تتمة شرح حديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه توضأ في بيته، ثم خرج فقال: لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأكونن معه يومي هذا، فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: وجه ههنا، قال: فخرجت على أثره أسأل عنه، حتى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ، فقمت إليه، فإذا هو قد جلس على بئر أريس، وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب فقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فدفع الباب فقلت: من هذا ؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ( ائذن له وبشره بالجنة ) فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر حتى جلس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم معه في القف، ودلى رجليه في البئر كما صنع رسول الله، وكشف عن ساقيه، ثم رجعت وجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان - يريد أخاه - خيرا يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا ؟ فقال: عمر بن الخطاب: فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه وقلت: هذا عمر يستأذن ؟ فقال: ( ائذن له وبشره بالجنة ) فجئت عمر، فقلت: أذن ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا - يعني أخاه - يأت به، فجاء إنسان فحرك الباب. فقلت: من هذا ؟ فقال: عثمان بن عفان. فقلت: على رسلك، وجئت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال: ( ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه ) فجئت فقلت: ادخل ويبشرك رسول الله بالجنة مع بلوى تصيبك، فدخل فوجد القف قد مليء، فجلس وجاههم من الشق الآخر. قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم. متفق عليه. وزاد في رواية: وأمرني رسول الله بحفظ الباب وفيها: أن عثمان حين بشره حمد الله تعالى، ثم قال: الله المستعان. قوله: وجه بفتح الواو وتشديد الجيم، أي: توجه. وقوله: بئر أريس: هو بفتح الهمزة وكسر الراء، وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة، ثم سين مهملة، وهو مصروف، ومنهم من منع صرفه. والقف بضم القاف وتشديد الفاء: هو المبني حول البئر. قوله: على رسلك بكسر الراء على المشهور، وقيل بفتحها، أي: ارفق.
الشيخ : الثلاثة كانت في مكان واحد، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر كلهم كانوا في حجرة واحدة قبورهم واحدة، دفنوا جميعًا وهم في الدنيا يذهبون جميعًا ويرجعون جميعًا، ودائمًا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وجئت وأنا وأبو بكر وعمر، فهما صاحباه الملازمان له، ويوم القيامة يخرجون من قبورهم جميعًا، فهم جميعًا في الدنيا والآخرة، فجلس عثمان رضي الله عنه تجاههم ويقول مع بلوى تصيبه، وهذه البلوى هي ما حصل لعثمان رضي الله عنه من اختلاف الناس عليه وخروجهم عليه وقتلهم إياه في بيته رضي الله عنه، دخلوا عليه في بيته في المدينة وقتلوه وهو يقرأ القرآن، كتاب الله بين يديه، ويذكر بعض المؤرخين أن قطرة من الدم نزلت على قوله تعالى: (( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم )) فالله أعلم، لكن على كل حال هو رضي الله عنه معروف بكثرة القراءة والتهجد، فدخل عليه أولئك المتعدون الظالمون فقتلوه فقتل شهيدًا، وبذلك تحقق قول النبي عليه الصلاة والسلام حينما صعد على جبل أحد، جبل أحد في المدينة معروف كبير لما صعد عليه هو وأبو بكر وعمر وعثمان ارتج بهم الجبل من آيات الله، ليس ارتجاجًا نقمة خسف، ولكن ارتجاج فرح ارتج بهم فقال: ( اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) النبي رسول الله عليه الصلاة والسلام، والصديق أبو بكر، والشهيدان عمر وعثمان، وكلاهما رضي الله عنهما قتلا شهيدًا، أما عمر فقتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين قتل في المحراب، وأما عثمان فقتل وهو يتهجد في بيته في صلاة الليل، فرضي الله عنهما وألحقنا وإياكم بهما في دار النعيم المقيم، هذه القصة فيها بشارة أن الرسول قال ائذن له وبشره بالجنة لأبي بكر وعمر وعثمان فرضي الله عنهم جميعًا، وجعلنا وإياكم ممن يحشرون في زمرة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر، فقام رسول الله من بين أظهرنا فأبطأ علينا، وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له بابا ؟ فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجه - والربيع: الجدول الصغير - فاحتفزت، فدخلت على رسول الله فقال: أبو هريرة ؟ فقلت: نعم يا رسول الله، قال: ما شأنك قلت: كنت بين ظهرينا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي. فقال: ( يا أبا هريرة ) وأعطاني نعليه فقال: ( اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة ). وذكر الحديث بطوله، رواه مسلم. الربيع: النهر الصغير، وهو الجدول - بفتح الجيم - كما فسره في الحديث. وقوله: احتفزت روي بالراء وبالزاي، ومعناه بالزاي: تضاممت وتصاغرت حتى أمكنني الدخول.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( كنا قعودًا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطًا للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له بابًا فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجه، والربيع الجدول الصغير فاحتفرت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبو هريرة؟ فقلت: نعم يا رسول الله، قال: ما شأنك ، قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما يحتفر الثعلب وهؤلاء الناس ورائي، قال: يا أبا هريرة؟ وأعطاني نعليه فقال: اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة ) وذكر الحديث بطوله رواه مسلم ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا الحديث الذي نقله المؤلف في رياض الصالحين في باب التبشير والتهنئة بالخير، فيه أيضًا البشارة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان جالسًا في أصحابه في نفر منهم ومعه أبو بكر وعمر، فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم أبطأ عليهم فخشوا أن يكون أحد من الناس اقتطعه دونهم، لأن النبي صلى الله مطلوب من جهة المنافقين ومن جهة غيرهم من أعداء الدين، فقاموا فزعين فكان أول من فزع أبو هريرة رضي الله عنه حتى أتى حائطًا لبني النجار فجعل يطوف به لعله يجد بابًا فلم يجد، ولعله أراد بابًا مفتوحًا فلم يجد، وإلا فمن المعلوم أن الحيطان لها أبواب لابد أن يكون لها أبواب، لكن لعله مغلق فوجد ثعلبًا والثعلب الفتحة تكون في الجدار يدخل معها السيل، فاحتبى أبو هريرة فدخل حتى وجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: ( أبو هريرة؟ ) قال نعم، فأعطاه نعليه عليه الصلاة والسلام وقال: ( اخرج إلى الناس فمن لقيت من الناس يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة ) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم في الحياة وعند الممات، فخرج أبو هريرة رضي الله عنه ومعه النعلان نعلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعطاه النعلين أمارة وعلامة أنه صادق، لأن هذه بشارة عظيمة وهو أن من قال أشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه دخل الجنة، لأن الذي يقول هذه الكلمة مستيقنًا بها قلبه لابد أن يقوم بأوامر الله ويجتنب نواهي الله، لأنه يقول لا معبود حق إلا الله وإذا كان هذا معنى الكلمة العظيمة فإنه لابد أن يعبد الله عز وجل، أما من قالها بلسانه ولم يوقن بها قلبه والعياذ بالله فإنها لا تنفعه، فهاهم المنافقون يشهدون أن لا إله إلا الله لكنهم لا يذكرون الله إلا قليلًا، ويقومون ويصلون لكن الصلاة ثقيلة عليهم، وأثقلها صلاة العشاء والفجر، ويأتون للرسول عليه الصلاة والسلام يقولون نشهد إنك لرسول الله ويؤكدون هذا، ولكن الله يقول: (( والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )) لم تستيقن قلوبهم بلا إله إلا الله ولا بأن محمدًا رسول الله، فلهذا لم تنفعهم أما من استيقن بها قلبه فهذه البشرى له، ولكن لا يمكن لإنسان يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويترك الفرائض أبدًا ولهذا لا يكون هذا الحديث دليلًا على أن تارك الصلاة لا يكفر، لا ليس فيه دلالة لأن تارك الصلاة يكفر، ولو قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، لأنه يقولها من غير يقين كيف يقولها من يقين ويترك الصلاة يحافظ على تركها والعياذ بالله، هذا لا يمكن ولكن قد يرد على القلب وساوس من الشيطان قد يرد على القلب وساوس من الشيطان وساوس خطيرة في الله عز وجل وهذه الوساوس لا تضر المؤمن شيئًا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( هذا صريح الإيمان ) ومعنى هذا صريح الإيمان ليس معناه أن الوساوس صريح الإيمان، لكن الوساوس دليل على خالص الإيمان، لأن الشيطان يأتي إلى القلب الخالص الصريح الخالي من الشك ويوقع عليه الوساوس لعله يشك أو لعله يفسد إيمانه، فيأتي إلى القلب فإذا دافعه الإنسان وقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الله هو الأول الآخر الظاهر الباطن، الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأعرض عن هذه الوساوس زالت عنه والشيطان لا يمكن يأتي إلى قلب خراب ليفسده، لأن القلب الخراب خراب، ويذكر أن ابن مسعود وابن عباس جاؤوا إليه جاء إليه ناس يقولون اليهود يقولون نحن لا نوسوس في الصلاة يعني ما نهوجس إذا دخلنا نصلي ما نهوجس أبدًا، فقال ابن عباس أو ابن مسعود: " وما يصنع الشيطان بقلب خراب " معنى هذا أن قلوبهم خاربة والقلوب الخاربة لا يأتي الشيطان لأجل يخربها، لأنها خاربة إنما يأتي الشيطان للقلوب السليمة المخلصة من أجل أن يلقي عليها الوساوس والشكوك، فدع هذه الوساوس والشكوك والتجئ إلى ربك وقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، الأول الظاهر الآخر الباطن ويزول عنك ذلك بإذن الله، ففي هذا الحديث بشارة بالخير وهو أن من شهد ألا إله إلا الله موقنًا بها قلبه فليبشر بالجنة، والله الموفق.
شرح حديث عن ابن شماسة قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو في سياقة الموت فبكى طويلا، وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ؟ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ؟ فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاث: لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إلي من أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو ؟ قلت: أردت أن أشترط قال: تشترط ماذا ؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها ؟ فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني، فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور، ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ما أراجع به رسل ربي. رواه مسلم. قوله: شنوا روي بالشين المعجمة وبالمهملة، أي: صبوه قليلا قليلا والله سبحانه أعلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير " عن أبي شماسة رضي الله عنه قال حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه ". الشيخ : عمرو. القارئ : " حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياق الموت فبكى طويلًا وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إلي من أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي، قال: ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها/ وأن الحج يهدم ما كان قبله ) وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنًّ،ا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم وأنظر ما أراجع به رسل ربي، رواه مسلم ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف النووي رحمه الله في سياق الأحاديث الواردة في التبشر والتهنئة بالخير في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه كالقصة العظيمة أنه حضره بعض أصحابه وهو في سياق الموت فبكى بكاء شديدًا وحوَّل وجهه نحو الجدار رضي الله عنه، وهو الآن في سياق الموت رضي الله عنه سيفارق الدنيا، فقال له ابنه يعن:ي " علام تبكي وقد بشرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجنة " فقال: " يا بني إني كنت على أطباق ثلاث " أطباق يعني أحوال، ومنه قوله تعالى: (( لتركبن طبقًا عن طبق )) يعني حالًا بعد حال، ثم ذكر هذه الأطباق الثلاث أنه كان يبغض النبي صلى الله عليه وسلم بغضًا شديدًا، وأنه ليس على وجه الأرض أحد يبغضه كما يبغض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه يود لو أنه تمكن منه فقتله وهذا أشد ما يكون من البغض، حتى ألقى الله الإسلام في قلبه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: " يا رسول الله ابسط يدك فلأبايعك " يعني مد يدك أبايعك على الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن الناس خلقًا، فمدّ يده ولكن عمرو بن العاص كفّ يده، كفّ يده لا استكبارًا ولكن استثباتًا لما سيذكره، فقال له: مالك؟ قال: " يا رسول الله إني أشترط " يعني على الإسلام، قال: ( ماذا تشترط؟ ) قال أشترط أن يغفر لي، وهذا أكبر همه رضي الله عنه يشترط أن الله يغفر له، ظن أنه لن يغفر الله لما كان له من سابقة، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأنه الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله ) ثلاثة أشياء أما الإسلام فإنه يهدم ما قبله بنص الكتاب العزيز قال الله عز وجل: (( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين )) والهجرة إذا هاجر الإنسان من بلده التي كان يعيش فيها وهي بلد كفر هدمت ما قبلها، والحج يهدم ما قبله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) فبايع رضي الله عنه وأحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حبًّا شديدًا حتى كان أحب الناس إليه وحتى إنه لا يستطيع أن يحد النظر فيه إجلالًا له للنبي عليه الصلاة والسلام، سبحانه مقلب القلوب بالأمس كان يبغضه بغضًا شديدًا حتى يتمنى أن يقدر عليه فيقتله، أما الآن ما يستطيع أن يرفع طرفه إليه إجلالًا له، ولا يستطيع أن يصفه لأنه لا يحيط به حيث إنه لم يدركه إدراكًا جيدًا مهابة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول رضي الله عنه إنه لو مات على الطبق الأول لكان من أهل النار، ولو مات يقول لو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، شف الاحتياط رضي الله عنه في الأول جزم أنه لو مات على تلك الحال لكان من أهل النار، أما الحال الثانية فإنه لشدة خوفه قال: " لو مت على هذه الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة " ولم يقل لكنت من أهل الجنة لأن الشهادة بالجنة أمرها صعب، نسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها، ثم إنه بعد ذلك تولى أمورًا رضي الله عنه، تولى إمارات وقيادات وحصل ما حصل في قصة حرب معاوية وغيره، وكان عمرو بن العاص معروف أنه من أدهى العرب وأذكى العرب فيقول: أخشى من هذا الذي حدث بعد الطبق الأوسط أن يكون أحاط بعمله، ثم أوصى رضي الله عنه أنه إذا مات لا تتبعه نائحة، النائحة هي المرأة التي تنوح على الميت وتبكي عليه بكاء يشبه نوح الحمام، وأمر رضي الله عنه إذا دفنوه أن يبقوا عند قبره قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى يراجع رسل ربه، وهم الملائكة الذين يأتون إلى الميت إذا دفن، إذا دفن الميت فإنه يأتيه ملكان ويجلسانه في قبره ويسألانه عن ثلاثة أسئلة يقول من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ أما المؤمن الذي ثبته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة جعلني الله وإياكم منهم بمنه وكرمه فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد، يثبته الله في هذا المقام الضنك، وأما المنافق والعياذ بالله أو المرتاب اللي عنده شك فيقول: " هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته " لأن الإيمان ما دخل إلى قلبه ولا وقر في قلبه، فهو يسمع ويقول لكن نسأل الله العافية لم يلج الإيمان إلى قلبه فيضرب بمرزبة، والمرزبة المطرقة العظيمة من حديد يضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ولو سمعها الإنسان لصعق ) لو يسمعون الناس من يعذب في قبره لصعقوا ماتوا، لأنه يصيح صيحة لا نظير لها في الدنيا، لأن الصياح في الدنيا مهما كان ما أحد يموت منه، لكن هذه صيحة عظيمة ليس لها نظير، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق، فأمر عمرو بن العاص رضي الله عنه أهله أن يقيموا عليه قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها ليستأنس بهم، وهذا يدل على أن الميت يحس بأهله، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا من دفنه، قرع النعال الخفي يسمعه الميت إذا انصرفوا من دفنه، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث حسن أنه كان إذا دفن الميت وقف عليه وقال: ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ) فيستحب إذا دفن الميت أن يقف الإنسان على قبره ويقول: اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلّم سلم ثلاثًا، وإذا دعا دعا ثلاثًا، نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، المهم أن ابن عمرو بن العاص قال له بشّرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجنة، وهذا من باب البشارة بالخير والتهنئة به، والله الموفق.
باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء منه : قال الله تعالى: (( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون )) .وأما الأحاديث: فمنها حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه - الذي سبق في باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: ( أما بعد، ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به ) فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: ( وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ) رواه مسلم. وقد سبق بطوله.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه للسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء منه، قال الله تعالى: (( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون )) وأما الأحاديث فمنها حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه الذي سبق في باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبًا فحمد الله وأثنى ووعظ وذكَّر ثم قال: ( أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: ( وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ) رواه مسلم ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين فيما يتعلق في وداع المسافر ووصيته والدعاء له وطلب الدعاء منه، وذلك أن الإنسان إذا سافر فإنه ينبغي لأقاربه وذويه وأصحابه أن يودعوه وأن يوصوه بتقوى الله عز وجل، فإن الله تعالى يقول: (( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله )) وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا بعث جيشًا أو سرية وأمّر عليهم أميرًا قال: ( أوصيك بتقوى الله ومن معك من المسلمين خيرًا ) وذلك أن الإنسان يحتاج إلى أحد يساعده ويعينه على طاعة ربه ولاسيما عند السفر، لأن السفر محل الشغل والتقصير ولاسيما فيما سبق من الزمان لما كانت الأسفار بعيدة على المطايا وعلى الأقدام، فالناس يحتاجون إلى وصية وإلى تثبيت وإلى إعانة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الآيات الواردة في ذلك فقال: (( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) وهذه الوصية هي قول الله عز وجل في إبراهيم: (( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين )) ولم يتردد فأسلم لله وانقاد له (( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب )) يعني وصى بهذه الوصية وهي أن يسلموا لله عز وجل ظاهرًا وباطنًا، فالإسلام الظاهر يكون بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، والإسلام الباطن يكون بالإيمان بالله وملائكته وكتبه إلى آخره (( وصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين )) يعني أن إبراهيم ويعقوب كل منهما وصى بها بنيه (( إن الله اصطفى لكم الدين )) أي: اختاره لكم (( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) المعنى: استديموا الإسلام واثبتوا عليه إلى الممات ولا ترتدوا عنه (( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا )) وهذا غاية التوحيد وهذا من نصح يعقوب عليه الصلاة والسلام لبنيه حيث أراد أن يعرف حالهم قبل أن يفارق الدنيا (( ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق )) أما إبراهيم فهو أبوه يعني جده وإسحاق أبوه لصلبه، وأما إسماعيل فهو عمه لكن أطلق عليه لفظ الآباء من باب التغليب، لأن العم صنو الأب كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمر: ( أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ) يعني: شريكه في الأصل والجذع، والصنو هو عبارة عن النخلتين يكون أصلهما واحدًا وهما قرينتان، ويسمى عند العامة القرائن، وقوله: (( إلهًا واحدًا )) من باب التوكيد (( ونحن له مسلمون )) فهذه الوصية ينبغي للإنسان أن يوصي بها من أراد سفرًا وأن يوصي بها أهله وأن يتعاهدهم عليها، لأنها هي التي عليها بناء كل شيء، فلا دين بدون إخلاص ولا عبادة بدون إخلاص ولا اتباع بدون إخلاص، كل شيء مبناه على الإخلاص لله عز وجل، اللهم نسألك أن تجعلنا ممن يعبدك مخلصين لك الدين يا رب العالمين.
شرح حديث عن أبي سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: ( ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم ). متفق عليه. زاد البخاري في رواية له: ( وصلوا كما رأيتموني أصلي ). قوله: رحيما رفيقا روي بفاء وقاف، وروي بقافين.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه للسفر وغيره، والدعاء له وطلب الدعاء منه " عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه، فقال: ( ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ) متفق عليه، زاد البخاري في رواية له: ( وصلوا كما رأيتموني أصلي ) ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب توديع الصاحب والمسافر والمفارق بأي فراق كان ووصيته من خلفه، قال في ذكر الأحاديث الواردة في هذا ما نقله عن مالك بن حويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونحن شببة متقاربون، وهذا في عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة، وكانوا شبابًا فأقاموا عند النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ليلة جاؤوا من أجل أن يتفقهوا في دين الله، فلما رأى أنا قد اشتقنا أهلنا يعني اشتقنا إليهم سألهم وأخبروه عما وراءهم فقال: ( ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ).
فوائد حديث أبي سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم. متفق عليه. زاد البخاري في رواية له: وصلوا كما رأيتموني أصلي.
الشيخ : فهذا الحديث فيه فوائد منها: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان مشهورًا بالرحمة والرفق، فكان أرحم الناس بالناس وكان أرفق الناس بالناس عليه الصلاة والسلام، رحيمًا رفيقًا حتى إن الجارية من أهل المدينة البنت الصغيرة تمسك بيده ليذهب معها ويقضي حاجتها، وحتى العجوز كذلك فكان عليه الصلاة والسلام أرحم الناس بالناس وأرفق الناس بالناس، ومنها: أن الإنسان ينبغي له أن يكون شعوره شعور الآخرين لا يكون أنانيًّا إذا تمت له الأمور نسي من سواه، فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان مقيمًا في أهله مستريح البال مطمئن القلب مرتاح النفس، لكن هؤلاء الشببة الذين جاؤوا يتعلمون الدين، كانت الفطرة والعادة والطبيعة أن الإنسان يشتاق إلى أهله لما رأى أنهم اشتاقوا إلى أهلهم وسألهم من خلّفوا من وراءهم وأخبروه أمرهم أن يرجعوا إلى أهليهم، فأنت ينبغي لك أن تشعر بشعور الآخرين وأن تفرض نفسك كأنك إياهم حتى تعاملهم بما تحب أن تعامل به نفسك، ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يقيم في أهله ما أمكنه، ولا ينبغي أن يتغرّب عنهم ولا أن يبتعد عنهم حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر المسافر إذا سافر وقضى حاجته أن يرجع إلى أهله، لأن بقاء الإنسان في أهله فيه خير كثير فيه الإلفة والمودة والمحبة والتربية ومراعاة أحوالهم والتأديب والتوجيه، فلهذا كان الذي ينبغي للإنسان ألا يفارق أهله إلا عند الحاجة ومتى انتهت حاجته رجع إليهم، ومنها من فوائد الحديث: أن الإنسان مأمور بأن يعلم أهله ولهذا قال علموهم ( ارجعوا إلى أهليكم وعلموهم ) يعلمونهم ما علموه من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالإنسان ينبغي له أن يعلّم أهله ما يحتاجون إليه، إما أن يجعل جلسة خاصة لهم أو إذا جلسوا على الطعام أو على الشراب أو في انتظار النوم أو ما أشبه ذلك يعلمهم، ومنها أيضًا من فوائد الحديث: ألا يقتصر على التعليم فقط قال: ( علموهم ومروهم ) فيعلمهم ويأمرهم وأهم ما يؤمر به الصلاة، وقد نص الرسول صلى الله عليه وسلم عليها فقال: ( مروا أبنائكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) فلابد من تعليم الأهل ولابد من أمرهم وتأديبهم وتوجيههم، ومن فوائد الحديث وجوب الأذان وأنه فرض كفاية، لقوله: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) ومنها أنه لا يصح الأذان قبل الوقت، فلو أذن الإنسان قبل الوقت ولو بتكبيرة واحدة من الأذان فإن أذانه لا يصح ،يجب عليه أن يعيده بعد دخول الصلاة لقوله: ( إذا حضرت الصلاة ) والصلاة لا تحضر إلا إذا دخل وقتها، وبهذا نعرف أن قول الرسول عليه الصلاة ولاسلام لبلال إذا أذنت الأذان الأول لصلاة الصبح فقل: " الصلاة خير من النوم مرتين " أن المراد بذلك الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت، لأنه قال الأول لصلاة الصبح خلافًا لما فهمه بعض الناس من أن المراد بذلك الأذان الذي يكون قبل الفجر، لأن الأذان الذي يكون قبل الفجر ليس أذانًا لصلاة الفجر، فقد بيّن الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأذان الذي يكون قبل الفجر أنه لإيقاظ النائم وإرجاع القائم فقال: ( إن بلالًا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ) هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبيّن في هذا الحديث أن الأذان الذي يكون في آخر الليل والذي يسميه الناس الأذان الأول هذا ليس للفجر ليس للصلاة، لأن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ) وقد بيّن الرسول عليه الصلاة والسلام أن هذا الأذان ليس لصلاة الفجر بقوله: ( ليرجع قائمكم ) يعني يرده ليتسحر ويوقظ نائمكم ليتسحر، ومن فوائد هذا الحديث: وجوب صلاة الجماعة لقوله: ( وليؤمكم أكبرهم ) واللام هنا للأمر فصلاة الجماعة واجبة، ومن فوائد الحديث: أن صلاة الجماعة واجبة على المسافرين كما هي واجبة على المقيمين، لأن هؤلاء وفد سيرجعون إلى أهلهم فهم مسافرون وأمرهم بالصلاة جماعة، وعلى هذا فإذا كان الإنسان في البلد وهو مسافر فإنه يجب عليه أن يحضر الجماعة في المساجد، وبعض العامة إذا قلت له صل قال أنا مسافر، طيب المسافر ما عليه صلاة جماعة يجب أن تصلي مع الجماعة في المساجد، ولو كان تبي تبقى يومين أو ثلاثة في البلد لازم تصلي مع الجماعة، أنت وأهل البلد سواء قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل: ( أتسمع النداء؟ ) قال: نعم، قال: ( فأجب ) ومن فوائد هذا الحديث: تقديم الكبير في الإمامة لقوله: ( وليؤمكم أكبركم ) وهذا لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) لأن هؤلاء شباب كلهم وفدوا في وقت واحد، والظاهر أنه ليس بينهم فرق بيّن في قراءة القرآن، وأنهم متقاربون ليس بعضهم أقرأ من بعض، ولهذا قال وليؤمكم أكبركم، لأنهم متساوون في القراءة أو متقاربون، فإذا تساووا في القراءة والسنة فإنه يرجع إلى الأكبر سنًّا، إذا تساووا في هذه الأمور القراءة والسنة والهجرة فإنهم يقدمون الأكبر، وفيه أيضًا من فوائد الحديث: اعتبار الكبر في السن وأن الكبير في السن مقدم على غيره إذا لم يكن لغيره ميزة يفضل بها هذا الكبير في السن، ومن فوائده أيضًا: أنه ينبغي للإنسان الموجه للناس أن يوجههم لكل أمر وإن كان يظن أنه معلوم، ولهذا قال: ( صلوا صلاة كذا في حين كذا ) مع أنهم قد صلوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام صلوا معه عشرين ليلة وهم يعلمون ذلك، لكن من أجل التنبيه قال صلوا مثلًا الظهر في وقت كذا، صلوا العصر في وقت كذا، صلوا المغرب في وقت كذا، صلوا العشاء في وقت كذا، صلوا الفجر في وقت كذا، ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعلم الناس بالقول وبالفعل، فعلّم الذي صلى بغير طمأنينة علمه بالقول، قال: ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع ) إلى آخره، أما هؤلاء فقال لهم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وهذا تعليم بفعل وكما فعل عليه الصلاة والسلام حينما صنع له المنبر فصعد عليه وجعل يصلي بالناس وهو على المنبر فيركع وهو على المنبر فإذا أراد السجود نزل من المنبر وهو مستقبل القبلة ثم سجد: وقال لما سلم إنما فعلت هذا لتأتموا به ولتعلموا صلاتي، ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان بل يجب على الإنسان أن يعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي فيقرأ من كتب العلم التي كتبها من يوثق بعلمه كيف كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي حتى ينفذ أمر الرسول في قوله: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) والله الموفق. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب وداع الصاحب وصيته عند فراقه للسفر وغيره والدعاء له وطلب الدعاء منه " عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن وقال: ( لا تنسانا يا أخي من دعائك ) فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا، وفي رواية قال: ( أشركنا يا أخي في دعائك ).