باب فضل صلاة الصبح والعصر. عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى البردين دخل الجنة ). متفق عليه. وعن عمارة بن رويبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ). يعني الفجر والعصر. رواه مسلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل صلاة الصبح والعصر : عن أبي موسى رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من صلى البردين دخل الجنة ) متفق عليه . وعن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) يعني الفجر والعصر ، رواه مسلم . وعن جُندب بن سفيان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء ) رواه مسلم " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب فضل صلاة الفجر وصلاة العصر " : هاتان الصلاتان تميزتا بفضل ليس في غيرهما ، أما الفجر : فقد قال الله تبارك وتعالى : (( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا )) : يشهده الله وملائكته ، وهذه فضيلة عظيمة ، واختصت أيضا بأنها مفصولة عن الصلوات الخمس ، منفردة بوقتها ، فبينها وبين صلاة العشاء نصف الليل الأخير ، وبينها وبين صلاة الظهر نصف النهار الأول ، لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل ، ولا يمتد إلى طلوع الفجر ، إذا انتصف الليل خرج وقت صلاة العشاء وبقي هذا النصف إلى الفجر ليس وقتا لصلاة مفروضة ، لكنه وقت التهجد لمن وفقه الله عز وجل . أما من طلوع الشمس إلى زوال الشمس فهو أيضا ليس وقتا لصلاة مفروضة وإنما هو وقت لصلاة مطلقة كصلاة الضحى وما أشبه ذلك ، فتميزت بأنها مشهودة وبأنها منفردة بوقتها لا يتصل بها ما قبلها ولا تتصل بما بعدها . أما صلاة العصر فتميزت بأنها الصلاة الوسطى ، فإن الصلاة الوسطى بنص الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي صلاة العصر ، وتميزت بأن الله تعالى نوه بفضلها وشرفها حيث خصها بالذكر بعد أن عمم فقال : (( حافظوا على الصلوات )) : هذا عام ، (( والصلاة الوسطى )) : يعني صلاة العصر ، فخصها بالذكر لفضيلتها . وهناك فضائل وميزات اشترك فيها صلاة الفجر وصلاة العصر منها : ما أشار إليه المؤلف -رحمه الله- في هذا الباب : الأول : ( أن من صلى البردين دخل الجنة ) : البردين هما صلاة الفجر وصلاة العصر ، لأن الفجر تأتي في براد الليل ، أبرد ما يكون من الليل في آخره . والعصر تأتي في براد النهار ، أبرد ما يكون النهار في آخره ، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( من صلى البردين دخل الجنة ) . وكذلك أخبر عليه الصلاة والسلام : ( أنه لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) : يعني صلاة الفجر وصلاة العصر . ففي الأول إثبات دخول الجنة ، وفي الثاني انتفاء دخول النار ، فيكون هذا كقوله تعالى : (( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز )) ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المحافظين على الصلوات والصلاة الوسطى ، وأن يُحرِّمنا على النار ويدخلنا الجنة إنه على كل شيء قدير .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب فضل صلاة الصبح والعصر : " عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء ) رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله -وهو أعلم بهم- : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون ) متفق عليه . وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : ( كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) متفق عليه . وفي رواية : ( فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة ) . وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ) رواه البخاري " .
شرح حديث عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صلى الصبح فهو في ذمة الله فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء ). رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله - وهو أعلم بهم - : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون ). متفق عليه.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث في بيان فضيلة صلاة الفجر وصلاة العصر : فمنها الحديث الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن صلى الفجر فهو في ذمة الله عز وجل ) : يعني في عهده وأمانه ، ( فلا يطلبنكم الله من ذمته في شيء ) : يعني لا تغدروا ولا تعملوا عملا سيئا فيطالبكم الله تعالى بما عهد به إليكم ، وهذا دليل على أن صلاة الفجر كالمفتاح لصلاة النهار ، بل لعمل النهار كله ، وأنها كالمعاهدة بين الله وبين العبد في أن يقوم العبد بطاعة ربه عز وجل ممتثلا لأمره مجتنبا لنهيه . ومن فضائل ذلك : من فضائل صلاة الفجر وصلاة العصر : أن الله سبحانه وتعالى وكَّل بالعباد ملائكة مُعقبات يتعاقبون فينا يحفظوننا من أمر الله عز وجل ، يجتمعون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر ، ثم يصعد الذين باتوا فينا إلى الله عز وجل ، فيسألهم -وهو سبحانه وتعالى أعلم- كيف تركتم عبادي ؟ يسألهم ذلك إظهارًا لشرف العبادة وتنويها بفضلهم ، وليس خفاء على الله سبحانه وتعالى ، لأنه يعلم السر وأخفى ، لكن لإظهار فضيلتهم يسألهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقول : ( أتيناهم وهم يصلون ، يعني وتركناهم وهم يصلون ) : لأنهم يأتون في أول الليل وفي أول النهار ، فيتعاقبون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، هؤلاء ينزلون وهؤلاء يصعدون ، وقيض الله سبحانه وتعالى وقت نزولهم وصعودهم بهاتين الصلاتين لفضلهما ، لأن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى ، وصلاة الفجر هي الصلاة المشهودة .
شرح حديث عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ). متفق عليه. وفي رواية: فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة. وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ). رواه البخاري.
الشيخ : ومن ذلك أيضًا : من فضائل صلاة الفجر وصلاة العصر : ما رواه جرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه : ( أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر -ليلة الرابع عشر- فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ) : يعني يوم القيامة ، يراه المؤمنون في الجنة كما يرون القمر ليلة البدر ، وليس المعنى أن الله مثل القمر ، لأن الله ليس كمثله شيء بل هو أعظم وأجل عز وجل ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه : ( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) : لكن مراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تشبيه الرؤية بالرؤية ، يعني فكما أننا نرى القمر ليلة البدر رؤية حقيقية ليس فيها اشتباه ، فإننا سنرى ربنا عز وجل كما نرى هذا القمر رؤية حقيقية بالعين بالبصر بدون اشتباه . واعلم أنَّ ألذ نعيم وأطيب نعيم عند أهل الجنة -ونسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- هو النظر إلى وجه الله لا شيء يعدله ، ولهذا قال عز وجل : (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) فسرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( بأنها النظر إلى وجه الله ) . الحسنى : اسم تفضيل مؤنث ، يقابله أحسن في المذكر ، فالزيادة زيادة على الأحسن وهي : النظر إلى وجه الله عز وجل ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ذكر أننا نرى ربنا كما نرى القمر ليلة البدر قال : ( فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا ) : والمراد إن استطعتم على هذه الصلاة أن تأتوا بها كاملة ومنها أن تصلى في الجماعة ، ( إن استطعتم ألا تغلبوا على هذا فافعلوا ) : وفي هذا دليل على أن المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر من أسباب النظر إلى وجه الله عز وجل ، ويا لها من قيمة عظيمة ، يا لها من ثمن ومثمن ، حافظ على صلاة الفجر وصلاة العصر تنظر إلى الله عز وجل يوم القيامة في جنات النعيم ، فلهذا قال : ( إن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ) يعني الفجر ، ( وصلاة قبل غروبها ) يعني العصر ( فافعلوا ) . ومن ذلك أيضاً ، من فضيلة صلاة العصر خاصة : أن من تركها فقد حبط عمله ، لأنها عظيمة ، فإذا تركتها حبط عملك . وقد استدل بهذا بعض العلماء على أن من ترك صلاة العصر كفر ، لأنه لا يُحبط الأعمال إلا الردة كما قال تعالى : (( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعلمون )) ، وقال تعالى : (( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) ، فيقول بعض العلماء : صلاة العصر خاصة من تركها فقد كفر ، وكذلك من ترك بقية الصلوات عموما فقد كفر وهذا القول ليس ببعيد من الصواب ، لأن حبوط العمل لا يكون إلا بالكفر والعياذ بالله والردة ، ففي هذا دليل على عظم شأن هذه الصلاة صلاة العصر ، ولذلك نص الله على المحافظة عليها من بين سائر الصلوات فقال : (( حافظوا على الصلوات والصلوات الوسطى )) يعني صلاة العصر (( وقوموا لله قانتين )) والله الموفق .
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل المشي إلى المساجد : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من غدا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح ) متفق عليه . وعنه رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ، ليقضي فريضة من فرائض الله ، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة ) رواه مسلم . وعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : ( كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة ! فقيل له : لو اشتريت حمارا لتركبه في الظلماء وفي الرمضاء ، قال : ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد جمع الله لك ذلك كله ) رواه مسلم . وعن جابر رضي الله عنه قال : ( خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلِمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم : بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ؟! قالوا : نعم يا رسول الله ، قد أردنا ذلك ، فقال : بني سَلِمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم. فقالوا : ما يسرنا أنا كنا تحولنا ) رواه مسلم " .
باب فضل المشي إلى المساجد. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح ). متفق عليه. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة ). رواه مسلم. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة ! فقيل له: لو اشتريت حمارا لتركبه في الظلماء وفي الرمضاء قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد جمع الله لك ذلك كله ). رواه مسلم. وعن جابر رضي الله عنه قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ( بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ؟! ) قالوا. نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك، فقال: ( بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم ) فقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا. رواه مسلم.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه * رياض الصالحين * : " باب فضل المشي إلى المساجد " : المشي إلى المساجد يعني للصلاة فيها والمشي إلى المساجد يكون لأسباب متعددة : يكون مثلا لحضور درس أو لأجل أن يقرأ فيها القرآن أو لإصلاح شيء فيها أو لغير ذلك ، لكن من جاء إلى المساجد للصلاة فهذا هو المقصود في هذا الباب : ففي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( من غدا إلى المسجد أو راح كتب الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح ) : غدا : يعني ذهب في الصباح ، راح ذهب في العشي بعد الزوال ، فإنه يكتب له نزل في الجنة كلما غدا أو راح . ونحن ولله الحمد نغدو إلى المساجد ونروح في كل يوم وليلة خمس مرات ، فيكتب للإنسان نزل في الجنة يعني ضيافة في الجنة كلما غدا أو راح ، هذا من فضائل المشي إلى المساجد . ومن فضائل ذلك أيضا أن الإنسان إذا تطهر في بيته وخرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ففي الحديث الذي ساقه المؤلف هنا : ( أنه لم يخط خطوة إلا رفعه الله له بها درجة وفي الخطوة الثانية يحط بها عنه خطيئة ) ، لكن في حديث آخر : ( أنه لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ) : فيكتسب في الخطوة الواحدة رفع الدرجة وحط الخطيئة ، بشرط أن يتوضأ في بيته ويسبغ الوضوء ثم يخرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة فهذا له بكل خطوة يخطوها أن يرفع الله له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة ، وهذه نعمة عظيمة من الله عز جل . ومن فوائد ذلك أنه ينبغي للإنسان أن يأتي إلى المسجد ماشيا ويرجع ماشيا ، هذا هو الأفضل ، ودليل ذلك قصة الأنصاري الذي كان بعيد الدار فقيل له : لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء والرمضاء ، فقال : لا ، لا أشتري ، أنا أحتسب على الله خطاي ذاهبا وراجعا ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( قد كتب الله لك ذلك كله ) : فدل ذلك على أن المجيء إلى المسجد على قدميه أفضل من المجيء على مركوبه ، لأنه يحسب لك أجر الخطا ، ولكن إذا كان الإنسان معذورا فلا بأس أن يأتي بالسيارة ، وخطوة السيارة دور الكفر : إذا دار مرة واحدة هذه تعتبر خطوة ، لأنه عند دورانه يرتفع الذي باشر الأرض ثم يدور حتى يرجع ثانية إلى الأرض فهو كرفع القدم من الأرض ثم وضعه مرة ثانية ، فإذا كان الإنسان معذورا فلا بأس أن يأتي بالسيارة وتكون كل دورة للكفر بمنزلة الخطوة للقدم هذا أيضا من فضائل المشي إلى المساجد ، أن الله تعالى يكتب للإنسان الخطوات كلما ذهب وكلما رجع . نعم ، ومما يدل على ذلك أيضا على فضل المشي إلى المساجد ولو بعدت حديث جابر في بني سلِمة يقول : ( خلا ما حول المساجد ) يعني من المنازل ( فأرد بنو سلمة أن يأتوا إلى المسجد ويقربوا منه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسألهم عن ذلك فقالوا : نعم أردنا أن نتحول لنقرب من المسجد ، فقال : يا بني سلِمة دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم ) : يعني الزموا دياركم ولا تقربوا تكتب آثاركم ، فدل هذا على أنه كلما كان منزل الإنسان أبعد من المسجد فإنه أكثر أجرًا ، لأنه قال : ( تكتب آثاركم ) ولكن لا يعني هذا أن الإنسان يتقصد أن ينزل بعيد عن المسجد ، لكن إذا قدر أنه لم يتيسر له إلا في المكان البعيد أو كانت ديار قومه أو ما أشبه ذلك فإنه يكتب له أثره . فدل هذا على فضيلة المشي إلى المساجد ، وفضل الله تعالى واسع وخيره كثير ولله الحمد يثيب على العمل القليل الثواب الكثير ، نسأل الله لنا ولكم من فضله العظيم .
لشيخ : آه . السائل : يبعد عن المسجد كيلو تقريبا ! الشيخ : إي نعم . السائل : هل له التخلف عن صلاة الجماعة ؟ الشيخ : هل إيش ؟ السائل : يبعد كيلو . الشيخ : فهمت فهمت لكن يقول إيش ؟ السائل : يقول : هل أعذر في مجيئي أو لا ؟ الشيخ : هل ؟ السائل : بعيد ، ويبعد عن المسجد كيلو تقريبا ، يقول : هل يعذر بصلاة الجماعة أو لا ؟ الشيخ : يعني يريد أن يتخلف عن الجماعة ؟ السائل : أنا معذور أو لا ، أبعد كيلو عن المسجد . الشيخ : أنا معذور في إيش ؟ السائل : في الصلاة . الشيخ : في بيته يعني ، إي نعم ، إذا كان يسمع النداء فإنه يجب عليه الحضور ، لكن مهو النداء في المكروفونات ، المكروفونات تذهب بعيدا ، لكن لو قدر أنه يؤذن بدون مكروفون وهو يسمعه فلا بد أن يحضر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( هل تسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : فأجب ) .
شرح حديث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم. والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام ). متفق عليه. وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ). رواه أبو داود، والترمذي. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل: (( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر )) ). الآية. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب فضل المشي إلى المساجد : " عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصليها ثم ينام ) متفق عليه . وعن بريدة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بشِّروا المشائين في الظُلَمِ إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ) رواه أبو داود، والترمذي . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل : (( إنما يعمر مساجد الله مَن آمن بالله واليوم الآخر )) ) الآية ، رواه الترمذي وقال : حديث حسن " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه بقية الأحاديث في فضل المشي إلى المساجد ، فذكر الحديث الأول : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشىً فأبعدهم ) : وذلك لما سبق من أن الإنسان إذا تطهر في بيته وخرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ، ولا تزال الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ، فإذا كان بيتك بعيدًا عن المسجد ولم يمنعك البعد من حضور الجماعة فإنك أعظم أجرًا من القريب ، لأن القريب ليس له عذر قريب يسهل عليه الوصول إلى المسجد ، والبعيد قد يكون له شيء من العذر لبعده ، ومع ذلك يتجشم البعد ويحضر إلى المسجد ويصلي مع الجماعة ، فكان هذا أفضل ، ثم ذكر : ( أن الذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أفضل من الذي يصلي ثم ينام ) : وهذا في صلاة العشاء ، فإن المشروع في صلاة العشاء أن تؤخر إلى ثلث الليل ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( صلى ذات يوم وقد مضى عامة الليل ، صلى العشاء وقال : إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) : فهذا الذي صلى وحده ونام ، لأنه يشق عليه أن ينتظر صلاة الجماعة لكونهم يؤخرونها نقول : إذا انتظرت وصليت مع الجماعة فهو أفضل ، وأما إذا كان الإمام يصلي على العادة ، فإنه لا يجوز للإنسان أن يصلي ثم ينام ، لأن صلاة الجماعة واجبة ، حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ) . ثم ذكر الحديث الذي أخرجه الترمذي قال : ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ) : وهذا الحديث ضعيف ، لكن لا شك أن الذي يذهب إلى المسجد في أيام الظلم فإنه يحصل له جزاء من جنس العمل ، يعني كما تجشم الظلم وأتى إلى المساجد فإنه يكتب له النور يوم القيامة ، وأضعف منه الحديث الذي بعده : ( إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان فإن الله يقول : (( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله )) ) : هذا أيضا ضعيف لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . لكنه يكفي في فضل المشي إلى المساجد ما سبق من الأحاديث الصحيحة الواضحة ، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في العمل والموافقة لما يرضاه جل وعلا .
باب فضل انتظار الصلاة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ). متفق عليه. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ). رواه البخاري. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه بعد ما صلى فقال: ( صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها ). رواه البخاري.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل انتظار الصلاة : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يزال أحدُكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ) متفق عليه . وعنه رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يُحدِث، تقول : اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ) رواه البخاري . وعن أنس رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه بعد ما صلى فقال : صلى الناس ورقدوا ، ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها ) رواه البخاري " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث في بيان فضل انتظار الصلاة سواء كان ذلك بعد صلاة سابقة أو تقدم الإنسان إلى المسجد ينتظر الصلاة ، فقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذه الأحاديث أن الإنسان ما دام ينتظر الصلاة فإنه في صلاة ، وبين أيضًا أن الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يُحدِث تقول : ( اللهم صل عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ) وقوله : ( ما لم يحدث ) قيل : ما لم يحدث حدثا في الإسلام ، يعني ما لم يعص ويأتي معصية ، وقيل : ما لم يُحدث حدثا ينقض الوضوء ، لأنه إذا أحدث حدثا ينقض الوضوء فإن الحدث يبطل الصلاة فيمنع أن يكون في صلاة ، وأيا كان ففيه دليل على فضيلة انتظار الصلاة بعد الصلاة ، وعلى فضيلة انتظار الصلاة وإن لم يكن بعد الصلاة ، فيؤخذ من هذا أنه ينبغي للإنسان أن يتقدم إلى المسجد . ثم ذكر قصة تأخير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل : يعني أنه لم ينته منها حتى انتصف الليل ، والصحابة ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرف من صلاته قال : ( إن الناس صلوا وناموا وإنكم لا تزالون في صلاة ما انتظرتم الصلاة ) : فكان من وقت العشاء إلى نصف الليل : يعني إلى أن صلى النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في انتظاره ولا يزالون في صلاة ما انتظروا الصلاة . وفي هذا الحديث دليل على أن الأفضل تأخير صلاة العشاء وهو كذلك ، إلا إذا كان يشق على الناس أو على بعضهم فالأفضل أن يقدم ، أما إذا كان لا يشق فالأفضل أن يُؤخِر . وعلى هذا فإذا كانوا جماعة في سفر أو في غير سفر أو في بلد لا تقام فيها الجماعات ، فإن الأفضل أن يؤخروا الصلاة إلى قريب منتصف الليل ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن هذا لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) ، ( وكان صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر ) ، والله الموفق .
باب فضل صلاة الجماعة. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ). متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث، تقول: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه. ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ). متفق عليه. وهذا لفظ البخاري.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل صلاة الجماعة : عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ) متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الرجل في جماعة تُضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضِعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة، وحُطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، ما لم يحدث، تقول : اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري " . الشيخ :" باب فضل صلاة الجماعة " : يريد بذلك -رحمه الله- بيان فضل الصلاة مع الجماعة ، وقد اتفق العلماء على أن صلاة الجماعة من أفضل العبادات وأجل الطاعات ، لكن اختلفوا هل هي سنة أو واجب أو شرط لصحة الصلاة ؟ على أقوال ثلاثة : القول الأول : أنها سنة ، إن قام بها الإنسان أثيب على ذلك ، وإن تركها فلا إثم عليه . والقول الثاني : أنها واجبة ، يجب على الإنسان أن يصلي مع الجماعة ، فإن لم يفعل فهو آثم وصلاته صحيحة . والقول الثالث : أن الجماعة شرط لصحة الصلاة ، وأنه إذا لم يصل مع الجماعة فصلاته باطلة ولا تقبل منه ، وهذا الأخير اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ، ورواية عن الإمام أحمد : " أن الإنسان إذا صلى وحده بدون عذر شرعي فإن صلاته لا تقبل " ، كالذي يصلي بغير وضوء ، وعللوا ذلك بأن صلاة الجماعة واجبة ، والقاعدة : " أن من ترك واجبا في الصلاة بطلت صلاته " . لكن القول الراجح : أنها واجبة يأثم الإنسان بتركها ولكنه إذا صلى وحده قبلت صلاته ، فليست شرطا لصحة الصلاة ، ويدل لهذا حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ) : ووجه الدلالة أنه لو كانت صلاة المنفرد لا ثواب فيها ، ما صحت المفاضلة ، ولكن يأثم الإنسان الذي لا يصلي مع الجماعة . وأما حديث أبي هريرة فبيَّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المرء في بيته وسوقه، تفضل على ذلك بخمس وعشرين ضِعفًا ، ولا منافاة بين الحديثين ، بل يؤخذ بالزائد لأن فضل الله واسع ، ثم بين ذلك ، قال : ( وذلك أنه إذا توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ) يعني أتمه ، ( ثم خرج من بيته إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة إلا رُفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة ) : الخُطوة الواحدة فيها فائدتان : الأولى : أنه يرفع له بها درجة . والثانية : أنه يحط عنه بها خطيئة . فإذا صلى يعني دخل المسجد وصلى : ( لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه تقول : اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث ، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ) : وهذا أجر عظيم وفضل كبير لا ينبغي للرجل المؤمن العاقل أن يُفرط فيه ، لو أنه قيل لك : إن سلعتك إذا بعتها في بلدك بعتها بمائة ، وإذا بعتها في بلد آخر تناله بالسفر إليه تبيعها بمائة وعشرة لسافرت إلى ذلك من أجل عشرة بالمائة ، ولم يشق عليك السفر ، وكثير من الناس والعياذ بالله حُرموا الخير ، تجدهم قريبين من المسجد يتركون هذا الفضل العظيم ، وهذا المكسب العظيم ، الواحد بسبع وعشرين ، يعني أضعاف أضعاف ، ومع ذلك لا يذهب إلى المسجد -نسأل الله العافية- ، وربح الدنيا مع قلته يسعى إليه ويهتم به مع أنه زائل ، فإن كلَّ ما في الدنيا من نعيم فإما زائل عنك وإما أنت زائل عنه ولا بد ، ما في إقامة دائمة ، النعيم في الدنيا إما أن يزول أو تزول عنه ، ونعيم الآخرة باقي ومع ذلك يوجد بعض الناس يفرط فيه ولا يهتم به ، وفضل الله تعالى يؤتيه من يشاء ، نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته .
شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته؛ فرخص له، فلما ولى دعاه فقال له: ( هل تسمع النداء بالصلاة ؟ ) قال: نعم، قال: ( فأجب ). رواه مسلم.
وعن عبد الله ابن أم مكتوم المؤذن رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ فحيهلا ). رواه أبو داود بإسناد حسن. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم ). متفق عليه.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب فضل صلاة الجماعة : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمى، فقال : يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال له : هل تسمع النداءَ بالصلاة ؟ قال : نعم، قال : فأجب ) رواه مسلم . وعن عبد الله ابن أم مكتوم المؤذن رضي الله عنه أنه قال : ( يا رسول الله ! إن المدينة كثيرة الهوام والسباع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسمع حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، فحيَّهلا ) رواه أبو داود بإسناد حسن . وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده ، لقد هممتُ أن آمر بحطب فيُحتَطَب ، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذه الأحاديث الثلاثة في بيان وجوب صلاة الجماعة ، وأن تكون في المسجد : فمنها حديث أبي هريرة الأخير أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقسم : وهو الصادق البار بدون قسم صلوات الله وسلامه عليه ، ( أقسم أنه هَمَّ أن يأمر بالصلاة فتقام ، ثم يأمر رجلا فيصلي بالناس ثم ينطلق بحزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار ) : وهذا يدل على وجوب صلاة الجماعة ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يهُمُّ هذا الهم إلا لترك أمر واجب ، ولا يخبر الناس بذلك إلا ليحذرهم من تركه ومخالفته ، وإلا لم يكن هناك فائدة ، وكونه عليه الصلاة والسلام همَّ أن يعاقبهم هذه العقوبة دليل على تأكد الجماعة ، وأنها أمر مهم ، وقد روي بسند ضعيف أنه قال : ( لولا ما فيها من النساء والذرية ) : لكنَّ هذا ضعيف ، ولكن يكفي أن يكون همَّ بذلك وأخبر الأمة به . ثم من الذي تجب عليه الجماعة ؟ هو الذي يستطيع أن يصل إليها وهو يسمع النداء ، يعني الذي يسمع النداء ويستطيع أن يحضر هو الذي تجب عليه الجماعة ، ولهذا استفتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل قال : ( يا رسول االله إنني رجل أعمى وليس لي قائد يقودني إلى المسجد ) : يريد أن يرخص له النبي عليه الصلاة والسلام ، ( فرخص له فلما أدبر ناداه قال : هل تسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : فأجب ) : فدل ذلك على وجوب صلاة الجماعة على الأعمى ، وأن العمى ليس عذرًا في ترك الجماعة . ودل ذلك أيضا على أنها تجب في المسجد ، وأنه ليس المقصود الجماعة فقط بل المقصود بالجماعة وأن تكون في المسجد .