باب فضل من مات له أولاد صغار. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ). متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد لا تمسه النار إلا تحلة القسم ). متفق عليه. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، قال: ( اجتمعن يوم كذا وكذا ) فاجتمعن، فأتاهن النبي صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله، ثم قال: ( ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار ) فقالت امرأة: واثنين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( واثنين ). متفق عليه.
القارئ : " وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا رسول الله ! ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله ، قال : اجتمعن يوم كذا وكذا . فاجتمعن، فأتاهن النبي صلى الله عليه وسلم فعلَّمهن مما علمه الله ، ثم قال : ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة مِن الولد إلا كانوا لها حجاباً من النار ، فقالت امرأة : واثنين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : واثنين ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب * رياض الصالحين * : " باب فضل من مات له أولاد صغار " : يعني باب الفضل الذي يُعطى إياه من مات له أولاد صغار يعني فاحتسب الأجر من الله عز وجل ، وصبر . ثم ذكر فيه حديث أنس وأبي هريرة وأبي سعيد وكلها تدل على فضل ذلك : أن الإنسان إذا مات له أولاد صغار لم يبلغوا الحِنث : يعني لم يبلغوا ، فإنهم يكونون له سِتراً من النار بفضل رحمته إياهم ، لأن هؤلاء الأولاد الصغار هم محل الرحمة ، فالأولاد إذا كبروا استقلوا بأنفسهم ، ولم يكن عند والدهم من الرحمة لهم كالرحمة التي عنده للأولاد الصغار ، فإذا كان له أولاد صغار وماتوا واحتسب الأجر من الله وهم ثلاثة فإنهم يكونون له ستراً من النار فلا تمسه النار إلا تحلة القسم ، يريد بتحلة القسم قول الله تعالى : (( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مَقضيًا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جِثيًا )) . وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، في اجتماع النساء حتى أتى إليهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فعلمهن مما علمه الله وأخبرهن : ( أنه ما من امرأة يموت لها ثلاثة من الولد لم يبلغوا الِحنث إلا لا تمسه النار إلا تحلة القسم ، فقالت امرأة : واثنين ؟ قال : واثنين ) : وعلى هذا فيكون هذا من فضل الله أيضًا أنه إذا مات للإنسان اثنان من الولد ذكور أو إناث ثم صبر واحتسب كان ذلك له حجابًا من النار ، والله الموفق .
باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه - يعني لما وصلوا الحجر ديار ثمود - : ( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم؛ لا يصيبكم ما أصابهم ). متفق عليه. وفي رواية قال: لما مر رسول الله بالحجر قال: ( لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين ثم قنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه, وأسرع السير حتى أجاز الوادي ).
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم ، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى ، والتحذير من الغفلة عن ذلك : عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : يعني لما وصلوا الحجر ديار ثمود : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين ، فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم ما أصابهم ) متفق عليه. وفي رواية قال : ( لما مرَّ رسول الله بالحِجر قال : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، أن يصيبكم ما أصابهم ، إلا أن تكونوا باكين ، ثم قنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ، وأسرع السير حتى أجاز الوادي ) " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- في كتاب * رياض الصالحين * : " باب البكاء عند المرور بقبور الظالمين ، والخوف من أن يصيب الإنسان ما أصابهم " : ثم ذكر حديث ابن عمر بمرور النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر ديارَ ثمود : وثمود هم : قوم صالح الذين أرسل الله إليهم صالحًا عليه الصلاة والسلام فذكرهم بالله ، ولكنهم كفروا به ، فقال : (( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام )) ، ثم أخذتهم الصيحة والرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ، وكان الله تعالى قد أعطاهم قدرة وقوة في نحت الجبال وبناء القصور في السهول وأصبحوا أمةً قوية ولكن الله تعالى أخذهم برجفة وصيحة فماتوا عن آخرهم ، مرَّ بهم النبي عليه الصلاة والسلام في طريقه إلى تبوك ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تدخلوا على هؤلاء إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم ) : ولهذا نقول : لا يجوز لأحد أن يذهب إلى ديار ثمود لتيفرج وينظر مساكنهم ، لأن هذا وقوع في معصية الرسول عليه الصلاة والسلام ، إلا رجلاً يريد أن يذهب ليعتبر ويكون باكيًا حين مروره بذلك بتلك الأماكن ، فإن لم يكن باكيًا فإنه لا يجوز أن يدخل عليهم لأنه ربما يصيبه ما أصابهم . ولما مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بواديهم قنّع رأسه يعني : خفضه ، وأجاز : أسرع السير حتى تجاوز الوادي ، وبه نعرف خطأ هؤلاء الجهال الذين يذهبون إلى ديار ثمود للتفرج والتنزه ويبقون فيها أياماً ينظرون آثارهم القديمة ، فإن ذلك معصية للرسول عليه الصلاة والسلام ، ومخالفة لهديه وسنته ، فإنه عليه الصلاة والسلام لما مرَّ بهذه الديار أسرع وقنّع رأسه عليه الصلاة والسلام حتى جاوز الوادي ، وحذر مِن أن يسكن الإنسان في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، والذين أهلكهم الله في هذه الأرض خوفًا أن يصيب الإنسان ما أصابهم من عذاب الله إما بكفره بالله عز وجل حتى يستحق هذا العذاب ، وإما بعقوبة يعاقب بها وإن لم يكفر ، وهو إذا لقي الله عز وجل يوم القيامة فالله تعالى بصير بالعباد ، والله الموفق . نعم . الطالب : هل ينطبق هذا على مكان تواجد آثار فرعون وقومه وقد أهلكهم الله ؟ الشيخ : لا ، لأن فرعون وقومه لم يهلكوا في ديارهم ، أهلكوا في البحر .
كتاب آداب السفر: باب استحباب الخروج يوم الخميس واستحبابه أول النهار. عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس. متفق عليه. وفي رواية في الصحيحين لقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلا في يوم الخميس. وعن صخر بن وداعة الغامدي الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله قال: ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار. وكان صخر تاجرا، فكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وكثر ماله، رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " كتاب آداب السفر : باب استحباب الخروج يوم الخميس ، واستحبابه أول النهار : عن كعب بن مالك رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس ) متفق عليه. وفي رواية في الصحيحين : ( لقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلا في يوم الخميس ) " . الشيخ : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " كتاب آداب السفر " : السفر هو مفارقة الوطن ، أن يخرج الإنسان من وطنه إلى بلد آخر أو إلى البرية ، وسمي سفراً لأنه من الإسفار وهو الخروج والظهور ، كما يقال : أسفر الصبح ، إذا برز وظهر ، وقيل في المعنى : سمي السفر سفرًا ، لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، يعني يبين ويوضح أخلاق الرجال ، فكم من إنسان لا تعرفه ولا تعرف سيرته إلا إذا سافرت معه ، عرفت أخلاقه وعرفت سيرته وعرفت إيثاره على نفسه إلى غير ذلك ، حتى كان أمير المؤمنين عمر إذا زكى أحدٌ شخصًا عنده قال له : " هل سافرت معه ؟ هل عاملته ؟ إن قال : نعم قبل تزكيته وإلا قال : لا علم لك به " . ثم إن السفر ينبغي للإنسان أن يتحرى فيه الأوقات التي تكون أسهل وأوفق وأنسب ، من ذلك أن يكون في آخر الأسبوع ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر أسفاره يخرج يوم الخميس ، وربما خرج في غير الخميس فقد خرج صلى الله عليه وسلم في آخر سفرة سافرها وهي حجة الوداع ، خرج يوم السبت ، لكن قلما كان يخرج إذا سافر ولاسيما في الغزو إلا في يوم الخميس ، والحكمة من ذلك والله أعلم : أنه يوم تكتب فيه الأعمال ، وتعرض على الله عز وجل ، فكان يحب عليه الصلاة والسلام أن يعرض على الله عمله في الغزو في ابتداء الغزو في ذلك اليوم ، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب أن يخرج من أول النهار ، لما في ذلك من استقبال النهار ، لأنه ربما يفاجأ الإنسان في سفره أشياء في الليل وهو قد تجهز قريبًا فيصعب عليه التخلص منها ، وهذا في الأسفار التي كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الرواحل ، وعلى الأرجل ، أما اليوم فكما تشاهدون الناس يكون عندهم استعداد تام سواء سافروا في أول النهار أو في آخره ، ثم إن السفر في وقتنا الحاضر قد لا يكون باختيار الإنسان كما ينبغي ، يكون مرتبطاً بطائرات ولا يكون مواعيدها مناسبًا ، على كل حال إذا خرج في أول النهار وفي يوم الخميس فهو أفضل ، وإن لم يتيسر له ذلك فالأمر واسع والحمد لله . ثم ذكر حديث صخر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) أي : في أول نهارها ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبارك الله فيه في أول النهار لأمته ، لأن أول النهار مستقبل العمل ، فإن النهار كما قال الله تعالى معاش : (( وجعلنا الليل لباسًا * وجعلنا النهار معاشًا )) : فإذا استقبله الإنسان من أوله صار في ذلك بركة وهذا شيء مشاهد : أن الإنسان إذا عمل من أول النهار يجد في عمله البركة ، لكن مع الأسف أن أكثرنا اليوم ينامون في أول النهار ، ولا يستيقظون إلا في الضحى ، فيفوت عليهم أول النهار الذي فيه البركة ، وقد قال العامة : " أمير النهار أوله " : يعني أن أول النهار هو الذي يتركز عليه العمل . ( وكان صخر تاجرًا وكان يبعث في تجارته في أول النهار فأثرى وكثر ماله ) : من أجل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة لهذه الأمة في بكورها ، والله الموفق .
باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله عليه وسلم: ( لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده ). رواه البخاري.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب ). رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد صحيحة، وقال الترمذي: حديث حسن. وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ). حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد حسن. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا عن قلة ). رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله عليه وسلم : ( لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكبٌ بليل وحده ) رواه البخاري . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الراكبُ شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب ) رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد صحيحة، وقال الترمذي : حديث حسن . وعن أبي سعيد ، وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد حسن . وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الصحابة أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش أربعة آلاف ، ولن يغلب اثنا عشرَ ألفًا من قلة ) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- في كتاب * رياض الصالحين : " باب استحباب الرفقة وتأمير أحدهم " : هذا الباب تضمن مسألتين : المسألة الأولى : أنه ينبغي للإنسان أن يكون معه رفقة في السفر ، وألا يسافر وحده ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكبٌ بليل قط وحده ) : يعني معناه : أن الإنسان لا ينبغي أبدًا أن يسير وحده في السفر ، لأنه ربما يصاب بمرض أو بإغماء أو يتسلط عليه أحد أو غير ذلك من المحذورات فلا يكون معه أحد يدافع عنه أو يخبر عنه أو ما أشبه ذلك . وهذا في الأسفار التي تتحقق فيها الوحدة ، وأما ما يكون في الخطوط الآن عندنا ، الخطوط العامرة التي لا يكاد يمضي دقيقة واحدة إلا وقد مر بك سيارة فهذا وإن كان الإنسان في سيارته وحده فليس من هذا الباب ، ليس من السفر وحده ، لأن الخطوط الآن العامرة كما بين القصيم والرياض ، والرياض ومكة وما أشبه ذلك هذه الخطوط عامرة ، كأنما تمشي في وسط البلد لا تفقد السيارة ، دائما والسيارات هذا راح وهذا جاي فلا يدخل في النهي ، ثم بين النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عمرو بن شعيب : ( أن الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب ) : يعني الراكب وحده الذي يُسافر وحده شيطان ، والذي يسافر وليس معه إلا واحد شيطانان ، والثلاثة ركب ، يعني ليسوا من الشياطين بل هو ركب مستقل ، وهذا أيضا يدل على الحذر والتحذير من سفر الوحدة وكذلك من سفر الاثنين ، والثلاثة لا بأس ، وهذا كما قلت : مقيد بالأسفار التي لا يكون فيها ذاهب وآتي . ثم ذكر حديث أبي سعيد وأبي هريرة : ( أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر المسافرين إذا سافروا أن يؤمروا أحدهم ) : يعني يؤمروا واحدا منهم يتولى تدبيرهم يقول : ننزل نمشي نتغدى نتعشى وما أشبه ذلك ، لأنهم إذا لم يؤمروا واحدًا صار أمرهم فوضى ، فوضى مَن يدبر الأمر ، من يدبر أمرهم ، ولهذا قيل : " لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم " : لا بد من أمير يتولى أمرهم ، وظاهر الحديث أن هذا الأمير إذا رضوه وجب طاعته فيما يتعلق بمصالح السفر ، فلا يعصى لأنه أمير ، أما ما لا يتعلق بأمور السفر فلا تلزم طاعته كالمسائل الخاصة بالإنسان هذه لا تلزم طاعته ، لكن ما يتعلق بالسفر الذي جعل أميرًا فيه تجب طاعته إلا أنه لا يعني ذلك أن هذا الأمير يستبد بل يكون كما قال الله تبارك وتعالى : (( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر )) يشاورهم في الأمور التي يخفى فيها جانب المصلحة ، ولا يستبد برأيه ، أما الأمور الواضحة فلا حاجة للمشورة فيها ، وأما الأمور التي تشكل أو يتساوى فيها جانب المصلحة والمفسدة فلا بد من مشاورة الرفقاء ، والله الموفق .
باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب الرفق بالدواب ومراعاة مصلحتها، وأمر من قصر في حقها بالقيام بحقها, وجواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها، وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل ). رواه مسلم.
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر ، واستحباب الرفق بالدواب ، ومراعاة مصلحتها وأمر من قصر في حقها بالقيام بحقها ، وجواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سافرتم في الخِصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض ، وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها ، وإذا عَرَّستم فاجتنبوا الطريق ، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل ) رواه مسلم " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : ذكر المؤلف -رحمه الله- في هذا الباب آدابا كثيرة تتعلق بالسفر والرواحل ، وذلك أن المسافر إذا سافر على راحلة ، بهيمة من إبل أو حُمُر أو بغال أو خيل فإن عليه أن يراعي مصلحتها ، لأنه مسؤول عنها ، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ، كان راكباً على ناقته وكان قد خنق لها زمامها ، فإذا أتى حَبْلا من الحبال يعني : مرتفعا من المرتفعات أرخى لها قليلا حتى تصعد ، فمن الآداب أن الإنسان إذا سافر في أيام الخِصب فإنه ينبغي له أن يتأنى في السير ، يعني لا يسير سيرا حثيثا ، يعطي الإبل حقها من الرعي ، لأنه إذا كان يمشي الهوينى أمكن للإبل أن ترعى ، وإذا كان الأرض معشبة وخصبة وأنت على إبل فلا تسرع في السير ، دع الإبل تروح يمين يسار ترعى في مهل ، لأجل أن ينالها حظها من الخصب ، أما إذا كان الأمر بالعكس وكانت السنة جدبًا فإن المطلوب أن تسرع لتبادر نقي الإبل : نقي الإبل يعني مخها ، لأنك إذا أمهلت في السير والأرض جدب لا ترعى طالت مدة السفر فذهب مخها ، فإذا أسرعت فإنك تصل إلى البلد التي بها الأعلاف وفيها مؤونة الدواب ، وهذا من حكمة النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن الله تعالى قد أعطاه مصالح الرعاية لبني آدم وللبهائم ، حيث أرشد عليه الصلاة والسلام المسافرين إلى هذا الإرشاد : في الخصب تأن في السير ، في الجدب أسرع في السير ، كذلك أمر أننا إذا عرَّسنا في الليل يعني : نزلنا ليلا لنستريح وننام ، فإننا لا ننام في الطريق يعني في الجادة ، لأنها طرق البهائم ، الناس يستطرقون هذا الطريق ، وربما يأتي إنسان غافلا فيطأ هذا النائم في الطريق ، وكذلك أيضا هي مأوى الهوام ، الهوام تأتي حول الطرق ، لأجل إذا سقط من أحد شيء من الطعم أكلته ، ولهذا يكثر وجود الهوام في الطرقات ، فلهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام ألا ننام في الطرقات ، بل نرتفع عنها حتى لا نُحرج السائرين على الطريق ، وحتى لا نتعرض لأذى الهوام ، ومثل ذلك بل من باب أولى طرق السيارات اليوم ، الخطوط ، فإن الإنسان يبتعد عنها ، لأنه ربما يأتي سائق ينعس لو لحظة ثم تفترَّ السيارة على هؤلاء النائمين قريبا من الخط وتحصل الكارثة ، فأبعد عن الخطوط لا تنم حولها لئلا تقع في الخطر ، وهذا من إرشاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . و( كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه إذا عرس في أول الليل اضطجع على يمينه ، وإذ عرس قبيل الفجر اتكأ على يده اليسرى ) : نصب ذراعه واتكأ عليها ، لأنه إذا كان مِن أول الليل ينام على اليمين ليعطي النفس حظها من النوم ، يعطيها الحظ من النوم ، ولهذا كان في إقامته عليه الصلاة والسلام وفي بيته إذا نام ينام على الجنب الأيمن ، بل أمر بذلك أن الإنسان ينام على جنبه الأيمن . أما إذا كان قُبيل الفجر فكان ينصب ذراعه عليه الصلاة والسلام وينام على يده لئلا يستغرق في النوم فتفوته صلاة الفجر صلوات الله وسلامه عليه ، وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان أيضًا يعطي نفسه حظها من الراحة ، ولا ينسى عبادة ربه ، ففي أول الليل يمكنه أن ينام ويشبع قبل الفجر ثم يقوم ، في آخر الليل لا ، لا ينام نومة المطمئن ، بل نومة الإنسان المستوفز : الذي لا يستغرق في النوم لئلا تفوته صلاة الفجر ، وفي هذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يستعمل المنبه في النوم ، المنبه : الساعة تنبهه من أجل ألا تفوته الصلاة ، فإن ركز الرسول عليه الصلاة والسلام ذراعه ونصبه إياه يعني بذلك لأجل أن يتنبه ، فكذلك الإنسان ينبغي أن يجعل معه منبهة تنبهه للصلاة ، فهذه من آداب السفر التي دل عليها خير البشر صلوات الله وسلامه عليه ، والله الموفق .
شرح حديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ). رواه أبو داود بإسناد حسن. وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان ) فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض. رواه أبو داود بإسناد حسن.
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر ، واستحباب الرفق بالدواب ، ومراعاة مصلحتها ، وأمر من قصَر في حقها بالقيام بحقها ، وجواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك : " عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالدُّلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ) رواه أبو داود بإسناد حسن . وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : ( كان الناس إذا نزلوا منزلًا تفرقوا في الشعاب والأودية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان ، فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض ) رواه أبو داود بإسناد حسن . وعن سهل بن عمرو -وقيل سهل بن الربيع بن عمرو- الأنصاري المعروف بابن الحنظليَّة، وهو من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه قال : ( مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهرُه ببطنه ، فقال : اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة ) رواه أبو داود بإسناد صحيح . وعن أبي جعفر ، عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما ، قال : ( أردفني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ، وأسرَّ إلي حديثًا لا أحدث به أحدًا من الناس، وكان أحبَّ ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل ) : يعني : حائط نخل ، رواه مسلم هكذا مختصرا . وزاد فيه البرقاني : ( فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جرجر وذَرَفت عيناه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سَراته -أي : سنامه- وذفراه فسكن ، فقال : مَن ربُّ هذا الجمل، لمن هذا الجمل ؟ فجاء فتى من الأنصار فقال : هذا لي يا رسول الله ، قال : أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؟ فإنه يشكو إليَّ أنك تجيعه وتدئبه ) رواه أبو داود كرواية البرقاني. وعن أنس رضي الله عنه، قال : ( كنا إذا نزلنا منزلًا لا نسبح حتى نَحُل الرحال ) رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم . وقوله : لا نسبح : أي لا نصلي النافلة ، ومعناه : أنا مع حرصنا على الصلاة لا نقدمها على حطِّ الرحال وإراحة الدواب " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه أحاديث في آداب السفر ساقها النووي -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * : منها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشد أمته إلى أن يسيروا في الليل ، وأخبر أن الأرض تطوى : أي تطوى للمسافر إذا سافر في الليل ، يعني أنه يقطع في الدلجة في الليل ما لا يقطعه في النهار ، وذلك لأن الليل وقت براد فهو أنشط للرواحل ، وأسرع في سيرها ، ولهذا عبَّر النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك : ( بأنه تطوى الأرض للمسافر إذا مشى في الليل ) . ومن الآداب أيضا أنه ينبغي للجماعة ألا يتفرقوا إذا نزلوا منزلا : ( فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الأودية والشعاب ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنما ذلكم من الشيطان ) : يعني تفرقكم ، ( فما نزلوا بعد ذلك منزلا إلا اجتمعوا جميعًا ) ، لأن ذلك أقوى لهم وأحفظ ، ولو تسلط عليهم عدو في هذه الليلة وكانوا جميعاً أمكنهم المدافعة ، لكن إذا تفرقوا توزعوا وفشلوا . ومن ذلك أيضًا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بالرفق بالبهائم ، وأنه يجب على الإنسان أن يعاملها معاملة حسنة ، فلا يكلفها ما لا تطيق ولا يقصر عليها في أكل وشرب . ومن ذلك أيضاً ، من الآداب أن الإنسان يركب الراحلة وحده ، وله أن يردف غيره لكن بشرط أن تكون الراحلة مطيقة للإرداف ، فإن لم تكن مطيقة لضعفها أو نحو ذلك ، فإنه لا يحل له أن يكلفها ما لا تطيق ، لأن هذه البهائم تتعب كما يتعب الإنسان ، هي مكونة مما كُوِّن منه الإنسان من لحم وعظم ودم ، فإذا كان الإنسان يتعب إذا حُمِّل ما لا يطيق أو إذا حُمل عملا يتعبه فكذلك هذه البهائم ، ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتقي الله تعالى فيها ، وألا نقصر في حقها .
شرح حديث عن سهل بن عمرو - وقيل سهل بن الربيع بن عمرو ـ الأنصاري المعروف بابن الحنظلية، وهو من أهل بيعة الرضوان، رضي الله عنه، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه؛ فقال: ( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة ). رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن أبي جعفر عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، وأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل. يعني: حائط نخل. رواه مسلم هكذا مختصرا. وزاد فيه البرقاني : فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرجر وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سراته - أي: سنامه - وذفراه فسكن؛ فقال: ( من رب هذا الجمل )، لمن هذا الجمل ؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هذا لي يا رسول الله، فقال: ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؟ فإنه يشكو إلي أنك تجيعه وتدئبه ). ورواه أبو داود كرواية البرقاني. وعن أنس رضي الله عنه، قال: كنا إذا نزلنا منزلا لا نسبح حتى نحل الرحال. رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم. وقوله: لا نسبح: أي لا نصلي النافلة، ومعناه: أنا - مع حرصنا على الصلاة - لا نقدمها على حط الرحال وإراحة الدواب.
الشيخ : ثم ذكر حديث ابن الحنظلية : ( أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان قلما يقضي حاجته إلا إلى هدف أو حائش ) يعني : حائل . هدف يعني : مثل العَنَزة كان يركزها عليه الصلاة والسلام ويقضي حاجته إليها ، فدخل ذات يوم حائط رجل من الأنصار ، فإذا بجمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم : يعني رآه الجمل رأى النبي عليه الصلاة والسلام جاء يجرجر بجيرانه خافضا رقبته وعليناه تذرفان : الجمل يشكو صاحبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من ربُّ هذا الجمل ؟ من لهذا الجمل ؟ فجاء رجل من الأنصار : فقال هذا لي يا رسول الله ، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الجمل يشكو إليه صاحبه : بأنه يجيعه ويحمله ما لا يطيق ، وأمره أن يتقي الله تعالى فيه ) : وهذا من آيات النبي عليه الصلاة والسلام ، أن البهائم العُجم تشكو إليه إذا رأته عليه الصلاة والسلام ، لأن هذا من آيات الله التي يؤيد الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فإن الله تعالى ما أرسل رسولًا إلا أعطاه آيات تدل على نبوته لئلا يكذبه الناس ، لأن الناس لو جاء إليهم رجل وقال : أنا رسول الله إليكم بدون آية ما صدقوه ، لكن الله تعالى يؤتي رسله آيات تدل على أنهم صادقون ، وأعظم آيات أعطيها الأنبياء ما أعطيه الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقد ذكر ابن كثير في * البداية والنهاية * وغيره أيضًا : " أنه ما من آية لنبي من الأنبياء السابقين إلا كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثلُها أو أعظم منها " : إما له هو شخصيًا وإما لأتباعه ، وذكر على ذلك أمثلة وشواهد كثيرة ، لكن لم يُعطَ أحدٌ من الأنبياء مثلما أعطيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هذا الوحي : القرآن ، ولهذا قال : ( وإنما الذي أوتيته وحي أوحاه الله إليَّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة ) ، لأن هذا الوحي باق ، إلى يومنا هذا والناس كلما قرؤوه ازدادوا إيمانا بالله ورسوله ، لما فيه من الآيات العظيمة الدالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله حقا ، والله الموفق .
باب إعانة الرفيق. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: بينما نحن في سفر إذ جاء رجل على راحلة له، فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كان معه فضل ظهر؛ فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد؛ فليعد به على من لا زاد له فذكر من أصناف المال ما ذكره، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل ). رواه مسلم. وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يغزو فقال: ( يا معشر المهاجرين والأنصار ! إن من إخوانكم قوما، ليس لهم مال ولا عشيرة، فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة، فما لأحدنا من ظهر يحمله إلا عقبة يعني كعقبة أحدهم ). قال: فضممت إلي اثنين أو ثلاثة ما لي إلا عقبة كعقبة أحدهم من جملي. رواه أبو داود. وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو له. رواه أبو داود بإسناد حسن.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب إعانة الرفيق : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال : ( بينما نحن في سفر إذ جاء رجل على راحلةٍ له ، فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن كان معه فضل ظهر فليَعُد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل زاد فليَعُد به على من لا زاد له . فذكر من أصناف المال ما ذكره ، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل ) رواه مسلم . وعن جابر رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنه أراد أن يغزو فقال : يا معشر المهاجرين والأنصار ! إن من إخوانكم قوماً ليس لهم مال ولا عشيرة ، فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة ، فما لأحدنا مِن ظهر يحمله إلا عقبة يعني كعقبة أحدهم ، قال : فضممت إليَّ اثنين أو ثلاثة ما لي إلا عقبة كعقبة أحدهم من جملي ) رواه أبو داود . وعنه رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو له ) رواه أبو داود بإسناد حسن " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الإحسان إلى الرفيق " : يعني في السفر " والرفق به " : وهذا من آداب السفر ، أن الإنسان يحسن إلى رفيقه في السفر ويرفق به . ثم ذكر المؤلف -رحمه الله ثلاثة- أحاديث منها : ( أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سفر ، فجعل يلتفت يمينًا وشمالًا وكأنه يبدي حاجته للناس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ، وذكر أصنافا من المال ) : فصار الناس كل منهم ينظر إلى رفيقه ويركبه معه ويشركه في زاده . وهكذا أيضا الحديث الثاني : ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يتعاقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد حتى يكون الناس كلهم سواء ) . وكذلك الحديث الثالث : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكون في أخريات القوم في السفر ، يزجي الضعيف ) : يسوقه ويدعو له كما ثبت ذلك عنه أيضا في * صحيح مسلم * في قصة جابر بن عبد الله ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحقه وكان جابر على جمل قد أعيا فضربه النبي صلى الله عليه وسلم : ضرب الجمل ودعا له ـ فصار يمشي كما تمشي الركاب ، بل كان يتقدم عليها . فالحاصل أنه ينبغي للإنسان أن يكون مع رفقائه في السفر محسنا إليهم قاضيًا لحاجتهم معينًا لهم ، فإن هذا من الآداب النبوية التي جاءت بها سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، والله أعلم .
باب ما يقول إذا ركب دابته للسفر: قال الله تعالى: (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون. لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون )). عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر؛ كبر ثلاثا، ثم قال: ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل والولد ) وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ). رواه مسلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب ما يقول إذا ركب دابته للسفر : قال الله تعالى : (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ، وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) . عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر، كبر ثلاثًا، ثم قال : سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنظر ، وسوء المنقلب في المال والأهل والولد . وإذا رجع قالهن وزاد فيهن : آيبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون ) رواه مسلم " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب آداب السفر : " باب ما يقول إذا ركب دابته للسفر " : هكذا قيد المؤلف -رحمه الله- الحكم بما إذا ركب للسفر ، وظاهر الآية الكريمة أن الحكم عام : أن الإنسان إذا ركب دابته أو سيارته أو السفينة فإنه يقول ما ذكره الله عز وجل . ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب دابته خارجًا في سفر قال كذا وكذا وذكر قبل ذلك الآية وهي قوله تعالى : (( وجعل لكم مِن الفلك والأنعام ما تركبون ، لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سَخَّر لنا هذا وما كنا له مُقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) : جعل لكم : يعني صيَّر لكم ، من الفلك يعني : السفن ، والسفن ثلاثة أنواع : سفن بحرية وسفن برية وسفن جوية : أما السفن البحرية فكانت معروفة من قديم الزمان ، من زمن نوح عليه الصلاة والسلام حين أوحى الله إليه : (( أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا )) ثم قال : (( ولقد تركناها )) في آية أخرى (( ولقد تركناها آية فهل من مدكر )) . وأما السفن البرية فظهرت متأخرة وهي السيارات . وأما السفن الجوية فهي أيضًا بعد ذلك وهي الطائرات ، وكلها داخلة في قوله : (( وجعل لكم من الفلك )) ، فإنها فلك ، لأنها تجمع ما شاء الله من الخلق . وقوله تعالى : (( والأنعام )) يعني بذلك الإبل والبغال والحمير والخيل وغيرها مما يرُكب ، وقد اختلف العلماء في جواز ركوب الإنسان ما لم تجرِ العادة بركوبه كما لو ركب البقر فمنهم مَن قال : إنه جائز ما لم يشق عليها ، ومنهم من قال : إنه لا يجوز لأنها لم تخلق لهذا ، والصحيح أنه جائز ، وأنه لا بأس أن يركب الإنسان ما لم تجرِ العادة بركوبه لكن بشرط ألا يشق عليها ، فإن شق عليها فهو ممنوع . وقوله تعالى : (( لتستووا على ظهوره )) : اللام إما للتعليل أو للعاقبة ، يعني أنه جعل لنا ما نركب لنستقر على الظهور ، فلم يجعله صعبا نزرا لا يستوي الإنسان على ظهره ولا يستقر ، بل هو يستقر على ظهره وهذا مشاهد في السيارات والسفن والطائرات والإبل الذلول وما أشبه ذلك . (( ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه )) : بعد الاستواء تذكرون نعمة الله بما يسر لكم مما خلق من الأنعام ، ومما علمكم من الفلك ، وتقولوا : (( سبحان الذي سخر لنا هذا )) .