تتمة شرح حديث عن أنس رضي الله عنه أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله. رواه البخاري من طرق؛ وفي بعضها أن الرجلين أسيد بن حضير؛ وعباد بن بشر رضي الله عنهما.
الشيخ : كان أبو حيان يمدح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وله في مدحه قصيدة عصماء منها قوله: " قام ابن تيمية في نصر شرعتنا *** مقام سيد تيم إذ عصت مضر " وسيد تيم هو أبو بكر رضي الله عنه، يعني: إنه قام في الإسلام في محنة الإسلام والبدع مقام أبي بكر في يوم الردة، ومدحه بقصيدة عصماء فلما قدم مصر جاء الناس إلى شيخ الإسلام ابن تيمية يستفيدون من علمه ويناقشونه وكان من بينهم أبو حيان فناقشه في مسألة نحوية، لأن أبا حيان بحر محيط في النحو ناقشه في مسألة نحوية فقال له شيخ الإسلام هذا غلط غلط ليس هذا من كلام العرب، فقال له: كيف؟ قال: نعم قال سيبويه إمام النحويين ذكر هذا في كتابه، فقال له شيخ الإسلام: " وهل سيبويه نبي النحوي يجب علينا أن نتبعه؟ لقد غلط سيبويه في كتابه في أكثر من ثمانين موضعًا لا تعلمه لا أنت ولا سيبويه " سبحان الله سيبويه عند النحويين مثل البخاري عند أهل الحديث، فتعجب أبو حيان كيف يقول هذا الكلام ثم إنه ذهب عنه فأنشأ فيه قصيدة يذمه والعياذ بالله، بالأمس يمدحه والآن يذمه، والمهم أني أقول إذا كان الله تعالى يعطي في الكرامات نورًا حسيًّا يستضيء به الإنسان كما حدث لهذين الصحابيين، فكذلك يعطي الله تعالى نورًا معنويًّا يقذفه في قلب العبد المؤمن، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء وأن يقذف في قلوبنا نورًا وهدى يستطيع الإنسان فيه أن يتكلم في شريعة الله وكأن النصوص بين عينيه، وهذه من نعمة الله على العبد نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين.
شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا سرية، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة، بين عسفان ومكة؛ ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه، لجؤوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم، فقالوا انزلوا، فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم أما أنا فلا أنزل على ذمة كافر: اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم؛ فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب، وزيد بن الدثنة ورجل آخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها. قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة، يريد القتلى، فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر؛ فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبا, وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله, ما كنت لأفعل ذلك ! قالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، فوالله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده, وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، وقال: فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة، وأخبر - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا من عظمائهم، فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا. رواه البخاري.
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب كرامات الأولياء وفضلهم: " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا سرية وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مئة رجل رام فاقتصوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا: انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم أما أنا فلا أنزل على ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى، فجروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبًا، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، قالت: والله ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب، فوالله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تبق منهم أحدًا، وقال: " فلست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع " وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرًا الصلاة، وأخبر يعني النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يأتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلًا من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا ) رواه البخاري ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . ساق المؤلف رحمه الله في باب كرامات الأولياء وفضلهم عدة أحاديث، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة عاصم بن ثابت الأنصاري وصحبه أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم عشرة عينًا سريّة، عينًا يعني مثل الجواسيس للعدو سرية يعني أخفاهم عليه الصلاة والسلام فلما وصلوا قرب مكة شعر بهم جماعة من هذيل فخرجوا إليهم في نحو مئة رجل، مئة رجل رامي يعني يجيدون الرمي فاتبعوا آثارهم حتى أحاطوا بهم، ثم طلبوا منهم أي هؤلاء الهذليون طلبوا منهم أن ينزلوا بأمان وأعطوهم عهدًا ألا يقتلوهم، فأما عاصم فقال والله لا أنزل على ذمة كافر أي على عهده، لأن الكافر قد خان الله عز وجل ومن خان الله خان عباد الله، ولهذا لما كتب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب كتب إليه أن عنده رجلًا نصرانيًّا جيدًا في المحاسبة وطلب من عمر أن يأذن له أن يوظف هذا النصراني على بيت المال لأنه رجل جيد في الحساب، فكتب إليه عمر أنني لا آمن من خان الله ورسوله، لأن كل كافر فهو خائن ولا توله على بيت المال فكتب إليه مرة ثانية أبو موسى قال هذا رجل يعني قلّ من يوجد مثله في الحساب والجودة، فكتب إليه عمر: " بسم الله الرحمن الرحيم، من أمير المؤمنين عبد الله عمر بن الخطاب مات النصراني والسلام " كلمة واحدة جملة واحدة مات النصراني يعني قدر أنه مات، هل إذا مات تتعطل المحاسبة عندنا في بيت المال، فقطع طمع أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، المهم أن عاصم بن ثابت أبى أن ينزل على عهد الكفار، لأنهم لا يؤتمنون كل كافر فهو غير أمين، ثم إنهم رموهم بالنبل يعني هؤلاء الهذليون رموا هؤلاء الصحابة العشرة فقتلوهم، قتلوا عاصمًا وقتلوا ستة آخرين وبقي ثلاثة بقي هؤلاء الثلاثة وقالوا ننزل وننظر ماذا هل يوفون أم لا؟ فأخذهم الهذليون ثم حلوا قسيهم وربطوهم بها ربطوا أيديهم، فقال الثالث: " هذا أول الغدر " لا يمكن أن أصحبكم فحاولوا حاولوا قال أبدًا فقتلوه ثم ذهبوا بخبيب وصاحبه إلى مكة فباعوهما، فاشتري خبيب رضي الله عنه اشتراه أناس من أهل مكة وكان قد قتل زعيمًا لهم في بدر خبيب ورأوا هذه فرصة أن يقتلوه ثم أبقوه عندهم أسيرًا مغلولة يداه، في يوم من الأيام كان في البيت وكان أسيرًا مغلولات يده، فدرج صبي من أهل البيت إلى خبيب رضي الله عنه فكأنه رقّ له ورحمه كعادة الإنسان يرحم الصغار ويرق لهم، ولهذا إذا رأيت من نفسك أنك ترق للصغار وترحمهم فهذه من علامة رحمة الله لك، لأن الراحمين يرحمهم الله عز وجل، ولهذا قال الأقرع بن حابس لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل أظنه الحسن أو الحسين قال إن لي عشرة من الولد ما قبلتهم قال: ( أوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) خبيب أخذ الصبي ووضعه على فخذه وكان قد استعار من أهل البيت موسى يعني موس يستحد به يحلق به عانته، فلما رأت لما ذهب الصبي يدرج وأمه غافلة عنه لما تفطنت له وإذا هو على فخذ خبيب وخبيب معه الموس، فظنت أن هذه فرصة لخبيب ماذا يصنع يذبح الولد الموسى معه والولد صبي وهو منفرد به، لكنه رضي الله عنه أمين صحابي جليل لما أحس أنها ارتاعت الأم قال: " والله ما كنت لأذبحه " قالت: " والله ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب رأيته ذات يوم وفي يده قطف عنب " قطف عنب يأكله ومكة ما فيها شيء ثمر، فعلمت أن ذلك من عند الله عز وجل الله سبحانه وتعالى هيأ له هذا العنب وهو أسير لا يملك لنفسه شيئًا، لا يستطيع يخرج إلى السوق يشتري أو يطعم تحت رحمة هؤلاء، ولكن الله جل وعلا يسّر له هذا القطف من العنب يأكل عنبًا وهو في مكة " فعلمت أنه من عند الله " وهذا كقصة مريم رضي الله عنها: (( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب )) فهذه من كرامة الله تعالى لخبيب رضي الله عنه أكرمه الله سبحانه وتعالى تنزل عليه المائدة من العنب يأكلها وهو أسير في مكة، وبقي أسيرًا ثم أجمع هؤلاء القوم الذي قتل والدهم على يد خبيب أجمعوا على أن يقتلوه لكنهم لاحترامهم للحرم قالوا نقتله خارج الحرم، لأن الإنسان إذا قتل أحدًا خارج الحرم ودخل إلى الحرم فإنه لا يجوز أن يقتل في الحرم، قال الله تعالى: (( ومن دخله كان آمنًا )) فهذه سنة كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام على أن الإنسان إذا فعل ما يوجب القتل خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فإن الحرم يعيذه، ولا يجوز أن يقتل ماذا يصنع به يعني لو قال قائل: لو سلمنا بهذه القاعدة كان كل إنسان مجرم يذهب إلى الحرم ويلوذ به، قلنا: لا، نحن لا نقتله في الحرم لكن نضيق عليه حتى يخرج، كيف نضيق عليه؟ قال العلماء: " لا يؤاكل ولا يشارب ولا يبايع ولا يشترى منه ولا يكلم يضيق عليه حتى تضيق عليه الأرض بما رحبت " حينئذ إيش يعمل؟ يخرج وإذا خرج أقمنا عليه ما يجب عليه، المهم أنهم خرجوا بخبيب خارج الحرم إلى الحل ليقتلوه فطلب منهم أن يصلي ركعتين، لأن أشرف الأعمال البدنية الصلاة ولأنها صلة بين العبد وبين ربه عز وجل، فأذنوا له أن يصلي ركعتين انتهى منها وقال: لولا أني أخاف أن تقولوا إنه فرّ من القتل أو كلمة نحوها لزدت، ولكنه رضي الله عنه صلى ركعتين فقط ثم أنشد هذين البيتين: " ولست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي جنب كان لله مصرعي " فقتلوه أما عاصم بن ثابت فله أيضا كرامة أخرى نأتي إليها في الدرس المقبل إن شاء الله
تتمة شرح حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا سرية، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة، بين عسفان ومكة؛ ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه، لجؤوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم، فقالوا انزلوا، فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم أما أنا فلا أنزل على ذمة كافر: اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم؛ فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب، وزيد بن الدثنة ورجل آخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها. قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة، يريد القتلى، فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر؛ فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبا, وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله, ما كنت لأفعل ذلك ! قالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، فوالله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده, وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، وقال:
فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة، وأخبر - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا من عظمائهم، فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا. رواه البخاري. قوله: الهدأة: موضع، والظلة: السحاب. والدبر: النحل. وقوله: اقتلهم بددا بكسر الباء وفتحها، فمن كسر، قال: هو جمع بدة بكسر الباء، وهي النصيب، ومعناه: اقتلهم حصصا منقسمة لكل واحد منهم نصيب، ومن فتح، قال: معناه: متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الأحاديث في باب كرامات الأولياء وفضلهم: " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا سرية وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مئة رجل رام فاقتصوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا: انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم أما أنا فلا أنزل على ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى، فجروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبًا، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، قالت: والله ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب، فوالله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تبق منهم أحدًا، وقال: فلست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرًا الصلاة، وأخبر يعني النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يأتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلًا من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا ) رواه البخاري، قوله: الهدأة أي موضع، والظلة: السحاب، والدبر أي: النحل، وقوله: اقتلهم بددًا بكسر الباء وفتحها فمن كسر قال هو جمع بدة بكسر الباء وهي النصيب، ومعناه اقتلهم حصصًا منقسمة لكل واحد منهم نصيب، ومن فتح قال معناه متفرقين في القتل واحدًا بعد واحد من التبديد ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . نتكلم الآن على ما بقي من حديث قصة عاصم بن ثابت ورفقائه الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم عينًا سرية، يعني مثل الجواسيس يجسّون على العدو، وفي القصة أن خبيبًا رضي الله عنه لما خرجوا به من الحرم ليقتلوه قال دعوني أصلي ركعتين، فصلى ركعتين ثم قال: لولا أني أخاف أن تظنوا أن ما بي جزع لزدت، لأنه رضي الله عنه كان حريصًا على الصلاة ويحب أن يكثر منها عند موته، ثم دعا عليهم رضي الله عنه بهذه الدعوات الثلاث " اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددًا ولا تبق منهم أحدًا " فأجاب الله دعوته وما دار الحول على واحد منهم كلهم قتلوا وهذه من كراماته، ثم أنشد هذا الشعر: " ولست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله فإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع " فصار من الكرامة لهذا الرجل أن الله سبحانه وتعالى كان يرزقه الفاكهة التي لا توجد في مكة وأنه كان يأكلها بيده ويده موثقة بالحديد، وأنه أول من سن الصلاة عند القتل فإنه فعل ذلك وأقرّه الله ورسوله، وأنه دعا على هؤلاء القوم فأجاب الله دعوته، أما عاصم بن ثابت الذي قتل رضي الله عنه فإنه شعر به قوم من قريش، وكان قد قتل رجلًا من عظمائهم فأرسلوا إليه جماعة يأتون بشيء من أعضائه يعرف حتى يطمئنوا أنه قتل، فلما جاء هؤلاء القوم ليأخذوا شيئًا من أعضائه أرسل الله تعالى عليه مثل الظلة من الدبر أي من النحل نحل عظيم يحميه الله تعالى من هؤلاء القوم، فما عجزوا أن يقربوه ورجعوا خائبين، وهذا أيضًا من كرامة الله سبحانه وتعالى لعاصم رضي الله عنه أن الله حمى جثته بعد موته من هؤلاء الأعداء الذين يريدون أن يمثلوا به، والكرامات كثيرة ذكر المؤلف منها ما ذكر في هذا الباب وذكر أيضًا أشياء متفرقة في هذا الكتاب، قال شيخ الإسلام رحمه الله: " من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله تعالى على أيديهم من أنواع العلوم والمكاشفات والقدرة والتأثيرات " قال: " والكرامات موجودة قبل هذه الأمة وفي صدر هذه الأمة إلى يوم القيامة " وذكر شيئًا كثيرًا منها في كتابه " الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن ".
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان، قال الله تعالى: (( ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )) وقال تعالى: (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا )) وقال تعالى: (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين: " باب تحريم الغيبة ووجوب حفظ اللسان " ثم ذكر عدة آيات في هذا المعنى، والغيبة بينها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لأصحابه: ( أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قالوا: يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما تقول، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) يعني مع الغيبة فالغيبة من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلاة ولا الصدقة ولا الصيام ولا غيرها من الأعمال الصالحة، بل تبقى على الموازنة، قال ابن عبد القوي رحمه الله في نظمه الآداب " وقد قيل صغرى غيبة ونميمة *** وكلتاهما كبرى على نص أحمد " أحمد بن حنبل رحمه الله يعني أنه قد نص على أن الغيبة والنميمة من كبائر الذنوب، وقول النبي عليه الصلاة والسلام في تعريفها: ( ذكرك أخاك بما يكره ) يشمل ما يكرهه من عيب خلقي وعيب خلقي وعيب ديني كل شيء يكرهه، فإنك إذا ذكرته به فهي غيبة من عيب خلقي كما لو اغتبته بأنه أعور أو أعرج أو طويل أو قصير أو ما أشبه ذلك، هذه غيبة أو خلقي كما لو اغتبته بأنه ليس بعفيف يعني يتتبع النساء ينظر إلى النساء ينظر إلى المردان وما أشبه ذلك، أو عيب ديني بأن تقول إنه مبتدع إنه لا يصلي مع الجماعة إنه لا يفعل كذا وكذا تعيبه في غيبته، ولهذا سميت غيبة لأنها في غيبة الإنسان أما لو كان ذلك في وجهه فإنه يسمى سبًّا وشتمًا ولا يسمى غيبة، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) يعني بهته مع الغيبة فحذف الشق الثاني لأنه معلوم، ونظير ذلك في الكلام أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذات يوم: ( ليت أنا نرى إخواننا، قالوا: يا رسول الله أولسنا إخوانك؟ قال: لا، أنتم أصحابي وإخواننا هم الذين يأتون من بعدي ) يعني فيؤمنون به وهم لا يرونه، فقوله: ( أنتم أصحابي ) لا يعني بذلك نفي الإخوة بل الصحابة إخوانه وأصحابه ومن بعده إخوانه وليسوا أصحابه هذه أيضًا ( فقد بهته ) يعني ولا ينفي أن يكون غيبة بل هو غيبة وبهتان.
الشيخ : واعلم أن الغيبة تزداد قبحًا وإثمًا بحسب ما تؤدي إليه، فغيبة العامي من الناس ليست كغيبة العالم أو ليست كغيبة الأمير أو المدير أو الوزير أو ما أشبه ذلك، لأن غيبة ولاة الأمور صغيرًا كان الأمر أو كبيرًا أشد من غيبة من ليس له إمرة وليس له أمر ولا ولاية، لأنك إذا اغتبت عامة الناس إنما تسيء إليه شخصيًّا فقط، أما لكن إذا اغتبت من له أمر فقد أسأت إليه وإلى ما يتولاه من أمور المسلمين، مثلًا افرض أنك اغتبت عالمًا من العلماء هذا لا شك أنه عدوان عليه شخصيًّا كغيره من المسلمين، لكنك أيضًا أسأت إساءة كبيرة إلى ما يحمله من الشريعة رجل عالم يحمل الشريعة إذا اغتبته سقط من أعين الناس، وإذا سقط من أعين الناس لم يقبلوا قوله ولم يأتوا إليه يرجعون إليه في أمور دينهم وصار ما يقوله من الحق مشكوكاً فيه، لأنك اغتبته فهذه جناية عظيمة على الشريعة كذلك الأمراء اغتبت أميرًا أو ملكًا أو رئيسًا أو ما أشبه ذلك، ليس هذا غيبة شخصية فقط بل هي غيبة له وفساد في ولاية أمره، لأنك إذا اغتبت الأمير أو الوزير أو الملك معناه إنك تشحن قلوب الرعية على ولاتهم وإذا شحنت قلوب الرعية على ولاتها فإنك في هذه الحال أسأت إلى الرعية إساءة كبيرة، إذ أن هذا سبب لنشر الفوضى بين الناس وتمزق الناس وتفرق الناس واليوم يكون رميًا بالكلام وغدًا يكون رميًا بالسهام، لأن القلوب إذا شحنت وكرهت ولا أمورها فإنها لا يمكن أن تنقاد لأوامرها، بل إذا أمرت بخير رأته شرًا، ولهذا قال الشاعر كلمة صادقة قال: " وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساوئ " فأنت مثلًا إذا اغتبت أحدًا من الكبار الذين لهم ولاة أمر على المسلمين قيادة دينية أو قيادة تنفيذية وسلطة فإنك تسيء إلى المسلمين عمومًا من حيث لا تشعر، قد يظن بعض الناس أن هذا يشفي من غليله وغليانه، لكن كيف يصب جامه على أمن مستقر ليقلب هذا الأمن إلى خوف وهذا الاستقرار إلى قلق أو ليقلب هذه الثقة بالعالم إلى سحب الثقة إذا كنت ذا غليان أو كان صدرك مملوءا غيظا فصبه على نفسك قبل أن تصبه على غيرك انظر في مساوئك أنت، أنت هل أنت ناجٍ من المساوئ هل أنت سالم؟ أول عيب فيك أنك تسب ولاة الأمور وتغتاب ولاة الأمور، قد يقول أنا أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، نقول: حسنًا ما قصدت ولكن البيوت تؤتى من أبوابها، ليس طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنشر معايب ولاة أمورك لأن هذا مما يزيد المنكر لا يثق الناس بأحد، إذا قال العالم هذا منكر قال هين هذا خله على جنب، إذا قال الأمير هذا منكر وأراد أن يمنع منه يقول لا أنت ما أصلحت نفسك حتى تصلح غيرك وما أشبه ذلك، فيحصل بهذا ضرر كبير على المسلمين، والعجب أن بعض المفتونين بهذا الأمر أي بسب ولاة الأمور من العلماء والأمراء العجب أنهم لا يأتون بحسنات هؤلاء الذين يغتابونهم حتى يقوموا بالقسط، لأن الله يقول: (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم )) أي: لا يحملنكم بغضهم (( على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )) والعجب أيضًا أنك لا تكاد تجد في مجالسهم أو في أفواههم يومًا من الدهر إلا قليلًا أنهم يقولون للناس يا أيها الناس اتقوا كذا اتقوا الغش اتقوا الكذب الغش موجود في الأسواق في البيع والشراء والمعاملات، والكذب موجود أيضًا والغيبة موجودة لا تكاد تجد أنهم يصبون جامهم على إصلاح العامة ويحذرونهم، ومن المعلوم أن العامة إذا صلحت فالشعب هو العامة، الشعب مكون من زيد وعمرو وبكر وخالد أفراد إذا صلحت الأفراد صلح الشعب وإذا صلح الشعب فلابد أن تصلح الأمة كلها، لكن بعض الناس يكون فيه مرض يحب مثل هذا الأمر يحب أن يطرح بساط البحث عالمًا من العلماء فيتتبع عوراته ولا يذكر خيراته ويشيعها بين الناس، أو يأخذ أميرًا أو وزيرًا أو رئيسًا أو ملكًا فيضعه على البساط ثم يشرحه ويتكلم فيه ولا يذكر شيئا من حسناته، سبحان الله! أين العدل؟ إذا كان الله عز وجل يقول الحق وهو يهدي السبيل حتى في معاملة المشركين يقول الله عز وجل: (( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها )) قالوا كلمتين وجدنا عليها آباءنا، والثانية والله أمرنا بها حكم الله بينهم: (( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء )) فقبل منهم الحق وهو أنهم وجدوا آباءهم عليها ورد الباطل، إذا كنت تريد أن تتكلم بالعدل تكلم بالعدل أما أن تتبع عورات المسلمين ولاسيما ولاة الأمور منهم فاعلم أن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته وأن من تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه، المهم أن علينا أن نتجنب الغيبة أن نتجنبها وأن نكف ألسنتنا وأن نعلم أن كل كلمة تكون غيبة لشخص فإنما هي نقص من حسناتنا وزيادة في حسنات هذا الذي ظلم بسبه كما قد جاء في الحديث: ( أتدرون من المفلس فيكم؟ قالوا: من لا درهم عنده ولا متاع، قال: لا، المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاته فطرح عليه ثم طرح في النار ) حتى إننا سمعنا بعض السلف أنه سمع شخصًا يغتابه فأرسل إليه بهدية من اللي أرسل الذي اغتيب أرسل إلى الذي اغتابه بهدية وقال له أنت أهديتني حسنات أنتفع بها يوم القيامة وأنا أهديك هذه الهدية تنتفع بها في الدنيا، وآخر أمرها أن تكون خراءة أو بولًا سبحان الله هذا هو الغائط، المهم يا إخواني نصيحتي لي لنفسي ولكم أن تتجنبوا الغيبة وأن تتجنبوا الخوض في مساوئ ولاة الأمور من العلماء والأمراء والسلاطين وغيرهم، إذا كنتم تريدون الخير والإصلاح فالباب مفتوح اتصلوا بأنفسكم اتصلوا بقنوات أخرى إذا لم تستطيعوا أن تصلوا بأنفسكم، ثم إذا أديتم الواجب سقط عنكم ما وراء ذلك، ثم اعلم يا أخي هل غيبتك هذه للعلماء أو للأمراء هل تصلح من الأمور شيئًا؟ أبدًا بل هي إفساد في الواقع لا تزيد الأمر إلا شدة ولا ترتفع بها مظلمة ولا يصلح بها فاسد، وإنما الطرق موجودة ثم على الإنسان أن يتكلم بالعدل كما قلت، إذا ابتليت بنشر مساوئ الناس فانشر المحاسن حتى تتعادل الكفة أو ترجح إحدى الكفتين على الأخرى، أما أن تبتلى والعياذ بالله نسأل الله أن يحمي ألسنتنا وألسنتكم مما يكرهه تبتلى بنشر المعايب وتكون أخرس في نشر المحاسن فهذا ليس بعدل وفقني الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح.
تتمة باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان: قال الله تعالى: (( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )). وقال تعالى: (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )). وقال تعالى: (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )).
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال رحمه الله تعالى: " باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان، قال الله تعالى: (( ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )) وقال تعالى: (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا )) وقال تعالى: (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم . قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين: " باب تحريم الغيبة ووجوب حفظ اللسان " سبق لنا في الدرس الماضي أن الغيبة هي أن تذكر أخاك بما يكره في دينه أو خلقه أو خلقته أو غير ذلك كل شيء يكرهه أخوك فلا تذكره به في حال غيبته، وسبق لنا أن الغيبة من الكبائر من كبائر الذنوب وأنها لا تكفرها الصلاة ولا الصدقة ولا الصيام ولا الحج إلا أنها كغيرها من الكبائر يوازن بينها وبين الحسنات، وسبق لنا أن الغيبة تختلف أي يختلف حكمها وقبحها بحسب ما تفضي إليه من مفاسد، وسبق لنا أن غيبة ولاة الأمور من العلماء والأمراء أشد من غيبة غيرهم لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة، أما ما ساقه المؤلف من الآيات فأولها قوله تعالى: (( ولا يغتب بعضكم بعضًا )) وهذه معطوفة على ما ذكر في أول الآية: (( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه )) فنهى الله عن الغيبة ثم ضرب مثلًا ينفر منه كل أحد فقال: (( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا )) يعني: لو قدم لك أخوك المسلم ميتًا هل تحب أن تأكل لحمه؟ الجواب: لا، كل يقول لا أحب ذلك ولا يمكن، فإذا قال قائل: ما هي المناسبة مناسبة الغيبة لهذا المثل؟ قلنا: لأن الذي تغتابه غائب لا يمكن أن يدافع عن نفسه كالميت إذا قطعت لحمه لا يمكن أن يقوم فيدافع عن نفسه، ولهذا إذا ذكرت أخاك بما يكره في حال وجوده فإن ذلك لا يسمى غيبة بل يسمى سبًّا وشتمًا (( واتقوا الله إن الله تواب رحيم )) فأمر بتقوى الله عز وجل بعد أن نهى عن الغيبة وهذا إشارة إلى أن الذين يغتابون الناس لم يتقوا الله عز وجل، واعلم أنك إذا سلطت على عيب أخيك ونشرته وتتبعت عورته فإن الله تعالى يقيّض لك من يفضحك ويتتبع عورتك حيًّا كنت أو ميتًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه ) إلا أن الغيبة إذا كانت للنصح والبيان فإنه لا بأس بها.