تتمة شرح حديث عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو، وجعل فرسه ينفر منها. فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك فقال: ( تلك السكينة تنزلت للقرآن. متفق عليه ).
فالحاصل أن هذه الظلة التي حصلت لهذا القارئ الذي كان يقرأ سورة الكهف هذه كرامة له ، وهي شهادة من الله عز وجل بالفعل على أن هذا القرآن حق ، تنزل السكينة لقراءته وتلاوته ، نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم به ، وأن يجعله حجة لنا وقائدا لنا إلى جنات النعيم .
1 - تتمة شرح حديث عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو، وجعل فرسه ينفر منها. فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك فقال: ( تلك السكينة تنزلت للقرآن. متفق عليه ). أستمع حفظ
شرح حديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: ألم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
الشيخ : هذان الحديثان في بيان فضل قراءة القرآن وثوابه ، الحديث الأول : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ) : ثم بين ذلك بقوله : ( لا أقول ألم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف ) : فتكون ثلاثة فيها ثلاثون حسنة ، وكذلك بقية الكلمات ، كلمات القرآن العظيم : إذا قرأه الإنسان ففي كل حرف من كل كلمة عشر حسنات ، وهذه نعمة عظيمة ، وأجر كثير ، فينبغي للإنسان أن يكثر ما استطاع مِن تلاوة كتاب الله عز وجل ، وليس بلازم أن تكون قد حَفظت القرآن كله ، اقرأ ما تيسر ، حتى لو فُرض أنك لم تحفظ إلا سورة الفاتحة وجزء عم وتبارك وما أشبه ذلك ، كل القرآن خير ، حتى إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر : ( بأن من قرأ قل هو الله أحد ، فكأنما قرأ ثلث القرآن ) وأخبر : ( أنها تعدل ثلث القرآن ) ، كذلك أيضا الحديث الذي بعده بيَن الرسول عليه الصلاة والسلام أن الجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب : يعني أن القرآن يعمُر القلب ويجعله مستنيرا بالعلم وبنور الكتاب العزيز ، وإذا فُقد القرآن من قلب العبد فإنه يكون كالبيت الخرب والعياذ بالله ، ليس فيه خير ، وهذا أيضًا فيه التحذير من عدم قراءة القرآن والحرص عليه ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يتلونه حق تلاوته .
2 - شرح حديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: ألم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. أستمع حفظ
باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان. عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها ). متفق عليه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت ). متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان :
عن أبي موسى رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تعاهدوا هذا القرآن ، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدُّ تفلتًا من الإبل في عقلها ) متفق عليه .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقَّلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتاب *رياض الصالحين * : " باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان " : يعني أن كتاب الله عز وجل إذا مَنَّ الله عليك فحفظته فتعاهده ، إذا منَّ الله عليك فحفظته فتعاهده ، وذلك لأنه أي : القرآن الكريم كما شبهه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كالإبل في عقلها ، يعني كالإبل المعقولة ، إن تعاهدها الإنسان أمسكها وإن أطلقها ذهبت وضاعت ، وقد أقسم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشدُّ تفلُتاً من الإبل في عقلها ) : فينبغي لك أن تجعل لك حزبا معينا تتعاهده كل يوم مثلا تقول : كل يوم أقرأ جزءً فتحفظ القرآن في شهر أو جزأين فتحفظه في خمسة عشر يوماً أو ثلاثة فتحفظه في عشرة أيام إلى سبعة أيام إلى ثلاثة أيام ، تعاهد هذا حتى لا تنساه ، وقد وردت أحاديث في التحذير من نسيانه لمن أهمله ، وأما من نسيه بمقتضى الطبيعة فإن ذلك لا يضره ، لكن من أهمله وتغافل عنه بعد أن أنعم الله عليه بحفظه فإنه يخشى عليه من العقوبة .
فأنت يا أخي إذا منَّ الله عليك بالقرآن فتعاهده بالقراءة بتلاوته تكرار التلاوة ، وكذلك أيضا بالعمل به ، لأن العمل بالشيء يؤدي إلى حفظه وبقائه ، ولهذا قال بعض العلماء : " قيد العلم بالعمل به ، فإن العمل بالعلم يقتضي بقاءه " ، لأنه لا يزال على قلبك وعلى جوارحك ، فإذا صار هكذا فإنه يبقى ولا يُنسى ، أما إذا أهمل فإنه يضيع ، وينبغي لمن قرأ القرآن أن يقرأه بتدبر وتمهل ، ولا يحل له أن يسرع السرعة التي توجب إسقاط بعض الحروف ، لأنه إذا أسقط بعض الحروف فقد غيَّر كلام الله من موضعه وحرفه ، أما العجلة التي لا تستوجب سقوط الحروف فإنه لا بأس بها ، والله الموفق .
3 - باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان. عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها ). متفق عليه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعلقة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت ). متفق عليه. أستمع حفظ
باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع لها. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ). متفق عليه. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما أَذِنَ اللهُ لشيء ما أَذِن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ) متفق عليه .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( لقد أوتيت مِزمارًا مِن مزامير آل داود ) متفق عليه .
وفي رواية لمسلم : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة ) " .
الشيخ : قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * في آداب القراءة : " باب استحباب تحسين الصوت بالقراءة، وطلب القراءة مِن حسن الصوت والاستماع إليه " : هاتان مسألتان :
المسألة الأولى : استحباب تحسين الصوت بقراءة القرآن ، وتحسين الصوت بقراءة القرآن ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : تحسين الأداء ، تحسين الأداء بحيث يبين الحروف ويخرجها من مخارجها حتى يبدو القرآن واضحًا بيِّناً ، فلا يدغم ، ولا يحذف شيئا من الحروف لئلا ينقص شيء مما ينقص شيء مما أنزل على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والثاني : تحسين الصوت يعني النغمة ، نغمة الصوت ، يحسن صوته بذلك ، وكلاهما أمر مطلوب ، ولكن الأمر الأول الذي هو تحسين الأداء لا ينبغي المبالغة فيه والغلو فيه ، بحيث تجد الرجل يقرأ القرآن يتكلف ويحمر وجهه ، ويتكلف في الغنة وفي الإدغام وفي ما أشبه ذلك ، فإن هذا من إقامة الحروف المتكلفة ، ولكن لتكن قراءته طبيعية ويبين فيها الحروف والحركات ، هذا هو المطلوب ، وأما الغلو والمبالغة فإن هذه ليست بمطلوبة ، وبه نعلم أن تعلم التجويد ليس بواجب ، تعلم التجويد ليس بواجب ، لأنه يعود إلى تحسين الصوت بدون غلو ولا مبالغة ، فهو من الأمور المستحبة التي يتوصل بها الإنسان إلى شيء مستحب لا إلى شيء واجب .
وأما القسم الثاني : وهو تحسين الصوت ، فهذا قد يقول قائل : حسن الصوت ليس باختيار الإنسان ، لأن الله تعالى هو الذي يمن على من يشاء من عباده فيعطيه حنجرة واسعة ، وصوتا جيدا طيبا ، فيقال : نعم الأمر كذلك ، ولكن يحسن الإنسان الصوت بالتعلم ، لأن حسن الصوت غريزي ومكتسب فلا يزال يقرأ يقرأ بصوت حسن حتى يتعلم ويؤدي بصوت حسن . د
ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( ما أَذِن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ) : أذن : قال العلماء معناه استمع ، يعني ما استمع الله لشيء من الأشياء التي يسمعها جل وعلا مثل استماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ، يعني نبي ، والأنبياء هم أفضل طبقات الخلق ، يتغنى بالقرآن : يعني يقرؤه بصوت حسن ، يجهر به : يعني يرفع صوته به ، فهذا هو الذي يأذن الله له أي : يستمع له جل وعلا ، فهو جل وعلا يستمع له لأنه يحبه يحب الصوت الحسن بالقرآن والأداء الحسن .
ثم ذكر حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، وهو عبد الله بن قيس ، أحد خطباء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استمع إلى قراءته ذات ليلة ، فأعجبته ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي موسى : ( لقد أوتيت مِزمارا من مزامير آل داود ) : وآل داود يعني بذلك داود عليه الصلاة والسلام ، داود عنده صوت حسن جميل رفيع ، حتى قال الله تعالى : (( يا جبال أَوِّبي معه والطير )) : فكانت الجبال ترجع مع داود وهو يتلو الزبور لحسن صوته ، تجاوبه الجبال ، أحجار جامدة ، وكذلك الطير تؤوب معه سبحان الله ، تأتي فإذا سمعت قراءته تجمعت في جو السماء وجعلت ترجع معه : (( يا جبال أوبي معه )) يعني رجِّعي معه ، (( والطير )) يعني كذلك أمرنا الطير بذلك ، فكانت الطيور والجبال إذا سمعت إلى قراءة داود للزبور قامت ترجع معه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي موسى : ( لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ) : يعني صوتا حسنا كصوت آل داود ، يقول أبو موسى لما قال له الرسول : ( لو رأيتني وأنا أستمع إلى قراءتك البارحة ) قال : ( لو علمت أنك تستمع أو قال تسمع لحبرته لك تحبيرا ) : يعني كان زينه أحسن مما سمعت ، قال العلماء : " وفي هذا دليل على أن الإنسان لو حسن صوته بالقرآن لأجل أن يتلذذ السامع ويسر به فإن ذلك لا بأس به ولا يُعد من الرياء " : يعني هذا الرجل حسن صوته عشان الناس يتلذذون بقراءته يكون رياءً ، بل هذا مما يدعو إلى الاستماع لكلام الله عز وجل حتى يسر الناس به ، ولهذا يوجد بعض الناس إذا ضاق صدره استمع إلى قراءة إنسان حسن القراءة حسن الصوت .
وهذه الحمد لله متوفرة الآن ، في أشرطة لبعض القراء الذين لا يتكلفون القراءة وأصواتهم حسنة وأداءهم حسن إذا استمع الإنسان إليهم لا يكاد يمل ، لأن كلام الله له تأثير إذا جاء من إنسان حسن الصوت وحسن الأداء ، فيُستفاد من هذين الحديثين أنه ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن على أكمل ما يمكنه أن يقرأه عليه من حسن الصوت وحسن الأداء ، ونسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن يقيم حروفه وحدوده ، حتى يكون حجة لنا لا علينا ، والله الموفق .
4 - باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع لها. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ). متفق عليه. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة ). أستمع حفظ
شرح حديث عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه. متفق عليه. وعن أبي لبابة بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يتغن بالقرآن فليس منا ). رواه أبو داود بإسناد جيد. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرأ علي القرآن )، فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟! قال: ( إني أحب أن أسمعه من غيري ) فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: (( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )) قال: ( حسبك الآن ) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. متفق عليه.
وعن أبي لُبابة ، بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن لم يتغن بالقرآن فليس منَّا ) رواه أبو داود بإسناد جيد . وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اقرأ عليَّ القرآن ، فقلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أُنزل ؟! قال : إني أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية : (( فكيف إذا جئنا مِن كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا )) قال : حسبك الآن ، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان ) متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث في بيان استحباب تحسن الصوت والقراءة بالقرآن الكريم ، فحديث البراء بن عازب رضي الله عنه : ( أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فقرأ : (( والتين والزيتون )) قال : فما سمعت قراءة أحسن من قراءته ) ، أو قال : صوتا أحسن من صوته ، وكلاهما صحيح ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس صوتا بالقرآن ، وهو أول وأولى من يدخل في قوله فيما سبق في الحديث : ( ما أذن الله لشيء إذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ) ، فرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن الناس صوتًا بالقرآن ، وأحسن الناس أداء بالقراءة ، لأن القرآن عليه أُنزل ، والقرآن هو خلقه عليه الصلاة والسلام .
وفي هذا الحديث دليل على أن صلاة العشاء لا بأس أن يقرأ فيها بقصار المفصل ، لأن التين من قصار المفصل ، ولكن الأكثر أن يقرأ فيها من أوساطه ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أمر معاذ بن جبل أن يقرأ فيها بـ (( سبح اسم ربك الأعلى )) و(( هل أتاك حديث الغاشية )) ، (( والليل إذا يغشى )) ، (( والشمس وضحاها )) ) ، وما أشبه ذلك لكن لا حرج أن يقرأ بقصار المفصل كالتين و(( إذا زلزلت )) وما أشبه ذلك .
وكذلك أيضًا حث النبي صلى الله عليه وسلم على التغني بالقرآن وقال : ( من لم يتغنَّ بالقرآن فليس منا ) : قال العلماء : " وهذه الكلمة لها معنيان المعنى الأول : من لم يتغن به أي : من لم يستغن به عن غيره ، بحيث يطلب الهدى من سواه فليس منا ، وهذا لا شك ، أن من طلب الهدى من غير القرآن أضله الله والعياذ بالله .
والثاني : من لم يتغن أي : من لم يحسن صوته بالقرآن فليس منا ، فيدل على أنه ينبغي للإنسان أن يحسن صوته بالقرآن وأن يستغنى به عن غيره " .
وأما الحديث الثالث : حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طلب منه أن يقرأ عليه ، فقال له عبد الله بن مسعود : ( أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال : إني أحب أن أسمعه من غيري ) ، لأن الإنسان الذي يستمع قد يكون أقرب إلى تدبر القرآن من القارئ ، القاري تجده مركزًا على ألا يخطئ في القراءة ، والمستمع يتدبر ويتأمل ، ولهذا قيل : " القارئ حالب والمستمتع شارب " : يعني القارئ يحلب الناقة أو الشاة والمستمع شارب : هو الذي يستفيد .
المهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طلب من عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه فقال : ( أقرأ عليك والقرآن عليك أُنزل قال : إني أحب أن أسمعه من غيري ، فقرأ بسورة النساء حتى إذا جاء إلى قول الله تعالى : (( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا )) ) : يعني كيف تكون الحال ؟ فقال : ( حسبك الآن ، يقول : فالتفت فإذا عيناه تذرفان ) : يبكي عليه الصلاة والسلام أن يؤتى به يوم القيامة شهيدًا على أمته ، لأنه يُؤتى يوم القيامة من كل أمة بشهيد ، الأنبياء شهداء ، العلماء شهداء ، لأن العلماء واسطة بين الرسل وبين الخلق ، هم الذين يحملون شريعة الرسل إلى الخلق ، فهم شهداء ، فالعالم يشهد بأمرين :
أمر أعلى وأمر أسفل ، الأمر الأعلى : يشهد بأن هذا حكم الله ، والأمر الأسفل : يشهد بأنه قد بلغ الناس ، لأن العالم مبلغ ، فمثلا يقرأ آية يقرأ حديثا ويقول للناس : معناها كذا وكذا اعملوا بها فيشهد عليهم ، فهو شاهد من طرفين طرف أعلى وطرف أسفل ، الطرف الأعلى : أنه يشهد بأن هذا حكم الله بلغه إلى العباد ، والأسفل : أنه يشهد أنه بلغه الناس إياها ، فقامت عليهم الحجة ، فيوم القيامة يؤتى من كل أمة بشهيد ، أول من يشهد الرسل نشهد أننا بلغنا رسالة ربنا إلى خلقه ، ويؤتى من هذه الأمة بمحمد صلوات الله وسلامه عليه يستشهده الله ، فيشهد أنه بلغ مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استشهد ربه في أكبر مُجمَّع للمسلمين في ذلك الوقت في يوم عرفة ، لما خطب الناس الخطبة الطويلة البليغة العظيمة قال : ( ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ) .
لما وصل هذه الآية بكى عليه الصلاة والسلام لأنه تصور هذه الحال تخيلها حالًا عظيمة ، كل أمة جاثية وكل أمة تدعى إلى كتابها ، كل أمة تأتي جاثية على الركب من شدة الهول وعظمته : (( كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون )) .
ولهذا قال في الآية الكريمة التي وقف عليها عبد الله بن مسعود : (( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوَّى بهم الأرض )) : يعنى يودون أنهم ما بعثوا ولا خلقوا ، (( ولا يكتمون الله حديثًا )) ، (( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا )) نعم ، (( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا )) : يودون أنهم بقوا في الأرض أو أن يكونوا ترابًا ، ولكن لا ينفعهم ، ولهذا قال : (( ولا يكتمون الله حديثاً )) ، فالمهم نأخذ من هذا الحديث أنه يجوز للإنسان أن يطلب من شخص قارئ أن يقرأ عليه ، ولو كان هذا القارئ أقل منه علمًا ، لأن بعض الناس يعطيه الله تعالى حُسن صوت وحسن أداء وإن كان قليل العلم فلا بأس أن تقول : يا فلان جزاك الله خيراً اقرأ عليّ ، إما أن تعين له ما يقرأ وإما أن تدع الأمر إليه فتستمع .
وفي هذا الحديث بركة القرآن : أنه ينتفع به القارئ والمستمع ، ولا شك أن القرآن أعظم الكتب بركة ، وأفيدها ، وأصلحها للقلب ، وأرضاها للرب ، نسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن ، الذين يعملون به ظاهرا وباطنا يموتون عليه ويحيون عليه ، والله الموفق .
5 - شرح حديث عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه. متفق عليه. وعن أبي لبابة بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يتغن بالقرآن فليس منا ). رواه أبو داود بإسناد جيد. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرأ علي القرآن )، فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟! قال: ( إني أحب أن أسمعه من غيري ) فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: (( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )) قال: ( حسبك الآن ) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. متفق عليه. أستمع حفظ
ما حكم الحديث والمذياع يشتغل بتلاوة القرآن ؟.
الشيخ : إذا كان الإنسان محتاجًا للحديث فلا يفتح الراديو على القرآن ، ولا المسجل ، أما إذا كان قارئ وبيستمع فهذا طيب .
عباد الله مشكل ، المهم إن الإنسان إذا كان عندك شغل تكلم ولا تفتح القرآن ، القرآن أعظم من أن الناس يتحدثون ويهجرونه هذا من هجر القرآن أنك تخليه يقرأ وأنت مشتغل بشؤونك وتتكلم مع الناس ، إما أن تستمع وإلا أغلقه ، الأمر واسع الحمد لله .
باب في الحث على سور وآيات مخصوصة. عن أبي سعيد رافع بن المعلى رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ ) فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن ؟ قال: ( الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ). رواه البخاري.
عن أبي سعيد رافع بن المعلى رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ فأخذ بيدي ، فلما أردنا أن نخرج قلتُ : يا رسول الله إنك قلتَ : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن ؟ قال : (( الحمد لله رب العالمين )) ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) رواه البخاري " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب الحث على سور وآيات معينة " : وفيما سبق ذكر الحث على القرآن عمومًا ، أما هذا الباب ففي ذكر آيات وسور معينة لها فضل خاص ، فمن ذلك سورة الفاتحة ، فهي أعظم سورة في كتاب الله ، ولهذا تسمى أمَّ القرآن ، والأم هو الذي يرجع إليه الشيء ، فسورة الفاتحة ترجع إليها معاني القرآن كلها ، معاني القرآن كله ، ولذلك أوجب الله قراءتها في كل ركعة من الصلوات ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن أو بفاتحة الكتاب ) ، وهذه السورة لها خصائص منها :
أن الإنسان إذا قرأها على مريض فإنه يُشفى بإذن الله ، لكن بشرط أن يقرأها بإيمان ، مؤمن ، يقرؤها وهو مؤمن بأنها رقية نافعة ، والشرط الثاني : أن يقرأها على مريض مؤمن أيضًا مصدق بأنها رقية ونافعة ، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث سرية فنزلوا على قوم ، فاستضافوهم ، ولكن القوم لم يضيفوهم ، فسلط الله على سيدهم : أي سيد القوم أن لدغته عقرب ، وتأذى منها أذىً شديدًا فقال بعضهم لبعض : اذهبوا إلى هؤلاء الرهط لعل فيهم قارئا يقرأ ، فجاؤوا إلى السرية وقالوا لهم : إن سيدهم لدغته عقرب ، فهل منكم أحدٌ يقرأ ؟ قالوا : نعم ، لكن ما نقرأ عليكم إلا إذا أعطيتونا مكافأة ، غنمًا ، فقالوا : نعطيكم ، فتقدم أحد القوم من الصحابة فجعل يقرأ على هذا الرجل ، يقرأ سورة الفاتحة ، وهو أشد ما يكون من الألم من لدغ العقرب ، فقرأ عليه فقام الرجل اللديغ كأنما نُشط من عقال : يعني كأنه بعير فك عقاله ، ليس فيه بأس ، فأعطوهم الغنم ، ثم قال بعضهم لبعض : نخشى أن تكون الغنم حراماً ، لا نأكل منها حتى نصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما وصلوا المدينة وأخبروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لهم : ( خذوها واضربوا لي معكم بسهم ) : يعني اجعلوا لي سهما منها ، وإنما قال ذلك تطييبا لقلوبهم ، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام في غنى عن هذا ، لكن تطييبا لقلوبهم وبيانًا لحل هذا الشيء ثم قال للذي قرأها : ( وما يدريك أنها رقية ) ؟! فإذا قرأ الإنسان على مريض مؤمنًا بأنها رقية والمريض مؤمنٌ كذلك بأنها نافعة بإذن الله فإن الله تعالى ينفع بها نفعا عجيبًا ، هذا من فضائل سورة الفاتحة ، وهي أعظم سورة في كتاب الله كما في هذ الحديث ، والله الموفق .
7 - باب في الحث على سور وآيات مخصوصة. عن أبي سعيد رافع بن المعلى رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ ) فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن ؟ قال: ( الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ). رواه البخاري. أستمع حفظ
شرح حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في: قل هو الله أحد: والذي نفسي بيده، ( إنها لتعدل ثلث القرآن). وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن في ليلة ) فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله: فقال: ( قل هو الله أحد، الله الصمد: ثلث القرآن ). رواه البخاري. وعنه أن رجلا سمع رجلا يقرأ: قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن ). رواه البخاري.
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب الحث على سور وآيات مخصوصة : " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال في قراءة قل هو الله أحد : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ) .
وفي رواية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ( أيعجِز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن في ليلة ؟! فشقَّ ذلك عليهم وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟! فقال : (( قل هو الله أحد ، الله الصمد )) : ثلث القرآن ) رواه البخاري .
وعنه رضي الله عنه : ( أن رجلا سمع رجلا يقرأ : قل هو الله أحد يرددها ، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالُّها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن ) رواه البخاري " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال النووي -رحمه الله تعالى- فيما نقله من الأحاديث في باب الحث على سور معينة من كتاب الله في فضل : (( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوًا أحد )) : هذه السورة تسمى سورة الإخلاص ، لأن الله سبحانه وتعالى أخلصها لنفسه ، فلم يذكر فيها شيئا إلا من أسماء الله وصفاته ، وأيضا من قرأها مؤمناً بها معتقداً لما دلت عليه فإنه مخلص ، مخلص لله عز وجل ، سالم من الشرك ، هذه السورة كلها أسماء لله وصفاته : (( قل هو الله أحد )) يقال : " إن المشركين سألوا النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا : انسب لنا ربك ؟ يعني ما نسبه ، يعني كأنهم يقولون : من هو ابن له والعياذ بالله ، أو أنهم سألوه من أي شيء هو ؟ أمِن ذهب أو فضة أو ما أشبه ذلك فأنزل الله هذه الآية هذه السورة (( قل هو الله أحد )) " ، أحد : يعني واحد منفرد عن كل مخلوقاته جل وعلا ، لا يشبهه شيء من مخلوقاته ، وأحد : اسم مختص بالله سبحانه وتعالى ، لا يطلق على غيره .
(( الله الصمد )) الصمد : اختلفت عبارات المفسرين في معناه ، لكن المعنى الجامع لها : " أن الصمد هو الكامل في صفاته ، الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته " : فهو الكامل في علمه وفي قدرته وفي رحمته وفي حلمه ، وفي غير ذلك من صفاته ، وكذلك هو الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته ، كل الخلائق تصمد إليه في حاجتها وتسأله حتى المشركون إذا كانوا في البحر وماجت الأمواج فإنما يدعون الله وحده ، فهو جل وعلا مرجع الخلائق كلها ، فالصمد إذًا معناه : " الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته " .
(( لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد )) : لم يلد : ليس له أولاد عز وجل لأنه غني عن كل أحد ، قال الله تعالى : (( أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة )) ، وفي هذا ردٌ وإبطال لما ادَّعته اليهود والنصارى والمشركون .
اليهود قالوا : عزيز ابن الله ، يعني قالوا : إن الله يلد وابنه عزير ، والنصارى قالوا : المسيح ابن الله ، والمشركون قالوا : الملائكة بناتُ الله ، فأبطل الله ذلك كلَّه (( لم يلد ولم يولد )) : وذلك لأنه جل وعلا هو الأول الذي ليس قبله شيء ، فهو الأول وما بعده كائن بعد أن لم يكن .
أما الرب جل وعلا فإنه أولٌ أزليٌ أبدي .
(( ولم يكن له كفوا أحد )) : يعني لا أحد يكافئه ويكون ندًا له لا في علمه ولا في قدرته ولا في غير ذلك .
ولما افتخرت عاد بقوتها وقالوا : (( من أشد منا قوة )) ، قال الله عز وجل : (( أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشدُّ منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحًا صَرصرًا في أيام نحِسات )) : ريحًا هواء من ألين المخلوقات هذا الهواء دمرهم تدميرا وهم يقولون : (( من أشد منا قوة )) ، والله عز وجل لا يكون له كفوا أحد .
واعلم أن كفؤاً فيها ثلاث قراءات : (( كُفُوًا )) بضم الفاء والواو يعني أنه بالواو وضم الفاء (( كُفُوا )) ، ولا يصح أن تقول كُفْوا بسكون الفاء .
وفيها قراءتان أخريان بالهمز مع سكون الفاء ، وبالهمز مع ضم الفاء : كفئاً وكفؤا ، وأما مع الواو فإنها مضمومة ، ونسمع كثيرا من القراء يقرؤونها بالسكون مع الواو ، وهذا لحن ، فأنت إذا قرأتها بالواو ضم الفاء كُفُوا ، (( ولم يكن له كُفُوًا أحد )) : هذه السورة أقسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها تعدل ثلث القرآن ، وقال لأصحابه : ( أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ فشق عليهم ذلك فقال : (( قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد )) تعدل ثلث القرآن ) : يعني في الأجر أجرها كأجر ثلث القرآن لكنها لا تجزئ عن القرآن ، ولهذا لو قرأها الإنسان مثلا ثلاث مرات بدل قراءة الفاتحة في الصلاة لم تجزئه ، لأن هناك فرقًا بين المعادلة في الأجر والمعادلة في الإجزاء ، قد يكون الشيء معادلا للشيء في أجره ولا يعادله في إجزائه ، أرأيتم مثلا الإنسان إذا قال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ، كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ) ، يعني يعادل عتق أربعة رقاب ، لكن لو كان على الإنسان رقبة وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ما أجرأته ، فيجب أن نعلم الفرق بين المعادلة في الثواب والمعادلة في الإجزاء ، فهي تعدل ثلث القرآن في الثواب ، لكنها لا تعدل ثلث القرآن في الإجزاء ، ولهذا لو كررها الإنسان في صلاته ثلاث مرات لم تجزئه عن الفاتحة ، والله الموفق .
8 - شرح حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في: قل هو الله أحد: والذي نفسي بيده، ( إنها لتعدل ثلث القرآن). وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن في ليلة ) فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله: فقال: ( قل هو الله أحد، الله الصمد: ثلث القرآن ). رواه البخاري. وعنه أن رجلا سمع رجلا يقرأ: قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن ). رواه البخاري. أستمع حفظ