تتمة شرح حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم. متفق عليه. وعن النزال بن سبرة رضي الله عنه قال: أتى علي رضي الله عنه باب الرحبة فشرب قائما، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت. رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشرب الرجل قائما. قال قتادة: فقلنا: لأنس: فالأكل ؟ قال: ذلك أشر - أو أخبث - رواه مسلم. وفي رواية له أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يشربن أحد منكم قائما، فمن نسي فليستقيء ). رواه مسلم.
الشيخ : يعني ماء من زمزم نظيف وأظنه نبيذ أيضًا فالله أعلم، لكن قال الرسول عليه الصلاة والسلام: لم؟ قال: لك يا رسول الله، هذا يغمس الناس فيه أيديهم يعني أريد أن أعطيك ماء نظيفًا، فقال: ( لا، أشرب بما يشرب الناس به ) فشرب النبي صلى الله عليه وسلم مما يشرب الناس به، وشرب قائمًا فدل ذلك على جواز الشرب قائمًا، وكذلك حديث علي رضي الله عنه أنه شرب قائمًا وقال: " إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت " فدل هذا على أن الشرب قائمًا لا بأس به، لكن الأفضل أن يشرب قاعدًا، بقي أن يقال: إذا كانت البرادة في المسجد ودخل الإنسان المسجد فهل يجلس ويشرب أو يشرب قائمًا؟ لأنه إن جلس خالف قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا دخل أحدكم المجلس فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) وإن شرب قائمًا ترك الأفضل، فنقول: الأفضل أن يشرب قائمًا لأن الجلوس قبل صلاة الركعتين حرام عند بعض العلماء بخلاف الشرب قائمًا فهو أهون، وعلى هذا فيشرب قائمًا ثم يذهب ويصلي تحية المسجد، والله الموفق.
باب استحباب كون ساقي القوم آخرهم شربا . عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ساقي القوم آخرهم يعني: شربا ). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
القارئ : بسم الله الرحمن . الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب استحباب كون ساقي القوم آخرهم شربًا، عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ساقي القوم آخرهم شربًا ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله في كتاب رياض الصالحين: " باب استحباب كون ساقي القوم آخرهم شربًا " يعني الذي يسقي القوم ماء أو لبنًا أو قهوة أو شاهي ينبغي أن يكون هو آخرهم شربًا من أجل أن يكون مؤثرًا على نفسه، ومن أجل أن يكون النقص إن كان على نفس الساقي، وهذا لا شك أنه أحسن امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأخذًا بأدب النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه إذا كان لا يشتهي أن يشرب فليس بلازم أن يشرب بعدهم، إن شاء شرب وإن شاء لم يشرب، المهم أن يكون هو الأخير إذا أراد أن يشرب لما في ذلك من الإيثار وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يخدم إخوانه بسقيهم، وإذا كان صاحب البيت فليقدم إليهم الشراب أو الأكل كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، جاء بعجل حنيذ فقربه إليهم قال ألا تأكلون، فصاحب البيت يقرّب الأكل ويناول الشراب ويكون هو آخر القوم، ثم هل الأفضل أن يشاركهم في الطعام في الأكل في الغداء أو في العشاء أو في الفطور أو الأفضل أن ينصرف ولا يشاركهم؟ هذا يرجع إلى عادة الناس فإذا كانت المشاركة أطيب لقلوب الحاضرين الضيوف وأكثر إيناسًا فليكن معهم، وإذا كان الأمر بالعكس وجرت العادة أنه لا يأكل الإنسان مع ضيوفه فلا يأكل، فهذا أمر يرجع إلى العرف، إن كان العرف أن من إكرام الضيف ألا تأكل معه وأنت تجعله حرًّا يأكل ما شاء فلا تأكل، وإن كان الأمر بالعكس فكل، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) ولم يبيّن نوع الإكرام فيرجع في ذلك إلى ما جرى به عرف الناس، والله الموفق.
باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز الكرع - وهو الشرب بالفم من النهر وغيره بغير إناء ولا يد - وتحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الشرب والأكل والطهارة وسائر وجوه الاستعمال. عن أنس رضي الله عنه قال: حضرت الصلاة، فقام من كان قريب الدار إلى أهله، وبقي قوم فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه، فتوضأ القوم كلهم. قالوا: كم كنتم ؟ قال: ثمانين وزيادة. متفق عليه. هذه رواية البخاري. وفي رواية له ولمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء، فأتي بقدح رحراح فيه شيء من ماء، فوضع أصابعه فيه. قال أنس: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه، فحزرت من توضأ ما بين السبعين إلى الثمانين. وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ. رواه البخاري. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار، ومعه صاحب له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة وإلا كرعنا. رواه البخاري ).
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة، عن أنس رضي الله عنه قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار إلى أهله وبقي قوم، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فتوضأ القوم كلهم، قالوا: كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة، متفق عليه، هذه رواية البخاري، وفي رواية له ولمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء فأتي بقدح رحراح فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيه، قال: أنس فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه فحزرت من توضأ ما بين السبعين إلى الثمانين، وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ، رواه البخاري، وعن جابر رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار ومعه صاحب له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة وإلا كرعنا ) رواه البخاري، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة وقال: ( هي لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة ) متفق عليه، وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) متفق عليه، وفي رواية لمسلم: ( إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب ) وفي رواية له: ( من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارًا من جهنم ) ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا الباب عقده المؤلف النووي رحمه الله في رياض الصالحين في باب الأواني حكم الأواني واستعمالها في الشرب، وليعلم أن هناك قاعدة نافعة وهي أن الأصل في كل ما خلق الله في الأرض حلال، الأصل فيه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا )) كل ما في الأرض فهو لنا من حيوان وأشجار وأحجار وكل شيء، كل الذي في الأرض حلال أحله الله لنا إلا ما قام الدليل على تحريمه، وبناء على هذه القاعدة العظيمة التي بينها الله لنا في كتابه فإن كل من ادعى أن هذا حرام فعليه الدليل، إذا قال مثلًا هذا الحيوان حرام نقول هات الدليل وإلا الأصل أنه حلال، إذا قال هذه الآنية حرام قلنا هات الدليل وإلا فالأصل أنها حلال، إذا قال هذا الشجر حرام قلنا هات الدليل وإلا فالأصل أنه حلال، لأن الذي يقول أنه حلال معه أصل من الله عز وجل (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا )) وقال عز وجل: (( وسخر لكم مافي السماوات ومافي الأرض جميعًا منه ))(( سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه ))، فهذا هو الأصل، ولهذا قال المؤلف رحمه الله باب جواز الشرب في الآنية من خشب أو حجر أو غير ذلك، إلا الذهب والفضة، فإن الذهب والفضة لا يجوز فيهما الأكل ولا الشرب.
شرح حديث عن حذيفة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة، وقال: ( هي لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة ). متفق عليه. وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ( إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب ). وفي رواية له: ( من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارا من جهنم ).
الشيخ : ودليل هذا حديث حذيفة بن اليمان وأم سلمة رضي الله عنهما، أما حديث حذيفة بن اليمان فقد صرّح رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة، وكذلك حديث أم سلمة وبيّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحكمة من ذلك فقال: إنها لهم في الدنيا -يعني للكفار- ولكم في الآخرة، فالكفار في الآخرة في نار جهنم والعياذ بالله إذا استغاثوا وهلكوا من العطش، فقد قال الله تعالى: (( إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقًا )) يؤتى إليهم بالماء كالمهل وهو كرغي الزيت المحمى والعياذ بالله، إذا قربوه إلى وجوههم ليشربوا منه فإنه يشوي وجوههم (( وسقوا ماءً حميمًا فقطع أمعاءهم )) والعياذ بالله، لكن أهل الجنة جعلني الله وإياكم منهم (( يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك )) يسقون بآنية الذهب والفضة، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب فيهما لأنهما آنية الجنة، ونهى عن لبس الحرير لأن الحرير للمؤمنين في الجنة، والرجال لا يليق بهم لبس الحرير وكذلك النساء لولا أن الله سبحانه وتعالى رخص لهن بلباس الحرير من أجل مصلحتهن ومصلحة أزواجهن حتى تتجمل المرأة لزوجها، فيحصل بذلك مصلحة الجميع ولولا هذا لكان الحرير حرامًا على النساء كما هو حرام على الرجال، لأنه لباس أهل الجن،ة فالحاصل أن جميع الأواني من زجاج وخزف وخشب وأحجار وغير ذلك الأصل فيها الحل، حتى لو كانت من أغلى المعادن فإنها حلال إلا الذهب والفضة، والعلة في ذلك ليس كما قال بعض الفقهاء إنها الخيلاء وكسر قلوب الفقراء وما أشبه ذلك، لأنه لو كان هكذا لكان كل إناء يكسر قلوب الفقراء يحرم فيه الأكل والشرب، ولكن العلة بينها الرسول عليه الصلاة والسلام: ( إنها لهم في الدنيا ولهم في الآخرة ) وهذا خاص في آنية الذهب والفضة، لو أن الإنسان شرب بآنية من معدن أغلى من الذهب والفضة لم يكن هذا حرامًا إذا لم يصل إلى حد السرف، ولكن لو أكل أو شرب بالذهب والفضة كان ذلك حرامًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وبيّن السبب، وفي حديث أم سلمة دليل على أن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة من كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد على ذلك بأن من فعل فإنما يجرر في بطنه نار جهنم، الجرجرة صوت الطعام والشراب وهو ينحدر في البلعوم، فإذا أكل أو شرب في إناء الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم، وهذا يدل على أنه من كبائر الذنوب، لأن فيه الوعيد وكل ذنب فيه وعيد فإنه من كبائر الذنوب، والله الموفق. السائل : يا شيخ المطلي بالذهب والفضة؟
كتاب اللباس : باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من قطن وكتان وشعر وصوف وغيرها إلا الحرير قال الله تعالى: (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا، ولباس التقوى ذلك خير )) . وقال تعالى: (( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر، وسرابيل تقيكم بأسكم )) .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " كتاب اللباس باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأسود، قال الله تعالى: (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير )) وقال تعالى: (( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم )) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ) رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب رياض الصالحين: " كتاب اللباس "، وهذا من أحسن الترتيب فإن الأكل والشرب لباس الباطن، والثياب لباس الظاهر قال الله تبارك وتعالى: (( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤ فيها ولا تضحى )) فقال: (( ألا تجوع فيها ولا تعرى )) لأن الجوع عري الباطن خلو البطن من الطعام عري له وألا تعرى من لباس الظاهر وأنك لا تظمؤ فيها هذا حرارة الباطن ولا تضحى هذا حرارة الظاهر، ولهذا أشكل على بعض الناس قال لماذا لم يقل إن لك ألا تجوع فيها ولا تظمى وأنك لا تعرى فيها ولا تضحى، ولكن من تفطن للمعنى الذي أشرنا إليه تبين له بلاغة القرآن، ألا تجوع فيها ولا تعرى هذا انتفاء العري في الباطن ولا تعرى انتفاؤه في الظاهر ولا تظمى هذا انتفاء الحرارة في الباطن ولا تضحى يعني تتعرض للشمس الحارة انتفاء للحرارة في الظاهر، كذلك المؤلف رحمه الله بدأ بآداب الأكل ثم بآداب الشرب ثم باللباس الذي هو كسوة الظاهر وافتتح هذا الكتاب بقوله تعالى: (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير )) فذكر الله تعالى نوعين من اللباس نوع ظاهر ونوع باطن، أو نوع حسي ونوع معنوي، وذكر أن الحسي قسمان، قسم ضروري توارى به العورة، وقسم كمالي وهو الريش لباس الزينة، والله سبحانه وتعالى من حكمته جعل بني آدم محتاجين للباس لمواراة السوءة، يعني لتغطية السوءة حتى يتفطن الإنسان أنه كما أنه محتاج للباس يواري سوءته الحسية، فهو محتاج للباس يواري سوءته المعنوية وهي المعاصي، وهذا من حكمة الله ولهذا تجدون غالب المخلوقات سوى الآدمي لها ما يستر جلدها من شعر أو صوف أو وبر أو ريش، لأنها ليست بحاجة إلى أن تتذكر، العري المعنوي بخلاف بني آدم فإنهم محتاجون إلى أن يتذكروا العورة المعنوية وهي عورة الذنوب حمانا الله وإياكم منها (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم )) أي: عوراتكم (( وريشًا )) أي ثياب زينة وجمال زائدة عن اللباس الضرورية (( ولباس التقوى )) هذا اللباس المعنوي (( ذلك خير )) أي: خير من اللباس، الظاهر سواء كان مما هو ضروري كالذي يواري السوءة أو من الكمال، وإذا كان اللباس لباس التقوى خيرًا من لباس الظاهر، فيجب على الإنسان أن يفكر تجدنا نحرص على نظافة اللباس الظاهر، الإنسان إذا أصاب ثوبه بقعة وسخ ذهب يغسلها بالماء والصابون وبما يقدر عليه من المنظف، لكن لباس التقوى كثير من الناس لا يهتم به يتنظف أو يتوسخ لا يهتم به، مع أن هذا كما قال الله عز وجل هو الخير وهو إشارة إلى أنه يجب الاعتناء بلباس التقوى أكثر مما يجب الاعتناء بلباس البدن الظاهر الحسي، لأن لباس التقوى ذلك خير، وهنا قال: (( ذلك خير )) ولم يقل ولباس التقوى هو خير، لأن ذا اسم إشارة وجيء بها إلى البعيد إشارة إلى علو مرتبة هذا اللباس، كما قال تعالى: (( آلم * ذلك الكتاب لا ريب فيه )) ولم يقل هذا الكتاب إشارة إلى علو مرتبة القرآن، كذلك قوله: (( ذلك خير )) إشارة إلى علو مرتبة لباس التقوى، فينبغي للإنسان أن يعتني بهذا اللباس لباس تقوى الله عز وجل، وأن يفكر دائمًا في سيئاته ومعاصيه وتنظيف السيئات والمعاصي أسهل من تنظيف الثياب الظاهرة، الثياب الظاهرة يحتاج إلى عمل وتعب وأجر وتحضير ماء ومنظف، لكن هذا أمره سهل جدًّا (( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم )) استغفار وتوبة يمحو كل ما سلف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص: ( أما علمت أن التوبة تهدم ما قبلها ) نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليكم بمنه وكرمه.
تتمة شرح وقال تعالى: (( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر، وسرابيل تقيكم بأسكم )) .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " كتاب اللباس، قال الله تعالى: (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير )) وقال تعالى: (( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم )) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ) رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم ) رواه النسائي، والحاكم وقال: حديث صحيح، وعن البراء رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعًا، ولقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئًا قط أحسن منه، متفق عليه ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . سبق لنا الكلام على أول هذا الباب باب اللباس وعلى الآية الأولى منه وهي قوله تعالى: (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير )) وذكر المؤلف آية أخرى وهي قوله تعالى: (( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم )) السرابيل هي الدروع يعني مثل لباسنا هذا يسمى سرابيل، القمص والدروع وشبهها سرابيل، السرابيل يقول الله عز وجل: (( جعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم )) أما السرابيل التي تقينا البأس فهي سرابيل الحديد الدروع من الحديد كانوا بالأول يلبسونها عند الحرب عند القتال، لأنها تقي الإنسان السهام الواردة إليه فإنها عبارة عن حِلَق من حديد منسوج، كما قال الله تعالى وهو يعلم داود: (( أن اعمل سابغات وقدر في السرد )) فيضعون هذه الدروع إذا لبسها الإنسان وجاءته السهام أو الرماح أو السيوف ضربت على هذا الحديد ووقته الشر، أما قوله: (( سرابيل تقيكم الحر )) فهي الثياب من القطن وشبهها تقي الحر، وقد يقول قائل: لماذا لم يقل تقيكم البرد؟ أجاب العلماء عن ذلك بأن هذا على تقدير شيء محذوف أي تقيكم الحر وتقيكم البرد، لكنه ذكر الحر لأن السورة مكية نزلت في مكة، وأهل مكة ليس عندهم برد، فذكر الله منته عليهم بهذه السرابيل التي تقي الحر، وقيل: إنه ليس في الآية شيء محذوف وأن الدروع التي تقي البأس تقي الإنسان حر السهام والسرابيل الخفيفة التي تقي الحر هذه تقي الحر الجوي وتلك تقي الحر الذي يأتي من السهام ونحوها، وذلك أن الإنسان في الجو الحار لو لم يكن عليه سرابيل تقيه الحر للفحه الحر واسود جلده وتأذى وجف، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل هذه السرابيل التي تقي الحر من نعمته تبارك وتعالى.
شرح حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم ). رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البسوا البياض، فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم )رواه النسائي، والحاكم وقال: حديث صحيح. وعن البراء رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا ولقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه. متفق عليه.
الشيخ : ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما وحديث سمرة في أن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ على لبس الثياب البيض وقال: (( إنها من خير ثيابكم )) وقال: (( كفنوا فيها موتاكم )) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام فإن الثوب الأبيض خير من غيره لا من جهة الإضاءة والنور ولا من جهة أنه إذا اتسخ أدنى اتساخ ظهر فيه فبادر الإنسان إلى غسله، أما الثياب الأخرى فربما تتراكم فيها الأوساخ والإنسان لا يشعر بها ولا يغسلها ولا تتنظف، فلهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ) وهو شامل للبس الثياب البيض القمص والأزر والسراويل، كلها ينبغي أن تكون من البياض فإنه أفضل، ولكن لو أنه لبس من لون آخر فلا بأس بشرط ألا يكون مما يختص لبسه بالنساء، فإن كان مما يختص لبسه بالنساء فإنه لا يجوز أن يلبسه الرجل، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، وكذلك بشرط ألا يكون أحمر، لأن الأحمر قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان أحمر خالصًا، فإن كان أحمر وفيه بياض فلا بأس، وعلى هذا يحمل الحديث الثالث الذي ذكره المؤلف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مربوعًا وأنه كان عليه حلة حمراء، هذه الحلة الحمراء ليس معناه أنها كلها حمراء، لكن معناه أن أعلامها حمر مثل ما نقول الشماغ أحمر وليس هو كالأحمر، بل فيه بياض كثير، لكن نقطه ووشيه الذي فيه أحمر، كذلك الحلة الحمراء يعني أنها أعلامها حمر، أما أن يلبس الرجل أحمر خالص ليس فيه شيء من البياض فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، والله الموفق.
شرح حديث عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم، فخرج بلال بوضوئه، فمن ناضح ونائل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء، كأني أنظر إلى بياض ساقيه، فتوضأ وأذن بلال، فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا، يقول يمينا وشمالا: حي على الصلاة، حي على الفلاح، ثم ركزت له عنزة، فتقدم فصلى يمر بين يديه الكلب والحمار لا يمنع. متفق عليه.
وعن أبي رمثة رفاعة التميمي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان أخضران. رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء. رواه مسلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في كتاب اللباس " عن وهب بن عبد الله رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم، فخرج بلال بوضوئه فمن ناضح ونائل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه، فتوضأ وأذن بلال، فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يقول يمينًا وشمالًا حي على الصلاة، حي على الفلاح، فركزت له عنزة فتقدم فصلى، يمر بين يديه الكلب والحمار لا يمنع، متفق عليه، وعن رفاعة التميمي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان أخضران، رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء، رواه مسلم ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه أحاديث ذكرها النووي رحمه الله في رياض الصالحين في كتاب اللباس، وقد سبق ذكر شيء من هذه الأحاديث وفي درسنا هذا اليوم حديث وهب بن عبد الله السوائي أبي جحيفة رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في قبة له حمراء من أدم أو من أُدم، لكن الصواب من أَدم وذلك في الأبطة في حجة الوداع فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قدم مكة في حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة قدمها في ضحى يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، ونزل إلى المسجد الحرام فطاف وسعى ثم خرج إلى الأبطح فنزل فيه هناك إلى اليوم الثاني، وكان في هذه القبة التي ضربت له عليه الصلاة والسلام يقول فخرج يعني حين زالت الشمس، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء يرى منها يعني من تحتها بياض ساقيه، وهذه الحلة حلة حمراء يعني أن أعلامها حمر ليست سودًا ولا خضرًا، لأن الأحمر الخالص قد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لبسه فتحمل هذه على أن المراد أن أعلامها يعني خطوطها ونقشها أحمر، خرج بلال رضي الله عنه بوضوء الرسول عليه الصلاة والسلام، يعني بما بقي من ماءه الذي توضأ به فجعل الناس يأخذون منه من ناضح ونائل، يعني بعضهم أخذ كثيرًا وبعضهم أخذ قليلًا يتبركون بفضل وضوئه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من هذه القبة وأذن بلال، ثم ركزت العنزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والعنزة رمح في طرفه زج يعني رمح في طرفه حديدة محددة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصحبها معه في السفر، ركزت العنزة من أجل أن يصلي إليها، لأن الإنسان إذا كان في السفر فإنه ينبغي أن يصلي إلى شيء قائم عصا يركزه في الأرض أو ما أشبه ذلك.
فائدة : جواز جمع المسافر بين الصلاتين ولو كان نازلا.
الشيخ : يقول " فتقدم فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين " وهذا يدل على جواز الجمع للمسافر وإن كان نازلًا، لكن الأفضل ألا يجمع إلا من حاجة، كما لو كان سائر يمشي أو كان نازلًا، ولكنه يحتاج إلى راحة فيجمع جمع تأخير أو جمع تقديم، وإلا فالأفضل للنازل ألا يجمع، ثم ذكر وهب بن عبد الله السوائي أبو جحيفة كيف كان أذان بلال يقول: " جعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يعني يمينًا وشمالًا يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح " واختلف العلماء رحمهم الله هل يقول حي على الصلاة على اليمين ثم حي على الفلاح على اليسار ثم حي على الصلاة على اليسار ثم حي على الفلاح على اليمين حي على الفلاح على اليسار؟ أو أنه يجعل حي على الصلاة كلها على اليمين وحي على الفلاح كلها على اليسار؟ والأمر في هذا واسع، إن فعل هذا أو هذا كله على خير ولا بأس به، ثم ذكر حديثين آخرين أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه لباس أخضر، والثاني كان عليه عمامة سوداء، وهذا يدل أيضًا على جواز لباس الأخضر ولباس الأسود، والله أعلم.
شرح حديث عن أبي سعيد عمرو بن حريث رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها بين كتفيه. رواه مسلم. وفي رواية له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس، وعليه عمامة سوداء. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة. متفق عليه. وعنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود. رواه مسلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في كتاب اللباس: " عن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه، رواه مسلم، وفي رواية له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كُفّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، متفق عليه، وعنها رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، رواه مسلم، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسيرة فقال لي: ( أمعك ماء؟ ) قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى في سواد الليل، ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) ومسح عليهما، متفق عليه، وفي رواية: وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، وفي رواية أن هذه القضية كانت في غزوة تبوك ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه الأحاديث التي ذكرها النووي رحمه الله في كتاب اللباس فيها الإشارة إلى ما سبق من أنه يجوز للإنسان أن يلبس ما شاء من الثياب البيض والسود والخضر والصفر والحمر، إلا أن الأحمر الخالص قد ثبت فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يلبس الأحمر الخالص إلا مشوبًا بلون آخر، في هذا الحديث حديث عمرو بن الحريث أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليه عمامة سوداء، وسبق أنه دخل مكة وعليه عمامة سوداء، فهو يدل على جواز لبس العمامة السوداء، وكذلك الشماغ الذي شجره سوداء أو خضراء أو حمراء كل هذا جائز.
فائدة : جواز المسح على العمامة سواء كانت بذؤابة أو بغير ذؤابة.
الشيخ : وفيه دليل على جواز لبس العمامة، وأن من الأفضل أن يجعل الإنسان لها ذؤابة، الذؤابة أن يرخي طرفيها من خلف كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والعمامة التي ليس لها ذؤابة تسمى العمامة الصماء، لأنه ليس لها طرف مرخى وكلاهما جائز، وكلاهما أيضًا يجوز المسح عليه على القول الراجح، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، ففيه دليل على أن الأفضل أن يكفن الأموات في الثياب البيض، وهذا إن تيسر لكن لو فرض أنه لم يتيسر فيكفن الميت بمثل ما يلبسه الحي من أي لون كان، إلا الأحمر الخالص، وفيه دليل في حديث عائشة دليل على أن الميت لا يجعل عليه قميص ولا عمامة، وإنما توضع القطع واحدة فوق الأخرى ثم يوضع عليها الميت ثم تلف القطع العليا عليه ثم الوسطى ثم السفلى ثم تثنى من عند الرأس ومن عند الرجلين.
فائدة : سبب استحباب العلماء وضع الأربطة على الميت بعد تكفينه.
الشيخ : وتربط تحزم حتى يدخل الميت القبر، فإذا أدخل القبر فإنها تفك الحزائم، قال العلماء: تفك الحزائم لأن الميت -أحسن الله لي ولكم الخاتمة- إذا مات ينتفخ فإذا انتفخ وقد ربط فربما يتفجر فتفك الحزائم من أجل أن يكون الانتفاخ لا يتفجر.
شرح حديث عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير، فقال لي: أمعك ماء ؟ قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى في سواد الليل ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) ومسح عليهما. متفق عليه. وفي رواية: وعليه جبة شامية ضيقة الكمين. وفي رواية: أن هذه القضية كانت في غزوة تبوك.
الشيخ : وفي الأحاديث حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك نزل من بعيره وأخذ الإداوة، الإداوة شيء إناء يوضع فيه الماء يشبه ما يعرفه الناس بالمطارة سابقًا، فأخذ الإداوة عليه الصلاة والسلام وانطلق حتى توارى في سواد الليل، لأنه عليه الصلاة والسلام أشد الناس حياء، فلا يحب أن يراه أحد وهو جالس على قضاء حاجته وإن لم ير عورته، وهذا من كمال الأدب أنك إذا أردت أن تقضي حاجتك فأبعد عن الناس حتى توارى عنهم، لا من أجل أن لا يروا عورتك لأن ستر العورة واجب ولا يجوز أن تتكشف أمام الناس، لكن هذا فوق ذلك يعني الأفضل ألا يرى الإنسان وهو على حاجته، وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن هديه أكمل الهدي ثم أراد أن يتوضأ وكان عليه جبة من صوف ضيقة الأكمام لبسها عليه الصلاة والسلام، لأن الوقت بارد لأنه نحو الشام تبوك قريبة من الشام، فلذلك كان عليه هذه الجبة عليه الصلاة والسلام فلما توضأ وغسل وجهه وأراد أن يخرج ذراعه من الكم كان ضيقًا، ويظهر أيضًا أنها صفيق لم تستطع يده أن تخرج فأخرجها من أسفل وغسلها عليه الصلاة والسلام، ولما أراد أن يغسل قدميه أهوى المغيرة بن شعبة لينزع خفيه قياسًا على أن الرسول لم يمسح على الكمين لما كانا ضيقين لم يمسح عليهما، وإنما أخرج يده من أسفل حتى غسلها، فظن المغيرة بن شعبة أن الخفين مثل ذلك وأنها تنزع من أجل غسل الرجل، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) فمسح عليهما يعني أدخلتهما طاهرتين أي لبستهما على طهارة فمسح عليهما، ففي هذا الحديث عدة فوائد، منها: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشر يناله ما ينال البشر في الأمور الطبيعية يبرد كما يبرد الناس ويحتر كما يحتر الناس، ولهذا رآه مرة معاوية رآه وقد فك إزراره إزرار القميص، لأنه والله أعلم كان محترًّا ففك الإزرار، فظن معاوية رضي الله عنه أن هذا من السنة وهو ليس من السنن المطلقة، لكن من السنة إذا كان فيه تخفيف على البدن لأن كل ما يخفف عن البدن فهو خير، فإذا كان الإنسان محتر وأراد أن يفتح الإزرار الأعلى والذي يليه فلا بأس هذا من السنة، أما بدون سبب فإنه ليس من السنة لأنه لو كان من السنة لكان وضع الأزرار عبثًا لا فائدة منه، والدين الإسلامي ليس فيه شيء عبث كله جد، ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا حرج على الإنسان أن يتوقى ما يؤذيه من حر أو برد كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، بل الأفضل للإنسان أن يتوقى ما يؤذيه.