تتمة شرح حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه. وفي رواية في الصحيح: فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت.
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم. رواه مسلم.
وعن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف بالأمانة فليس منا. حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما. رواه أبو داود.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
الشيخ : يقول قائل: أليس الله تعالى أقسم بالمخلوقات قال: (( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا )) وقال: (( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا )) وقال: (( وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا )) ؟! نقول: إن الله تعالى له أن يحلف بما شاء من خلقه ، فهو إذا حلف -سبحانه وتعالى- إذا حلف بشيء كان ذلك دليلا على عظمة الله، لأن عظم المخلوق يدل على عظم من؟ الخالق ، الله تعالى لا يحلف بشيء إلا بشيء عظيم، وعظم المخلوق من عظم الخالق، ولله أن يحلف بما شاء من خلقه ولا أحد يحجر على الله، يفعل ما يريد عز وجل. فإن قال قائل: نسمع بعض الناس يقول أقسم بآيات الله، هل هذا حلف بغير الله، وهل هذا كفر أو شرك؟ نقول: أنا ما أدري ماذا يريد بآيات الله؟ إن أراد بآيات الله الشمس والقمر والليل والنهار فهذا حلف بغير الله، فيكون مشركا أو كافرا، لأن الله يقول: (( وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ))، فإذا قال: أنا أريد بآيات الله التي حلفت بها هذه الأشياء قلن : هذا حلف بغير الله فيكون مشركاً أو كافراً، وإن قال : أريد بآيات الله القرآن ، لأن القرآن آيات الله عز وجل فهذا ليس بمشرك، ليش، لأن القرآن الكريم كلام الله وكلام الله تعالى من صفاته، فإذا قال: أقسم بآيات الله أقصد بذلك القرآن قلنا: هذا قسم صحيح وليس فيه شيء، وفي ظني أن العوام إذا قال: أقسم بآيات الله، في ظني أنهم يريدون ماذا تظنون ؟ القرآن ، في ظني أنهم يريدون القرآن ، فإذا كانوا يريدون القرآن فليس حراما، ولكن إن كانوا يردون الآيات التي هي الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وما أشبه ذلك هذا شرك أو كفر ، والله الموفق.
باب تغليظ اليمين الكاذبة عمدا. عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من حلف على مال امريء مسلم بغير حقه، لقي الله وهو عليه غضبان ) قال: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله عز وجل: (( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا )) إلى آخر الآية. متفق عليه. وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من اقتطع حق امريء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار. وحرم عليه الجنة ) فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال: ( وإن كان قضيبا من أراك ). رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس ). رواه البخاري. وفي رواية: أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال: ( الإشراك بالله ) قال: ثم ماذا ؟ قال: ( اليمين الغموس ) قلت: وما اليمين الغموس ؟ قال: ( الذي يقتطع مال امريء مسلم ) يعني بيمين هو فيها كاذب.
القارئ : " باب تغليظ اليمين الكاذبة عمداً : عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه، لقي الله وهو عليه غضبان، قال: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله عز وجل: (( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا )) ) إلى آخر الآية، متفق عليه. وعن أبي أمامة، إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن أقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ، فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال وإن كان قضيبا من أراك ) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس ) رواه البخاري. وفي رواية له : ( أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال: الإشراك بالله، قال: ثم ماذا ؟ قال: اليمين الغموس ، قلت: وما اليمين الغموس ؟ قال: الذي يقتطع مال امريء مسلم ) : يعني بيمين هو فيها كاذب " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب تغليظ اليمين الكاذبة " : التي يقتطع بها مال امرئ مسلم ، وذلك أن الإنسان يجب عليه إذا حلف بالله أن يكون صادقا سواء حلف على أمر يتعلق به أو على أمر يتعلق بغيره. فإن حلف على يمين وهو فيها كاذب : فإن كان يقتطع بها مال امرئ مسلم ولو يسيراً ، فإنه يلقى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان ، مثال ذلك : إنسان ادعى عليه شخص قال : أنا أطلبك ألف ريال ، قال : لا ، ليس عندي لك شيء ، والمدعي ليس عنده بينة ، فقال القاضي للمنكر : احلف أنه ليس له عندك شيء ، فحلف ، قال : والله ما له عندي شيء ، القاضي سيحكم بأنه لا حق له عليه ، ( لأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) ، فهذا الرجل الذي حلف وهو كاذب يلقى الله وهو عليه غضبان والعياذ بالله ، ويحرم الله عليه الجنة ويدخله النار نسأل الله العافية ، ( حتى قالوا يا رسول الله : وإن كان شيئا يسيراً قال: وإن كان قضيباً من أراك ) : قضيباً : ما يملأ اليد من علف أو أعواد أو ما أشبه ذلك ، يعني حتى ولو كان كذلك ، أو إن القضيب هو العود الواحد من الأراك : يعني من المساويك ، حتى لو أن الإنسان حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم ولو عوداً من أراك ، فإنه يحصل على هذا الوعيد الشديد والعياذ بالله . وأما ما يتعلق بنفسه مثل أن يقال له : إنك فعلت كذا فقال : والله ما فعلت وهو كاذب ، فهذا إذا كان كاذبا ، فإنه لا يستحق هذا الوعيد ، لكنه والعياذ بالله آثم ، جمع بين الكذب وبين الحلف بالله عز وجل كاذبا ، فتتضاعف عليه العقوبة ، فعلى المرء المسلم أن يكون محترما لله عز وجل معظماً له لا يكثر اليمين ، وإذا حلف فليكن صادقاً حتى يكون بارا بيمينه ، نسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى .
باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يفعل ذلك المحلوف عليه، ثم يكفر عن يمينه. عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك ). متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير ). رواه مسلم. وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين ثم أرى خيرا منها إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير ). متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لأن يلج أحدكم في يمينه في أهله آثم له عند الله تعالى من أن يعطي كفارته التي فرض الله عليه ). متفق عليه.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: قال -رحمه الله تعالى- : " باب ندبِ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يفعل ذلك المحلوف عليه، ثم يكفر عن يمينه : عن عبد الرحمن بن سَمُرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فائت الذي هو خير، وكفِّر عن يمينك ) متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير ) رواه مسلم. وعن أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين ثم أرى خيراً منها إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير ) متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لأن يَلَجَّ أحدكم في يمينه في أهله آثم له عند الله تعالى مِن أن يعطي كفارته التي فرض الله عليه ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا الباب عقده المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* يقول : " باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير " : وذلك أن الإنسان إذا حلف على شيء فالأفضل ألا يحنث في يمينه ، أن يبقى على ما حلف عليه ، لكن إذا حلف على ترك واجب ، وجب عليه أن يحنث ويكفر ، مثل أن قال : والله لا أصلي اليوم في جماعة ، هذا حرام عليه ، صلاة الجماعة واجبة ، وهذا ربما يقع ، ربما يقول مثلا أبوه له: يا ولد رح صلي أو أمه تقول: رح صلي، يقول: والله اليوم ما أصلي مع الجماعة عنادا لكم هكذا يقول بعض السفهاء ، فإذا حلف قلنا : هذا لا يجوز لازم تصلي مع الجماعة وتكفر عن يمينك . وإذا حلف فقال : والله لا أكلم ابن عمي لسوء تفاهم بينهما مثلاً ، هذا أيضا حرام لأنه قطيعة رحم وهجر لأخيه ، فيقال : كلمه وكفر عن يمينك . وإذا قال لما أمره أبوه مثلا أن يصلي راتبة الظهر قال : والله ما أصليها عنادا لك ، نقول: هذا الأفضل أن يصلي ويكفر عن يمينه ، ولكن ليس بواجب لأن راتبة الظهر ما هي واجبة . فالحاصل أن الإنسان إذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، وهو بالخيار إن شاء فعل ثم كفر ، وإن شاء كفر ثم فعل . وذكر المؤلف أحاديث منها : حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير ) هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم . أما فعله فقال : ( والله إن شاء الله إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها ، إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ) : فثبت بذلك أي: بالسنة القولية والفعلية : أن الإنسان إذا حلف على شيء ورأى غيره خيراً منه فإنه يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير ، أما إذا لم يكن كذلك فالأفضل أن يبقى على يمينه ، وألا يحنث لقول الله تعالى : (( واحفظوا أيمانكم ))، والله الموفق .
باب العفو عن لغو اليمين : قال الله تعالى: (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم )). عن عائشة رضي الله عنها قالت: أنزلت هذه الآية: (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم )) في قول الرجل: لا والله، وبلى والله. رواه البخاري.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب العفو عن لغو اليمين : قال الله تعالى : (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة * فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم )) . عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( أُنزلت هذه الآية : (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم )) في قول الرجل: لا والله، وبلى والله ) رواه البخاري " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب العفو عن لغو اليمين " : لغو اليمين : هي اليمين التي يقولها الإنسان على لسانه لا يقصدها بقلبه ، وقد عفا الله تعالى عن ذلك لأنه يحصل كثيرا أن يقول الإنسان : لا والله ما أنا برايح لا والله ما ما أنا بجاي ، لا والله ما أنا بفاعل وما أشبه ذلك ، فلما كثر هذا في ألسن الناس عفا الله عنه ، قال الله تعالى : (( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ )) : فسرته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأنه قول الرجل : لا والله وبلى والله في عرض الحديث ولا قصد اليمين ، هذا لا يؤاخذ به، ولا يأثم به ولا يحنث فيه ولا تجب فيه الكفارة . أما إذا عقد الإنسان اليمين عقداً جازما قال : والله لا أفعل كذا أو والله لأفعلن كذا ولم يفعل لزمته الكفارة ، وهي : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم : بدأ الله تعالى بالإطعام ، لأنه أهون الثلاثة قال : (( فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة )) : فإن لم يجد فإنه يصوم ثلاثة أيام متتابعة لا يفطر بينها ، وهذا من سعة رحمة الله عز وجل : أن هذه الأيمان التي تتكرر على الألسن ولا يقصدها الحالف ليس فيها إثم وليس فيها كفارة ، لأن ذلك يقع كثيراً . ولكن مع ذلك يقول الله عز وجل : (( واحفظوا أيمانكم )) يعني : لا تكثروا من الأيمان ، ولا تتركوا الكفارة إذا حنثتم فيها ، بل احفظوها لأن اليمين أمرها عظيم ، ولهذا سمى الله تعالى مخالفتها حنثاً ، بل سماها النبي صلى الله عليه وسلم حنثاً ، لأنه لولا رحمة الله لكان الإنسان إذا حلف لزمه أن يوفي ، ولكن من نعمة الله أن الله يسر أن الإنسان له أن يخالف ما حلف عليه إذا لم يكن إثما ، والله الموفق.
باب كراهة الحلف في البيع وإن كان صادقا. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب ). متفق عليه. وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق ثم يمحق ). رواه مسلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة الحلفِ في البيع وإن كان صادقا : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الحَلِف منفقة للسلعة ممحقة للكسب ) متفق عليه. وعن أبي قتادة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه يُنفق ثم يمحق ) رواه مسلم " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين : " باب كراهة الحلف في البيع وإن كان صادقا " : يعني معنى هذا : أن الإنسان يكره أن يحلف عند البيع والشراء ولو كان صادقاً ، فمثلا يكره أن يقول : والله لقد اشتريتها بمائة ولو كان صادقا ، فإن كان كاذبا صار ظلماً على ظلم والعياذ بالله ، لو قال : والله لقد اشتريتها بمائة ولم يشترها إلا بثمانين صار أشد ، لأنه يكون بذلك كاذباً حالفاً في البيع ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وأخبر كما في حديث أبي هريرة : ( أنه منفقة للسلعة ممحقة للكسب ) : يعني أنها وإن زادت السلعة بالحلف، فإن الله ينزع بركته ويمحق كسبه، لأن هذا الكسب مبني على معصية الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومعصية الرسول معصية لله ، وكثير من الناس يُبتلى في هذا الأمر ، تجده مثلا يقول للزبون : والله إنه طيب والله إني اشتريته بكذا وكذا والله أنه يسوى كذا وكذا ، سواء كان صادقا أم كاذبا فهو منهي عنه ، بيع واشتري بلا يمين ، إذا أردت أن الله تعالى يبارك لك في كسبك . وكذلك حديث أبي قتادة : فيه التحذير من الحلف في البيع ، ( إياكم والحلف في البيع فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة ) : والحديثان معناهما واحد ، كلاهما يدل على أن الإنسان يُنهى عن الحلف في البيع . وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكثر الحلف أو لا ، لكن لما كان الإنسان البائع والشاري التاجر دائماً يحلف ، دائماً يبيع ويشتري حمله بعض العلماء على الكثرة ، كثرة الحلف عند البيع والشراء ، فالإنسان إذا أراد الله له الرزق أتاه بدون اليمين ، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الرزق الحلال .
باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة . عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ). رواه أبو داود.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة : عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة ) رواه أبو داود . عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) حديث صحيح ، رواه أبو داود ، والنسائي بأسانيد الصحيحين " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : "باب كراهة أن يسأل بوجه الله غير الجنة " : وجه الله تعالى وصفه الله تعالى بأنه ذو الجلال والإكرام ، فقال تعالى : (( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )) : كل من على البسيطة فإنه فان زائل ، لكن يبقى وجه الله عز وجل : (( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )) ، ولهذا قال بعض العلماء : " ينبغي أن يصل قوله : (( ويبقى وجه ربك )) بما قبلها " ، حتى يتبين كمال الله عز وجل وأنه يستحيل عليه الفناء ، بل هو الباقي الذي لا يزول ، فوجه الله تعالى عظيم ، وأعظم ما يسأله المرء الجنة ، قال الله تعالى : (( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز )) ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم ، هذا الفوز الأعظم الذي لا يدانيه أي فوز : (( فمن زحزح عن الناروأدخل الجنة فقد فاز )) ، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم . فلما كانت الجنة أعظم مسؤول ، أعظم مسؤول به ، يعني أعظم ما يسأله الإنسان هو الجنة ، صار لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة ، فلا تسأل بوجه الله شيئا من أمور الدنيا ، لا تقل : اللهم إني أسألك بوجهك أن تعطيني بيتا أسكنه أو سيارة أركبها أو ما أشبه ذلك ، لأن وجه الله أعظم مِن أن يسأل به شيء من الدنيا ، الدنيا كلها دنيئة كلها فانية كلها لا خير فيها إلا ما يُقرب إلى الله عز وجل ، وإلا فهي خسارة ، قال الله عز وجل : (( والعصر * إن الإنسان لفي خسر )) : العصر يعني : الدهر وهو الدنيا ، أقسم بالعصر أن كل إنسان في خسر ، لا يستفيد من عصره شيئاً إلا من جمع هذه الصفات الأربع : (( إلا الذين آمنوا )) واحد ، (( وعملوا الصالحات )) اثنين ، (( وتواصوا بالحق )) : يعني أوصى بعضهم بعضا بالحق ، والرابع : (( وتواصوا بالصبر )) أي : بالصبر على الحق والدعوة إليه والصبر على أقدار الله وغير ذلك . فالمهم لا تسأل بوجه الله إلا الجنة، وكذلك ما يقرب إلى الجنة، فاسأل الله إياه فلك أن تسأل بوجه الله النجاة من النار، اللهم إن أسألك بوجهك أن تنجني من النار، لأنه إذا نجا الإنسان من النار لابد أن يدخل الجنة ، ما في ثلاثة دور ، ما في إلا داران فقط : دار الكفار وهي النار ، أعوذ بالله منها ، أعاذنا الله وإياكم منها ، ودار المؤمنين المتقين وهي الجنة ، فإذا قلت : أسألك بوجهك أن تجيرني من النار فلا بأس، لأن الله متى أجارك من النار أدخلك الجنة . وهذا الحديث إسناده ضعيف ولكن معناه صحيح ، لا ينبغي أن تسأل بوجه الله العظيم إلا شيئاً عظيم . أما حديث ابن عمر فسيأتي الكلام عليه في الدرس القادم ، والله الموفق.
شرح حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ). حديث صحيح رواه أبو داود، والنسائي بأسانيد الصحيحين.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق الأحاديث في باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله غير الجنة : " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) حديث صحيح، رواه أبو داود، والنسائي بأسانيد الصحيحين " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* في باب كراهة أن يسأل بوجه الله غير الجنة : " عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من استعاذ بالله فأعيذوه ) " : يعني معناه إذا قال أحد لك : أعوذ بالله منك فأعذه واتركه ، كما فعلت امرأة تزوجها الرسول عليه الصلاة والسلام ، فلما دنا منها قالت : أعوذ بالله منك ، جاهلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد عذتِ بمعاذ إلحقي بأهلك وتركها ) ، لأنها استعاذت بالله منه فإذا استعاذ أحد بالله منك فأعذه، إلا إذا استعاذ عن حق واجب فإن الله لا يعيذه، لو أنه كان مطلوباً لك ، فسألته حقك ، قلت : أعطني حقي فقال : أعوذ بالله منك ، فهنا لا تعذه ، لأن الله تعالى لا يعيذ عاصياً ، لكن إذا كان الأمر ليس محرماً فاستعاذ بالله منك فأعذه تعظيماً لله عز وجل. ( ومن سأل بالله فأعطه ) : لو سألك سائل فقال : أسألك بالله أن تعطيني كذا وكذا فأعطه إلا إذا سألك شيئا محرماً فلا تعطه ، مثل أن يسألك يقول لك : أسألك بالله أن تخبرني ماذا تصنع مع أهلك مثلاً ، هذا لا يجوز أن تعطيه ، بل وبخه وانصحه وقل : هذا تدخل فيما لا يعنيك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مِن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) ، وكذلك لو سأل محرما ولو سألك بالله لا تعطه ، لو قال : أسألك بالله أن تعطيني كذا وكذا ليشتري به دخانا فلا تعطه، لأنه سألك ليستعين به على شيء محرم . فالمهم أن من سألك بالله فأعطه ما لم يكن على شيء محرم . وكذلك ما لم يكن عليك ضرر ، فإن كان عليك ضرر فلا تعطه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ضرر ولا ضرار ) . ( ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه ) : يعني إذا أحد صنع إليك أحد معروفا إما بمعونة في شيء أو باستخدامك إياه في شيء من الأشياء أو غير ذلك فكافئه ، أعطه ما تظن أنه يكافئ معروفه ، فإن لم تجد ما تكافئه ، أو كان ممن لا يحسن مكافأته كالملك والوزير والرئيس وما أشبه ذلك : فادعو له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه . ( ومن دعاكم فأجيبوه ) : من دعاك إلى بيته إلى وليمة قليلة أو كثيرة فأجبه ، لكن هذا مشروط بما إذا لم يكن عليك ضرر ، فإن كان عليك ضرر فلا تجبه . أو كان هذا الرجل ممن يُهجر فلا تجبه أيضاً ، أو كان هذا الرجل في ماله حرام ورأيت من المصلحة ألا تجيبه لعله يقلع عن الحرام فلا تجبه . أما في وليمة العرس : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَن لم يجب فقد عصى الله ورسوله ) : إذا دعاك الزوج لوليمة العرس فأجبه ما لم يكن عليك ضرر أو يكن هناك منكر ، فإن كان عليك ضرر فلا يلزمك إجابته ، وإن كان هناك منكر ، فإن كنت تستطع أن تغيره فأجبه وغير، وإلا فلا تجب ، والله الموفق .
باب كراهة سب الحمى. عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب، أو أم المسيب فقال: ( ما لك يا أم السائب - أو يا أم المسيب - تزفزفين ؟) قالت: الحمى لا بارك الله فيها ! فقال: ( لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد ). رواه مسلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة سب الحمى : عن جابر رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب، أو أم المسيب فقال: ما لك يا أم السائب - أو يا أم المسيب - تزفزفين؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها! فقال: لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد ) رواه مسلم " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب كراهة سب الحمى " : الحمى هي : السخونة ، وهي نوع من الأمراض وهي أنواع متعددة ، ولكنها تكون بقدر الله عز وجل فهو الذي يقدرها وقوعاً ويرفعها سبحانه وتعالى، وكل شيء من أفعال الله فإنه لا يجوز للإنسان أن يسبه ، لأن سبه سب لخالقه جل وعلا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ) ، وهنا ذكر حديث جابر رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم المسيب أو أم السائب وهي تزفزف من الحمى ) : يعني نفسها قد ثار من الحمى ، ( فقال ما لك تزفزفين؟ قالت: من الحمى لا بارك الله فيها ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبها ) : وعلى المرء إذا أصيب أن يصبر ويحتسب الأجر على الله عز وجل ، وأخبر أنها تذهب بالخطايا كما يذهب الكير بخبث الحديد : فإن الحديد إذا صُهر على النار ذهب خبثه وبقي صافياً ، كذلك الحمى تفعل بالإنسان كذلك . ولها أدوية علاجية منها الماء البارد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر : " أن الحمى من فيح جهنم ، وأمرنا أن نطفئها بالماء البارد " ، ولهذا أقر الأطباء في الوقت الحاضر بأن من أكبر علاج الحمى البرودة ، حتى إنهم يجعلون الإنسان إذا أصابته الحمى حول المكيفات الباردة التي لا تضره ، أو يجعلوا خرقة مبلولة بالماء يغطونه بها ، يغطون المريض ، لأن الحمى بإذن الله حرارة كما هو معروف ، وهذا الماء يبردها ويطردها ، وهو شيء أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حق ، المهم أن الإنسان يصبر ويحتسب على كل الأمراض لا يسبها.
باب النهي عن سب الريح وبيان ما يقال عند هبوبها. عن أبي المنذر أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها ). رواه أبو داود بإسناد حسن. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: ( اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به ). رواه مسلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب النهي عن سب الريح ، وبيان ما يقال عند هبوبها : عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أُمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أُمرت به ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الريح من رَوح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسَلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها ) رواه أبو داود بإسناد حسن. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أُرسلت به ) رواه مسلم " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب النهي عن سب الريح " ، وسبق في الدرس الماضي النهي عن سب الحمى . الرياح من آيات الله عز وجل ، من آيات الله تعالى في تصريفها وفي إرسالها وفي كيفيتها ، إذ لا يقدر أحد على أن يُصرف هذه الرياح إلا خالقها عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى : (( إنَّ في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون )) ، وقال الله تبارك وتعالى : (( وهو الذي يرسل الرياح بُشرًا بين يدي رحمته )) ، وقال تعالى : (( وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِه )) ، والآيات في هذا كثيرة . هذه الريح التي خلقها الله عز وجل وصرفها تنقسم إلى قسمين : قسم : ريح عادية لا تخيف فهذه لا يسن لها ذكر معين . وريح أخرى عاصفة هذه تخيف ، لأن عادا عذبهم الله تعالى بالريح العقيم والعياذ بالله ، فإذا عصفت الريح فإنه لا يجوز لك أن تسبها ، لأن الريح إنما أرسلها الله عز وجل ، فسبك إياها سب لله تبارك وتعالى ، ولكن قل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( اللهم إني أسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أُرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أُرسلت به ) : وبهذا الدعاء يحصل لك خيرها ، ويزول عنك شرها . ( أسألك خير هذه الريح ) : لأن هذه الريح قد تكون عاصفة شديدة تُقلع الأبواب وتجث الأشجار وتهدم الديار . ( وخير ما فيها ) : ما فيها : أي ما تحمله من أمور قد تكون نافعة وقد تكون ضارة . ( وخير ما أرسلت به ) : لأنها تارة ترسل بالخير وتارة ترسل بالشر فتسأل الله خير ما أرسلت به . ( وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ) : فإذا استعاذ الإنسان من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به وسأل الله خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، كفاه الله شرها . واعلم أن لا يجوز للإنسان أن يتعلق بالريح في حصول المطر والغيث والصحو وما أشبه ذلك ، لأن هذا من جنس الاستسقاء بالأنواء الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، كثير من الناس يعلق رجاءه بالريح الجنوب ، يقول : إذا هبت الجنوب حصل الغيث ، وتجد قلبه متعلقا بها ، وهذا لا يجوز ، لأنها قد تهب ريح الجنوب كثيرا ولا يأتي أمطار ولا غيوم ، وقد يكون بالعكس تأتي الأمطار والغيوم من الريح الشمالي ، فالأمر كله بيد الله عز وجل ، فعليك أن تعلق قلبك بربك تبارك وتعالى ، وألا تسب ما خلقه من الرياح ، واسأل الله خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، واستعذ بالله من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ، والله الموفق .
باب كراهة سب الديك. عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة ). رواه أبو داود بإسناد صحيح.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين : قال -رحمه الله تعالى- : " باب كراهة سب الديك : عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة ) رواه أبو داود بإسناد صحيح . باب النهي عن قول الإنسان مطرنا بنوء كذا : عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت مِن الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ) متفق عليه " . الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم : قال المؤلف -رحمه الله- في كتابه *رياض الصالحين* : " باب النهي عن سب الديك " : الديك هو الذكر من الدجاج وله صوت يؤذن فيوقظ النائم ، وبعضها يؤذن على الأوقات ، عند أوقات الصلوات ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من سمع صوت الديك أن يسأل الله من فضله ، إذا سمعت صوت الديك فقل : أسأل الله من فضله فإنها رأت ملكاً . وبعض الديكة يكون أذانه على دخول الوقت ، أو قرب دخول الوقت ، فيوقظ الناس للصلاة ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبه لهذه المزية التي تميز بها ، كما نُهي عن قتل النملة ، لأنها كانت دلت أخواتها على النجاة من سليمان عليه الصلاة السلام . وهذا من تمام عدل الله عز وجل ، أن بعض الحيوانات التي يكون فيها مصلحة للعباد يكون لها مزية وفضل على غيرها . سب الديك قد يقع من بعض الناس ، يفزع من صوته وهو نائم فيسبه ويشتمه وهذا منهي عنه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تسبوا الديك ) . وفي هذا الحديث دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يتخذ ما يوقظه للصلاة ، وذلك مثل الساعات المنبهة ، فإن الإنسان ينبغي له أن يقتني من هذه الساعات حتى تنبهه للصلاة في الوقت الذي يدرك فيه الصلاة ، وكثير من الناس يتهاون في هذا الأمر ، ينام معتمدا على أنه سيقوم في الوقت الذي يريده ولكن يغلبه النوم ، فإذا علمت من نفسك هذا فاجعل لنفسك منبها ينبهك للصلاة ، " لأن ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به " ، وأنت مثاب على هذا .
باب النهي عن قول الإنسان مطرنا بنوء كذا. عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: ( هل تدرون ماذا قال ربكم ؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ). متفق عليه.
الشيخ : وأما الباب الثاني وهو: تحريم قول الإنسان مطرنا بنوء كذا وكذا : فهو أيضا عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ، ( أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ) : والحديبية غزوة مشهورة معروفة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة معتمرا ومعه إبل الهدي ، فلما وصل إلى الحديبية وهى أرض بين الحل والحرم منعته قريش أن يدخل مكة ، وجرى بينهم وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما هو معروف من المصالحة ، لكن في إحدى الليالي صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح على إثر مطر ، فلما انصرف من صلاته أقبل عليهم وقال : ( هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ) : وإنما سألهم ألقى عليهم هذا السؤال من أجل أن ينتبهوا لأن إلقاء الأسئلة يوجب الانتباه . ( قالوا: الله ورسوله أعلم ) : وهكذا كل إنسان يجب عليه إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله ورسوله أعلم في الأمور الشرعية ، أما الأمور الكونية القدرية فهذا لا يقول : ورسوله أعلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، كمثل لو قال قائل : أتظن المطر ينزل غدا؟ تقول : الله أعلم ، ولا تقول الله ورسوله أعلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم مثل هذه الأمور، لكن لو قال لك: هل هذا حرام أم حلال ، تقول: الله ورسوله أعلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عنده علم الشريعة. المهم أنهم قالوا: الله ورسوله أعلم ، وهذا من الأدب ، ( قال : قال ) : يعني أن الله قال عز وجل قال : ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ) : يعني في تلك الليلة قال الله عز وجل فيما أوحاه إلى نبيه ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ) .