تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الوالي العادل . قال الله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) وقال تعالى (( واقسطوا إن الله يحب المقسطين )) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ورجل معلق قلبه في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) متفق عليه ... " .
الشيخ : استئثارًا عليكم ، ( فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض ) : وذلك لأن منازعة وليّ الأمر يحصل بها الشّرّ والفساد الذي هو أعظم من جوره وظلمه ، ومعلوم أن العقل والشّرع ينهى عن ارتكاب أشدّ الضّررين ويأمر بارتكاب أخفّ الضّررين . ثمّ ساق المؤلف -رحمه الله- آيات وأحاديث منها قوله تعالى: (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) : العدل واجب، والإحسان فضل وزيادة، فهو سنّة، وحسبته أن يذكر قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم )) وقوله: (( إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نِعمّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً )) : والعدل من الوالي أن لا يفرّق بين الناس، لا يجور على أحد، لا يُحابي غنيّاً لغناه، ولا قريباً لقرابته، ولا فقيراً لفقره، ولكن يحكم بالعدل، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا : " يجب على القاضي أن يستعمل العدل مع الخصمين ولو كان أحدهما كافرا "، يعني : لو دخل كافر ومسلم على القاضي فإن الواجب أن يعدل بينهما في الجلوس والمكالمة والملاحظة بالعين وغير ذلك ، لأن المقام مقام حكم يجب فيه العدل ، وإن كان بعض الجهال يقول: لا، قدّم المسلم، نقول : لا يجوز أن نقدّم المسلم ، لأن المقام مقام محاكمة ومعادلة ، فلا بدّ من العدل في كلّ شيء ، ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ) : سبعة يظلّهم الله : وليس هذا على سبيل الحصر ، فيه أناس آخرون يظلّهم الله غير هؤلاء ، وقد جمعهم الحافظ ابن حجر في *شرح البخاري فزادوا على العشرين ، لكن الرسول عليه الصّلاة والسّلام يتحدّث أحياناً بما يناسب المقام ، فتجده يقول : سبعة، ثلاثة، أربعة وما أشبه ذلك مع أن هناك أشياء أخرى لم يذكرها ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلّم أفصح الخلق ، وأقواهم بلاغة ، فيتحدّث بما يناسب المقام وقوله : ( سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ) : وذلك يوم القيامة، لأنه في يوم القيامة ليس هناك شجر ولا بناء، ولا جبال، ولا ثياب، ولا غير ذلك، حتى الناس يحشرون حفاة عراة غُرلًا، ما فيه ظلّ ، ليس فيه إلاّ ظلّ الله أي : ظل يخلقه الله عزّ وجلّ يظلّل من يظلّهم الله تعالى في ذلك اليوم، لأنه ما فيه ظلّ بناء، لا ظلّ شجر، ولا ظلّ ثياب، ولا ظلّ مصنوعات أبدًا، ما فيه إلاّ الظّلّ الذي ييسّره الله تعالى للإنسان، يخلق الله عزّ وجلّ ظلاّ من عنده، الله أعلم بكيفيّته ويظلّل الإنسان: أولّا: إمام عادل : بدأ بالإمام العادل الذي يعدل بين الناس، وأهم عدل في الإمام أن يحكم بين الناس بشريعة الله، لأن شريعة الله هي العدل، وأما من حكم بالقوانين الوضعيّة المخالفة للشريعة فهو من أشد الولاة جورًا والعياذ بالله، وأبعد الناس أن يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، لأنه ليس من العدل أن تحكم بين عباد الله بشريعة غير شريعة الله، مَن جعل لك هذا؟ احكم بين الناس بشريعة ربّهم عزّ وجلّ، فأعظم ما يدخل في ذلك أن يحكم الإمام بشريعة الله . ومن ذلك أن يقتص الحقّ حتى مِن نفسه، ومن أقرب الناس إليه، لقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء الله )) . ومن ذلك أيضًا أن لا يفرّق بين قريبه وغيره، فتجده إذا كان الحق على القريب تهاون في تنفيذه، وجعل يمطّط ويؤخّر، وإذا كان لقريبه على غيره بادر فاقتصّ منه، فإن هذا ليس مِن العدل، والعدل في وليّ الأمر له فروع كثيرة، وأنواع كثيرة، لا يتّسع المقام الآن لذكرها، فنسأل الله تعالى أن يوفّق المسلمين لأئمّة عادلين، يحكمون فيهم بكتاب الله، وبشريعة الله التي اختارها لعباده.
قرءاة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) رواه مسلم . وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم ؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة ) رواه مسلم . وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال ) رواه مسلم ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب الوالي العادل : " عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا ) رواه مسلم. وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة ) رواه مسلم. وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال ) رواه مسلم " .
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ورجل معلق قلبه في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) متفق عليه
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : تقدّم لنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه: إمام عادل ) وتقدّم معنى قوله: إمام عادل، أما الثاني قال: ( شاب نشأ في طاعة الله ) : الشاب صغير السّنّ، نشأ في طاعة الله واستمر على ذلك هذا أيضا ممّن يظلّه الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، لأنه ليس له صَبوة، والغالب أن الشّباب يكون لهم صَبوة وميل وانحراف، ولكن إذا كان هذا الشّاب نشأ في طاعة الله ولم يكن له ميل ولا انحراف واستمرّ على هذا فإن الله تعالى يظلّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، والثالث: ( رجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه ) : رجلان تحابّا في الله : يعني ليس بينهما صلة مِن نسب أو غيره ، ولكن تحابّا في الله : كلّ واحد منهما رأى أن صاحبه ذو عبادة وطاعة لله عزّ وجلّ وقيام بما يجب لأهله ولمن له حقّ عليه ، فرآه على هذه الحال فأحبّه ، اجتمعا عليه وتفرّقا عليه : يعني اجتمع عليه في الدّنيا وبقيا إلى أن ماتا ، تفرّقا على ذلك ، هذان أيضا ممّن يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه. ( ورجل قلبه معلّق بالمساجد ) : قلبه معلّق بالمساجد يعني : أنه يألف الصّلاة ويحبّها ، وكلّما فرغ من صلاة إذا هو يتطلّع إلى صلاة أخرى ، فالمساجد أماكن السّجود سواء بُنيت للصّلاة فيها أو لا، المهم أنه دائماً يرغب في الصّلاة ، قلبه معلّق بها ، كلّما فرغ من صلاة تطلّع للصّلاة الأخرى ، وهذا يدل على قوّة صلته بالله عزّ وجلّ ، لأن الصّلاة صلة بين العبد وبين ربّه ، فإذا أحبّها الإنسان وألفها فهذا يعني أنّه يحبّ الصّلة بينه وبين الله ، فيكون ممّن يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه. ( ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ) : يعني دعته لنفسها ليفجرَ بها ولكنّه كان قويّ العِفّة، طاهر العِرض، قال : ( إني أخاف الله ) : فهو رجل ذو شهوة، والدّعوة التي دعته إليها هذه المرأة توجب أن يفعل، لأنها هي التي طلبته، والمكان خالٍ ليس فيه أحد، ولكن منعه من ذلك خوف الله عزّ وجلّ قال: ( إنّي أخاف الله )، لم يقل: أخشى أن يطّلع علينا أحد، ولم يقل: إنه لا رغبة له في الجماع، ولكن قال: إني أخاف الله، فهذا يظلّه الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه لكمال عفّته. ( ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) : تصدّق بصدقة مخلصًا بذلك لله عزّ وجلّ، حتى إنه لو كان أحد على يساره ما علم بذلك مِن شدّة الإخفاء، فهذا عنده كمال الإخلاص فيظلّه الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، وهذا ما لم يكن إظهار الصّدقة فيه مصلحة وخير، فإذا كان في إظهار الصّدقة مصلحة وخير كان إظهارها أولى، لكن إذا لم يكن فيه مصلحة فالإسرار أولى. والسابع: ( رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ) : ذكر الله خاليًا في مكان لا يطّلع عليه أحد، خاليًا قلبه من التّعلّق بالدّنيا، فخشع من ذلك وفاضت عيناه، هؤلاء سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، قد توجد صفتان فأكثر في شخص واحد، وقد لا يوجد في الإنسان إلاّ صفة واحدة وهي كافية.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) رواه مسلم ... " .
الشيخ : ثم ذكر المؤلف حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنَّ المقسطين عند الله على منابر مِن نور يوم القيامة الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُوا ) : أو : ( وما وَلَوا ) : يعني أن المقسطين العادلين في أهليهم وفي مَن ولاّهم الله عليه يكونون على منابر من نور يوم القيامة على يمين الله عزّ وجلّ ، وهذا دليل على فضل العدل في الأهل وكذلك في الأولاد، وكذلك أيضًا في كلّ ما ولاّك الله عليه، اعدل حتى تكون على منابر من نور عن يمين الله عزّ وجلّ يوم القيامة، والله الموفّق.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم ؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة ) رواه مسلم . وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أهل الجنة ثلاثة: ( ذو سلطان مقسط موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربي ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال ) رواه مسلم ... " .
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب الوالي العادل : " عن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرارُ أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة ) رواه مسلم. وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيفٌ متعفف ذو عيال ) رواه مسلم " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال النووي -رحمه الله- في كتاب *رياض الصالحين في باب الوالي العادل : عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( خيار أئمتّكم الذين تحبونهم ويحبّونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرارُ أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم ) : الأئمة يعني ولاّة الأمور سواء كان الإمام الكبير في البلد وهو السّلطان الأعلى ، أو كان من دونه ، هؤلاء الأئمة الذين هم ولاّة أمورنا ينقسمون إلى قسمين : قسم نحبّهم ويحبّوننا ، فتجدنا ناصحين لهم ، وهم ناصحون لنا ، ولذلك نحبّهم لأنهم يقومون بما أوجب الله عليهم مِن النّصيحة لمن ولاّهم الله عليهم . ومعلوم أن من قام بواجب النّصيحة فإن الله تعالى يحبّه ثم يحبّه أهل الأرض ، فهؤلاء الأئمّة الذين قاموا بما يجب عليهم محبوبون لدى رعيّتهم ، ( ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم ) : الصّلاة هنا بمعنى الدّعاء ، يعني تدعون لهم ويدعون لكم، تدعون لهم بأن الله يهديهم ويصلح بطانتهم ويوفّقهم للعدل إلى غير ذلك من الدّعاء الذي يُدعى به للسّلطان، وهم يدعون لكم : اللهم أصلح رعيّتنا، اللهم اجعلهم قائمين بأمرك وما أشبه ذلك . أما شرار الأئمّة فهم الذين يقول الرسول عليه الصّلاة والسّلام : ( الذين تبغضونهم ويبغضونكم ) : تكرهونهم لأنهم لم يقوموا بما يجب عليهم من النّصيحة للرّعيّة وإعطاء الحقوق إلى أهلها ، وإذا فعلوا ذلك فإن الناس يبغضونهم فيحصل البغضاء من هؤلاء وهؤلاء، تحصل البغضاء من الرّعيّة للرعاة ، لأنهم لم يقوموا بواجبهم، ثمّ تحصل البغضاء من الرعاة للرّعيّة ، لأن الرّعيّة إذا أبغضت الوالي تمرّدت عليه وكرهته ولم تطع أوامره ولم تتجنّب ما نهى عنه ، وحينئذ يلعنونكم وتلعنونهم والعياذ بالله، يعني يسبّونكم وتسبونهم، أو يدعون عليكم باللعنة وتدعون عليهم باللعنة . إذن الأئمة ينقسمون إلى قسمين : قسم وفّقوا وقاموا بما يجب عليهم فأحبهم الناس وأحبّوا الناس، وصار كلّ واحد منهم يدعو للآخر، وقسم آخر بالعكس شرار الأئمة، يبغضون الناس والناس يبغضونهم ويسبّون الناس والناس يسبّونهم. أما حدبث عياض ين حمار رضي الله عنه، فهو : أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ( أهل الجنّة ثلاثة ذو سلطان مقسط موفق ) : وهذا هو الشّاهد، يعني صاحب سلطان ، والسّلطان يعمّ السلطة العليا وما دونها، مقسط أي : عادل بين من ولاه الله عليه، موفّق : أي مهتدٍ لما فيه التوفيق والصّلاح قد هدي لما فيه الخير ، فهذا من أصحاب الجنّة، وقد سبق أن الإمام العادل ممن يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، وهذا هو الشاهد مِن هذا الحديث : ( ذو سلطان مقسط موفّق ). الثاني : ( ورجل رحيمٌ رقيقُ القلب لكلّ ذي قربى ومسلم ) : رجل رحيم يرحم عباد الله، يرحم الفقراء، يرحم العجزة، يرحم الصّغار يرحم كلّ من يستحقّ الرّحمة . ( رقيق القلب ) ليس قلبه قاسيًا، ( لكلّ ذي قربى ومسلم ) : وأما للكفّار فإنه غليظ عليهم، هذا أيضا من أهل الجنّة، أن يكون هذا الإنسان رقيق القلب : يعني فيه لين وفيه شفقة على كلّ ذي قربى ومسلم. والثالث : ( رجل عفيف متعفّف ذو عيال ) : يعني أنه فقير لكنّه متعفّف لا يسأل الناس شيئاً، يحسبه الجاهل غنيّا من التّعفّف. ( ذو عيال ) : يعني أنّه مع فقره ، عنده عائلة ، فتجده صابرا محتسبا يكدّ على نفسه ربّما يأخذ الحبل يحتطب ويأكل منه ، أو يأخذ المخلب يحتش فيأكل منه ، المهم أنه عفيف متعفّف ذو عيال ، ولكنّه صابر على البلاء، صابر على عياله فهذا من أهل الجنّة ، نسأل الله أن يجعل لنا ولكم من هؤلاء نصيباً ، والله الموفّق. السائل : شيخ بارك الله فيك، هل يجوز اللعن على أفراد المسلمين؟
السائل : شيخنا بارك الله فيكم : هل يجوز للمسلم أن يُطلق اللعن على إخوانه المسلمين ؟ الشيخ : لا يجوز للمسلم أن يطلق اللعن على المسلمين، لكن يجوز أن يطلق اللعن على مَن آذاه عموما أو على الكافر أو ما أشبه ذلك.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية . قال الله تعالى: (( يا أيها اللذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) . وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه . وعنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: ( فيما استطعتم ) متفق عليه . وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية رواه مسلم وفي رواية له: ( ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية ) ... " .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية : قال الله تعالى: (( يا أيها اللذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )). ومن الأحاديث : عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه. وعنه رضي الله عنه قال: ( كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: فيما استطعتم ) متفق عليه. وعنه رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية ) رواه مسلم. وفي رواية له: ( ومَن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية ) " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصّالحين : " باب وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية وتحريم طاعتهم في معصية الله " : ثمّ استدل لذلك بقوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) . ولاة الأمور : ذكر أهل العلم أنهم قسمان : العلماء، والأمراء . أما العلماء : فهم ولاة أمور المسلمين في بيان الشّرع وتعليم الشّرع وهداية الخلق إلى الحقّ ، فهم ولاّة أمور . وأما الأمراء : فهم ولاّة الأمور في ضبط الأمن وحماية الشّريعة وإلزام الناس بها فصار هؤلاء وجهة ولهؤلاء وجهة ، والأصل العلماء ، لأن العلماء هم الذين يبيّنون الشّرع ويقولون للأمراء هذا شرع الله فاعملوا به، ويلزم الأمراء ذلك ، لكن الأمراء إذا عَلِموا الشّرع ولا طريق لهم إلى علم الشّرع إلاّ عن طريق العلماء، إذا علموا الشّرع نفّذوه على الخلق . والعلماء يؤثّرون فيمن في قلبه إيمان ودين، لأن الذي في قلبه إيمان ودين ينصاع للعلماء، ويأخذ بتوجيهاتهم وأمرهم، والأمراء ينصاع لهم من خاف من سطوتهم وكان عنده ضعف إيمان، يخاف من الأمير أكثر مما يخاف من العالم، بعضهم أكثر مما يخاف من الله والعياذ بالله، فلذلك كان لابدّ للأمّة الإسلامية من علماء وأمراء، وكان واجبًا على الأمّة الإسلامية أن يطيعوا العلماء وأن يطيعوا الأمراء، ولكن طاعة هؤلاء وهؤلاء تابعة لطاعة الله، لقوله تعالى: (( أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم )): ولم يقل: أطيعوا أولي الأمر منكم، لأن طاعة ولاّة الأمر تابعة لا مستقلّة، أما طاعة الله ورسوله فهي مستقلّة ولهذا أعاد فيها الفعل، قال: أطيعوا وأطيعوا، وأما طاعة ولاة الأمور فإنها تابعة وليست مستقلّة وعلى هذا فإذا أمر ولاة الأمور بمعصية الله، فإنه لا سمع لهم ولا طاعة، لأنّ ولاة الأمور فوقهم ولي الأمر الأعلى جلّ وعلا وهو الله، فإذا أمروا بمخالفته فلا سمع له ولا طاعة، ثمّ ذكر المؤلف رحمه الله أحاديث في هذا المعنى يأتي الكلام عليها إن شاء الله في المستقبل. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : "باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية : قال الله تعالى: (( يا أيها اللذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )). وأما الأحاديث : عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه. وعنه رضي الله عنه قال: ( كنا إذا بايَعْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: فيما استطعتم ) متفق عليه. وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم . وفي رواية له: ( ومَن مات وهو مُفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية ) " .
تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية ..وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه .
وعنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: ( فيما استطعتم ) متفق عليه . وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية رواه مسلم وفي رواية له: ( ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية ) ... " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : تقدّم الكلام على قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )): وأنها تدل على وجوب طاعة ولاة الأمور العلماء والأمراء لكن في غير المعصية. أما الأحاديث : فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وفيما كره، إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) . ( على المرء ) : هذه كلمة تدلّ على الوجوب، وأنه يجب على المرء المسلم بمقتضى إسلامه أن يسمع ويطيع لولاة الأمور فيما أحبّ وفيما كره، حتى لو أمر بشيء يكرهه، فإنه يجب عليه أن يقوم به ولو كان لا يراه، ولو كان يرى خلافه، ولو كان يكره أن ينفّذه، فالواجب عليه أن ينفّذه، إلاّ إذا أُمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية الله فطاعة الله تعالى فوق كلّ طاعة ، ( ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ). وفي هذا دليل على بطلان مسلك من يقول: " لا نطيع ولاة الأمور إلاّ فيما أمر الله به " : يعني إذا أمرونا نصلي صلّينا، إذا أمرونا نزكّي زكّينا، إذا أمرونا بشيء ما فيه أمر شرعي فإنه لا يجب علينا طاعتهم، لأننا لو وجبت علينا طاعتهم لكانوا مشرّعين، فإن هذه نظرة باطلة مخالفة للقرآن والسّنّة، لأننا لو قلنا: لا نطيعهم إلاّ في ما أمرنا الله به لم يكن بينهم وبين غيرهم فرق، كلّ إنسان يأمر بمعورف وينهى عن منكر فإنه يُطاع، ثم نقول: بل نحن قد أُمرنا بطاعتهم في ما لم يأمرنا الله عزّ وجلّ إذا لم يكن ذلك منهيّا عنه أو محرّما فإننا نطيعهمم، حتى في التّنظيم، إذا نظّموا شيئًا من الأعمال يجب علينا أن نطيعهم، وذلك أن بطاعتهم امتثال أمر الله عزّ وجلّ، وامتثال أمرِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وحفظ الأمن، والبعد عن التّمرّد عن ولاة الأمور وعن التّفرق، فإذا قلنا: لا نطيعهم إلا في شيء أمرنا به، فهذا معناه أنه لا طاعة لهم . يأتي بعض الأنظمة مثلا تنظّم فيها الحكومة شيئًا، نظامًا لا يخالف الشّرع لكن لم يأت به الشّرع بعينه، فيأتي بعض الناس ويقول: لا نطيعه في هذا فيقال: بل عليك أن تطيع، فإن عصيت فإنك آثم مستحقّ لعقوبة الله ومستحقّ لعقوبة ولاة الأمور، وعلى ولاة الأمور أن يعزّروا مثل هؤلاء الذين يعصون أوامرهم التي يلزمهم أن يقوموا بها، لأنهم إذا عصوا أوامر ولاة الأمور وقد أمرهم الله بطاعتهم فيها، فهذا معصية لله وكل إنسان يعصي الله فإنّه يستحقّ التّعزير، يعني التأديب بما يراه وليّ الأمر، من ذلك مثلا أنظمة المرور، أنظمة المرور هذه مما نظّمه وليّ الأمر وليس فيها معصية، فإذا خالفها الإنسان فهو عاصٍ وآثم، مثلا السير يكون على اليسار، السير يكون على اليمين، السّير في الإتّجاه الفلاني، السّير يجب أن يقف إذا صارت الإشارة حمراء، وما أشبه ذلك، كلّ ذلك يجب أن ينفّذ وجوبا، فمثلا إذا ضربت الإشارة الحمراء وجب عليك الوقوف لا تقل الله ما أمرني! نظّموا لك هذا التنظيم وقالوا لك امش عليه، فإذا تجاوزت فإنّك عاصٍ آثم، لأنك قلت: لربك لا سمع ولا طاعة والعياذ بالله فإن الله يقول: (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) . كذلك أيضا في التّقاطع، معروف أن الذي في الخطّ العامّ هو الذي له الحقّ أن يتجاوز، إذا كنت في الخطّ الفرعي ووجدت إنسان مقبل من الخطّ العامّ فلا تتجاوز لأن النظام يقتضي منع ذلك، وهكذا أيضا الأنظمة في الإمارة، الأنظمة في القضاء، كلّ الأنظمة التي لا تخالف الشّرع، فإنه يجب علينا أن نطيع ولاة الأمور فيها، وإلاّ أصبحت المسألة فوضى وكلّ إنسان له رأي وكل إنسان يحكم على ما يريد، وأصبحت ولاة الأمور لا قيمة لهم، بل هم أمراء بلا أمر وقضاة بلا قضاء، فالواجب أن الإنسان يمتثل أمر ولاة الأمور إلاّ في ما كان في معصية الله، لو قالوا لنا مثلا: لا تخرجوا إلى المساجد تصلون الجمعة و الجماعة، قلنا لهم: لا سمع ولا طاعة. لو قالوا: اظلموا الناس بشيء قلنا: لا سمع ولا طاعة، كل شيء حرّمه الله فإنه لا طاعة لهم فيه أبدًا، لو قالوا مثلا احلقوا اللحى، مثل بعض الدّول يقولون لرعاياهم ولا سيما جنودهم الذين عندهم لو قالوا: احلقوا اللحى قلنا: لا، لا سمع لكم ولا طاعة، وهم آثمون بقولهم لجنودهم مثلا احلقوا اللحى، هم آثمون مضادّون لله ورسوله، منابذون لله ورسوله، كذلك لو قالوا مثلا : انزلوا ثيابكم إلى أسفل من الكعبين فإننا نقول: لا، لا سمع ولا طاعة لأن هذا مما حرّمه الله وتوعّد عليه، فإذا آمرتمونا بمعصية فإننا لا نسمع لكم ولا طاعة، ولنا ولكم ربّا حكمه فوق حكمنا وحكمكم. فإذن أوامر ولاة الأمور تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أن يأمروا بما أمر الله به، فهنا تجب طاعتهم لوجهين: الوجه الأول: أنه مما أمر الله به، والوجه الثاني: أنّه مما أَمروا به كغيرهم من الناس إذا أمرك شخص بمعروف وهو واجب وجب عليك أن تقوم به. الثاني: أن يأمروا بمعصية الله فهنا لا سمع لهم ولا طاعة مهما كان وأنت إذا نالك عذاب منهم بسبب هذا فسيعقابون عليه هم يوم القيامة أولا: لحق الله وثانيا: لحقّك، لحقّ الله، لأن أمرهم بمعصية الله منابذة لله عزّ وجلّ، ولحقّك أنت، لأنهم اعتدوا عليك، أنت وهم كلّكم عبيد لله لا تعصون الله ولا يحلّ لكم أن تعصوا الله. القسم الثالث: إذا أمروا بشيء ليس فيه أمر ولا نهي فيجب عليك أن تطيعهم وجوبا فإن لم تفعل فأنت آثم ولهم الحقّ أنهم يعزّروك ويأدّبوك بما يرون من تعزير وتأديب، لأنك خالفت أمر الله في طاعتهم، ولهذا قال النبي عليه الصّلاة والسلام: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) . ثمّ أشدّ من ذلك من لا يعتقد للإمام بيعة، من يقول: أنا ما بايعت الإمام ولا له بيعة عليّ، لأن مضمون هذا الكلام أنه لا سمع له ولا طاعة ولا ولاية، وهذا أيضًا من الأمر المنكر العظيم، فإن الرسوله عليه الصّلاة والسّلام: ( أخبر أن من مات من غير بيعة وليس له إمام فإنه يموت ميتة جاهليّة ) : يعني ليست ميتة إسلاميّة، بل ميتة أهل الجهل والعياذ بالله، وسيجد جزاءه عند الله عزّ وجلّ. فالواجب أن يعتقد الإنسان أنه له إمامًا أن له أميرًا يدين له بالطاعة في غير معصية الله، فإذا قال: أنا لم أبايع، قلنا: البيعة لا تكون في رَعاع الناس وعوام النّاس، إنما تكون لأهل الحلّ والعقد، ولهذا نقول: هل بايع الناس أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ؟ هل بايعه كلّ الناس حتى العجوز والمرأة في خِدرها؟ أبدًا ما بايعوه، لم يأت أهل مكّة يبايعون أبا بكر ولا أهل الطائف ولا غيرهم، بايعه أهل الحلّ والعقد في المدينة وتمّت البيعة، وليست البيعة لازمة لكلّ واحد من الناس لازم يجي يبايع مهو بصحيح هذا ولا يمكن، عوام الناس ورعاع الناس تابعون لأهل الحلّ والعقد، فإذا تمّت البيعة من أهل الحلّ والعقد صار المبايَع إمامًا وصار ولي الأمر تجب طاعته في غير معصية الله، فمن مات وهو يعتقد أنه ليس له وليّ أمر، وأنه ليس له بيعة، فإنه يموت ميتة جاهليّة نسأل الله العافية والحماية، والله الموفّق.
شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) . رواه البخاري . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ) رواه مسلم ... " .
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية، وتحريم طاعتهم في المعصية : " عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك ) رواه مسلم ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث الواردة في وجوب طاعة ولاة الأمور: قال في ما نقله عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عليكم بالسّمع والطاعة وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ). ( عليكم بالسمع ) : يعني الزموا السّمع والطاعة، الزموا السّمع والطاعة، السّمع لمن ؟ لولاة الأمور، حتى لو استُعمل عليكم عبد حبشي، والنبي صلى الله عليه وسلم هنا يخاطب العرب، يقول : ( لو استعمل عليكم عبد حبشي ) : غير عربي بل حبشي، عبد أصلا وفرعا وخلقة كأن رأسه زبيبة ، لأن شعر الحبشة ليس كشعر العرب، شعر الحبشة يكون في رؤوسهم رُكَز كأنها الزّبيب ، وهذا من باب المبالغة في كون هذا العامل عبدا حبشيّا أصلا وفرعا ، وهذا يشمل، قوله: ( وإن استعمل ): يشمل الأمير الذي هو أمير السّلطان، وكذلك السّلطان لو فرض أن السّلطان غلب الناس واستولى وسيطر وليس من العرب بل كان عبدا حبشيّا فإن علينا أن نسمع ونطيع، لأن العلّة واحدة وهي: أنه إذا لم نسمع ونطع حصل الفوضى وزال النّظام، وزال الأمن، وحلّ الخوف. فالمهم أنّ علينا أن نسمع ونطيع لولاة أمورنا لا إن أمروا بمعصية. وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ) : السمع والطاعة لولاة الأمور في المنشط والمكره : يعني في الأمر الذي إذا أمروك به نشطت عليه لأنه يوافق هواك، وفي المكره في الأمر الذي إذا أمروك به لم تكن نشيطا فيه لأنك تكرهه، اسمع في هذا وهذا . والعسر واليسر: حتى إن كنت غنيّا فأمروك فاسمع ولا تستكبر لأنك غنيّ وإذا كنت فقيرا فاسمع ولا تقل: لا أسمع وهم أغنياء وأنا فقير، اسمع وأطع في أيّ حال من الأحوال. حتى في الأثرة: يعني إذا استأثر ولاة الأمور على الشّعب فعليهم السّمع والطاعة، على الشّعب السّمع والطاعة، يعني لو أن ولاة الأمور سكنوا القصور الفخمة وركبوا السّيّارات المريحة ولبسوا أحسن الثّياب وتزوّجوا وصار عندهم الإماء، وتنعّموا في الدّنيا أكبر تنعيم، والناس سواهم في بؤس وشقاء وجوع، فعليهم السّمع والطاعة، لأننا نحن لنا شيء والولاة لهم شيء آخر، نحن علينا السّمع والطاعة وعلى الولاة النّصح لنا، وأن يسيروا بنا على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لا نقول إذا استأثروا علينا وكانت لهم القصور الفخمة والسيارات المريحة والثّياب الجميلة، وما أشبه ذلك: لا نقول: والله ما يمكن نسمع وهم في قصورهم وسيّاراتهم ونحن في بؤس وحاجة والواحد منّا لا يدرك السّكن وما أشبه ذلك، هذا حرام علينا، يجب أن نسمع ونطيع حتى في حال الأثرة، وقد قال النبي عليه الصّلاة والسّلام لأصحابه الأنصار رضي الله عنهم: ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) يقول للأنصار .