تتمة شرح حديث ( ... وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعلي عيال ... )
أولاً : أنه لا بأس أن الناس يُخرجون صدقات الفطر إلى وليِّ الأمر يعني إلى السلطان أو نائب السلطان ، فلو شُكلت لجنة تقبض زكاة الفطر من الناس فإن الإنسان إذا دفعها إلى هذه اللجنة بَرِأت ذمته .
ومن فوائد الحديث : جواز تصرف الوكيل فيما وكِّل فيه إذا وافق على ذلك الموكِّل ، لأن أبا هريرة تصرف هذا التصرف وأعطى الرجل ، أقول الرجل أو الشخص ، لأن حتى الجن يسمون رجال كما قال تعالى : (( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن )) ، فأبو هريرة تصرف في الليلة الثانية مع أن الرسول قال : ( كذبك ) نعم ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، فأعطاه .
وفيه أيضا دليل على أن الشيطان قد يتمثل بصورة الإنسان ، وهو كذلك ، الشياطين تتمثل بصورة الآدميين ، وتتمثل بصورة الكلاب ، حتى قال بعض العلماء في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( الكلب الأسود شيطان ) أي : أن الشياطين تتمثل فتكون كلابًا سودا ، ولكن الصحيح أن معنى الحديث : أن الكلب الأسود شيطان يعني هو شيطان الكلاب وأخبثها وأشدها ضررًا وتمردًا ، وتتمثل الشياطين بالحيوانات ، تتمثل بالقط وتتمثل أيضًا بالحية ، بالحيات كما جاء في الحديث الصحيح : ( أن رجلا من الأنصار شاباً تزوج حديثًا ، فلما جاء إلى بيته وجد زوجته على الباب ، فسألها ليش ؟ قالت : ادخل ، فلما دخل وجد على الفراش حيَّة متطوية فأخذ الرمح فوخزها ) : الرمح الذي يقاتل فيه : ( فوخرها فماتت ولما ماتت مات هو في الحال ) ، فلا يُدرى أيهما أسرع موتًا الحية ولا هذا الرجل ، لأن الحية هذه صارت جنية فلما قتلها قتله أهلها في الحال ، ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قتل الحيات التي في البيوت ، فلا يجوز لإنسان أن يقتل الحية إذا رأها في بيته ، لكن ماذا يصنع ؟ يبقى كلما دخل بيته وإذا هذه الحية تزعجه تزعج أولاده وأهله نقول : كل مشكلة لها حل والحمد لله ، حرج عليها ثلاثة أيام قل لها : أنت مني في حرج لا تقعدي في بيتي ، إذا جاءت بعد الثالثة اقتلها ، لأنها إن كانت جنية فهي إذا حُرِجت لا تأتي ، وإن كانت هي دابة من الحيوانات فإنها لا تدري تأتي بعد الثالثة وحينئذ تقتل ، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم استثنى جنسين من هذه الدواب تقتل ولو في البيوت وهي : الأبتر وذو الطفيتين ، الأبتر يعني : قصير الذنب ، فيه حيات معينة أذنابها قصيرة ، هذه تقتل ولو في البيت . وذو الطفيتين يقول العلماء : " إنهما خطان أبيضان على ظهر الحية " : هذه تقتل ولو في البيوت ، لأنهما كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( يخطفان البصر ) من شدة قبحهما ، ( ويَتبعان ما في بطون النساء ) يعني : يسقطن الحمل ، فلهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقتل هذين الصنفين ولو في البيوت .
الشاهد من هذا أن الشيطان والجن يتمثلون بصور غير صورهم الأصلية .
وفي هذا الحديث أيضا من الفوائد : أن يجوز تقديم زكاة الفطر قبل العيد ، ولو بأكثر من يومين إذا كانت تُدفع إلى ولي الأمر ، وولي الأمر يجب عليه ألا يصرفها إلا في وقتها .
ومن فوائد الحديث : آية من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو علمه بما جرى مع أنه لم يطلع ، لكن جاءه الوحي من الله عز وجل .
ومن فوائده : أنه ينبغي للإنسان كلما جاء إلى فراشه للنوم في الليل يقرأ آية الكرسي من أولها إلى آخرها ، وليس منها قوله تعالى : (( لا إكراه في الدين )) : هذه آية خارجة عن آية الكرسي ، آخر آية الكرسي (( وهو العلي العظيم )) : فتقرأها كلما أويت إلى فراشك ، كل ليلة ، حتى لا يقربك الشيطان ، حتى تصبح ولا يزال عليك من الله حافظ .
وحدثني جد هذا الرجل الذي يؤذن بنا الآن أنه كان يقرؤها كل ليلة ، وأنه نسيها ليلة من الليال ، فلدغته عقرب ، لأن الرسول يقول : ( لا يزال عليه من الله حافظ ) ، وهو نسي أن يقرأها فلم يوجد الحافظ فلدغته العقرب ، فإذًا احرص على أن تقرأ آية الكرسي كل ليلة وخصوصًا إذا أويت إلى فراشك .
وفي هذا الحديث من الفوائد : قبول الحق ولو جاء من أي إنسان ، أي إنسان يأتي بحق اقبل منه حتى لو كان شيطان ، حتى لو كان مشرك ، حتى لو كان يهودي أو نصراني ، إذا جاء بالحق اقبله ، فإن الله قبل الحق من المشركين ، والنبي صلى الله عليه وسلم قبل الحق من اليهودي ، وأقر الحق من الشيطان كما في هذا الحديث ، أما الأول : قبول الحق من المشركين ، فإن الله قال عن المشركين : (( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها )) فتعللوا بعلتين الأولى : أنهم وجدوا عليها آباءهم . والثانية : أن الله أمرهم بها فقال الله تعالى : (( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء )) وسكت عن قولهم : وجدنا عليها آباءنا ، لأن قولهم : وجدنا عليها آباءنا حق صحيح ، وجدوا آباءهم على هذه الفاحشة ، لكن الله لم يأمرهم بها : (( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء )) .
وأما قبول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من اليهودي ، فإنه جاءه حبر من أحبار اليهود يعني عالم من علمائهم ، قال : ( إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع ) وذكر تمام الحديث : ( فضحك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بدت نواجده تصديقًا لقول هذا اليهودي ) : الحبر ، ثم قرأ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) .
وأقر الحق الذي قال به الشيطان كما في هذا الحديث ، فيجب عليك أيها المسلم أن تقبل الحق من أي إنسان ، وأن ترد الباطل من أي إنسان ، من قال الباطل فقوله مردود ، ومن قال الحق فقوله مقبول ، ولهذا كان من الكلمات المأثورة عند العلماء : " أن الرجال يُعرفون بالحق ، والحق لا يعرف بالرجال " : يعني لا تجعل مدار قبولك الحق على الرجل ، صحيح أن العالم تثق بقوله أكثر من غيره فتقبل ما يقول أكثر مما لو قاله عامي ، لكن ليس كل ما يقول العالم حقًا ، قد يخطئ وقد يصيب ، إنما العالم أقرب إلى الصواب بلا شك ، ولهذا قالوا : " إنما يعرف الرجال بالحق ، وأما الحق فلا يعرف بالرجال " ، لأن الرجل قد يخطئ وقد يصيب ، والله الموفق .
1 - تتمة شرح حديث ( ... وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعلي عيال ... ) أستمع حفظ
متى تكون قراءة آية الكرسي ؟.
الشيخ : الظاهر -إن شاء الله تعالى- أنه مثله ، يعني الذي يقرأها في الصباح لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه الشيطان حتى يصبح ، لكن جاء ذكرها في الليل ، لأن الليل موضع الهوام والسباع ، وما أشبه ذلك .
شرح حديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال ). وفي رواية: ( من آخر سورة الكهف ). رواهما مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، ولم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته. رواه مسلم.
وفي رواية : ( من آخر سورة الكهف ) رواهما مسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ( بينما جبريل عليه السلام قاعدٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم، ولم يُفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلَّم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أُعطيته ) رواه مسلم " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق باب الحث على سور وآيات معينة من كتاب الله :
ما يتعلق بسورة الكهف ، وما يتعلق بفاتحة الكتاب ، وآخر سورة البقرة :
أما الأول فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر : ( أنه من حفظ أول عشر آيات من سورة الكهف أو من آخرها عصم من الدجال ) : والدجال رجل كافر يبعث في آخر الزمان ، يدعي النبوة أولاً يعني أنه نبي ، ثم يدعي أنه إله والعياذ بالله ، وفتنته أعظم فتنة كانت على الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقال : ( إن خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإلا فالله خليفتي على كل مسلم ) ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فتنته ، ( وما من نبي من الأنبياء إلا أنذره قومَه ) ، حتى يستعد الناس ، بنو آدم يستعدوا لهذه الفتنة العظيمة ، وإلا من المعلوم أنه لن يأتي إلا في آخر الزمان ، لكن لأجل التنويه بعظم فتنته وأن فتنته كبيرة عظيمة لا ينجو منها إلا من أنجاه الله سبحانه وتعالى ، هذا الدجال يجعل الله على يديه آيات خوارق فتنة للناس ، منها : أنه يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ، فيأتي إلى القوم ممحلين ليس في أرضهم رَعي ومواشيهم ضعاف عجاف ، فيدعوهم ويُمنّيهم فيتبعونه ، فيأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ، ثم تروح عليهم مواشيهم وهي أوفر ما تكون لحماً وأغزر ما تكون لبناً ، ثم يأتي إلى آخرين فيدعوهم ولكنهم ينكرونه فيصبحون ممحلين ليس في أرضهم نبات ، هل تجدون أعظم من هذه الفتنة ؟ لاسيما في البادية ، فيتبعه أناس كثيرون ، فمن تبعه أدخله جنته ، ومن أنكره أدخله ناره ، وهي جنة فيما يبدو للناس ، لكنها نار والعياذ بالله ، وناره نار فيما يبدو للناس لكنها جنة وماء عذب ، ولكن الناس ليس لهم إلا الظاهر ، إلا أن الله سبحانه وتعالى بيَّن لنا آياته أنه كاذب يعني هذا الدجال بما أخبرنا به صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( مِن أنَّ هذا الرجل مكتوب بين عينيه كافر كاف فاء راء يقرؤه كل مؤمن ) : كل مؤمن ولو ما يعرف يكتب ولا يقرأ يقرؤه ، ويعمى عنه كل منافق ما يرى هذا المكتوب بين عينيه ، لأنه قد أضل والعياذ بالله ، كما أن الإنسان في القبر إذا كان مؤمناً أجاب بالصواب وقال : ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ، وإذا كان منافقا ولو كان قارئا لم يجب والعياذ بالله .
وأعطانا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم آية أيضًا بينة وهي أنه أعور ، ليس له إلا عين واحدة ، وربنا جل وعلا ليس بأعور ، منزه عن كل عيب ونقص ، فمن وُفق سلم من فتنته ونجى .
يبقى في الأرض هذا الدجال الخبيث ، يبقى في الأرض أربعين يوماً ، أول يوم كسنة : يعني اثني عشر شهرا ، شوف سبحان الله الآن الشمس تدور بأربع وعشرين ساعة على الأرض ، لكن أول يوم من أيام الدجال لا تدور إلا باثنا عشر شهر سنة كاملة ، واليوم الثاني كشهر ثلاثين يوماً ، والثالث كالأسبوع سبعة أيام ، وبقية الأيام كأيامنا ، يبقى هذه المدة ثم ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فيقتل هذا الدجال ، المسيح الصادق النبي الطاهر يقتل هذا المسيح الخبيث الدجال ، يسلطه الله عليه عز وجل فيقتله ، ومن أجل عظم فتنته أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله منه في كل صلاة فقال : ( إذا تشهد أحدكم فليقل : أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ) ، لأن فتنته عظيمة ، فينبغي لنا أن نستعيذ بالله عز وجل بقلب صادق من فتنة هذا المسيح الدجال ، ثم إنه أيضا من أسباب الوقاية من فتنته : أن من حفظ عشر آيات من سورة الكهف من أولها أو آخرها وقرأهن عليه عُصم من فتنته ، ومن السور المعينة أو الآيات المعينة سورة الفاتحة ، وآيتين من آخر سورة البقرة ، فإنه ما قرأهما أحد من هذه الأمة مؤمنًا موقنا إلا آتاه الله تعالى ما فيهما من الطلب ، وفي سورة الفاتحة : (( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) قال الله تعالى لعبده إذا قرأها في الصلاة قال : ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) .
3 - شرح حديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال ). وفي رواية: ( من آخر سورة الكهف ). رواهما مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، ولم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته. رواه مسلم. أستمع حفظ
شرح حديث ( بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم ... ).
4 - شرح حديث ( بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم ... ). أستمع حفظ
باب استحباب الاجتماع على القراءة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب استحباب الاجتماع على تلاوة القرآن :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب الاجتماع على تلاوة القرآن " : يعني بذلك أنه من المستحب أن الناس يجتمعون على تلاوة القرآن ، كما يوجد الآن في حلقات تحفيظ القرآن في المساجد ، فإن هذا من هذا النوع ، يجتمعون يتعلمون القرآن ويعلمونه ، فإن هذا مما ندب إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وذلك فيما رواه أبو هريرة عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) : هذه أربعة أشياء تترتب على هذا الاجتماع ، يقول عليه الصلاة والسلام : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ) وبيوت الله هي المساجد ، قال الله تعالى : (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة )) : وأضاف الله هذه الأماكن إلى نفسه تشريفا وتعظيما ، ولأنها محل ذكره وتلاوة كلامه والتقرب إليه بالصلاة ، وإلا فهو سبحانه وتعالى فوق عرشه فوق سماواته لا يحل في شيء من خلقه ولا يحل فيه شيء من خلقه جل وعلا ، لكن هذه الإضافة للتشريف ، وقد قال العلماء رحمهم الله : " المضاف إلى الله نوعان الأول : صفة لا تقوم إلا بمحل ، فهذه تكون من صفات الله عز وجل ، مثل عزة الله ، قدرة الله ، كلام الله ، سمع الله ، بصر الله هذه صفة لا تقوم إلا بموصوف فتكون من صفات الله عز وجل . والثاني : شيء بائن من الله عز وجل مخلوق ، فهذا ليس من صفات الله وإنما هو مضاف إليه عز وجل على سبيل التشريف والتكريم مثل : مساجد الله ، بيوت الله ، ناقة الله ، ومثل قوله تعالى في آدم : (( ونفخت فيه من روحي )) كذلك في عيسى ابن مريم ، فإن الروح شيء بائن من الله عز وجل ، منفصل ، مخلوق من مخلوقاته ، لكن أضيف إليه على سبيل التشريف والتكريم " .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( يتلون كتاب الله ) : تلاوة كتاب الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام : تلاوة اللفظ ، وتلاوة المعنى ، وتلاوة العمل :
أما تلاوة اللفظ فمعروفة ، يقرأ هذا وهذا وهذا وهذا ، وهي على نوعين : النوع الأول : أن يقرأ القارئ صفحة أو صفحتين ثم يتابعه الباقون يقرؤون نفس ما قرأ ، وهذا غالبا يكون في التعليم .
والثاني ، النوع الثاني من القراءة اللفظية : أن يقرأ القارئ صفحة أو صفحتين ثم يقرأ الثاني بعده صفحة أو صفحتين غير ما قرأه الأول ، وهلم جرّا ، فإن قال قائل : هذا النوع الثاني يفوت فيه ثواب بعضهم ، لأن ما قرأه هذا لم يقرأه هذا ، فيقال : لا يفوت ، لأن المستمع كالقارئ له ثوابه ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى في سورة يونس في قصة موسى صلى الله عليه وسلم حين دعا على آل فرعون : (( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم )) : القائل هذا موسى كما في أول الآية : (( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالًا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم )) ، قال الله تعالى : (( قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون )) الداعي واحد ، لكن قال العلماء : إن هارون كان يستمع ويؤمن على دعائه ، فكان الدعاء لهما جميعا .
أما التلاوة المعنوية : فأن يتدارس هؤلاء القوم كتاب الله عز وجل ويتفهموا معناه ما معنى هذه الآية ، إن كان مما يدرك باللغة العربية فهذا معروف ، إن كان مما لا يدرك إلا بالرجوع إلى كلام أهل العلم والمفسرين رجعوا إلى ذلك ، إلى كلام العلماء والمفسرين في الآية ، لأن بعض الآيات يكون لها حقائق شرعية لا تعرف عن طريق اللغة العربية .
وقد كان السلف الصالح لا يقرؤون عشر آيات حتى يتفهموها وما فيها من العلم والعمل ، قالوا : " فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا " .
أما القسم الثالث من التلاوة : فهي التلاوة العملية ، وهذه هي المقصود الأعظم للقرآن الكريم ، كما قال تعالى : (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آيتاه وليتذكر أولو الألباب )) : العمل بما جاء في القرآن وذلك بتصديق ما أخبر الله به ، والقيام بما أمر به ، والبعد عما نهى عنه ، هذه التلاوة العملية لكتاب الله عز وجل .
يقول عليه الصلاة والسلام : ( إلا نزلت عليهم السكينة ) : السكينة شيء يقذفه الله عز وجل في القلب فيطمئن ويوقن ويستقر ، ولا يكون عنده قلق ولا شك ولا ارتياب ، هو ساكن مطمئن ، وهذه من أكبر نعمة الله على العبد ، أن يُنزل السكينة في قلبه بحيث يكون مطمئنا غير قلق ولا شاك راضيا بقضاء الله وقدره مع الله عز وجل في قضائه وقدره ، إن أصابته ضراء صبر وانتظر الفرج من الله ، وإن أصابته سراء شكر وحمد الله على ذلك ، مطمئن مستقر مستريح هذه السكينة نعمة عظيمة نسأل الله أن ينزل في قلوبنا وقلوبكم السكينة ، وقد قال الله تعالى : (( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم )) : فهي من أسباب زيادة الإيمان .
( نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ) : غشيتهم يعني : غطتهم ، والغشيان بمعنى الغطاء كما قال تعالى : (( والليل إذا يغشى )) يعني يغطي الأرض بظلامه ، ( غشيتهم الرحمة ) أي : رحمة الله عز وجل ، فتغشاهم وتحيط بهم وتكون لهم بمنزلة الغطاء الشامل لكل ما يحتاجون إليه من رحمة الله عز وجل .
( وحفتهم الملائكة ) أي : أحاطت بهم يستمعون الذكر ويكونون شهداء عليهم .
والرابع ( وذكرهم الله فيمن عنده ) : يذكرهم الله تعالى في الملأ الأعلى ، وهذا كقوله تعالى في الحديث القدسي : ( من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) ، المهم أن هذا الحديث يدل على فضيلة الاجتماع على كتاب الله عز وجل ، والله الموفق .
5 - باب استحباب الاجتماع على القراءة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). رواه مسلم. أستمع حفظ
هل تدخل المنازل في قوله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ... ؟
السائل : المنازل ؟
الشيخ : ما تدخل في هذا ، لأن المسجد أفضل ، ولا يقاس الأدنى على الأعلى .
باب فضل الوضوء: قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم )) إلى قوله تعالى: (( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم، وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )).
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل الوضوء :
قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق )) إلى قوله تعالى : (( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غُرًا مُحجَّلين من آثار الوضوء ) ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ، متفق عليه " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال النووي -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب فضل الوضوء " : الوضوء في اللغة العربية مأخوذ من الوضاءة ، وهي الحسن والنظافة ، وأما في الشرع : " فهو تطهير الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة " : الأعضاء الأربعة هي : الوجه واليدان والرأس والرجلان ، والوضوء من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة ، حيث أمرهم به ورتب عليه الثواب الذي سيُذكر في هذا الباب إن شاء الله .
قال : وقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين )) ، (( يا أيها الذين آمنوا )) : إذا سمعت الله يقول : (( يا أيها الذين آمنوا )) فانتبه وارعها سمعك ، فإما خير تؤمر به ، وإما شر تُنهى عنه ، وإما خبر صادق تنتفع به ، فالأقسام ثلاثة : إما خير تؤمر به ، وإما شر تنهى عنه ، وإما خبر صادق تنتفع به : كلما قال الله : (( يا أيها الذين آمنوا )) .
هنا يقول : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة )) أي : إذا أردتم القيام إلى الصلاة الفريضة أو النافلة ، (( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق )) : اغسلوا وجوهكم ، اغسلوا وجوهكم ولم يذكر الله تعالى غسل الكفين لأن غسل الكفين قبل الوجه سنة وليس بواجب ، والوجه من الأذن إلى الأذن عرضًا ، ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية طولا ، ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق ، المضمضة في الفم والاستنشاق في الأنف ، ((وأيديكم إلى المرافق )) : يعني واغسلوا أيديكم إلى المرافق ، والمرفق هو المفصل الذي بين الذراع والعضد وهو داخل في الغسل ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( كان إذا غسل يديه أشرع في العضد وأدار الماء على مرفقيه ) .
(( وامسحوا برؤوسكم )) : الرأس يمسح ولا يجب غسله ، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده ، لأن الرأس فيه شعر فلو فُرِض غسله لكان فيه مشقة على الناس ، لبدأ الماء يسرب على الثياب ، ولَلحق الناس مشقة في أيام الشتاء ولكن من رحمة الله أن الرأس يمسح ولا يغسل ، ومن الرأس الأذنان يمسحان أيضاً ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يمسح بأذنيه .
(( وأرجلكم إلى الكعبين )) يعني : واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين ، والكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق ، وهما داخلان في الغسل ، هذه أربعة أعضاء ، وهذه هي أعضاء الوضوء ، ثم قال عز وجل : (( وإن كنتم جنباً فاطَّهروا )) وفي الآية الثانية : (( فاغتسلوا )) : يعني إذا كان الإنسان عليه جنابة وجب عليه أن يطهر جميع بدنه من رأسه إلى أخمص قدميه ، ومنه المضمضة والاستنشاق ، فإن المضمضة والاستنشاق يجبان في الوضوء وكذلك الغسل ، (( وإن كنتم جنبا فاطهروا )) والجنب : " هو الذي حصلت عليه الجنابة " ، والجنابة إما إنزال المني بشهوة ، وإما الجماع وإن لم ينزل ، فإذا جامع الإنسان زوجته وجب عليه أن يغتسل سواء أنزل أم لم ينزل ، وإذا أنزل وجب عليه الغسل سواء جامع أو لم يجامع حتى لو فكر وأنزل وجب عليه الاغتسال .
(( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا )) يعني معناه : أن الإنسان إذا وجب عليه الوضوء أو الغسل ولم يجد ماء أو كان مريضا يتضرر باستعمال الماء فإنه يتيمم ، يضرب الأرض بكفيه ويمسح وجهه وكفيه ، (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج )) : يعني فيما فرض علينا ، لم يرد أن يحرجنا ويلحقنا المشقة ، بل هو أرحم بنا من أنفسنا وأولادنا وأمهاتنا ، والدليل أنه أرحم منا بأنفسنا قوله تعالى : (( ولا تقتلوا أنفسكم )) : فالذي يوصيك ألا تقتل نفسك هو أرحم بك من نفسك ، فهو لا يريد منا بهذا الفرض أن يشق علينا أو يلحقنا الحرج ، (( ولكن يريد ليطهركم )) : هذا الذي أراد الله منا بالوضوء والغسل أن يطهر ظواهرنا بالماء وأن يطهر بواطننا بالتوحيد ، ولهذا يُسن إذا فرغت من الوضوء : أن تتشهد تقول : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) .
(( وليتم نعمته عليكم )) : وذلك بهذا الوضوء الذي يحصل به تكفير السيئات ورفعة الدرجات ، ( فإن من توضأ وأسبغ الوضوء ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) .
وقوله : (( لعلكم تشكرون )) أي: لأجل أن تشكروا الله عز وجل على نعمه ، فالواجب على المرء أن يشكر الله على نعمه ، لأن نعم الله لا تُحصى ولاسيما النعم الدينية ، لأن النعم الدينية بها سعادة الدنيا والآخرة ، والشكر : " هو القيام بطاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه يعني باللسان والأركان والقلوب " ، الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارج ، نسأل الله أن يرزقنا شكر نعمته وحسن عبادته ، إنه على كل شيء قدير .
7 - باب فضل الوضوء: قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم )) إلى قوله تعالى: (( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم، وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )). أستمع حفظ
شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ). فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. متفق عليه. وعنه قال: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ). رواه مسلم. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره ). رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل الوضوء :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غُراً محجَّلين من آثار الوضوء ) ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ، متفق عليه .
وعنه رضي الله عنه قال : سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) رواه مسلم .
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره ) رواه مسلم " .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث ذكرها النووي -رحمه الله- في *رياض الصالحين * في باب فضل الوضوء :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غُراً مُحجَّلين من أثر الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ) : يعني أن هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تُدعى يوم القيامة غُراً محجلين : الغرة بياض الوجه ، والتحجيل : بياض الأطراف أطراف اليدين وأطراف الرجلين ، يعني أن هذه المواضع تكون نورا يتلألأ يوم القيامة لهذه الأمة ، وهذه خاصة بنا ولله الحمد ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( سيما ليست لغيركم ) : يعني علامة تتبين بها أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك اليوم المشهود .
وهذا دليل على فضل الوضوء أن أعضاء الوضوء يوم القيامة تأتي بيضاء تلوح من النور ، يقول : ( فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ) : وهذه الجملة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، بل هي من كلام أبي هريرة رضي الله عنه ، وليست بصحيحة من جهة الحكم الشرعي ، لأن ظاهرها أن الإنسان يمكنه أن يطيل غرته : يعني يطيل وجهه ، وهذا لا يمكن ، الوجه محدد من الأذن إلى الأذن ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية ، لا يمكن أن يطال ، وهذا مما يدل على أن هذه الجملة من أبي هريرة رضي الله عنه قالها اجتهادا ، كما أشار إلى ذلك ابن القيم في * النونية * قال :
" وأبو هريرة قال ذا مِن كيسه *** فغدا يميزه أولو العِرفان
وإطالة الغرَّات ليس بممكن *** أيضا وهذا واضح التبيان " .
لكن على كل حال ما فرضه الله علينا أن نغسل الوجوه والأيدي إلى المرافق والأرجل إلى الكعبين هذا هو منتهى الوضوء ، وكفى به فخرًا أن يأتي الناس يوم القيامة وهذه المواضع تتلألأ نورًا من أجسادهم من أثر الوضوء ، ففي هذا دليل على فضيلة الوضوء ، وعلى إثبات البعث ، وعلى أن الأمم يوم القيامة تأتي كل أمة تُدعى إلى كتابها : هل طبقت كتابها أم لم تطبقه ؟
وأما الحديث الثاني : حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( تبلغ الحِلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ) : الحلية يوم القيامة يحلى بها الرجال والنساء ، يلبس الرجال والنساء حلية من ذهب وفضة ولؤلؤ : (( وحلُّوا أساور من فضة )) ، (( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا )) : فهم يحلون بهذه الأنواع الثلاثة ، يلبس الرجل والمرأة في الجنة حليا من هذه الأنواع الثلاثة : ذهب وفضة ولؤلؤ ، ولابد أن تكون مرصوفة على وجه يحصل به الجمال أكثر وأكثر ، لأن التحلي بكل نوع من هذه لا شك أنه يكسب الإنسان جمالا ، فإذا رصف بعضها إلى بعض ورتبت ترتيبا حسنا أعطت جمالا أكثر ، يوم القيامة تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء .
8 - شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ). فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. متفق عليه. وعنه قال: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ). رواه مسلم. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره ). رواه مسلم. أستمع حفظ