تتمة تفسير قول الله تعالى: (( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهييء لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال )).
الشيخ : وإنما قلبهم الله تعالى لأنهم لو بقوا هذه المدة الطويلة على جنب واحد لفسد الدم ولم يتحرك، لكن يقلبون ذات اليمين وذات الشمال إذا رآهم الإنسان حسبهم أيقاظًا، يعني ليس على وجوههم وجه النائم اللي يراهم يقول هذول أيقاظ وهم رقود نائمون، وألقى الله عليهم المهابة العظيمة (( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا )) سبحان الله لوليت منهم فرارًا ببدنك ولملئت رعبًا بقلبك، القلب يفزع والبدن يهرب لوليت منهم فرارًا لئلا يحوم أحد حولهم فيوقظهم، ولكن الله عز وجل أكرمهم بهذا وكرامات أصحاب الكهف كثيرة نقتصر منها على هذا ونذكر إن شاء الله الباقي في درس آخر، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أوليائه المكرمين. القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال رحمه الله تعالى: " باب كرامات الأولياء وفضلهم، قال الله تعالى: (( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهييء لكم من أمركم مرفقًا * وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه )) الآية ". الشيخ : ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب كرامات الأولياء وفضلهم عدة آيات تشتمل على كرامات للأولياء ومنها قصة أصحاب الكهف، وكانوا فتية آمنوا بالله واعتزلوا قومهم وخرجوا من بلدهم فهيأ الله لهم كهفًا يعني غارًا واسعًا في الجبل فدخلوا فيه، فألقى الله عليهم النوم فناموا ثلاثمئة سنة وتسع سنين وهم نيام لم يحتاجوا إلى أكل ولا شرب ولم تتأثر أبدانهم، وكان الله تعالى يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، وهذا من كرامات الله لهم أن الله تعالى هيأ لهم مقرًّا آمنا حتى إن الله يقول: (( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا )) ما أحد يحوم حولهم ومن كرامات الله لهم أنهم بقوا هذه المدة ثلاثمئة سنة وتسع سنين ولم يتغير منهم ظفر ولا شعر ولا غيره، مع أن العادة أن الأظفار تطول والشعور تطول لكن هؤلاء لم تطل أظفارهم ولا شعورهم وبقوا كأنما ناموا بالأمس: ولهذا قال الله تعالى: (( وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم )) في هذا النوم (( قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم )) لأنه لم يتغير منهم شيء، وأما ما ذكر بعض الناس أنهم طالت أظفارهم وشعورهم فهذا خطأ، لأنه لو كانوا كذلك لعرفوا أنهم بقوا مدة طويلة ولكنهم لم يتغيروا، ومن كرامات الله لهم أن الله أبقاهم على هذه النومة حتى أبدل الله ملكهم الظالم بملك صالح، لما استيقظوا بعثوا واحدًا منهم إلى البلدة يأتي بطعام لهم، وكان معهم نقود سابقة من النقود التي لها ثلاثمئة سنة وتسع سنين، فلما جاؤوا يشترون من البلدة ودفعوا النقود تعجب أهل البلدة من أين هذه النقود؟ حتى أطلع الله الناس عليهم فهذا من كرامات الله لهم، ويحسن أن تجمع هذه الآيات وغيرها وتتأمل ويستخرج ما فيها من الكرامات الدالة على قدرة الله عز وجل وعلى أنه تبارك وتعالى أكرم من خلقه إذا تعبد الإنسان له بما يرضى أعطاه الله تعالى ما يرضى، والله الموفق.
تفسير قول الله تعالى: (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم )).
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب كرامات الأولياء وفضلهم، قال الله تعالى: (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم )) ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين: " باب كرامات الأولياء وفضلهم " ثم صدّر المؤلف هذا الباب بهذه الآية: (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون )) وتقدم الكلام على أولها وأن الله تعالى بيّن أن أولياءه هم المؤمنون المتقون (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون )) وقد أخذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من هذه الآية عبارة قال فيها: " من كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا " فيقول الله عز وجل إن هؤلاء الأولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لا خوف عليهم فيما يستقبل من أمرهم ولا هم يحزنون على ما مضى من أمرهم، لأنهم أدركوا معنى الحياة الدنيا فعملوا عملًا صالحًا وآمنوا بالله واتقوا وآمنوا بالله واتقوا فصاروا من أوليائه، ثم قال: (( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة )) البشرى يعني البشارة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والبشارة في الحياة الدنيا أنواع فمنها الرؤية الصالحة يراها المؤمن أو ترى له يعني يرى في المنام ما يسره أو يرى له أحد من أهل الصلاح ما يسره، مثل أن يرى أنه يبشر بالجنة أو يرى أحد من الناس أنه من أهل الجنة أو ما أشبه ذلك، أو يرى على هيئة صالحة المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرؤية الصالحة يراها الرجل أو ترى له قال: ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) ومنها أن الإنسان يسر بالطاعة ويفرح بها وتكون قرة عينه، فإن هذا يدل على أنه من أولياء الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ) فإذا رأيت من نفسك أن صدرك ينشرح بالطاعة وأنه يضيق بالمعصية فهذه بشرى بشرى لك أنك من عباد الله المؤمنين وأوليائه المتقين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) ومن ذلك أيضًا أن أهل الخير يثنون عليه ويحبونه ويذكرونه بالخير، فإذا رأيت أن أهل الخير يحبونك ويثنون عليك بالخير هذه بشرى للإنسان أنه يثنى عليه من أهل الخير ولا عبرة بثناء أهل الشر أو قدحهم لأنهم لا ميزان لهم ولا تقبل شهادتهم عند الله، لكن أهل الخير إذا رأيت أنهم يثنون عليك وأنهم يذكرونك بالخير ويقربون منك ويتجهون إليك فهذه بشرى من الله لك، ومنها من البشرى في الحياة الدنيا ما يبشر به العبد عند فراق الدنيا حيث تتنزل عليهم الملائكة (( ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أوليائكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلًا من غفور رحيم )) ومن البشارة أيضًا أن الإنسان يبشر عند موته بشارة أخرى فيقال لنفسه اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي إلى رحمة من الله ورضوان فتفرح وتسر، ومن ذلك أيضًا البشارة في القبر فإن الإنسان إذا سئل عن ربه ودينه ونبيه وأجاب بالحق نادى منادٍ من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة، ومنها أيضًا البشارة في الحشر تتلقاهم الملائكة (( هذا يومكم الذي كنتم توعدون )) و (( أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون )) فالمهم أن أولياء الله لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم (( لا تبديل لكلمات الله ذلك الفوز العظيم )) يعني لا أحد يبدل كلمات الله، لا أحد يبدل كلمات الله تعالى أما الكونية فلا يستطيع أحد أن يبدلها وأما الشرعية فقد يحرّف أهل الباطل كما فعل اليهود والنصارى في كتبهم حرفوها وبدلوها وغيروها وأما الكلمات الكونية فلا أحد يبدلها (( لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم )) والله الموفق.
شرح حديث عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس أو كما قال، وأن أبا بكر رضي الله عنه جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك ؟ قال: أو ما عشيتهم ؟ قالت: أبو حتى تجيء وقد عرضوا عليهم قال: فذهبت أنا، فاختبأت، فقال: يا غنثر، فجدع وسب، وقال: كلوا لا هنيئا، والله لا أطعمه أبدا، قال: وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا ؟ قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات ! فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان، يعني يمينه. ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده. وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل، فتفرقنا اثني عشر رجلا، مع كل رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون. وفي رواية: فحلف أبو بكر لا يطعمه، فحلفت المرأة لا تطعمه، فحلف الضيف - أو الأضياف - أن لا يطعمه، أو يطعموه حتى يطعمه، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان ! فدعا بالطعام، فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقرة عيني إنها الآن لأكثر منها قبل أن نأكل، فأكلوا، وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أكل منها. وفي رواية: أن أبا بكر قال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، فانطلق عبد الرحمن، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا؛ فقالوا: أين رب منزلنا ؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا، لنلقين منه, فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم ؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمن فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكت، فقال: يا غثر, أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت ! فخرجت، فقلت: سل أضيافك، فقالوا: صدق، أتانا به. فقال: إنما انتظرتموني, والله لا أطعمه الليلة، فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى تطعمه، فقال: ويلكم, ما لكم لا تقبلون عنا قراكم ؟ هات طعامك، فجاء به، فوضع يده، فقال: بسم الله. الأولى من الشيطان، فأكل وأكلوا. متفق عليه.
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب كرامات الأولياء وفضلهم، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ( أن أصحاب الصفة كانوا أناسًا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس -أو كما قال- وأن أبا بكر رضي الله عنه جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله قالت امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أو عشيتهم، قالت: أبو حتى تجيء وقد عرضوا عليهم، قال: فذهبت أنا فاختبأت، فقال: يا غنثر فجدع وسب، وقال: كلوا هنيئًا والله لا أطعمه أبدًا، قال: وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات، فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه، ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عهد فمضى الأجل فتفرقنا اثني عشر رجلًا، مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون ) وفي رواية: ( فحلف أبو بكر لا يطعمه فحلفت المرأة لا تطعمه فحلف الضيف أو الأضياف أن لا يطعمه أو يطعموه حتى يطعمه، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان فدعا بالطعام فأكل وأكلوا فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس ما هذا؟ فقالت وقرة عيني إنها الآن أكثر منها قبل أن نأكل فأكلوا وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه أكل منها ) وفي رواية: ( أن أبا بكر قال لعبد الرحمن: دونك أضيافك فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا، فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه فأبوا فعرفت أنه يجد علي فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم؟ فأخبروه، فقال: يا عبدالرحمن فسكت، ثم قال: يا عبدالرحمن فسكت، فقال: يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت فخرجت فقلت: سل أضيافك، فقالوا: صدق أتانا به، فقال: إنما انتظرتموني والله لا أطعمه الليلة، فقال: الآخرون والله لا نطعمه حتى تطعمه فقال ويلكم ما لكم لا تقبلون عنا قراكم هات طعامك فجاء به فوضع يده فقال: بسم الله، الأولى من الشيطان فأكل وأكلوا ) متفق عليه ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه القصة في باب كرامات الأولياء التي رواها أنس عما حصل من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك أن قومًا من المهاجرين كانوا يأتون إلى المدينة وهم فقراء ليس عليهم إلا ثيابهم وليس عندهم شيء، وكان في المسجد صفة يأوون إليها ثم ييسر الله لهم من يحملهم معه إلى بيته ويطعمهم، وفي ذات ليلة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس ) وهكذا أي أمر أصحابه أن يحملوا معهم أصحاب الصفة ليطعموهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكرم الناس ذهب بعشرة عليه الصلاة والسلام وذهب أبو بكر بأربعة وذهب الناس بعضهم بثلاثة وبعضهم بأربعة حسب حالهم، أبو بكر رضي الله عنه ذهب بأضيافه إلى بيته وأوصى ابنه عبد الرحمن أن يقوم بضيافتهم وانطلق هو إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنه رضي الله عنه كان أشد الناس لصوقًا بالرسول صلى الله عليه وسلم يكون معه دائمًا، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتعشى عنده ثم رجع إلى أهله وقد مضى شيء من الليل فسألهم أطعمتم أضيافكم، قالوا: لا، فظن أنهم هم الذين تأخروا عن أضيافهم حتى يأتي أبو بكر فجعل يسب ويجدّع يعني معناه أنه اشتد في سبهم، ونادى ابنه عبد الرحمن يا عبدالرحمن فلم يجبه خوفًا منه لأنه رضي الله عنه كان شديدًا على أهله في تأديبهم، فلم يجبه خوفًا من أن يتكلم عليه أو أن يضربه أو ما أشبه ذلك، حتى أقسم عليه أنه إذا كان يسمعه فليجبه فأجابه فقال له لماذا أخرتم ضيافة القوم؟ قالوا: اسأل أضيافك فسألهم، قالوا: نعم هم عرضوا علينا الضيافة ولكننا أبينا حتى تأتي فأقسم رضي الله عنه ألا يأكل قال " والله ما آكل " يعني أنكم تأخرتم من أجلي إذن أنا لا آكل فأقسم ألا يأكل فأقسم الأضياف ألا يأكلوا إكرامًا له، فصار عندنا الآن قَسَمان قَسَم أبي بكر رضي الله عنه ألا يأكل وقَسَم الأضياف ألا يأكلوا فأيهما أولى أن يبر بقسم أبي بكر ولا يأكل الأضياف أو بقسم الأضياف ويأكلون؟ الثاني أولى فقال رضي الله عنه إنما ذلك من الشيطان يعني كونه يحلف ألا يأكل هذا من الشيطان، ثم أكل وأكل الأضياف لكن الكرامة التي حصلت أن الواحد منهم إذا أخذ لقمة من الإناء ارتفع الإناء صار بدل اللقمة أكثر منها في نفس الإناء، من أين جاء هذا؟ من الله عز وجل كرامة لأبي بكر رضي الله عنه وهو أفضل أولياء هذه الأمة على الإطلاق لأنه خير هذه الأمة، ثم انتهوا فبقي في الإناء أكثر مما كان فيه من قبل فأخذه أبو بكر وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إليه أقوامًا فأكلوا، وإنما حمله أبو بكر ليريه النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان هذا الأمر من عند الله عز وجل الذي بيده ملكوت كل شيء وإذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، الشاهد من هذا الحديث هذه الكرامة لولي من أولياء الله وهو أبو بكر رضي الله عنه ونحن نشهد أنه ولي من أولياء الله وأنه أفضل أولياء الله على الإطلاق ما عدا النبيين والمرسلين، لأنه هو رضي الله عنه من الصديقين في المرتبة الثانية من صالح الأمم، قال الله تعالى: (( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين )) فهو رضي الله عنه أفضل الصديقين منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة، وهو من أولياء الله وهذه من كراماته رضي الله عنه وفي الحديث فوائد كثيرة نأتي إن شاء الله إلى بعضها في الدرس القادم، والله الموفق.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب كرامات الأولياء وفضلهم: " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ) رواه البخاري، ورواه مسلم من رواية عائشة وفي روايتهما قال ابن وهب: ( محدثون ) ".
تتمة شرح حديث عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس أو كما قال، وأن أبا بكر رضي الله عنه جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك ؟ قال: أو ما عشيتهم ؟ قالت: أبوا حتى تجيء وقد عرضوا عليهم قال: فذهبت أنا، فاختبأت، فقال: يا غنثر، فجدع وسب، وقال: كلوا لا هنيئا، والله لا أطعمه أبدا، قال: وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا ؟ قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات ! فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان، يعني يمينه. ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده. وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل، فتفرقنا اثني عشر رجلا، مع كل رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون.
وفي رواية: فحلف أبو بكر لا يطعمه، فحلفت المرأة لا تطعمه، فحلف الضيف - أو الأضياف - أن لا يطعمه، أو يطعموه حتى يطعمه، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان ! فدعا بالطعام، فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقرة عيني إنها الآن لأكثر منها قبل أن نأكل، فأكلوا، وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أكل منها.
وفي رواية: أن أبا بكر قال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، فانطلق عبد الرحمن، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا؛ فقالوا: أين رب منزلنا ؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا، لنلقين منه, فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم ؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمن, فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكت، فقال: يا غثر, أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت ! فخرجت، فقلت: سل أضيافك، فقالوا: صدق، أتانا به. فقال: إنما انتظرتموني, والله لا أطعمه الليلة، فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى تطعمه، فقال: ويلكم, ما لكم لا تقبلون عنا قراكم ؟ هات طعامك، فجاء به، فوضع يده، فقال: بسم الله. الأولى من الشيطان، فأكل وأكلوا. متفق عليه.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . سبق لنا أن المؤلف رحمه الله ساق قصة أبي بكر مع أضيافه وما فيها من كرامة، وأن أبا بكر رضي الله عنه لما قدم الطعام ليأكله هو وأضيافه صار كل واحد لا يأخذ لقمة إلا ربا الطعام من تحت الذي أخذ حتى انصرفوا، وكان الذي في الجفنة أكثر مما كان فيها من قبل، ووعدنا أننا نتكلم على ما تيسر من فوائده، ذكرنا في الأمس أن فيه دليلًا على فضيلة أبي بكر ضي الله عنه وأنه من أولياء الله، وذكرنا أن أبا بكر هو أفضل أولياء الله بعد النبيين لأن أبا بكر من الصديقين الذين هم في المرتبة الثانية من أصناف الذين أنعم الله عليهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، ومن فوائده أن الإنسان إذا غضب بسبب يقتضي الغضب فإنه لا يلام عليه، لأن أبا بكر غضب رضي الله عنه فسب وجدّع حتى إن ابنه عبد الرحمن اختفى منه خوفًا منه، وجعل يناديه ويقول: " يا غنثر " والغنثر الغبي الجاهل، فهذا دليل على أن الإنسان إذا غضب لسبب يقتضي الغضب فإنه لا يلام عليه ولا يخدش من فضله ولا من مرتبته، وفيه أيضًا أنه لا بأس أن الإنسان يصف ابنه أو من له ولاية عليه بالغباوة والجهل إذا فعل فعلًا يقتضي أنه غبي جاهل، وفيه أن من عادة الناس حتى في العهد القديم أن الضيف والمضيف يحصل منهما الحلف والأيمان والله أن تأكل والله ما أكل والله تدخل والله ما أدخل ولكنهم يحلفون بالله يحلفون بالله، أما ما يفعله كثير من الجهلة اليوم يحلفون بالطلاق فهذا غلط كثير من البادية إذا نزل به ضيف وخاف الضيف أن صاحب البيت يذبح له ذبيحة قال ترى عليّ الطلاق وعلي الحرام وامرأتي كأمي والعياذ بالله، إن ذبحت لي ذبيحة هذا حرام ما يجوز ( من كان حالفًا فليحلف بمن بالله أو ليصمت ) فهذا لا يجوز أما الحلف بالله فهذا قد جرت به العادة قديمًا، وهو من عادات العرب وشيمهم ومع هذا فالأفضل أنك إذا حلفت على إنسان أن تقرنها بكلمة إن شاء الله، تقول: والله إن شاء الله لأنك إذا قلت والله إن شاء الله استفدت فائدتين عظيمتين، الفائدة الأولى: أن الله ييسر لك الأمر، والفائدة الثانية: أنه إذا لم يتيسر لم يكن عليك كفارة، فاقرن يمينك دائمًا بقول إن شاء الله حتى تسلم من الحنث وحتى ييسر لك الأمر، ألم يأتكم نبأ سليمان عليه الصلاة والسلام سليمان نبي الله قال يومًا من الأيام قال: ( والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله ) يعني يجامع تسعين امرأة كل امرأة تلد غلامًا يقاتل في سبيل الله، شف الأنبياء حبهم للقتال تمنى أن الله يرزقه هذا العدد الكبير من الأولاد ليقاتلوا في سبيل الله ما قالوا ليعينوني على التجارة على الحراثة على الدنيا لا يقاتلون في سبيل الله، فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله، لأنه جازم عازم لكن (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله )) جامع تسعين امرأة في تلك الليلة وقد أعطاه الله قوة، فما الذي حصل؟ ولدت واحدة منهن نصف إنسان مشلوب سبحان الله العظيم آية من آيات الله ليريه الله عز وجل أن الأمر بيد الله عز وجل، قال نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه: ( لو قال إن شاء الله لم يحنث ولقاتلوا في سبيل الله ) شف يعني لو قال إن شاء الله سهل الأمر حصل، والنبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه قريش قالوا خبرنا عن قوم كانوا في الزمن الأول خرجوا من بلادهم وكانوا في غار أو قالوا: حدثنا عن ذي القرنين، قال: ( غدًا أحدثكم ) والنبي عليه الصلاة والسلام ما يعلم عن قصتهم ولا يدري لأنه لا أدركها ولا هناك تواريخ موثوقة قال: ( غدًا أخبركم ) جاء الغد ما نزل عليه الوحي لأن الرسول ظن أن الوحي يبي ينزل بالليل ما نزل الوحي اليوم الثاني ما نزل الثالث الرابع الخامس بقي خمسة عشر يوم ما نزل عليه الوحي، وهذا سيكون شديدًا على الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه وعد قريش أعداؤه إنه بيخبرهم في الغد ولم يخبرهم فأنزل الله القصة وقيل له: (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله )) فالأمر بيد الله لهذا نقول إذا أردت أن تحنث أي حنث على نفسك على أولادك على ضيفك على أي إنسان اقرن ذلك بكلمة إن شاء الله لتحصل على هاتين الفائدتين، وهما إيش؟ التيسيير أن الله ييسر الأمر ويعطيك ما حلفت عليه، والثاني: أنه لو أخلفت الأمور فإنه لا كفارة عليك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ). رواه البخاري، ورواه مسلم من رواية عائشة، وفي روايتهما قال ابن وهب: محدثون أي: ملهمون.
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب كرامات الأولياء وفضلهم: " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ) رواه البخاري ".
تتمة شرح حديث عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس أو كما قال، وأن أبا بكر رضي الله عنه جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، وأن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك ؟ قال: أو ما عشيتهم ؟ قالت: أبوا حتى تجيء وقد عرضوا عليهم قال: فذهبت أنا، فاختبأت، فقال: يا غنثر، فجدع وسب، وقال: كلوا لا هنيئا، والله لا أطعمه أبدا، قال: وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا ؟ قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات ! فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان، يعني يمينه. ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده. وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل، فتفرقنا اثني عشر رجلا، مع كل رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون.
وفي رواية: فحلف أبو بكر لا يطعمه، فحلفت المرأة لا تطعمه، فحلف الضيف - أو الأضياف - أن لا يطعمه، أو يطعموه حتى يطعمه، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان ! فدعا بالطعام، فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقرة عيني إنها الآن لأكثر منها قبل أن نأكل، فأكلوا، وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أكل منها.
وفي رواية: أن أبا بكر قال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، فانطلق عبد الرحمن، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا؛ فقالوا: أين رب منزلنا ؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا، لنلقين منه, فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم ؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمن, فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكت، فقال: يا غثر, أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت ! فخرجت، فقلت: سل أضيافك، فقالوا: صدق، أتانا به. فقال: إنما انتظرتموني, والله لا أطعمه الليلة، فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى تطعمه، فقال: ويلكم, ما لكم لا تقبلون عنا قراكم ؟ هات طعامك، فجاء به، فوضع يده، فقال: بسم الله. الأولى من الشيطان، فأكل وأكلوا. متفق عليه.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . نريد أن نكمل الكلام على حديث أبي بكر رضي الله عنه السابق مع أضيافه ذكرنا أنه رضي الله عنه أقسم ألا يأكل ثم أقسم الأضياف ألا يأكلوا فلما رآهم أقسموا أكل، ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا حلف على شيء ورأى غيره خيرًا منه فإنه يكفر عن يمينه ويفعل ما هو خير، وهذا قد دل عليه الحديث صريحًا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ( إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ) أو قال: ( إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ) فإذا حلفت ألا تكلم فلانًا مثلًا فالأفضل أن تحنث تكفر عن يمينك وتكلمه، وإذا صار بينك وبينه شيء فقلت والله ما أطب عليه البيت ولا أزوره قلنا له زره وكفر عن يمينك ما لم يكن في ذلك إثم، وكذلك إذا حلف الإنسان على ولده إن فعل شيئًا ألا أكلمك ففعل الولد شيئًا فليكلمه وليكفر عن يمينه، المهم أنك إذا حلفت على شيء ثم رأيت أن الخير في عدم وفائك باليمين فلا تفي بيمينك وكفّر عنها، ومن فوائده من فوائد الحديث أن الإنسان إذا حلف على شخص يريد إكرامه ثم لم يفعل فإنه لا كفارة عليه، لأن أبا بكر رضي الله عنه لم يكفّر عن يمينه يعني لم ينقل أنه كفّر هكذا استدل بعض العلماء بهذا الحديث، لكنه استدلال ضعيف لأن حديث أبي بكر هذا ليس فيه أنه كفّر ولا أنه لم يكفّر فهو إذن محتمل أن يكون كفّر ولم يذكر ومحتمل أن يكون لم يكفّر، لكن عندنا نصوص بينة واضحة على أن من حنث في يمينه فعليه الكفارة سواء كان الحنث من فعله أو من فعل غيره، وعلى هذا فنقول إذا حلفت على شخص إكرامًا له ولم يفعل فعليك الكفارة، مثال ذلك: وقفت أنت وشخص عند الباب في دعوة دعاكما إليها صاحب البيت ففتح الباب فقال لك ادخل قلت والله ما أدخل والله أن تدخل أنت قال لا أدخل فهنا نقول إذا دخلت فإنك تكفر عن يمينك، وإن كان حلفك من أجل الإكرام لكنك حنثت فإذا حنثت في يمينك فعليك الكفارة سواء كان ذلك إكرامًا أو حنثًا أو غير ذلك، فإذا قال قائل أبو بكر رضي الله عنه هو الذي حلف أولًا وكان على الضيوف أن يبروا بيمينه ولكنهم حلفوا، فإذا تحالف اثنان أحدهما يقول كذا والثاني يقول كذا فأيهما أولى؟ قلنا الأولى أن يكون الذي حلف الأول هو الذي تبر يمينه لأنه أسبق، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم فعلى هذا فيكون الثاني هو الذي حصل منه نوع الخطأ، فإذا قلت والله لتفعلن كذا فقلت أنت والله لا أفعله، فأيهما الذي يقتضي يمينه الأول أو الثاني الأول لأنه هو الذي حلف أولًا، لكن أبا بكر رضي الله عنه من تواضعه أكل من أجل إكرام الضيوف، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه من الفوائد أن الإنسان ينبغي له أن يكرم الضيف بل إكرام الضيف من تمام الإيمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) وحق الضيافة الواجب يوم وليلة وثلاثة أيام سنة وما زاد على ذلك فهو أمر مباح، لكن الواجب يوم وليلة وقد قيّد بعض العلماء هذا فيما إذا كان البلد ليس فيها مطاعم، أما إذا كان فيها مطاعم فلا يجب عليك تقول له اذهب إلى المطعم لكن تعينه بما تيسر من الفلوس، والصحيح في هذه المسألة أن الناس يختلفون من الناس أي من الضيوف من يرى أن ذهابه إلى المطعم فيه إهانة فهذا لابد أن تضيفه في بيتك، ومنهم من الأمر عنده سواء فهنا لا حرج عليك أن تقول يا أخي هذه دراهم اذهب إلى المطعم الفلاني، كذلك أيضًا إذا كانت البلد فيها فنادق فإنه في هذه الحال لو قيل بأنه لا يجب كما قاله بعض أهل العلم لكان له وجه، لأن الفندق يأتي إليه الشريف والوضيع وكل أحد، لكن لا شك أن الإنسان إذا قصدك وأتى إلى بيتك وقال أنا ضيفك أن الأولى أن تضيفه إلا أن يكون عليك في ذلك ضرر أو تفويت مصالح أهم فلكل مقام مقال، والله الموفق.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب كرامات الأولياء وفضلهم: " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ) رواه البخاري، ورواه مسلم من رواية عائشة وفي روايتهما قال ابن وهب: " أي ملهمون " وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: ( شكا أهل الكوفة سعدًا يعني ابن أبي وقاص رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي فأرسل إليه فقال يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين، قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلًا أو رجالًا إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة فلم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياء وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن، وكان بعد ذلك إذا سئل يقول شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن ) متفق عليه ".
شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ). رواه البخاري، ورواه مسلم من رواية عائشة، وفي روايتهما قال ابن وهب: محدثون أي: ملهمون.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . سبق لنا ما يتعلق بقضية أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيما أكرمه الله به من الكرامة، ثم ثنى المؤلف رحمه الله بحديث أبي هريرة في كرامة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان فيما كان قبلكم محدثون ) يعني: ملهمون للصواب يقولون قولًا فيكون موافقًا للحق، وهذا من كرامة الله للعبد أن الإنسان إذا قال قولًا أو أفتى بفتوى أو حكم بحكم تبين له بعد ذلك أنه مطابق للحق، فعمر رضي الله عنه من أشد الناس توفيقًا للحق كما سيأتي إن شاء الله فيما سيذكره المؤلف من أمثلة لذلك، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( فإن يكن فيكم محدثون فعمر ) يعني: إن كان فيكم محدثون فعمر، ويحتمل قوله: ( إن يكن فيكم ) أنه خطاب لقوم مجتمعين ليس فيهم أبو بكر، ويحتمل أنه خطاب للأمة كلها ومن ضمنهم أبو بكر رضي الله عنه، فإن كان الأول فلا إشكال، وإن كان الثاني فقد يقول قائل: كيف يكون عمر ملهمًا وأبو بكر ليس كذلك، فيقال: إن أبا بكر رضي الله عنه يوفق للصواب بدون إلهام، بمعنى أنه رضي الله عنه من ذات نفسه بتوفيق الله عز وجل يوفق للصواب، ويدل على هذا عدة مسائل يعني يدل على أن أبا بكر أشد توفيقًا للصواب من عمر عدة مسائل أولًا في صلح الحديبية لما اشترطت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم شروطًا يبدو أنها ثقيلة عظيمة عمل عمر رضي الله عنه على إبطالها وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام يراجعه في ذلك ويقول.