : يعني المصوّرين ، فهم أشدّ الناس عذاباً ، لأنهم أرادوا أن يضادّوا الله سبحانه وتعالى في خلقه، في تصويره، وكانوا فيما سبق يصوّرون باليد، لأنه ليس عندهم آلات وأجهزة تلتقط الصّور بدون عمل يدويّ، فكانوا يخطّطون فيأتي الحاذق منهم ويصوّر صورة بيده على أنها كالذي صوّره الله ، ليقال : ما أشدّ مهارة هذا الرّجل وما أعرفه كيف يقلّد خلق الله عزّ وجلّ ، فيريدون بذلك أن يشاركوا الله سبحانه وتعالى في تصويره ، وهو سبحانه وتعالى لا شريك له: (( هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء )) ، (( هو الذي صوّركم فأحسن صوركم )).
فهتكه: يعني مزّقه عليه الصّلاة والسّلام وفي هذا دليل على مشروعيّة تمزيق الصّور التي تصوّر باليد، لأنه يضاهى بها خلق الله عزّ وجلّ، وإقرار المنكر كفعل المنكر.
وفيه الغضب إذا انتُهكت حرمات الله عزّ وجلّ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم غضب وهتكه.
وأما الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها : فهي في قصة المخزوميّة، وهي امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع فتجحده، يعني تأتي للناس تقول: أعرني قِدرًا، أعرني إناء، أعرني كذا، أعرني كذا، فإذا أعاروها جحدت وقالت: لم آخذ منكم شيئاً، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها لأن هذا نوع من السّرقة، وكانت امرأة من بني مخزوم من قبيلة من قبائل العرب ذات الأهمّية والشّأن، فأهمّ قريشًا شأنها، وقالوا: كيف تقطع يد المخزوميّة؟ ثمّ طلبوا شفيعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقالوا : ( أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : حِبُّه يعني محبوبه يعني أنّه يحبّه ، وأسامة هو زيد بن حارثة وزيد بن حارثة كان عبدًا وهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم فأعتقه ، وأسامة ابنه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبّهما ، وقالوا: ليس إلاّ أسامة بن زيد ، فتقدّم أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشفع فأنكر وعليه وقال : ( أتشفع في حدّ من حدود الله؟ ) ، ثمّ قام فاختطب : فخطب الناس وقال لهم عليه الصّلاة والسّلام : ( إنما من كان أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحد وايم الله ) : يعني أقسم بالله ( لو أن فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها ) : والشاهد من هذا أن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام غضب لشفاعة أسامة بن زيد في حدّ من حدود الله ، فالغضب لله عزّ وجلّ محمود ، وأما الغضب للإنتقام وحظّ النّفس فإنه مذموم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم حين طلب أحد الصّحابة أن يوصيه فقال : ( لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب ) ، فالفرق بين الغضبين ظاهر: الغضب لله ولشرائع الله محمود هو من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ودليل على غيرة الإنسان وعلى محبّته لإقامة شريعة الله.
أما الغضب للنفس فينبغي للإنسان أن يكظمه وأن يَحلَم وإذا أصابه الغضب فليستعذ بالله من الشيطان الرّجيم، وإذا كان قائمًا فليجلس وإذا كان جالسًا فليضطجع كلّ هذا مما يخفّف عنه الغضب، والله الموفق.
1 - تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وتلون وجهه وقال: يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله متفق عليه . وعنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتشفع في حد من حدود الله تعالى ؟ ) ثم قام فاختطب ثم قال: ( إنما أهلك من قلبكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤى في وجهه، فقام فحكه بيده فقال: ( إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجى ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل القبلة ولكن عن يساره أو تحت قدمه ) ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه إلى بعض فقال: ( أو يفعل هكذا ) متفق عليه ... " .
نقل المؤلّف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث " في باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشّرع والإنتصار لدين الله تعالى : ( عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤى في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن أحدكم قِبَل القبلة ولكن عن يساره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال: أو يفعل هكذا ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرّحيم :
هذا الحديث الذي ذكره النّووي -رحمه الله- في *رياض الصّالحين في باب الغضب إذا انتهك شرع الله عزّ وجلّ : ( أن الرّسول صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة ) أي : في قبلة المسجد ، ( فغضب عليه الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وحكّها بيده وقال: إنّ أحدكم يناجي ربّه ) : يعني إذا كان يصلّي فإنه يناجي الله، يعني يخاطبه والله عزّ وجلّ يرد عليه فقد جاء في الصّحيح : ( أنَ العبد إذا قال: (( الحمد لله ربّ العالمين )) أجابه الله فقال: حمدني عبدي، وإذا قال: (( الرّحمن الرّحيم )) قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: (( مالك يوم الدّين )) قال: مجّدني عبدي، وإذا قال: (( إياك نعبد وإيّاك نستعين )) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (( اهدنا الصّراط المستقيم )) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )، فأنت تناجي الله عزّ وجلّ بكلامه وتدعوه سبحانه وتعالى وتسبّحه وتمجّده وتعظّمه، فهو سبحانه وتعالى أمامك بينك وبين القبلة، وإن كان الله سبحانه وتعالى في السّماء فوق عرشه، فإنه أمامك، لأنه محيط بكلّ شيء : و (( ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير )) .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر منع التّنخم أمام القبلة يعني في قبلة الإنسان ذكر الشّيء المباح، لأن هذا هو الهدي وهذا هو الحكمة، أنك إذا ذكرت للناس ما هو ممنوع، أن تذكر لهم ما هو جائز، حتى لا تسد الأبواب عليهم، أمرَ إما الإنسان أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه أو في ثوبه ويحكّ بعضه ببعض، ثلاثة أمور: إما تحت قدمه يبصق ويطأ عليها، وإما عن يساره وهذا والذي قبله متعذّر إذا كان الإنسان في المسجد، لأنه يلوّثه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( البصاق في المسجد خطيئة )، وإما في ثوبه، فيبصق في ثوبه ويحكّ بعضه ببعض.
وفي هذا الحديث دليل على أنّ النّخامة ليست نجسة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أَمر أن يبصق المصلي تحت قدمه أو في ثوبه ولو كانت نجسة ما أذن له أن يبصق في ثوبه.
وفيه التعليم بالفعل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أو يقول هكذا ، وبصق في ثوبه وحكّ بعضه ببعض ) .
وفيه أيضا إطلاق القول على الفعل : ( أن يقول هكذا ).
وفيه أيضًا أن الإنسان لا حرج عليه أن يبصق أمام النّاس ولا سيما إذا كان للتعليم.
وفيه أن من المروءة أن لا يُرى في ثوبك شيء يستقذره الناس، لأنه حكّ بعضه ببعض لئلاّ تبقى صورتها في ثوبك، فإذا رآه الناس تأذّوا منه وكرهوه، فالإنسان ينبغي أن يكون نظيفًا في مظهره وفي ثيابه وفي غير ثيابه حتى لا يتقزّز الناس مما يشاهدونه منه، والشاهد مِن هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم تأثر وعُرف في وجهه الكراهية لما رأى النخامة في قبلة المسجد ، والله الموفّق.
2 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤى في وجهه، فقام فحكه بيده فقال: ( إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجى ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل القبلة ولكن عن يساره أو تحت قدمه ) ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه إلى بعض فقال: ( أو يفعل هكذا ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم . قال الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) وقال تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته )) متفق عليه ... " .
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم، ونصيحتِهم والشفقة عليهم، والنهي عن غشهم والتشديد عليهم، وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم :
قال الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )).
وقال تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تَذَكَّرون )).
وأما الأحاديث: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الباب الذي عقده المؤلف -رحمه الله- النّووي في *رياض الصّالحين باب عظيم مهم، يخاطَب به ولاة الأمور وتُخاطب به الرّعيّة، ولكلّ منهم على الآخر حقّ تجب عليه مراعاته:
أما ولاة الأمور فيجب عليهم الرّفق بالرّعيّة، والإحسان إليهم، واتّباع مصالحهم، وتولية مَن هو أهل للولاية، ودفع الشّرّ عنهم، وغير ذلك من مصالحهم، لأنهم مسؤولون عنهم أمام الله عزّ وجلّ.
وأما الرّعيّة فالواجب عليهم السّمع والطاعة في غير المعصية والنّصح للولاة، وعدم التّشويش عليهم، وعدم إثارة الناس عليهم، وطيّ مساوئهم، وبيان محاسنهم، لأن المساوئ يمكن أن يُنصح عنها الولاة سرّا بدون أن تنشر على النّاس، لأن نشر مساوئ ولاة الأمور أمام الناس لا يُستفاد منه بل لا يزيد الأمر إلاّ شدّة، تحمل صدورُ الناس البغضاء والكراهية لولاة الأمور ، وإذا كره الناس ولاة الأمور وأبغضوهم تمرّدوا عليهم، ورأوا أمرهم بالخير أمرًا بالشّرّ، ولم يسكتوا عن مساوئهم وحصل بذلك إغار الصّدور والشّرّ والفساد، والأمّة إذا تفرّقت وتمزّقت حصلت الفتنة بينها، ووقعت مثل ما حصل في عهد عثمان بن عفّان رضي الله عنه، حين بدأ الناس يتكلّمون فيه، فأوغروا الصّدور وحشدوا الناس ضدّه وحصل ما حصل من الفتن والشّرور إلى يومنا هذا، فولاّة الأمور لهم حقّ وعليهم حقّ، ثمّ استدل المؤلف رحمه الله بآيات من كتاب الله فقال: " وقول الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) " : يعني لا تتعلَّى عليهم ولا ترتفع في الجوّ بل اخفض جناحك، حتى إن كنت تستطيع أن تطير في الجوّ فاخفض جناحك، (( لمن اتّبعك من المؤمنين ))، وأما من خالفك وعصاك فأقم عليه العقوبة اللاّئقة به، لأن الله تعالى لم يقل: اخفض جناحك لكلّ أحد بل قال: (( لمن اتّبعك من المؤمنين ))، وأما المتمرّدون والعصاة فقد قال الله تعالى: (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويَسعَون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم مِن خلاف أو يُنفَوا من الأرض ذلك لهم خِزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )).
وقول الله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )) : إن الله يأمر بهذه الأمور الثلاثة :
بالعدل : وهو واجب، يجب على الإنسان أن يقيم العدل في نفسه، وفي أهله، وفي من استرعاه الله عليهم، في نفسه : في أن لا يثقل عليها في غير ما أمر الله وأن يراعيها، حتى في أمر الخير لا يثقل على نفسه، ولهذا لما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( أصوم ولا أفطر وأصلي ولا أنام ) : دعاه النبي عليه الصّلاة والسلام ونهاه عن ذلك، وقال: ( إن لنفسك عليك حقّا، ولربّك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه )، يأمر بالعدل كذلك في أهل الإنسان، اعدل في أهلك، من كان له زوجتان وجب عليه العدل بينهما، ومن كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقّه مائل.
يجب عليك العدل بين الأولاد، إذا أعطيت أحدهم ريالا أعط الآخر مثله، إذا أعطيت الولد ريالين أعط البنت ريالاً، وإذا أعطيت الولد ريالاً أعط البنت نصف ريال، حتى إن السلف يعدلون بين الأولاد في القُبَل، يعني إذا حَبَّ الولد الصّغير وأخوه عنده حبّ الولد الثاني لئلاّ يُجحف معهم في التّقبيل، وكذلك أيضاً في الكلام يجب أن تعدل بينهم، فلا تتكلّم مع أحدهم بكلام خشن ومع الآخر بكلام ليّن، وكذلك يجب العدل في من ولاّك الله عليهم، لا تحابي قريبك لأنه قريبك، ولا الغنيّ لأنه غنيّ، ولا الفقير لأنه فقير، ولا الصّديق لأنه صديق، لا تحابي أحدًا الناس سواء، حتى أن العلماء رحمهم الله قالوا يجب العدل بين الخصمين إذا دخل القاضي في لفظه، ولحظه، وكلامه، ومجلسه، ودخولهما عليه، لا تنظر لهذا نظرة غضب ولهذا نظرة رضا، لا تُليّن الكلام لهذا والثاني لا، لا تقل لأحدهم كيف أنت؟ كيف أهلك؟ كيف أولادك؟ والثاني لا تقول مثله اعدل بينهم حتّى في هذا، في المجلس لا تجعل أحدهما يجلس على اليمين قريبا منك والثاني بعيدا، اجعلهم كلّهم أمامك على حد سواء، حتى المؤمن والكافر إذا تخاصما عند القاضي يجب أن يعدل بينهما في الكلام والنّظر والجلوس ، لا يقول للمسلم: تعال جنبي والكافر يبعده، لا، يجعلهما يجلسان جميعا أمامه فالعدل واجب في كلّ الأمور.
أما الإحسان فهو فضل، الإحسان فضل زائد على العدل، ومع ذلك أمر الله به، لكن أَمره بالعدل واجب وأمره بالإحسان سنّة وتطوّع.
(( وإيتاء ذي القربى )) : يعني إعطاء ذي القربى يعني القريب حقّه، فإن القريب له حقّ، حقّ الصّلة، فمن وصل رحمه وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله، ويأتي إن شاء الله الكلام على الآية والحديث.
3 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم . قال الله تعالى: (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )) وقال تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته )) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) . متفق عليه . وفي رواية: ( فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة ) وفي رواية لمسلم: ( ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة ) ... " .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم، والنهي عن غشهم والتشديد عليهم، وإهمال مصالحهم، والغفلة عنهم وعن حوائجهم : " عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما مِن عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) متفق عليه.
وفي رواية: ( فلم يَحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة ).
وفي رواية لمسلم: ( ما مِن أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة ) " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق لنا الكلام على قول الله تعالى : (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون )) : ينهى عن الفحشاء : هو كلّ مايستفحش من الذّنوب كعقوق الوالدين، وقطع الأرحام، والزنا، ونكاح المحارم وغير ذلك مما يُستفحش شرعًا وعُرفًا.
والمنكر : ما ينكر وهو ما دون الفحشاء كعامّة المعاصي.
والبغي : التجاوز في الحدّ : وهو الإعتداء على الخلق بأخذ أموالهم، والإعتدء على دمائهم وأعراضهم، كل هذا يدخل في البغي، وبيّن الله عزّ وجلّ أنه أمر ونهى ليعظنا ويصلح أحوالنا ولهذا قال: (( يعظكم لعلّكم تذكّرون )).
وسبق لنا الكلام على حديث أن : ( كلّ إنسان راعٍ ومسؤول عن رعيّته ) .
وأما الحديث الذي ذكره المؤلف فإن فيه التّحذير من غشّ الرّعيّة وأنه : ( ما مِن عبد يسترعيه الله رعيته ، ثم يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) ، ( وأنه إذا لم يحطهم بنصيحة فإنه لا يدخل معهم الجنّة ) : وهذا يدل على أنه يجب على ولاّة الأمور الصّغيرة والكبيرة أن ينصحوا لمن ولاّهم الله عليهم وأن يبذلوا لهم النّصحية وأهمّها النّصيحة في دين الله : في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والدّعوة إلى الخير.
ومنها أيضًا ، من النّصيحة لهم : أن يسلك بهم الطّرق التي فيها صلاحهم في معادهم ومعاشهم ، فيمنع عنهم كلّ ما يضرّهم في دينهم ودنياهم، يمنع عنهم الأفكار السّيّئة ، والأخلاق السّافلة ، وما يؤدّي إلى ذلك من المجلات والصّحف وغيرها ، ولهذا يجب على وليّ الأمر في البيت أن يمنع من وجود هذه الأشياء في بيته : الصّحف الفاسدة، الأفكار المنحرفة، الأخلاق السّافلة.
وكذلك على وليّ الأمر العامّ يجب عليه أن يمنع هذه الأشياء ، وذلك لأن هذه الأشياء إذا شاعت بين الناس صار المجتمع مجتمعًا بهيميّاً لا يهمّه إلاّ شبع البطن وشهوة الفرج ، وتحصل الفوضى ويزول الأمن ، ويكون الشّرّ والفساد ، فإذا منع وليّ الأمر ما يفسد الخلق، سواء إذا كان ولي أمر صغير أو كبير حصل بهذا خير كثير .
لو أن كل واحد منا في بيته منع أهله من اقتناء هذه الصّحف والمجلاّت الخليعة الفاسدة ، ومن مشاهدة التمثيليّات الفاسدة ، والمسلسلات الخبيثة ، لَصَلح الناس ، لأن الناس هم أفراد الشّعب ، أنت في بيتك والثاني في بيته، والثالث في بيته وهكذا إذا صلحوا صلح كلّ شيء، نسأل الله تعالى أن يصلح ولاة أمورنا، وأن يرزقهم البطانة الصالحة.
4 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) . متفق عليه . وفي رواية: ( فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة ) وفي رواية لمسلم: ( ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة ) ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في بيتي هذا: ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ) رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال: أوفوا ببيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم واسألوا الله الذي لكم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ) متفق عليه ... " .
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم، والنهي عن غشهم والتشديد عليهم، وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم : " عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا : اللهم من ولي مِن أَمرِ أمتي شيئا فشقَّ عليهم فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خَلَفَه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وسيكون بعدي خلفاءُ فيكثرون ، قالوا يا رسول الله : فما تأمرنا ؟ قال: أوفوا ببيعة الأول فالأول ، ثم أعطوهم حقهم ، واسألوا الله الذي لكم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلّف الحافظ النّووي في *رياض الصّالحين ، في باب أمر ولاة الأمور بالرفق واللين ورعاية مصالح من استرعاهم الله عليهم، قال في سياق الأحاديث : ما نقله عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيتي هذا يقول: اللهم من ولي من أمر أمّتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه ) : وهذا دعاء من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم على مَن تولّى أمور المسلمين الخاصّ والعامّ، حتى الإنسان يتولّى أمر بيته، وحتى مدير المدرسة يتولّى أمر المدرسة، وحتى المدرّس يتولى أمر الفصل، وحتى الإمام يتولّى أمر المسجد، ولهذا قال: ( مَن وَلِي مِن أمر أمّتي شيئًا ) وشيئًا نكرة في سياق الشّرط، وقد ذكر علماء الأصول أن النكرة في سياق الشّرط تفيد العموم، أي شيء يكون، فرفق بهم فارفق به، ولكن ما معنى الرّفق؟
قد يظنّ بعض الناس أنّ معنى الرّفق : أن تأتي للناس على ما يشتهون ويريدون، وليس الأمر كذلك، بل الرّفق أن تسير بالناس حسب أمر الله ورسوله، ولكن تسلك أقرب الطّرق وأرفق الطرق بالناس، ولا تشقّ عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله، فإن شققت عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله فإنك تدخل في الطرف الثاني من الحديث : أن الله يشقّ عليك والعياذ بالله ، يشق عليك إما بآفات في بدنه، أو في قلبه، أو في صدره، أو في أهله، أو في غير ذلك لأن الحديث مطلق، ( فاشقق عليه ) : بأيّ شيء يكون ، وربّما لا يظهر للناس المشقّة قد يكون في قلبه نار تلظّى والناس لا يعلمون، لكن نحن نعلم أنه إذا شقّ على الأمّة بما لم ينزّل به الله سلطانًا فإنه مستحقّ لهذه الدّعوة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
أما الحديث الثاني : فإن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أخبر بأنّ بني إسرائيل تسوسهم الأنبياء : أي تبعث بهم الأنبياء فيصلحون مِن أحوالهم ، وإنه لا نبيّ بعدي : فإن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النّبيين بالنّصّ والإجماع كما قال تعالى: (( ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النّبيين )) ، ولهذا من ادّعى النّبوّة بعده فهو كافر مرتدّ يجب قتله ، ومن صدّق من ادّعى النّبوّة بعده فهو كاذب مرتدّ يجب قتله إلاّ أن يتوب ، فالنّبي عليه الصّلاة والسّلام هو خاتم الأنبياء، ولكن جعل الله له خلفاء، خلفاء في العلم وخلفاء في السّلطة والمراد بالحديث، المراد بالخلفاء في هذا الحديث : خلفاء السّلطة ولهذا قال : ( سيكون خلفاء ويكثرون، قالوا: يا رسول الله -يعني من نفي ببيعته؟- قال: الأوّل فالأوّل ) : فإذا بايعوا الخليفة وجب عليهم أن يبقوا على بيعتهم وأن ينبذوا من أراد الخلافة وهو حيّ ، وأن يعينوا الخليفة الأول على من أراد الخلافة في حياة الأول ، لأن كلّ من نازع السّلطان في سلطانه فإنه يجب أن يقاتل حتى تكون الأمّة واحدة ، فإن الناس لو تركوا فوضى وصار كل من لا يريد هذا السّلطان يذهب ويتّخذ له حزبا يقاتل به السلطان فسدت الأمور .
وفي آخر الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حمّل هؤلاء الخلفاء ما عليهم ، وأمرنا نحن أن نوفيَ لهم بحقّهم وأن نسأل الله الذي لنا، لا نقول : هؤلاء ظلموا، هؤلاء جاروا، هؤلاء لم يقوموا بالعدل، ثمّ ننابذهم ولا نطيعهم فيما أمر الله به، لا، هذا لا يجوز، يجب أن نوفي لهم بالحقّ وأن نسأل الله الحق الذي لنا ، كالإنسان الذي له قريب إذا قطعك فصله واسأل الله الذي لك، أما أن تقول: لا أصل إلاّ من وصلني أو لا أطيع من السلطان إلاّ من لا يظلم ولا يستأثر بالمال ولا غيره فهذا خطأ، أنت قم بما يجب عليك، واسأل الله الذي لك، وفي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( تسوسهم الأنبياء ) : دليل على أنّ الدين الإسلامي ، بل على أن دين الله وهو دين الإسلام في كلّ مكان وفي كلّ زمان هو السّياسة، هو السّياسة الحقيقية النافعة ، وليست السّياسة التي يفرضها أعداء الإسلام من الكفار، السّياسة الحقيقة ما جاء في شرع الله، ولهذا نقول : " إن الإسلام شريعة وسياسة ومن فرّق بين السّياسة والشّريعة فقد ضلّ " ، ففي الإسلام سياسة الخلق مع الله وبيان العبادات، سياسة الإنسان مع أهله، مع جيرانه، مع أقاربه، مع أصحابه، مع تلاميذه، مع معلّميه، مع كلّ أحد، كلّ له سياسة تخصّه، سياسة مع الأعداء الكفار ما بين حربيين، ومعاهدين، ومستأمنين، وذمّيين، وكلّ طائفة قد بيّن الإسلام حقوقهم وأمر أن نسلك بهم كما يجب، فمثلا الحربيّون حربيون نحاربهم ودماؤهم حلال لنا وأموالهم حلال لنا، وأراضيهم حلال لنا، والمستأمنون يجب أن نؤمّنهم : (( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه )) ، والمعاهدون يجب أن يوفى لهم بعهدهم ، ثمّ إما أن نطمئن إليهم، أو نخاف منهم، أو ينقضوا العهد، ثلاث حالات كلّها مبيّنة في القرآن: إن اطمأننا إليهم وجب أن نفي لهم بعهدهم، وإن خفناهم فقد قال الله تعالى: (( وإما تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين )) : قل لهم : ما بيننا عهد إذا خفت ، ولا تنقض العهد بدون أن تخبرهم ، والثالث : الذين نقضوا العهد : (( فقاتلوا أئمّة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون )) ، إذا نقضوا العهد فلا أيمان لهم ولا عهد لهم .
فالمهم أن الدّين دين الله، وأن الدين سياسة: سياسة شرعيّة، سياسة اجتماعية، سياسة مع الأجانب، ومع المسالمين، مع كل أحد، ومن فصل الدين عن السّياسة فقد ضلّ، فهو بين أمرين: إما جاهل بالدّين ولا يعرف، ويظنّ أن الدّين عبادات بين الإنسان وبين ربّه، وحقوق شخصية وما أشبه ذلك، يظن هذا هو الدّين.
أو أنه قد بهره الكفرة وما هم عليه من القوة المادية فظنّ أنهم هم المصيبون، وأما من عرف الإسلام حقّ المعرفة عرف أنه شريعة وسياسة، والله الموفّق.
5 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في بيتي هذا: ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ) رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال: أوفوا ببيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم واسألوا الله الذي لكم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائذ بن عمرو رضي الله عنه أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال له أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم ) متفق عليه . وعن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه أنه قال لمعاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة ) . فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس رواه . أبو داود والترمذي ... " .
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم، والنهي عن غشهم والتشديد عليهم، وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم : " عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه: أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال له: أي بني إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن شر الرعاء الحطمة )، فإياك أن تكون منهم، متفق عليه.
وعن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه، أنه قال لمعاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( مَن ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة )، فجعل معاوية رجلاً على حوائج الناس، رواه أبو داود والترمذي " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث في بيان ما يجب على الرّعاة لرعيّتهم من الحقوق ، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : ( إن شرَّ الرِّعاء الحُطَمة ) : الرعاء جمع راعٍ، والحطمة : الذي يحطم الناس ويشقّ عليهم ويؤذيهم فهذا شرّ الرّعاء، وإذا كان هذا شرّ الرّعاء فإن خير الرّعاء : اللين السّهل الذي يصل إلى مقصوده بدون عنف ، فيستفاد من هذا الحديث فائدتان : الفائدة الأولى : أنه لا يجوز للإنسان الذي ولاّه الله تعالى على أمر من أمور المسلمين أن يكون عنيفاً عليهم بل يكون رفيقاً بهم.
الفائدة الثانية : وجوب الرّفق بمن ولاّه الله عليهم ، بحيث يرفق بهم في قضاء حوائجهم وغير ذلك مع كونه يستعمل الحزم والقوّة والنّشاط ، يعني لا يكون ليّنا مع ضعف ، ولكن ليناً بحزم وقوّة ونشاط.
وأما الحديث الثاني : ففيه التحذير من اتّخاذ الإنسان الذي يوليه الله تعالى أمرًا من أمور المسلمين حاجبًا يحول دون خلّتهم وفقرهم وحاجتهم، وأما من فعل ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يحول بينه وبين حاجته وخلّته وفقره، لما حُدّث معاوية رضي الله عنه بهذا الحديث اتّخذ رجلا لحوائج الناس، يستقبل الناس وينظر ما حوائجهم ثمّ يرفعها إلى معاوية رضي الله عنه بعد أن كان أميرا للمؤمنين، وهكذا أيضًا من له نوع من الولاية وحاجة الناس إليه ، فإنه لا ينبغي أن يحتجب دون حوائجهم ، ولكن له أن يرتب أموره بحيث يجعل لهؤلاء وقتا ولهؤلاء وقتا ولهؤلاء وقتا حتى لا تنفرط عليه الأمور، والله الموفّق.
6 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائذ بن عمرو رضي الله عنه أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال له أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم ) متفق عليه . وعن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه أنه قال لمعاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة ) . فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس رواه . أبو داود والترمذي ... " . أستمع حفظ
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الوالي العادل . قال الله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) وقال تعالى (( وأقسطوا إن الله يحب المقسطين )) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ورجل معلق قلبه في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) متفق عليه ... " .
قال رحمه الله تعالى : " باب الوالي العادل :
قال الله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون )).
وقال تعالى: (( وأقسطوا إن الله يحب المقسطين )).
وأما الأحاديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشابٌ نشأ في عبادة الله تعالى، ورجلٌ معلق قلبه في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال النووي -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصالحين : " باب الوالي العادل " : الوالي هو من يتولّى أمرًا من أمور المسلمين الخاصّة أو العامّة حتى الرّجل في أهل بيته يعتبر واليًا عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الرّجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيّته ) ، والعدل واجب حتى في معاملة الإنسان نفسه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : ( إنّ لنفسك عليك حقّا، ولربّك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، ولزورِك عليك حقّا -أي الزائر لك- فأعط كلّ ذي حقّ حقّه ) : فالعدل واجب في كلّ شيء ، لكنّه في ولاّة الأمور أوكد وأولى وأعظم ، لأنّ خلاف العدل إذا وقع من ولاّة الأمور حصلت الفوضى والكراهة لوليّ الأمر حيث لم يعدل ، ولكن موقفنا نحو الإمام أو نحو الوالي الذي ليس بعادل أن نصبر ، نصبر على ظلمه ، وعلى جوره ، وعلى استئثاره ، حتى إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى الأنصار رضي الله عنهم ، وقال لهم : ( إنّكم ستلقون بعدي أثرة -يعني استئثارا عليكم- فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض ) : وذلك لأن منازعة وليّ الأمر يحصل بها الشّرّ والفساد الذي هو أعظم من جوره وظلمه ، ومعلوم أن العقل والشّرع ينهى عن ارتكاب أشدّ الضّررين ، ويأمر بارتكاب أخفّ الضّررين ، ثمّ ساق المؤلف -رحمه الله- آيات وأحاديث منها قوله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) : العدل واجب، والإحسان فضل وزيادة فهو سنّة.
7 - شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الوالي العادل . قال الله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) وقال تعالى (( وأقسطوا إن الله يحب المقسطين )) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ورجل معلق قلبه في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) متفق عليه ... " . أستمع حفظ