تتمة باب تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه وجواز لبسه للنساء.عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تلبسوا الحرير؛ فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ). متفق عليه. وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما يلبس الحرير من لا خلاق له ). متفق عليه. وفي رواية للبخاري: ( من لا خلاق له في الآخرة ). وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لبس الحرير الدنيا لم يلبسه في الآخرة ) . متفق عليه.وعن علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا، فجعله في يمينه، وذهبا فجعله في شماله، ثم قال: ( إن هذين حرام على ذكور أمتي ). رواه أبو داود بإسناد حسن. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم ). رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن حذيفة رضي الله عنه قال: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه. رواه البخاري.
الشيخ : وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن من لبسه أو أنه ( إنما يلبسه من لا خلاق له في الآخرة ) يعني: من لا نصيب له في الآخرة، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان إذا لبس الحرير في الدنيا فإنه لا يدخل الجنة والعياذ بالله، لأن الرسول قال عليه الصلاة والسلام: ( لا خلاق له في الآخرة ) أي: لا نصيب له، وقال أيضًا: ( من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ) وهذا يعني أنه لا يدخل الجنة، وقال بعض العلماء: بل يدخلها ولكن لا يتمتع بلباس الحرير، مع أن أهل الجنة لباسهم فيها حرير وإنما يلبس شيئًا آخر، وهذا ما لم يتب فإن تاب من ذنوبه فإن التائب من الذنب يغفر الله له ذنبه، كما قال تعالى: (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا )) وهذا في الحرير الطبيعي الذي يخرج من دود القز، وأما الحرير الصناعي فليس حرامًا، لكن لا ينبغي للرجل أن يلبسه لما فيه من الميوعة والتنزل بحال الرجل التي ينبغي أن يكون فيها خشنًا يلبس ثياب الرجولة لا ثياب النعومة، لكن الفائدة من قولنا إن الصناعي ليس حرامًا يعني لو لبس طاقية من الحرير الصناعي أو سروالًا لا يرى فهذا لا بأس به، وأما القميص والغترة فلا ينبغي، وإن كان حلالًا لا ينبغي أن يلبسه الرجل لما فيه من الميوعة والتدني، ولأن الجاهل إذا رآه يظنه حريرًا طبيعيًّا فيظن أن ذلك سائغ للرجال وربما يقتدي به والسلامة أسلم للإنسان، والله أعلم.
الشيخ : الدبلة من الذهب حرام على الرجل لا شك، وأما المرأة فإن قارن ذلك عقيدة اعتقاد أنها تحبب المرأة إلى زوجها فهي حرام، وإن كان بدون عقيدة فهي خاتم من الخواتم.
باب جواز لبس الحرير لمن به حكة. عن أنس رضي الله عنه قال: رخص رسول الله، صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكة بهما. متفق عليه.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب جواز لبس الحرير لمن به حكة، عن أنس رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما، متفق عليه، باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها، عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تركبوا الخز ولا النمار ) حديث حسن رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن، وعن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع، رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحاح، وفي رواية للترمذي: نهى عن جلود السباع أن تفترش، باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدًا أو نعلًا أو نحوه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبًا سماه باسمه عمامة أو قميصًا أو رداءً يقول: ( اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه الأحاديث بل هذه الأبواب آخر كتاب اللباس الذي ذكره النووي رحمه الله في رياض الصالحين، فالباب الأول في هذا الدرس جواز لبس الحرير لمن به حكة، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن لبس الحرير، نهى الرجال وقال: ( إنما يلبسه من لا خلاق له ) وقال: ( من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ) لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك فإنه لا بأس به، مثل أن يكون في الإنسان حكة يعني حساسية واحتاج إلى لبس الحرير فإنه يلبسه ويكون مما يلي الجسد، لأن الحرير ليّن وناعم وبارد يناسب الحكة فيطفئها، ولهذا رخّص النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير أن يلبسا الحرير من حكة كانت بهما، كذلك أيضًا إذا كان الحرير أربعة أصابع فأقل، يعني عرضه أربعة أصابع فأقل فإنه لا بأس به، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخّص في ذلك، يعني مثلًا لو كان إنسان عنده جبة وفي فتحتها خيوط من الحرير أو تطريز من الحرير لا يتجاوز أربعة أصابع فإن ذلك لا بأس به، وكذلك إذا كان الثوب مختلطًا بين الحرير والقطن أو بين الحرير والصوف، وكان الأكثر الصوف والقطن يعني أكثر من الحرير فإنه لا بأس به، فهذه ثلاثة أمور، الأمر الرابع: إذا كان في الحرب يعني التقى الصفان بين المسلمين والكفار فلا بأس أن يلبس الإنسان ثياب الحرير لأن ذلك يغيظ الكفار، وكل شيء يغيظ الكفار فإنه مطلوب، فهذه أربعة أشياء تستثنى، الأول: ماهو؟ إذا كان لحاجة كالحكة ويكون مما يلي الجسد والحكمة في ذلك واضحة، الثاني: إذا كان أربعة أصابع فأقل، والثالث: إذا كان مختلطًا والأكثر ظهورًا سوى الحرير، والرابع: في الحرب من أجل إغاظة الكفار، فهذه المواضع الأربعة لا بأس فيها من الحرير.
باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها. عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تركبوا الخز ولا النمار ). حديث حسن، رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن. وعن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع. رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد صحاح. وفي رواية الترمذي: نهى عن جلود السباع أن تفترش.
الشيخ : أما الباب الثاني في درس اليوم فهو لباس جلود النمار، النمار جمع نمر وهو حيوان معروف، فلا يجوز للإنسان أن يلبس فروًا من جلود النمار، وكذلك لا يجوز أن يلبس فروًا من جلود السباع كما يدل عليه الحديث الآخر، لأن جلود السباع نجسة، كل السباع نجسة وأخبثها الكلب، لأن نجاسة الكلب مغلظة لا يكفي فيها إلا الغسل سبع مرات إحداها بالتراب، أما ما سواه من السباع فهو نجس، لكن ليس بهذه الغلظة، وعلى كل حال فجلود الذئاب وجلود النمور وأي جلود أخرى حرام كجلد الأسد مثلًا يحرم لبسها، وكذلك يحرم افتراشها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك، يعني لو جعلتها جاعد تجلس عليه فإن ذلك حرام، أما جلود الضأن وجلود ما تحله الذكاة فلا بأس أن يفترشها الإنسان، ولا بأس أن يلبسها أيضًا لأنها طاهرة والطاهر لا بأس باستعماله.
باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا أو نعلا أو نحوه. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه - عمامة، أو قميصا، أو رداء - يقول: ( اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له ). رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن.
الشيخ : وأما الباب الثالث في درس اليوم فهو ما يقوله الإنسان إذا لبس ثوبًا جديدًا، لا شك أن الإنسان لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله، ولا شك أن ما نأكله ونشربه ونلبسه من نعمة الله عز وجل، وأنه هو الذي خلقه لنا ولولا أن الله يسره ما تيسر، لو شاء الله تعالى لفقد المال من بين أيدينا فلم نستطع أن نحصل شيئًا، ولو شاء الله لوجد المال بيننا لكن لا نجد شيئًا نطعمه أو نلبسه أو نشربه (( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا فمن يأتيكم بماء معين )) فكل ما بنا من نعمة فمن الله ومن ذلك اللباس، فإذا منّ الله عليك بلباس جديد قميص أو سروال أو غترة أو مشلح أو فلينة ولبستها فقل: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، وتسميه باسمه اللهم لك الحمد أنت كسوتني هذا القميص، أنت كسوتني هذا السروال، أنت كسوتني هذه الغترة، أنت كسوتني هذه الطاقية، أنت كسوتني هذه الفنيلة، أنت كسوتني هذا المشلح، أي شيء تلبسه وهو جديد احمد الله قل اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أعوذ بك من شره وشر ما صنع له، من شره وشر ما صنع له، كيف شره؟ نعم شره ربما يكون هذا سبب شر عليك ربما تأكل النار طرفه ثم تتقد حتى تقضي على هذا اللباس وتقضي عليك أنت أيضًا، ربما يكون فيه أشياء سامة ما تعلم عنها شيئًا، فالمهم أنك تقول: اللهم إني أعوذ بك من شره وشر ما صنع له، لأنه قد يصنع ويكون سببًا للشر، فهذه ثلاث جمل أربع ( اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أعوذ بك من شره وشر ما صنع له، وأسألك من خيره وخير ما صنع له ) والله الموفق.
كتاب آداب النوم والاضطجاع. عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: ( اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك. آمنت بكتابك الذي أنزلت. ونبيك الذي أرسلت ). رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأدب من صحيحه. وعنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل ... ) وذكر نحوه، وفيه: ( واجعلهن آخر ما تقول ). متفق عليه.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " كتاب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال: ( اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت ) رواه البخاري، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل ) وذكر نحوه، وفيه: ( واجعلهن آخر ما تقول ) متفق عليه ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . عقد المؤلف رحمه الله في رياض الصالحين كتابًا في آداب النوم والجلوس والجليس وغير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان في حياته، وهذا يدل على أن هذا الكتاب كتاب شامل عام ينبغي لكل مسلم أن يقتنيه وأن يقرأه وأن يفهم ما فيه، فذكر المؤلف رحمه الله آداب النوم، والنوم من آيات الله عز وجل الدالة على كمال قدرته ورحمته وحكمته، قال الله تعالى: (( ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله )) وهو نعمة من الله سبحانه وتعالى على العبد لأنه يستريح فيه من تعب سابق وينشط فيه لعمل لاحق، فهو ينفع الإنسان عما مضى وفيما يستقبل، وهو من كمال الحياة الدنيا وذلك لأن الدنيا ناقصة فتكمل بالنوم لأجل الراحة، لكنه نقص من وجه آخر بالنسبة للحي القيوم عز وجل وهو الله، فإن الله تعالى (( لا تأخذه سنة ولا نوم )) لكمال حياته فهو لا يحتاج إلى النوم ولا يحتاج إلى شيء، هو الغني الحميد عز وجل، لكن الإنسان في هذه الحياة الدنيا بشر ناقص يحتاج إلى تكميل فمن ذلك النوم، والنوم عبارة أن الله سبحانه وتعالى يقبض النفس حين النوم، لكنه ليس القبض التام الذي تحصل به المفارقة التامة، ولذلك تجد الإنسان حيًّا ميتًا في الحقيقة، لا يحس بما عنده لا يسمع قولًا ولا يبصر شخصًا ولا يشم رائحة، ولكنه لم تخرج نفسه من بدنه الخروج الكامل، قال الله تبارك وتعالى: (( الله يتوفى الأنفس حين موتها )) وهذه الوفاة الكبرى (( والتي لم تمت في منامها )) يتوفاها في منامها (( فيمسك التي قضى عليها الموت )) وهي الأولى (( ويرسل الأخرى )) وهي النائمة يعني يطلقها (( إلى أجل مسمى )) لأن كل شيء عند الله تعالى بمقدار، كل شيء عنده بأجل مسمى، كل فعله جل وعلا حكمة في غاية الإتقان، فهذا النوم من آيات الله عز وجل، تأتي القوم مثلًا في حجرة في سطح في بر وهم نيام كأنهم جثث موتى، ثم هؤلاء القوم يبعثهم الله عز وجل، قال الله تعالى: (( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم )) ثم إن الإنسان يعتبر بالنوم اعتبارًا آخر وهو إحياء الأموات بعد الموت، فإن القادر على رد الروح حتى يصحو الإنسان ويستيقظ ويعمل عمله في الدنيا، قادر على أن يبعث الأموات من قبورهم وهو على كل شيء قدير، من آداب النوم أن ينام الإنسان على الشق الأيمن، لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، فالبراء بن عازب رضي الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم يضطجع على شقه الأيمن، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر البراء بن عازب أن ينام على شقه الأيمن، هذا هو الأفضل سواء كانت القبلة خلفك أو أمامك أو عن يمينك أو عن شمالك، النوم على الأيمن هو المهم لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم به، بعض الناس اعتاد أن ينام على الجنب الأيسر لو نام على الجنب الأيمن ربما لا يأتيه النوم، لكن يعوّد نفسه لأن المسألة ليست بالأمر الهين ثبتت من فعل الرسول وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، فأنت إذا نمت تشعر إذا نمت على الجنب الأيمن تشعر بأنك متبع للرسول عليه الصلاة والسلام حيث كان ينام على جنبه الأيمن وممتثل لأمره، حيث أمر به عليه الصلاة والسلام ينام على جنبه الأيمن وعوّد نفسك يمكن ما تنام أول ليلة ثاني ليلة أو أكثر، لكن عوّد نفسك هذه من السنن، ومن السنن أيضًا إذا تيسر أن تضع يدك اليمنى تحت خدك الأيمن لأن هذا ثبت من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن تيسر لك ذلك فهو جيد وأفضل، وإن لم يتيسر فليس هو في التأكد كمثل النوم على الجنب الأيمن، ومن ذلك أيضًا أن تقول هذا الذكر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به ( اللهم وجهت وجهي إليك، وأسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ) واجعل هذا آخر ما تقول يعني بعد الأذكار الأخرى، مثل ذكر: ( اللهم بك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت فاغفر لها وارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ) وما أشبه ذلك، المهم اجعل هذا الذكر الذي علمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم البراء بن عازب اجعله آخر ما تقول، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب أن يعيد عليه هذا الذكر فأعاده لكنه قال البراء " وبرسولك الذي أرسلت " فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا، قل: وبنبيك الذي أرسلت ولا تقل: وبرسولك ) قال أهل العلم: وذلك لأن الرسول يطلق على الرسول البشري والرسول الملكي جبريل، كما قال تعالى: (( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين )) والنبي هو للنبي البشري، وأنت إذا قلت: " بنبيك الذي أرسلت " جمعت بين الشهادة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنبوة والرسالة، فكان هذا اللفظ أولى من قولك برسولك الذي أرسلت، لأنه لو قلت برسولك الذي أرسلت ممكن يكون جبريل لأن جبريل رسول أرسله الله إلى الأنبياء بالوحي، فتقول بنبيك الذي أرسلت إذن ينبغي لكم أن تحفظوا هذا الذكر وأن تقولوه إذا اضطجعتم على فرشكم وأن تجعلوه آخر ما تقولون، امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتباعًا لسنته وهديه، هذه من آداب النوم، ومن حكمة الله عز وجل ورحمته أنك لا تكاد تجد فعلًا للإنسان إلا وجدته مقرونًا بذكر، اللباس له ذكر، الأكل له ذكر، الشرب له ذكر، النوم له ذكر، حتى جماع الرجل امرأته له ذكر، كل شيء له ذكر، لماذا؟ من أجل ألا يغفل الإنسان عن ذكر الله، يكون ذكر الله دائمًا على قلبه دائمًا وعلى لسانه دائمًا، وهذه من نعمة الله التي نسأل الله تعالى أن يرزقنا شكرها وأن يعيننا عليها. الطالب : ... الشيخ : إيه، عود نفسك عود نفسك يا أخي، إي نعم، مثل ما قلت، عود نفسك على شوي شوي.
شرح حديث عن عائشة رضي الله عنه قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن فيؤذنه. متفق عليه. وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده، ثم يقول: ( اللهم باسمك أموت وأحيا ) وإذا استيقظ قال: ( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ). رواه البخاري.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى " عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن فيؤذنه، متفق عليه، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: ( اللهم باسمك أموت وأحيا ) وإذا استيقظ قال: ( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ) رواه البخاري ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه من الأحاديث في آداب النوم التي ساقها النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر البراء بن عازب أن يقول حين يضطجع على جنبه الأيمن وأن يقول: ( اللهم وجهت وجهي إليك، وأسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك ) إلى آخر الحديث وبينا أن السنة والأفضل أن ينام الإنسان على الجنب الأيمن، وفي حديث حذيفة رضي الله عنه أنه ينبغي أن يضع الإنسان يده تحت خده، ومعلوم أن اليد اليمنى تحت الخد الأيمن، وهذا ليس على سبيل الوجوب ولكنه على سبيل الأفضلية، فإن تيسر لك هذا وإلا فالأمر واسع ولله الحمد، فكان صلى الله عليه وسلم يضع يده تحت خده ويقول: ( باسمك اللهم أموت وأحيا ) يعني أنني أموت وأحيا بإرادة الله عز وجل، والمراد بالموت هنا والله أعلم موت النوم، لأن النوم يسمى وفاة، أو أنه الموت الأكبر الذي هو مفارقة الروح للبدن ويكون بقوله تعالى: (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )) وإذا قام قال: ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) وهذا يؤيد أن المراد بالموت في قوله: ( باسمك اللهم أموت وأحيا ) يعني موت النوم وهو الموت الأصغر، أما حديث عائشة رضي الله عنها فقد أخبرت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وهذا أكثر ما يصلي إما أحد عشرة وإما ثلاث عشرة، وقد ينقص عن ذلك حسب ما تكون حاله عليه الصلاة والسلام من النشاط وعدم النشاط، ثم كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين وهما سنة الفجر، فإن السنة أن يخففهما فيقرأ في الأولى: (( قل يا أيها الكافرون )) وفي الثانية: (( قل هو الله أحد )) أو في الأولى: (( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا )) إلى آخر الآية في سورة البقرة، وفي الثانية: (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )) في آل عمران، والمهم أن يخففهما الركوع والسجود والقيام والقعود، لكن بشرط ألا يخل بالطمأنينة لأنه لو أخل بالطمأنينة لفسدت، ثم يضطجع على جنبه الأيمن عليه الصلاة والسلام بعد أن يصلي الركعتين سنة الفجر، يضجطع على الجنب الأيمن حتى يؤذنه المؤذن يعني حتى يعلمه بأن وقت الإقامة قد جاء فيخرج ويصلي.
فوائد حديث عائشة رضي الله عنه قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن فيؤذنه. متفق عليه.
الشيخ : ففي هذا الحديث دليل على فوائد، أولًا: أن من نعمة الله عز وجل أن الله تعالى أطلعنا على ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعمله في السر في الليل بواسطة زوجاته رضي الله عنهن، وهذا من الحكمة في كثرت تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه مات عن تسع نسوة، ومن فوائد ذلك: أن كل امرأة منهن تأتي بسنة لا يطلع عليها إلا هي، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة وكان يطيل القيام عليه الصلاة والسلام، كان يقوم إذا انتصف الليل وأحيانًا بعد ذلك حسب نشاطه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من نصف الليل ينام في آخر الليل، كما قالت عائشة رضي الله عنها في حديث آخر، وإلا صلى إذا تأخر صلى إلى الفجر فإذا طلع الفجر صلى الركعتين ثم اضطجع على جنبه الأيمن، وفيه دليل على أنه يسن تخفيف الركعتين ركعتي الفجر كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وفيه أن الأفضل للإمام ألا يحضر إلى المسجد إلا عند إقامة الصلاة، وأن يجعل صلاة الرواتب في بيته كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل، أما المأموم فإنه يتقدم لكن الإمام لما كان يُنتظَر ولا يَنتظِر صار السنة أن يتأخر في بيته حتى يصلي النوافل المشروعة ثم يحضر، وفيه دليل على استحباب الاضطجاع على الجنب الأيمن بعد سنة الفجر لمن تطوع في بيته كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، واختلف العلماء رحمهم الله في هذه الضجعة فمنهم من قال: إنها سنة بكل حال، ومنهم من قال: إنها ليست بسنة إلا إذا كان الإنسان صاحب صلاة في آخر الليل فإنه يضطجع ليعطي بدنه شيئًا من الراحة، ومنهم من شدد فيها حتى جعلها بعض العلماء من شروط الصلاة صلاة الفجر، وقال: من لم يضطجع بعد السنة فلا صلاة له لكن هذا قول شاذ، وإنما ذكرناه لنبين لكم أن بعض العلماء يأتون بأقوال شاذة بعيدة من الصواب، والصواب أنها سنة لمن كان له تهجد من الليل ويشق عليه يتعب ويضطجع حتى يؤذن بالصلاة، وهذا في حق الإمام ظاهر وأما المأموم فإنه ربما لو اضطجع ربما يقيم الصلاة ويفوته شيء منها وهو لا يشعر، لأن المأموم لا يُنتظَر المأموم يَنتظِر ولا يُنتظَر، لكن الإمام هو الذي ينتظره الناس فإذا اضطجع بعد سنة الفجر في بيته فإن هذا من السنة إذا كان ممن يجتهد في التهجد، أما من لا يقوم إلا متأخرًا أو لا يقوم إلا مع أذان الفجر فهذا لا حاجة إلى أن يضطجع بعد سنة الفجر، والله الموفق.
شرح حديث عن يعيش بن طخفة الغفاري رضي الله عنه قال: قال أبي: بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحركني برجله فقال: ( إن هذه ضجعة يبغضها الله ) قال: فنظرت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود بإسناد صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه، كانت عليه من الله تعالى ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله تعالى فيه، كانت عليه من الله ترة ). رواه أبو داود بإسناد حسن.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في كتاب آداب النوم والاضطجاع " عن يعيش بن طخفة الغفاري رضي الله عنهما قال: قال أبي: بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحركني برجله فقال: ( إن هذه ضجعة يبغضها الله ) قال: فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود بإسناد صحيح، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من قعد مقعدًا لم يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله تعالى ترة، ومن اضطجع مضجعًا لا يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة ) رواه أبو داود بإسناد حسن ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه بقية الأحاديث الواردة في آداب النوم والاضطجاع، ذكر فيها المؤلف حديث يعيش بن طخجة أو طخفة أنه قال: حدثني أبي أنه كان نائمًا في المسجد على بطنه فإذا رجل يركضه برجله ويقول: ( إن هذه ضجعة يبغضها الله عز وجل ) فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ففي هذا الحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن ينام على بطنه لا سيما في الأماكن التي يغشاها الناس، لأن الناس إذا رأوه على هذه الحال فهي رؤية مكروهة، لكن إذا كان في الإنسان وجع في بطنه وأراد أن ينام على هذه الكيفية لأنه أريح له فإن هذا لا بأس به لأن هذه حاجة، وفي هذا دليل على جواز ركض الإنسان بالرجل يعني دزه برجله، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك وهو أشد الناس تواضعًا ولا يعد هذا من الكبر، اللهم إلا أن يكون في قلب الإنسان شيء من كبر فهذا شيء آخر، لكن مجرد أن تركض الرجل برجلك لا يعتبر هذا كبرًا، إلا أنه ينبغي مراعاة الأحوال، إذا كنت تخشى أن الرجل الذي تركضه برجلك يرى أنك مستهين به وأنك محتقر له فلا تفعل، لأن الشيء المباح إذا ترتب عليه محظور فإنه يمنع، وكذلك ثم ذكر حديث أبي هريرة في الرجل يجلس مجلسًا لا يذكر الله فيه أو يضطجع مضطجعًا لا يذكر الله فيه، كان عليه من الله ترة، الترة يعني الخسارة، أن تجلس مجلسًا لا تذكر الله فيه فهذا خسارة، لأنك لم تربح فيه، وفيه دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من ذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنب، وكذلك إذا اضطجعت مضطجعًا لم تذكر اسم الله فيه فإنه يكون عليك من الله ترة أي خسارة، فأكثر من ذكر الله دائمًا وأبدًا، كن كمن قال الله تعالى: (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم )) لتكون ممتثلًا لقول الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرُا وسبحوه بكرة وأصيلًا )) أعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا لم يخف انكشاف العورة وجواز القعود متربعا ومحتبيا. عن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى. متفق عليه. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء. حديث صحيح، رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيديه هكذا. ووصف بيديه الاحتباء، وهو القرفصاء. رواه البخاري. وعن قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق. رواه أبو داود، والترمذي. وعن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على ألية يدي فقال: (أتقعد قعدة المغضوب عليهم ؟! ) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب جواز الاستلقاء على القفا، عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيًا في المسجد واضعًا إحدى رجليه على الأخرى، متفق عليه، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء، حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيًا بيديه هكذا ووصف بيديه الاحتباء وهو القرفصاء، رواه البخاري، وعن قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق، رواه أبو داود والترمذي، وعن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي فقال: (أتقعد قعدة المغضوب عليهم ) رواه أبو داود بإسناد صحيح ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا الباب الذي عقده النووي رحمه الله في رياض الصالحين في بيان النوم على الظهر، وقد سبق أن الأفضل لمن أراد أن ينام أن ينام على الجنب الأيمن، وسبق أن النوم على البطن لا ينبغي إلا لحاجة، وبقي النوم على الظهر فهذا لا بأس به، أي لا بأس أن يضطجع الإنسان على ظهره بشرط أن يأمن انكشاف العورة، فإن كان يخشى من انكشاف عورته بحيث يرفع إحدى رجليه فيرتفع الإزار وليس عليه سراويل فإنه لا ينبغي، لكن إذا أمن من انكشاف العورة فإن ذلك لا بأس به، وبقي شيء رابع وهو النوم على الجنب الأيسر فهذا أيضًا لا بأس به، فالنوم على الظهر لا بأس به والنوم على الجنب الأيسر لا بأس به، والنوم على الجنب الأيمن أفضل، والنوم منبطحًا لا ينبغي إلا لحاجة، أما القعود فإن جميع أنواع القعود لا بأس بها، لا بأس أن يقعد الإنسان متربعًا كجلوسه هكذا، ولا بأس أن يقعد وهو محتبي القرفصاء، يعني يقيم فخذيه وساقيه ويجعل يديه على مضمومتين على الساقين هكذا هذا أيضًا لا بأس به، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قعد هذه القعدة، ولا يكره من الجلوس إلا ما وصفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه قعدة المغضوب عليهم بأن يجعل يده اليسرى من خلف ظهره ويجعل بطنها بطن الكف على الأرض ويتكئ عليها، فإن هذه القعدة وصفها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنها قعدة المغضوب عليهم، أما لو وضع اليدين كلتيهما من وراء ظهره واتكأ عليهما فلا بأس، ولو وضع اليد اليمنى فلا بأس إنما الذي وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بأنها قعدة المغضوب عليهم أن يجعل اليد اليسرى من خلف ظهره ويجعل باطنها أي إليتها على الأرض ويتكئ عليها، يعني يتكئ عليها فهذه هي التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها قعدة المغضوب عليهم، والله الموفق.
باب في آداب المجلس والجليس. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقيمن أحدكم رجلا من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا ). وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه. متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قام أحدكم من مجلس، ثم رجع إليه، فهو أحق به ). رواه مسلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب في آداب المجلس والجليس، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقيمن أحدكم رجلًا من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا وتفسحوا ) وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه، متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به ) رواه مسلم ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله في رياض الصالحين: " باب آداب المجالس والجليس " هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان الآداب التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان في مجالسه ومع جليسه، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه شيئًا من آداب المجالس فقال: (( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم )) والشريعة الإسلامية شريعة شاملة لكل ما يحتاج الناس إليه في دينهم ودنياهم، قال الله تبارك وتعالى: (( ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )) وقال أبو ذر رضي الله عنه: " لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما طائر يقلّب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما " ولهذا تجد الشريعة بيّنت مسائل الدين الهامة الكبيرة كالتوحيد وما يتصل به من العقيدة والصلاة والزكاة والصيام والحج وما كان دون ذلك من آداب النوم والأكل والشرب والمجالس، ثم ذكر المؤلف حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقيم الرجل أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا وتفسحوا ) يعني إذا دخلت مكانًا ووجدت المكان ممتلئًا فلا تقل يا فلان قم ثم تجلس في مكانه، ولكن إذا كنت لابد أن تجلس فقل تفسحوا توسعوا فإذا تفسحوا وتوسعوا فإن الله تعالى يوسع لهم (( إذا قيل لكم تفسحوا فافسحوا يفسح الله لكم )) أما أن تقيم الرجل وتجلس مكانه فإن هذا لا يجوز، حتى في مجالس الصلاة لو رأيت إنسانًا في الصف الأول فإنه لا يحل لك أن تقول قم ثم تجلس في مكانه حتى لو كان صبيًّا، لكنه يصلي فإنه لا يحل لك أن تقيمه من مكانه وتصلي فيه، لأن الحديث عام والصبي لابد أن يصلي مع الناس ويكون في مكانه الذي يكون فيه.
الشيخ : وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ) فهو أمر للبالغين العقلاء أن يتقدموا حتى يلوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس نهيًا أن يكون الصغار قريبًا منه، ولو كان أراد ذلك لقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يلني إلا أولوا الأحلام والنهى، لكان ينهى أما إذا أمر أن يليه أولوا الأحلام والنهى أولوا الأحلام يعني البالغين والنهى يعني العقلاء، فالمعنى أنه يحثهم على التقدم حتى يكونوا وراء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلونه يفهمون عنه شريعته وينقلونها إلى الناس، وكان ابن عمر ضي الله عنهما من ورعه إذا قام أحد له وقال يعني اجلس في مكاني لا يجلس فيه، كل هذا من الورع يخشى أن هذا الذي قام قام خجلًا وحياء من ابن عمر، ومعلوم أن الذي يهدي إليك أو يعطيك شيئًا خجلًا وحياء أنك لا تقبل منه، لأن هذا كالمكره ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يحرم قبول الهدية إذا علمت أنه أهداك حياء وخجلًا، ومن ذلك أيضًا إذا مررت بالبيت وعنده صاحبه وقال تفضل وأنت تعرف أنه إنما قال ذلك حياء وخجلا فلا تدخل عليه لأن هذا كالمكره، فكان ابن عمر رضي الله عنهما من ورعه إذا قام إنسان يريد أن يجلس ابن عمر في مكانه لا يجلس فيه خوفاً من ذلك، خوفًا من أن يكون حياء وخجلًا وحينئذ يكون كالمكره.