تتمة شرح حديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ). رواه مسلم. وعنه قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: ( يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها ). رواه مسلم.
الثاني قال: ( فلا تولين على اثنين، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ) : وهذا من حسن خلق النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، لما كانت الجملة الأولى فيها شيء من الجرح قال: ( وإني أحبّ لك ما أحبّ لنفسي ): يعني لم أقل لك ذلك إلاّ أني أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، ( فلا تولين على اثنين ) : يعني لا تكن أميرا على اثنين وما زاد فهو من باب أولى، والمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاه أن يكون أميرًا، لأنه ضعيف، والإماة تحتاج إلى إنسان قويّ، قويّ أمين، قويّ: يكون له سلطة وكلمة حادّة، إذا قال فعل، لا يكون ضعيفًا أمام الناس، لأن الناس إذا استضعفوا الشخص لم يبق له حرمة عندهم، وتجرّأ عليه لُكَع بن لكع، وصار الإنسان ليس بشيء، لكن إذا كان قويّا حادّا في ذات الله لا يتجاوز حدود الله عزّ وجلّ، ولا يقصر عن السّلطة التي جعلها الله له، فهذا هو الأمير حقيقة.
( ولا تولينّ مال يتيم ) : واليتيم هو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ، نهاه الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يتولّى على مال اليتيم، لأن مال اليتيم يحتاج إلى عناية ويحتاج إلى رعاية: (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا ))، وأبو ذرّ ضعيف لا يستطيع أن يرعى هذا المال حقّ رعايته فلهذا قال: ( ولا تولينّ على مال يتيم ): يعني لا تكن وليّاً عليه دعه لغيرك، ففي هذا دليل، على أنه يُشترط للإمارة أن يكون الإنسان قويّا وأن يكون أميناً، لأن رسول الله عليه الصّلاة والسلام قال: ( إنها أمانة ) .
فإذا كان قويّا أمينا فهذه هي الصّفات التي يستحقّ بها أن يكون أميراً، فإن كان قويّا غير أمين أو أمينا غير قويّ، أو ضعيفًا غير أمين، في هذه الأقسام الثّلاثة لا ينبغي أن يكون أميراً، ولكن يجب أن نعلم أنّ الأشياء تتقيّد بقدر الحاجة، فإذا لم نجد إلاّ أميرًا ضعيفًا، أو إلاّ أميرًا غير أمين، وكان لا يوجد في الساحة أحد تنطبق عليه الأوصاف الكاملة فإنه يولى الأمثل فالأمثل، ولا تترك الأمور بلا إمارة، الناس محتاجون إلى أمير، محتاجون إلى قاضي، محتاجون إلى من يتولّى أمورهم، فإن أمكن وجود من تتمّ فيه الشّروط فهذا هو الواجب، وإلاّ فإنه يولّى الأمثل فالأمثل لقول الله تعالى: (( فاتّقوا الله ما استطعتم )). وتختلف الأنظار فيما إذا كان لدينا رجلان: أحدهما أمين غير قويّ، والثاني: قويّ غير أمين، كلّ منهما معيب، لكن في باب الإمارة يفضّل القويّ وإن كان فيه ضعف في الأمانة، لأن القوي ربّما يكون أميناً، لكن الضّعيف الذي طبيعته الضّعف، فإن الطبع لا يتحوّل ولا يتغيّر، فإذا كان أمامنا رجلان أحدهما ضعيف ولكنّه أمين، والثاني: قويّ ولكنّه ضعيف في الأمانة، فإننا نؤمّر القويّ، لأنّ هذا أنفع للناس، الناس يحتاجون إلى سلطة إلى قوّة، إذا لم يكن قوة ولا سيما مع ضعف الدّين ضاعت الأمور، والله الموفّق.
1 - تتمة شرح حديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ). رواه مسلم. وعنه قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: ( يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها ). رواه مسلم. أستمع حفظ
باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم : قال الله تعالى: (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )). عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله ). رواه البخاري.
قال الله تعالى: (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين )).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله ) رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أراد الله بالأمير خيراً، جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه ) رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال النووي -رحمه الله- في كتاب *رياض الصّالحين : " باب حث القاضي والسلطان على اتّخاذ وزير صالح والتحذير من قرناء السّوء ": ثم ذكر المؤلف قول الله تعالى: (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )) : الأخلاّء جمع خليل، والخليل : هو الذي أحبّك وتحبّه حبّاً عظيماً حتى يتخلّل حبّه جميع البدن، وفي ذلك يقول الشّاعر :
" قد تخللتِ مسلك الروح منّي *** وبِذا سُمّي الخليل خليلا " .
فإذا صدق الودّ واشتدّ الودّ ، فإن أعلى أنواع المحبّة هو الخلّة، ولهذا اتّخذ الله إبراهيم خليلا واتّخذ محمّدا صلى الله عليه وسلم خليلا، ولا نعلم أنه اتّخذ خليلا من خلقه إلاّ هذين : إبراهيم ومحمّد صلى الله عليهما وسلم، ولهذا نقول: من قال إن إبراهيم خليل الله، وموسى كليم الله، ومحمّد حبيب الله، فقد هضم محمّدًا حقّه، لماذا؟ لأنه إذا جعله حبيب الله نزل رتبته، بل هو عليه الصّلاة والسّلام أعلى من الحبيب، فالله تعالى يحبّ المؤمنين، ويحب المقسطين، ويحبّ المتّقين، فمحبّته أوسع، لكن الخلّة لا تحصل لكلّ أحد، فهؤلاء المساكين الجهال يقولون: محمّد حبيب الله وإبراهيم خليل الله، سبحان الله! إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا ) ، وقال عليه الصّلاة والسلام : ( لو كنت متّخذا من أمّتي خليلا لاتّخذت أبا بكر ) ومع هذا : ( سئل أيّ الرّجال أحب إليك؟ قال: أبو بكر )، ففرّق بين الخلّة والمحبّة، الخلّة ما اتّخذ النبي صلى الله عليه وسلم أحدا خليلا، والمحبة يحبّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام من يحبّ من المؤمنين، وأبو بكر الذي قال فيه: ( لو كنت متّخذا من أمّتي خليلا لاتّخذت أبا بكر ) : هو الذي قال : ( أحبّ الرّجال إليّ ) ، هو الذي قال فيه الرّسول : ( هو أحبّ الرّجال إليّ ) ، فالأخلاّء في الدّنيا والأصدقاء في الدّنيا هم على صداقتهم لكنّهم في الآخرة أعداء : (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتّقين )) ، فإن المتّقين محبّتهم في الله ، والرّجلان إذا تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه كان من السّبعة الذين يظلّهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه ، جعلني الله وإيّاكم منهم .
ويدلّ لهذا -أي أنّ الأخلاّء أعداء إلاّ المتّقين- قوله تعالى: (( قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النار كلّما دخلت أمّة لعنت أختها ))، وقال تعالى: (( إذ تبرّأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب ))، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: " تقطّعت بهم المحبّة "، فكانت المحبّة بينهم في الدّنيا في الآخرة تتلاشى وتتقطّع.
ثمّ إنه يجب أن نعلم أنّ الله سبحانه وتعالى يبتلي العبد، فتارة ييسّره لأخلاّء صدق، يدعونه للخير، يأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر، ويعينونه على ما يعجز عنه، وتارة يبتلى بقوم خلاف ذلك، ولهذا جاء في الحديث: ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )، وقال عليه الصّلاة والسلام: ( مثل الجليس الصّالح كحامل المسك إما أن يبيعه ) : يبيع لك مسك، ( وإما أن يحذيك ) أي: يعطيك مجانًا، ( وإما أن تجد منه رائحة طيّبة ) ، أما جليس السوء والعياذ بالله فإنه كنافخ الكير : ( إما أن يحرق ثيابك ) : بما يتطاير عليك من شرر النار، ( وإما أن تجد منه رائحة كريهة ).
2 - باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم : قال الله تعالى: (( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )). عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله ). رواه البخاري. أستمع حفظ
شرح حديث وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أراد الله بالأمير خيرا، جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه ). رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم.
وإذا كان هذا في الأمراء ففتّش بنفسك أنت ، أنت بنفسك إذا رأيت من أصحابك أنهم يدلّونك على الخير ويعينونك عليه وإذا نسيت ذكّروك وإذا جهلت علّموك، فاستمسك بغرزه، وعضّ عليه بالنّواجذ، وإذا رأيت من أصحابك من هو مهمل ولا يبالي هلكت أم بقيت، بل ربما يسعى لهلاكك، فاحذره فإنه السّمّ الناقع والعياذ بالله، لا تقرب هؤلاء أبعد عنهم، فرّ منهم فرارك من الأسد، والإنسان الموفّق هو الذي لا يكون بليدًا كالحجر، بل الذي يكون ذكيّا كالزّجاجة صلبة لكن يُرى ما وراءها من صفائها، فيكون عنده قوّة وصلابة لكن عنده رقّة شفّافة، بحيث يرى وكأنما يرى بالغيب، ويعرف ما ينفعه وما يضرّه، فيحرص على ما ينفعه ويتجنّب ما يضرّه، ونسأل الله لنا ولكم التّوفيق.
3 - شرح حديث وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أراد الله بالأمير خيرا، جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه ). رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم. أستمع حفظ
باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أو حرص عليها فعرض بها. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: ( إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله، أو أحدا حرص عليه ). متفق عليه.
قال -رحمه الله تعالى- : في النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أو حرص عليها فعرَّض بها :
" وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله أَمِّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله، أو أحدًا حرص عليه ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الباب الذي ذكره النووي -رحمه الله- في *رياض الصالحين : النهي عن تولية من طلب الإمارة أو حرص عليها : وقد سبق في حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تسأل الإمارة فإنك إن أُعطيتها من غير مسألة أُعنت عليها، وإن أُعطيتها عن مسألة وكلت إليها ) : كذلك أيضًا لا ينبغي لولي الأمر إذا سأله أحد أن يؤمَّره على بلد أو على قطعة من الأرض فيها بادية أو ما أشبه ذلك أن يُؤمّره حتى وإن كان الطالب أهلاً لذلك، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كما في حديث أبي موسى الذي سمعتموه لما سأله الرّجلان أن يؤمّرهما على بعض ما ولاّه الله عليه قال: ( إنّا والله لا نولي هذا العمل أحدًا سأله، أو أحدًا حرص عليه ): يعني لا نولي أحدًا شيئًا سأل أن يتأمّر عليه أو حرص عليه، وذلك لأن الذي يطلب أو يحرص على ذلك ربّما يكون غرضه بهذا أن يجعل لنفسه سلطة لا أن يصلح الخلق، فلما كان قد يُتّهم بهذه التّهمة منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يولّي من طلب الإمارة، وقال: ( إنا لا نولي هذا الأمر أحدًا سأله أو حرص عليه )، وكذلك أيضًا لو أنّ أحدًا سأل القضاء قال لولي الأمر في القضاء كوزير العدل مثلا، قال له: ولّني القضاء في البلد الفلاني، فإنه لا يوله، وأما من طلب النقل من بلد إلى بلد أو ما أشبه ذلك فلا يدخل في هذا الحديث، لأنه قد تولى من قبل ولكنّه طلب أن يكون في محلّ آخر، إلاّ إذا علمنا أن نيّته وقصده هو السّلطة على أهل هذه البلدة، فإننا نمنعه فالأعمال بالنّيات، فإن قال قائل: كيف تجيبون على قول يوسف عليه الصلاة والسلام للعزيز: (( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم )) ؟ فإننا نجيب بأحد جوابين:
إما أنّ شرع من قبلنا إذا خالفه شرعنا فالعمدة على شرعنا بناء على القاعدة المعروفة عند الأصوليين: " شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه "، وقد ورد شعرنا بخلافه: أننا لا نولي الأمر أحدًا طلب الولاية علينا، أو يقال: إنّ يوسف عليه السلام رأى أن المال ظاهر وأنه يفرط فيه ويلعب فيه، فأراد أن ينقذ البلاد من هذا التلاعب، ومثل هذا يكون الغرض منه إزالة السّوء، سوء التّدبير وسوء العمل، ويكون هذا لا بأس به، فمثلا: إذا رأينا أميرًا في ناحية لكنّه قد أضاع الإمرة وأفسد الخلق فلنا أن نقول: ولّونا على هذه البلدة لأجل رفع الشّرّ الذي فيها ويكون هذا لا بأس به، ويكون متمشّيا على القواعد، ويدل لهذا حديث عثمان بن أبي العاص أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( اجعلني إمام قومي، -يعني في الصّلاة- فقال: أنت إمامهم ) : فوليّ الأمر ينظر ما هو السّبب في أنّ هذا الرّجل طلب أن يكون أميرًا، طلب أن يكون قاضيًا، طلب أن يكون إمامًا، ثمّ يعمل بما يرى أن فيه المصلحة، والله الموفّق.
4 - باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أو حرص عليها فعرض بها. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: ( إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله، أو أحدا حرص عليه ). متفق عليه. أستمع حفظ
كتاب الأدب : باب الحياء وفضله والحث على التخلق به. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دعه فإن الحياء من الإيمان ) متفق عليه. وعن عمران بن حصين، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحياء لا يأتي إلا بخير متفق عليه. وفي رواية لمسلم: الحياء خير كله ) أو قال: (الحياء كله خير ).
قال -رحمه الله تعالى- : " كتاب الأدب : باب الحياء وفضله والحث على التخلق به :
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه، فإن الحياء من الإيمان ) متفق عليه.
وعن عمران بن حصين، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحياء لا يأتي إلا بخير ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتابه *رياض الصّالحين : " كتاب الأدب: باب الحياء وفضله والحثّ عليه " :
الأدب الأخلاق التي يتأدّب بها الإنسان ، وهي أنواع كثيرة: منها الكرم والشّجاعة وطيب النّفس، وانشراح الصّدر، وطلاقة الوجه، وغير ذلك كثير، فالأدب هو عبارة عن أخلاق يتخلّق بها الإنسان يمدح عليها، ومنها الحياء، والحياء صفة في النّفس، تحمل الإنسان على فعل ما يجمّل ويزين، وترك ما يدنّس ويشين، فتجده إذا فعل شيئا يخالف المروءة استحياُ استحيا من الناس، وإذا فعل شيئا محرّما استحيا من الله عزّ وجلّ، وإذا ترك واجبا استحيا من الله، وإذا ترك ما ينبغي فعله استحيا من الناسُ فالحياء من الإيمان، ولهذا ذكر ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلّم مرّ برجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء )، يعظه في الحياء يعني: أنه يحثّه عليه ويرغّبه فيه فبيّن النبي عليه الصّلاة والسّلام أن الحياء من الإيمان، وقال عليه الصّلاة والسّلام في حديث آخر: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلاّ الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ): وإذا كان عند الإنسان حياء وجدته يمشي مشيًا مستقيمًا، ليس بالعجلة التي يذمّ عليها، وليس بالتماوت الذي يذمّ عليه أيضا، كذلك إذا تكلّم تجده لا يتكلّم إلاّ بخير وبكلام طيب وبأدب وبأسلوب رفيع حسب ما يقدر عليه، وإذا لم يكن حييا فإنه يفعل ما شاء كما جاء في الحديث الصّحيح: ( إن مما أدركَ الناس من كلام النّبوّة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت )، ( وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها )، العذراء المرأة التي لم تتزوّج وعادتها أن تكون حييّة، فالرّسول عليه الصّلاة والسّلام أحيا من العذراء في خدرها، ولكنّه لا يستحيي من الحقّ، يتكلّم بالحقّ ويصدع به، ولا يبالي بأحد، أما ما لا تضيع به الحقوق، فإن النبي صلى الله عليه وسلّم أحيا الناس عليه الصّلاة والسّلام، فعليك يا أخي باستعمال الحياء والأدب والتخلّق بالأخلاق الطّيّبة التي تمدح عليها بين الناس، والله الموفّق.
5 - كتاب الأدب : باب الحياء وفضله والحث على التخلق به. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دعه فإن الحياء من الإيمان ) متفق عليه. وعن عمران بن حصين، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحياء لا يأتي إلا بخير متفق عليه. وفي رواية لمسلم: الحياء خير كله ) أو قال: (الحياء كله خير ). أستمع حفظ
شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه. البضع: بكسر الباء، ويجوز فتحها، وهو من الثلاثة إلى العشرة. والشعبة: القطعة والخصة. والإماطة: الإزالة. والأذى: ما يؤذي كحجر وشوك وطين ورماد وقذر ونحو ذلك.
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى- : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب *رياض الصالحين، فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون -أو- بضع وستّون شعبة ) شكٌّ من الراوي هل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بضع وسبعون، أو قال بضع وستّون: ( فأفضلها -وفي لفظ- فأعلاها قول لا إله إلاّ الله وأدناها إماطة الأذى عن الطرّيق، والحياء شعبة من الإيمان ) : هذا هو الشاهد لهذا الباب باب: الحياء وفضله .
في هذا الحديث بيّن الرسول عليه الصّلاة والسّلام أن الإيمان شعب، شعب كثيرة، بضع وستّون أو بضع وسبعون، ولم يبيّنها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، لأجل أن الإنسان بنفسه يجتهد ويتتبّع نصوص الكتاب والسّنّة، حتى يجمع هذه الشّعب ويعمل بها، وهذا كثير، أي أنه يكون في القرآن والسّنّة أشياء مبهمة، يبهمها الله ورسوله من أجل امتحان الخلق ليتبيّن الحريص من غير الحريص، فمثلا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، أو في السّبع الأواخر من رمضان، لكن لا يعلم أي ليلة هي، من أجل أن يحرص الناس على العمل في كلّ اللّيالي رجاء هذه الليلة، ولو عُلمت عينها لاجتهد الناس في تلك الليلة وكسلوا عن بقية اللّيالي.
ومن ذلك ساعة الإجابة في يوم الجمعة، فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، هذه أيضا مبهمة من أجل أن يحرص الناس على التّحرّي على العمل.
كذلك في الليل، كلّ ليلة ساعة إجابة لا يوافقها أحد يدعو الله تعالى إلاّ استجاب له.
كذلك أخبر النّبي عليه الصّلاة والسّلام: ( أن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلاّ واحدًا من أحصاها دخل الجنّة )، ولم يعدّها، والحديث الوارد في سردها حديث ضعيف لا تقوم به حجّة، وعلى هذا فإن قول الرّسول صلى الله عليه وسلّم هنا: ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستّون شعبة ) : ترك تعيينها من أجل أن نحرص نحن على تتبّعها من الكتاب والسّنّة حتى نجمع هذه الشّعب ثمّ نقوم بالعمل بها، وهذا من حكمة الله عزّ وجلّ.
يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم هذه الشّعب أفضلها وأعلاها: ( قول لا إله إلاّ الله ) : هذه الكلمة العظيمة لو وُزنت بها السماوات السّبع والأرضون السّبع وجميع المخلوقات لرجحت بهنّ لأنها أعظم كلمة، وهي كلمة التّوحيد التي إذا قالها الإنسان صار مسلمًا وإذا استكبر عنها صار كافرًا، فهي الحدّ الفاصل بين الإيمان والكفر، ولذلك كانت أعلى شعب الإيمان، وأفضل شعب الإيمان: لا إله إلاّ الله أي: لا معبود حقّ إلاّ الله عزّ وجلّ، كل المعبودات من دون الله كلّها باطلة إلاّ الله وحده لا شريك له فهو الحقّ، كما قال الله تبارك وتعالى: (( ذلك بأن الله هو الحقّ وأنَّ ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العليّ الكبير )) .
والإيمان بهذا التّوحيد العظيم أنه لا معبود حقّ إلاّ الله يتضمّن الإيمان بأنه لا خالق إلاّ الله، ولا رازق إلاّ الله، ولا مدبّر للخلق إلاّ الله، ولا يملك الضّرّ والنّفع إلاّ الله، ويتضمّنُ كذلك الإيمان بأسماء الله وصفاته إذ لا يعبد إلاّ من عُلم أنّه أهل للعبادة، ولا أهل للعبادة سوى الخالق عزّ وجلّ، لهذا كانت هذه الكلمة أعلى شعب الإيمان، وأفضل شعب الإيمان، ومن خُتم له بها في الحياة الدّنيا فإنه يكون مِن أهل الجنّة، ( فإن مَن كان آخر كلامه من الدّنيا لا إله إلاّ الله دخل الجنّة ) ، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بها إنه على كلّ شيء قدير.
( أعلاها قول لا إله إلاّ الله وأدناها -يعني الشيء الهين- إماطة الأذى عن الطريق ) : الأذى : ما يؤذي المارّة من شوك، أو خِرَق، أو خشب، أو حجر، أو غير ذلك، إماطة الأذى عن الطّريق من شعب الإيمان، وهذا يدلّ على سعة الإيمان وأنه يشمل الأعمال كلّها، ( والحياء شعبة من الإيمان ) : الحياء : انكسار يكون في القلب، وخجل لفعل ما لا يهتم به الناس، أو ما لا يستحسنه الناس، الحياء من الله، والحياء من الخلق مِن الإيمان، الحياء من الله يوجب للعبد أن يقوم بطاعة الله، وأن ينتهي عما نهى الله، والحياء من الناس: يوجب للعبد أن يستعمل المروءة، وأن يفعل ما يجمّله ويزينه عند الناس، ويتجنّب ما يدنّسه ويشينه، فالحياء من الإيمان، ( وسئل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه ) ، فإذا جمعت هذا الحديث إلى الحديث الآخر، يعني هذا الحديث الذي نتكلّم عليه الآن، والحديث الآخر: ( الإيمان أن تؤمن بالله ) ، تبيّن لك أن الإيمان كما ذهب إليه أهل السّنّة والجماعة يشمل العقيدة ويشمل القول، ويشمل الفعل، ويشمل عمل القلب: عقيدة القلب وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، أربعة، لا إله إلاّ الله، هي قول إيش؟ أجيبوا؟ لا إله إلاّ الله ما هي؟
الطالب : قول اللسان.
الشيخ : قول اللّسان، إماطة الأذى عن الطريق عمل الجوارح، الحياء عمل القلب، الإيمان بالله وملائكته وكتبه؟ اعتقاد القلب.
فالإيمان عند أهل السّنّة والجماعة يتضمّن كلّ هذه الأربعة: اعتقاد القلب، وعمل القلب، وقول اللّسان، وعمل الجوارح، وأدلّة ذلك من الكتاب والسّنّة كثيرة.
في هذا الحديث حثّ على إماطة الأذى عن الطّريق لأنه إذا كان من الإيمان فافعله، يزداد إيمانك ويكمُل إيمانك، فإذا وجدت أذى في الطريق حجرًا أو زجاجا أو شوكا أو غير ذلك فأزله فإن ذلك من الإيمان، حتى السّيّارة إذا جعلتها في وسط الطّريق وضيّقت على الناس فقد وضعت الأذى في طرق الناس، وإزالة ذلك من الإيمان.
وإذا كان إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، فوضع الأذى في الطريق من الخسران والعياذ بالله، ومن نقص الإيمان، ولذلك يجب أن يكون الإنسان حيّي القلب، يشعر بشعور النّاس، تجد بعض الناس الآن مثل ما طلعت عليه يوقف السيّارة في أيّ مكان، طول، عرض، مكان ضيّق، مكان واسع ما يهتم ليست هذه خصال المؤمن، المؤمن هو الذي يكون حيّ القلب يشعر بشعور الناس، يحبّ للناس ما يحبّ لنفسه، كيف تأتي مثلا تقف في عرض الطريق ولا تبالي؟! ضيّقت الطريق أم ما تضيّق لا يهمّك، أحيانًا يسدّون الطّريق يقفون هنا عند المسجد الجامع في هذا الطريق الضيّق فإذا خرج الناس يوم الجمعة ضيّقوا عليهم، هذا غلط، إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فعلى هذا ينبغي للإنسان أن يقوم بإماطة الأذى عن الطريق، وإذا كان لا يستطيع كما لو كانت أحجارًا كبيرة أو أكوامًا من الرّمل أو ما أشبه ذلك فليبلّغ المسؤولين، ليبلّغ البلديّة مثلاً، لأنها مسؤولة عن هذا، يبلّغها حتى نكون ممن تعاون على البرّ والتّقوى، ( الحياء شعبة من الإيمان ) : فإذا كان الإنسان حييّا لا يتكلّم بما يدنّسه عند الناس، ولا يفعل ما يدنّسه عند الناس، بل تجده وقورا ساكنا مطمئنّا فهذا من علامة الإيمان، والله الموفّق
6 - شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه. البضع: بكسر الباء، ويجوز فتحها، وهو من الثلاثة إلى العشرة. والشعبة: القطعة والخصة. والإماطة: الإزالة. والأذى: ما يؤذي كحجر وشوك وطين ورماد وقذر ونحو ذلك. أستمع حفظ
شرح حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه. متفق عليه. قال العلماء: حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. وروينا عن أبي القاسم الجنيد رحمه الله قال: الحياء رؤية الآلاء - أي: النعم - ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى حياء.
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المصنف -رحمه الله تعالى- : " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه ) متفق عليه.
قال العلماء: حقيقةُ الحياء خُلُق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
ورُوِّينا عن أبي القاسم الجنيد رحمه الله قال: الحياء رؤية الآلاء - أي: النعم - ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى: الحياء " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال النووي -رحمه الله- في كتاب *رياض الصّالحين في باب الحياء وفضله: قال ما نقله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أن النبيّ صلى الله عليه وسلم " كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها ) : العذراء هي المرأة التي لم تتزوّج، وهي أشدّ النّساء حياء، لأنها لم تتزوّج ولم تعاشر الرّجال، فتجدها حيية في خدرها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ حياء منها، ولكنّه صلى الله عليه وآله وسلّم إذا رأى ما يكره عُرف ذلك في وجهه، يتغيّر وجهه، لكن يستحيي عليه الصّلاة والسّلام، وهكذا ينبغي للمؤمن أن يكون حييّاً لا يتخبّط ولا يفعل ما يُخجل، ولا يفعل ما يُنتقد عليه، ولكن إذا سمع ما يكره أو رأى ما يكره فإنه يتأثّر، وليس من الرّجولة أن لا تتأثر بشيء، لأن الذي لا يتأثّر بشيء يعني البليد الذي لا يحسّ، لكن تتأثّر ويمنعك الحياء أن تفعل ما ينكر، أو أن تقول ما ينكر.
ثمّ إن الحياء لا يجوز أن يمنع الإنسان من السؤال عن دينه فيما يجب عليه، لأنّ ترك السّؤال عن الدّين فيما يجب ليس حياء ولكنّه خَوَر، فالله عزّ وجلّ لا يستحي من الحقّ، قالت عائشة رضي الله عنها: ( نِعم النّساء نساء الأنصار لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين )، فكانت المرأة تأتي تسأل النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الشّيء الذي يَستحي من ذكره الرّجال، لكن باب الدين، لابدّ أن يسأل الإنسان عن دينه ولا يستحي، ولهذا لمـَّا جاء ماعز بن مالك رضي الله عنه إلى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، جاء يقرّ بالزّنا يقول: إنّه زنا فأعرض عنه النبي عليه الصّلاة والسّلام، ثمّ جاء ثانية وقال: إنّه زنا فأعرض عنه، ثمّ جاء ثالثة: وقال إنّه زنا فأعرض عنه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، يريد أن يتوب فيتوب الله عليه، فجاء الرابعة: فلما جاء الرابعة ناقشه النبي عليه الصّلاة والسّلام قال: ( أبك جنون؟ قال: لا يا رسول الله، قال: أتدري ما الزّنا؟ قال: نعم، الزنا أن يأتي الرجل من المرأة حراماً ما يأتي الرّجل من زوجته حلالا، فقال له : أنكتها؟ لا يكني- صرّح مع أنّ هذا مما يستحيا منه لكن الحقّ لا يستحيا منه-، قال له: أنكتها؟ قال: نعم، قال: أغيّبت ذكرك في فرجها كما يغيب المرود في المكحلة والرّشا في البئر؟ قال: نعم ) : فهذا شيء يستحيى منه لكن في باب الحقّ لا تستحي.
جاءت أمّ سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم تسأله فقالت: ( يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحقّ، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء؟ ) : هذا السؤال ربّما يخجل منه الرّجل أن يسأل ولا سيما في مجلس، لكن أمّ سُليم لم يمنعها الحياء من أن تعرف دينها وتتفقّه فيه، وعلى هذا فالحياء الذي يمنع من السؤال عما يجب السّؤال عنه، حياء مذموم، ولا ينبغي أن نسمّيه حياء، بل نقول: إن هذا خَوَر وجبن وهو من الشّيطان، فدينك اسأل عنه لا تستحي، أما الأشياء التي لا تتعلّق في الأمور الواجبة فالحياء خير من عدم الحياء، ( وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) .
7 - شرح حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه. متفق عليه. قال العلماء: حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. وروينا عن أبي القاسم الجنيد رحمه الله قال: الحياء رؤية الآلاء - أي: النعم - ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى حياء. أستمع حفظ